Site icon مجلة المنارة

سياسات التعمير بالمغرب: الأبعاد والعوامل المؤثرة

سياسات التعمير بالمغرب: الأبعاد والعوامل المؤثرة

                                                       

 

 

 

ساهمت التحولات التي عرفتها بنية ووظيفة الدولة في إعادة صياغة الأدوار التي تضطلع بها بحسب ظروفها كل واحدة منها. الأمر الذي جعل أنشطتها تمتدُّ وتتوسّع بالقدر الذي يسمح لها بالسعي لبلوغ أهدافها، ويؤمِّن لها مزيدا من الشرعية والفعالية. وفي هذا السياق احتلت السياسات العمومية أهمية بالغة، باعتبارها واحدة من أهم الأدوات التي تكفل إمكانية تدخل الدولة في تنزيل رؤيتها لتدبير الشأن العام الوطني. وتشكل سياسات التعمير أحد أبرز الموضوعات التي تتيح للباحث إمكانية دراسة رصيد التجربة العمومية المغربية في بلورة وإنجاز سياسات عمومية، خاصة وأن مجال التعمير يقع في نطاق تقاطع معطيات اقتصادية واجتماعية وسياسية وبيئية وثقافية…إلخ. خصوصا في ظل تسارع وتيرة التوسع العمراني باعتباره أحد مكونات الظاهرة العمرانية وأبرز تجلياتها.

فشساعة نطاق مجال التعمير وتعقد موضوعاته وتعدد المتدخلين فيه مع تضارب مصالحهم، كلّها معطيات تجعل اعتماد ضرورة استدعاء مقاربة منهجية مندمجة توظِّف إلى جانب المقترب القانوني مقاربات تنتمي إلى حقول معرفية أخرى، لتحقيق إحاطة أكبر بموضوع السياسات العمومية في ميدان التعمير من خلال التجربة المغربية، وقوفا عند نقاط القوة ومواطن القصور. كل ذلك في أفق تقديم رؤية نقدية تتيح للمهتمين تجويد هذه السياسات واستدراك بعضا من أعطابها واختلالاتها. ولذلك وبحكم أن المفترض في أي سياسة عمومية هو السعي لبلوغ أهداف محددة، وتحقيق الانسجام والتكامل والتوازن من خلال اعتماد مبدأ التوقعية، فإنه من المهم العمل على دراسة سياسات التعمير بالمغرب باستحضار مختلف أبعادها ودراسة مجمل وأهم العوامل المؤثرة فيها.

وتكتسي دراسة وتحليل العوامل المؤثرة في سياسات التعمير بالمغرب في مختلف أبعادها أهمية بالغة، وذلك لمجموعة من الاعتبارات والدواعي التي يمكن أن نذكر من بين أهمها:

–         كون مجال سياسات التعمير بالمغرب مجالا جد معقّد ومركّب يصعب معه تحديد المسؤوليات والأدوار. خاصة وأن واقع ميدان التعمير هو بالأساس نتاج طبيعي لصيرورة رواسب وتجاذبات سياسية واقتصادية ومصلحية، لا سيما أن كل مرحلة تدبيرية قد خلفت العديد من المشاكل يصعب تجاوزها. لذلك لن يسهل إمكانية استيعاب إشكالات سياسات التعمير من دون إدراك مختلف الأبعاد والعوامل المؤثرة فيها.

وتضع دراسة موضوع سياسات التعمير بالمغرب، الباحث أمام عدة إشكاليات يتوجب الوقوف عندها، خصوصا أن المجال العمراني ببلادنا تصعب مقاربته من زاوية واحدة، نظرا لتداخل الإكراهات القانونية بالاعتبارات السياسية والثقافية والحضارية، مع ضرورة مراعاة رهان الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، وتعدّد المتدخلين في تدبيره. ونظراً لأن دراسة أبعاد الموضوع والعوامل التي تؤثر فيه، سيساعد بالتأكيد على الإحاطة بالموضوع ككل، فإنه لابد من طرح إشكال ماهية تلك الأبعاد والعوامل.

لذلك فإن محاولة الوقوف عند هذه الأبعاد والعوامل بالدراسة والتحليل والنقد سيساعد على محاولة استيعاب أهم إشكالات سياسات التعمير بالمغرب، من أجل السعي إلى تجاوزها وإقرار سياسة تعميرية عمومية متكاملة. وذلك على أرضية رؤية موحِّدة ومنهجية ناظمة، قوامها الرؤية المندمجة والحكامة الجيدة والتدبير التشاركي للمجال، عبر اعتماد مقاربات تنموية غايتها تنمية المجال العمراني وتطويره.

وسنتناول موضوع هذه المقالة في محورين، المحور الأول نحاول أن نبسط فيه أبعاد السياسات العمومية المتعلقة بالتعمير بالمغرب، أما المحور الثاني فسنحاول الوقوف فيه عند أهم العوامل المؤثرة في تلك السياسات.

المحور الأول: أبعاد السياسات العمومية المتعلقة بالتعمير بالمغرب.

المحور الثاني: العوامل المؤثرة في سياسات التعمير بالمغرب.

 

 

المحور الأول: أبعاد السياسات المعتمدة في ميدان التعمير بالمغرب.

نظرا للتحولات التي شهدها المغرب مند بداية القرن العشرين، حيث عرف المجتمع المغربي مثله مثل باقي المجتمعات المعاصرة الأخرى، ظاهرة التعمير وما شكله ذلك من انعكاس على المجال الحضري المغربي. فقد اهتمت الدولة بميدان التعمير، بهدف تنظيم وضبط المجال الحضري والمجال العمراني بشكل عام، خاصة وأن تحولات وتغيرات هذا المجال لها نتائج وانعكاسات على حاضر ومستقبل البلاد، سواء على المستوى السياسي، أو الاقتصادي والاجتماعي…

ولهذا تتجلى أهم أبعاد سياسات التعمير بالمغرب في البعد السياسي (أولا)؛ والبعد الاجتماعي (ثانيا)؛ ثم البعد الاقتصادي التنموي (ثالثا).

 

أولا: البعد السياسي لسياسات التعمير بالمغرب.

يعتبر البعد السياسي من الأبعاد الضرورية لفهم كل سياسة عمومية مهما كانت طبيعتها. والسياسات العمومية في مجال التعمير باعتبارها جزء من السياسات العمومية ككل لها ارتباط كبير بالبعد السياسي. فالتعمير كسياسة يرتبط ارتباطا عضويا ووظيفيا مع القوانين المنظمة للمجال الحضري والهادفة إلى تنميته، و تجد هذه الجوانب ترجمتها خلال تطبيقات وثائق التعمير على واقع المجال[1]. كما يظهر ذلك في مجال الممارسة العملية التي تعكس الإرادة السياسية في هذا المجال. هذه الأخيرة التي تتجلى في مجموع القرارات والأعمال والتدخلات المتخذة من قبل الفاعلين السياسيين والمؤسساتيين لأجل إيجاد حلول للمشاكل المتعلقة بالتعمير. فالمفترض في السياسة العمومية للدولة في مجال التعمير هي أن تتجلى في إستراتيجيات حضرية تؤطر بفهم معين للواقع ونابعة من إشكالات التحضر، وتتوخى تطبيق البرامج وصولا إلى أهداف بقصد التحضير للتحكم في التوسع الحضري، من خلال الإمكانات المادية والبشرية المتاحة أمام السلطات المختصة[2].

وباستحضار كرونولوجيا قوانين التعمير بالمغرب، يتضح أن المستعمر عمد مند بداية الحماية إلى وضع سلسلة من القوانين، هي التي تشكل الإطار المرجعي لكل الترسانة القانونية المنظمة للمجال العمراني بالمغرب اليوم. فكثيرا ما يقال أن المغرب هو من أوائل الدول التي عرفت إقرار قوانين في مجال التعمير، وبأن المغرب قد سبق فرنسا في هذا المجال، حيث لم تعرف أول نصوصها القانونية في هذا المجال إلا خمس سنوات بعد المغرب،[3] إلا أن الأمر كان يخفي أشياء أخرى.

فالمرحلة الاستعمارية عرفت فيها قوانين التعمير بالمغرب تطورا سريعا، وذلك نتيجة للدور الكبير الذي كانت تلعبه في تنظيم وضبط المجال. وهكذا عرف المغرب قوانين للتعمير وقانونين للتجزئات (ظهير 1914 وظهيرا 1952 و 1953)، رغم أن الجديد الذي جاء به ظهير 1952 يتعلق فقط بتوزيع نطاق تطبيقه بحيث لم يعمد إلى إعادة النظر في توزيع الاختصاصات محافظا على الفلسفة التي تحكمت في ظهير 1914[4]. فالإدارة الفرنسية لم تكن تنظر إلى المجال الترابي نظرة تنموية كما نصت عليها بنود معاهدة الحماية، بقدر ما كانت تهدف إلى استغلاله واستنفاذ خيراته الطبيعية وتسخير موارده البشرية، وذلك في إطار تقسيم العمل الدولي، وبسط هيمنة الدول الأوربية على مستعمراتها[5]. فالهدف الحقيقي من فرض الحماية على التراب المغربي بصفة عامة لم يكن يستهدف فقط التحكم في التجمعات البشرية وتسخيرها، بل كذلك استغلال المجال وما يتوفر عليه من موارد مختلفة على حساب مصالح البلد، ولقد نتج عن ذلك تعميق عوامل التهميش والفوارق الاجتماعية والمجالية بين سكان مجال المغرب النافع ومجال المغرب الغير النافع.

