Site icon مجلة المنارة

دور المستهلك في مراقبة الأسعار والجودة

دور المستهلك في مراقبة الأسعار والجودة

رقية الباز
طالبة باحثة في سلك الدكتوراه
جامعة محمد الأول وجدة
:

يعتبر موضوع حماية المستهلك من المواضيع التي طفت فوق الأحداث في السنوات القليلة الأخيرة، وذلك نظرا لكونه موضوع يمس في الصميم طرفا يشكل هدفا رئيسيا ومحوريا في عمليات الإنتاج و التسويق، وحلقة أساسية بدونها تفقد تلك العمليات معناها و أساس وجودها وما يمكن أن يخلفه ذلك من نتائج وخيمة على اقتصاد أي بلد .
لذلك فلا غور، أن نجد أن اغلب الدول تسعى حاليا وذلك عبر تشريعاتها وترسانتها القانونية إلى إقرارالحماية لهذا المستهلك، وإن كانت في الحقيقة لم تأت إلا بتكريس مبدأ قائم سلفا في سائرالمجتمعات التي عرفتها الإنسانية على مر التاريخ، والتي كانت تعتبر الغش في المعاملات عمل مشين ومحرما، سواء بقواعد الدين أو النظام الاجتماعي المتفق على احترامه بين أفراد تلك المجتمعات في علاقتهم و معاملاتهم .
وبالنسبة للمغرب، وفيما يخص حماية المستهلك، فانه يمكن القول أن هذه الحماية مرت عبر ثلاث محطات أساسية، تنقسم من حيث سياقها الكرنولوجي كالتالي:
– مرحلة ما قبل الاستعمار حيث كانت أحكام الشريعة الإسلامية وقواعدها هي التي تؤطر الموضوع.
– مرحلة الاستعمار والتي امتدت من سنة 1912 إلى سنة 1956 حيث شهدت هذه المرحلة صدور مجموعة من القوانين سواء تلك التي لها علاقة مباشرة بالموضوع كقانون زجر الغش في البضائع لسنة 1914، أو تلك التي لها علاقة غير مباشرة كقانون الالتزامات و العقود لسنة 1013 الذي تضمن مجموعة من المقتضيات الهامة في هذا الإطار ، مرحلة ما بعد الاستعمار وتميزت بمواصلة مسيرة الاهتمام بحماية المستهلك وذلك بتنقيح القوانين الصادرة من قبل ، وإصدار أخرى مواكبة للمستجدات الجديدة وكذلك خلق مجموعة من الأجهزة التي عهد إليها بعدة مهام رقابية في هذا الصدد.
وغني عن البيان أنه حينما يثار موضوع حماية المستهلك فإننا لا نبحث على موضوع واحد، ذلك أن حماية هذا الأخير قد تقارب من عدة زوايا ، على أنه بالرغم من اختلاف زوايا هذه المقاربة فإن ما ينبغي التسليم به أن من أهم العناصر التي ينبغي أن تنصب عليها هذه الحماية هما عنصري الجودة والأسعار.
فهل فعلا للمستهلك دور في مراقبة الأسعار و الجودة؟
من هذا السؤال المحوري تتمخض الأسئلة الفرعية التالية:
– هل فعلا للمستهلك دور في مراقبة الأسعار و الجودة؟
– ماهي الحالات التي تتم فيها هذه المراقبة؟
– وما مدى فعاليتها؟
– وهل نجحت فعلا في توفير الحماية الكافية للمعني بالأمر ؟

لدراسة هذه الإشكالية إرتأينا اعتماد التصميم التالي:
المبحث الأول: آليات مراقبة المستهلك للجودة والأسعار والإكراهات التي تواجهه
المطلب الأول: آليات مراقبة المستهلك للجودة والأسعار
المطلب الثاني:الإكراهات التي تواجه المستهلك في مراقبة الجودة والأسعار
المبحث الثاني: مظاهر الرقابة القانونية والقضائية
المطلب الأول: مظاهر الرقابة القانونية
المطلب الثاني: مظاهر الرقابة القضائية

