Site icon مجلة المنارة

دور الأجهزة الإدارية في حماية المستهلك

دور الأجهزة الإدارية في حماية المستهلك

رقية الباز

باحثة في سلك الدكتوراه

جامعة محمد الأول وجدة

 

 

مقدمة:

تعتبر حماية المستهلك من المواضيع التي شغلت الفكر الإنساني منذ القدم، فقد عانت البشرية من ظاهرة الغش والتدليس والاحتيال في المعاملات المدنية منها و التجارية، على امتداد تاريخها الطويل حتى أصبح المستهلك في كل العصور في وضعية الطرف الضعيف، الذي يحتاج إلى حماية الدولة و حماية المجتمع  ككل[1] .

لقد كانت الحضارة الرومانية سباقة إلى اتخاذ مجموعة من القوانين الرادعة من الغش في المعاملات التجارية[2] ، حيث شكلت اللبنة الأساسية للتشريع الذي اقتبس منه جل الدول خاصة فرنسا.

ووعيا من المشرع المغربي بأهمية حماية المستهلك باعتباره الطرف الضعيف داخل المنظومة الاقتصادية، عمل على إصدار مجموعة من القوانين التي تهدف أساسا  لحماية المستهلك لما فيه من تحقيق للحماية الشخصية لهذا الأخير و المصلحة العامة،و من بين هذه القوانين نذكر ظهير 29 أكتوبر 1922 المتعلق بالمواد السامة،و ظهير 5 أكتوبر 1984 المتعلق بزجر الغش في البضائع ، و القانون رقم 99-06  المتعلق بحرية الأسعار و المنافسة ، و القانون رقم 31-08 المتعلق بتدابير حماية المستهلك.

و قد أوكل المشرع المغربي لمجموعة من الأجهزة ذات الطابع الإداري مهمة مراقبة السلع و الخدمات من حيث الجودة و الأثمان و ذلك لحماية فعالة للمستهلك.

و تكمن أهمية الموضوع في الوقوف على مجموعة من الأجهزة ذات الطابع الإداري التي أوكل لها المشرع مهمة مراقبة السوق لحماية المصالح الاقتصادية لجميع الفاعلين داخل السوق.

و انطلاقا من الأهمية التي يطرحها هذا الموضوع فانه وجب طرح الإشكالية التالية :

إلى أي حد ساهمت هذه الأجهزة الإدارية في تحقيق الحماية المطلوبة للمستهلك ؟

و للإجابة عن هذه الإشكالية سنعتمد على المحاور التالية :

المبحث الأول : الأجهزة الإدارية المتدخلة لحماية المستهلك

المبحث الثاني : الإجراءات الإدارية الكفيلة بحماية المستهلك

المبحث الأول : الأجهزة الإدارية المتدخلة لحماية المستهلك

لقد أوكل المشرع لمجموعة من الأجهزة الإدارية صلاحية اتخاذ التدابير الكفيلة بحماية المستهلك، هذه الأجهزة تنقسم إلى أجهزة تابعة للحكومة ( المطب الأول) و أخرى تابعة للجماعات الترابية ( المطلب الثاني).

المطلب الأول : الأجهزة الإدارية التابعة للحكومة

تتجلى الأجهزة الإدارية التابعة للحكومة في مجموعة الأجهزة والمصالح التابعة للوزارات و التي أوكل إليها مهام المراقبة حماية للمستهلك من كل ما من شأنه أن يضر بصحته و سلامته ، و تتميز هذه الأجهزة و المصالح بالتعدد ، نذكر من بينها :

أولا :  مديرية التنسيق و الشؤون الاقتصادية

تتولى مديرية التنسيق و الشؤون الاقتصادية بوزارة الداخلية[3] مهمة  تنسيق أعمال مراقبة الأسعار وجودة المنتجات والسلع والخدمات وإعداد استراتيجيات مراقبة وتتبع تزويد السوق الوطنية بالمنتجات والسلع ؛ إذ يتولى اطر هذه المديرية مراقبة مدى احترام التجارو مقدمي الخدمات للمقتضيات القانونية و التنظيمية ، إذ يراقبون المنتجات الخاضعة للتحديد الجبري للأثمان، و مطابقة أسعار السلع والخدمات للأثمان المتعارف عليها بالنسبة للمنتجات غير الخاضعة للتحديد الجبري ، كما يراقبون الموازين و المكاييل و الاطلاع على السجلات و الفواتير و يحررون المحاضر.

