Site icon مجلة المنارة

علاقة الأمن القانوني و القضائي بالأمن التعاقدي في المعاملات العقارية

بسم الله الرحمن الرحيم

علاقة الأمن القانوني و القضائي بالأمن التعاقدي في المعاملات العقارية

                                                                     ذ  فؤاد الصامت   

باحث في أحكام العقار فقها وقانونا

                                                               كلية الشريعة بفاس

                                               

يعد الأمن الناتج عن الثقة في الأنظمة القانونية والقضائية أساس إبرام مختلف العقود عامة وعلى وجه الخصوص في المعاملات العقارية[1]، وهذا من بين أهم المبادئ المكرسة للاستقرار والسلم الاجتماعيين، حيث يتحقق من خلاله حماية قانونية وقضائية لأطراف العقد الوارد على التصرفات العقارية، بتوثيقها في محرر رسمي (أو ثابت التاريخ)، يحافظ على حقوقهم ومصالحهم من الضياع والنسيان والنزاع. وبتأملنا لعنوان هذا الموضوع تظهر حاجة البحث في مضمونه: الأمن التعاقدي، والأمن القانوني، ثم الأمن القضائي.

العقد وسيلة قانونية لإجراء مختلف التصرفات العقارية سواء بين الأفراد، أو بين المقاولات، أو فيما بينهما معا. وبذلك تعتبر كتابة العقود وسائل إثبات عملية وفعالة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي. ومن هنا تظهر أهمية قانون الالتزامات والعقود العقود أو القانون المدني العام[2] وكذلك القوانين توثيق المعاملات العقارية[3] ، التي تهدف أساسا إلى تحديد القواعد القانونية الموضوعية والإجرائية العامة والخاصة المتعلقة بالتزامات أطراف العقد في المعاملات العقارية.

وبناء على ما سبق يقصد بالأمن التعاقدي في المعاملات العقارية، ذلك الشعور الذي يتوفر لدى المتعاقدين، نتيجة اطمئنانهما للقواعد القانونية العامة المتمثلة في قانون الالتزامات والعقود المغربي، وكذلك للقوانين العقارية الخاصة المضمنة في القانون رقم 39.08 المتعلق  بمدونة الحقوق  العينية (المادة 4)، وقوانين الأصفار قانون البناء في طور الإنجاز 00-44 (المادة3/618 ) وقانون الإيجار المفضي إلى تملك العقار00-51 (المادة4) وقانون الملكية المشتركة 00-18 (المادة12) التي تحمي مصالحهما ومواقعهما، من خلال مجموعة من المبادئ، أذكر بعضها:

وينبغي الإشارة إلى أن القوانين العقارية تحدد الجهات المختصة في تحرير المحرر الرسمي ممثلة في العدل بمقتضى القانون 03- 16 المتعلق بخطة العدالة، و الموثق بمقتضى القانون 09-32 المتعلق بمهنة التوثيق، إضافة للجهة المختصة بتحرير محرر ثابت التاريخ الممثلة في المحامي بمقتضى القانون 08-28 المنظم لمهنة المحاماة. وهي الجهات التي تعمل على توفير الأمن التعاقدي عن طريق حماية قانونية وقضائية للتصرفات العقارية، وهي بمثابة شرطة العقود أناط لها المشرع المغربي مهمة السهر على سلامة وضبط محررات التصرفات العقارية.

 

يقصد بالأمن القانوني الثقة والاطمئنان قي القاعدة القانونية النافذة في المجتمع، ودرجة هذا الاطمئنان والثقة لا يتجسد عمليا إلا من خلال ما قد تضمنه هذه القاعدة من حماية للحقوق[4] العينية واستقرار المعاملات العقارية.

وحتى تكون القاعدة القانونية كذلك لابد لها أن تتوفر على أمرين[5]: الأول قابليتها للتوقع وهو شرط أساسي للأمن القانوني، حيث يعرف الأفراد مسبقا كيف ينظمون علاقتهم بشكل مقبول من الناحية القانونية، وكذا المعرفة مسبقا بما هو مسموح به وما هو ممنوع، وهو الأمر الثاني المعبر عنه بوضوح القاعدة القانونية.

