Site icon مجلة المنارة

دور الجماعات الترابية في صياغة المضمون التوجيهي للتخطيط الحضري

دور الجماعات الترابية في صياغة المضمون التوجيهي للتخطيط الحضري

يونس وحالو

باحث في القانون العام

 

مقدمة :

يعتبر المجال  مادة تتعارض فيه المصالح وتتباين وتتداخل فيها الأدوار والوظائف وتتقاطع فيها الثقافات والقيم والإيديولوجيات[1]، الأمر الذي يستلزم إخضاع تدبيره لتخطيط استراتيجي هدفه إشراك كل الفاعلين للوصول إلى تحقيق فضاء منسجم ومندمج ومتوازن يراعي مصالح الأفراد ويحترم خصوصياتهم ويجعل منهم آلية من آليات التنمية.

ومما لاشك فيه أن المجال يعرف عدة اختلالات بفعل عدة عوامل تفاعلت فيما بينها لتنتج لنا فضاء يحتاج لتهيئة وهيكلة قادرة على إعادة توزيع حركة العمران فيه. فالنمو الاقتصادي والديمغرافي، وتطور صور التأثر بالوسائل الحديثة وحركة البناء في المدن والهجرة  الداخلية ولدت لنا تركيزا شديدا على بعض المراكز المجالية دون الأخرى وبالتالي تركز الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في رقعة جغرافية معينة محدثة لا توازن ملحوظ[2]. وهذه الاختلالات تعني مجموعة من المشاكل النظرية والتطبيقية التي تطرحها مسألة التهيئة وإعداد التراب التي تواجه مختلف المؤسسات المعنية للحصول على فضاء ترابي منسجم تتجسد فيه الاختيارات العقلانية والتوزيعية له خدمة للتنمية الفعالة. إن إنتاج هذه الاختلالات راجع إلى التحول الديمغرافي، والإرث التاريخي لسياسة التعمير التي نهجتها إدارة المستعمر وارتفاع وتيرة الهجرة القروية[3]، ودون أن ننسى أن المقاربة التي كانت معتمدة  ساهمت في تعميق أزمة المجال وتوسيع شبكة اختلاله وذلك  بقيامها على إعداد استراتيجيات على الصعيد المركزي لا تستجيب بالضرورة للحاجيات المحلية مع هيمنة المقاربات القطاعية وعدم انخراط مختلف الفاعلين وغياب نظرة شمولية وسياسية متناسقة للتنمية المجالية. إضافة إلى ضعف تأثير وثائق التعمير في التطور الحضري بسب انعدام وسائل الإنجاز وتعقيد المساطر وطول مدة الإنجاز[4]. وهاته المقاربة في تدبير المجال أصبحت متجاوزة خاصة على مستوى البنيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في الوقت الذي تتجه فيه الدولة نحو سياسات جديدة تجعل من المجال الترابي مستوعبا للديناميات المختلفة وهذا لن يتأت إلا بوضع كل وحدة مجالية في إطارها المحلي[5] لأن الأخير هو الحيز الذي يجب أن تطرح في إطاره المسائل المتعلقة بالتنمية، والذي تتجسد فيه التناقضات الأساسية للسياسات الاقتصادية الوطنية. كما أن الإطار المحلي هو المجال العادي والطبيعي لمسلسل التنمية والذي تجري فيه التشخيصات الأكثر ملاءمة للأنظمة الوطنية.

والتخطيط الحضري هو “تدخل الإدارة بأدوات منهجية ووثائق مرجعية لتنظيم استعمال المجال وتقنينه ثم تحديد هذا الاستعمال لكل منطقة من مناطق المدينة وتخصيص وظيفة لكل منها قصد تحقيق تكامل أجزائها وانسجام أطرافها وبالتالي حسن تنظيمها وتعميرها ” ،[6]وهو “التحكم العقلاني في حركة التمدين”[7] ،و” القدرة في التأثير على توزيع السكان والنشاطات الاقتصادية ضمن مناطق المدن المركزية وبين المناطق المختلفة “[8].

ويعرف التخطيط الحضري على أنه نشاط ذو اتجاهات توزيعية قوية والغرض منه هو التأثير على توزيع السكان والنشاطات الاقتصادية عبر المناطق الحضرية بمعنى آخر تخصيص الفضاء الحضري والتجمعات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة وغيرها من استخدامات الأراضي [9]أي تخطيط التوسع السكاني والتجاري والاقتصادي للمدن [10].

وقد اكتسى نفس المفهوم أبعادا مختلفة انطلاقا من زاوية نظر المختصين تختلف  باختلاف اهتماماتهم فنجد أن المخططين ( المهندسين) الهولنديين يعرفونه ب ” مخططات الإنشاء التي تتحكم في التطورات المستقبلية “، ونجد الاقتصاديين الامركيين يعرفونه بمجموعة من الوسائل النظامية المتوفرة لتخطيط استخدام الأراضي والتخطيط لوسائل النقل[11]، وذلك من أجل الربط ما بين البيئة المادية للمدينة وبين قابليتها لتوليد النمو الاقتصادي [12]، ويعرف عند علماء الاجتماع بأنه توظيف آليات التخطيط القائم على بلورة استراتيجية مستقبلية لإدماج  الفرد داخل محيط حضري ملائم ومتوازن ومنظم ، والذي من شأنه أن يلبي حاجياته اليومية الضرورية .

يتبين من خلال هذه التعاريف أن التخطيط الحضري لا يمكن النظر إليه من زاوية واحدة نظرا لما يكتسيه من أبعاد اقتصادية واجتماعية، وظيفية، وفلسفية،  ويكون في غالب التعاريف ذو مضمون تقني يتأسس على توزيع التنطيق للمجال وفق وسائل تقنية ودقيقة

وبالتالي فالتخطيط الحضري هو تلك الأداة التوزيعية للمجال لبلوغ التوازن الترابي عبر وسائل مختلفة، فهو عبارة عن تصاميم أو وثائق التعمير كأدوات تقنية، إلى جانب الأدوات المؤسساتية التي تعتبر الجماعات الترابية[13] إحدى أعمدتها، وشريكا مهما في تنمية المجال المحلي عبر المشاركة في عملية تنظيمه وهيكلته. فالجماعات الترابية تعتبر بمثابة قناة تنقل مشاكل المجتمع وحاجياته الى المستويات الوطنية ، إلى جانب تقديمها حلول بديلة، فهي من الناحية الإدارية جهاز يتولى القيام بمختلف الأنشطة ذات الطابع الإداري وتقديم الخدمات المرغوب فيها لدى المرتفقين، ومن الناحية السياسية تعد قناة لتنفيذ السياسات العمومية[14] التي تتخذ من التخطيط الحضري قاعدة لبناء القرارات والسياسات الفعالة.

وتعتبر وثائق التعمير الإطار القانوني للتخطيط الحضري والأداة الأساسية لاستعمال الأراضي على المستوى البعيد والقريب. فهي تهدف إلى ضبط مختلف الاستعمالات المجالية على المستويين المكاني والزماني، وتساهم فيها الجماعات الترابية في وضع تصور بشأنها، طالما أن تدخلها يبدو أمرا ضروريا كونها المعنية الأولى بأدوات التخطيط الحضري، لى الوثائق التنظيمية التي تتمثل في تصميم التهيئة والتنطيق والتنمية ، ووثائق توجيهية تتمثل في المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية ومخطط التوجيه العمراني ومخطط توجيه التهيئة حسب مشروع مدونة التعمير  .

ويعتبر مخطط توجيه التهيئة العمرانية وثيقة تعميرية توجيهية تندرج ضمن الأدوات الأساسية للتخطيط الحضري، يساعد على تنسيق أشغال وأعمال مختلف الفاعلين والمتدخلين في المجال الحضري من دولة وجماعات ترابية ومؤسسات عمومية بالإضافة إلى الخواص باعتبارهم مستثمرين في الميدان العقاري والاقتصادي. وبناءا على المادة الرابعة من قانون التعمير فإن هذه الأداة توضع بغية تحديد برنامج عام للمدينة والذي يتم تطبيقه تدريجيا حسب آفاق النمو الاقتصادي والاجتماعي للمدينة انطلاقا من الإمكانيات المحلية والجهوية [15]، ويعتبر أيضا وسيلة لدراسة المجال الحضري وضواحيه دراسة شمولية ومستقبلية وبالتالي يعمل على رسم الصورة العامة التي سيأخذها المجال مستقبلا حيث تستغرق مدة سريانه 25 سنة وهي تسري على المجال الحضري كله بالإضافة إلى الضواحي المحيطة به، والتي تشكل آفاق التوسع العمراني للمدينة.

هذا المخطط[16] يترجم من الناحية الشكلية والمادية إرادة المشرع في تنظيم وتسيير المجال والتحكم في العقار ومسايرة ومراقبة التوسع العمراني  للمدن  ويترجم من ناحية اخرى هموم وانشغالات التخطيط الحضري في محاولة لإيجاد أحسن توازن لمختلف  وظائف المجال من حيث البناء وممارسة الأنشطة الاجتماعية وحتى الثقافية .