المبحث الأول: آليات مراقبة المستهلك للجودة والأسعار والإكراهات التي تواجهه
المطلب الأول: آليات مراقبة المستهلك للجودة والأسعار
باطلاعنا على مجموعة من النصوص القانونية المتعلقة بحماية المستهلك كالقانون المتعلق بزجر الغش في البضائع و المنتجات وقانون حرية الأسعار و المنافسة و المشروع المتعلق بحماية المستهلك …، حيث نجد هذه النصوص خالية من إعطاء أي حق مباشر للمستهلك في مراقبة الأسعار و الجودة ، إلا أنه بقراءة متأنية لفحوى كثير من النصوص نجدها تخوله عدة ضمانات فيما يخص الجودة كتلك المنصوص في قانون 13.83 المتعلق بزجر الغش في البضائع وتم انفراد مجموعة من الإجراءات لمرتكب تلك الجرائم.
ونذكر هنا من بين النصوص التي ينص على أنه” يجب على كل من يبيع منتوجات أو يقدم خدمات أن يعلم المستهلك عن طريق وضع علامة أو إعلان أو بأي طريقة مناسبة أخرى بالأسعار والشروط الخاصة للبيع أولإنجاز الخدمة، إلا أن إعلام المستهلك بنص تنظيمي لم يخرج إلى حيز الوجود بعد كذلك ما يثير الانتباه هو إن الفقرة الأولى منها توحي بان محل الالتزام لا يشمل الإعلام بخصائص السلع و الخدمات وإنما هو مصور على الأسعار و الشروط الخاصة للبيع أو الخدمة و الحال أنها أساسية لحماية المستهلكين خصوصا امام تعقد السلع و تجددها وصعوبة إدراك كنهها .
وبالمقارنة تنص الفقرة الأولى من قانون الاستهلاك الفرنسي لسنة 1993 أن كل مهني يباشر بيع أموال أو تقديم خدمات يلتزم بإعلام المستهلك قبل ابرام العقد بالخصائص الجوهرية للبضاعة، وقد صدرت عدة مراسيم تحدد آليات هذا الإعلام وتوضح كيفية استعماله.
إذن هذه النصوص الواردة على سبيل المثال فهي لا تخول الحق المباشر للمستهلك في المراقبة بقدر ماهي حقوق وضمانات تسهر على حمايتها جهات أخرى، وبصورة أخرى فالمستهلك يمكن أن يتقوى دوره إذا راقب بواسطة التي خول لها المشرع الدفاع عن المستهلك .
وإذا كانت الجمعيات طرف مساند ومؤيد لحقوق المستهلك فليس ما يمنعه هو الآخرمن اللجوء إلى السلطات الإدارية و القضائية لتبليغ بعض الخروقات أو المطالبة بحقوقه بصفة عامة أو فيما يخص الجودة و الأسعار.
وتجدر الإشارة بأن المستهلك رغم كونه الحلقة الأخيرة في التوزيع الاقتصادي وكونه طرف ضعيف في العلاقة التعاقدية إلا انه كثيرا ما حرك الأوساط المقررة في شؤون البلاد والعباد وذلك بخروجه في تظاهرات حاشدة ومسيرات تندد بغلاء الأسعار وارتفاع مواد الاستهلاك خصوصا الأساسية منها و التي ساهمت في تغيير توجهات سياسية و اقتصادية ونذكر على سبيل المثال إحداث سنوات بداية الثمانينات التي عرفت ارتفاعا في المواد الأساسية كالدقيق و السكر والزيت وليس بالبعيد فهاته السنة عرفت موجات احتجاجية عارمة همت مختلف أنحاء الوطن ونخص بالذكر مدينة صفرو وما أدت إليه من نتائج زعزعت المتحكمين في القرار السياسي حيث لجأت الحكومة المغربية إلى عقد اجتماعات طارئة رغم نهاية عمرها لاتخاد الإجراءات اللازمة ووقف الاحتجاجات .
المطلب الثاني:الإكراهات التي تواجه المستهلك في مراقبة الجودة والأسعار
يواجه المستهلك المغربي عدة عراقيل ذات طبيعة مركبة وبنيوية، فالمستهلك المغربي ليس على قدم المساواة سواء من الناحية التوعوية و التحسيسة أو من الجانب المادي، فنسبة الأمية متفشية جدا في العالم القروي ، وبعض الأحياء الهامشية في المدن ، وبذلك يغيب عنها مفهوم الدفاع عن حقها سواء فيما يخص المطالبة بالأسعار أو الجودة أو هما معا حتى وان لم يغيب هذا المفهوم فيتبين لهذه الفئة بأنه صعب ، وبالتالي لا نلمس انخراطها في جمعيات للدفاع عن حقها.
كما أن المجتمع المغربي يعرف شرخا شاسعا على مستوى تقارب الطبقات الاجتماعية من الناحية الاجتماعية من الناحية المادية وبذلك من يهمه المطالبة بهذا النوع من الحقوق قد لا تهم طبقة أو فئة اجتماعية أخرى أو لا يبالي بها ويرى بأنها زيادات تافهة وغير مكلفة.
كما أن كثير من الطبقات الميسورة يساهمون بطريقة أو بأخرى في ارتفاع الأسعار وذلك باقتنائهم لمنتجات ومواد مبالغ فيها يقلل العرض ويكثر الطلب وهذا كثيرا ما يحدث في شهر رمضان البرك وبعض المناسبات .
كما ان المستهلك المغربي يرفض متابعة المهني وذلك نظرا لزهد ثمن السلعة أو الخدمة، وبالتالي يرى أن مصاريف المتابعة أو الدعوى أكثر من ذلك المنتوج، كما يعد اللجوء إلى الجمعيات شيئا لم يترسخ في ثقافة المواطن المغربي وليس له جدوى ، وينظر إليها بأنها ليست لها استقلالية بذاتها، فالمشرع قيدها و أخضعها تحت رقابة ووصاية المجلس الوطني للاستهلاك بالتزامها ببعث تقرير سنوي لأنشطتها كما انه يصعب عليها اكتساب صفة المنفعة العامة.
كما انه من بين العراقيل التي تواجه المستهلك المغربي ولو كان مؤطرا هو عدم الإصغاء إليه وترجمة مظاهراته واحتجاجاته (السلمية) إلى اتخاذ قرارات تلبي مطالبه ، بل غالبا ما يواجه بأحد الحلين أحسنهما عدم الإصغاء اليه و الآخر مواجهته بالضرب و القمع.