 

يعرف الأمن القضائي بأنه الثقة في المؤسسة القضائية والاطمئنان إلى ما يصدر عنها من أحكام وقرارات وأوامر حماية لحقوق الأفراد والجماعات، كل ذلك يبقى رهين بتوفر مجموعة من المبادئ الأساسية التي أضحت مبادئ عالمية بدءا باستقلال القضاء، ومرورا بسهولة الولوج إليه، وانتهاء بجودة وفعالية الأحكام الصادرة عنه، لاسيما على مستوى تنفيذها، إذ كما يقال لا جدوى من حكم لا نفاذ له[6].

 

بعد تحديد الإطار المفاهيمي لموضوع علاقة الأمن القانوني والقضائي بالأمن التعاقدي في المعاملات العقارية، فالبحث فيه يقتضي الإجابة عن إشكالية مهمة، ألا وهي “ما علاقة كل من الأمن القانوني والأمن القضائي بالأمن التعاقدي في المعاملات العقارية”، مما يقتضي تقسيم هذا الموضوع إلى محورين: الأول يبحث علاقة الأمن القانوني بالأمن التعاقدي في المعاملات العقارية، والثاني يبين علاقة الأمن القضائي بالأمن التعاقدي في المعاملات العقارية.

 

 

 

 

 

 

المحور الأول: علاقة الأمن القانوني بالأمن التعاقدي في المعاملات العقارية

يهدف مبدأ الأمن القانوني إلى فرض جودة خاصة في النص التشريعي، وذلك بأن يقنن المنع والإباحة، وأن يكون مفهوما واضحا ودقيقا وغير متعارض مع غيره، ولا تطرأ عليه تعديلات متكررة[7]، وهو ما تسعى إليه جل القوانين التوثيقية في المعاملات العقارية لتحقيقه عن طريق نظام قانوني للحماية يهدف إلى تأمينه[8]، يضمن ممارسة الأفراد لحقوقهم العينية التعاقدية، و يكرس استقرارها وأمنها. وتبرز أهمية هذا المبدأ في قواعد الإثبات القانونية للتصرفات العقارية، المتعلقة بحق الملكية العقارية وباقي الحقوق العينية الأخرى التي تتفرع عنها سواء كانت أصلية كحق السطحية وحق الارتفاق والتحملات العقارية وحق الانتفاع وحق العمرى وحق الاستعمال وحق السطحية إلى غير ذلك[9]، أو كانت تبعية[10] بحيث يدور معها وجودا وعدما مثل الرهن الرسمي والرهن الحيازي وحق الامتياز[11].

ومن ثم، يلاحظ أن المشرع المغربي قيد التصرفات العقارية في قالب شكلي معين[12]، بعد أن كان الفصل 489 من قانون الالتزامات والعقود يستوجب فقط كتابة هذه التصرفات في محرر دون تحديد نوع هذا المحرر أو الجهة التي يمكنها تحريره، مما جعل طبيعة الأنظمة التوثيقية المعمول بها تتميز بازدواجية المحررات:

وقد عمل القانون 08-39 المتعلق بمدونة الحقوق العينية بتنظيم مختلف الحقوق العينية العقارية، و إنهاء جدلية شكلية توثيق التصرفات الواردة على هذه الحقوق، حيث أقر من خلال المادة الرابعة من هذه المدونة بأن توثيق التصرفات العقارية يجب أن يرد – تحت طائلة البطلان- إما في محرر رسمي أو في محرر ثابت التاريخ يحرره محامي مقبول للترافع أمام محكمة النقض[13].

