دور آلية الإنابة القضائية في التعاون الدولي

دور آلية الإنابة القضائية في التعاون الدولي

زكريــــاء الخيـــاطـــي

طالب باحث بسلك الدكتوراه

كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سلا

جامعة محمد الخامس الرباط

مقدمة

مع التزايد المطرد في نسبة الجريمة واستغلال المنظمات الإجرامية للمناخ الدولي المتسم بالمرونة لتوسيع مجال عمالياتها الإجرامية عبر الحدود، إما بطريق مباشر من خلال مد نشاطها الدولي، أو بطريق غير مباشر عن طريق انتشار شبكات دولية للمنظمات الإجرامية تتعاون فيما بينها، كان من الضروري التفكير في تقييم  أداء  أجهزة العدالة الجنائية الدولية، وخلق أجهزة نوعية متخصصة، ورفع كفاءة الأجهزة المختصة  بملاحقة الجريمة.

ولا تزال الجريمة عبر الوطنية من الموضوعات المطروحة للنقاش في المحافل ــــ العلمية الدولية والإقليمية ــــــ  لغرض التوصل إلى فهم مشترك لهذه الظاهرة، وخصائصها، بوصفها غالبا جريمة فاعلين متعددين، يرتكبها أفراد منتمون إلى مجموعة إجرامية تتجاوز حدود الدولة الواحدة.

الأمر الذي دفع بالمجتمع الدولي إلى البحث عن آليات جديدة تتلاءم وطبيعتها، وتطوير الوسائل التقليدية بما يكفل تضامن جهود الدول، وأجهزتها القائمة بمهمة مكافحة الجرائم عموماً والجريمة المنظمة على وجه الخصوص وذلك لتحقيق خلق مؤسسات أكثر ديناميكية، استجابة لسرعة  ظهورها  و تطورها.

 ذلك أن المكافحة المثلى للجريمة قد تتجاوز الوسائل التقليدية إلى وسائل أكثر جرأة  تدعم التعاون الرسمي المتخصص، سواء أكان ثنائيا أم متعدد الأطراف، بحيث يسمو على الخلافات السياسية والهيكلية التي تواجهها الحكومات، حيث لا يزال مبدأ السيادة من المبادئ الجوهرية التي تحد من فعالية التعاون الدولي ، ويعيق الأسس العلمية للتعاون الدولي اللازم والملائم لمكافحة الجريمة.

والتعاون القضائي الدولي هو الآلية الرئيسية للكفاح ضد الجريمة  بأبعادها المختلفة، مثل: الإرهاب الدولي، والاتجار غير المشروع بالأسلحة، المخدرات، والأشخاص، وغسل الأموال، وتزييف العملات، وغير ذلك من الجرائم التي ترتكبها منظمات إجرامية أو أشخاص طبيعية  أو اعتبارية  عن الأغراض التي أنشئت لأجلها.   

ويقصد بالتعاون هو ما تقدمه سلطات دولة لدولة أخرى من مساعدة وعون  في سبيل ملاحقة الجناة بهدف عقابهم على جرائمهم ، و ذلك من خلال تدابير وقائية تستهدف مواجهة الصيغة غير الوطنية للجريمة ، وتستجمع الأدلة  بمختلف  الطرق ، وهو ما يستغرق وقتاً ، ويتطلب إمكانات لا تملكها سلطات قانونية لدولة واحدة ما لم تدعمها وتساندها جهود السلطات القانونية في الدول الأخرى  .

و يستلزم لقيام هذا التعاون الدولي في المجال القضائي نشوء اتصالات مباشرة بين السلطات القضائية في مختلف البلدان، ولا يوجد أي بديل عن هاته الاتصالات المباشرة إذا أريد تحقيق العدالة والبحث في الجرائم وإماطة اللثام عن أدلتها وتحكم على فاعليتها، وبذلك فالإتقان في التحقيق والعدالة في الحكم والسرعة في إحقاق الحق كلها مزايا ضرورية في مثل هذا العصر ولا يمكن أن نصل إليها لا بتفعيل مؤسسة الإنابات القضائية[1].