المبحث الثاني: الرقابة القضائية
المطلب الأول: مظاهر الرقابة القضائية
مما لا شك فيه أن تشتت مهام حماية المستهلك بين عدة مصالح إدارية تابعة لعدة وزارات يطرح مشاكل على مستوى التنسيق وتداخل الاختصاصات، ذلك أنه إذا كانت من إيجابيات هذا التعدد هو أنه في حالة إهمال من طرف واحد من هذه الأجهزة فإن الجهاز الآخر يقوم بالمهمة سدا للفراغ، إلا أن مساوئ ذلك التعدد تتمثل في بطء المسطرة الإدارية وعدم التنسيق واختلاف التأويلات الخاصة بكل جهازعند تطبيق القاعدة القانونية وخصوصية رؤية جهاز للمصلحة العامة.
وعلى مستوى الوسائل المادية و البشرية نسجل خصاصا لدى هذه الأجهزة الشيء الذي يضعف دورها في حماية المستهلك.
ففيما يتعلق بالوسائل المادية تفتقر هذه الأجهزة للمختبرات التي تستعملها مصلحة المقاييس و الموازين وقمع الغش.
كما لاتتوفر على للتجارب و التحاليل الخاصة بمختلف المقاييس كما أن مصالح الميتروبولوجيا الشرعية التابعة لوزارة التجارة تفتقر للوسائل الخاصة بالمراقبة لمختلف العمليات التي يقوم بها .
أما مصلحة قمع الغش فإنها لا تتوفر على العدد الكافي من المختبرات المتخصصة في المواد الكيميائية و الفيزيائية و الباكتيرية و تفتقر إلى التجهيزات بالتحاليل المختلفة .
ومن الناحية البشرية تعرف هذه الأجهزة نقصا كميا وكيفيا وكل هذا ينعكس سلبا على حماية المستهلك ، فالمراقبة تتطلب الإعتماد على أطر ذات تكوين تقنيو خبرة حديثة حتى يمكنها مسايرة التكنولوجيا الحديثة التي تعرفها التجارة الداخلية و الخارجية، فالتدليس والغش إحدى العيوب التي تلحق بالمستهلك خسارات كبرى سواء على المستوى الإقتنائي و الشرائي، وكذا على مستوى الاستهلاك، فالضرر بالنسبة له مادي و صحي حيث إن التدليس و الغش آفة اجتماعية يتضاءل في كفاحهما كل مجهود نظرا إلى تنوع وسائله وتكرار استحداث الجديد فيهما باستخدام ما يكشف عنه العلم في تقدمه المستمر .
وحتى طرق الغش و التضليل يطالها التطور و الاجتهاد، و تشتغل فيه السبل الحديثة و التي لا يمكن ضبطها ومحاربتها إلا بطرق مثلها أو أسمى منها .
فبالرغم من كون المشرع في قانون 05.10.1984 لم يخرق مبادئ القانون الجنائي العام إذ جعل النية عنصرا ضروريا لقيام جنحة الغش في البضائع إلا أن بعض التطبيقات القضائية للظهير قد خالفت هذه القاعدة وقد انقسم القضاء في هذا الصدد إلى قسمين:
– الاتجاه الاول : اتجاه غير متشدد شيئا ما ، ويتطلب إثبات الركن المعنوي للجنحة من طرف النيابة العامة ( المجلس الأعلى، استئنافية الرباط، استئنافية أكادير) .
– الاتجاه الثاني:أن هذا الاتجاه يحتل حيزا كبيرا لدى محاكم الموضوع ، ويذهب إلى أن جرائم الغش تعتبر جرائم مادية يكفي فيه توافر الركنين المادي و القانوني ، وإن لم يصرح بذلك ، فهذا الاتجاه يهتم بالمستهلك أكثر مما يهتم بالتجار و الصناع و المنتجين ( استئنافية بني ملال وسطات و مراكش).
ويستعمل القضاء عبارات غامضة وفضفاضة لحماية المستهلك ، فالقضاء المغربي يدين الشخص عن ذلك بتعبير عام لا يفيدنا في معرفة طبيعة الجريمة المقصورة بالدقة اللازمة، ويتجلى هذا التعبير في كلمة ” الغش في الدقيق” أو” الغش في القهوة” وهو ما يعتبر حماية غير دقيقة للمستهلك، كما يستعمل أحيانا بعض العبارات دون أن ينتبه إلى آثارها مثل “غير صالحة للاستهلاك” أو بعبارة ” مضرة بالصحة” وذلك دون أن يبين وجه الخطورة ، ودون تطبيق الظهير المتعلق بهذه الحالات
( ظهير29 أكتوبر1959).
1- قد تحصل بعض الأفعال المجرمة في الوقت الذي يسري فيه مفعول القانون الجديد، ويطبق القاضي سهوا القانون القديم الشيء الذي يؤثر بدون شك على اللازمة للمستهلكين مما قد يؤثر كذلك على الأحكام و خاصة فيما يتعلق بالعقوبة.
2- وقد يدين القضاة أحيانا الشخص بعقوبات مالية تنزل عن الحد الادنى المقرر في القانون ، وذلك دون أن يمتعوا المتهم بظروف التخفيف وكأن الامر يتعلق بالعقوبات المالية .
