Site icon مجلة المنارة

علاقة الجهوية الموسعة بمبادرة الحكم الذاتي

 

 

علاقة الجهوية الموسعة بمبادرة الحكم الذاتي[1]

 

 

سناء حمرالراس

 طالبة باحثة

سلك الكتوراة “مسلك الأنظمة القانونية و الإدارية و القضائية المقارنة”

كلية العلوم القانونية_ سلا

Sanaacool16@hotmail.com

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أضحى موضوع الجهوية والجهوية الموسعة ، حاضرا وبقوة في المقاربات المقارنة للتنمية و التنمية المستدامة ، وأيضا أصبح لها نفس الحضور خاصة في الاهتمام المرتبط بالمسار العام للتطور اللامركزي المغربي سواء في أبعاده التاريخية القديمة ، أو في أبعاده الحاضرة من خلال التراكم الموضوعي لتجربة التنظيم الجهوي في ظل القانون 96_47 ، وكذا الأبعاد المستقبلية لذات المفهوم من خلال المسار الذي تعرفه القضية الوطنية الأولى (قضية الصحراء) والدفع المغربي بمبادرة الحكم الذاتي .[2]

وعموما ففي إطار المحور الذي اخترناه للمشاركة به في هذه الندوة والمتعلق ب: “علاقة الجهوية الموسعة بمبادرة الحكم الذاتي”، لابد من الوقوف على مفهوم الحهوية ومفهوم الحكم الذاتي.

           المبحث الأول : تحديد مفاهيمي

أولا:الجهة الجهوية

يعتبر مفهوم الجهة من المصطلحات السياسية والإدارية التي ظهرت في النصف الثاني من القرن 19، ارتبط ظهوره بمفهوم الديمقراطية في الدول ذات النظام الليبرالي.

وتعني كلمة الجهة من الناحية اللغوية، ناحية من النواحي، أي جزء من الكل ، وهي بهذا تعني الضاحية أو المجال المحيط بمركز معين ، وهكذا يمكن التمييز بين الناحية والجهة التي قد تضم مراكز عدة بضواحيها المتنوعة.

و الجهة هي الموضع الذي نتوجه إليه ونقصده، وتختلف الجهة عن المنطقة التي هي رقعة ترابية معينة مشخصة ثقافيا أو سياسيا أو عسكريا أو غيره، و عن الناحية التي تطلق على اتجاه قطبي جغرافي غير محدد ترابيا، و عن الجهوية التي تعبر عن توجه سياسي اقتصادي ثقافي معين[3]

من هنا تأتي أهمية التمييز بين الجهوية التي لها مدلول مجموعات متماسكة ذات أهداف سياسية دفاعية،

الجهوية بمفهومها الحديث الذي  يعني مجموعة منسجمة تهدف إلى تكامل اقتصادي و إداري وتنموي.

وفد عرفت لجنة الشؤون الجهوية للمجلس الأروبي الجهة”بالوحدات التي تتموقع تحت مستوى الدولة المركزية، وتتمتع بتمثيلية سياسية مضمنة بوجود مجلس جهوي منتخب”. ولعل هذا التعريف يتماشى مع ما ذهب إليه المشرع المغربي غي المادة الأولى من القانون 96_47 المتعلق بالجهات بكونها جماعات محلية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي.

وعموما، فإنه لحد الآن لم يتم وضع تعريف موحد للجهة نظرا لاختلاف المنطلقات و التصورات و الفلسفات التي تطرقت لموضوع الجهة و الجهوية.باعتبار أن الجهوية كبناء قانوني و سياسي و إداري لم تكتمل بعد ملامحه النهائية، غير أنه لا أحد يجادل في كون الجهوية وسيلة حضارية لتدبير القضايا العامة بأساليب ديمقراطية و شفافة بواسطة مشاركة السكان في عملية اتخاذ القرار الجهوي، واحترام حقهم في التناوب على السلطة.