ويقصد بالإنابة القضائية الدولية هي التفويض الذي يصدر عن القاضي المكلف بالتحقيق إلى قاض آخر للقيام مكانه بعمل من أعمال التحقيق، الذي يكون موضوعه محدد في طلب الإنابة وذلك في حالة وجود معاهدة قضائية تربط بين بلدين ما شريطة أن يوجهوا ذلك عن طريق الدبلوماسية الخارجية.

 ومنه يمكن طرح الإشكال الآتي :  إلى أي حد يمكن للإنابة القضائية المساهمة في مكافحة الجريمة المنظمة؟

وللإجابة عن هذا الإشكال سنعمد على التصميم التالي :

المبحث الأول : ماهية الإنابة القضائية الدولية والجريمة المنظمة

المطلب الأول: ماهية الإنابة القضائية الدولية

المطلب الثاني: ماهية الجريمة المنظمة

المبحث الثاني : الإنابة القضائية الدولية ودورها في مكافحة الجريمة المنظمة

المطلب الأول: الأساس القانوني للإنابة القضائية الدولية في مكافحة الجريمة المنظمة

المطلب الثاني: إجراءات الإنابة القضائية الدولية في مكافحة الجريمة المنظمة

المبحث الأول : ماهية الإنابة القضائية الدولية والجريمة المنظمة

التعاون القضائي الدولي هو الآلية الرئيسية للكفاح ضد الجريمة بأبعادها المختلفة، مثل: الإرهاب الدولي، والاتجار غير المشروع بالأسلحة، والمخدرات، والأشخاص، وغسيل الأموال، وتزييف العملات، وغير ذلك من الجرائم التي ترتكبها منظمات إجرامية أو أشخاص طبيعية أو اعتبارية عن الأغراض التي أنشئت لأجلها. 

وسنعمل من خلال هذا المبحث الوقوف على مفهوم الإنابة القضائية الدولية في (مطلب أول) على أن نتناول تعريف الجريمة المنظمة وخصائصها في (مطلب ثاني).

المطلب الأول: ماهية الإنابة القضائية الدولية

الإنابة القضائية الدولية  ناتجة عن  الواجبات أو الالتزامات التي يفرضها القانون الدولي العام على الأمم المتحدة وبموجبها يعهد للسلطات القضائية – المطلوب منها اتخاذ إجراء – القيام بالتحقيق أو بالعديد من التحقيقات، لمصلحة السلطة القضائية المختصة في الدول الطالبة، مع مراعاة احترام حقوق وحريات الإنسان المعترف بها عالمياً، ومقابل ذلك تتعهد الدولة الطالبة للمساعدة بالمعاملة بالمثل ، و احترام النتائج القانونية التي توصلت إليها الدولة المطلوب منها المساعدة القانونية[2].

وتعني الإنابة وفقاً للمادة السادسة من اتفاقية الإعلانات والإنابات القضائيةأنه: لكل من الدول المرتبطة بهذه الاتفاقية أن تطلب إلى أية دولة منها أن تباشر في أراضيها نيابة عنها أي إجراء قضائي متعلق بدعوى قيد النظر، وفقاً لأحكام المادتين السابعة والثامنة.

كما يقصد بالإنابة القضائية قيام الدولة بالطلب إلى دولة أخرى عبر السلطات القضائية المختصة لديها القيام في إقليمها وبالنيابة عنها بأي إجراء قضائي عائد لدعوى أو تحقيق عالق لديها. وقد تتناول الإنابة مسائل مدنية أو تجارية أو قضايا الأحوال الشخصية كما القضايا الجزائية .  ويتنوّع موضوع الإنابة القضائية أو ما يسمى أيضاً  بالمساعدة القانونية، التي من الممكن تبادلها بين الدول، تبعاً للغرض الذي تسعى الدولة الطالبة إلى الحصول عليه إكمالاً لمسار تحقيق قائم لديها، فيتناول عدة أمور ويشمل موضوعات عدة ، منها : 

أ – تبليغ مختلف الأوراق القضائية من مذكرات عدلية على اختلاف أنواعها .