وغالبا ما تعتمد المحاكم على المحاشر التي تحررها مصالح زجر الغش من أجل إنشاء التهمة إلى حائز البضاعة دون حاجة إلى أي إجراء آخر.
المطلب الثاني: تقييم الرقابة القضائية
إن هشاشة الحماية الإدارية و الناتجة أساسا عن عشوائية التداخلات من طرف مختلف المصالح الوزارية الخاصة بالمراقبة مما يسفر عن اصطدامات في الاختصاصات وبالتالي تتعطل سبل حماية المستهلك إضافة إلى ذلك على المستوى القضائي يلاحظ عجز عن السير قدما بتلك الحماية.
ويعود ذلك إلى عدة عراقيل أثبت الواقع تجذرها في طريق الرقابة القضائية ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
القاعدة أن لكل متضرر حق اللجوء إلى القضاء و المستهلك كضحية يحق له اللجوء إلى العدالة لإصلاح الضرر، لكن هل يتم فعلا رفع دعوى من جانب المستهلك؟
عمليا لا يحدث ذلك ، لان فعالية هذا الحق مشكوك فيها لعدة أسباب تتمثل أساسا:
في شعور المستهلك بأنه وحيد و أعزل في مواجهة منتخبين و مهنيين وتجار مجهزين بوسائل هامة، إضافة إلى الاقتناع منذ البداية بأن ما سيسفر عنه رفع الدعوى من نفقات وجراءات طيلة ومعقدة سوف لن يتعادل مع ما سيحصل من مقابل( هذا إن كان الحكم لصالحه أصلا)، كل ذلك مقابل سلعة قد لا يتجاوزقيمتها دراهم معدودات.
فضلا عن ذلك فإن النيابة غالبا ما تهمل مثل هذه المخالفات مستعملة مبدأ ملائمة المتابعة لضآلة معظمها ولكثرتها في الحياة اليومية حتى لا تثقل كاهل القضاء بدعاوي لا طاقة له بها.
ثم إن تقاعس الجهازالإداري عن تطبيق الإجراءات المسطرية لمتابعة المخالفات يحول دون توصل الجهازالقضائي بالمخالفات المتعلقة بهذه المخالفات ونحن نعلم أنه لايمكن لهذا الجهاز أن يبث في أي قضية قبل أن يسبق ذلك إجراء أولي تقوم به الإدارة.
وبالإضافة إلى هذه العوائق المادية هناك عراقيل نفسية ، فصعوبة الإجراءات وتعقد القانون وجهل المستهلك، كل هذه العوامل تخيف المواطن العادي وتبعده عن اللجوء إلى المحاكم لطلب العدالة.
ثم إن الواقع يبين عن نقص تكوين القضاة في هذا المحال، وهذا ناتج بالأساس عن خلو مراحل دراسة القاضي مما يفيده في ميدان الاستهلاك و القضايا ذات الطابع الاقتصادي عامة،لذلك يستحسن تدريس القانون الاقتصادي وقضايا الاستهلاك بالكليات و بالمعهد القضائي حتى يتخرج قضاة متخصصون في هذا النوع من القضايا.
ففي مدينة الدار البيضاء على سبيل المثال يلاحظ أن القضاة وأمام تراكم القضايا أصبحوا ينظرون إلى القضايا الاستهلاكية على أنها بسيطة يلجأون إلى فرض الغرامات بدل العقوبات الحبسية .
وإضافة إلى ذلك فإنه أمام تعدد الجرائم الاقتصادية وأعمال الغش ونظرا لعدم تمكن المحاكم العادية من القيام بدورها في هذا المجال بسبب تعدد وتراكم القضايا أمامها ، فإنه أصبح من المحتم إحداث محاكم مختصة في قمع الجرائم الاقتصادية تتوزع حسب الجهات الاقتصادية للمملكة مع وجود غرفة مختصة تابعة للمجلس الأعلى لقمع الجرائم الاقتصادية على الصعيد المركزي ، كما أن شيخوخة بعض القواعد القانونية تؤهل القضاء المغربي لأن يلعب دورا كبيرا في حماية المستهلك، فإذا كان قاضي الموضوع يصطدم بحاجز قانوني كبيرلا ييسرفي الغالب تخطيه وهو ضرورة تعليل الأحكام التي يصدرها، فإن المجلس الأعلى الذي يسهر على مراقبة قضاء الموضوع يستطيع أن يقوم هنا بدور طلائعي، هذا الأخير ليس أكثر جرأة في هذا المضمار من محكمة النقض الفرنسية التي أثبتت الممارسة أنها لعبت من خلال القرارات الهامة التي كانت تصدرها في ترسيخ القواعد القانونية بفرنسا، وكذا في استخراج الأحكام القانونية الواجبة التطبيق عند سكوت المشرع في تنظيم مسألة من المسائل.
إن المجلس الأعلى المغربي مدعو بدوره إلى أن يتعاون من أجل إخراج هذه الحماية إلى الوجود و المساهمة بالتالي في خلق ما يمكن أن نسميه قانون الطرف الضعيف، و الحماية الإدارية ليكونوا جميعا منعطفا يستحق الوقوف طويلا في سبيل الخروج بحل مرضي.
وفي غياب ذلك يبقى المستهلك مجردا من المناعة الضرورية وبالتالي مؤهلا للتحرش في كل وقت وحين للاعتداء.