إلا أن ما يمكن قوله بخصوص القواعد القانونية المنصوص عليها في المادة الرابعة السالفة الذكر أنها لم تستطع حسم مسألة التعددية التعاقدية (أي الرسمية والعرفية ) حيث لم تقم بإقرار رسمية العقود في المعاملات العقارية بمختلف مجالاتها، وذلك حتى تنتفي كثير من المتاعب والإشكالات والمنازعات التي كانت تحدث جراء اعتماد المحررات العرفية نذكر منها[14]:

ومن هنا نتساءل لماذا أبقى المشرع على العقد العرفي من خلال المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية؟، ولماذا هذا الإصرار على اعتماد الازدواجية مرة أخرى؟، ولماذا لم يرق المشرع المغربي بمحرر المحامي إلى مستوى المحرر الرسمي ضمن المعنيين بالتوثيق في المادة 418 من قانون الالتزامات والعقود؟، وتبعا لذلك إحداث مقتضيات قانونية خاصة تتعلق بإنشاء العقود وتلقيها عند المحامي كما هو الشأن بالنسبة للعدول والموثق، حيث نجد مثلا أن 12 مادة من قانون 03-16 المتعلق بخطة العدالة  نصت على كيفية التلقي والتحرير والنسخ (من المادة 27 إلى المادة 38)، وبالتالي نكون أمام نظام واحد للتعاقد، وهو رسمية العقود في المعاملات العقارية، والذي لاشك أنه سيؤثر إيجابيا على مستقبل الأمن العقاري ببلادنا[15].

وقد أناط المشرع المغربي مهمة السهر على الأمن التعاقدي في المعاملات العقارية لجهات ذات تخصصات قانونية مؤهلة لتحرير  التصرفات العقارية وهم الموثق والعدل والمحامي، ويمكن تمثيلها بشرطة عقود التصرفات العقارية لأنه جهاز يعمل على التحقق من الوثائق الصحيحة والسليمة التي تساهم في  بناء المحرر الرسمي أو العرفي، و حفظ حقوق المتعاقدين وحمايتهما من التلاعب والتزوير.

إذن ما هي الاختصاصات القانونية لكل من العدول والموثقين والمحامين[16] في تحقيق الأمن التعاقدي؟

أولا:  الاختصاصات القانونية للموثقين والعدول في تحقيق الأمن التعاقدي[17].

1- الاختصاص النوعي للموثقين والعدول:

وفقا للمقتضيات القانونية التوثيقية الجديدة، فإن الموثقين والعدول يختصون بتوفير الأمن القانوني للمتعاقدين في المعاملات العقارية عن طريق توثيق جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية أو بإنشاء الحقوق العينية الأخرى أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها، سواء تعلقت هذه التصرفات بالعقار المحفظ أو في طور التحفيظ أو غير المحفظ وذلك في محرر رسمي.

كما يختص الموثقون والعدول أيضا بتوثيق التصرفات المتعلقة بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات[18]، والعقارات في طور الإنجاز[19]، وكذا العقارات الخاضعة لنظام الملكية المشتركة[20]، بالإضافة إلى التصرفات المتعلقة بالإيجار المفضي إلى تملك العقار[21].

إلا أن التجربة والممارسة العملية أثبتت قلة المشاكل المطروحة بالنسبة لفئة العقود التي يحررها الموثقون، على عكس العقود التي ينشئها العدول نتيجة عدم مواكبتهم للتطورات التي يعرفها مجال التوثيق العقاري[22]، مما يجعل الرهان كبيرا أمام العدول المعاصرين والذين تلقوا تكوينا حديثا يؤهلهم لان يكونوا في مستوى المستجدات والتحديات، وهذا ما أصبحنا نلاحظه في بعض العقود التي يبرمونها مؤخرا والتي أبانت عن الضبط و الدقة في تحريرها.

2-  الاختصاص المحلي للموثقين والعدول

يختص الموثق مكانيا بتوثيق التصرفات العقارية بصرف النظر عن موقع العقار محل التصرف، غير أن تلقيه لهذه التصرفات يجب ألا يكون خارج مكتبه إلا في حالات استثنائية، بعد إذن من رئيس المجلس الجهوي للموثقين وإخبار الوكيل العام للملك[23].