ثانيا :مديرية تربية المواشي

تتولى مديرية تربية المواشي التابعة لوزارة الفلاحة و الصيد البحري حماية الماشية ووقايتها (حفظها من الأمراض المعدية والطفيلية)، اتخاذ تدابير المراقبة الصحية البيطرية، مراقبة سلامة وجودة المنتجات ذات الأصل الحيواني المعدة للاستهلاك البشري وجميع المنتجات المعدة للاستهلاك الحيواني، مراقبة المجازر ومؤسسات معالجة المنتجات الحيوانية أو ذات الأصل الحيواني وحفظها واستيداعها[4]  .

ثالثا : مديرية حماية النباتات والمراقبة التقنية والمعاقبة على الغش

تتولى مديرية حماية النباتات والمراقبة التقنية والمعاقبة على الغش التابعة لوزارة الفلاحة والصيد البحري مراقبة سلامة النباتات والمنتجات النباتية في الحدود (استيراد وتصدير النباتات والمنتجات النباتية) وداخل المملكة الحراسة المتعلقة بسلامة المزروعات والأغراس والمشاتل والمراقبة الصحية للمنتجات النباتية بالأسواق ومحطات الخزن والتوضيب ومعامل التحويل، إعداد وتنفيذ التدابير ذات الطابع القانوني أو التقني المتعلقة بمراقبة سلامة النباتات والمنتجات النباتية وبمحاربة طفيليات النباتات والقيام بأعمال محاربة الجراد والطيور والقوارض وبوجه عام تنظيم محاربة عناصر الإتلاف الأخرى ما عدا أعمال المحاربة الداخلة في اختصاص وزارة أخرى [5].

رابعا : مديرية الأدوية و الصيدلة

تتولى مديرية الأدوية و الصيدلة التابعة لوزارة الصحة المراقبة التقنية و مراقبة جودة المواد الصيدلية والأدوية من خلال التحاليل و التجارب التي يجريها المختبر الوطني لمراقبة الأدوية و المستحضرات الصيدلية على الأدوية و المستحضرات الصيدلية و لوازم التضميد و جميع اللوازم الأخرى المعدة لاستعمالها في الطب البشري و البيطري و كذا المنتجات شبه الصيدلية و ذلك قبل تسليم التأشيرات و الترخيص بالبيع، كما تقوم هذه المديرية بتفتيش الصيدليات و أماكن البيع بالجملة و مختبرات الصنع[6].

خامسا : مديرية علم الأوبئة و محاربة الأمراض

تتولى مديرية علم الأوبئة ومحاربة الأمراض التابعة لوزارة الصحة من خلال مصلحة المحافظة على الصحة الغذائية إجراء التفتيش و مراقبة المحلات التي تبيع المواد الغذائية من دكاكين و مقاهي و المطاعم[7] .

كانت إذن هذه أهم الأجهزة التابعة للحكومة و التي تمارس اختصاصاتها على المستوى المركزي و المحلي بالإضافة إلى باقي الأجهزة التابعة للجماعات الترابية.

المطلب الثاني : الأجهزة الإدارية التابعة للجماعات الترابية المعنية بحماية المستهلك

تتعدد وتتوزع المصالح الإدارية المعنية بحماية المستهلك، فهناك مصالح تابعة لوزارة الفلاحة تتحمل مسؤولية المراقبة وأخرى تابعة لوزارة الصناعة و التجارة وأخرى للتجهيز والنقل وأخرى لوزارة الداخلية تتكلف بها العمالات في محل اختصاص ترابها، كما أن هناك مصالح تابعة للجماعات الترابية فيما يسمى بالمكتب الصحي .