ب- تنفيذ عمليات تفتيش لأماكن مشتبه بها كملجأ لأشخاص مطلوبين أو بإمكانية  احتوائها على عائدات جرمية .

ج- الاستماع إلى مشتبه بهم أو إلى شهود .

د- الاستحصال على مستندات أو وثائق ذات صلة بالفعل الجرمي موضوع طلب المساعدة .

ه- الاستحصال على معلومات أو أدلة .

و- ضبط أدوات أو عائدات جرمية .

ز- إجراء معاينة .

ح- تحليف يمين.

وغير ذلك من مسائل تطرأ على مسار التحقيق أو الدعوى ، فلا يكون من مجال للاستحصال على معلومات وتفاصيل تخصّها إلاّ من خلال طلبات مساعدة توجه خارج إقليم الدولة إلى دولة أخرى. قد يكون متواجداً على إقليمها الشخص المطلوب سماع إفادته، الشخص المطلوب إبلاغه، المعلومات والأدلة المفيدة في التحقيقات، الأدوات الجرمية أو عائدات الجرم … وغير ذلك من المعطيات التي تظهر أثناء مسار هذا التحقيق أو أية قضية عموماً .

ويكون من شأن رفض مثل هذه الطلبات عرقلة سير التحقيقات الجارية في البلد طالب المساعدة وإعاقة أعمال التحقيق وإخفاء معالم الجرائم كما واختفاء مرتكبيها بل وفي أحيان كثيرة السمـاح لهؤلاء بإيجاد ثغرات  آمنة مما يتيح الفرصة أمامهم للتخطيط ولتنفيذ أعمال إجرامية أخرى قد تطال البلد حيث يتواجدون.  

وتهدف الإنابة القضائية إلى نقل الإجراءات في المسائل الجنائية، لمواجهة ما تشهده الظواهر الإجرامية من تطور، وتذليل العقبات التي تعترض سير الإجراءات الجنائية المتعلقة بقضايا ممتدة خارج الوطنية. والإنابة القضائية تجد أساسها في القوانين الوطنية، وفي الاتفاقيات الدولية و في مبدأ المعاملة بالمثل …

المطلب الثاني: الجريمة المنظمة (الجريمة عبر وطنية )

الفقرة الأولى : مفهوم الجريمة المنظمة عبر الوطنية

على الرغم من الخطورة البالغة للجريمة المنظمة ومع تعدد الدراسات التي تناولت ظاهرة الإجرام المنظم سواء كانت هذه الدراسات على المستوى الوطني أو على المستوى الدولي إلا أنه لا يوجد حتى الآن تعريف جامع متفق عليـه لهذه الجريمة وذلك بسبب تعدد أنواع وأشكال الجريمة المنظمة .

وبناء عليه سوف نتناول التعريف اللغوي، وبعض آراء الفقه كما سنتناول الجهود والمساعي الدولية لتعريف الجريمة المنظمة في هذه الفقرة.

أولا : التعريف اللغوي:

تفيد كلمة الجريمة والجرم لغة: الذنب ، تقول منه ( جرم و أجرم و اجترم ) والجِرم بالكسر للجسد وقولة تعالى( ولا يجرمنكم شنآن قوم) أي لا يحملنكم و ( تجرم) علية أي ادعى علية ذنبا لم يفعله .

كما يطلق لفظ الجريمة على المخالفة القانونية التي يقرر القانون لها عقاباً بدنيا أو معنوياً. أما كلمة المنظمة فهي مشتقة من ( نظم) اللؤلؤ جمعه في السلك ومن( نظم) الشعر و( الانتظام) الاتساق ويفيد فعل نظم التدليل على الوضع أو الحالة التي تكون عليها الجماعة أو الاتحاد الذي تجمعت إرادة الأعضاء فيه على تحقيق أغراض معينة[3] .