وبعكس اتساع نطاق الاختصاص الترابي للموثق العصري، فإن الفقرة ما قبل الأخيرة من المادة 14 من القانون 03-16 المتعلق بخطة العدالة، حصرت الاختصاص المكاني للعدول في تلقي الشهادات المتعلقة بالعقار والتركات في حدود دائرة محكمة الاستئناف التابع لها موقع العقار أو موطن الإرث. كما أجازت نفس المادة في الفقرة الأخيرة استثناء في حالة الظروف القاهرة يهم تلقي الوصية المتعلقة بعقار، بمكان وجود الموصي، وذلك بعد الحصول على إذن القاضي.

ثانيا:  الاختصاصات القانونية للمحامي في تحقيق الأمن التعاقدي

خول المشرع المغربي تحرير العقود ثابتة التاريخ المتعلقة بالتصرفات العقارية[24] بمقتضى المادة 4 من مدونة الحقوق العينية، لكنه اشترط أن يكون المحامي مقبولا للترافع لدى محكمة النقض، والعمل على تسجيل كل ما يروج في مجالسها بالصوت والصورة، والاحتفاظ بها للرجوع إليها عند الاقتضاء[25]، حماية للتصرفات العقارية من الإنكار والضياع، وهي العملية التي تساهم في تحقيق الأمن التعاقدي، وأن يتم الإشهاد على إمضائه لدى رئيس كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية التي يمارس بنفوذها، بذلك يكون لزاما على المحامي بعد تحرير العقد وتوقيعه والتأشير على جميع صفحاته بمعية أطرافه – أي العقد- وبعد توافر شروطه الموضوعية والشكلية تقديمه إلى رئيس هيأة كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية التي يمارس بها عمله[26] للإشهاد على صحة إمضائه، ويعد هذا الإجراء جوهريا فبدونه يكون العقد باطلا لا يعتد به من الناحية القانونية[27].

وهذا الإجراء يطرح إشكالية التعارض مع مهنة المحاماة حيث  استند بعض الباحثين على المادة 30 من القانون المنظم لمهنة المحاماة التي تنص على أنه: “يمارس مهامه بمجموع تراب المملكة مع مراعاة الاستثناء المنصوص عليه في المادة الثالثة والعشرين أعلاه…” للقول بأن تخويل رئيس هيأة كتابة الضبط تصحيح إمضاءات المحامين مخالفة لمهنة المحاماة التي تخول للمحامي ممارسة مهنته في مجموع أنحاء المملكة خاصة وأنها تقوم على الاعتبار الشخصي، كما اعتمد البعض الآخر على المادة 4 من القانون المذكور أعلاه التي تنص على أنه: “يمارس المحامون مهمتهم في إطار هيئة المحامين المحدثة لدى محكمة الاستئناف، تتمتع كل هيئة بالشخصية المدنية والاستقلال المالي” لتأكيد مخالفة القوانين الخاصة لمهنة المحاماة لكون المحامي يرتبط عضويا بمحكمة الاستئناف ولا علاقة له بالمحكمة الابتدائية، لذا كان من الأفضل تخويل هذا الاختصاص لرئيس هيئة كتابة الضبط لدى محكمة الاستئناف[28].

 

 

 

المحور الثاني: علاقة الأمن القضائي بالأمن التعاقدي في المعاملات العقارية

يتحقق الأمن القضائي في المعاملات العقارية من خلال ما للقاضي من سلطات تقديرية في تطبيق القانون، فبقدر ما يكون الحكم ناجعا ومتطورا بقدر ما يوفر ثقة كبيرة للمجتمع فيه، و للفرد في اللجوء إليه لكي يسترد له حقوقه، و تتجلى نجاعة القضاء في مدى استقلاله و تحديثه، كما جاء في خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش والذي جاء فيه “يتعين على الجميع التجند لتحقيق إصلاح شمولي للقضاء لتعزيز استقلاله الذي نحن له ضامنون، هدفنا ترسيخ الثقة في العدالة وضمان الأمن القضائي الذي يمر عبر الأهلية المهنية والنزاهة والاستقامة وسيلتنا صيانة حرمة القضاء وأخلاقياته ومواصلة تحديثه وتأهيله …”[29].

