Site icon مجلة المنارة

صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات في السياسة العقابية الحديثة

الأستاذ : ابراهيم اشــويعر

باحث بسلك الدكتوراه

 ـ كلية الحقـوق ـ طنجة

 

صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات في السياسة العقابية الحديثة

إن الحديث عن صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات ما هو لا امتداد لمبدأ الشرعية الجنائية الذي يعتبر مبدأ عالمي كرسته المواثيق والدساتير العالمية، بحيث يمتد نطاق الشرعية كافة مراحل المحاكمة الجنائية العادلة، القانون الجديد للمسطر الجنائية أتى في إطار وضع ضمانات فعلية توازن بين حق الدولة في ترتيب العقاب وحق الأفراد في حماية حقوقهم وحرياتهم ، واعتراف الدول بمبدأ تدخل القاضي الجنائي في مرحلة التنفيذ يعد طفرة نوعية في هذا الصدد، و ذلك من خلال التنصيص على منح صلاحيات للقضاء بالتواجد قرب المحكوم عليه ،وهو ما يجسد من خلال هذا التوجه  تكريس ضمان الحقوق المنصوص عليها في إطار قانون السجون، بعد أن كان الجزاء يتسم بالزجر والإيلام والانتقام  بات اليوم أداة لإعادة  تأهيل المحكوم عليه و إصلاحه من خلال تنزيل مختلف برامج الإصلاح والتأهيل داخل المؤسسة العقابية، لتساير المعايير المعمول بها في التشريعات المقارنة بتربية المجرم وتأهيله للحياة الاجتماعية و الاقتصادية، ومسايرة من المشرع المغربي للتوجه الحديث في المجال العقابي والداعي لضرورة استمرار الرقابة القضائية إلى ما بعد صور الحكم، نص قانون المسطرة الجنائية الجديد على مؤسسة جديدة تعتبر من المستجدات الهامة المتمثلة في إحداث قاضي تطبيق العقوبات الذي لم يكن منصوص عليه في التشريع المغربي، والذي اقتبسه من نظيره الفرنسي، ذلك راجع إلى مسايرة التشريع المغربي للسياسة العقابية الحديثة تدعيما لحقوق المحكوم عليه وصيانة كرامته، وتوسيع دور القضاء في تتبع وتنفيذ العقوبة، ونفس الأمر كرسته مسودة قانون المسطرة الجنائية في نظام العقوبات البديلة ، حيث نجد هذه الصلاحيات تختلف من صلاحيات رقابية، وأخرى صلاحيات اقتراحية وتقريرية ،ومن هذا المنطلق ما هي الأدوار الجديدة التي أناطها المشرع لقاضي تطبيق العقوبات في قانون المسطرة الجنائية  وقانون السجون ؟ وما هي الصلاحيات جديدة في مشروع مسودة قانون المسطرة الجنائية؟

 

المبحث الأول: صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات في مراقبة شرعية التنفيذ

ولما كانت مرحلة التنفيذ القضائي للجزاء الجنائي إحدى أهم المراحل التي تتكون منها السياسية العقابية الحديثة، والتي ترسم صورة لما ينبغي أن يكون عليه مستقبل المحكوم عليه كان لابد من أن يتابع القضاء مرحلة التنفيذ بالمراقبة والإشراف، ومن هنا تم إحداث نظام قاضي تطبيق العقوبات[1]، وقد تباينت الصلاحيات المخولة له باختلاف التشريعات في كل بلد، ومن بين هذه التشريعات نجد المشرع المغربي الذي حدد صلاحياته في المادة 596 من قانون المسطرة الجنائية، وتنحصر في حدود مهام إدارية، واقتراحية، وصلاحيات أخرى تقريرية، ، وكذلك مراعاة لكون الاختصاصات القضائية المنوطة بهذه المؤسسة إنما تستند إلى أحكام موضوعية تجد مجالها في مقتضيات القانون الجنائي[2].

المطلب الأول: الصلاحيات الرقابية

إن الغاية المتوخاة من إشراف سلطة القضاء على تنفيذ العقوبات الجنائية هي ضمان تنفيذ العقوبة وفقا للقانون، وحماية حقوق المحكوم عليه ، وتوجيه السياسة العقابية لضمان تحقيق أهدافها، لأن نجاحها مرتبط بهذه السلطات، وهو ما يعني أن صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات الرقابية لا تعدو أن تكون مجرد صلاحيات تتمثل في مراقبة قانونية الاعتقال (الفقرة الأولى) و في زيارة المؤسسات السجينة(الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: مراقبة قانونية الإعتقال

لقد استجاب المشرع المغربي من خلال قانون السجون، وقانون المسطرة الجنائية عندما أكد على الرقابة القضائية في شخص قاضي تطبيق العقوبات بموجب المادة 596[3] وأسند له مهمة مراقبة شروط صحة الاعتقال (أ) مخولا له بذلك صلاحيات واسعة في التحقق من قانونية الاعتقال(ب)،و بقراءة المادة (608) من ق.م.ج يتبين أنه لصحة الاعتقال لابد من توفر شرطين يتمثل الأول في وجود سند قضائي مبرر الاعتقال ويتجسد القاني في ضرورة أن يكون الاعتقال في مؤسسة سجنية تابعة لوزارة العدل.

أولا: ضرورة وجود سند قضائي مبرر للاعتقال

لا يعد هذا الشرط إلا تكريسا لخاصية قانونية أو شرعية العقوبة، وتجسيدا إجرائيا لمبدأ لا جريمة ولا عقوبة ولا اعتقال إلا بنص، بحيث لا يمكن وضع حد لحرية شخص معين إلا بموجب سند قانوني مستوف مجموعة من الشروط الشكلية والموضوعية[4].

فالسند بذلك هو القالب الإجرائي الذي تتمظهر فيه العقوبة باعتبارها الجزاء القانوني باسم الجماعة ولصالحها ضد مرتكب الفعل الجرمي، لذلك فإن أغلب التشريعات ارتأت التنصيص صراحة على هذا الشرط ضمن قوانينها[5]، والذي لا يمكن أن يكون –سند الاعتقال-إلا سندا صادر عن سلطة قضائية ممثلة إما في قضاء الحكم من خلال المقررات القضائية القاضية بسلب الحرية أو في قضاء النيابة العامة والتحقيق كالأمر بالإيداع في السجن والأمر بإلقاء القبض، أو الصادرة عن الغرفة الجنحية كالأمر بالاعتقال[6].