وعليه ونظرا للدور الذي أصبحت تضطلع به الجماعات الترابية في الكثير من      المجالات، وكذلك باعتبارها من الإدارات القريبة من المواطنين، وتراقب عن كل كبيرة وصغيرة في الحياة العامة  فقد أنيط بهذا الجهاز الإداري، انطلاقا من القانون 78.00[8] المتعلق بالميثاق الجماعي الذي يهذف للحفاظ على سلامة وصحة المستهلك وذلك ما يستفاد من خلال الاختصاصات الممنوحة لرئيس المجلس الجماعي، حيث بناء على المادة 45 من القانون رقم  78.00 يرأس المجلس الجماعي و يمثل الجماعة بصفة رسمية وجميع أعمال الحياة المدنية و الإدارية والقضائية و يسيرالإدارة الجماعية ويسهر على مصالح الجماعة طبقا للقوانين والأنظمة المعمول بها.

ومن المهام الذي يسهر عليها ويضطلع بها ما جاءت به المادة 49 من نفس القانون حيث يمارس رؤساء المجالس الجماعية بحكم القانون اختصاصات الشرطة القضائية الإدارية الجماعية والمهام الخاصة بمراقبة المهن الحرة وتنظيم ومراقبة نشاط الباعة المتجولين بالطرق العمومية، كذلك مراقبة مضمون الإشهار بواسطة الإعلانات و اللوحات والشعارات ومراقبة الأثمان، مراقبة الاسطوانات وغيرها من التسجيلات السمعية البصرية هذا بالإضافة إلى ما تخوله مقتضيات المادة 50 من نفس القانون المتعلق بالميثاق الجماعي، حيث تنص على انه يمارس رئيس المجلس الجماعي اختصاصات الشرطة الإدارية في ميادين الوقاية الصحية و النظافة و السكينة العمومية و سلامة المرور، كذلك يسهر على نظافة المساكن و الطرق و تطهير قنوات الصرف الصحي و زجر مودعي النفايات بالوسط السكني . كذلك ينظم ويساهم في مراقبة الأنشطة التجارية والمهنية غير المنظمة التي من شأن مزاولتها أن تمس بالوقاية الصحية والنظافة أو تضر بالبيئة أو الأشخاص، كما يضطلع بمراقبة محلات بيع العقاقير والبقالة ومحلات الحلاقة وبيع العطور وعلى العموم كل الأماكن التي يمكن أن تصنع أو تخزن أو تباع فيها مواد خطيرة أو قابلة للاستهلاك .وذلك من اجل التأكد من سلامتها ومدى احترامها للجودة وقابليتها للاستهلاك و الظروف الصحية الموجودة فيها ، وذلك بالسهر على احترام الضوابط المتعلقة بسلامة ونظافة المحلات المفتوحة للعموم خاصة المطاعم والمقاهي، كما انه يساهم في مراقبة جودة المواد الغذائية و المشروبات و التوابل المعروضة للبيع أو الاستهلاك العمومي، وذلك من خلال تنظيم حملات تمشيطية واستطلاعية إلى الأماكن المعنية بالمراقبة و الوقوف على مدى مطابقتها و احترامها للمعايير القانونية المعمول بها في ذات الشأن وتحرير المخالفات وحجز المواد الفاسدة [9] من اجل إعدامها، وإقفال المحلات التي لا تحترم المعايير القانونية للسلامة الصحية، وفي هذا الشأن يمكنه طلب استخدام القوة العمومية قصد ضمان احترام قراراته و مقرراته .

من خلال ما سبق يلاحظ الدور الذي تقوم به الجماعات الترابية ممثلة في رئيسها في مجال حماية المستهلك وبالتالي فهو ملزم بتفعيل كل الصلاحيات المخولة له في ذات الشأن حتي يساهم من خلال موقعه بشكل فعال في الحفاظ على سلامة و صحة المستهلك.