وتكريسا لمبدأ الحق في الأمن القضائي للأشخاص والجماعات، ذهب الدستور المغربي الجديد لسنة 2011 على جعله التزاما على عاتق القاضي، من خلال الفصل 117 منه جاء فيه:” يتولى القاضي حماية الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وتطبيق القانون”. ويتم ذلك من خلال اجتهاده القضائي الذي يتضمن حمولة قانونية يؤثر على الحقوق المكتسبة ، والذي يحتاج للدقة والوضوح والتوقعية، وإن تقلباته وعدم استقراره وتحولاته فيها مساس بمبدأ الأمن القانوني والأمن القضائي[30].

ومما لا شك فيه أن تحولات الاجتهادات القضائية بصرف النظر عن مسبباتها وشرعيتها ووجاهتها من شأنها أن تثير اضطرابا وانعدام الاستقرار وانعدام الشفافية في تطبيق القاعدة القانونية، كما تجهز على الثقة المشروعة للمواطن، والتي تولدت لديه في سياق استقرار الأوضاع القانونية التي أجرى تصرفاته في ظلها، والأخطر من ذلك أنها قد تسطو في غفلة منه دون توقعه على حقوقه في ظل الاجتهاد السابق.

ومن نماذج اضطراب الاجتهاد القضائي المتعلق بالتصرفات العقارية سابقا نجد ما كان يفسر به مصطلح الكتابة الوارد في الفصل 489 من قانون الالتزامات و العقود، مما نتج عنه تضارب في القرارات القضائية، فقد أجازت قرارات قضائية إثبات البيع العقاري بغير الكتابة كالقرار الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 25/07/1990 بإقرارها أنه: “لما كان موضوع عقد البيع المبرم بين الطرفين هو 25 دقيقة من الماء التابع لعقار غير محفظ فإن شهادة الشهود مع اليمين المتممة تكون كافية في الاثبات ولا محل لتطبيق الفصل 443 من ق.ل.ع”[31]، بينما اشترطت قرارات أخرى الكتابة لصحة البيوعات العقارية المحفظة كالقرار الصادر بتاريخ 4 دجنبر 1985 ” تخرق المحكمة القانون لاعتمادها في ثبات البيع على شهادة شهود اللفيف التي دعمتها بقرينتين في حين أن الفصل 489 من ق.ل.ع يوجب لإثبات بيع عقار محفظ الدليل الكتابي، وأن القرائن القضائية مثلها مثل شهادة الشهود لا يجوز الاستدلال بها لإثبات التزام يوجب القانون فيه الدليل الكتابي”[32]، وهو الأمر الذي يوضح مدى تأثير الاجتهاد القضائي على الأمن التعاقدي، وقد انعكس هذا الاضطراب القضائي على المعاملات العقارية التي تشكل أحد وسائل التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ومن أجل ذلك عمل المشرع المغربي على توحيد أحكام التوثيق العقاري، سواء كان عقارا محفظا أو غير محفظ أو في طور التحفيظ بصفة متدرجة، انطلاقا من القانون 00-18 المتعلق بنظام الملكية المشتركة، ثم القانون رقم 00-44  المتعلق ببيع العقار في طور الإنجاز، ثم القانون رقم 00-51 المتعلق بالإيجار المفضي إلى تملك العقار، وأخيرا القانون 08-39 المتعلق بمدونة الحقوق العينية التي نصت في مادتها الأولى على أنه ” تسري مقتضيات هذا القانون على الملكية العقارية والحقوق العينية ما لم تتعارض مع تشريعات خاصة بالعقار.

تطبق مقتضيات الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 (12 أغسطس 1913) بمثابة قانون الالتزامات والعقود في ما لم يرد به نص هذا القانون، فإن لم يوجد نص يرجع إلى الراجح والمشهور وما جرى به العمل من الفقه المالكي”[33].

ولقد تأثر الاجتهاد القضائي الجديد بقوة القوانين العقارية، وبأثرها الرجعي على جميع ما كان بإمكان المتقاضي القيام به أو الامتناع عنه استنادا لنص وروح الاجتهاد القضائي القديم[34].