وحتى تثبت للسند القوة القانونية التي تجعل منه أساسا لعلمية الاعتقال، يجب أن تتوفر في المقرر القضائي الذي ينبني عليه السند مجموعة من الشروط المنصوص عليها في المادة 608 ق.م.ج وتتخلص في:

ثانيا: الاعتقال بمؤسسة سجنية تابعة لوزارة العدل

يحرص قاضي تطبيق العقوبات، على أن يتم الاعتقال بمؤسسة سجنية تابعة لوزارة العدل حتى يكون الاعتقال قانونيا، وفقا لما تنص عليه المادة 8 من قانون 23-98 المنظم للمؤسسات السجنية والتي تحدد هذه المؤسسات السجون المركزية أو السجون الفلاحية ثم السجون المحلية، إضافة إلى مراكز الإصلاح والتهذيب.

وبذلك فإن أي اعتقال خارج هذه المؤسسة يعتبر اعتقالا تحكميا وغير قانوني يتناقض وروح المادة 23 من الدستور التي جاء فيها أنه لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعة أو إدانته إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون، فالاعتقال التعسفي أو السري أو الاختفاء القصري من أخطر الجرائم ويعرض مقترفيها لأقصى العقوبات.

وهو ما يعتبر أن المقتضيات الدستورية واضحة في مجال شرعية الاعتقال، واحترام حقوق المعتقلين، لذلك فمسؤولية قاضي تطبيق العقوبات في مراقبة شرعية الاعتقال، تجد مرجعياتها في الاتفاقيات الدولية، والدستور والقانون الجنائي، والمسطرة الجنائية، والقانون المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية.

باعتبار الطابع القضائي يشكل ضمانة لاحترام الحقوق والحريات الفردية، فإن أمثل طريقة احترام هذه الأخيرة في واجهة السلطات العامة هو حصر تطبيقها في أيدي القضاء، بما يمثل من حياد ونزاهة وخبرة قانونية، وهي اعتبارات لا تتوفر في أي جهة إدارية أو فنية قد يعهد إليها النطق بالعقوبة، ومن جهة أخرى فإن إنزال العقوبة بواسطة حكم قضائي هو يعهد إليها النطق بالعقوبة، ومن جهة أخرى فإن إنزال العقوبة بواسطة حكم قضائي هو الضمان الوحيد للتحقيق من سلامة الإجراءات السابقة على الإدانة، وهو لازم لإشعار الجمهور بالثقة في نظام العدالة الجنائية وفي عدالة العقوبة. وعموما فإن صلاحية قاضي تطبيق العقوبات في مراقبة قانونية الاعتقال لا تقتصر على سجلات الاعتقال بل تمتد إلى جميع المخالفات لمقتضيات القانون المتعلق بتنظيم المؤسسات السجنية وكيفية تسييرها المرتبطة بالاعتقال[8].

الفقرة الثانية:زيارة و مراقبة إجراءات التأديب داخل المؤسسة السجنية

 تعتبر زيارة المؤسسة السجنية المدخل الأساسي للوقوف على مجريات الوقائع ووضع المراكز القانونية داخل الفضاء السجني على اعتبار أن  الانضباط والأمن داخل المؤسسة السجنية يعتبر من الضروريات التي لا يمكن تحقيق التهذيب والإصلاح بدونها، لذلك كان من البديهي أن تخول القوانين المنظمة للسجون للمؤسسة العقابية في شخص مديرها صلاحية توقيع جزاءات تأديبية على المحكوم عليهم الذين ارتكبو أفعالا تخالف النظام العام الداخلي وتشكل تهديدا للانضباط المفترض داخل المؤسسة العقابية. ذلك أنه من غير المستبعد أن تصدر عن المعتقل أثناء فترة اعتقاله تصرفات من شأنها أن تمس الانضباط والأمن بالمؤسسة السجنية في شكل أخطاء تأديبية عددتها المادة 54[9] من القانون المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية، وتبعا لدرجة خطورة هذه الأخطاء يمكن أن يصدر في حق مرتكبها تدابير تأديبية تم التنصيص عليها أيضا في المادة 55 الوضع بزنزانة التأديب لمدة لا تتجاوز 45 يوما[10]، وبالطبع يجب فهم تعداد هذه التدابير على أنه تعداد حصري انسجاما مع مبدأ الشرعية. لأن النظام الداخلي ما هو إلا ترجمة عملية للأحكام المنصوص عليها في الظهير المتعلق بتنظيم المؤسسات السجنية وتسييرها.

هذا ويعتبر تعليل القرارات الإدارية[11] ضمانة مهمة للمحكوم عليهم ضد التعسف والتحكم في اتخاذ القرارات التأديبية، وترجمة فعلية لمبدأ شرعية التدابير التأديبية من جهة، كما تشكل من جهة آخري منطلقا للرقابة القضائية التي يباشرها قاضي تطبيق العقوبات التي يجب أن تبقى عموما بمنأى عن المسائل المرتبطة بالتسيير الإداري للمؤسسة السجنية ونظامها الداخلي وضبط الأمن داخلها، حتى لا يخرج عن الغاية المتمثلة في تحقيق هدفين يتجسد الأول في الحرص ضمان حقوق المحكوم عليهم في مرحلة التنفيذ الجنائي.

المطلب الثاني: الصلاحـيـات الإقتراحـية

لما كانت السياسة العقابية الحديثة ترمى في كنهها إلى نجاعة وفعالية العقوبة وأنسنتها بإقرارها لمجموعة من التدابير لتحقيق هذه الغاية، فإن السياسة العقابية المغربية لم تزغ عن هذا التوجه، عندما نص المشرع المغربي على صلاحيات لقاضي تطبيق العقوبات بشأن العفو (أولا)، وكذا الإفراج المقيد بشروط (ثانيا).