خاتمة:
إن الحماية القانونية للمستهلك بما تحمله العبارة من معنى، يبقى على الجميع ، حكومة وبرلمانا ومواطنا ومجتمعا مدنيا وإعلاما، كل من جانبه، تسخيركل الوسائل الكفيلة بتكريس هذه الحماية ، وإكساب المواطن صفة المستهلك الذي يعرف ماله وما عليه.
فالمواطن عليه تمتين معارفه في هذا المجال، وجمعيات المجتمع المدني مدعوة بذلك لبذل الجهد و المزيد من التوعية، والادارة ملزمة باحترام القانون و تفعيل أساليب الرقابة الوقائية، والقضاء مدعو للضرب على أيدي مخالفي القانون ، و الاعلام يجب ان يكون هادفا يمزج بين التوعية ووضع أسس منظومة إشهارية تضع مصلحة المستهلك في المقام الاول، على أن جوهر الحماية يلقى على عاتق المهني أو المورد، الذي يتوجب عليه الانضباط للقانون، واحترام أساس المنافسة الشريفة في أطار المقاولة المواطنة.
دور المستهلك في مراقبة الأسعار والجودة

رقية الباز
طالبة باحثة في سلك الدكتوراه
جامعة محمد الأول وجدة
:

يعتبر موضوع حماية المستهلك من المواضيع التي طفت فوق الأحداث في السنوات القليلة الأخيرة، وذلك نظرا لكونه موضوع يمس في الصميم طرفا يشكل هدفا رئيسيا ومحوريا في عمليات الإنتاج و التسويق، وحلقة أساسية بدونها تفقد تلك العمليات معناها و أساس وجودها وما يمكن أن يخلفه ذلك من نتائج وخيمة على اقتصاد أي بلد .
لذلك فلا غور، أن نجد أن اغلب الدول تسعى حاليا وذلك عبر تشريعاتها وترسانتها القانونية إلى إقرارالحماية لهذا المستهلك، وإن كانت في الحقيقة لم تأت إلا بتكريس مبدأ قائم سلفا في سائرالمجتمعات التي عرفتها الإنسانية على مر التاريخ، والتي كانت تعتبر الغش في المعاملات عمل مشين ومحرما، سواء بقواعد الدين أو النظام الاجتماعي المتفق على احترامه بين أفراد تلك المجتمعات في علاقتهم و معاملاتهم .
وبالنسبة للمغرب، وفيما يخص حماية المستهلك، فانه يمكن القول أن هذه الحماية مرت عبر ثلاث محطات أساسية، تنقسم من حيث سياقها الكرنولوجي كالتالي:
– مرحلة ما قبل الاستعمار حيث كانت أحكام الشريعة الإسلامية وقواعدها هي التي تؤطر الموضوع.
– مرحلة الاستعمار والتي امتدت من سنة 1912 إلى سنة 1956 حيث شهدت هذه المرحلة صدور مجموعة من القوانين سواء تلك التي لها علاقة مباشرة بالموضوع كقانون زجر الغش في البضائع لسنة 1914، أو تلك التي لها علاقة غير مباشرة كقانون الالتزامات و العقود لسنة 1013 الذي تضمن مجموعة من المقتضيات الهامة في هذا الإطار ، مرحلة ما بعد الاستعمار وتميزت بمواصلة مسيرة الاهتمام بحماية المستهلك وذلك بتنقيح القوانين الصادرة من قبل ، وإصدار أخرى مواكبة للمستجدات الجديدة وكذلك خلق مجموعة من الأجهزة التي عهد إليها بعدة مهام رقابية في هذا الصدد.
وغني عن البيان أنه حينما يثار موضوع حماية المستهلك فإننا لا نبحث على موضوع واحد، ذلك أن حماية هذا الأخير قد تقارب من عدة زوايا ، على أنه بالرغم من اختلاف زوايا هذه المقاربة فإن ما ينبغي التسليم به أن من أهم العناصر التي ينبغي أن تنصب عليها هذه الحماية هما عنصري الجودة والأسعار.
فهل فعلا للمستهلك دور في مراقبة الأسعار و الجودة؟
من هذا السؤال المحوري تتمخض الأسئلة الفرعية التالية:
– هل فعلا للمستهلك دور في مراقبة الأسعار و الجودة؟
– ماهي الحالات التي تتم فيها هذه المراقبة؟
– وما مدى فعاليتها؟
– وهل نجحت فعلا في توفير الحماية الكافية للمعني بالأمر ؟

لدراسة هذه الإشكالية إرتأينا اعتماد التصميم التالي:
المبحث الأول: آليات مراقبة المستهلك للجودة والأسعار والإكراهات التي تواجهه
المطلب الأول: آليات مراقبة المستهلك للجودة والأسعار
المطلب الثاني:الإكراهات التي تواجه المستهلك في مراقبة الجودة والأسعار
المبحث الثاني: مظاهر الرقابة القانونية والقضائية
المطلب الأول: مظاهر الرقابة القانونية
المطلب الثاني: مظاهر الرقابة القضائية