ويبدوا أن المشرع المغربي عندما وضع عدم رجعية القوانين لم يخطر بباله أن يضع مبدأ لعدم رجعية الاجتهاد القضائي، ولعله لم يكن واعيا حينها بما للاجتهاد القضائي من قيمة قانونية وأثر على الأوضاع القانونية، ومثال على ما للاجتهاد القضائي الجديد من تأثير حاسم على المراكز القانونية للخصوم في الدعوى وإطارها القانوني فقد جاء في قرار لمحكمة النقض عدد4939 الصادر بجميع الغرف بتاريخ 29/11/2010 في الملف المدني عدد 1092/1/3/2004، أتاح لمن تجاوز أرضه إلى أرض غيره ولو كانت عقارا محفظا وبنى فيها بحسن نية أن يتملك هذا البناء استنادا لحكم المحكمة التي يحق لها إطار تطبيقها للقاعدة الفقهية بإزالة الضرر أن توازن بين الضررين اللذين تعارضا، وهما الضرر الذي سيحصل للباني من جراء هدم ما بناه في ملك الغير، والضرر الذي سيحصل للمالك بسبب تخليه دون إرادته عن جزء من ملكه مقابل حصوله على تعويض بالقيمة، وإن تقرر تغليب أخفهما، وهو ما يفيد ضمنيا إمكانية احتفاظ الباني بما بناه وكذا تملكه جزء من عقار الغير بمقتضى حكم قضائي. في حين أن الاجتهاد الثابت، أن البناء في ملك الغير لا يخول الباني حق تملك العقار الذي بنى فوقه وأن الملكية لا يمكن نزعها جبرا إلا بمقتضى القانون”[35].

ومن أجل تجنب ظاهرة تضارب الأحكام القضائية تم إحداث هيئة لليقظة القانونية من طرف محكمة النقض سنة 2010  باسم “مرصد الاجتهاد القضائي” عن طريق المتابعة والتواصل والتنسيق بين غرف وأقسام محكمة النقض لتوحيد الاجتهاد القضائي، كما يتولى دراسة باقي أوضاع الاجتهاد القضائي، لما لها من تأثير سلبي على الأمن القضائي، والذي تعتبر حمايته التزاما دستوريا على عاتق القاضي، يتعين الوفاء به من طرف أعلى هيئة قضائية بالمملكة[36].

 

 

 

 

 

 

 

خاتمة

مما سبق يمكن استنتاج النتائج التالية:

 

 

 

 

 

المراجع

– خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش يوم الاثنين 30 يوليوز 2007 بمناسبة الذكرى الثامنة لاعتلاء جلالته عرش أسلافه المنعمين.

– عبد المجيد غميجة، مبدأ الأمن القانوني وضرورة الأمن القضائي، مجلة الملحق القضائي، العدد41، دار السلام للطباعة والنشر، الرباط.

– عبد المجيد غميجة، عرض مقدم في اللقاء الدولي ” الأمن التعاقدي وتحديات التنمية” ، المنظم من قبل الهيئة الوطنية للموثقين، الصخيرات، 18و19 أبريل2014.

– يونس العياشي، الأمن القانوني والقضائي وأثرهما في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مكتبة دار السلام، الرباط، الطبعة الأولى، 2012

– محمد لشقار، الحماية القانونية في عقود اقتناء السكن،دار السلام، ط1، 2012، الرباط.

– محمد المجدوبي الإدريسي، تحولات الاجتهاد ومتطلبات ضمان الأمن القضائي، دفاتر محكمة النقض، العدد19/2012، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط.

– الحسن المسؤول، إقرار رسمية العقود وأثرها على استقرار المعاملات العقارية، مجلة القبس المغربية للدراسات القانونية والقضائية، العدد الثالث، يوليوز2012، مطبعة الأورو متوسطية، فاس/ المغرب.

– عبد القادر بوبكري، توثيق التصرفات العقارية في المحررات الرسمية، على ضوء مستجدات القانون رقم 08-39 المتعلق بمدونة الحقوق العينية والقوانين ذات الصلة، مجلة المنبر القانوني: العدالة العقارية والأمن العقاري بالمغرب، العدد2، 2014، مطبعة المعارف الجديدة ، الرباط، (نفس المقال منشور بكتاب: المعاملات العقارية وإشكاليات توثيقها في ضوء المستجدات القانونية الجديدة، ندوة من تنظيم جامعة القرويين، كلية الشريعة، أكاديرـ مطبعة أنفو-برانت، فاس، 2014).