أما مرحلة ما بعد الاستقلال فقد عرفت اعتماد كليا على الإرث الذي تركه الاستعمار، والنص الوحيد الذي تمت المصادقة عليه هو ظهير 1960 المتعلق بتنمية التجمعات القروية. ووجب انتظار سنة 1992 من أجل إعادة النظر في القوانين، وتعديلها[6]. ومند ذلك الوقت إلى الآن باءت كل محاولات الإصلاح بالفشل، وهذا ما يمكن الاستدلال عليه بفشل مشروع مدونة التعمير الذي انطلق ورشها مند سنة 2005، والتي على الرغم من تقسيمه إلى نصوص متفرقة فإنها هي الأخرى مازالت تراوح مكانها، ولم يخرج منها إلى حدود الآن إلا القانون رقم .1266 المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء، الذي ظل حبيس جدران البرلمان لسنوات بسبب الرفض الذي واجهه من قبل البرلمانيين خصوصا الذين يجمعون بين الانتداب البرلماني والجماعي حيث كانوا يعتبرونه يشكل تهديد لمصالحهم على المستوى المحلي. ولم تتم المصادقة عليه بالبرلمان إلا منتصف سنة 2016[7].

كما أن البعد السياسي لسياسة التعمير يتجلى في العلاقة الجدلية بين تنمية المجال الترابي من جهة، وهاجس مراقبته وضبطه من جهة أخرى[8]. فضبط المجال الترابي ومراقبة سكانه كانتا في المغرب عبر مختلف مراحل تطوره، قاعدة السياسة العامة، ولا سيما مند قرن. إذ كانت هذه الفكرة هاجسا يؤرق أنظمة الحكم التي تعاقبت عليه، لدرجة أصبحت معها المسألة الترابية حجر الزاوية في كل تدخل من تدخلاتها، إلى حد أن العامل السياسي هو الذي تحكم في إدارة المجال الترابي، لأسباب متناقضة أحيانا، وعلى حساب تنمية البلاد وتجديد بنياتها بعمق وإصلاحها. ومند نهاية القرن التاسع عشر، يبدو أن هذا المنطق سيطر بصيغ خاصة على ثلاث حقب تاريخية هي: حقبة ما قبل الاستعمار، حقبة الاستعمار، حقبة ما بعد الاستعمار. والمقارنة بين مختلف مراحل التطور التاريخي للمجال الترابي المغربي هاته عبر استحضار القطيعة الناتجة عن حلقة الاستعمار، يمكنها أن تبرز لنا الاضطرابات وتعقد الخيوط المتداخلة التي نسجت حبكة الاستمراريات والتحولات المميزة لكل مرحلة. ويسمح تحليل هذا المسار الطويل بتبين استمراريات غير متوقعة بين مختلف أنواع المنطق الترابي.

كما يرتبط العامل السياسي لسياسات التعمير بطبيعة النخب الفاعلة فيه خصوصا على المستوى المحلي، وهذا يحيلنا على دراسة التشكل الاجتماعي لنخبنا السياسية وسلوكها السياسي والاجتماعي؛ وكذا بنية وطبيعة المؤسسات السياسية والإدارية والتشريعية، وإشكالية العلاقة بين السياسي والإداري. حيث إن مجال السياسة التعميرية ليس بعيدا عن إشكاليات التوتر بين الإداري والسياسي، بل يشكل أحد أركانها. فسيطرة الدولة على آليات التعمير عبر إضعاف الجماعات الترابية (صلاحيات محدودة) كان وراء طغيان المقاربة الأمنية على تنظيم المجال؛ مما يحيلنا على طرح علاقة السياسة التعميرية بالمجال عموما الذي يعبر عن آليات الضبط السياسي والاجتماعي.

 

ثانيا: البعد الاجتماعي لسياسة التعمير بالمغرب

تعتبر مسألة التعمير والتمدن ظاهرة اجتماعية عالمية بامتياز، وذلك لما يمثله تعدد قضايا التعمير والسكنى خاصة بالدول النامية ومنها المغرب من عوائق أمام عملية إدماج الفئات في مسلسل التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالرغم من مختلف المجهودات المبذولة من قبل الدول لحل هذه المشاكل، والتي تعترضها صعوبات متعددة تحول دون تطويق هذه الظاهرة.

وفي هذا السياق تشكل سياسات التعمير نقطة التقاء مصالح مجموعة من الفئات والشرائح الاجتماعية، وتسعى لتحقيق الأهداف الاجتماعية المسطرة في البرامج المتعلقة بها، باعتبارها سياسة تساهم في التنمية الاجتماعية. لهذا يعتبر استحضار الجانب الوظيفي لتنظيم المجال أمرا ذا أهمية بالغة، من أجل تخويل السكان بكل شرائحهم، الحياة والعيش في إطار إنساني ملائم من الناحية الصحية، وفي ظروف بيئية مرضية عبر تجهيز وتقوية هذه المجالات بالمرافق والتجهيزات الأساسية ومن ثمة المساهمة في تقليص الفوارق الاجتماعية وتحقيق العدالة الاجتماعية. خصوصا وأن التعمير في علاقته بالسكن أصبح هاجسا يشغل ذهن كل مواطن؛ فالسكن، مثلا، يعتبر من جملة الحقوق الأساسية التي يتعين على الحكومات أن تجعلها هدفا أساسيا ضمن برامجها، باعتباره يعد حقا من حقوق الإنسان الأساسية حسب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويشكل أحد المبادئ الأساسية التي نص عليها دستور2011[9].

لهذا فوظيفة التعمير لم تعد تقتصر على توفير السكن فقط، بل توفير كل ما يحتاجه الفرد داخل محيطه السكني من المرافق الضرورية والتجهيزات الأساسية، وذلك قصد تلبية معظم الخدمات الاجتماعية اللازمة لسكان المدن، حتى لا تتحول هذه الأخيرة إلى فضاءات معرقلة لكل الطاقات الإبداعية لدى الفرد والجماعة، وبالتالي معرقلة لكل برنامج تنموي تسعى الدولة إلى إنجاحه[10]. فالبعد الاجتماعي لسياسات التعمير يتجلى في مساهمة التعمير كسياسة عمومية في تقليص الفوارق الاجتماعية، وذلك من خلال تجهيز المجالات الحضرية المهمشة بالتجهيزات الأساسية والمرافق العمومية ذات الهدف الترفيهي، التعليمي، الرياضي، الثقافي… والتي تعمل على تكوين وتنشئة السكان وتأطيرهم، وإدماجهم في الحياة العامة للمجتمع. ومن هنا يأتي الحديث عن سياسة التعمير ودورها في تنمية الموارد البشرية داخل المجال الحضري، هذه الموارد التي أصبحت تشكل إحدى الأعمدة الرئيسية في إنجاح البرامج الاقتصادية والاجتماعية[11].

ثالثا: البعد الاقتصادي التنموي.

تعتبر سياسات التعمير اليوم من بين الأسس المؤسسة للفعل التنموي، سواء على مستوى التنمية عموما أو على مستوى التنمية العمرانية على وجه الخصوص. وهي تأخذ تمظهرات متعددة يتحدد بعضها في كون، الحياة الاقتصادية تحتاج إلى وضع الأسس الضرورية والمناخ الملائم من أجل التنمية الاقتصادية للمجالات، وإرساء وثائق تعميرية تضمن التوزيع المتوازن للأنشطة الاقتصادية والصناعية، وفي هذا السياق فإن سياسة التعمير تسعى إلى توفير البنية التحتية لهذه الأنشطة من تجهيزات أساسية ومرافق، وخلق مناطق صناعية قادرة على استقطاب رؤوس الأموال وتنمية وتشجيع المشاريع الاستثمارية. خصوصا وأننا نعيش في ظرف يتميز بعولمة الاقتصاديات، حيث تلعب المدن والمتروبولات الكبرى دورا كبيرا في المجال الاقتصادي، يصعب على بلدان العالم الثالث أن تكون دول تنافسية، ما دامت مجالاتها الحضرية تراكم اختلالات في بنياتها لا تؤهلها لاستقطاب الاستثمارات وخلق الثروات، وتطوير مجالات التنمية والبحث العلمي، من أجل تحسين جودة العيش داخل التجمعات العمرانية والمحافظة على التراث ورد الاعتبار له واحترام البيئة.

ولرفع تحدي العولمة وتسريع انخراط البلد في الاقتصاد العالمي، ينبغي التعامل مع تهيئة المجال عموما وقطاع التعمير على وجه الخصوص كأداة لخلق الثروات والرقي بإطار العيش بمدننا وقرانا، وذلك من خلال مقاربة تندرج ضمن منظور التنمية الشاملة والمستدامة. وهنا لا بد من التطرق لأهمية العلاقة التلازمية بين سياسات التعمير وسياسات إعداد التراب الوطني في التأسيس للبعد التنموي. وقد سبق لملك البلاد أن أكد بمناسبة انطلاق الحوار الوطني حول إعداد التراب على ضرورة اعتماد منظور جديد لإعداد التراب الوطني:

“… وفي هذا السياق فإننا ندعو لاعتماد منظور جديد لإعداد التراب الوطني قوامه اعتبار التهيئة الترابية أحسن وسيلة للحد من التفاوت الجهوي وأداة للتطوير العقلاني للمشهد الحضري وإنعاش العالم القروي، وأمثل طريقة للتوفيق بين النجاعة الاقتصادية وحماية الثروات من جهة وبين العدالة الاجتماعية والحفاظ على البيئة من جهة أخرى، ذلكم المنظور الذي نحرص على أن يدخل في اعتباره الارتباط العفوي بين تهيئة التراب الوطني والتعمير باعتبارهما وجهين لعملة واحدة…” [12].