ونظرا لهذه الأهمية أوجب المشرع وضع مشروع مخطط توجيه التهيئة العمرانية بمبادرة من الإدارة وبمساهمة الجماعات الترابية، ولذلك يحق لنا أن نتساءل على مدلول هذه المساهمة المنصوص عليها ضمن مراحل الإعداد والدراسة وما الغرض من هذا المخطط وما محتواه  ؟

المطلب الأول : تدخل الجماعات  الترابية في صياغة المضمون التوجيهي على ضوء قوانين التعمير :

يطبق مخطط توجيه التهيئة العمرانية على رقعة أرضية تستوجب تنميتها أن تكون محل دراسة إجمالية  بسبب الترابط القائم بين مكوناتها في المجالات الاقتصادية والتجارية والاجتماعية، ويمكن أن تشتمل هذه الرقعة على جماعة حضرية أو عدة جماعات حضرية ومركز محدد وعدة مراكز محددة وكذلك عند الاقتضاء على  بعض أوجميع جماعة قروية أو جماعات قروية مجاورة [17]. انطلاقا من هذا ومادام الأمر يتعلق بشؤون محلية تهم بالأساس الجماعات الترابية،  يمكن أن نتساءل عن دورهذه الأخيرة في عملية إعداد ودراسة هذه الوثيقة التي تهم تنظيم مجالها وترابها على اعتبار أن مضامين ومناهج إعدادها تتقاطع مع الاختصاصات القانونية للمجالس الجماعية التي تنظمها نصوص متنوعة والتي تشترك في حسن ترتيب وتوزيع الأنشطة المحلية. فكيف تساهم الجماعات الترابية في صياغة هذه الوثيقة ؟ وما هي الآليات التي تملكها من أجل  فرض رؤيتها على مضامين المخطط ؟

 

الفقرة الأولى: المساهمة والمشاركة في إعداد المخطط

وتتضمن هذه الفقرة المساهمة الجماعية في إعداد التصميم التوجيهي للتهيئة العمرانية (أولا) ومشاركة ممثلي الجماعات الترابية في اللجان المعنية ( ثانيا )

 

أولا: المساهمة الجماعية

بالرجوع إلى مقتضيات المادة السادسة[18] من القانون المتعلق بالتعمير نجد أنه :” يتم وضع مخطط توجيه التهيئة العمرانية بمبادرة من الإدارة  وبمساهمة الجماعات المحلية … ”

كما نصت أيضا المادة الثانية من المرسوم الصادر بتنفيذ القانون المذكور [19]  على أنه :” يتم إعداد المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية  بمسعى من السلطة الحكومية المكلفة بالتعمير وبمساعدة من الجماعات المعنية والمجموعة الحضرية[20] في حالة وجودها” .

وتنطلق مسطرة إعداد هذا المخطط بقيام الإدارة المكلفة بالتعمير بالتعرف على المدن المعنية ، والتي يتم تحديدها بواسطة المخطط الوطني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ثم تعمد إلى إعداد الدراسات التمهيدية لهذه المدن بشكل انفرادي بالرغم من كون الجماعات الحضرية والقروية هي الأدرى بمعطيات مجالها أو ترابها بمختلف تنوعاتهما[21]، فتقوم بإعداد وصياغة مشروع المخطط  الذي تجرى فيه الدراسات الميدانية اللازمة.

وتشمل هذه الدراسات جل المحاور الأساسية التي تتحكم في التوسع العمراني للمدينة، مع تحديد إمكانيات نموها وإنعاش اقتصادها، وكذا الخدمات الأساسية لساكنتها والتجهيزات والمرافق العمومية والسكنية والصناعية والتجارية والترفيهية.

وحتى تكون الدراسات المسبقة لإعداد المخطط التوجيهي مجدية، أعطى المشرع المغربي من خلال القانون رقم 90-12 السالف الذكر للجماعات الترابية صلاحية المساهمة فيها من خلال إبداء رأيها بخصوص المرافق والتجهيزات والخدمات التي تعنيها، وكذا معرفة مدى قدرتها المالية على  إنجاز مشاريعها المحلية . فالاختصاصات الممنوحة لها في إطار القوانين و الأنظمة المرتبطة بطرق اشتغالها وصلاحياتها من أجل إنجاح مسلسل التنمية على المستوى المحلي، تفرض ضرورة وضع نصوص موازية تضمن نوعا من الالتقائية بين الاختصاصات الجماعية العامة وقانون التعمير وهذا ما فعله المشرع في حين نص على مساهمة الجماعات الترابية المعنية بوضع المخطط لكن الصيغة الواردة في المادة  السادسة أعلاه يكتنفها الغموض على  مستويين :

المستوى الأول : التعارض الاصطلاحي بين ما ورد في المادة 6  نصت على : “بمساهمة الجماعات المحلية” ،وماورد في المادة 3 من نفس القانون “بمساعدة الجماعات المحلية”. ويتبين من خلال هذا التعارض أنه بانتقالنا من القانون إلى المرسوم تقلصت صلاحية الجماعات في التدخل لإعداد المخطط، بحيث أن مدلول لفظة المساعدة أقل فاعلية  من المساهمة ولا تمنح أية قوة إلزامية لشرعنة المشاركة الجماعية في وضع مشروع  الأداة التقديرية للتخطيط الحضري .غير أن احترام منطق تراتبية وهرمية القوانين يدفعنا الى التمسك بالصيغة التي جاء بها القانون لأنه أكثر إلزامية ويقوي من صلاحية الجماعات المعنية.

المستوى الثاني : الصيغة الواردة في المادة السادسة جاءت غامضة بخصوص إشراك الجماعات الترابية، ولم تعط لها أية صلاحية لإعداد وإجراء الدراسات الأولية في حين تستأثر  الإدارة المكلفة بإجراء الدراسات التمهيدية بعد أن تكون قد أعدت التصورات العامة وأنجزت مختلف العمليات كأخذ الصور الفوتوغرافية والجيولوجية للمنطقة المعنية مثلا .

إن إشكالية غموض مساهمة الجماعات الترابية في إعداد هذه الوثيقة كانت موضوع مناقشة صاخبة أمام لجنة إعداد التراب الوطني والسكنى والمحافظة على البيئة [22] .

فقد جاء مشروع الحكومة بالصيغة التالية :” يوضع مخطط توجيه التهيئة العمرانية  وتتم الموافقة عليه طبقا للإجراءات والشروط التي تحددها السلطة التنظيمية ” ، وهي الصيغة التي طرحت تخوف أعضاء اللجنة من تقليص دور الجماعات المحلية بخصوص هذه المخططات ، مما أدى إلى إعادة مشروع النص على النحو الذي جاء في المادة السادسة أعلاه وذلك للحفاظ على دور المجالس    الجماعية [23].

ورغم هذه الصياغة المعدلة فإن الإشكال بقي مطروحا بخصوص مساهمة الجماعات المعنية هل ستكون مباشرة في عملية الإعداد ؟ وهذا أمر صعب نظرا لكثرة الأعضاء؟ أم أن لجنها المكلفة بالتعمير والسكنى ( اللجنة المكلفة بالتعمير وإعداد التراب والبيئة حاليا) هي التي ستمثلها أمام الإدارة المكلفة بالتعمير للمساهمة في عملية إعداد المخطط [24].

فأي مدلول للمساهمة التي تحدث عنها النص القانوني؟ دون أن يبين الأدوات والتقنيات العملية التي يمكن للجماعة أن تستند عليها لتكريس ما منح لها من صلاحية المشاركة في صياغة المخطط التوجيهي

لقد عرفت فرنسا بدورها نفس النقاش اهتدت بعده الى إحداث “لجنة للتهيئة والتعمير” تضم في عضويتها ممثلي المجالس المحلية وممثلي إدارة الدولة وممثلي الهيآت الاقتصادية والمهنية ، ويترأسها عضو من ممثلي   المنتخبين .

ويتم إعداد هذا المخطط في فرنسا وفق تخطيط حضري محلي طبقا للمادة 11-122 L  من قانون التعمير الفرنسي من لدن المؤسسة العامة للتعاون البين_الجماعي[25] أو من طرف نقابة مختلطة تضم الجماعات الترابية المعنية [26](تضم في عضويتها المجالس المحلية المعنية). ويتم التأشير عليها من طرف محافظ المدينة Le préfet  الذي له الحق في رفضها دون أن يتعدى ذلك إلى تغيير مدار المخطط، ويقوم المحافظ فقط بإخبار الجماعة المبادرة بأن تأخذ بعين الاعتبار الانسجام بين المصالح المحلية أثناء إعداد مشروع التهيئة، والأحكام الضرورية المتعلقة بالمصالح الوطنية والجهوية. وتتم إدارة مسطرة الدراسة والإعداد من طرف رئيس EPCI  [27]. ويحق اللجوء إما إلى أطر هذه المؤسسة المتخصصة أو إلى مؤسسات خاصة تعهد إليها بمهمة إعداد وصياغة المخطط وخاصة مكاتب الدراسات الخاصة.