الفقرة الأولى: صلاحيات قاضي التطبيق العقوبة في اقتراح العفو

يعتبر العفو عموما وسيلة انقضاء العقوبة، وينقسم من حيث الجهة المصدرة له وكذا الآثار المترتبة عنه إلى عفو عام وعفو خاص،[12] فالعفو العام الشامل هو الذي لا يكون إلا بنص تشريعي صريح،[13] صادر عن السلطة التشريعية يتم من خلاله محو بعض العقوبات دون المساس بحقوق الغير، ويمكن أن يكتسي طابعا عينيا وذلك عندما يطبق على نوع من الجرائم أيا كان مرتكبوها، كما يمكن أن يكتسي طابعا شخصيا وذلك عندما يعلق المشرع الاستفادة بشروط معينة يستلزم توفرها في مرتكب الجريمة، وهذا النوع من العفو ينعدم أي اختصاص لقاضي تطبيق العقوبات بشأنه، وليس هو المقصود في المادة 596 من ق م ج، عملا بمبدأ فصل السلطات، ولكون العفو العام ينطبع أكثر بخصوصيات سياسية واجتماعية عامة تتجاوز حدود أدبيات الإشراف القضائي على التنفيذ الجزائي.

أما العفو  فيصدر عن جلالة الملك عملا بمقتضيات المادة 58 من الدستور وكذا المادة 53 من ق ج، وأيضا ما جاء في الفصل الأول من ظهير العفو الصادر بتاريخ 6 فبراير 1958 والمعدل بمقتضى ظ 8 أكتوبر 1977، وبموجب هذا الأخير اتسع نطاق العفو الخاص، الأمر الذي أدى إلى تضييق الحدود الفاصلة بين العفو العام والعفوالخاص .

ووجب الإشارة أن العفو الخاص لم يصدر إلا استجابة لمبررات مختلفة يمكن إجمالها فيما يلي:

– تدارك الأخطاء القضائية عن طريق إنهاء العقوبة المحكوم بها وتصحيح الوضعية الجنائية للمحكوم عليه.

– تشجيع المحكوم عليهم الذين أبانوا عن سلوك حسن خلال مرحلة تنفيذ العقوبة.

– التخفيف من صرامة بعض الأحكام القضائية.

ويعتبر قاضي تطبيق العقوبات هو المحطة الأولى لارتقاء سلم العفو بفضل ما خولته له الفقرة 8 من المادة 596، من صلاحية اقتراح أحد المحكوم عليهم قصد الاستفادة من العفو، فبالإضافة إلى الإمكانية المخولة لكل معتقل في تقديم طلب العفو إما شخصيا أو بواسطة الغير يرفعه إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف التي ينفذ العقوبة في دائرة اختصاصاها، أو يرفعه مباشرة إلى مدير الشؤون الجنائية والعفو ّمصلحة العفو”، خول قانون المسطرة الجنائية الجديد لقاضي تطبيق العقوبات في إطار المهام المنوطة به في هذا الشأن التقدم باقتراح العفو لفائدة الأشخاص المعتقلين ضمن دائرة اختصاصه.

كما يتعين على قاضي تطبيق العقوبات أن يرفق مقترح العفو المقدم من طرفه بالحالة الجنائية للمعتقل وبعدها يكاتب، مصلحة كتابة الضبط بالمحكمة مصدرة الحكم المطلوب العفو من تنفيذ العقوبة الصادر بمقتضاه، في شخص رئيسها يطلب منه تزويده بنسخة من الحكم موضوع الطلب ونسخة من البطاقة رقم 2 الخاصة بالطالب، خاصة في الحالة التي تكون فيها المحكمة مصدرة الحكم الذي يجري تنفيذه هي غير المحكمة التي ينتمي إلى دائرة اختصاصها المحكوم المراد اقتراح تمتيعه بالعفو.

حيث إنه غالبا ما يتم توجيه هذا الاقتراح  إلى مصلحة العفو بمديرية الشؤون الجنائية والعفو دون وساطة النيابة العامة أو المؤسسة السجنية.

الفقرة الثانية: صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات في اقتراح الإفراج المقيد بشروط

إن غاية إصلاح المحكوم عليه وضمان إعادته إلى حظيرة المجتمع كانت سببا في ظهور نظام الإفراج الشرطي الذي يقتضي تعاون المحكوم عليه مع الإدارة العقابية التي تسعى إلى خلق روح التعاون والرغبة في الإصلاح لدى المحكوم عليه، فإذا ثبت أن العقوبة حققت أغراضها ولم يعد هناك مجال للاستمرار فيها، وجب تغيير المعاملة العقابية للمحكوم عليه بما يتناسب ودرجة استقامة وإصلاحه،وهوما يفترض معه نقله من الفضاء السجني الى الفضاء الحر[14]، وهو ما يوفره نظام الإفراج الشرطي الذي عرفه المشرع المغربي في المادة 59 من القانون الجنائي بأنه ّإطلاق سراح المحكوم عليه قبل الأوان نظرا لحسن سيرته داخل السجن وإذا أخل بالشروط التي حددها القرار بالإفراج المقيد فإنه يعاد إلى السجن ليتم ما تبقى من عقوبته”.

وقد عرفه بعض الفقه[15] بأنه نظام يجيز إخلاء سبيل المحكوم عليه من السجن قبل انتهاء مدة عقوبته إذ ثبت أن ما انقضى من العقوبة كان مجديا في إصلاح نفسه بشرط أن يقضي المدة المتبقية خارج السجن تحت الاختبار، فلا يعتبر مفرجا عنه قطعيا، إلا إذا ظل عند حسن الظن فيه وهذا هو معنى الإفراج تحت شرط.[16] وهو مرحلة وسط بين السلب الكامل للحرية، والتمتع الكامل بالحرية، ويعمل على الحد من خطورة الانتقال المفاجئ والسريع من السجن إلى الإفراج التام والنهائي الذي من شأنه أن يؤدي بالمفرج عنه إلى تنكب الطريق والعودة إلى الجريمة، فهو بمثابة إعداد للاندماج الصحي والسليم في الحياة الحرة.

إن الاستفادة من الإفراج المقيد مقرونة بتوفر مجموعة من الشروط المنصوص عليها في المادة 622 ويمكن إجمالها فيما يلي:

– أن يتعلق الأمر بعقوبة سالبة للحرية، بحيث إن الإفراج الشرطي لا يحوز اقتراحه بخصوص المعتقلين أو المكرهين بدنيا، كما لا يشمل بعض الأشخاص الخاضعين لبعض التدابير الوقائية الشخصية، كالإيداع القضائي في مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية… الخ.