لهذا يعتبر الميثاق الوطني لإعداد التراب المسألة الحضرية من بين تحديات التنمية وإعداد التراب، باعتبار أن سياسة التنمية وإعداد التراب مرهونة بقدرة البلاد على رفع التحديات التي ستطرحها المسألة الحضرية في بلادنا، ولعل أكثرها إلحاحا استيعاب الخصاص القائم والاستجابة للحاجيات المقبلة التي ستترتب عن النمو الحضري على مستوى الشغل والسكن والمرافق ذات الوظيفة الاقتصادية والاستعمال الجماعي[13]. فالمجال الذي يسعى إعداد التراب الوطني والتعمير إلى تنظيمه يتميز بنمو ديمغرافي مرتفع نسبيا وبتمدن متسارع وبهجرة قروية مكثفة وبتمركز الأنشطة الاقتصادية والتجهيزات في بعض أجزاء البلاد. ونتج عن كل هذا عدة مشاكل أبرزها ما يتعلق بالأزمة الحضرية في مظهريها: عدم التجانس بين الأقطاب الحضرية وداخلها، ومن جهة ثانية انتشار السكن الغير اللائق. ولأجل تصحيح الاختلالات المجالية الحالية والحفاظ على التوازنات، من أجل تحقيق التنمية المنشودة، ينبغي استحضار سياسة إعداد التراب الوطني بالضرورة، في كل السياسات العمومية القطاعية؛ بالشكل الذي يراعي التكامل والانسجام بين تلك السياسات، سعيا لاستقرار التجمعات البشرية وفق طرق عيشها وخصوصياتها، سواء الثقافية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، عبر تنظيمها وتجهيز هيكلتها تحقيقا لشروط حياة العيش المناسبة، وضمانا لأسس تنموية تحافظ على المحيط الطبيعي وعلى بنية المجتمع وتماسكه، مما سيساعد على اعتماد سياسة تعميرية ملائمة للأوضاع والوقائع الاقتصادية والاجتماعية. خصوصا أن المدن أصبحت في القرن العشرين إحدى الدعامات الأساسية لتنظيم التراب الوطني.[14] فبعد أن كانت المدن عبارة عن مراكز للسلطة السياسية والإدارية والتجارية، أصبحت اليوم تشكل بامتياز أهم قطب للإنتاج بما فيه الصناعي، ومقر لإقامة أغلب المغاربة. كما أن وزنها يعرف تصاعدا مطردا داخل النسيج الوطني بحكم الدور الأساسي الذي أصبحت تلعبه في قطاعي التشغيل والخدمات. هذا دون أن ننسى أنه على حيزها الضيق تتجمع أهم المبادلات الخالقة للثروات. وقد تطور هذا الدور الجديد للمدن، على غرار ما وقع في باقي دول العالم، خصوصا بعد الاستقلال، الشيء الذي أدى إلى تغير ملموس في جغرافية المغرب.

وباعتبار علاقة التهيئة الترابية بالتنمية الجهوية، وفي إطار التغييرات التي يشهدها التنظيم الترابي والإداري المغربي بعد دستور 2011، وبعدما نص هذا الأخير على أن تتبوأ الجهة، تحت إشراف رئيس مجلسها، مكانة الصدارة بالنسبة للجماعات الترابية الأخرى، في عمليات إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية، والتصاميم الجهوية لإعداد التراب، في نطاق احترام الاختصاصات الذاتية لهذه الجماعات الترابية،[15]، فقد ألزام القانون التنظيمي المتعلق بالجهات[16] المجالس الجهوية بضرورة وضع التصميم الجهوي لإعداد التراب على مستوى كل جهة، وفق القوانين الجاري بها العمل في إطار توجهات السياسة العامة لإعداد التراب المعتمدة على المستوى الوطني وبتشاور مع الجماعات الترابية الأخرى والإدارات والمؤسسات العمومية، وممثلي القطاع الخاص المعنيين بتراب الجهة. كما اعتبر القانون التنظيمي المذكور، التصميم الجهوي لإعداد التراب بمثابة وثيقة مرجعية للتهيئة المجالية لمجموع تراب الجهة. وهذا سيشكل رافعة أساسية من أجل سياسات تعميرية متوازنة.

 

المحور الثاني: العوامل المؤثرة في السياسات التعميرية بالمغرب.

سياسات التعمير كما باقي السياسات العمومية لا تظهر بالصدفة، بل هي نتيجة عمل تتداخل فيه مجموعة من العناصر التي تجعل إقرار هذه السياسة أو تلك عملا ناتجا عن مسلسل معقد من تجسيد مجموعة من العناصر والوضعيات والأنساق التي تنتج السياسة التعميرية، أي أنه على مستوى الواقع توجد عدة عوامل تتدخل وتتفاعل لتساهم في إنتاجها سواء على مستوى الإعداد أو على صعيد التنزيل، وتتمثل أهمها في العامل الديمغرافي (أولا) وتعدد المتدخلين (ثانيا) والمنظومة القانونية (ثالثا) والاستثناء في التعمير (رابعا)؛ ثم العاملان العقاري والمالي (خامسا).

أولا: العامل الديمغرافي.

لعلاقة النمو السكاني بالبنية الاقتصادية والاجتماعية تأثير على المكونات العمرانية والتعميرية للمجال، فالمجال الذي يعيش رخاء اقتصاديا وتنمية بشرية اجتماعية لا بد أن تتوفر به فضاءات سكنية قانونية ولائقة لكافة الطبقات الاجتماعية وبدون استثناء أو تهميش لطبقة معينة. أما المجال الذي يعرف خللا بين عدد الساكنة والمستوى الاقتصادي والاجتماعي، فسيمتد خلله ليشمل لا محالة كل ما يتعلق بالتعمير، خصوصا السكن وما يرتبط به من مرافق مختلفة ضرورية، أولا باعتباره أحد أهم مكونات المجال؛ وثانيا لكونه التعبير الصريح عن مستوى عيش الساكنة. كما قد يتمظهر في مظاهر، من أهمها عدم قدرة التكتلات العمرانية والسكنية على احتواء الفئات الفقيرة من المجتمع الحضري، رغم المجهودات المبذولة سواء على صعيد القطاع العام أو الخاص. خاصة إذا كانت التدخلات تشوبهما اختلالات، كالمضاربة العقارية، مما يؤدي إلى عدم القدرة على توفير منتوج عقاري خاص بالأسر ذات الدخل المحدود، وعدم خلق التوازن المجالي بين مختلف أنواع المجالات السكنية، خاصة ما يتعلق  بالتجهيزات العمومية الضرورية للحياة الحضرية[17].

وفي هذا السياق عرفت المجالات الحضرية بالمغرب بصفة عامة اتساعا مجاليا جد مهم وغير مسبوق مع بداية القرن العشرين، شكل التزايد السكاني أهم أسبابه، إلا أن مسببات هذا التزايد هي ما يشكل الفرق بين كل هذه المجالات. فإذا كان التزايد السكاني الذي عرفته مدينة الدار البيضاء نتيجة نموها الاقتصادي (صناعيا وتجاريا)، فإن التزايد السكاني الذي عرفته مدينة الرباط وسلا معا جاء نتيجة الدور الذي أنيط بالأولى كعاصمة المملكة وبفتح مجالات الثانية في وجه التعمير كمدينة مرقد، وهذا ينطبق على مدينة تمارة أيضا كمدينة تزايد عدد سكانها بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة بسبب مجاورتها لمدينة الرباط. وبالمقابل هناك مجالات حضرية أخرى عرفت نموا سكانيا واتساعا مجاليا نتيجة الهجرة القروية، ليس لكونها مجالات متقدمة اقتصاديا، بل لأن المجالات المصدرة لهذه الهجرة تعرف تهميشا حقيقيا ذا طابع اقتصادي واجتماعي[18]. وهذا يفرض على جميع المتدخلين في مجال التعمير، استحضار التلازم القائم بينه وبين سياسة إعداد التراب الوطني (كما أشرنا لذلك بالمحور الأول)، عبر استحضار المسألة الديمغرافية في المقاربة الترابية للتنمية، من أجل تنمية متوازنة بين مختلف المناطق، من أجل ضمان انتشار ديمغرافي متوازن، وبالتالي تعمير متوازن. خصوصا وأن النمو الديمغرافي يشكل مؤشرا دالا لقياس الوضع السكاني، كما يعكس التوزيع الجغرافي للسكان درجة دينامية المجالات التي تحتضنهم. فإعداد التراب الوطني كاستراتيجية تتداخل وتتكامل مع سياسة التعمير، من أجل خلق مجالات حضرية منظمة ومؤهلة للمساهمة في إنجاح برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية، يمكن اعتبارها كدرع واقي للمدن الكبرى من تدفق الهجرة القروية وما يترتب عنها من نمو غير متوازن لمجالاتها الحضرية، خاصة عندما لا تتوفر على مراكز استقبال قادرة على امتصاص هذه الهجرة القروية، الشيء الذي يخلق عدة متاعب أمام أهداف سياسة التعمير ويضعف من مردوديتها على مستوى تنظيم وتنمية المجالات الحضرية[19].  خصوصا أن سكان المغرب عرف تزايدا كبيرا في العقود الأخيرة، حيث أصبح عدد الساكنة يفوق 33 مليون نسمة حسب الإحصاء العام للسكان والسكنى سنة 2014[20]؛ والحضريون منهم يزيد عن 60 % مقابل 55.1 % سنة 2004. وعليه فقد انتقل عدد السكان بالوسط الحضري من 16 مليون و464 ألف إلى 20 مليون و 432 ألف نسمة خلال الفترة ما بين 2004 و 2014، مسجلا بذلك معدل نمو ديموغرافي سنوي قدره 2.2% مقابل 2.1% خلال العشرية السابقة.