المبحث الأول: آليات مراقبة المستهلك للجودة والأسعار والإكراهات التي تواجهه
المطلب الأول: آليات مراقبة المستهلك للجودة والأسعار
باطلاعنا على مجموعة من النصوص القانونية المتعلقة بحماية المستهلك كالقانون المتعلق بزجر الغش في البضائع و المنتجات وقانون حرية الأسعار و المنافسة و المشروع المتعلق بحماية المستهلك …، حيث نجد هذه النصوص خالية من إعطاء أي حق مباشر للمستهلك في مراقبة الأسعار و الجودة ، إلا أنه بقراءة متأنية لفحوى كثير من النصوص نجدها تخوله عدة ضمانات فيما يخص الجودة كتلك المنصوص في قانون 13.83 المتعلق بزجر الغش في البضائع وتم انفراد مجموعة من الإجراءات لمرتكب تلك الجرائم.
ونذكر هنا من بين النصوص التي ينص على أنه” يجب على كل من يبيع منتوجات أو يقدم خدمات أن يعلم المستهلك عن طريق وضع علامة أو إعلان أو بأي طريقة مناسبة أخرى بالأسعار والشروط الخاصة للبيع أولإنجاز الخدمة، إلا أن إعلام المستهلك بنص تنظيمي لم يخرج إلى حيز الوجود بعد كذلك ما يثير الانتباه هو إن الفقرة الأولى منها توحي بان محل الالتزام لا يشمل الإعلام بخصائص السلع و الخدمات وإنما هو مصور على الأسعار و الشروط الخاصة للبيع أو الخدمة و الحال أنها أساسية لحماية المستهلكين خصوصا امام تعقد السلع و تجددها وصعوبة إدراك كنهها .
وبالمقارنة تنص الفقرة الأولى من قانون الاستهلاك الفرنسي لسنة 1993 أن كل مهني يباشر بيع أموال أو تقديم خدمات يلتزم بإعلام المستهلك قبل ابرام العقد بالخصائص الجوهرية للبضاعة، وقد صدرت عدة مراسيم تحدد آليات هذا الإعلام وتوضح كيفية استعماله.
إذن هذه النصوص الواردة على سبيل المثال فهي لا تخول الحق المباشر للمستهلك في المراقبة بقدر ماهي حقوق وضمانات تسهر على حمايتها جهات أخرى، وبصورة أخرى فالمستهلك يمكن أن يتقوى دوره إذا راقب بواسطة التي خول لها المشرع الدفاع عن المستهلك .
وإذا كانت الجمعيات طرف مساند ومؤيد لحقوق المستهلك فليس ما يمنعه هو الآخرمن اللجوء إلى السلطات الإدارية و القضائية لتبليغ بعض الخروقات أو المطالبة بحقوقه بصفة عامة أو فيما يخص الجودة و الأسعار.
وتجدر الإشارة بأن المستهلك رغم كونه الحلقة الأخيرة في التوزيع الاقتصادي وكونه طرف ضعيف في العلاقة التعاقدية إلا انه كثيرا ما حرك الأوساط المقررة في شؤون البلاد والعباد وذلك بخروجه في تظاهرات حاشدة ومسيرات تندد بغلاء الأسعار وارتفاع مواد الاستهلاك خصوصا الأساسية منها و التي ساهمت في تغيير توجهات سياسية و اقتصادية ونذكر على سبيل المثال إحداث سنوات بداية الثمانينات التي عرفت ارتفاعا في المواد الأساسية كالدقيق و السكر والزيت وليس بالبعيد فهاته السنة عرفت موجات احتجاجية عارمة همت مختلف أنحاء الوطن ونخص بالذكر مدينة صفرو وما أدت إليه من نتائج زعزعت المتحكمين في القرار السياسي حيث لجأت الحكومة المغربية إلى عقد اجتماعات طارئة رغم نهاية عمرها لاتخاد الإجراءات اللازمة ووقف الاحتجاجات .
المطلب الثاني:الإكراهات التي تواجه المستهلك في مراقبة الجودة والأسعار
يواجه المستهلك المغربي عدة عراقيل ذات طبيعة مركبة وبنيوية، فالمستهلك المغربي ليس على قدم المساواة سواء من الناحية التوعوية و التحسيسة أو من الجانب المادي، فنسبة الأمية متفشية جدا في العالم القروي ، وبعض الأحياء الهامشية في المدن ، وبذلك يغيب عنها مفهوم الدفاع عن حقها سواء فيما يخص المطالبة بالأسعار أو الجودة أو هما معا حتى وان لم يغيب هذا المفهوم فيتبين لهذه الفئة بأنه صعب ، وبالتالي لا نلمس انخراطها في جمعيات للدفاع عن حقها.
كما أن المجتمع المغربي يعرف شرخا شاسعا على مستوى تقارب الطبقات الاجتماعية من الناحية الاجتماعية من الناحية المادية وبذلك من يهمه المطالبة بهذا النوع من الحقوق قد لا تهم طبقة أو فئة اجتماعية أخرى أو لا يبالي بها ويرى بأنها زيادات تافهة وغير مكلفة.
كما أن كثير من الطبقات الميسورة يساهمون بطريقة أو بأخرى في ارتفاع الأسعار وذلك باقتنائهم لمنتجات ومواد مبالغ فيها يقلل العرض ويكثر الطلب وهذا كثيرا ما يحدث في شهر رمضان البرك وبعض المناسبات .
كما ان المستهلك المغربي يرفض متابعة المهني وذلك نظرا لزهد ثمن السلعة أو الخدمة، وبالتالي يرى أن مصاريف المتابعة أو الدعوى أكثر من ذلك المنتوج، كما يعد اللجوء إلى الجمعيات شيئا لم يترسخ في ثقافة المواطن المغربي وليس له جدوى ، وينظر إليها بأنها ليست لها استقلالية بذاتها، فالمشرع قيدها و أخضعها تحت رقابة ووصاية المجلس الوطني للاستهلاك بالتزامها ببعث تقرير سنوي لأنشطتها كما انه يصعب عليها اكتساب صفة المنفعة العامة.
كما انه من بين العراقيل التي تواجه المستهلك المغربي ولو كان مؤطرا هو عدم الإصغاء إليه وترجمة مظاهراته واحتجاجاته (السلمية) إلى اتخاذ قرارات تلبي مطالبه ، بل غالبا ما يواجه بأحد الحلين أحسنهما عدم الإصغاء اليه و الآخر مواجهته بالضرب و القمع.