ويتم إعداد نفس المخطط في الجزائر تحت تسمية المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير المقرر بمبادرة من رئيس المجلس الشعبي البلدي أو المجالس الشعبية المعنية، وهو أداة لتكريس الديمقراطية المحلية تتجسد فيها كل مظاهرها وأشكالها وفق معايير ومقاييس فرضت على الوحدات المحلية المبادرة بالمشروع بإلزامية ضمان حد أدنى من التشاور بين مختلف المشاركين الممثلين للمواطنين [28] قبل التحديد النهائي بمحتوى المخطط [29].  وبناء على ذلك فإعداد المخطط  التوجيهي للتهيئة والتعمير لا يكون إلا عن طريق مداولة من المجلس أو المجالس الشعبية البلدية المعنية حيث تتضمن هذه    المداولة [30]:

-التوجهات التي تحددها الصورة الإجمالية للتهيئة أو مخطط التنمية بالنسبة إلى التراب المقصود .

-كيفية مشاركة الإدارات العمومية والهيآت والمصالح العمومية والجمعيات في  إعداد المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير.

-القائمة المحتملة للتجهيزات ذات الفائدة العمومية .

ويعتبر إعداد المخطط التوجيهي للتهيئة التعميرية بالجزائر شأنا محليا يستلزم تشاورا موسعا و يتم ذلك تحت رقابة الدولة وتحت مسؤولية رؤساء المجالس الشعبية المحلية المعنية، التي تتكلف بإجراء بحث عمومي ليطلع المواطنين على مضامينه ويقومون بإبداء آرائهم[31] على نقيض المشرع المغربي.

من خلال ما سبق يتضح لنا أن التخطيط الحضري في مستواه التقديري بالمغرب لم يترك أي هامش للجماعات الترابية في اقتراحه أو المبادرة في إعداده ما يجعل الإدارة هي المتحكمة في هذه العملية على خلاف المشرع الفرنسي والجزائري الذي أو كلا هذه المهمة إلى الهيآت اللامركزية وجعلاه من صميم الشأن المحلي للجماعات الذي لا ينفصل عن دور الأخير في تنمية ترابها والبحث عن التوازن الاقتصادي والاجتماعي .

ومن أوجه ومظاهر محدودية دور الجماعات فيما يتعلق باعداد المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية هو عدم تحديد شروط ومعايير محددة تستوجبها مسطرة وضع هذا  المخطط ، وبذلك  تكون الإدارة ذات سلطة تقديرية واسعة في اتخاذ القرار إذ نصت المادة الثانية من القانون رقم  90 – 12 على أن المخطط يطبق على رقعة جغرافية تستوجب تنميتها أن تكون محل دراسة إجمالية بسبب الترابط القائم بين مكوناتها، بيد أن المشرع الفرنسي قد قيد ذلك بوجوب تزويد كل المدن التي يفوق عدد سكانها 10.000 نسمة بمخطط توجيهي [32].

ثانيا: المشاركة في اللجان المعنية

لمتابعة إعداد المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية تحدث لجنة مركزية يعهد إليها ببحث وتوجيه الدراسات المنجزة في مختلف مراحل إعداد المخطط المذكور وفق ما جاء في الفصل 4 من المرسوم الصادر لتطبيق القانون المتعلق بالتعمير:” وتحدث برئاسة السلطة الحكومية المكلفة بالتعمير أو ممثلها لجنة مركزية لمتابعة  إعداد المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية يعهد إليها ببحث وتوجيه الدراسات المنجزة في مختلف مراحل إعداد المخطط التوجيهي المذكور

وتضم اللجنة المذكورة :

…..”

فرؤساء المجالس الجماعية المعنية ورؤساء المجموعات الحضرية قبل إلغائها يعتبرون أعضاء في لجنة متابعة إعداد المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية، غير أنه نظرا لتركيبة هذه اللجنة سواء من حيث العدد أو من حيث الاختصاص فإنه من الصعب أن يكون لهم دورا مهما في هذه اللجنة بل إن دورهم يقتصر على المساعدة بمفهومها الضيق ، التقنية أساسا والتي لا يمكن تصورها إلا في حالة حاجة الإدارة للمعلومات والوثائق الضرورية لإعداد المخططات التوجيهية [33].

وبعد انتهاء الإدارة المكلفة بالتعمير من إعداد مشروع المخطط ودراسته من طرف اللجنة المركزية يعرض على  لجنة محلية للتعمير منصوص  على تركيبتها في المادة 5 من المرسوم التطبيقي:

” ـ  الوالي أو عامل الإقليم أو العمالة رئيسا

ـ أعضاء اللجنة التقنية المعنية التابعة للعمالة أو الإقليم والمحدثة بموجب الفصل 5 من الظهير الشريف رقم 168 -75-1 بتاريخ 25 من صفر 1397 ( 15 فبراير 1977) المعتبر بمثابة قانون يتعلق باختصاصات العامل.

ـ رؤساء مجالس الجماعات المعنية وإن اقتضى الحال رئيس أو رؤساء المجموعة الحضرية المعنية.

ـ رؤساء الغرف المهنية .

….. ”

وواضح أنه من ضمن أعضاء اللجنة المحلية التي تنظر في المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية يوجد رؤساء مجالس الجماعات المعنية وهنا أيضا دورهم غير بارز بالنسبة للأعضاء الآخرين وخاصة أعضاء اللجنة التقنية التابعة للعمالة وذلك لاعتبارات تقنية وبشرية وثقافية [34].

الفقرة الثانية : الدور الاستشاري

تعد هذه المرحلة أهم مرحلة تساهم فيها الجماعات في إعداد المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية وتنص المادة السابعة من قانون التعمير على ما يلي :

“يحال مخطط توجيه التهيئة العمرانية قبل أن توافق عليه الإدارة إلى مجالس الجماعات المعنية وإلى مجلس المجموعة الحضرية [35] إذا اقتضى الحال ذلك لدراسة وفق أحكام الظهير الشريف بمثابة القانون المتعلق بالتنظيم الجماعي .

وللمجالس المشار إليها أعلاه أن تبدي داخل ثلاثة أشهر يبتدئ من تاريخ إحالة المخطط إليها ما تراه في شأنه من اقتراحات تتولى الإدارة دراستها بمشاركة المجالس الجماعية التي يعنيها الأمر، وإذا لم تبد المجالس الآنفة الذكر أي رأي داخل الأجل المنصوص عليه أعلاه فإن سكوتها يحمل على أن ليس لها أي اقتراح في موضوع المخطط  المحال عليها”.

من خلال استقرائنا للنص يتضح من ظاهره رغبة المشرع في إشراك المجالس الجماعية في دراسة المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية لكن قليلا من التمعن في النص وواقع تطبيقه يبين لنا أن إحالة مشروع  المخطط على مجالس الجماعات الحضرية او القروية المعنية، بعد انتهاء الجهات الحكومية المختصة من إعداد الدراسات والتصورات الخاصة بالمخطط تجعل من مساهمة الجماعات في إعداد مخططات توجيه التهيئة العمرانية مساهمة عديمة الفائدة .

لهذا ينبغي إشراك المجالس منذ الوهلة الأولى  في إعداد التصميم والقيام بالدراسات اللازمة لأن المساهمة الفعالة للجماعات الترابية في إعداد هذه الوثائق سيفيد من جهة الإدارة المكلفة من الحصول على معرفة حقيقية لرغبات المواطنين، ومن جهة أخرى سيمكن المجالس المحلية من التقيد بتنفيذ هذه المخططات طالما دافعت عنها وكانت طرفا في إعدادها [36]  وفق  ما نصت عليه المادة  38 من الميثاق الجماعي:” … يسهر المجلس الجماعي على احترام الاختيارات والضوابط المقررة في مخططات توجيه التهيئة العمرانية” .

ورغم هذا الانفراد الذي يتيح للإدارة بمقتضى نصوص قانونية واضحة الاستئثار بمبادرتها في وضع التوجهات والتصورات الخاصة بهذا النوع من وثائق التعمير، إلا أنها كانت دائما تؤيد اجراء  تشاور واسع قدر الإمكان مع الجماعات الترابية  ، وقد أعادت توجيه تعليماتها في هذا الاتجاه بمقتضى دوريات وزارية [37] , وهذا التشاور لا يقف  عند حد جمع المعطيات وتحديد التوقعات التي ستدرج في التصميم  بل كذلك الاستماع لرأي الجماعة بخصوص مشروع التصميم قصد الأخذ بتصوره [38].