ثانيا: مفهوم الحكم الذاتي:

حينما نتحدث عن مفهوم الحكم الذاتي لانجد له تعريف معين و محدد، كما ليس له نموذج يمكن أن يقدم حلولا موحدة تصلح للتطبيق على كل الحالات و في كل مكان ، غير انه يطلق على مستوى معين من الاستقلال الذاتي قد يبدأ من مجرد لامركزية إدارية إلى دولة دون سيادة مشمولة بالحكم الذاتي. غير أنه وفي معناه العام يعني ” القدرة على سن القوانين للذات أي أن يحكم الإنسان نفسه بنفسه”[4]

وحتى لا نطيل في سرد المفاهيم ،يمكن أن نجمل القول في معنى الحكم الذاتي :”إنه كل نظام يوفر لجماعة ما الوسائل الضرورية ،القانونية ،السياسية، والاقتصادية، و الثقافية، التي من شأتها أن تؤمن بقاء و نمو الشخصية الذاتية لهذه الجماعة مع مراعاة احترام الوحدة الترابية للدولة التي توجد بها”.

وبالرغم من هذا التعريف للحكم الذاتي فإن الإشكالية تكمن في أن المرونة التي يتسم بها هذا المفهوم عند التطبيق جعلت من الصعب إعطاء تعريف محدد له، و بالتالي ظل رهينا للتطور القانوني و التنظيمي الذي تعرفه مؤسسة الدولة، حيث أصبح ينتمي لدائرة القانون الداخلي أكثر من انتمائه للقانون الدولي. وبعد هذه الوصلة المفاهيمية ننتقل للحديث عن علاقة الجهوية الموسعة بمبادرة الحكم الذاتي.

المبحث الثاني:علاقة الجهوية الموسعة بمبادرة الحكم الذاتي:

 

أولا – الجهوية الموسعة أفق لتنزيل الحكم الذاتي في الصحراء:

بدأت المعالم الكبرى للجهوية بالمغرب في الظهور ابتداء من سنة 1984 حينما أبدى الحسن الثاني في خطابه إعجابه بنظام “اللاندر” الألماني، وبدأ هذا الأمر في التبلور مع مؤسسة الجهة كمؤسسة دستورية من خلال مراجعة دستور 1992، الذي اعتبر الجهة مؤسسة دستورية على نفس مستوى العمالات والأقاليم والجماعات الحضرية والقروية.

وقد تأكدت هذه المعالم عندما وضع القانون رقم 47/96، الذي صدر في أبريل 1997، الإطار القانوني لتدبير الشؤون الجهوية من طرف مجلس جهوي منتخب، وجعل من الجهة فضاء للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فيما وضع خطاب الملك بتاريخ 19 شتنبر 2001، والرسالة الملكية الموجهة إلى الوزير الأول بتاريخ 9 يناير 2002، الجهة في قلب إستراتيجية  التنمية بالمغرب من خلال إحداث المراكز الجهوية للاستثمار([5])، وتتويجا لهذا المسار جاء الخطاب الملكي([6]) ليعلن  عن جهوية موسعة تعتبر بمثابة إعلان بل إعداد فعلي وعملي لبداية تنزيل الحكم الذاتي في الصحراء، وذلك بعدما مهد لذلك حينما أعلن في نونبر 2005 عن المبادرة المبنية على حل توافقي يخول للأقاليم  الصحراوية  أحقية إدارة نفسها بنفسها في إطار نظام جهوي متقدم، بغية قطع الطريق  أمام محاولات احتكار الحل، وطي كل المعالجات العشوائية التي شكلت جزء من ممارسات الماضي.

لهذه الغاية سعى الملك إلى التأكيد على ضرورة الارتقاء بالحكامة الترابية وفتح ورش إصلاحي أساسي يقوم على أساس الربط بين الحكم الذاتي والجهوية الموسعة التي ستطبق في جميع مناطق المملكة في إطار منظومة تطوير الحكامة وطنيا، لتأسيس دولة الجهات وإعادة الاعتبار لعلاقة المركزي بالمحلي. ذلك أن وعاء الجهوية المقترحة هو الكفيل بأن يكون قادرا على تلبية طموحات النخب المحلية على أرض الواقع وبلورتها بشكل صحي وسليم يدفع بالدولة ومؤسساتها المحلية والمركزية نحو مستقبل أفضل.