ويرجع هذا الارتفاع في ساكنة الوسط الحضري إلى النمو الديموغرافي الطبيعي من جهة والهجرة من المجال القروي من جهة أخرى، بالإضافة إلى خلق مراكز حضرية جديدة وكذلك توسع المدارات الحضرية للمدن[21]. بالإضافة إلى الارتقاء بجماعات قروية إلى مستوى مراكز حضرية دون أن تستوفي الشروط الضرورية للتمدن.

ومن خلال توزيع السكان حسب المدن، يتبين أن 7 مدن كبرى فقط تستقطب زهاء ربع (24.9%) من سكان المملكة، أي ما يعادل 41.3% من السكان الحضريين وهي على التوالي حسب، حجمها الديمغرافي، الدار البيضاء ب 3 ملايين و359 ألف نسمة، ثم تليها فاس بمليون و112 ألف ثم طنجة ب 947 ألف ثم مراكش ب 928 ألف ثم سلا ب 890 ألف ثم مكناس ب 632 ألف وأخيرا الرباط ب 577 ألف. وبخصوص التوزيع حسب الجهات حسب التقسيم الجهوي الجديد (12) جهة، فإن 70.2% من ساكنة المغرب تتمركز بخمس جهات تتجاوز ساكنة كل واحدة منها ثلاثة ملايين نسمة. وحسب وزنها الديمغرافي، تأتي جهة الدار البيضاء – سطات في المرتبة الأولى بعدد بلغ 6 ملايين و862  ألف نسمة وبنسبة 20.3%، تليها جهة الرباط- سلا- القنيطرة بعدد بلغ 4 ملايين و581 ألف نسمة وبنسبة 13.5%، ثم جهة مراكش- آسفي بعدد بلغ 4 ملايين و521 ألف نسمة وبنسبة 13.4%، وجهة فاس- مكناس بعدد بلغ 4 ملايين و237 ألف نسمة وبنسبة 12.5%، وجهة طنجة- تطوان- الحسيمة بعدد بلغ 3 ملايين و557 ألف نسمة وبنسبة 10.5%. بينما تتوزع الأعداد الباقية على مختلف جهات المملكة بنسب متفاوتة تتراوح ما بين 7.9% بجهة سوس-ماسة و0.4% بجهة الداخلة-وادي الذهب.[22] مما يوضح وجود فوارق ما بين الجهات، وعدم توازن النمو الديمغرافي بين المجالين الحضري والقروي، وتوزيع غير متوازن للسكان.

وبتحليل هذه المعطيات يتبين أن هناك صعوبة للتحكم في المجال العمراني بسبب العامل الديموغرافي؛ مما يؤدي إلى حدوث تحولات كبيرة على المستوى الاجتماعي وأنظمة نشاط المجالات الحضرية والقروية، مما نتج عنه ارتفاع الطلب على السكن والتجهيزات والبنيات الأساسية، وبالتالي الانعكاس بشكل سلبي على سياسات التعمير.

 

ثانيا: عامل تعدد المتدخلين في سياسات التعمير بالمغرب.

يتميز ميدان التعمير بتعدد المتدخلين سواء على مستوى التخطيط العمراني أو على مستوى التدبير، وذلك راجع بالأساس للصبغة الأفقية التي تميز قطاع التعمير. فإذا كانت على مستوى التخطيط، كل من المجالس المنتخبة والسلطات المحلية والوكالات الحضرية والسلطة الحكومية المكلفة بالتعمير والمصالح الخارجية تلعب أدوارا أساسية في التخطيط العمراني، فإن هناك مؤسسات أخرى ذات طبيعة لا مركزية تساهم كل حسب تخصصها في بلورة تصور واضح للتخطيط العمراني حيث تجد أساسها القانوني في التدخل في ميدان التخطيط العمراني انطلاقا من المادة الخامسة من المرسوم التطبيقي للقانون 12.90 المتعلق بالتعمير[23]، والذي ينص على عضوية اللجنة التقنية المحلية ضمن اللجنة المحلية المكلفة بالنظر في وثائق التعمير، حيث أن اللجنة التقنية المذكورة تضم في تشكيلتها مديري المؤسسات العمومية كما يقضي بذلك الفصل الخامس من ظهير 15 فبراير 1977 المتعلق باختصاصات العامل والذي تم نسخه بظهير 06 أكتوبر 1993 [24]، هذا المرسوم بالمناسبة ينبغي إعادة النظر فيه وتعديله من جديد  تماشيا مع الإصلاحات الدستورية والقانونية في هذا الشأن. كما أن هذه المؤسسات بالإظافة إلى مساهمتها في وضع التصور لوثائق التعمير، فهي تتدخل في تنفيذ تلك الوثائق[25]، سواء من خلال إحداث التجهيزات المهيكلة، أو من خلال القيام بعمليات ترفع من قيمة المجال في ميداني التعمير والبناء.

فتعدد الفاعلين في مجال التعمير بالمغرب، نتج عنه تداخل الاختصاصات وصعوبة التنسيق؛ مما أدى إلى غياب الرؤية الشمولية سواء على مستوى التخطيط أو على مستوى التدبير، وأيضا تشتت وعشوائية التدخلات القطاعية؛ بالإضافة إلى ضعف التشاور والمشاركة عند اتخاذ القرار. الأمر الذي يستوجب إيجاد ميكانيزمات واضحة للتنسيق بين المتدخلين في ميدان التعمير وضمان النجاعة في التدخل، طالما أن الإشكال لا يكمن في التعدد بقدر ما يكمن في مدى ضبط الخيوط الناظمة له، خصوصا على مستوى دور الجماعات الترابية، فرغم أنها تتوفر على صلاحيات مهمة أساسا على مستوى التدبير العمراني، إلا ان واقع دور هذه الجماعات وإن كان قد حقق تطورا لا بأس به، فإنه ما زالت تعترضه مجموعة من الإكراهات[26].

كما أن عامل تعدد المتدخلين يرتبط بعامل طبيعة النخب الإدارية والسياسية وسلوكها كمحدد هام في صنع السياسات العمومية بشكل عام والسياسة التعميرية بشكل خاص، باعتبار التعمير هو مجموعة من التدابير التقنية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية التي يجب أن تعمل على تحقيق نمو متناسق ومنسجم، عقلاني وإنساني للكتل العمرانية[27]. فهي تعمل على التأثير في الفعل العمومي المرتبط بسياسات التعمير، سواء على مستوى التدبير محليا، حيث يلاحظ التجاوزات من قبل السلطات المحلية أو من قبل المنتخبين في ظل البيروقراطية الإدارية، أو على المستوى الوطني سواء على مستوى المصالح المركزية، مثل طول مسطرة المصادقة على تصاميم التهيئة وعرقلتها في بعض الأحيان، أو على مستوى البرلمان، مثل تجميد مشروع مدونة التعمير، وعرقلة خروج القانون رقم 12.66 المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء، كما تمت الإشارة إلى ذلك أعلاه، حيث تم الاعتراض عليه من قبل البرلمانيين خصوصا منهم الذين يجمعون بين الانتداب البرلماني والمحلي ولم تتم المصادقة عليه إلا بصعوبة.

كما أن الثقافة السياسية السائدة في المجتمع والمتمثلة أساسا في الريع السياسي والاقتصادي، ووجود نخب سياسية واقتصادية ذات ولاءات مصلحية ذاتية مقابل الولاء للمصلحة العامة والوطنية، وكذا الثقافة المجتمعية الغير المساعدة في كثير من الأحيان من أجل عقلنة الفعل العمومي في ميدان التعمير، كلها تقوي الدور السلبي لعامل تعدد المتدخلين في مجال التعمير بالمغرب.

 

ثالثا: تأثير المنظومة القانونية في مجال سياسات التعمير بالمغرب.

يعتبر العامل القانوني من بين أهم العوامل المؤثرة في ميدان التعمير كما في باقي الميادين الأخرى، فلا يمكن تصور سياسة تعميرية بدون قوانين مؤطرة لها. ورغم المكتسبات التي تم تحقيقها على الصعيد القانوني، فإن هذا الجانب يعرف مجموعة من العوائق، نذكر منها تقادم وعدم ملاءمة بعض القواعد القانونية وتشتتها على نصوص متعددة؛ وجمود بعض المقتضيات التشريعية؛ وبطء وتعقيد المساطر؛ بالإضافة إلى صعوبة تطبيق بعض المقتضيات المتعلقة بالتعمير بسبب قلة الوسائل وضعف استيعاب النصوص القانونية، ثم عدم ملائمة ومواكبة الترسانة القانونية للمعطيات الاقتصادية والاجتماعية الجديدة والتطورات المواكبة.

لقد أثبتت التجربة والممارسة الميدانية محدودية التشريعات المعمول بها بميدان التعمير، في ضبط النمو المجالي والاستجابة للتحولات الاجتماعية والاقتصادية، فهي لا تواكب مبدأ اللامركزية واللاتركيز الإداري، ولا تستجيب لمتطلبات الاستثمار ولا للاحتياجات الخاصة لبعض فئات المجتمع[28]. كما أن الممارسة تكشف عن وجود خلل بنيوي بين نوايا المخطط وواقع التخطيط مرده إلى عدة اعتبارات، يبرز أهمها في تلك المتعلقة بعدم استحضار البعد العقاري وآثاره ومدى تناغم أنظمته مع قوانين التعمير، ليس فقط على التخطيط العمراني، بل كذلك على التدبير العمراني الذي يعتبر التنزيل الطبيعي لتوجهات التخطيط، الأمر الذي يتجلى من خلال وثائق التعمير التي كانت موضوع انتقادات حول مردوديتها وفعاليتها[29].