– أن يتعلق الأمر بعقوة نهائية قيد التنفيذ، بحيث لا يجوز اقتراح الإفراج المقيد بشروط بالنسبة للمعتقلين الاحتياطيين أو المحكوم عليهم بحكم غير نهائي.

– أن يتعلق الأمر بعقوبة جنحية أو جنائية أو بعقوبة جنحية من أجل وقائع وصفت بأنها جناية، أو من أجل جنحة يتجاوز الحد الأقصى المقرر لها خمس سنوات أو بعقوبة الإقصاء مما يعني أن المخالفات مستثناة من الإفراج المقيد بشروط.

– أن يقضي المحكوم عليه داخل المؤسسة العقابية مدة زمنية محددة تكون كافية لتأهليه وإعداده للاندماج في الحياة الحرة، فالمشرع اعتمد في تحديد مدة الاختبار على نوع الجريمة المحكوم بها.[17]

والمشرع المغربي، فلا يزال ينظر إلى الإفراج المقيد بشروط كمكافأة تأديبية وهو ما يمكن استخلاصه من مجموع الأحكام المنظمة لهذه المؤسسة سواء في القانون الجنائي أو في المسطرة الجنائية أو في مرسوم 3 نونبر 2000 المحدد لكيفية تطبيق الظهير المتعلق بتنظيم المؤسسات السجنية وتسييرها، وهو توجه يبرره البعض بمنهج التشريع التدريجي لضمان فعالية هذه المؤسسة وعدم الوقوع في سلبيات التضخم الإجرائي[18]، والتي تركز في مجملها على فكرة السلوك الحسن للمحكوم عليه واستمرار هذا السلوك بعد الإفراج، دون أي تركيز على آليات الرعاية اللاحقة للمفرج عنه، وهي المقصودة أصلا من نظام الإفراج المقيد بشروط، الذي يسعى إلى نقل المعاملة التهذيبية من فضاء المؤسسة الإصلاحية إلى الفضاء المفتوح لكن بتصور وآليات مختلفة وبالرجوع إلى مقتضيات الفصول 622 إلى 632 من ق م ج، نجد أن استفادة المعتقل من الإفراج المقيد بشروط يكون بناء على قرار وزير العدل بعد أن تبت فيه لجنة مشكلة لهذا الغرض ينحصر دور قاضي تطبيق العقوبات في هذا المجال في تقديم الاقتراحات فقط،  مع مراعاة الشروط اللازم توفرها في المحكوم عليه للاستفادة من الإفراج.

وبعد إعداد ملف اقتراح الإفراج المقيد بشروط وفق المادة 625 من ق م ج والمادة 155 من المرسوم 3 نونبر 2000 من لدن مدير المؤسسة السجنية التي يقضي بها المحكوم عليهم عقوباتهم ويضمنه رأيه المعلل يوجهه إلى مدير إدارة السجون وإعادة الإدماج الذي يطبق مقتضيات المادة 156 من المرسوم السالف ذكره، ويعرضه بعد ذلك على لجنة الإفراج المقيد بشروط المكونة بوزارة العدل[19] وعندما يتقرر منح سجين ما الاستفادة من الإفراج المقيد بشروط فإن ذلك القرار توجه نسخة منه إلى قاضي تطبيق العقوبات شأنه في ذلك شأن وكيل الملك والوالي والعامل.

 

 

المبحث الثاني: صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات في مجال الإكراه البدني ونظام العقوبات البديلة

إن أغلب التشريعات المقارنة قد أحجبت عن تطبيق مسطرة الإكراه البدني باعتباره وسيلة استثنائية لارغام المحكوم عليه على الوفاء، في مقابل وسع من دائرة القضايا التي يشملها هذا الإجراء  سواء الديون العمومية أو الخصوصية،(المطلب الأول) الصلاحيات التقريرية في مجال الإكراه البدني في مقابل فإن المشرع على ضوء مسودة القانون الجنائي التي جاءت بمقتضيات جديدة في ما يتعلق بالعقوبات البديلة، وفي هذا الإطار فالمسرع نص على مقتضيات جديدة لقاضي تطبيق العقوبات في مسودة قانون المسطرة الجنائية في ما يتعلق  بنطام العقوبات البديلة  (المطلب الثاني)

المطلب الأول: الصلاحيات التقريرية في مجال الإكراه البدني

تتمثل صلاحية قاضي تطبيق العقوبات التقريرية في ظل ق.م.ج في إصدار قرار بالموافقة، أو رفض تطبيق مسطرة الإكراه البدني استنادا لمقتضيات قانون المسطرة الجنائية، (الفقرة الأولى) مراقبة إجراءات الإكراه البدني (الفقرة الثانية) طبيعة قرارات قاضي تطبيق العقوبات في مجال الإكراه البدني.

الفقرة الأولى: مراقبة إجراءات الإكراه البدني

الإكراه البدني يعرف بأنه وسيلة لإجبـار المدين الصادر في حقه سند تنفيذي على أداء ما بذمته من دين، وذلك بحبسه لمدة معينة تتناسب ومقدار الدين المطالب بأدائه متى كان القانون يسمح بذلك، وبذلك فهو وسيلة للضغط على المدين القادر على الـوفـــــاء.

ولقد حـدد نطاقه وأقـر عـدة شروط لتطبيقه وذلك بمقتضى الأحكام الواردة في ق.م.ج ( المواد من 633 إلى 647 )، وفي مدونة تحصيل الديون العمومية (المواد من 76 إلى 83) وفي مدونة الجمارك .

و الملاحظ أن المشرع المغربي من خلال المواد المنظمة لمسطرة الإكراه البدني، كرس وبشكل واضح الطابع الاستثنائي لهذه المسطرة والذي تبرز تجلياته من خلال وجـوب تـوفـر مجموعة من الشروط وتتجلى في :

يعد توجيه إنـذار للمدين المطلوب إكـراهـه من الشروط التي لا مناص منها قبل مباشرة إجراءات الإكراه البدني والمنصوص عليه في المواد 640 و641 و642 من ق.م.ج، ذلك أنه لا يعتد بالإنـذار إذا لـم يكن مسبوقا بتبليغ مقرر الإدانة والغاية من توجيه الإنـذار للمدين تنبيهه إلى ضرورة أداء مـا بذمته ووضعه في حالة التماطل عـن تنفيذ التزاماته لذلك يمكن القول أن للإنـذار دورا وقائيا، حيث يحمي المحكوم عليه من كل إجـراء قضائي يطبق في حقه بطريقة مفاجأة .