وتجدر الملاحظة إلى أن واضعي القانون رقم  90-12 بشأن التعمير حتى يتأتى لهم تمرير هذا القانون الذي عوض سلطة الموافقة التي اعتبرت بمثابة حق اعتراضي يعرقل المصادقة على مشاريع التصاميم التعميرية بآليات أخرى أقل درجة، تم تبني الية الاستشارة المقتبسة من التشريع الفرنسي والذي قلل من شأن صلاحيات الجماعات في هذا المجال، مما جعل الجماعات الترابية معه  تركز اهتمامها أساسا على مرحلة الاستشارة حيث يمكن لها الاهتمام بدراسة مشروع التصميم واقتراح التعديلات التي تراها من الواجب إدخالها عليه، وذلك بعد أن يكون ملاك الأراضي والمنعشين العقاريين قد سجلوا ملاحظاتهم على مشروع الوثيقة خلال البحث العمومي العلني[39].

وقد تم التفصيل في  الجوانب المتعلقة بمحتوى وطريقة  ممارسة هذه الاستشارة  وتنظيمها من طرف الحكومة ممثلة في وزارة الداخلية المكلفة أنذاك بالتعمير، بحيث صدر عنها   المرسوم التنفيذي دون أن يعطي للمساهمة مدلولها الحقيقي الذي يجعل المجالس الجماعية تساهم فعلا في إعداد مشاريع وثائق التعمير بل اقتصرت على جعل رئيس المجلس عضوا من بين الأعضاء الكثيرين الذين تتكون منهم اللجنتين المركزية والمحلية  المذكورتين اعلاه [40].

يمكن القول أن هذه الاستشارة ليست ذات جدوى مادام المشرع قد اعتبر سكوت الجماعة المعنية  يحمل على أنها لم تبد أية  ملاحظة وليس لديها أي اقتراح بشأن المخطط التوجيهي المعني. وبالرغم من كون المشرع دعا الإدارة  إلى دراسة اقتراحات المجالس الجماعية بمشاركة هذه الأخيرة، فإن تطبيق  هذا المقتضى يتطلب وعيا وسلوكا تشاركيا من الجانبين.

وطبقا  لما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 7 من قانون التعمير  ، يمكن للجماعات الحضرية منها والقروية إبداء اقتراحات حول المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو مدى إلزامية هذه الاقتراحات ؟ والآراء و التعديلات التي تبديها المجالس الجماعية في مواجهة الإدارة ؟

هناك رأي يقول على ضرورة تقيد الإدارة باقتراحات وآراء المجالس الجماعية وبالتالي إعطاء مسألة استشارة المجالس الجماعية صبغة إلزامية بالنسبة للإدارة[41] ،وهناك  رأي مخالف [42] يؤكد أن الممارسة والواقع العملي أبان عن عكس ذلك، على اعتبار أن ملتمسات المجالس الجماعية وملاحظات العموم قد يؤخذ بها وقد لا يؤخذ بها حيث يتم الاكتفاء بجمع المعلومات مادام أن السلطة المكلفة بالتعمير لا تعبر عن أي موقف ولا تعطي أية معلومة أو جواب بطريقة علنية حول الملاحظات والشكايات المسجلة ، الأمر الذي يجعل من الاستشارة عملية دعائية هدفها البحث عن الموافقة الأولية ليس إلا [43]. وأهم من ذلك كما قلنا فإن القانون والمرسوم  التطبيقي اللذان لم  يشيرا إلى كيفية ممارسة المساهمة والاستشارة. وهكذا فأمام غموض النصوص من جهة والمسطرة والإجراءات المتبعة في إعداد التصاميم من جهة أخرى أصبحت مهمة المجالس الجماعية تقتصر على تقديم المعلومات المتوفرة لديها والملاحظات والتوجيهات العامة.

وبعد الموافقة على مخطط توجيه التهيئة العمرانية بمرسوم ينشر في الجريدة الرسمية ويصدر باقتراح السلطة الحكومية المكلفة بالتعمير بعد استطلاع رأي وزير الداخلية ووزير المالية  والوزير المكلف بالأشغال العمومية، والوزير المكلف بالفلاحة [44] ويمكن للجماعات الترابية أن يكون لها دورا وإن كان هامشيا من خلال عضويتها في لجنة متابعة إنجاز المخطط خارج دوائر اختصاص الوكالات الحضرية ، حيث تتولى هذه اللجنة متابعة تنفيذ التوجهات المحددة في المخطط التوجيهي والسهر على وضعه في جميع مراحله وتنشيط وإحداث وتنسيق أشغال التهيئة المقررة فيه [45]، وذلك انسجاما مع نصت عليه المادة 38 من الميثاق الجماعي من تكليف المجلس بالسهر على احترام الاختيارات والضوابط  المقررة في المخططات التوجيهية. الا أن هذا المضمون العام لنص الميثاق الجماعي تم تقييده بنص المرسوم  من خلال  المادة 10 التي نصت على ممارسة  هذه المهمة في إطار لجنة بما  لا يترك للمجالس الجماعية الفرصة في فرض رأيها أو اقتراح أي تصور يمكنها من لعب دورها بالنظر إلى تركيبة اللجنة التي تتكون تحت رئاسة الوالي أو العامل من :

ويمكن أن يدعو الرئيس للمشاركة في أعمال اللجنة المذكورة كل شخص يرى فائدة من الاسترشاد برأيه.

ـ وعندما تشمل المناطق المدرجة في مخطط من المخططات التوجيهية للتهيئة العمرانية اثنين أو أكثر من العمالات أو الأقاليم تسند رئاسة اللجنة المذكورة بالتناوب إلى العمال المعنيين بالأمر.

وتجدر الإشارة في الأخير إلى إمكانية خضوع المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية للتعديل والمراجعة تتمتع  فيها الجماعات الترابية بنفس الدور الذي تلعبه حين سلوكه المسطرة العادية الأولية لإعداده على اعتبار أنهما يكونان بنفس الإجراءات وبالتالي فإن هذا يحافظ على هامشه الضيق في جميع المراحل (مرحلة إعداد أو تعديل أو مراجعة المخطط ).

 

 

 

 

 

 

 

المطلب الثاني : مضمون المخطط التوجيهي وآثاره في مواجهة الجماعات الترابية

يتم تحديد وظائف المخطط التوجيهي حين ينصب على تنظيم المجال وتقنين استعماله من خلال مضامينه والغرض من إعداده ( الفقرة الأولى)،إلى جانب الآثار المترتبة عنه  التي تجبر المؤسسات والأفراد على الالتزام بأحكامه وخاصة الجماعات الترابية ( الفقرة الثانية )

الفقرة الأولى: مضمون المخطط التوجيهي والغرض منه

بالإضافة إلى التطرق للغرض من إعداد المخطط المذكور، ستتم دراسة  مضمون المخطط لتحري مدى تطابقه مع ما تسعى الجماعات الترابية  إلى تحقيقه فوق ترابها، ومدى التتقاطع الحاصل بينهما  من أجل الوصول إلى تنظيم محكم للمجال وتنميته، مثيرين التساؤل بعد ذلك حول السبب الحقيقي وراء تضييق الخناق على الجماعات بخصوص مساهمتها في إعداده.

أولا : مضمون المخطط التوجيهي للتنمية العمرانية

يتكون المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية شكليا من رسوم بيانية وتقرير يوضح ويشرح مضامينه  :

1-الرسوم البيانية: وهي خرائط للرقعة الأرضية المغطاة بالمخطط ،تبرز الأغراض العامة المخصصة لها الأراضي وتبين مواقع المناطق الزراعية والغابوية، والمناطق السكنية وكثافتها، والمناطق الصناعية، والمناطق التجارية، والمناطق السياحية، والمناطق المثقلة بارتفاقات كارتفاقات عدم البناء وعدم التعلية والارتفاقات الخاصة بحماية الموارد المائية والأماكن الطبيعية والتاريخية والأثرية، التي يجب القيام  بحمايتها أو إبراز قيمتها أو بهما معا أو المساحات الخضراء، وشبكة الطرق الرئيسية الصحية والرياضية والتعليمية والمناطق التي تكون تهيئتها موضوع نظام قانوني خاص. كما تبرز حدود القطاعات التي يجب القيام بإعادة هيكلتها وتحديدها وبهما معا، وتحدد طرق الصرف الصحي والأماكن الرئيسية التي تصب فيها المياه المستعملة، والأماكن التي توضع فيها النفايات المنزلية وتحدد كذلك مبادئ تنظيم النقل. أما الفصل 1-122 L من قانون التعمير الفرنسي فقد نص على هذه الرسوم البيانية التي تثبت التوجيهات الأساسية لتهيئة التراب المعني، وتضمن التوازن داخل الفضاء الحضري، والمناسبة أيضا لممارسة الأنشطة الزراعية والأنشطة الاقتصادية الأخرى، والمحافظة على المناظر الطبيعية أيضا ، كما يقوم بتوزيع التجهيزات والبنيات التحتية،و المناطق  السكنية ، والصناعية، والتجارية، وقنوات صرف المياه …[46]،  والغرض من تفصيل ما سبق في الرسوم البيانية هو أن يبقى المخطط يتحكمه مبدأ التوازن  .