المبحث الثاني: الرقابة القضائية
المطلب الأول: مظاهر الرقابة القضائية
مما لا شك فيه أن تشتت مهام حماية المستهلك بين عدة مصالح إدارية تابعة لعدة وزارات يطرح مشاكل على مستوى التنسيق وتداخل الاختصاصات، ذلك أنه إذا كانت من إيجابيات هذا التعدد هو أنه في حالة إهمال من طرف واحد من هذه الأجهزة فإن الجهاز الآخر يقوم بالمهمة سدا للفراغ، إلا أن مساوئ ذلك التعدد تتمثل في بطء المسطرة الإدارية وعدم التنسيق واختلاف التأويلات الخاصة بكل جهازعند تطبيق القاعدة القانونية وخصوصية رؤية جهاز للمصلحة العامة.
وعلى مستوى الوسائل المادية و البشرية نسجل خصاصا لدى هذه الأجهزة الشيء الذي يضعف دورها في حماية المستهلك.
ففيما يتعلق بالوسائل المادية تفتقر هذه الأجهزة للمختبرات التي تستعملها مصلحة المقاييس و الموازين وقمع الغش.
كما لاتتوفر على للتجارب و التحاليل الخاصة بمختلف المقاييس كما أن مصالح الميتروبولوجيا الشرعية التابعة لوزارة التجارة تفتقر للوسائل الخاصة بالمراقبة لمختلف العمليات التي يقوم بها .
أما مصلحة قمع الغش فإنها لا تتوفر على العدد الكافي من المختبرات المتخصصة في المواد الكيميائية و الفيزيائية و الباكتيرية و تفتقر إلى التجهيزات بالتحاليل المختلفة .
ومن الناحية البشرية تعرف هذه الأجهزة نقصا كميا وكيفيا وكل هذا ينعكس سلبا على حماية المستهلك ، فالمراقبة تتطلب الإعتماد على أطر ذات تكوين تقنيو خبرة حديثة حتى يمكنها مسايرة التكنولوجيا الحديثة التي تعرفها التجارة الداخلية و الخارجية، فالتدليس والغش إحدى العيوب التي تلحق بالمستهلك خسارات كبرى سواء على المستوى الإقتنائي و الشرائي، وكذا على مستوى الاستهلاك، فالضرر بالنسبة له مادي و صحي حيث إن التدليس و الغش آفة اجتماعية يتضاءل في كفاحهما كل مجهود نظرا إلى تنوع وسائله وتكرار استحداث الجديد فيهما باستخدام ما يكشف عنه العلم في تقدمه المستمر .
وحتى طرق الغش و التضليل يطالها التطور و الاجتهاد، و تشتغل فيه السبل الحديثة و التي لا يمكن ضبطها ومحاربتها إلا بطرق مثلها أو أسمى منها .
فبالرغم من كون المشرع في قانون 05.10.1984 لم يخرق مبادئ القانون الجنائي العام إذ جعل النية عنصرا ضروريا لقيام جنحة الغش في البضائع إلا أن بعض التطبيقات القضائية للظهير قد خالفت هذه القاعدة وقد انقسم القضاء في هذا الصدد إلى قسمين:
– الاتجاه الاول : اتجاه غير متشدد شيئا ما ، ويتطلب إثبات الركن المعنوي للجنحة من طرف النيابة العامة ( المجلس الأعلى، استئنافية الرباط، استئنافية أكادير) .
– الاتجاه الثاني:أن هذا الاتجاه يحتل حيزا كبيرا لدى محاكم الموضوع ، ويذهب إلى أن جرائم الغش تعتبر جرائم مادية يكفي فيه توافر الركنين المادي و القانوني ، وإن لم يصرح بذلك ، فهذا الاتجاه يهتم بالمستهلك أكثر مما يهتم بالتجار و الصناع و المنتجين ( استئنافية بني ملال وسطات و مراكش).
ويستعمل القضاء عبارات غامضة وفضفاضة لحماية المستهلك ، فالقضاء المغربي يدين الشخص عن ذلك بتعبير عام لا يفيدنا في معرفة طبيعة الجريمة المقصورة بالدقة اللازمة، ويتجلى هذا التعبير في كلمة ” الغش في الدقيق” أو” الغش في القهوة” وهو ما يعتبر حماية غير دقيقة للمستهلك، كما يستعمل أحيانا بعض العبارات دون أن ينتبه إلى آثارها مثل “غير صالحة للاستهلاك” أو بعبارة ” مضرة بالصحة” وذلك دون أن يبين وجه الخطورة ، ودون تطبيق الظهير المتعلق بهذه الحالات
( ظهير29 أكتوبر1959).
1- قد تحصل بعض الأفعال المجرمة في الوقت الذي يسري فيه مفعول القانون الجديد، ويطبق القاضي سهوا القانون القديم الشيء الذي يؤثر بدون شك على اللازمة للمستهلكين مما قد يؤثر كذلك على الأحكام و خاصة فيما يتعلق بالعقوبة.
2- وقد يدين القضاة أحيانا الشخص بعقوبات مالية تنزل عن الحد الادنى المقرر في القانون ، وذلك دون أن يمتعوا المتهم بظروف التخفيف وكأن الامر يتعلق بالعقوبات المالية .
وغالبا ما تعتمد المحاكم على المحاشر التي تحررها مصالح زجر الغش من أجل إنشاء التهمة إلى حائز البضاعة دون حاجة إلى أي إجراء آخر.
المطلب الثاني: تقييم الرقابة القضائية
إن هشاشة الحماية الإدارية و الناتجة أساسا عن عشوائية التداخلات من طرف مختلف المصالح الوزارية الخاصة بالمراقبة مما يسفر عن اصطدامات في الاختصاصات وبالتالي تتعطل سبل حماية المستهلك إضافة إلى ذلك على المستوى القضائي يلاحظ عجز عن السير قدما بتلك الحماية.