فالتشريعات القائمة المؤطرة لميدان التعمير سواء تعلق الأمر بالقانون رقم 12.90[30] أو القانون رقم 25.90 [31] وكذا القانون الجديد رقم 12.66 [32]وباقي النصوص المرتبطة بالموضوع،  لا تمكن من إيجاد حلول للمشاكل الكبرى التي تعرفها التكتلات العمرانية فحسب، بل تزيد من حدتها بسبب التثاقل والجمود اللذين يميزان هذه القوانين                                                                                                                                                       والتنظيمات التي لم تعد تتماشى والتغييرات المتسارعة التي يشهدها المجال. لذا ولمعالجة الاختلالات الاجتماعية والمجالية المنتجة لتعمير غير منظم، مع كل ما يحمله هذا التعبير من معاني التمييز والإقصاء الاجتماعي والمجالي وتفشي البطالة والانحراف وكل مظاهر ضعف الاندماج، صار جليا، أن تنظيم مجالاتنا يتطلب وسائل وآليات ومقاربات قانونية جديدة في ميدان التخطيط والتدبير الحضريين من أجل سياسة تعميرية ناجعة.

ولقد أضحى من اللازم، في ظل التحولات التي يعرفها السياق الوطني والدولي، مقاربة التعمير عبر جوانبه الاقتصادية والمالية والاجتماعية. ثم إن القواعد القانونية للتعمير يجب أن لا تستمد مبادئها من المساطر الإدارية فحسب، بل كذالك من خلال الآليات المتحكمة في صيرورة التحولات التي يعرفها المجتمع.

ومن جهة أخرى فغياب تدوين تراتبي وموضوعاتي لمجموع النصوص القانونية المتعلقة بالتعمير والإسكان والبناء، يجعل معظم المتدخلين يواجهون حالات من التناقض والالتباس، مما يجعل تدبير هذا القطاع صعبا على مستوى الممارسة، حيث نجد كثيرا من التدابير القانونية المرتبطة بالتعمير، متداخلة مع نصوص متناثرة، تخص ميادين عديدة يُصعِّب علاقتها بالتدبير الحضري[33].

ومن التداعيات السلبية لعامل المنظومة القانونية على سياسات التعمير، نجد البطء الإداري، ويتجلى ذلك أساسا على مستوى بطء إنتاج وثائق التعمير. فهذه الأخيرة تعتبر من أهم الآليات القانونية التي اعتمدها القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير من أجل تنفيذ السياسات التعميرية عبر ما يعرف بالتعمير التنظيمي، وقد نصت عليها المواد من 2 إلى المادة 39 من الباب الثاني من القانون المذكور المتعلق بالتعمير، والمتمثلة في مخطط توجيه التهيئة العمرانية و تصميم التنطيق وتصميم التهيئة، والذي دعت إليه الحاجة بعد إدراك ضرورة تهيئة العالم القروي وتخطيط تنميته العمرانية ليتكامل مع المخططات التي توضع للعالم القروي[34]، والتي ينبغي أن يكون إنجازها متتابعا حتى نضمن تخطيط حضري جيد[35]. أما تصميم التنمية فبقي يخضع لأحكام ظهير 1960 المتعلق بتنمية الكتل العمرانية القروية. بالإضافة إلى مقرر تخطيط حدود الطرق والساحات العامة الذي يمتاز باللامركزية على خلاف الوثائق التعميرية السابقة[36].

ورغم أن جميع الحواضر وجل المجالات القروية الأكثر حساسية مغطاة حاليا بوثائق التعمير، غير أن إنتاج هذه الوثائق يعرف بطئا كبيرا من جهة، وتطبيق مقتضياتها يعرف مجموعة من الاختلالات من جهة ثانية. وقد أظهرت الممارسة على أرض الواقع أن عمليات إعداد وثائق التعمير ودراستها تعرف تأخرا كبيرا يهدد قدرتها على مواكبة التحولات الديمغرافية والعمرانية المتسارعة ومجاراة الديناميات الاجتماعية والاقتصادية التي تتفاعل داخل المجالات الترابية، الأمر الذي يزيد في توسيع الهوة بين مقترحات التهيئة وما يتم إنجازه على أرض الواقع، وهذا يجعل قيمة الوثيقة، كأداة لتخطيط استشرافي، موضوع تساؤل. لهذا أصبحت المراجعة الشاملة لمضمون وشكل وثائق التعمير والمساطر المتبعة لإعدادها والمصادقة عليها، ضرورة ملحة وذلك عبر تعزيز مسلسل اللامركزية واللاتمركز في إعداد وثائق التعمير؛ وتبسيط مسالك ومساطر إعداد وثائق التعمير والمصادقة عليها وطرق مراجعتها؛ وتبسيط محتوى وثائق التعمير خاصة ما يتعلق بضوابط التهيئة وبتحديد التنطيقات، وذلك من خلال اكتفاء وثائق التعمير بتحديد القطاعات، انطلاقا من كثافتها ونسبة التمازح الحضري من الناحية الوظيفية والشكلية، مع إرفاقها بجدول المرافق العمومية، والاقتصار على برمجة التجهيزات العمومية الاستراتيجية، علما أن التجهيزات الأخرى تتم برمجتها في إطار التجزئات العقارية والمجموعات السكنية. كما ينبغي تعزيز مقاربة التشاور والتشارك في إعداد وتنفيذ مقتضيات وثائق التعمير؛ وترشيد نفقات إعداد وتطبيق وثائق التعمير؛ وتشجيع إنتاج السكن الاجتماعي خصوصا منه السكن ذي القيمة العقارية الإجمالية المنخفضة؛ وإدماج توجهات المخطط الوطني والمخططات الجهوية لإعداد التراب[37].

كما أن إشكالية المراقبة الإدارية تعد نقطة ضعف الإدارة والمتدخلين في مجال مراقبة مخالفات التعمير، حيث أن واقع التدبير الإداري والقضائي في هذا الصدد يكشف الستار عن محدودية المراقبة وضعف فعاليتها في التصدي للمخالفات والانتهاكات التي يتعرض لها قانون التعمير، بحكم أن التدبير العمراني يخضع أحيانا لمنطق المصالح الانتخابية والسياسية والاعتبارات الزبونية والمحسوبية، أكثر مما يخضع لمنطق المصلحة العامة التي تقتضيها التنمية المحلية[38].

ومن تجليات ضعف المراقبة إشكالية البناء غير القانوني وتأثيرها السلبي على سياسات التعمير، فظاهرة البناء الغير القانوني تعتبر من الانحرافات المجتمعية، بل الظواهر التي أرقت السلطات العمومية والمهتمين وقضت ولا زالت تقض مضاجعهم، خلال القرن الماضي وحتى في قرننا هذا، وشوهت جمال بلادنا وأفقرت تراثها العمراني على غناه وأهدرت ثرواتها الطبيعية من أراضي زراعية خصبة ومناطق غابوية فريدة من نوعها وأضاعت على الدولة والجماعات المحلية فرصة تحصيل موارد مالية هائلة، هي في حاجة إليها، بل بالإضافة إلى ذلك يتم تخصيص اعتمادات مالية مهمة لإعادة هيكلتها، كان من الأولى أن تخصص لمشاريع تنموية أخرى، فضلا عن تداعيات وأخطار بيئية واجتماعية وأمنية على الحاضر والمستقبل[39].

ولقد أثبتت العديد من البحوث المتعلقة بدراسة المجال الحضري ومكوناته العمرانية على أن هذا الأخير قد تتم عرقلة نموه الطبيعي والمتوازن من جراء الانتشار الواسع للبناء العشوائي ودور الصفيح، فهذه الأشكال العمرانية الغير اللائقة والغير المهيكلة من شأنها أن تفرز عدة مظاهر اجتماعية واقتصادية سلبية اتجاه المجال وسكانه، وبالتالي قد تحول دون الوصول إلى هيكلة مجالية معقلنة ومساعدة على إنجاح البرامج التنموية[40].

وأظهرت الإدارة باعتبارها المتدخل الأول في ميدان التعمير قصورا كبيرا، لأسباب متعددة، منها الضعف المتعلق بغياب الإرادة السياسية لدى المسؤولين من أجل تطبيق القانون، ورضوخهم في الغالب للضغوطات المختلفة الصادرة عن المخالفين، واللامبالاة التي تبديها بعض المصالح الإدارية، والتغاضي بسبب تفشي الرشوة، زيادة على تعدد المتدخلين في المراقبة والزجر في هذا المجال.

وانعكاسات البناء الغير القانوني في ميدان التعمير لا تقتصر آثارها السلبية على الجانب العمراني فقط، بل تتعداه لتؤثر سلبا على تنمية المجال في علاقته بالسكان، من خلال عرقلة التنمية المحلية، وخلق العديد من الصعوبات والعراقيل أمام الإدارة، الشيء الذي يساهم في فشل العديد من المحاولات الرامية إلى تنمية وتنظيم المجال سواء على المستوى المحلى أو الوطني، للمساهمة في إقرار سياسة تعمير متوازنة. وفي هذا السياق صدر القانون رقم 66.12 المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء، الذي أشرنا إليه أعلاه، من أجل تعزيز المراقبة وزجر المخالفات في هذا المجال.

 

رابعا: عامل الاستثناء في مجال التعمير.