المبحث الثاني : الإجراءات الإدارية الكفيلة بحماية المستهلك

لقد أسند المشرع المغربي مهمة حماية المستهلك إلى مجموعة من الأجهزة الإدارية كما سبقت الإشارة إليها، لكن وبغية قيام هذه الإدارات بمهمتها على أحسن وجه، وضع المشرع بين يديها مجموعة من الاختصاصات و الصلاحيات المتمثلة في البحث عن المخالفات و إثباتها (المطلب الأول) وحدد لها مجموعة من الإجراءات التحفظية الكفيلة بحماية المستهلك ( المطلب الثاني).

المطلب الأول : البحث عن المخالفات و معاينتها

تعتبرالمخالفات التي نحن بصدد دراستها تلك التصرفات الصادرة عن القيام بعمل غير مشروع و المعاقب عليه قانونا، إذ يتعلق الأمر بسلوك يتجاوز حدود القانون المنظم للعلاقة الاستهلاكية الذي يطبق تحت إشراف الأجهزة المختصة[10] و ذلك عن طريق إجراء المراقبة (الفقرة الأولى )و بعد التثبت من صحة المخالفات تقوم هذه الأجهزة بتحرير المحاضر و أخذ العينات ( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : إجراءات المراقبة

يعهد إلى الأجهزة الإدارية المختصة في هذا الإطار القيام بمراقبة الالتزام بالإعلام، و كذا مراقبة المطابقة، و بقراءتنا لمقتضيات المادة 61 من القانون 99-06 المتعلق بحرية الأسعار و المنافسة، نجد أن المشرع أسند اختصاص مراقبة الالتزام بالإعلام إلى موظفي الإدارة المعنية أو أعوان هيئة مراقبي الأسعار، و ذلك من خلال قيامهم بالتأكد من مدى تنفيذ النصوص القانونية المتعلقة باحترام الأسعار .

إذ في هذا الإطار نجد أن المادة 47 من القانون  رقم 99-06 المذكور أعلاه يفرض على كل من يبيع منتوجات أو يقدم خدمات أن يعلم المستهلك عن طريق وضع علامة أو ملصق أو إعلان أو أي طريقة مناسبة أخرى بالأسعار و الشروط الخاصة للبيع أو لانجاز الخدمة .

فبالرغم من إهمال هذا القانون للجوانب التنظيمية للثمن، نجد المرسوم رقم 854-00-02 المتعلق بتطبيق القانون رقم 99-06  الذي نص على مجموعة من البيانات التي يجب أن يتضمنها الإعلام، يتعين على المراقب التأكد من مدى احترام هذه المقتضيات من طرف البائع، و مدى مطابقة الأسعار المعلن عنها للأثمان المحددة من طرف الحكومة .

هذا وتشمل إجراءات المراقبة أيضا التأكد من مدى احترام البائع لمقتضيات المادة 48 من القانون رقم 99-06 والمتعلقة بتقديم الفاتورة للمستهلك وفق الشروط الواجب توفرها قانونا ، إذ يوفر هذا المقتضى وسيلة عملية للإثبات باعتبار أن الفاتورة تعتبر ورقة عرفية[11]، كما تتمتع الأجهزة الإدارية بجميع الصلاحيات من خلال الولوج إلى المحلات التجارية، و كذا الاطلاع على جميع الوثائق و البيانات التي يلاحظ فيها فائدة لإجراء المراقبة.

أما فيما يخص مراقبة المطابقة فقد تم إسناد هذا الاختصاص إلى مجموعة من الهيئات المنصوص عليها في إطار القانون الخاص بزجر الغش في البضائع و تتمثل بالأساس في المراقبين التابعين لمختلف الوزارات المعنية بالأمر، إذ تم إسناد مهمة المراقبة لكل مديرية و ذلك من خلال قيام هذه الأخيرة بمراقبة مدى مطابقة المنتجات للمواصفات المنصوص عليها في القانون و الداخلة في إطار اختصاص كل هيئة على حدة .