ونجد أيضا المشرع الجزائري ينص على هذه الرسوم البيانية تحت اسم المستندات  البيانية التي تحتوي على [47] :

-مخطط الواقع القائم حيث يبرز هذا المخطط  الإطار المشيد حاليا وأهم الطرق والشبكات المختلفة .

-مخطط تهيئة  يبين فيه حدود القطاعات المعمرة والقابلة للتعمير وقطاع التعمير المستقبلي والقطاع غير القابل للتعمير

-بعض أجزاء الأراضي كالساحل والأراضي الفلاحية ذات المردود العالي ، والأراضي ذات الصبغة الطبيعية والثقافية.

-مساحات تدخل مخططات شغل الأرض (تصاميم التهيئة في المغرب)

-مخططات الارتفاقات الواجب الابقاء عليها أو تعديلها أو إنشائها

-مخطط تجهيز يبرز خطوط مرور الطرق وأهم سبل إيصال ماء الشرب وماء التطهير وتحديد مواقع التجهيزات الجماعية ومنشآت المنفعة العامة.

2-التقرير التفصيلي :

يحلل التقرير الوضعية الحالية التي يدعمها بدراسة أفاق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لمجال المخطط، ويختمها بفرضية أو عدة فرضيات للتنمية، ويحدد اختيارات التهيئة التي يتطلبها تحقيق تنمية متناسقة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي للرقعة الجغرافية المعنية [48]. ويبرر ويشرح أيضا اختيارات التهيئة المعتمدة والمبرزة في خرائط استعمال الأراضي مع حصره لبرمجة مختلف مراحل تطبيق المخطط وبيانه للأعمال التي يجب أن يحظى إنجازها بالأولوية خصوصا تلك التي يكون لها طابع فني أو قانوني أو تنظيمي [49] .

وهكذا تنص المادة 5 من قانون التعمير على أن مخطط توجيه التهيئة العمرانية يشتمل على تقرير يبرر ويشرح اختيار التهيئة المبين في خرائط استعمال الأراضي، ويحدد التدابير التي يجب القيام بها لبلوغ الأهداف المحددة فيه ويشير إلى مراحل التنفيذ والإجراءات المقررة خصوصا المراحل التي يجب أن تزود خلالها المناطق المعنية بتصاميم التنطيق، وتصاميم التهيئة، وتصاميم التنمية. ويلاحظ أن المشرع الفرنسي ذهب في نفس الاتجاه، كما أن المشرع الجزائري نص كذلك على أن التقرير التوجيهي يقدم فيه ما يلي [50] :

– تحليل الوضع القائم والاحتمالات الرئيسية للتنمية بالنظر إلى التطور الاقتصادي والديمغرافي والاجتماعي والثقافي للتراب المعني .

– نمط التهيئة المقترح بالنظر إلى التوجهات الخاصة بمجال التهيئة العمرانية.

وتجدر الإشارة إلى أن الرسوم البيانية والتقرير يكمل بعضهما البعض ولا يمكن فهم أحدهما دون للاستعانة بالآخر لأن الرسوم البيانية هي من إعداد فنيين ومختصين في شتى المجالات كالمواصلات والطرقات، المناطق الخضراء، العقار، التجهيزات الأساسية الديمغرافية، السكن، الصناعة، التطهير المحافظة البيئة إلخ ،…. كما أن التقرير لا يغني لوحده بل لابد من توضيحه بالخرائط البيانية [51] .

ثانيا: الغرض من المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية

تعددت الأهداف المتوخاة من اعداد هذا المخطط وفق المادة الرابعة من قانون التعمير والذي يسعى بوجه خاص إلى ما يلي:

1-تحديد اختيارات التهيئة التي تتطلبها تنمية متناسقة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي للرقعة الأرضية المعنية.

2-تحديد المناطق العمرانية الجديدة وتواريخ السماح بالقيام بعمليات عمرانية فيها مع الحفاظ بوجه خاص على الأراضي الزراعية والمناطق الغابوية التي تتولى السلطة التنظيمية تحديدها .

3-تحديد الأغراض العامة المخصصة لها الأراضي وتعيين مواقع :

4-تحديد القطاعات التي يجب القيام بإعادة هيكلتها أو تجديدها أو بهما معا

5-تحديد مبادئ الصرف الصحي والأماكن الرئيسية التي تصب فيها المياه المستعملة والأماكن التي توضع فيها النفايات المنزلية

6-تحديد مبادئ تنظيم النقل

7-حصر برمجة مختلف مراحل تطبيق المخطط وبيان الاعمال التي يجب أن يحظى إنجازها بالأولوية خصوصا تلك التي يكون لها طابع فني أو قانوني أو تنظيمي .

الفقرة الثانية: آثار المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية في مواجهة الجماعات الترابية

تنص المادة التاسعة من قانون التعمير على أنه :” يجب على الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة وعلى أشخاص القانون الخاص المعنوية التي يكون رأسمالها بأجمعه مملوك للدولة أو أحد الأشخاص المعنوية العامة الأخرى أن تتقيد بأحكام مخطط توجيه التهيئة العمرانية” .

يلاحظ من خلال هذه المادة أن المشرع ألزم جميع الأطراف المعنيين خصوصا  بالتخطيط الحضري وبإنجاز العمليات الكبرى كقطاع التهيئة وإحداث المناطق والتجهيزات الأساسية بمراعاة ما جاء في المخطط التوجيهي وذلك على اعتبار أن المخطط يهتم أساسا بتحديد التوجهات العامة، ولا يدخل في التفاصيل الدقيقة التي تظل من مجال تصاميم التهيئة وتصاميم التنمية . فالمخطط التوجيهي لا يمكنه أن يقيد تصرفات المتدخلين بدقة كما لا يمكنه توقع إنجاز برامج دقيقة على بعد 25 سنة التي تمثل عمر المخطط [52] .

وفيما يخص آثار هذا المخطط ومدى الزاميته للجماعات الترابية كان المشرع المغربي صارما عندما استعمل لفظتي “يجب” و”تتقيد” وذلك على عكس التشريع المقارن الذي يأخذ بنوع من المرونة بنصه على درجة أدنى من التقيد يطلق عليها التوافق  في مقابل مفهوم التطابق بين المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية والتجهيزات و”المشاريع-البرامج” والاستعمالات التي تود الجماعات إحداثها في الرقعة الأرضية  المغطاة بالمخطط[53].

ولا شك أن مفهوم المطابقة او التطابق الذي تبناه المشرع المغربي تولد عنه مشاكل وصعوبات أثناء تطبيق نص المادة 9 من قانون التعمير ذلك أن التقيد بأحكام المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية يفترض الدقة فيها إما من حيث المجال او الزمان [54] وهو ما لا يتوفر في المخطط بحيث أنه ليس محققا بما فيه الكفاية لا مجاليا ولا زمانيا، بمعنى أن التجهيزات والمشاريع والبرامج والاستعمالات التي يتوقع إنجازها لا تحدد أمكنتها بالدقة التي يتطلبها القانون عندما يوجب أو يقيد جميع المؤسسات باحترام أحكامه” [55]

إذا كانت أحكام تصاميم التهيئة أو تصاميم التنطيق سارية المفعول قبل وضع المخطط التوجيهي مخالفة للتوجهات الأساسية المقررة في المخطط فإنه يتوجب على رئيس المجلس الجماعي ان يتخذ قرارا داخل أجل شهر على الاكثر يقضي بعرضها على الدراسة يسري مفعوله لمدة 6 أشهر وتحديد مقتضياته المناطق التي توضع لها تصاميم تهيئة جديدة وذلك  حسب المادة 12من قانون التعمير .

اضافة الى أن ” كل مشروع تجزئة ومجموعة سكنية ومشروع بناء لا يمكن الإذن في إنجازه في حالة عدم وجود تصميم تهيئة أو تصميم تنطيق إلا إذا كان لا يتنافى والأحكام المقررة في مخطط توجيه التهيئة العمرانية المتعلقة بالمناطق العمرانية الجديدة والأغراض العامة المخصصة لها الأراضي الواقعة فيه”[56]  مما يتعين أيضا على رئيس المجلس الجماعي الامتناع عن منح رخصة البناء أو التجزئة أو التقسيم في حالات غياب التصاميم المذكورة إلا إذا كانت مشاريع البناء والتجزيء لا تخالف أحكام المخطط التوجيهي.