يعرف التعمير بوصفه كما سبقت الإشارة ” مجموع الإجراءات التقنية والقانونية والاقتصادية لمجال ما، والتي يتعين أن تمكن من إنماء متناسق وعقلاني وإنساني للتجمعات السكنية”. ومن هذا المنطلق تظهر أهمية قواعد قانون التعمير في ضبط وتوجيه تهيئة المجال العمراني بالشكل الذي يضمن التنمية العمرانية المنشودة. ونظرا للحركية التي يشهدها قطاع التعمير أمام جمود بعض النصوص القانونية أصبحت ترد بعض الاستثناءات على قواعد قانون التعمير، بداعي إضفاء نوع من المرونة تمكنها من مواكبة التطورات العمرانية داخل المجتمع. وفي هذا السياق صدرت الدورية 254 في فبراير 1999عن وزير إعداد التراب والبيئة والسكنى،  ثم الدورية رقم 622 الصادرة في ماي 2001. وقد أعقبتهما دوريتان وزاريتان مشتركتان، وهما على التوالي الدورية رقم 27/3020  في مارس 2003، والدورية رقم 31/10098  في يوليوز 2010[41].

واستهدفت هذه المذكرات إضفاء مرونة وشفافية أكبر على عملية دراسة المشاريع الاستثمارية المقدمة لمصالح التعمير، في  محاولة لتجاوز طابع الصرامة التي تتسم بها وثائق التعمير وبطء مسطرة تعديلها ومراجعتها والتعقيدات التي تكتنفها. وكان الهدف من هذا المسعى، الذي اعتمدته السلطات العمومية كحل مؤقت، هو بث دينامية جديدة في قطاع يعد حجر الزاوية في كل المشاريع الاستثمارية الاقتصادية والاجتماعية. حيث يرى البعض في هذه المقتضيات رغبة من لدن المشرع المغربي في إضفاء نوع من المرونة على التدبير العمراني وتشجيع مسلسل البناء من جهة، ومواجهة التعمير الفوضوي والعشوائي من جهة ثانية[42].

وقد استحدثت بموجب الدورية الصادرة سنة 1999 لجنة مختصة على مستوى الوزارة لتسليم رخص الاستثناء للمشاريع الاستثمارية. ولكن نظرا للعدد المتزايد من الملفات، أصبحت اللجنة المركزية عاجزة عن دراسة كل الطلبات. هكذا صدرت الدورية الثانية سنة 2001 التي نصت على نقل هذا الاختصاص إلى المستوى المحلي. وعهد برئاسة اللجنة المحلية لدراسة ملفات طلب رخص الاستثناء إلى المفتش الجهوي للتعمير، بحيث لا تعرض على اللجنة المختصة المركزية سوى المشاريع الاستثمارية الكبرى التي لم تحظ بالتوافق على المستوى المحلي.

وقد صدرت بعد ذلك الدورية الثالثة رقم 27/3020، يتعلق الأمر بدورية مشتركة بين الوزارة المكلفة بالتعمير ووزارة الداخلية، باعتبارهما القطاعين الوزاريين الأساسيين المسؤولين عن مجال التدبير العمراني. ونصت هذه الدورية على إنشاء لجنة جهوية خاصة برخص الاستثناء في مجال التعمير، مكلفة بدراسة الطلبات المقدمة للاستفادة من هذه المسطرة. وتتكون هذه اللجنة، التي يرأسها والي الجهة، من العامل ومدير المركز الجهوي للاستثمار ورئيس الجماعة ومدير الوكالة الحضرية والمسؤول الجهوي للإدارة المعنية بالاستثمار. ويتخذ قرار منح رخص الاستثناء بإجماع أعضاء اللجنة. وقد أدى تطبيق هذه الدورية، خلال الفترة الممتدة ما بين 2003 و 2010، إلى حدوث بعض التجاوزات، وخاصة المضاربات العقارية وإنجاز بعض المشاريع فوق أراض مخصصة للمرافق العمومية وأخرى ذات مؤهلات فلاحية كبرى. وهنا لا بد من إبداء ملاحظة حول التحول الذي حصل على مستوى رئاسة اللجنة، فنقل الرئاسة من المفتش الجهوي للتعمير إلى والي الجهة يعتبر بمثابة ردة، خصوصا وأن باقي أعضاء اللجنة التي يترأسها الوالي غالبا ما يكون رأيهم من رأي هذا الأخير.

وسعيا إلى تدارك هذه الاختلالات، أصدرت السلطات العمومية دورية جديدة، وهي الدورية رقم 31/10098 الصادرة سنة 2010، بهدف إحاطة مسطرة الاستثناء بمزيد من الضمانات والقيود القانونية، من خلال التنصيص على أن رخصة الاستثناء تخص الشخص بعينه ولا يجوز له تفويتها لغيره. فضلا عن ذلك، فإن هذه الدورية تمنع منعا باتا أن تطال الاستثناءات المساحات المخصصة للمرافق العمومية وللفضاءات الخضراء وطرق التهيئة ودوائر الري والمناطق المهددة بالفيضانات أو التي تنطوي على بعض المخاطر والمناطق الواجب حمايتها. إضافة إلى ذلك، فقد حددت هذه الدورية نوع المشاريع التي يمكن أن تستفيد من مسطرة الاستثناء في مجال التعمير، وحصرتها في المشاريع الاستثمارية ذات الطابع السياحي والصناعي وتلك المرتبطة بالصناعات التقليدية والخدمات، إلى جانب مشاريع السكن الاجتماعي ومحاربة السكن غير اللائق. إلا أنه يلاحظ أن هذا الحصر يشمل كل شيء، أي أهم المجالات المعنية بالتعمير.

ويبقى أن رخص الاستثناءات الممنوحة طبقا لدوريات وزارية، والتي لا يعززها أساس قانوني قوي، تعتبر كأداة لإضفاء المرونة على مجال التخطيط العمراني، لهذا يجب أن تمثل الاستثناء لا القاعدة. ويمثل اللجوء إلى مسطرة الاستثناءات تعبيرا عن قصور  يشوب عملية التخطيط العمراني، ومسا بالأهداف المتوخاة من وثائق التعمير، مما يجعل الإدارة نفسها عرضة للعبة المصالح والرهانات المرتبطة بمسلسل التعمير. وقد كانت هناك مجموعة من المحاولات الرامية إلى مأسسة ممارسة الاستثناء في مجال التعمير وإدراجها داخل إطار قانوني. ومع ذلك، فإن مشاريع النصوص القانونية في هذا المجال لم تعرف طريقها إلى التطبيق، نظرا لصعوبة التشريع في هذا الميدان[43]. ورغم أن صدور هذه الدوريات قد ينم عن التشدد والتصلب الذي يميز أحيانا قواعد قانون التعمير بالمغرب، فإن ذلك لا يشفع بإصدار دوريات لا تحترم مبدأ تدرج القوانين، لكون ذلك فيه مساس باستقرار البنيان القانوني وإفراغ التشريع الأصلي من محتواه طالما أن الغرض من الدوريات والمناشير يكمن في التفسير والتوضيح ولا يمكنها أن تقيد ما جاء به القانون أو تضيف إليه شيئا يتعارض مع مقتضياته، الأمر الذي نحا بجانب من الفقه والقضاء إلى عدم الاعتراف بقيمة وحجية تلك الدوريات[44].

وعلى الرغم من أن الاستثناءات في التعمير سمحت بتصحيح عدد من الإشكالات والاختلالات على مستوى قوانين ووثائق التعمير، فإنها أفرزت في كثير من الأحيان نتائج سلبية على مستوى المشهد الحضري والمجال العمراني بشكل عام، من قبيل الاجهاز على التجهيزات والمرافق العمومية والمجالات الخضراء من جراء الاستعمال المغاير للأوعية المخصصة لها، مما أدى إلى بروز قطيعة مجالية والإخلال بسيرورة التطور العمراني للمجالات الحضرية.

 

 

 

خامسا: العامل العقاري والمالي.

يقوم العقار بدور حيوي في تحقيق التنمية المستدامة في شتى تجلياتها، باعتباره الأرضية الأساسية التي تنبني عليها السياسات العمومية للدولة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وذلك من خلال توفير الوعاء العقاري اللازم لإنجاز البنيات التحتية الأساسية والمرافق العمومية، وتوفير السكن المتنوع الذي يستجيب لحاجيات مختلف الفئات الاجتماعية، فضلا عن دعم الاستثمار المنتج في مختلف مجالات الفلاحة والصناعة والسياحة والخدمات وغيرها.[45] وفي هذا السياق، تعتبر المسألة العقارية من بين العوامل الأساسية المؤثرة في السياسة التعميرية. فالتوسع العمراني السريع يتطلب إعمار أراضي شاسعة لإيواء الساكنة الحضرية المتزايدة نتيجة للنمو الديمغرافي والهجرة القروية، وتزويد المناطق السكنية بما تحتاجه من تجهيزات تحتية وفوقية وما يستلزمه التعمير من خدمات أساسية كالماء والكهرباء والتطهير الصلب والسائل والحدائق والمناطق الخضراء ومناطق التنزه والراحة والنقل الحضري، ومن مرافق عمومية ضرورية كالتعليم والصحة والثقافة والرياضة. كما أن إعمار وتعمير المدن والمناطق المحيطة بها يستوجب تهيئة وتجهيز مناطق للأنشطة والإنتاج، كالمناطق الصناعية والسياحية والتجارية والصناعة التقليدية وغيرها من الأنشطة الأخرى حسب حجم وأهمية وموقع ودور كل مدينة. وتمثل هذه المناطق محرك وشريان الاقتصاد الحضري الذي يحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومن ثمة يوفر تعميرا سويا ويحقق تكاملا بين المناطق السكنية ومناطق الأنشطة[46].