ـ الإدلاء بما يثبت عدم إمكانية التنفيذ على أموال المدين:

إلا أنه بالرجوع إلى النصوص المنظمة لأحكام التنفيذ الجبري في ق.م.م نجدهـا تنص على عـدة موانع منها مـا هـو قانوني وأخـرى مادية تحول دون التنفيذ على أمـوال المدين، وأنه بثبـوت هـذه الموانع يتـولـى مأمـور إجراءات التنفيذ بتحرير محضر بعدم وجـود مـا يحجز ويقوم الطالب بالحصول على نسخة منه لإرفـاقه بملف الإكراه البدني.

وفي إطار ممارسة عمله في ميدان الإكراه البدني فإنه قاضي تطبيق العقوبات يواجه بعض الإشكاليات التي تختلف من حالة إلى أخرى، ولعل أهم ما يعترض عمل قاضي تطبيق العقوبات في ميدان الإكراه البدني هو ضيق نطاق اختصاصه في هذا المجال، فدوره يقتصر على تلقي الملفات من وكيل الملك والتحقق من توفرهـا على الشروط القانونية، ومـن تم اتخاذ القرار بتطبيق الإكراه البدني .

كما أن إقرار المشرع المغربي في المادة 636 من ق.م.ج عـدم إمكانية تطبيق الإكراه البدني متى تعلق الأمر بحكم صادر بعقوبة الإعدام أو بالسجن المؤبد، كانت الغاية منه أن هذا النوع من العقوبات الجنائية ستستغرق حياة المحكوم عليه مما يتعذر من الناحية العملية تصور تطبيق هذه الوسيلة الإدعائية في هذه الحالة، غير أن ما يلاحظ هـو أن الاستثناء المتعلق بالمؤبد لم يعد واردا في المادة 749 من ق.م.ج الفرنسي، بعد التعديل الذي جاء به قانون 9 مارس 2004 وذلك لاعتبارين مرتبطين بالصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها قاضي تطبيق العقوبات الفرنسي في هذا القانون، ويتمثل الاعتبار الأول في تمكينه من استبدال عقوبة السجن المؤبد بعقوبة محددة المدة[20]،  أمـا الثاني فهو متعلق بإعطائه الحق بتمتيع المحكوم عليه بعقوبة السجن المؤبد بعقوبة محددة بنظام الإفراج الشرطي، وهو ما يسمح لهذه المؤسسة القضائية بإصدار مقرر بتطبيق هـذه الوسيلة الإدعائية لقهر المدين على سداد مبلغ العقوبة المالية إما قبل الاستفادة من الإفراج .

و هذه الصلاحيات لا نجد لها مثيلا عند قاضي تطبيق العقوبات المغربي، ونأمل أن يتدخل المشرع من أجل توسيع صلاحيات هذه المؤسسة القضائية في هذا المجال أسوة بنظيرتهـا في التشريع الفرنسي.

يعتبر هـذا الطلب تعبيرا صريحا من لـدن الدائن رغبة منه في الـزج بالمدين في السجن حتى تكون هـذه الوسيلة الأخيرة حافـزا على الوفاء، وعلى إثـره يشكل الإكراه البدني الذي يتـأكـد وكيل الملك من احترامه للمقتضيات القانونية المنظمة للإكراه البدني قبل إحالته على قاضي تطبيق العقوبات لطلب الموافقة، بحيث لا يشرع في تنفيذ الإكراه البدني إلا بعد صدور القرار المذكور.

لقد نص المشرع المغربي في المادة 640 من ق.م.ج على ضرورة إدلاء طالب الإكراه البدني بما يثبت عـدم إمكانية التنفيذ على المحكوم عليه لكي يستفيد من مسطرة الإكراه البدني، وخاصة محضر بعدم وجـود مـا يحجز ، وهـو مـا يعكس الطابع الاستثنائي لمسطرة الإكراه البدني .

 

 

 

 

 

الفقرة الثانية: طبيعة قرارات قاضي تطبيق العقوبات في مجال الإكراه البدني

و لقد تـم طرح مشكل طبيعة  قرارات قاضي تطبيق العقوبات لأول مرة لدى المشرع الفرنسي الذي لم يكن ينص على طبيعة هـذه القرارات ومدى قابليتها للاستئناف إلى أن أتى قانون 7 يونيو 2000 الذي اعتبرهـا إجراءات ذات طابع إداري وغير قابلة للاستئناف، قبل أن يتراجع ويقر بأنها قرارات قضائية تقبل الاستئناف بمقتضى تعديل 9 مارس 2004 [21].

 

و إن للمشرع المغربي فلم يتعرض لمسألة تحديد طبيعة القرارات التي يصدرهـا قاضي تطبيق العقوبات بصدد بته في مسطرة الإكراه البدني[22]، وهذه القرارات لا تخرج عن ثلاثة أنواع إمـا بتطبيق الإكراه البدني أو بتطبيق الإكراه البدني مـع تحديد مـدة الإكراه في حالة التضامن، أو أن قاضي تطبيق العقوبات يتخذ قرار بعدم تطبيق الإكراه البدني، وهـذا القرار الأخير هـو الذي أثـار نقاشا حـادا بخصوص طبيعته القانونية، مـادام أن القرارين الأولين لا يشكلان إضافة إجرائية مهمة لمسطرة الإكراه البدني، حيث يقتصر دور قاضي تطبيق العقوبات على التصريح بتـوفير الشروط الموضوعية والشكلية لمسطرة الإكراه البدني، نظرا لكون القرار بعدم تطبيق الإكراه البدني يتمحور أساسا حول عنصر التعليل المتمثل في المانع في تطبيق مسطرة الإكراه البدني، والذي قد لا يقتنع طالب الإكراه بموضوعيته، ومن جهة ثانية كثرة الملفات المرتبطة بالإكراه البدني خصوصا ما يتعلق بالغرامات و المصاريف القضائية مما قد يثقل كاهل قاضي تطبيق العقوبات[23] .