وقد نص الميثاق الجماعي على آثار خاصة تتقيد بها المجالس الجماعية بأحكام المخطط حين نص في المادة 38 على أن المجالس الجماعية تسهر على احترام الاختيارات والضوابط المقررة في المخططات التوجيهية للتهيئة العمرانية ويجب أن نستحضر هذا الأمر خصوصا أثناء  :

كما يجب على الجماعات أن تحترم أحكام المخطط  أثناء وضعها الوثائق الأدنى ضمانا للانسجام والتماسك بين الاستعمالات الجماعية والبين_جماعية للتراب وعند وضع مشاريع للاقتناءات العقارية وأعمال التجهيزات الكبرى[63].

إلى جانب ما سبق هناك مسألة هامة تتعلق بتقيد السلطات المختصة بوضع وثائق التعمير الأدنى باحترام أحكام الوثائق الأعلى تطبيقا لنص المادة 11 من القانون رقم 12-90 القاضية بوجوب احترام تصاميم التنطيق والتهيئة والتنمية لأحكام مخططات توجيه التهيئة العمرانية المنصوص عليها في البنود 1 ، 2 ، 3 ، 4 من المادة 4 من نفس القانون المتعلقة بالتوجهات الأساسية للتهيئة والتنطيق أي تحديد المناطق وتخصيصها لنشاط معين، أو لعملية معينة من عمليات التعمير، والارتفاقات.

المطلب الثاني :تدخل الجماعات  الترابية في صياغة المضمون التوجيهي على ضوء المستجدات التشريعية

بعد أن تم التطرق إلى دور الجماعات الترابية في إعداد ودراسة أدوات التخطيط الحضري ذات المضمون التوجيهي بناء على ما تم التنصيص عليه في قانون التعمير والمرسوم التطبيقي له، كان لزاما علينا الخوض في دراسة استشرافية لمستقبل هذا الدور وفق ما أتى به مشروع مدونة التعمير نسخة 2007 الذي أكدته وزارة التعمير بتشارك مع باقي القطاعات، في المقابل سنتناول أيضا دور الجماعات الترابية وفق القوانين المنظمة لها وذلك لعدة اعتبارات أهمها معرفة مدى التطابق بين الصلاحيات والاختصاصات المنوطة بالجماعات طبقا للقواعد المنظمة لها مقارنة مع مقتضيات قوانين التعمير، فضلا عن معرفة الصيغ التي أتت بها هذه  القوانين لتقوية دور هذه الكيانات اللامركزية فيما يخص المساهمة في التخطيط الحضري.

الفقرة الأولى: التأطير القانوني لدور الجماعات الترابية

بعد أن قمنا بالتركيز على ما ورد في قوانين التعمير وما منحته من أدوار للجماعات الترابية- بالخصوص الحضرية والقروية- فإننا سنقوم في هذا المطلب بدراسة دور الجماعات الحضرية والقروية بناء على بنود الميثاق الجماعي رقم 78.00، ودور كل من المجالس الجهوية ومجالس العمالات والأقاليم.

أولا : دور الجماعات في التخطيط الحضري في اطار الميثاق الجماعي

وسنميز في هذه الفقرة بين الجماعات عندما تكون غير مندمجة مع جماعات أخرى (التعاون والتشارك)، وبين دورها عند دخولها في أشكال تعاونية فيما بينها والتجمعات الحضرية بالأساس.

1 ـ  دور الجماعات الحضرية والقروية وفق بنود الميثاق الجماعي

طبقا لمقتضيات الميثاق الجماعي تتوفر الجماعات الحضرية والقروية على اختصاصات مباشرة وغير مباشرة يمكن اجمالها فيما يلي:

ونصت المادة 38 فيما يخص اختصاص المجل الجماعي في التعمير وإعداد التراب على ما يلي:

ـ يسهر المجلس الجماعي على احترام الاختيارات والضوابط المقررة في مخططات توجيه التهيئة العمرانية وتصاميم التهيئة والتنمية وكل الوثائق الأخرى المتعلقة بإعداد التراب والتعمير[66].

ـ يدرس ويصادق على ضوابط البناء الجماعية طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل.

ـ يقرر في إنجاز أو المشاركة في إنجاز برامج إعادة الهيكلة العمرانية ومحاربة السكن غير اللائق وحماية إعادة تأهيل المدن العتيقة وتجديد النسيج العمراني المتدهور

ـ يقرر إنجاز البرامج المتعلقة بالسكنى أو المشاركة في تنفيذها

ـ يشجع إحداث التعاونيات السكنية وجمعيات الأحياء

ـ يسهر على المحافظة على الخصوصيات الهندسية المحلية وإنعاشها.

ويقوم كذلك بتهيئة الشواطئ والممرات الساحلية والبحيرات وضفاف الأنهار الموجود داخل تراب الجماعة[67]، ويبدي رأيه حول سياسات وتصاميم إعداد التراب والتعمير في حدود المجال الترابي للجماعة، كما يبدي رأيه حول مشاريع وثائق التهيئة والتعمير طبقا للقوانين والأنظمة المعمول بها[68].

إضافة إلى تشكيل لجان خاصة يكون مهامها التعمير وإعداد التراب وهي وفق المادة 14:

2 ـ  دور مجموعات التجمعات الحضرية في وضع أدوات التخطيط الحضري

تعتبر مجموعات التجمعات الحضرية، مجموعات للجماعات تحدث بمبادرة من جماعات متجاورة تقع داخل مجال ترابي متصل يفوق عدد سكانه 200.000 نسمة، يمكن أن يشمل كذلك جماعة أو جماعات قروية[69]:

وتتمثل اختصاصات المجموعة المرتبطة بوضع أدوات التخطيط الحضري وفق المادة 4.83 فيما يلي:

ومما سبق سنكتشف تعارض واضح من حيث منهجية صياغة مضامين التخطيط الحضري لأن منحها بهذه الصيغة العامة والمجردة لمجموعات التجمعات الحضرية يطرح أكثر من الأسئلة أهمها ماهي الوسائل والآليات التي ستمكن الخيرة من ذلك سواء التقنية والمالية والبشرية خصوصا بعدما رأينا ان المشرع جعل التخطيط الحضري مركزي بطبعه؟ وما هي حدود هذه المجموعات في ذلك؟ لذا كان من الواجب على المشرع أن يدقق في ذلك قصد تفادي أي تداخل أو تعارض قد يعرقل تنمية المجال الترابي المعني.

 

 

ثانيا: دور المجالس الجهوية ومجالس العمالات والأقاليم في ميدان التخطيط الحضري

إن التركيز على دور المجالس الجماعية لا ينفي تدخل باقي الجماعات الترابية الأخرى في ميدان التخطيط الحضري، فبالرجوع إلى القوانين المنظمة كل من الجهات وكذا العمالات والأقاليم، إلا أن ذلك لا يرقى إلى مستوى الحديث عن اختصاصت قوية وهذا ما سنقف عنده بشكل مختصر على ما يلي:

1 ـ دور المجلس الجهوي:

يمكن إبراز مجال تدخل المجلس الجهوي في التخطيط الحضري من خلال ما يلي:

وتجدر الإشارة كذلك إلى أن مجال التخطيط الحضري حاضر في بعده الجهوي من خلال تخصيص لجنتين من لجن المجلس الجهوي  السبع لهذا الغرض وهما: لجنة مسائل التخطيط وإعداد التراب وكذا لجنة مسائل التعمير والبيئة، التي يعهد إليها تحضير الدراسات قبل تقديمها إلى المجلس الجهوي.

2 ـ دور مجلس العمالة أو الإقليم

يمكن الوقوف على تدخل مجالس العمالات والأقاليم في ميدان التخطيط الحضري، إذ يتدخل في المسائل المتعلقة بتصاميم أو برامج التنمية الإقليمية والاستثمار، وكذا في مجال ترميم الطرق وصيانتها وتعديلها أو تجديدها، إلا أن ما يلاحظ على القانون المنظم لمجالس العمالات والأقاليم هو كونه يدعم دور العامل على حساب المنتخبين المحليين.

وسواء تعلق الأمر بالمجالس الجهوية أم مجالس العمالات والأقاليم، فإن مجال تدخلها في ميدان التخطيط الحضري يتسم بالضعف وأحيانا بعدم الفعالية على مستوى الممارسة، الأمر الذي يجعل من الجماعات الحضرية والقروية المتدخل الأساسي في هذا الصدد.

فالتركيز على الجماعات الحضرية والقروية له ما يبرره من جهة كون تدخلها في هذا الميدان له سيرورته التاريخية، و من جهة أخرى لدورها الواضح في هذا الصدد وقربها ومعايشتها لمشاكل التعمير ومساهمتها على وجه الخصوص في دراسة وإعداد وثائق التعمير.