ثانيا: التعريف الفقهي:

توالت الجهود الفقهية للبحث عن صيغة مثلى لتعريف هذه الجريمة لذلك تعددت التعريفات التي يتميز كل منها بالتركيز على عنصر قانوني من عناصر الجريمة المنظمة بهدف تيسير الأمر للسلطات التشريعية والقضائية .

ومن هذه التعريفات التعريف بأنها الظاهرة الإجرامية التي يكون وراءها جماعات معينة تستخدم العنف أساسا لنشاطها الإجرامي وتهدف إلى الربح، وقد تمارس نشاطها داخل إقليم الدولة أو تقوم بأنشطة إجرامية عبر وطنية، أو تكون لها علاقات بمنظمات متشابهة في دول أخرى .[4]

وتجدر الإشارة هنا إلى أن كون الجريمة المنظمة عابرة للأوطان هو صفة قد تلحق بالجريمة المنظمة وقد لا تلحق بها فإن توافرت هذه الصفة اعتبرت الجريمة المنظمة عبر وطنية وإن لم تتوافر اعتبرت جريمة منظمة ترتكب داخل حدود الدول .

كما حددت المادة (3) فقرة (2) من اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والموقعة في باليرمو من عام 2000 متى تعتبر الجريمة المنظمة عبر وطنية، حيث تكون الجريمة المنظمة عبر وطنية، إذا ارتكبت في أكثر من دولة أو إذا تم التخطيط أو الإعداد أو الإشراف في دولة وارتكبت في دولة أخرى ، أو إذا ارتكبت في دولة وارتكبتها جماعة إجرامية منظمة تمارس نشاطها الإجرامي في أكثر من دولة أو إذا ارتكبت في دولة وكان لها آثار شديدة في دولة أخرى.

كما عرفت الجريمة المنظمة بأنها فعل أو أفعال غير مشروعة ترتكبها جماعة إجرامية ذات تنظيم هيكلي متدرج ، وتتمتع بصفة الاستمرارية ويعمل أعضاؤها وفق نظام داخلي يحدد دور كل منهم ، ويكفل ولاءهم وإطاعتهم للأوامر الصادرة من رؤساهم وغالبا ما يكون الهدف من هذه الأفعال الحصول على الربح، وتستخدم الجماعة الإجرامية التهديد أو العنف أو الرشوة لتحقيق أهدافها كما يمكن أن يمتد نشاطها الإجرامي عبر عدة دول .[5]

ويعرفها البعض بأنها مشروع إجرامي يقوم على أشخاص يوحدون صفوفهم للقيام بأنشطة إجرامية دائمة ومستمرة، ويتميز هذا التنظيم بكونه يشبه البناء الهرمي وتحكمه لوائح ونظم داخلية لضبط سير العمل داخله في سبيل تحقيق أهدافه باستخدام وسائله من عنف وتهديد وابتزاز ورشوة لإخضاع وإفساد المسؤولين سواء في أجهزه إدارة الحكم أو أجهزة إدارة العدالة وفرض السيطرة عليهم بهدف تحقيق الاستفادة القصوى من النشاط الإجرامي ، سواء كان ذلك بوسائل مشروعة أو غير مشروعة .

كما عرفت على أنها جريمة جماعية لايرتكبها شخص واحد ، تهدف إلى تحقيق أرباح مادية من خلال ممارستها لعدد من الأنشطة المشروعة وغير المشروعة واستخدامها للعنف أو التخويف أو أي أدوات ترغيب أخرى كدفع الرشاوى وتقديم الخدمات لمن يتعاون معها في تحقيق أهدافها الإجرامية، فضلا عن النظام الصارم الذي يقوم عليه هيكلها الداخلي .[6]

ولقد تعددت الجهود الدولية لتعريف الجريمة المنظمة وسنتناول فيما يلي أهم الجهود التي قيل بها في هذا الصدد:

تعريف الأنتربول للجريمة المنظمة:

انتهت الندوة الأولية التي عقدها الأنتربول حول الجريمة المنظمة بفرنسا في (مايو من سنة 1988م) إلى تعريف الجريمة المنظمة بأنها جماعة من الأشخاص تقوم بحكم تشكيلها بارتكاب أفعال غير مشروعة بصفة مستمرة ، وتهدف بصفة أولية إلى تحقيق الربح ، ولو تجاوزت أنشطتها الحدود الوطنية .