لهده الاعتبارات انخرط المغرب في مسعى البحث عن نموذج “مغربي-مغربي” لجهوية مغربية تمنح الحكم الذاتي لجهة الصحراء أفقه الترابي والمؤسساتي  في إطار السيادة  الوطنية حتى يكون هذا النموذج بمثابة المختبر لجهوية موسعة لباقي جهات البلاد في إطار سياسة جهوية ترسمها الدولة، تقوم على أساس تعميم نظام  حكم جهوي على كافة التراب الوطني في سياق يأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الثقافية والجهوية  النابعة من خصوصيات الدولة المغربية ومرتكزاتها الأساسية التي حددها الملك([7]) في خطابه الأخير، والتي نذكر منها التشبث بمقدسات الأمة وثوابتها كالإسلام والملكية والوحدة الترابية.

ولعل المراد من كل ذلك أن تتميز هذه الجهوية، التي دعا لها الملك، بأصالتها وخصوصيتها كي لا تكون استنساخا للنماذج الأجنبية، من قبيل النموذج الألماني والنموذج الاسباني والإيطالي…

وبذلك نستطيع القول إن مشروع الجهوية الموسعة، يندرج ضمن سياق يقتضي ضرورة البحث عن حل لمعضلتين، تتمثل الأولى في مشكل الصحراء الذي عمر طويلا واستنزف الكثير من الأرواح والأموال، والثانية تعود إلى الأسباب الكامنة وراء تحريك ورقة الجهوية، والتي تظهر في الخصاص الكبير الموجود على مستوى مشاريع التنمية المحلية، حيث إن الملك نفسه اكتشف حجم الثغرات التي تهم الخارطة السوسيو-اقتصادية، ولمس عن كثب أن مشاريع “المركز” لا تعالج الفقر والتهميش من جذوره، لذلك كان من الضروري أن تتم الدعوة إلى هذا المشروع الكبير لإعادة النظر في الإستراتيجية المركزية التي كانت تحتكر المبادرة والقرار.

لذلك اعتبر هذا الورش الملكي بمثابة ثورة على النظام الممركز للدولة لأنه يشكل في العمق خيار سياسي قائم على إعادة النظر في توزيع السلطة والثروة والجاه، وفي محاولة لتخفيف قبضة المركز على الأطراف، والاعتراف بحق تقرير المصير الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وتوسيع المشاركة، وتعميق الديمقراطية وحصر سلطة المركز في الأمور السيادية. من هنا ظهرت أهمية نظام الجهوية كأسلوب يجب أن يتأسس على ضرورة منح الصلاحيات واختصاصات  تهم فئات اجتماعية أو سياسية أو عرقية…، داخ مجال ترابي محدد يسمى بالجهة، يسمح لهم باختيار ممثلهم اجتماعيا، سياسيا واقتصاديا داخل أجهزة وهياكل الجهة ومؤسساتها التنفيذية والتشريعية والقضائية بشكل حر وديمقراطي من أجل المحافظة على وحدة التراب الوطني وسيادته بغية خلق أفاق تنموية محلية واعدة لبناء مغرب ديمقراطي بجهات قوية وقادرة على مواجهة التحديات، خاصة منها وجود بعض المؤشرات المقلقة على مستوى نسب الفقر والبطالة والهشاشة، مما جعل النقاش المثار حول إنتاج الثروة وإعادة توزيعها يفرض نفسه من جديد لصالح تحسين مؤشرات التنمية كإحدى الآليات التي على التصور الجديد للجهوية الموسعة، الذي تعكف اللجنة الاستشارية على إعداده، أخذها بعين الاعتبار.