يحدد مشروع مدونة التعمير القواعد العامة المنظمة لتهيئة المجال واستعمال الأراضي، ويبين الأحكام الخاصة بتدبير أعمال التعمير وزجر المخالفات المتعلقة به، إضافة إلى وضعه الميكانيزمات المؤسساتية والعقارية والمالية الضرورية لتنفيذ القواعد المذكورة أعلاه. كما يحدد العلاقات بين مختلف المتدخلين[70]، وحدد أيضا عدة مبادئ تنبني عليها الأحكام المنصوص عليها في مشروع المدونة، والمتجلية في التشاور والتشارك[71]، وترسيخ التمازج بين الوظيفي والاجتماعي[72] ومراعاة الالتزام باحترام معايير التنمية المستدامة[73].وما يهمنا في هذا الصدد هو أن وثائق التعمير المعتبرة في حكم الأدوات الأساسية للتخطيط الحضري عرفت تجديدا مهما، سواء على مستوى الأدوات التقديرية والتي عرفت نوعين جديدين من الوثائق: مخطط توجيه التجمع العمراني (المخطط التوجيهي لتهيئة العمرانية حاليا) ومخطط توجيه التهيئة، أو على مستوى الأدوات التنظيمية التي احتفظت بتصميم التهيئة، مع إضافة تصميم جديد يتمثل في تصميم الحفاظ على المنطقة وإبرار قيمتها،

الفقرة الأولى: دور الجماعات الترابية في وضع أدوات توجيه العمران:

يحدد مشروع مدونة التعمير القواعد العامة المنظمة لتهيئة المجال واستعمال الأراضي، ويبين الأحكام الخاصة بتدبير أعمال التعمير وزجر المخالفات المتعلقة به، إضافة إلى وضعه الميكانيزمات المؤسساتية والعقارية والمالية الضرورية لتنفيذ القواعد المذكورة أعلاه. كما يحدد العلاقات بين مختلف المتدخلين[74]، وحدد أيضا عدة مبادئ تنبني عليها الأحكام المنصوص عليها في مشروع المدونة، والمتجلية في التشاور والتشارك[75]، وترسيخ التمازج بين الوظيفي والاجتماعي[76] ومراعاة الالتزام باحترام معايير التنمية المستدامة[77].وما يهمنا في هذا الصدد هو أن وثائق التعمير المعتبرة في حكم الأدوات الأساسية للتخطيط الحضري عرفت تجديدا مهما، سواء على مستوى الأدوات التقديرية والتي عرفت نوعين جديدين من الوثائق: مخطط توجيه التجمع العمراني (المخطط التوجيهي لتهيئة العمرانية حاليا) ومخطط توجيه التهيئة، أو على مستوى الأدوات التنظيمية التي احتفظت بتصميم التهيئة، مع إضافة تصميم جديد يتمثل في تصميم الحفاظ على المنطقة وإبرار قيمتها، وسوف تتم دراسة هذه الأدوات لمعرفة دور الجماعات في كلا من المخططين: مخطط توجيه التجمع العمراني، ومخطط توجيه التهيئة كما هو منصوص عليه في مشروع المدونة بشكل مركب نظرا لتطابق مسطرة إعدادهما.

أولا: تعريف أدوات توجيه العمران والغرض منها:

تجدر الإشارة في البداية إلى أن وضع مخطط توجيه التجمع العمراني يتم وفق توجهات المخطط الوطني لإعداد التراب والمخطط الجهوي لإعداد التراب[78]، ويحدد المخطط التوجهات الإستراتيجية لتهيئة كل تجمع عمراني تستوجب تنميته القيام بدراسة إجمالية بسبب الترابط القائم بين مكوناته المجالية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي. ويمكن أن يشمل هذا التجمع العمراني جماعة حضرية أو عدة جماعات حضرية أو جزء من تراب جماعة أو جماعات قروية مجاورة أو كلها[79]. ويشمل على تخطيط التنظيم العام للتنمية المجالية للرقعة المتعلقة بها، وذلك لمدة لا تتجاوز 20 سنة، ويحدد برمجة الاستثمارات والمنجزات العمومية لخمس السنوات الأولى التي تحتسب من تاريخ الموافقة عليه، ويهدف المخطط إلى تنسيق أعمال التهيئة التي يقوم بها جميع المتدخلين[80].

ويكون الغرض من هذا المخطط تحديد ما يلي[81]:

ثانيا: دور الجماعات الترابية في إعداد ودراسة مخطط  توجيه العمران:

يتم وضع مخطط توجيه التجمع العمراني ومخطط توجيه التهيئة إلى جانب تدخل وكالة التعمير والإدارة المختصة بمبادرة من جماعة أو عدة جماعات معنية لفائدة جماعة أو عدة جماعات معنية تتألف في شكل مجموعة للجماعات طبقا لأحكام القانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي[83].

وقبل إعداد هذين المخططين تتخذ مجموعة الجماعات التدابير الضرورية لدعوة العموم وعلى وجه الخصوص جمعيات الأحياء ونقابات الملاك المهنيين وأيضا الفرقاء المعنيين، داخل أجل شهرين لإبداء ملاحظاتهم ومطالبهم بخصوص الرقعة موضوع[84]. وهنا يلاحظ توسيع دائرة البحث العمومي واستشارة المواطنين بحيث تم اقراره لأول مرة في الأدوات التقديرية للتخطيط الحضري وهو الأمر المفقود في التشريعات الحالية، اضافة الى انفتاحه على باقي الفاعلين من هيئات المجتمع المدني وجمعيات الملاك.

وبعد ذلك يتم إحالة مشروع الوثيقتين من أجل الدراسة إلى المجلس الجهوي ومجالس العمالات والأقاليم التي لها أجل 45 يوما لإبداء رأيها يحتسب من تاريخ إحالة المخطط عليها وذلك من أجل الإدلاء بما تراه في شأنه من توجيهات واقتراحات يتم البث فيها من قبل مجموعة الجماعات بمساعدة وكالة التعمير، وفي حالة عدم إبداء أية ملاحظة داخل الأجل المحدود اعتبر سكوتها بمنابة عدم وجود أي اقتراح[85]، وهذا البند يعتبر سليما من الناحية المنهجية بعدم اقتصاره على الجماعات الحضروية والقروية فقط كما هو الحال مع القوانين الحالية.

 

 

[1] – المصطفى معمر، أحمد اجعون، إعداد التراب الوطني والتعمير، مطبعة سجلماسة، طبعة 2005  ص 3

[2] – Nadia Bennouna LOURIDI, le Marketing de la ville, mémoire de DESSA, Faculté de droit Rabat. Agdal, 2007 p :1

[3] – الحاج شكرة، سلطات رؤساء مجالس الجماعات الحضرية والقروية في مجال التعمير العملياتي، المجلة المغربية لأنظمة القانونية والسياسية العدد 5 يناير 2005 ص 37.

[4] – الإسكان والتعمير حصيلة 2003-2007 وبرنامج عمل 2008-2012، وزارة الإسكان والتعمير والتنمية المجالية يونيو 2008 الرباط ص 28-29

[5] – المصطفى اليزيدي، التنمية وإعداد المجال الحضري، الجهة الشرقية بين حداثة التمدن وصعوبات التنمية، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة تخصص جغرافيا بشرية، كلية الأداب والعلوم الإنسانية وجدة 2004/2005. ص 170

[6] – عبد الرحمان البكريوي ، التعمير بين المركزية واللامركزية ، م س ،ص  33.

 

[7]  -Reynaud ledruit : Sociologie urbaine , paris , 1968p 55 et Vues Grafneyer sociologie urbaine  Paris 1994 p : 108 -119

 

[8] –     أرنولدج هالدنهمار ، هيو هيكلو ، كارولين تيش أدافر، السياسة العامة المقارنة الترجمة آمل الشرقي مراجعة فاروق  منصور ، الأهلية للنشر والتوزيع عمان، الأردن، سنة 1999 ص 445

[9] – المرجع نفسه ص 434

[10] ـ المرجع نفسه ص  418

[11] ـ المرجع نفسه  ص  457.

[12] – المرجع نفسه ص  387

[13]  كان عنوان البحث ورد فيه مصطلح الجماعات المحلية لكن انسجاما مع التعديل الدستوري تم استعمال مصطلح الجماعات الترابية  الذي ورد في الدستور الجديد لسنة 2011

[14] – مصطفى بلقزبور، توزيع الاختصاص بين الدولة والجهات، أي نموذج في أفق مغرب الجهات، السلسلة المغربية لبحوث الإدارة والاقتصاد والمال، العدد2، طبعة أولى، طوب بريس الرباط، 2011 ص 4

[15]  عبدالفتاح الذهبي، سياسة إعداد التراب الوطني بالمغرب في أفق الألفية الثالثة  ” المجلة المغربية للإدارةالمحلية والتنمية سنة 2000 عدد 30 ص 26.

[16] ظهرت هذه الوثيقة في فرنسا باسم التصميم المديري للتهيئة والتعمير عند صدور قانون التوجيه العقاري بتاريخ 31 دجنبر 1967 وأخذ عن محتواها قانون الإطار للتهيئة الحضرية والقروية الذي تم إعداده سنة 1970 وأطلق عليها  المشرع المغربي اسم التصاميم المديرية في التصميم الخماسي 1981-1985 كانت باسم التصميم المديري للتهيئة الحضرية ، اما القانون المتعلق بالتهيئةالحضرية للدار البيضاء في 25يناير 1984فقد سماها التصميم التوجيهي للتهيئة الحضرية ثم جاء قانون للتعمير ليطلق عليها اسم المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية، الحاج  شكرة محاضرات في إعداد التراب الوطني  والتعمير دار القلم الرباط الطبعة الأولى  2003 ص 83.