إلا أن هذا التعريف وردت علية، ملاحظات من عدة دول، كالولايات المتحدة الأمريكية وكندا، حيث أنه لم يشر إلى استخدام العنف لتحقيق أهداف الجماعة المنظمة، مما جعل الأنتربول يعيد تعريفه للجريمة المنظمة ويضيف شرطاً في تكوين الجماعة المنظمة وهو الهيكل التنظيمي ويضيف عنصراً جديداً وهو الاعتماد غالبا على التخويف والفساد في تنفيذها لأهدافها .[7]

تعريف الاتحاد الأوروبي للجريمة المنظمة :

وضعت في( سنة 1993) مجموعة مكافحة المخدرات والجريمة المنظمة بالاتحاد الأوروبي تعريفا للجريمة المنظمة بأنها جماعه مشكلة من أكثر من شخصين تمارس نشاطاً إجراميا بارتكاب جرائم جسيمة لمدة طويلة أو مدة غير محددة ويكون لكل عضو فيها مهمة محددة في إطار التنظيم الإجرامي، وتهدف للحصول على السطوة أو تحقيق الأرباح وتستخدم في ارتكابها الجريمة العنف والتهديد، والتأثير على الأوساط السياسية والإعلامية والاقتصادية والهيئات القضائية .[8]

تـعـريـف المـؤتمـر الـدولي الـسـادس عشر:

اهتم المؤتمر الدولي السادس عشر والمنعقد في( بودابست في سبتمبر من عام 1999م ) بتحديد عدة خصائص تتوافر في الجريمة المنظمة يسبقها شرط ضروري هو الهدف من الجريمة وهو الحصول على الربح أو الوصول إلى السلطة أو الاثنين معا ، وذلك من خلال استخدام مستوى عال من التنظيم .

وتتمثل هذه الخصائص فيما يلي:

  1. تقسيم العمل داخل التنظيم.
  2. تكييف أعضاء التنظيم مع أهدافه.
  3. السرية.
  4. الخلط بين الأنشطة المشروعة وغير المشروعة.
  5. تفادي تطبيق القانون من خلال التخويف والفساد.
  6. القدرة على نقل الأرباح .

تعريف الأمم المتحدة للجماعة الإجرامية المنظمة:

بسبب الخطر العالمي الذي تمثله الجريمة المنظمة أصدرت الأمم المتحدة اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والتي عرفت هذه الجريمة في مادتها الثانية بأنها جماعه ذات هيكل تنظيمي تتألف من ثلاثة أشخاص فأكثر ، موجودة لفترة من الزمن وتعمل بصورة متضافرة بهدف ارتكاب واحدة أو أكثر من الجرائم الخطيرة أو الأفعال المجرمة وفقا لهذه الاتفاقية ، من اجل الحصول بشكل مباشر أو غير مباشر على منفعة مالية أو منفعة مادية أخرى [9].

وبالنظر إلى التعاريف السابقة نستخلص أن تعريف الجريمة المنظمة عبر الوطنية يعتمد على تحديد عدة عناصر ، وهي أن ترتكب الجريمة من مجموعة أشخاص يجمعهم تنظيم هرمي محدد بهدف تحقيق الربح بممارستها لأنشطة مشروعة وغير مشروعة وغالبا ماتستخدم التهديد والعنف والرشوة إضافة إلى إمكانية امتداد أنشطتها إلى خارج حدود الدولة.