– حليمة لمغاري ،توثيق التصرفات العقارية بين متطلبات التنمية والأمن العقاري،مجلة المنبر القانوني: العدالة العقارية والأمن العقاري بالمغرب.

– حليمة لمغاري، إشكالية تحرير المحامي للعقود المتعلقة بالتصرفات العقارية، قراءة على ضوء المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية، المعاملات العقارية وإشكاليات توثيقها في ضوء المستجدات القانونية الجديدة، ندوة من تنظيم جامعة القرويين.

– ظهير شريف رقم 7-92-1 الصادر في 17 يونيو 1992 بتنفيذ القانون رقم 90-25 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات.

– ظهير شريف رقم 309-01-02 صادر في 03 اكتوبر 2002 بتنفيذ القانون00-44 المتمم بموجبه الظهير الشريف الصادر في 12 غشت 1913 بمثابة قانون الالتزامات والعقود والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 5054 بتاريخ 7 نونبر 2002.

– ظهير شريف رقم 298-01-02 الصادر بتاريخ 3 أكتوبر 2002 بتنفيذ القانون رقم 00-18 المتعلق بنظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5054 بتاريخ 7 نونبر 2002.

– ظهير شريف رقم 202-02-1 الصادر بتاريخ 11 نونبر 2003 بتنفيذ القانون رقم 00-51 المتعلق بالإيجار المفضي إلى تملك العقار المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5172 بتاريخ 25 دجنبر 2003.

– الظهير الشريف رقم 1.11.178 في 25 من ذي الحجة1432 (22 نوفمبر2011) بالجريدة الرسمية عدد5998 بتاريخ 27 ذو الحجة 1432 (24نوفمبر2011) الصادر بتنفيذه القانون رقم39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية.

– ظهير شريف رقم 1.11.79 صادر في 25 من ذي الحجة 1432 (22 نوفمبر2011) بتنفيذ القانون رقم 32.09 المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق.

– ظهير شريف رقم 56-06-1 صادر في 15 من محرم 1427(14 فبراير2006) بتنفيذ القانون رقم16.03 المتعلق بخطة العدالة

 

 

[1] – وتتعلق بالملكية العقارية، والحقوق العينية الواردة عليها، وبيع العقار في طور الإنجاز، والإيجار المفضي إلى تملك العقار.

– غشت؟؟؟[2]

– ؟؟؟[3]

[4]– د.يونس العياشي، الأمن القانوني والقضائي وأثرهما في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مكتبة دار السلام، الرباط، الطبعة الأولى، 2012، ص 28

[5]– عبد المجيد غميجة، مبدأ الأمن القانوني وضرورة الأمن القضائي، مجلة الملحق القضائي، العدد41، دار السلام للطباعة والنشر، الرباط، ب ت، ب ط، ص10 وما يليها

[6] – يونس العياشي، مرجع سابق، ص48

[7] – د. محمد المجدوبي الإدريسي، تحولات الاجتهاد ومتطلبات ضمان الأمن القضائي، دفاتر محكمة النقض، العدد19/2012، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط،  ص58

[8] – عبد المجيد غميجة، مبدأ الأمن القانوني وضرورة الأمن القضائي، مرجع سابق، ص9

[9] – المادة 9 من مدونة الحقوق العينية

[10] – المادة 10 من مدونة الحقوق العينية

[11]– د.يونس العياشي، الأمن القانوني والقضائي وأثرهما في التنمية الاقتصادية والاجتماعية مرجع سابق، ص34

[12] – د. عبد القادر بوبكري، توثيق التصرفات العقارية في المحررات الرسمية على ضوء مستجدات القانون رقم 08-39 المتعلق بمدونة الحقوق العينية والقوانين ذات الصلة، مجلة المنبر القانوني: العدالة العقارية والأمن العقاري بالمغرب، العدد2، 2014، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، ص19

[13] – د. عبد القادر بوبكري، توثيق التصرفات العقارية في المحررات الرسمية، المرجع نفسه، ص49   ( نفس المقال منشور بكتاب: المعاملات العقارية وإشكاليات توثيقها في ضوء المستجدات القانونية الجديدة، ندوة من تنظيم جامعة القرويين، كلية الشريعة، أكاديرـ مطبعة أنفو- برانت، فاس، 2014، ص 20-21-22.