الفقرة الثانية : تحرير المحاضر وأخذ العينات

يعد تحرير المحاضر[12] من أبرز الآليات القانونية التي منحها المشرع لمراقبي زجر الغش أو مراقبي الأسعار، من أجل تنفيذ القانون الخاص بزجر الغش في البضائع وكذا تنفيذ القانون المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، إذ تشكل هذه المحاضر وسيلة إثبات في مواجهة المخالفين  للمقتضيات القانونية .

و قد أوجب المشرع تضمين هذه المحاضر بمجموعة من البيانات التالية :

2- أخذ العينات

من المعلوم أن المراقبة التي تقوم بها الأجهزة المختصة لا يمكن أن تعطي مفعولها إلا عن طريق إجراء فحوص تقنية أو علمية على البضائع، إذ يمكن أخذ عينات من البضائع موضوع المراقبة لتحليلها و التأكد من سلامتها و هو إجراء نصت عليه الفصول 24و 29 و 31 من قانون 13.83 المتعلق بزجر الغش في البضائع .

و العينات بصفة عامة هي نماذج من البضائع المراد إخضاعها للفحص تمثلها في متوسط صفاتها و تكوينها العام متجانسة معها و مع بعضها البعض بصفة عادية أو استثنائية.[14]

فبخصوص الحالة العادية فتتمثل في أخذ بعض العينات لانجاز المراقبة العادية، يهدف للوصول إلى نتيجة معينة بعد عملية التحليل، أما للتأكد من سلامة البضاعة أو لإقامة الحجة على الوجود المادي لجريمة الغش و تحديد نوعه.[15]

أما فيما يتعلق بالحالة الاستثنائية فتتمثل بالخصوص[16] في حالة ما إذا كانت الفحوص الجرثومية للبضاعة المقصودة مقررة في النصوص و كذا في حالة ما إذا لزم إجراء الفحوص نظرا لأخطار ظاهرة أو شكاوى متلقاة .

و بخصوص عمليات أخذ العينات فإنها يجب أن تشمل على العينات اللازمة لتحديد الجريمة باعتبار ماهية المنتوج ووزنه و حجمه و قيمته و كميته من جهة ، و نوع الغش المظنون ارتكابه من جهة أخرى .

و في الأخير تجب الإشارة إلى وجوب تحرير محضر في عين المكان عند أخذ العينات كما أنه توضع الأختام على كل عينه وقع أخذها .

المطلب الثاني : الإجراءات التحفظية الكفيلة بحماية المستهلك

عمل المشرع المغربي من خلال القانون المتعلق بزجر الغش على وضع مجموعة من الإجراءات التحفظية غايتها المحافظة على الصحة العامة للمواطنين، حيث منع تداول البضائع المغشوشة والمشكوك في كونها مزيفة أو فاسدة أو سامة أو انتهى أجل صلاحيتها، و هذه الإجراءات تتمثل أساسا في حجز البضائع الضارة بالمستهلك (الفقرة الأولى)، و إيقاف البضائع الضارة بالمستهلك (الفقرة الثانية ).

الفقرة الأولى : حجز البضائع الضارة بالمستهلك

عمل المشرع على التمييز في هذا الإجراء بين حالتين : حالة التلبس و الحالة العادية أي في غير حالة التلبس.

جاء في الفصل 27 من القانون المتعلق بزجر الغش في البضائع أنه ” يجب على الموظفين و المأمورين المبينين في الفصل 20 و 21 أعلاه الذين يشاهدون تلبسا بجريمة من جرائم الغش المنصوص عليها في الفصل الأول وما يليه إلى الفصل السادس أن يباشروا إثبات ذلك.