الفقرة الثانية : آليات مكافحة الجريمة المنظمة على الصعيد الدولي

سنتطرق في هذا المطلب إلى أهم الآليات المتبعة في محاربة الجريمة المنظمة وذلك من خلال التعاون الدولي والتعاون القضائي :

أولاً :التعاون الدولي

يعتبر التعاون الدولي ضرورة لمكافحة الجريمة المنظمة وذلك للطبيعة الخاصة لهذه الجريمة التي لا تقتصر آثارها على دولة واحدة، بل تصل عدة دول ويصعب أو يستحيل على بعض الدول مكافحتها لوحدها، فالجريمة المنظمة قد يتم التخطيط لها في بلد ما ويتم تنفيذها في بلد أخر وتمتد آثارها إلى دول أو عدة دول ، ويتم غسل الأموال المحصلة من هذه الجريمة في بلد رابع، وهذا ما يظهر لنا أهمية التعاون الدولي لمكافحة الجريمة المنظمة  العابرة للحدود الوطنية.

إذن التعاون الدولي شرط أساسي لمكافحة الجريمة المنظمة، وهو ما سنتناوله في هذه الفقرة  حيث سنتناول الجهود الدولية في مكافحة الجريمة المنظمة من ثم سوف نتناول التعاون الأمني ودور الأنتربول في مكافحة الجريمة المنظمة  على أن نتطرق في أخير هذه الفقرة  إلى مجموعة من الهيئة الدولية المعنية بمكافحة الجريمة المنظمة.

يتخذ التعاون الدولي في مكافحته الجريمة المنظمة عدة أشكال ومن أهمها الاتفاقيات الدولية حيث أنه في مجال الاتفاقيات الدولية كان التعاون الدولي في مواجهة الجريمة المنظمة في السابق يعتمد على مواجهة كل جريمة على حدة ومن أمثلة ذلك: الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمخدرات ، والاتفاقات الخاصة بمكافحة الاتجار بالأشخاص والاتفاقيات الخاصة بمكافحة  تزييف الأموال ، ولكن بعد تنامي خطر جماعات الجريمة المنظمة وزيادة نشاطها أصبح المجتمع الدولي يتعامل معها كجريمة واحدة وهو ما دلت عليه عدة مؤتمرات واتفاقيات كان آخرها اتفاقيه مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية في باليرمو سنة 2000.

والتعاون الدولي في هذا المجال يكون بالانضمام إلى الاتفاقيات الدولية المتعلقة بهذه الجريمة، واستحداث اتفاقيات جديدة متعددة الأطراف أو ثنائية تجرم الأنشطة المتجددة التي تمارسها عصابات الجريمة المنظمة .[10]

كما أن هناك شكلاً آخر من التعاون الدولي في مكافحته الجريمة المنظمة والمتعلق بالنصوص التشريعية، حيث تقوم عصابات الجريمة المنظمة باستغلال الاختلاف في النصوص التشريعية بين الدول فتمارس أنشطتها في الدول التي لا تجرم هذه الأفعال أو التي تكون فيها العقوبة أقل لذلك ينبغي أن يكون هناك تعاون دولي في مجال النصوص التشريعية بحيث يتم وضع تعريفات مشتركة للجرائم المتجددة التي ترتكبها عصابات الجريمة المنظمة ووضع نصوص عقابية للفاعلين الأصليين والشركاء بحيث لا يفلت منها أحد.

و قد نصت على هذا النوع من التعاون عدة مواد من اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية كالمادة (18) والخاصة بالمساعدة القانونية المتبادلة والتي تدعو الدول الأطراف إلى أن تقدم كل منها للأخرى أكبر قدر ممكن من المساعدة القانونية والقضائية ,والمادتين (26،27) واللتين تدعوان إلى وضع تدابير تعزز من التعاون مع أجهزة القانون في مجال اتخاذ القانون ، كما يعتبر من أوجه التعاون الدولي دراسة الجريمة المنظمة وتوجهاتها ووضع خطط مشتركة لمواجهتها.