غير أن بعض المهتمين، كما أشارت إلى ذلك بعض الصحف، لديهم غموض متعلق بطبيعة هذه الجهوية المعلن عنها، وما المقصود بها، هل تتعلق بالمشروع الذي قدمه المغرب للأمم المتحدة (الحكم الذاتي) أم الجهوية التي ستعلن عنها اللجنة الاستشارية؟ لذلك فاللجنة مطالبة بالكثير من العمل والاستشارات، لأن الأمر يتعلق باستحضار روح الدستور التي ينبغي أن تسود كافة جهات المملكة. كما أنها مطالبة أيضا بالحرص على ان يكون مشروع الجهوية الواسعة داعما لوحدة البلد ومحددا على قدم المساواة للحقوق والواجبات لجميع الجهات بالمملكة.

أمام هذه التحديات سيكون أمام أعضاء اللجنة الاستشارية ضرورة إيجاد عدد من التوازنات والتوافقات الضرورية لبلورة نموذج مغربي لجهوية متقدمة يراعي التنوع والتباين في الوضعية الاقتصادية والبشرية والجغرافية للجهات الستة عشر، وهو الأمر الذي ستكشف عنه المعطيات الإحصائية الواردة في تقرير “مغربية الجهات2008” الذي أصدرته المندوبية السامية للتخطيط مؤخرا، والتي قال مسؤولها الأول “أحمد حليمي” في ديباجة التقرير إنها منكبة على إعداد تقارير جهوية للحسابات الوطنية للوقوف، بالتدقيق، على إسهام كل جهة على حدة في النمو الاقتصادي للمملكة([8]).

وبالتالي أصبح لازما على أعضاء اللجنة خلال الحيز الزمني المخصص لهم أن يعملوا على تقديم تصوراتهم حول النظام الجهوي المنتظر  في إطار التوازنات والتوجهات الكبرى للمجتمع، خاصة في ظل السياق الحالي الذي تقتصر فيه الجهوية على ضرورة السهر على حسن إنضاج أفكار تتعلق  بالتطبيق السليم للحكم الذاتي بالأقاليم الصحراوية، والتي وضعها الملك في صدارة المناطق التي ستطبق فيها الجهوية الموسعة، إذ لا يمكن للمغرب تبني نظام جهوي سياسي خارج إطار الحكم الذاتي الذي أخذ مسارا لدى المنتظم الدولي من خلال مساعي بلادنا بغية إيجاد حل لنزاع عمر طويلا، الأمر الذي يفسر انخراط المغرب في مسعى البحث عن نموذج مغربي لجهوية مغربية تمنح المبادرة المغربة حول الحكم الذاتي أفقها الترابي والمؤسساتي والقانوني في إطار السيادة الوطنية، وتزكي التجربة المغربية بشأن اللامركزية الإقليمية والجهوية نحو مزيد من تنازل الإدارة المركزية عن العديد من الاختصاصات والصلاحيات ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لصالح الهيئات المنتخبة جهويا، وهو أمر له دلالاته السياسية والتي يمكن أن نجملها في إيجاد تسوية للمشاكل القائمة في الجنوب وبالتالي الوصول إلى حل لقضية الصحراء.

 

 

 

 

ثانيا- خيار الحكم الذاتي وآفاق الحل السياسي:

لقد شكل خطاب الملك في 6 يونيو 2005، وخطاب مدينة العيون في 25 مارس2006، دعوة أخرى لكل الصحراويين إلى “التفكير الجاد والعميق بخصوص تصوراتهم لمشروع نظام الحكم الذاتي” الشيء الذي يبرز الرغبة  الواضحة للدبلوماسية المغربية في ضرورة إقرار حل سياسي تفاوضي للنزاع تكون غايته، تحويل الأقاليم الصحراوية حكما ذاتيا يضمن لسكانها تدبير شؤونهم الجهوية ضمن السيادة المغربية، وكذا التجاوب مع المتطلبات الدولية وما يرافقها من ضغوطات.