الملاحظ أن المشرع لـم يتعرض لهـذه المسألة بنص صريح، وهـو ما يشكل خللا تشريعيا يتـوجب تداركه، ذلك أنه أمـام سكوت المشرع فقد تبـاينـت الآراء الفقهية في هـذا الصدد بين من يقول بـأن قرارات قاضي تطبيق لعقوبات هي من قبل إجراءات الإدارة القضائية، لا تقبل الاستئناف خلافـا للقرارات القضائية، وبين من اعتبرهـا قرارات قضائية تقبل الطعن.

 

المطلب الثاني: الصلاحيات الجديدة لقاضي تطبيق العقوبات على ضوء  المسودة

أمام الانتقادات اللاذعة التي وجهت لقاضي تطبيق العقوبات في منظوماتنا القانوني بالنظر للحيطة والحذر التي اتخذها المشرع المغربي في إسناد المهام لهذه المؤسسة، فإن في وقتنا الراهن أصبح لقاضي تطبيق العقوبات صلاحيات جديدة، وهذا ما نجد سنده في مشروع المسودة الجديدة لقانون المسطرة الجنائية الجديدة، حيث اسند له السهر على تنفيذ وتتبع العقوبات البديلة (الفقرة الأولى) وكذلك البت في رد الاعتبار ومراقبة التخفيض التلقائي للعقوبة (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: السهر على تنفيذ وتتبع العقوبات البديلة

أولا: مفهوم العقوبات البديلة

بالرغم من العيوب التي تشوب العقوبات القصيرة المدة فلا زال المشرع المغربي يعمل بهذه العقوبات، وإن كانت التجربة الميدانية قد أثبتت عجزها وقصورها في أداء وظيفتها ومحدودية نتائجها، لا سيما أمام ارتفاع معدل الجريمة وعجز آليات المكافحة عن مسايرة هذا المد الإجرامي، ذلك أن الجميع فوجئ بحقيقة صادمة ونتيجة كارثية، فلا معدل الجريمة انخفضت مستوياته، ولا المجرم من جهته ردع عن معاودة سلوكه الإجرامي، ولا المؤسسة السجنية أصبحت قادرة على تطبيق استراتيجيتها التربوية والإصلاحية نتيجة الاكتظاظ[24] إن وضعا شاذا من هذا القبيل، لا يمكن إلا أن يساهم في تفاقم تمظهرات أزمة العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة[25].

لكل هذه الأسباب نص المشرع المغربي على العقوبات البديلة في المواد من 1-35 إلى 15-35 بحيث عرفها على أنها تلك العقوبات التي يحكم بها في غير حالات العود كبديل للعقوبات السالبة للحرية في الجنح التي لا تتجاوز العقوبة المحكوم بها من أجلها سنتين حبسا.

ثانيا: أنواع العقوبات البديلة وسلطة قاضي تطبيق العقوبات بشأنها

أ-العمل لأجل المنفعة العامة:

إن عقوبة العمل من أجل المنفعة العامة تتمتع بقيمة إصلاحية تهذيبية بالأساس تساعد على إدماج الجاني في المجتمع وأسرته وتحافظ على الروابط الأسرية وتحميها ن التفكك بفعل تطبيق العقوبة الحبسية، كما أنها تنفرد باقتصادية تعفى مالية الدولة من تكاليف باهضة تخصص كميزانية لتوفير التغذية والرعاية الصحية والتجهيزات المختلفة لضمان صحة وسلامة السجناء.[26]

وقد اشترط المشرع المغربي بعدم الحكم بعقوبة العمل للمنفعة العامة كبديل للعقوبة السالبة للحرية إلا إذا توفرت الشروط التالية:[27]

– أن يكون المحكوم عليه بالغا من العمر 15 سنة على الأقل وقت ارتكاب الجريمة.

– ألا تتجاوز العقوبة المنطوق بها سنتين حبسا.

ب-الغرامة اليومية:

تشكل الغرامة اليومية إحدى أهم العقوبات البديلة الرامية إلى تجاوز إشكالية العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة والحد من ظاهرة اكتظاظ المؤسسات السجنية، وقد عرفها بعض الفقه بأنها: نظام يقوم على أساس إعطاء القاضي إمكانية الحكم أولا على المتهم بفترة زمنية معينة، ثم بعد ذلك يتم تقيم هذه المدة ماليا وتحويلها إلى غرامة”.[28]

ج- تقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية:

لقد نص المشرع على هذه العقوبات كبديل للعقوبات السالبة للحرية التي لا تتجاوز منطوقها في المقرر القضائي سنتين حبسا في المواد 13-35 إلى المواد 15-35 من مسودة المشروع، والتي تهدف بالدرجة الأولى إلى اختبار المحكوم عليه والتأكد من استعداده لتقويم سلوكه واستجابته لإعادة الإدماج.[29]

 

الفقرة الثانية: البت في رد الاعتبار ومراقبة التخفيض التلقائي للعقوبة

أولا: السهر على مراقبة قرارات التخفيض التلقائي للعقوبة

من بين أهم الصلاحيات التي أصبح يمارسها قاضي تطبيق العقوبات تلك المتعلقة بالإشراف القضائي على التخفيض التقاضي، ذلك أنه في ظل سياسة إعادة الإدماج أصبح بإمكان السجناء الذين أبانوا على حسن السلوك خلال تنفيذ العقوبة الاستفادة من تخفيض القاضي من طرف لجنة معينة بذلك، شريطة أن يكون الحكم حائزا على قوة الشيء المقضي به، وأن يكون المحكوم عليه قد قضى ربع العقوبة السالبة للحرية على الأقل.

كما يستفيد المحكوم عليه الذي تأخر صدور حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به في حقه من التخفيض التلقائي، ابتداء من التاريخ الذي يستوفي فيه الشرط المتعلق بقضاء ربع العقوبة السالبة للحرية المحكوم بها عليه.