أما فيما يخص التعاون الأمني تم إنشاء الأنتربول في فيينا سنة1923م، وأصبحت في عام1971م  تتمتع بالشخصية القانونية الدولية بعد إبرامها مع الأمم المتحدة اتفاقية دولية كمنظمة دولية حكومية ، ويبلغ عدد أعضائها(177) وتمتعها بالشخصية القانونية لا ينقص من سيادة الدول المشتركة في عضويتها ويهدف الأنتربول إلى التنسيق والبحث والتقصي وتقديم الخبرة والإرشادات في مجال مكافحة الجريمة عموما والجريمة المنظمة على وجه الخصوص ، كما يهدف إلى تحسين العلاقة المتبادلة بين الأجهزة الشرطية ، وتحسين أداء التنظيمات الخاصة بمكافحة الجريمة المنظمة [11].

ونصت المادة (1) من ميثاق إنشاء الأنتربول على أن أهدافه هي:

1) تشجيع وتطوير المساعدة المشتركة بين سلطات الشرطة الجنائية وتنميتها على نطاق واسع في إطار قوانين الدول المختلفة وبالاتفاق مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

2) إقامة وتنمية النظم الفعالة التي تساهم في منع ومكافحة جرائم القانون العام دون التدخل في أنشطة سياسية أو عسكرية أو دينية أو عرفية كما نصت المادة الثالثة من الميثاق وتمارس منظمة الأنتربول عملها عن طريق مكاتبها الموجودة في كل دولة من الدول الأعضاء، وتعتبر هذه المكاتب أساس التعاون الدولي في مكافحة الجريمة، وتقوم هذه المكاتب بجمع البيانات والمعلومات اللازمة في مكافحة الجريمة وتبادلها مع المكاتب الأخرى الموجودة في الدول الأعضاء ، كما تقوم بالاستجابة لطلبات المكاتب الأخرى الموجودة في دول الأعضاء في إطار القوانين الوطنية.

وفي مكافحتها للجريمة المنظمة قامت في يناير من عام 1990م بإنشاء مجموعة متخصصة في السكرتارية العامة في الأنتربول أطلق عليها ( مجموعة الإجرام المنظم) وتقوم هذه المجموعة بتزويد الدول الأعضاء بالمعلومات الخاصة بالتنظيمات الإجرامية أما بالنسبة للهيئات الدولية  فأهم هذه الهيئات هي:[12]

لجنة المخدرات بهيئة الأمم المتحدة:

وتعتبر من أهم الهيئات نشاطا في مجال الإحصاء و الإمداد بالمعلومات والحد من انتشار هذه الظاهرة عبر محاولة القضاء على زراعة المخدرات وتعويضها بمحاصيل لها فائدة كالشاي و القهوة القطن الكاكاو… وتعتبر هذه الهيئة الأداة الرئيسية للأمم المتحدة في محاربة الجريمة المنظمة خاصة بعد الإمضاء على اتفاقية 1988 الخاصة بمكافحة المخدرات و المؤثرات العقلية.

لجنة الأمم المتحدة للوقاية من الجريمة والعدالة الجنائية:

يعتبر دورها مماثلا للجنة المخدرات غير أن عملها يقتصر على جرائم أخرى وخطرها على الفرد والمجتمع والدول كاستعمال وتشغيل القصر في الدعارة بالرغم من عدم بلوغهم سن العمل.

المجلس الأوروبي:

هو الأقدم والأكثر شمولية من كافة التنظيمات الأوروبية الأخرى حيث يغطي كافة مجالات الإجرام ماعدا مسألة الدفاع وقد قام المجلس الأوروبي خلال السنوات الماضية بأنشطة متعددة منها الاتفاقية الخاصة بمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات عبر البحار وذلك تنفيذا للمادة 17 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير مشروع في المخدرات.