 [14] – الحسن المسؤول، إقرار رسمية العقود وأثرها على استقرار المعاملات العقارية، مجلة القبس المغربية للدراسات القانونية والقضائية، العدد الثالث، يوليوز2012، مطبعة الأورو متوسطية، فاس/ المغرب، ص245

[15]  – الحسن المسؤول، إقرار رسمية العقود وأثرها على استقرار المعاملات العقارية، مرجع سابق، ص245 ما يليها.

[16] – كجهاز شرطة عقارية

[17] – د. عبد القادر بوبكري، مرجع سابق، ص 50  -51-  52.

[18] – ظهير شريف رقم 7-92-1 الصادر في 17 يونيو 1992 بتنفيذ القانون رقم 90-25 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات.

[19] – ظهير شريف رقم 309-01-02 صادر في 03 أكتوبر 2002 بتنفيذ القانون00-44 المتمم بموجبه الظهير الشريف الصادر في 12 غشت 1913 بمثابة قانون الالتزامات والعقود والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 5054 بتاريخ 7 نونبر 2002، ص3183

[20] – ظهير شريف رقم 298-01-02 الصادر بتاريخ 3 أكتوبر 2002 بتنفيذ القانون رقم 00-18 المتعلق بنظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5054 بتاريخ 7 نونبر 2002

[21] – ظهير شريف رقم 202-02-1 الصادر بتاريخ 11 نونبر 2003 بتنفيذ القانون رقم 00-51 المتعلق بالإيجار المفضي إلى تملك العقار المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5172 بتاريخ 25 دجنبر 2003، ص 4375

[22] – محمد لشقار، الحماية القانونية في عقود اقتناء السكن،دار السلام، ط1، 2012، الرباط، ص53 وما يليها

[23] – المادة 12 من القانون 09-32 المنظم لمهنة التوثيق

[24] – الاختصاص النوعي للمحامي

 [25]- مذكرة صادرة عن وزير العدل والحريات، بتاريخ 13 فبراير 2017، تحت موضوع استعمال تقنية التسجيل السمعي البصري عند تحرير العقود الثابتة التاريخ.

[26] – الاختصاص المكاني للمحامي

[27] – حليمة لمغاري، توثيق التصرفات العقارية بين متطلبات التنمية والأمن العقاري،مجلة المنبر القانوني: العدالة العقارية والأمن العقاري بالمغرب، مرجع سابق، ص 28.

[28] – حليمة لمغاري، إشكالية تحرير المحامي للعقود المتعلقة بالتصرفات العقارية، قراءة على ضوء المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية، المعاملات العقارية وإشكاليات توثيقها في ضوء المستجدات القانونية الجديدة، ندوة من تنظيم جامعة القرويين، مرجع سابق، ص262

[29] – خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش يوم الاثنين 30 يوليوز2007 بمناسبة الذكرى الثامنة لاعتلاء جلالته عرش أسلافه المنعمين.

[30] – د.يونس العياشي، مرجع سابق، ص 58 وما يليها

[31] – قرار نشرته دة. حليمة لمغاري، بمجلة المنبر القانوني: العدالة العقارية والأمن العقاري بالمغرب، مرجع سابق، ص22

[32] – منشور بالمرجع نفسه، ص23

[33] – حليمة لمغاري، توثيق التصرفات العقارية بين متطلبات التنمية والأمن العقاري،مجلة المنبر القانوني، مرجع سابق، ص21

[34] – المرجع نفسه، ص 60

[35] – قرار نشره د.يونس العياشي، مرجع سابق، ص61

 [36]-  المرجع نفسه، ص 64

Exit mobile version