وباعتبار أن الملكية العقارية تشكل العنصر الأساسي في مجال تطبيق برامج التعمير وإنتاج الوحدات السكنية. فإن المتدخلون العموميون والخواص يلاقون مشاكل متعددة للتوفر على الأراضي بالمنطق الحضرية سواء كانت في ملك الدولة أو في ملك الخواص. فهناك من جهة صعوبة في توفير الأراضي بسبب طبيعة النظام العقاري المعقدة والإجراءات المسطرية غير الملائمة، وهناك من جهة أخرى ارتفاع مهول للقيمة العقارية ومضاربات لا حد لها على مستوى العرض والطلب[47].

لهذا، فالعامل العقاري يكون عاملا مساعدا لسياسة التعمير وتوجهات التخطيط الحضري في حال وفرته وتدبيره بطرق ناجعة وسليمة، ويكون عاملا معرقلا لتلك السياسة في حال ندرته وتدبيره بطرق سلبية وغير سليمة. وتصطدم السلطات العمومية بالمغرب بتعقد الأنظمة العقارية وتعددها، وبالخصوص منها المتواجدة سواء بداخل أو بجانب المدارات الحضرية، مثل أراضي الجموع وأراضي الأحباس والكيش وغيرها. ولعل السياسات العقارية تحتاج هي الأخرى إلى تطوير المفاهيم والتصورات بموازاة مع ما عرفته سياسات التعمير الحديثة من تطور في مجالي التخطيط والتشريع. فمفهوم “السياسة” بصفة عامة لا يقتصر على الآنية أو على التدخلات العملياتية بقدر ما يحتاج إلى نظرة “تقديرية” تتوقع المستقبل وتخطط له على المدى البعيد[48].

وحسب التشخيص الذي تم تقديمه بالمناظرة الوطنية حول السياسة العقارية للدولة ودورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية سنة 2015، فالمشاكل والإكراهات التي يطرحها العقار، في ارتباطه بالتعمير والتخطيط العمراني وإعداد التراب، تكمن أساسا في تعقد المقتضيات القانونية وتعدد الأنظمة العقارية وضعف نسبة الأراضي المحفظة وعدم تحيين الخريطة العقارية. فإذا كانت النصوص القانونية المتعلقة بالتعمير تعير اهتماما بالغا للمسألة العقارية، إذ تعتبر التعمير وسيلة فعالة لتصفية المشاكل العقارية العالقة، إلا أن توقعات وثائق التعمير نادرا ما تأخذ واقع النظام العقاري والتقسيمات العقارية بعين الاعتبار.

فرغم أن النصوص التشريعية المتعلقة بالتعمير تعتبر التعمير وسيلة فعالة لتصفية المشاكل العقارية، من حيث أنها ربطت الترخيص، لأي مشروع تجزئة، بالتحفيظ. كما أن وثائق التعمير وما تحتويه تؤدي إلى الرفع من قيمة العقارات في حالات توسيع المدار الحضري، أو في حالة تهيئة مناطق معينة كالمدن الجديدة والمنطق الصناعية. إلا أن توقعات وثائق التعمير نادرا ما تأخذ النظام العقاري والتقسيمات العقارية بعين الاعتبار، مما يؤدي إلى سوء توزيع للقيم المضافة الناجمة عن فتح العقارات للتعمير. وتعتبر مناطق الاحتياط العقاري، التدبير الوحيد الذي يهدف إلى الحفاظ على المناطق القابلة للتعمير ومراقبتها، لكن وللأسف لم يتم بعد تحقيق الأهداف المتوخاة من تحديد هذه المناطق. ويعتبر تخصيص مناطق للاحتياط العقاري الإجراء الوحيد، في ميدان العقار، الذي تنص عليه وثائق التعمير الحالية. ولقد كانت الغاية من وراء هذا الإجراء إخضاع مناطق حساسة للمراقبة والتأمل في انتظار توفر ظروف تجهيزها واستكمال منظور تهيئتها. لكن نادرا ما تم تفعيل هذا الإجراء، وبهذا يكون التخصيص الذي منحته وثائق التعمير لهذه المناطق لم يفد إلا في جعلها ” مناطق للتهيئة اللاحقة “.

ونظرا لتعقيد مسطرة نزع الملكية وندرة الاحتياط العقاري العمومي من جهة، ولغياب الوسائل العملية لمواكبة فتح مناطق جديدة للتعمير، من جهة أخرى، فإن العقار لعب دور المعرقل الرادع بدل الدور التحفيزي الذي كان بالإمكان أن يقوم به[49].

وبخصوص العامل المالي فإن التعمير لكي يحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فهو يتطلب اعتمادات مالية دائمة ومجندة من طرف الدولة والجماعات المحلية والمنعشين العقاريين العموميين والخواص. فعمليات التهيئة الحضرية تتطلب إمكانيات مادية ووسائل مالية كبيرة لإنجازها، وذلك قصد تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية قد يستفيد منها سكان المجالات الحضرية والمناطق المحيطة بها[50]. وعلى هذا الأساس، وبناء على ضرورة التعاون والمساهمة في تحمل أعباء وتكاليف التهيئة الحضرية، فإن المشرع يعمل على تضريب قطاع التعمير، حيث يتم فرض ضرائب ورسوم تجاه المستفيدين من التجهيزات الأساسية التي يتم إنجازها قصد تدعيم البنية التحتية والتهيئة العمرانية للمدينة.

فالإدارة عندما تعمل على توسيع المدار الحضري فإنها تعطي للأراضي والعقارات الحضرية الجديدة قيمة مادية إضافية جديدة، وذلك نتيجة استفادتها من التجهيزات الأساسية التي تنجزها السلطات العمومية من طرق وشبكات الماء والكهرباء، والهاتف وغيرها، فهذه التجهيزات تزيد من قيمة العقارات والأراضي الحضرية[51].

ورغم تسجل بعض المكتسبات، فإن بعض العوامل ما تزال تشكل عائقا في هذا المجال، كقلة الموارد المالية للدولة والجماعات المحلية وغياب آليات التمويل، وعدم تحويل القيمة المضافة للعقار التي تمنحها وثائق التعمير إلى عوامل للتنمية.

 

خلاصة

رغم ما نجم عن سياسات التعمير المعتمدة بالمغرب من نتائج إيجابية ساهمت في تحقيق تطور اقتصادي وعمراني ملحوظ، إلا أن ذلك لم يمنع من ظهور انعكاسات سلبية على مختلف المجالات المرتبطة بها، خصوصا في ظل تعدد المتدخلين وضعف التأطير التشريعي والقانوني، فضلا عن تداخل الاجتماعي بالاقتصادي والسياسي، وتأثيرات الجانب السلبي للثقافة المجتمعية في علاقته بطبيعة النخب ذات الصلة بسياسات التعمير.

ومع ذلك فإن خلاصات دراسة موضوع الأبعاد والعوامل المؤثرة في سياسة التعمير بالمغرب يمكنها أن تنطلق من كون مقومات العمران المغربي الأصيل، وقواعد إحداث التجمعات العمرانية بالبلد المستدعية لثقافته وحضارته العريقة، لا تتعارض في مبادئها مع أحدث النظريات في هذا الميدان، سواء من حيث اعتماد التوازنات البيئية الكبرى في التخطيط، أو من حيث النظرة المندمجة للمجال والتواصل بين الفئات الاجتماعية، أو فيما يتعلق بتوظيف الخصوصيات المحلية والجهوية. إلا أن ذلك يبقى مرهونا بمدى اعتماد المقاربة المجالية المندمجة في وضع وتنزيل سياسة شمولية مندمجة لتأهيل المجال العمراني؛ واستحضار أن تأهيل السياسة التعميرية باعتبارها سياسة عمومية، يتطلب تعزيز وتقوية التقائية السياسات القطاعية المرتبطة بها، وذلك بوضع أسس متينة وشاملة للعلاقة بين سياسة التعمير وسياسة إعداد التراب الوطني، تهدف تأهيل الإنسان واستثمار الموارد المتاحة استثمارا عقلانيا، في أفق تنزيل كامل وعميق للجهوية الموسعة. مع اعتماد مقاربات تنموية ترتكز على المجال في بنائها وفي تنزيلها، من خلال اعتماد آليات الحكامة الجيدة في تدبير السياسة التعميرية، واعتبار أن القواعد القانونية للتعمير يجب أن لا تستمد مبادئها من المساطر الإدارية فحسب، بل كذلك من خلال الآليات المتحكمة في سيرورة التحولات التي يعرفها المجتمع. وأن تحقيق سياسة تعميرية فعالة وتنافسية يتطلب حكامة جيدة، قوامها المسؤولية والشفافية واستشراف المستقبل. لذلك صار لزاما تبني مقاربة جديدة تعمل على تجاوز السلبيات التي شابت السياسات التعميرية، والبحث عن آفاق جديدة ترقى بالتعمير الحالي إلى تعمير تشاوري واستشرافي، يستحضر الأبعاد والأهداف الأساسية والاستراتيجية ويأخذ بعين الاعتبار العوامل المؤثرة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

لائحة المراجع

     مراجع باللغة العربية

كتب

 

أطروحات ورسائل

 

وثائق ومقالات

–   رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، دراسة التأثيرات المترتبة عن الاستثناءات في مجال التعمير، إحالة رقم 2014/11  من قبل مجلس النواب.

–     تقرير تركيبي حول واقع قطاع العقار بالمغرب أهم عناصر التشخيص، المناظرة الوطنية حول السياسة العقارية للدولة ودورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، الصخيرات  2015.