ويعود ذلك إلى عدة عراقيل أثبت الواقع تجذرها في طريق الرقابة القضائية ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
القاعدة أن لكل متضرر حق اللجوء إلى القضاء و المستهلك كضحية يحق له اللجوء إلى العدالة لإصلاح الضرر، لكن هل يتم فعلا رفع دعوى من جانب المستهلك؟
عمليا لا يحدث ذلك ، لان فعالية هذا الحق مشكوك فيها لعدة أسباب تتمثل أساسا:
في شعور المستهلك بأنه وحيد و أعزل في مواجهة منتخبين و مهنيين وتجار مجهزين بوسائل هامة، إضافة إلى الاقتناع منذ البداية بأن ما سيسفر عنه رفع الدعوى من نفقات وجراءات طيلة ومعقدة سوف لن يتعادل مع ما سيحصل من مقابل( هذا إن كان الحكم لصالحه أصلا)، كل ذلك مقابل سلعة قد لا يتجاوزقيمتها دراهم معدودات.
فضلا عن ذلك فإن النيابة غالبا ما تهمل مثل هذه المخالفات مستعملة مبدأ ملائمة المتابعة لضآلة معظمها ولكثرتها في الحياة اليومية حتى لا تثقل كاهل القضاء بدعاوي لا طاقة له بها.
ثم إن تقاعس الجهازالإداري عن تطبيق الإجراءات المسطرية لمتابعة المخالفات يحول دون توصل الجهازالقضائي بالمخالفات المتعلقة بهذه المخالفات ونحن نعلم أنه لايمكن لهذا الجهاز أن يبث في أي قضية قبل أن يسبق ذلك إجراء أولي تقوم به الإدارة.
وبالإضافة إلى هذه العوائق المادية هناك عراقيل نفسية ، فصعوبة الإجراءات وتعقد القانون وجهل المستهلك، كل هذه العوامل تخيف المواطن العادي وتبعده عن اللجوء إلى المحاكم لطلب العدالة.
ثم إن الواقع يبين عن نقص تكوين القضاة في هذا المحال، وهذا ناتج بالأساس عن خلو مراحل دراسة القاضي مما يفيده في ميدان الاستهلاك و القضايا ذات الطابع الاقتصادي عامة،لذلك يستحسن تدريس القانون الاقتصادي وقضايا الاستهلاك بالكليات و بالمعهد القضائي حتى يتخرج قضاة متخصصون في هذا النوع من القضايا.
ففي مدينة الدار البيضاء على سبيل المثال يلاحظ أن القضاة وأمام تراكم القضايا أصبحوا ينظرون إلى القضايا الاستهلاكية على أنها بسيطة يلجأون إلى فرض الغرامات بدل العقوبات الحبسية .
وإضافة إلى ذلك فإنه أمام تعدد الجرائم الاقتصادية وأعمال الغش ونظرا لعدم تمكن المحاكم العادية من القيام بدورها في هذا المجال بسبب تعدد وتراكم القضايا أمامها ، فإنه أصبح من المحتم إحداث محاكم مختصة في قمع الجرائم الاقتصادية تتوزع حسب الجهات الاقتصادية للمملكة مع وجود غرفة مختصة تابعة للمجلس الأعلى لقمع الجرائم الاقتصادية على الصعيد المركزي ، كما أن شيخوخة بعض القواعد القانونية تؤهل القضاء المغربي لأن يلعب دورا كبيرا في حماية المستهلك، فإذا كان قاضي الموضوع يصطدم بحاجز قانوني كبيرلا ييسرفي الغالب تخطيه وهو ضرورة تعليل الأحكام التي يصدرها، فإن المجلس الأعلى الذي يسهر على مراقبة قضاء الموضوع يستطيع أن يقوم هنا بدور طلائعي، هذا الأخير ليس أكثر جرأة في هذا المضمار من محكمة النقض الفرنسية التي أثبتت الممارسة أنها لعبت من خلال القرارات الهامة التي كانت تصدرها في ترسيخ القواعد القانونية بفرنسا، وكذا في استخراج الأحكام القانونية الواجبة التطبيق عند سكوت المشرع في تنظيم مسألة من المسائل.
إن المجلس الأعلى المغربي مدعو بدوره إلى أن يتعاون من أجل إخراج هذه الحماية إلى الوجود و المساهمة بالتالي في خلق ما يمكن أن نسميه قانون الطرف الضعيف، و الحماية الإدارية ليكونوا جميعا منعطفا يستحق الوقوف طويلا في سبيل الخروج بحل مرضي.
وفي غياب ذلك يبقى المستهلك مجردا من المناعة الضرورية وبالتالي مؤهلا للتحرش في كل وقت وحين للاعتداء.

خاتمة:
إن الحماية القانونية للمستهلك بما تحمله العبارة من معنى، يبقى على الجميع ، حكومة وبرلمانا ومواطنا ومجتمعا مدنيا وإعلاما، كل من جانبه، تسخيركل الوسائل الكفيلة بتكريس هذه الحماية ، وإكساب المواطن صفة المستهلك الذي يعرف ماله وما عليه.
فالمواطن عليه تمتين معارفه في هذا المجال، وجمعيات المجتمع المدني مدعوة بذلك لبذل الجهد و المزيد من التوعية، والادارة ملزمة باحترام القانون و تفعيل أساليب الرقابة الوقائية، والقضاء مدعو للضرب على أيدي مخالفي القانون ، و الاعلام يجب ان يكون هادفا يمزج بين التوعية ووضع أسس منظومة إشهارية تضع مصلحة المستهلك في المقام الاول، على أن جوهر الحماية يلقى على عاتق المهني أو المورد، الذي يتوجب عليه الانضباط للقانون، واحترام أساس المنافسة الشريفة في أطار المقاولة المواطنة.

Exit mobile version