على أنه إذا كان الأمر يتعلق بالتلبس بجريمة تزييف أو بيع مواد غذائية مزيفة أو منتجات تبث أنها فاسدة أو سامة أو انتهى أجل صلاحيتها وجب حجز المنتوج”.

ويحرر محضر بشأن هذا الحجز يتضمن علاوة على البيانات المنصوص عليها في الفصول 25و 26 من القانون المذكور أعلاه، جميع الظروف التي من شأنها أن تثبت الجريمة أمام السلطات القضائية، و هو ما يعفي من إقامة محضر خاص إلا إذا تعلق الأمر بتفتيش صحبة حجز طبقا لمقتضيات المادة  من قانون المسطرة الجنائية[17].

أما الأختام المنصوص عليها في الفقرة الرابعة من الفصل 27 السالف الذكر، فإنها تخضع لإجراءات الحجز العامة، حيث يتلف المحجوزات و يختم عليها، و إذا كانت مما تستحيل الكتابة عليه، فإنها توضع في آنية أو كيس يجعل عليه المأمور قصاصة ورق يختم عليها بطابعه، وتوجه البضائع المحجوزة رفقة محضر الإثبات إلى وكيل الملك أو الوكيل العام للملك خلال 24 ساعة التالية لتحرير المحضر، حيث توضع لدى كتابة الضبط التي تسجلها و ترقمها في سجل أدوات الاقتناع ، على أن هذا الأجل يبقى خاص بحالة التلبس التي تتطلب الإسراع بالبت و كذا الحجز الواقع على البضاعة التي قد يشكل بقاؤها دون إتلاف خطرا على السلامة العامة.

جاء في الفقرة الثانية من الفصل 39 من قانون زجر الغش في البضائع أنه ” إذا كان هناك خطر على الصحة العامة، اتخذ عامل صاحب الجلالة بالإقليم أو العمالة باقتراح من رئيس المصلحة المختصة التدابير المفيدة لمنع بيع البضائع محل النزاع المصنوعة أو المحجوزة ، و تحجز البضائع الفاسدة أو السامة أو المنتهية صلاحيتها …”.

و انطلاقا من هذا المقتضى القانوني يتضح جليا أن الحجز مطلق كلما كانت البضائع فاسدة أو سامة أو انتهى أجل صلاحيتها، لكن بإحالة المشرع على الفصل 27 من القانون 13.83 المتعلق بزجر الغش في آخر الفقرة يصبح الحجز واجبا خصوصا و أن الأمر يتعلق بالمحافظة على السلامة و الصحة العامة للمواطنين و تبرز أهميته أكثر كلما كان الخطر محققا [18].

و الحجز باعتباره أحد الإجراءات التحفظية أبان عن جدواه في العديد من الحالات، ففي فرنسا في مارس 1986 حينما حامت شكوك حول نوع من اللقاح اعتبر بأنه السبب في العديد من الوفيات، قامت السلطات الفرنسية بحجز جميع الكميات المتوفرة في الصيدليات و المختبرات  و ثم نشر الخبر عن طريق الإعلام لإخبار المواطنين و الصيادلة.

و كذلك بالنسبة للمغرب في قضية المرتديلا في صيف 1999 حيث أدى إجراء الحجز و منع البيع إلى إيقاف حالة التسممات.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هو ما مصير هذه البضائع المحجوزة ؟

تجيب على هذا السؤال الفقرة الأخيرة من الفصل 27 من قانون زجر الغش في البضائع التي تنص على أنه ” إذا كان الأمر يتعلق بمنتجات ثبت أنها فاسدة أو سامة أو انتهى أجل صلاحيتها جاز للمأمور إتلافها أو تغيير طبيعتها ..”.

على أن هذا الأمر يجب أن يتم بحضور السلطة المحلية أو من يمثلها و أن يحتفظ بعينة من البضاعة و أن تتم معاينتها من طرف المأمور إذا تعلق الأمر بحالة التلبس.