–   التقطيب والمنظومة الحضرية، مقال بمجلة نوافذ على المجال المغربي، الفصل الخامس، منشورات وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان والبيئة، مديرية إعداد

التراب الوطني، الرباط 2002.

 

القوانين

 

مراجع باللغة الفرنسية

 

[1] – حيمود المختار، دور سياسة التعمير في تنمية وتنظيم المجال الحضري مساهمة في دراسة المجال الحضري المغربي نموذج: عمالة بنمسيك سيدي عثمان، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، جامعة الحسن الثاني كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الدار البيضاء، 2001-2000، ص 29.

[2] – محمد كريدح، أزمة تدبير المجال الحضري بالمدن الكبرى بالمغرب- مدينة فاس نموذجا – مقاربة قانونية وسوسيو اقتصادية، أطروحة بحث لنيل دكتوراه في القانون العام، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية اكدال، الرباط، 2009-2010، ص 19.

[3] – عبد الصمد سكال وعمر الشفدي، دور الإطار القانوني والتنظيمي في التوسع العمراني، بحث لنيل دبلوم مهندس معماري بالمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية، الرباط، 1992، الصفحة 19.

[4] – Mkinsi Abdlilah : Le droit marocain de l’urbanisme , Les presses de l’imprimerie Abad, publications de L’UNAU, 1989,P 13 .

[5] – حيمود المختار، مرجع سابق، ص 57.

[6] – عبد الصمد السكال وعمر الشفدي، مرجع سابق، الصفحة 21.

[7] – ظهير شريف رقم 124. 16. 1 صادر في 21 من ذي القعدة 1437 (25 غشت 2016) بتنفيذ القانون رقم 66.12 المتعلق بمراقبة وجزر المخالفات في مجال التعمير والبناء، الجريدة الرسمية عدد 6501 بتاريخ 17 ذو الحجة 1437 (19 شتنبر 2016).

[8] – محمد الناصري، مراقبة المجال الترابي أو تنميته؟ مأزق السلطة منذ قرن، التحولات الاجتماعية بالمغرب، الرباط: مركز طارق بن زياد للدراسات والأبحاث، الطبعة الأولى، سنة 2000، ص 15.

[9] – الفصل 31 من الدستور المغربي 2011، تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في: …؛ السكن اللائق؛… الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر الصادرة بتاريخ 28 شعبان 1432 ( 30 يوليو 2011) ص 3600.

[10] – Said Ait Hammou , Mutation de l’espace peri-urbain Casablanca le cas des communes d’Ain Harrouda et Titmellil , Doctorat de 3ème cycle université de tours, France tome I , 1988, p 5.

[11] – حيمود المختار، مرجع سابق، ص 18.

[12] – مقتطف من الرسالة الملكية السامية الموجهة يوم 26 يناير 2000 إلى المشاركين في أشغال اللقاء الوطني لانطلاق الحوار الوطني حول إعداد التراب.

[13] –  أنظر الميثاق الوطني لإعداد التراب، ص 8.

[14]– نوافذ على المجال المغربي، الفصل الخامس: “التقطيب والمنظومة الحضرية”، منشورات وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان والبيئة، مديرية إعداد التراب الوطني، الرباط 2002، ص131.

[15]– الفصل 143 من الدستور المغربي،”… تتبوأ الجهة، تحت إشراف رئيس مجلسها، مكانة الصدارة بالنسبة للجماعات الترابية الأخرى، في عمليات إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية، والتصاميم الجهوية لإعداد التراب، في نطاق احترام الاختصاصات الذاتية لهذه الجماعات الترابية…” الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر الصادرة بتاريخ 28 شعبان 1432 ( 30 يوليو 2011) ص 3600.

[16]– المادة 88 من القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.83 بتاريخ 20 رمضان 1436 (7 يوليوز 2015) الجريدة الرسمية عدد 6380 الصادرة بتاريخ 6 شوال 1436 (23 يوليو 2015).

[17] – عدنان هلال، تطور المجال الحضري لمدينة تطوان بين التنظيم العمراني والتعمير الغير القانوني ، دبلوم الدراسات العليا المعمقة بكلية العلوم القانونية والاقتصادية أكدال، الرباط، 2006-2007، ص 5.

[18] – Mekki Bentahar : “Villes et campagnes au Maroc, Les problèmes sociaux de l’urbanisation, édition El Maarif al jadida, Rabat 1987 , P 12-20 .

[19] – حيمود المختار، مرجع سابق، ص 232.

[20] – مرسوم رقم 2.15.234 صادر في 28 من جمادى الأولى 1436 (19 مارس 2015) بالمصادقة على الأرقام المحددة بها عدد السكان القانونيون بالمملكة.

[21] – مذكرة حول النتائج الأولية للإحصاء العام للسكان والسكنى 2014، الرباط، 13 أكتوبر 2015.

[22] – المرجع السابق.

[23] – مرسوم رقم 832. 92. 2 صادر في 27 من ربيع الآخر 1414 ( 14 أكتوبر 1993) لتطبيق القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير، الجريدة الرسمية عدد 4225 بتاريخ 4 جمادى الأولى 1414 الموافق ل 20 أكتوبر 1993.

[24] – أحمد مالكي، التدخل العمومي في ميدان التعمير بالمغرب، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، جامعة محمد الأول كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة، 2007-2008 ، ص 95.

[25] – M’hammed Dreyf : “Urbanisation et droit de L’urbanisme au Maroc, Imprimerie El Maarif Al Jadida, Raabat, 1993, p : 260.

[26] – M’hammed Dreyf : “Urbanisation et droit de L’urbanisme au Maroc, Op . cit, p : 277

[27] – Jean-Marie (Auby) et Robert (Ducos Ader) : “Droit administratif, l’expropriation pour cause d’utilité publique, l’aménagement du territoire, l’urbanisme et la construction“, 4éme éd . Dalloz, Paris , 1980, P : 203.

 

[28] – وثيقة التشاور حول مدونة التعمير، منشورات الوزارة المنتدبة المكلفة بالإسكان والتعمير، فبراير 2006، ص 15.

[29] – أحمد مالكي، مرجع سابق، ص 184.

[30]– ظهير شريف رقم 1.92.31 صادر في 15 ذي الحجة 1412 (17 يونيو 1992) بتنفيذ القانون رقم 12-90 المتعلق بالتعمير.

[31]– ظهير شريف رقم 1.92.7 صادر في 15 ذي الحجة 1412 (17 يونيو 1992) بتنفيذ القانون رقم 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات.

[32] – ظهير شريف رقم 124. 16. 1، مرجع سابق.

[33] – وثيقة التشاور حول مدونة التعمير، منشورات الوزارة المنتدبة المكلفة بالإسكان والتعمير، فبراير 2006، ص 15.

[34] – M’hammed Dreyf : “Urbanisation et droit de L’urbanisme au Maroc“, Op . cit. p 1.

[35] –  Hubert Charles : “Les principes de l’urbanisme“, édition Dalloz, Paris, 1993, P 27 .

[36] – الدكتور عبد الرحمان البكريوي، “التعمير بين المركزية واللامركزية“، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى، الدار البيضاء، 1993 ، ص 30.

[37] – وثيقة التشاور حول مدونة التعمير، مرجع سابق، ص 32.

[38] – أحمد مالكي، السياسات العمومية في ميدان التعمير: حصيلة مائة سنة من التأطير التشريعي، مداخلة بالندوة المنظمة من قبل كلية الحقوق بمكناس بتعاون مع مجموعة الأبحاث والدراسات المالية والضريبية ومركز الدراسات في الحكامة والتنمية الترابية حول موضوع ” مائوية التعمير: قراءة في بعض إشكالات السياسات العمرانية بالمغرب”، 07 مارس 2015.

[39] –  دور القضاء في تطوير التشريع والحد من البناء الغير القانوني في مجال التعمير، إشكالية البناء غير القانوني ومحاولة التصدي له، منشورات وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان والبيئة، يوليوز 2002، ص 3.

[40] – حيمود المختار، مرجع سابق، ص 157.

[41] – رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، دراسة التأثيرات المترتبة عن الاستثناءات في مجال التعمير، إحالة رقم 2014/11  من قبل مجلس النواب، ص 6.

[42] – El Idrissi Omar, Evaluation des documents d’urbanisme à travers la dérogation : cas de la région Doukkala Abda, DESA en urbanisme et aménagement, université Hassan II- Ain Chok, F.L.S.H- Casablanca, 2004-2005, p : 32.

[43] – رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، مرجع سابق، ص7.

[44] – أحمد مالكي، مرجع سابق، ص 234.

[45] – تقرير تركيبي حول واقع قطاع العقار بالمغرب أهم عناصر التشخيص، المناظرة الوطنية حول السياسة العقارية للدولة ودورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، الصخيرات 2015، ص 3.

[46] – د. عبد الرحمن البكريوي، تقديم لكتاب “السياسة العقارية في ميدان التعمير والسكنى، لمؤلفه الأستاذ الهادي مقداد، مطبعة النجاح الجديدة – الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1421- 2000، ص 3.

[47] – د. الهادي مقداد، السياسة العقارية في ميدان التعمير والسكنى، مطبعة النجاح الجديدة – الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1421- 2000، ص 7.

[48] – د. الهادي مقداد، المرجع السابق، ص 9.

[49] – وثيقة التشاور حول مدونة التعمير، مرجع سابق، ص 52.

[50] – حيمود المختار، مرجع سابق، ص 27.

[51] – عبد المجيد أسعد، “مالية الجماعات المحلية بالمغرب”، مطبعة النجاح، الدار البيضاء، الطبعة الثانية 2009، ص 72-73.

Exit mobile version