على هذا الأساس أتى الخطاب الملكي ليوم 3 يناير 2010 ليضع الأقاليم الصحراوية الجنوبية في صدارة المناطق التي ستطبق فيها الجهوية الموسعة، لأن المغرب كما يؤكد ذلك الملك نفسه في هذا الخطاب “لا يمكن أن يبقى مكتوف اليدين، أمام عرقلة خصوم وحدتنا الترابية للمسار الأممي لإيجاد حل سياسي وتوافقي للنزاع المفتعل حولها، على أساس مبادرتنا للحكم الذاتي، الخاصة بالصحراء المغربية”. وهي المبادرة التي تقدم بها المغرب في ربيع 2007 كمقترح لحل نزاع الصحراء، واعتبرت من أهم الحلول الإستراتيجية التي ابتكرها صانع القرار في المغرب، لذلك أراد لها ان تكون متماهية ومنسجمة مع متطلبات المعايير الدولية للحكم الذاتي التي يمكن حصرها في المعايير التالية:

وهي معايير تدخل في إطار إعادة ترتيب الصلة أو العلاقة مع السلطة المركزية لخلق تناسق بين المركز والجهات في أفق تدبير ذاتي جهوي    autogestion régional  يدخل في إطار التأسيس لدولة الجهات بغية تطوير منظومة الحكامة على الصعيد الوطني وحسن تدبير الشأن العام والمجتمعي للبلاد ككل في أفق تعميم وتوحيد نظام الحكم الذاتي على كافة التراب الوطني في إطار السياسة الجهوية التي تسعى البلاد إلى إرسائها، كما ذكرنا في المحور الأول، ويبقى الضامن الأساسي لذلك هو القناعة الراسخة بالديمقراطية واللامركزية للتخلص من دعوات الانفصال والاستقلال.

وبذلك يمكن القول إن مقترح الحكم الذاتي الذي يتبناه المغرب يأتي لإيجاد مخرج للمأزق على مستوى المعالجة الدولية، لكونه يستجيب لتوجهين : أولهما أنه في كل صراع دولي ليس هناك غالب واحد يمكن أن يستأثر بكل شيء، مهما كانت شرعية حقوقه بناء على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، وثانيهما أن هذا الحل يعتبر أن القضية يمكن أن تحل على أساس أنه لا إلحاق ولا انفصال، بل هناك وضعية خاصة تسمح للسكان بتدبير شؤونهم اليومية دون الارتقاء إلى شخصية دولية منفصلة، وتبعا لذلك، فالأمر يتعلق بنظام خاص بالمناطق الصحراوية ينبغي أن ينال قبول المنتظم الدولي، اعتبارا بأن مجلس الأمن وهو يتحرك في إطار الفصل السادس من الميثاق الأممي، يرى أن الهدف الرئيسي هو الوصول إلى حل متفاوض بشأنه ومقبول من كافة الأطراف، وأن الأمر في حالة قبول المقترح يعني نظاما نهائيا في صيغة حل سياسي توافقي دائم وليس انتقالي، طالما اصطدم بعدة كوابح ظلت تحول دون إمكانية بروز المشروع/ الفكرة على الساحة الدولية، نذكر منها:

هذان العاملان، وخاصة العامل الثاني ظل يحول فعليا دون إمكانية السير إلى الأمام بالحل السياسي المغربي، هذا الواقع ساهم في جعل المبادرة المغربية لا تعرف طريقها إلى التطبيق، إضافة طبعا إلى إشكالات أخرى تجعل تدبيرها لا يخلو من صعوبات فرضتها تحديات عدة، ونخص بالذكر، الإشكالية المطروحة على المستوى الوطني، حيث إنه أمام وجود دولة ممركزة كالمغرب، فإن الأمر ولد الرغبة القوية في السعي إلى التقليص من سلطات المركز، وخلق سياسة جهوية تراعي الخصوصية المغربية والمحلية الخاصة بكل منطقة، ما دام المغرب ماض في طريقه نحو إنجاح رهان “الجهوية” باعتبارها ستؤسس لجيل جديد من الإصلاحات العميقة والهيكلية لإنعاش وتقوية بنيان الدولة، وإذابة كل التناقضات والخلافات في ظل نظام جهوي ديمقراطي يسمح للجميع بالتعبير عن ذاته دون المس بالوحدة الترابية للبلاد.