و تجدر الإشارة إلى أن هناك فرق بين إتلاف البضائع أو تغيير طبيعتها المنصوص عليه في الفصل 27 من قانون زجر الغش في البضائع، و الذي يعتبر إجراء تحفظي يتخذ أثناء البحث التمهيدي و بين إتلاف البضائع أو تغيير طبيعتها المنصوص عليه في الفصل 11 من نفس القانون و الذي يتم بمقتضى حكم المحكمة  و يعتبر في هذه الحالة إجراء تدبيري عيني [19].

على أن القانون لم يحدد طريقة الإتلاف أو الوسيلة التي يتم بها، و بالتالي فان أية وسيلة يتم بها تكون صائبة شرط احترام وسائل الأمن و السلامة التي تتطلبها العملية حتى لا تكون عملية الإتلاف أخطر من بقاء البضاعة على حالها ، و نفس الشيء بالنسبة لتغيير طبيعة البضاعة  و التي لم يحدد لها المشرع هي الأخرى طريقة معينة، لذلك فعلى الرغم من أن قرار 6/12/1928 في فصله السابع كان قد نص على التعقيم إلا أن ظهير 5/10/1984 حذف هذه العملية درء احتمال احتفاظ البضاعة بالخطر إذا لم تتم عملية التعقيم على أحسن وجه[20].

الفقرة الثانية : إيقاف بيع البضائع الضارة بصحة المستهلك

يعتبر إيقاف بيع البضائع إجراءا مؤقتا نص عليه المشرع في الفصل 28 من القانون المتعلق بزجر الغش في البضائع التي تنص في فقرتها الأولى على أنه ” إذا رأى المأمور محرر المحضر عند أخذ عينة ما و لأسباب يجب بيانها في المحضر أن المنتوج المأخوذة منه العينة المشكوك في صلاحيتها للاستهلاك أو فاسد أو سام أو انتهى أجل صلاحيته، جاز له إشعار حائزه بوجوب إيقاف بيعه”.

إذا و انطلاقا من الفصل السالف الذكر أن مجرد ما يشك المراقب في المنتوج إلا و له الحق في إيقاف بيعه مؤقتا و هذا يوحي إلى الطابع الوقائي المتمثل في المحافظة على الصحة العامة.

و تجدر الإشارة أن هذا الإجراء التحفظي يتم عبر مجموعة من الإجراءات المسطرية أهمها إشعار السلطات المحلية بالقرار المتخذ لتراقبه و تنفذه و تسهر عليه و بذلك فان الامتناع من لدن البائع عن تنفيذ القرار يعرضه للعقوبات الجزائية المنصوص عليها في القانون .

لكن بما أن هذا الإجراء يعتبر إجراءا مؤقتا فقط فانه يبقى قابلا للرفع إما بقوة القانون إذا لم يكن هناك أية قرينة على الغش أو بأمر استعجالي يصدره رئيس المحكمة بناءا على طلب المعني بالأمر[21].

و تجدر الإشارة إلى أن قانون زجر الغش في البضائع لا يسري فقط على المنتوجات الوطنية بل تلك المستوردة من الخارج، إذ لهذه الغاية تعمل سلطات حفظ الصحة و مأمورو الجمارك الذين يعملون بالمطارات الأمنية و الحدود الترابية على تطبيق الفصل 41 من قانون زجر الغش في البضائع.

خاتمة:

و صفوة القول أن المشرع المغربي عمل بالفعل إلى إسناد مهمة حماية المستهلك إلى مجموعة من الأجهزة الإدارية، و سن لها ترسانة قانونية مهمة ، لكن و بالرغم من كل هذه المعطيات فان هذه الأجهزة لازالت تفتقد إلى الفعالية بسبب تعقد و تعدد المساطرو الأجهزة إضافة إلى تعدد الاختصاصات الموكولة إليهما .