 

[17] – المادة 2 من قانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير

[18] القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعميرالصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 31ـ92ـ1 الصادر في 15 ذي الحجة عام 1412 موافق 17 يونيو 1992 ،جر ، عدد 4159 بتاريخ 14 محرم 1413 موافق 15 يوليوز 1992 ، ص 887

[19]    مرسوم رقم 832 -92-2 الصادر في 27 ربيع الآخر 1414 ( 14 أكتوبر 1993 ) ج ر  عدد  4225 بتاريخ 4 جمادى الأولى 1414 ( 20 أكتوبر  1993 ص 2061.

[20]  التي تم تعويضها بالنظام الخاص بالمدن التي تفوق نسبتها  500.000  أو ما بات يصطلح عليه بنظام وحدة المدينة ، والذي تم تعديله مع قانون 17.08 وأصبحت تسمى بالجماعات الحضرية الخاضعة لنظام المقاطعات والتي تم حصرها في ستة مدن وهي الدار البيضاء ، الرباط ،طنجة ، مراكش، فاس، سلاحسب المادة 84 من القانون المتعلق بالميثاق الجماعي .

[21] حيث تقوم بذلك بنفسها أو بتكليف أحد مكاتب الدراسات (وهي الحالة الغالبة)

[22] – عبدالرحمان البكريوي ، م س ، ص 38.

[23] -مولاي احمد لمراني ، دور الجماعات المحلية  في ميدان التعمير ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات  العليا المعمقة كلية العلوم القانونية  والاقتصادية والاجتماعية اكدال ، الرباط ، 2003-2004 ص 20.

[24] – حسن أمرير م س ، ص 71-72-73 وتجدر الاشارة الى ان التسمية الحالية للجنة هي اللجنة المكلفة بالتعمير واعداد التراب والبيئة في الجماعات التي يفوق عدد أعضائها 35 عضو ،واللجنة المكلفة بالتعمير واعداد التراب والبيئة والمرافق العمومية في الجماعات التي يكون عدد أعضاء مجلسها بين 25 و 35 حسب المادة 14 من الميثاق الجماعي

[25] –  Etablissement public de coopération intercommunale ( EPCI )

[26] – Haubert charles ” les principes de l’urbanismes” p 19 ( pas d’année) edition Dalloz

[27]  – Jacqueline Marand , Deviller , droit de l’urbanisme 4ème édition 1998 Dalloz p :44

 

[28] (المادة 55 من قانون التوجيه العقاري 90-25 المؤرخ في 18/11/1990 )

[29] محمد جبري، التأطير القانوني للتعمير في ولاية الجزائر ، مذكرة لنيل شهادة الماجستير فرع ادارة ومالية ، جامعة الجزائر كلية الحقوق ، ص 23 تم اخذ المرجع من الرابط دون ذكر السنة       http://193.194.83.98/xtf/data/pdf/102/DIDANE_%20MOULOUD.pdf  بتاريخ 10\12|2011

[30] – نفس المرجع السابق، ص 23

[31] -Ahmed Rahmani :les nouveaux instruments juridiques de la planification urbaine , les politiques urbaines au maghreb,p : 133-134

أشغال الندوة المنعقدة بالدار البيضاء حول موضوع السياسات الحضرية المغاربية، المجلة المغربية للعلوم الإدارية طبعة 1994

[32] – ماحي خديجة ، اختصاصات الجماعات في مجال التعمير ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة سنة 2003-2002 ص 49.

[33]  عبدالله أسرموح، م س، ص 59

[34]  للتوضيح أكثر يراجع عبدالله أسرموح، م س، ص 60

[35] – قبل أن يتم الغائها

[36] – الحوسين قوفيح ، م س ، ص 25.

[37]  الدوريات الصادرة عن وزارة الداخلية رقم 368 و ت إ ب / ك ع بتاريخ 29 مارس 1973 ورقم 897 وإ ت ت بتاريخ نوفمبر 1978 ورقم 598 وإت ت بتاريخ 4 ماي 1981

[38]  بناصر المصطفاوي ، م س ، ص 20.

[39] – عبدالله اسرموح، م س، ص 61

[40] –  عبدالرحمان البكريوي، التعمير بين المركزية واللامركزية ، م س ، ص 41.

[41] – عبد الرحمان البكريوي ، التعمير بين المركزية واللامركزية ، م س ، ص 41.

[42] – احمد المالكي ، م س ، ص 72.

[43] – محمد اليعقوبي، مشاركة المواطنين في التهيئة العمرانية بالمغرب، محاضرة ألقيت على طلبة السنة الثانية من دبلوم الدراسات العليا المعمقة بوحدة التكوين والبحث الإدارة العادية1999-2000 كلية الحقوق أكدال الرباط  نقلا عن  زكريا خراط ، م س ، ص 22.

[44]  المادة 8 من المرسوم التطبيقي لقانون 90-12 المتعلق بالتعمير

[45]– المادة 9 من المرسوم التطبيقي لقانون رقم 90-12 المتعلق بالتعمير

[46] – Jacqueline marand deviller  , op cit , pp43.

[47] – بناء على المادة 17 من 90-29 نقلا عن محمد جبري، التأطير القانوني للتعمير في ولاية الجزائر ،م س ، ص 20.

[48] – عبد الرحمان البكريوي، التعمير بين المركزية واللامركزية ، م س ، ص 46

[49] – عبدالسلام المصباحي، م س ، ص 60.

[50] – المادة 17 من المرسوم التنفيذي في 91-177 الخاص بالجزائر ، محمد جبري، م س ، ص 19.

[51] – عبد الرحمان البكريوي ، م س ، ص 47.

[52]  عبد الهادي مقداد ، م س ، ص 228

[53] ـ تنص المادة التاسعة و من قانون التعميرعلى” يجب على الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة وعلى أشخاص القانون الخاص المعنوية التي يكون رأسمالها بأجمعه مملوكا للدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة أن تتقيد بأحكام مخطط توجيه التهيئة العمرانية”

 

[54] -عبدالسلام المصباحي ، م س ، ص 61

[55] – عبدالرحمان البكريوي ، م س ، ص 51.

[56] – المادة 10 من قانون 90-12 المتعلق بالتعمير

[57] – المادة 39 من الميثاق الجماعي 78.00 المعدل

[58] – المادة 43 من الميثاق الجماعي78.00 المعدل

[59] – المادة 44 من الميثاق الجماعي78.00 المعدل

[60] – المادة 80 من الميثاق الجماعي 78.00 المعدل

[61] – المادة 38 من الميثاق الجماعي 78.00 المعدل

[62] – المادة 38 من الميثاق الجماعي78.00 المعدل

[63] – Jacqueline Morand DeViller op cit p 46.

[64] – المادة 36 من الميثاق الجماعي 00-78

[65] – الفقرة 2 من البند 2 من المادة 36

[66] – تنص المادة 50 كذلك على سهر رئيس المجلس الجماعي على تطبيق القوانين والأنظمة المتعلقة بالتعمير وعلى احترام ضوابط تصاميم تهيئة التراب ووثائق التعمير

[67] – المادة 39 من الميثاق الجماعي 00-78

[68] – المادة 44 من الميثاق الجماعي 00-78

[69] المادة 1.83 من الميثاق الجماعي 00-78

[70] – المادة 2 من مشروع مدونة التعمير نسخة 2007

[71] – المادة 4 من مشروع مدونة التعمير نسخة 2007

[72] – المادة 5 من مشروع مدونة التعمير نسخة 2007

[73] – المادة 6 من مشروع مدونة التعمير نسخة 2007

[74] – المادة 2 من مشروع مدونة التعمير نسخة 2007

[75] – المادة 4 من مشروع مدونة التعمير نسخة 2007

[76] – المادة 5 من مشروع مدونة التعمير نسخة 2007

[77] – المادة 6 من مشروع مدونة التعمير نسخة 2007

[78] – المادة 9 من مشروع مدونة التعمير نسخة 2007

[79] – المادة 7 من مشروع مدونة التعمير نسخة 2007

[80] – المادة 8 من مشروع مدونة التعمير نسخة 2007

[81] – المادة 11 من مشروع مدونة التعمير نسخة 2007

[82] – المادة 23 من مشروع مدونة التعمير نسخة 2007

[83] – المادة 13 من مشروع مدونة التعمير نسخة 2007

[84] – المادة 14 من مشروع مدونة التعمير نسخة 2007

[85] – المادة 15 من مشروع مدونة التعمير نسخة 2007

Exit mobile version