إن هذا التصور المغربي للحكم الذاتي يراد به أن يضمن للصحراويين كافة حقوقهم وكرامتهم وبالمقابل يراد به أيضا ضمان السيادة والوحدة الترابية، هذا الأمر يتطلب بالنسبة للدولة الأم وضع كوابح، تحول دون استعمال الحكم الذاتي كذريعة لتحقيق المتطلعات الاستقلالية، نذكر منها:

هذه المبادرة المغربية التي عليها معالجة هذه الإشكالات عند التطبيق، تصطدم برفض الأطراف الأخرى لها، فجبهة البوليساريو  أعلنت رفضها المطلق للمبادرة، كما هو الشأن بالنسبة للجزائر التي صرح رئيسها عبد العزيز بوتفليقة لصحيفة “الباييس” الإسبانية قائلا: “إن أي حل أحادي الجانب لن يكتب له النجاح وحدة الاعتراف بحق”الشعب الصحراوي”في تقرير المصير يمكن أن يحل المشكل”.

ويبقى التساؤل مطروحا كيف يمكن للمبادرة أن تمثل حلا نهائيا في الوقت الذي يربط فيه المجتمع الدولي في بعض قراراته أي حل للتفاوض بتمكين سكان الصحراء من تقرير مصيرهم. وهنا أيضا يبقى التساؤل قائما حول ماهية تقرير المصير؟ الذي ما زال يخضع لتأويلات أطراف النزاع، فإذا كان ينبغي بالنسبة للمغرب قطع الطريق على الاستقلال من خلال الحكم الذاتي، فإنه بالنسبة للبوليساريو يعني الاستقلال ولا شيء غيره!.

وعموما أقول إن الجهوية التي يسعى المغرب إلى إرسائها لا يمكن أن تمس بمدأ وحدة الدولة المغربية، ولا يمكن ان تخرج عن المبادئ الاربع التي دعا لها الملك في خطابه الذي أشرنا إليه سابقا لأنها بمثابة خارطة طريق وطنية نحو تأسيس الجهوية الموسعة التي  ستمكن الدولة من أن تحتفظ باختصاصات حصرية ذات طابع سيادي مدعوم بإمارة المؤمنين باعتبارها الضامن لوحدة الدولة وسيادتها.

 

[1] مداخلة شاركت بها في ندوة نظمت داخل رحاب كلية الحقوق سلا حول مبادرة الحكم الذاتي للموسم الدراسي 2010-2011

 ذ.سعيد جفري: الجهوية الموسعة خارطة طريق ملكية :سلسلة اللامركزية والإدارة المحلية :العدد6 ،لسنة 2010، ص:9[2]

 ذ.عبد الله المتوكل: موقع الجهة في النسق اللامركزي المغربي،المجلة المغربية لقانون واقتصاد التنمية، العدد45، 2001ص35[3]

 محمد الهماوندي: الحكم الذاتي و النظم اللامركزية الإدارية والسياسية ، دراسة نظرية مقارنة، دار المستقبل العربي ط1 القاهرة 1990[4]

[5] – أنظر أخبار اليوم العدد 9، السبت/ الأحد، 09-10/ 01/2010، ولإلقاء نظرة حول مفهوم الجهة والإشكاليات   الجهوية في المغرب،المرجو الاطلاع على مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس، شعبة الجغرافيا، عدد خاص، رقم 6 حول الجهوية. 1411-1990

[6] – خطاب 3 يناير 2010.

[7] – هذه المرتكزات الأربع التي جاءت في نفس الخطاب السابق الذكر هي:

– التشبت  بمقدسات الأمة وثوابتها.

– الالتزام بالتضامن.

– اعتماد التناسق والتوازن في الصلاحيات والإمكانات.

– انتهاج اللاتمركز الواسع.

[8] – أنظر جريدة المساء العدد 1028، الإثنين11/01/2010.

Exit mobile version