ويمكن أيضا استفادة السجناء الذين شاركوا في برامج الإدماج وابانوا عن مجهودات متميزة في متابعة دراستهم أو في التكوين المهني أو الخضوع للعلاج من تخفيض إضافي في حدود خمس مرات، وذلك بحساب مدة 4 أيام عن كل شهر بالنسبة للعقوبات المحكوم بها التي لا تتجاوز سنة أو شهر واحد عن كل سنة بالنسبة للعقوبات التي تفوق السنة، ويمكن سحب آخر تخفيض تلقائي للعقوبة استفاد منه السجين الذي أبان عن سلوك سيء بناء على ملتمس كتابي يقدمه مدير السجن أو وكيل الملك أو الوكيل العام للملك.[30]

وتتجلى صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات بشأن التخفيض التلقائي للعقوبة في كون أنه بعد إحالة مدير السجن نسخة من قرار التخفيض التلقائي داخل أجل ثلاثة أيام على قاضي تطبيق العقوبات وعلى وكيل الملك، يمكن للأول – إسوة بالثاني – وكيل الملك أن يطلب إيقاف التنفيذ المقرر من لدن مدير السجن من خلال ثلاث أيا من إشعاره ويعرض بعد ذلك الأمر على لجنة مراقبة تطبيق التخفيض التلقائي المنصوص عليها في المادة 4-326 للبت فيه.

وعلى العموم تبقى هذه الصلاحيات المتعلقة بالتخفيض التلقائي للعقوبة مهمة وأساسية في تدعيم المركز القانوني لقاضي تطبيق العقوبات كخيار تبنته مسودة المشروع الحالي من أجل حماية حقوق وحريات المحكوم عليهم والمساهمة في إعادة إدماجهم من جديد في حظيرة المجتمع.

ثانيا: البت في طلبات رد الاعتبار القضائي

إن رد الاعتبار هي تلك الوسيلة التي يراد بها محو أثر العقوبة، بالنسبة للمستقبل، والناتجة عن العقوبة وحالات فقدان الأهلية المترتبة عنها، بحيث عرفه بعض الفقه على أنه ّإزالة حكم إداري بالنسبة للمستقبل على وجه تنقضي معه جميع أثاره، ويصبح المحكوم عليه ابتداء من تاريخ رد الاعتبار في مركز من لم تسبق إدانته.

ورد الاعتبار يمكن أن يكون بقوة القانون[31] أو بقرار قضائي، فالأول يسهر على تنفيذ تلقائي وتحت مراقبة النيابة العامة، ورئيس كتابة الضبط بالمحكمة التي يقع بدائرة نفودها مكان ولادة المحكوم عليه، أنا الثاني فيرد بقرار لقاضي تطبيق العقوبات وفق التعديلات الجديد.

وفي ختام ما سبق ذكره فإن الغاية من السياسة الجنائية حفظ الأمن وتحقيق العدالة الجنائية ،وهو ما يتكرس في فعالية السياسة العقابية المعتمدة من طرف المشرع، وعليه  فإن الأدوار التي أناطها المشرع لقاضي تطبيق العقوبات تهدف لتأهيل وإصلاح المحكوم عليه وإصلاحه و إعادة إدماجه في المجتمع، لكن يلاحظ على أن قاضي تطبيق العقوبات غير متفرغ بالإضافة لدوره   كقاض الحكم يعمل على إعداد ملفات الجلسات والحكم فيها، تضاف لكاهله مهمة السهر على تنفيذ العقوبات وهو الأمر الذي يصعب عليه ممارسة مهامه على الوجه الأفضل، بالإضافة لعدم التنصيص على الطبيعة القضائية لعمل قاضي تطبيق العقوبات في مجال تفريد الجزاء الجنائي، وفي هذا الصدد لتفعيل الدور الأساسي لقاضي تطبيق العقوبات فإن الأمر يتطلب ضرورة التوسيع من أدواره على غرار المشرع الفرنسي ذلك بمنحه صلاحيات ايجابية تدخلية تمكنه من تحقيق الغاية التي أحدث من أجلها، من خلال التدخل في مدة العقوبة واتخاد بعض التدابير المتعلقة بتفعيل البدائل خصوصا لما تعرفه المؤسسة العقابية من سلبيات العقوبة السالبة للحرية القصيرة المدة والتي تؤثر على تنزيل البرامج الإصلاحية، بالإضافة لارتفاع معدل العود والاكتظاظ بالمؤسسة السجنية، مما يتطلب في نفس الوقت تنزيل العقوبات البديلة المنصوص عليها في أطار المسودة ذلك للرفع من نجاعة النظام العقابي وفعاليته في الردع العام والخاص.

 

 

[1] عبد الحميد محمود البعلي، الحماية الجنائية للحقوق والحريات أثناء المحاكمة الجنائية – دراسة مقارنة، مجلة الحقوق العدد الرابع، السنة 1994، ص 126.

[2] وهو ما يستفاد من نص الفقرة الأخيرة من المادة 56 من ق.م.ج على أن قاضي تطبيق العقوبات “يمارس مهامه حسب هذا القانون وكذا بموجب أي نصوص أخرى” وهو ما يؤشر على تعزيز صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات من صدور مدونة القانون الجنائي الجديد، وهذا ما ترجم بالفعل مع المشروع القانون الجنائي الجديد لسنة 2015، الذي جاء بعقوبات بديلة للعقوبات السالبة للحرية .

[3] أنظر المادة 596 ق.م.ج،

[4] أنظر التومي محمد، قاضي تنفيذ العقوبة بين التشريع والممارسة، وتقرير لنيل الدراسات العليا المتخصص في علوم التربية، جامعة محمد الخامس السوسي، وحدة التكوين والبحث إعادة ثربية الجانحين والتأهيل المهني، الموسم الجامعي 2005-2006، ص 52.

[5] تنص المادة 608 من ق.م.ج على أنه: “لا يمكن حرمان شخص من حريته إلا بمقتضى سند صادر عن السلطة القضائية يأمر باعتقاله احتياطيا أو بناءا على سند يأمر بتنفيذ مقرر المكتسب لقوة الشيء المقتضي به صادر عن هيئة قضائية…”.

[6] مريم سعيد، قاضي تطبيق العقوبات في ضوء قانون المسطرة الجنائية، مرجع سابق، ص 27.