ولكن كلمة حق يجب الاعتراف بها في حق هذه الأجهزة الإدارية، وهي أنها تقوم بواجبها في غالب الأحيان، فاللوم لا يمكن إلقاؤه عليها وحدها بل إن المسؤولية تقع كذلك على المجتمع المدني، بل و على المستهلك نفسه الذي يتستر على الكثير من الحالات.

لكن هذا لا يمنع من تقديم بعض الاقتراحات :

 

لائحة المراجع

الكتب

المقالات

الرسائل

المجلات

القوانين

 

[1]  -محمد محبوبي : مظاهر حماية المستهلك في التشريع المغربي ، مقال منشور بمجلة الفقه و القانون ، عدد نونبر 2010 ، ص 3

[2] – محمد محبوبي : مرجع سابق ، ص 12

[3]المادة 39 من المرسوم رقم 2.97.176 صادر في 14 من شعبان 1418 (15 ديسمبر 1997)  في شأن اختصاصات وتنظيم وزارة الداخلية.

[4]– المادة  16 مرسوم رقم 2.93.23 صادر في 21 من ذي القعدة 1413 (13 ماي 1993) في شأن تنظيم واختصاصات وزارة الفلاحة و الصيد البحري  الجريدة الرسمية عدد 4207 بتاريخ 16/06/1993.

[5] – المادة 13 من المرسوم رقم 2.93.23 صادر في 21 من ذي القعدة 1413 (13 ماي 1993)

في شأن تنظيم واختصاصات وزارة الفلاحة و الصيد البحري  الجريدة الرسمية عدد 4207 بتاريخ 16/06/1993

[6] – المادة 10 من المرسوم رقم 2.94.285 الصادر في 17 من جمادى الاخرة 1415 (21 نونبر 1994) في شأن اختصاصات و تنظيم وزارة الصحة العمومية  ج ر عدد 4286 بتاريخ 21/ 12/1994

[7] – المادة 8 من المرسوم رقم 2.94.285 الصادر في 17 من جمادى الاخرة 1415 (21 نونبر 1994) في شأن اختصاصات و تنظيم وزارة الصحة العمومية  ج ر عدد 4286 بتاريخ 21/ 12/1994

[8] – اصدارات مركز الدراسات و الابحاث الجنائية بمديرية الشؤون الجنائية و العفو ،سلسلة نصوص قانونية ،غشت 2011 ، العدد 5 ، ص29 .

[9] – انظر المادة 62 من قانون حرية الاسعار والمنافسة.

[10] – مهدي منير : المظاهر القانونية لحماية المستهلك ، أطروحة لنيل دكتوراه في الحقوق ، وحدة البحث و التكوين : قانون الأعمال ، كلية احقوق وجدة ، 2004/2005 ، ص 319.

[11] – الحسين بلحسني: قانون المنافسة وحرية الأسعار بين المؤثرات الخارجية و الاكراهات الداخلية، المجلة المغربية للاقتصاد والقانون،العدد 3 يونيو 2001 ، ص 28.

[12] – المادة 62 من قانون حرية الأسعار و المنافسة ، و الفصل 24 من قانون زجر الغش في البضائع.

[13] – للاطلاع على هذه البيانات راجع الفصل 25 من القانون 13-83 المتعلق بزجر الغش في البضائع . و المادة 63 من القانون المتعلق بحرية الأسعار و المنافسة.

[14]  – جواد الغماري : جرائم الغش في البضائع .مطبعة صوماديل –الطبعة الثانية 2002 ، ص 105

[15]  – كما نصت على ذلك الفصول 24و 29 من القانون 13.83 من قانون زجر الغش في البضائع

[16]  – الفصل 29 من قانون 13.83 المتعلق بزجر الغش في البضائع

 

[17] – جواد الغماري  : مرجع سابق ، ص 394

[18] – جواد الغماري  : مرجع سابق ، ص 396

[19] – جواد العماري : مرجع سابق ، ص398

[20] – جواد العماري : مرجع سابق ، ص 399

[21] – جواد العماري : مرجع سابق ،ص399

Exit mobile version