[7] يلاحظ أن صياغة المادة 608 من ق.م.ج يفتقر إلى نوع من الدقة في الصياغة اللغوية، ذلك أن تعتبر المشرع في المادة المذكورة على أنه :”لا يمكن حرمان شخص في حريته إلا بناءا… أو بناءا على سند يأمر بتنفيذ مقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به صادر عن هيئة قضائية يقضي بعقوبة السجن أو الحبس أو الاعتقال أو الإكراه البدني… ،” يوحي بأن الإكراه البدني هو عقوبة سالبة للحرية شأنه في ذلك شأن السجن والحبس والاعتقال، في حين أن الإكراه البدني لا يعتبر عقوبة والمكره لا يعد متهما، وإنما هو وسيلة الإجبار على التنفيذ، وأن هناك فروقا جوهرية بين الإكراه البدني والعقوبة بخصوص المدة والآثار ورد الاعتبار والعفو والسوابق القضائية…”.

[8] عبد العكيم العبسلامي، قاضي تطبيق العقوبات على ضوء قانون المسطرة الجنائية المغربي، مرجع سابق، ص 48.

[9] تنص المادة 54 من قانون رقم 98-23 على أنه: يعتبر خطأ تأديبيا

[10] وهي مادة طويلة إذا ما قورنت بعض التشريعات التي حددتها في شهر أو 15 يوما كالتشريع المصري الجزائري أو الليبي.

[11] محمد قصري، القرارات الإدارية التي يجوز الطعن فيها بدعوى الإلغاء لتجاوز السلطة، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، العدد1، سنة 1995 ص 13 وما يليها.

[12]– يقصد بالعفو الخاص انقضاء العقوبة كلها أو بعضها أو استبدالها بعقوبة أخف منها، أو وضع حد لتحريك الدعوى العمومية أو خلال ممارستها في جميع مراحل المسطرة وأمام أي هيئة قضائية بمقتضى أمر ملكي،

– أنظر محمد ملياني، توضيحات حول مؤسستي العفو العام والعفو الخاص في التشريع المغربي، مجلة المعيار، العدد 18-19، أبريل 1993، ص: 35.

[13]– ينص الفصل 51 من ق ج على ما يلي:

” لا يكون العفو الشامل إلا بنص تشريعي صريح.”

“ويحدد هذا النص ما يترتب عن العفو من آثار دون المساس بحقوق الغير”

[14]-محمدعبد الغريب،الافراج الشرطي في ضوء السياسة العقابية الحديثة، دار الإيمان للطباعةوالنشر،طبعة1994،ص 94

[15]– رمسيس بنهام، النظرية العامة للقانون الجنائي، منشأة المعارف الإسكندرية، الطبعة الثانية 1997، ص: 923.

[16]– يقصد بعبارة “مقيد شروط”، أنها مجموعة من الالتزامات التي تفرض على المحكوم عليه وتقيد حريته وتتمثل كذلك في تعليق للحرية على الوفاء بهذه الالتزامات.

– أنظر في هذا الخصوص: عبد الحميد الشورابي، الأحكام العامة لقانون العقوبات، مطبعة عصام جابر، بدون سنة ص: 125.

[17]– أنظر المادة 622 من قانون المسطرة لجنائية.

ـ 26 مولاي الحسن الإدريسي، السياسة العقابية بالمغرب بين التحديات والإصلاحيات، أطروحة لنيل الدكتورة في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس السوسي. بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سلا، الموسم الجامعي 2013-2014, ص 118.

 

[19]– ـتنص المادة 654 من ق م ج.: “يعد رئيس المؤسسة السجنية التي يقضي بها المحكوم عليه عقوبته اقتراحات الإفراج المقيد بشروط، إما تلقائيا أو بناء على طلب من المعني بالأمر أو عائلته، وإما بتعليمات من وزير العدل أو مدير إدارة السجون…..”

20ـ توفيق ادريسي ودغيري، دور قاضي تنفيذ العقوبة في قانون المسطرة الجنائية، رسالة لنيل الماستر في القانون الخاص، جامعةعبد المالك السعدي، كلية الحقوق، طنجة ، السنة الجامعية،2014ـ2015 ص 89

21ــ أنظر عرض “دومينيك سوزان” دور المستشار المكلف بتطبيق العقوبة في محمكة الاستئناف، لقاء القضاء المغربي الفرنسي المنعقد سنة 2004 بالمعهد العالي للقضاء، منشور بمجلة المحكمة، عدد 5 ماي 2005،ص 74

22ـ عبد العالي مغشيش، أزمة الساسة العقابية بالمغرب، رسالة لنيل الماستر في القانون الخاص، جامعة عبد المالك السعدي كلية الحقوق طنجة، السنة الجامعية 2015ـ 2016 ص 63

ــ عبد السلام حسني رحو: مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات، دار القلم للطباعة والنشر، الطبعة الاولى 2002، ص 71[23]

[24]– جمال المجاطي بدائل العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة في ضوء التشريع المغربي والمقارن دراسة تحليلية وعملية، مكتبة الرشاد، الطبعة 2015 ص: 17.

29ـ للإشارة فإن المشرع أقر لأول مرة بدائل العقوبة السالبة للحرية في مسودة مشروع القانون الجنائي، بحيث لم يكن لها وجود في المجموعة الجنائية،  وهي خطوة مهمة من المشرع الجنائي من أجل تجاوز سلبيات العقوبة القصيرة المدة وما أفرزته من اكتظاظ للسجون وارتفاع حالة العود.

[26]– جمال المجاطي، م.س، ص: 202.

[27]– المادة 6-35 من مسودة مشروع القانون الجنائي الحالي.

[28]– عبد الله درميش، مختلف أشكال بدائل العقوبات السالبة للحرية، مجلة المحاكم المغربية، عدد 86، يناير 2001، ص: 22.

[29]– أنظر المادة 13-35 من مسودة مشروع القانون الجنائي الحالي.

[30]– أنظر المادة 6-632 من مشروع مسودة قانون المسطرة الجنائية.

[31]–  تنص المادة 679 من قانون المسطرة الجنائية.”يحق لكل شخص صدر عليه حكم من إحدى المحاكم الزجرية بالمملكة من اجل جناية أو جنحة الحصول على رد الاعتبار”

“يمحو رد الاعتبار بالنسبة للمستقبل الآثار الناتجة عن العقوبة وحالات فقدان الأهلية المترتبة عنها”

“يرد الاعتبار إما بقوة القانون أو بقرار تصدره الغرفة الجنحية بمحكمةالإستئناف”

Exit mobile version