الاتحاد الأوروبي:

حيث بدأ التعاون الأمني نشاطه بعد التوقيع على معاهدة الوحدة الأوروبية عام1993حيث وفي نفس السنة تم إنشاء وحدة شرطة المخدرات داخل الهيكل التنظيمي للاتحاد, وبدأت الوحدة عملها بمقرها في لاهاي بهولندا عام 1994 حيث تم دورها في مكافحة المنظمات الإجرامية المخدرات غسيل الأموال و ذلك من خلال التبادل الثنائي للمعلومات بين ضبط اتصال الدول الأعضاء الذين يعملون مع فرق الوحدة كما تم في سنة1995  التوقيع بين الدول الاتحاد على اتفاقية إنشاء مكتب شرطة الجنائية الأوروبية لمساعدة دول الاتحاد على التعاون الوثيق في مكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات وأشكال أخرى من الجرائم العابرة للدول و ذلك عن طريق تبادل المعلومات بين الأجهزة الأمنية المختصة بصورة منظمة وشاملة وسرية والاحتفاظ بقواعد معلومات متجددة.

جامعة الدول العربية:[13]

إحساسا من الدول العربية بتنامي ظاهرة الإجرام المنظم وعبوره للدول ومدى خطورته مستقبلا أن لم توضع له الوسائل الردعية الكفيلة بمحاربة حيث أن أول خطوة بدأتها جامعة الدول العربية تمثلت في إنشاء مكتب دائم لقضايا المخدرات و الحد من انتشارها و كان ذلك عام 1950.

المنظمة العربية للدفاع الاجتماعي ضد الجريمة:

تم إنشاءها عام 1960 حيث يتمثل عملها في توطيد العمل الجماعي في مكافحة الجريمة المنظمة وتجسيد إنشاء آليات للتعاون الأمني الإقليمي العربي.

مؤتمرات قادة الشرطة والأمن العرب:

تم استحداثه في ديسمبر1992 حيث تم في هذا الصدد إعداد برنامج للتعاون  الذي يشمل تبادل المعلومات والخبرات وكذا التنسيق من اجل مكافحة فعالة للإجرام بصفة عامة و الإرهاب بصفة خاصة.

مؤتمرات وزراء الداخلية العرب:

إن مجلس وزراء الداخلية العرب هو الهيئة الرئيسية التابعة لجامعة الدول العربية و التي تنسق التعاون بين الدول العربية في ميدان الأمن الداخلي و مكافحة الجريمة المنظمة.

الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب:

يشمل دورها تبادل المعلومات والخبرات و التنسيق الفعال لمكافحة هذه الظاهرة الخطيرة على مجتمعنا.

الأوروجست[14]:

الأوروجستEUROJUST  هذه الهيئة الاتحادية أنشأت بقرار المجلس الاتحادي في28/02/2002 بهدف تدعيم مكافحة كل أشكال الخطيرة للإجرام و تعزيز التعاون القضائي في مجال المكافحة و تسهيل تنسيق العمل التحقيقات و المتابعات القضائية في فضاء الدول الأعضاء بخصوص الجريمة الخطيرة  .

إن هذا التعاون الأمني في المجال الدولي الثنائي أو المتعدد الجوانب الأوروبول  يعود إلى جهود بعيدة حيث جاء رغبة في تعزيز الجهود الخاصة بمكافحة المجرمين، وجاءت فكرة إنشاء هيـئة بوليسية نشيطة كأداة لمكافحة الجريمة المنظمة حيث يعتـبر الأوروبول ( جهاز الشرطة الأوروبية) هيكلا يقوم بمساعدة أجهزة السلطات الوطنية المكلفة بالمتابعة القضائية والأمن خاصة في المجال التنسيق التحقيق الأبحاث وتحديد استراتيجيات العمل على المستوى الأوروبي.

ثانياً : التعاون القضائي

يقصد بالتعاون القضائي تعاون السلطات القضائية في مختلف الدول لمكافحة الجريمة المنظمة ، ويهدف هذا التعاون إلى التقريب من الإجراءات الجنائية من حيث إجراءات التحقيق والمحاكمة إلى حين صدور الحكم على المحكوم وضمان عدم إفلاته من العقاب نتيجة لارتكابه جريمته في عدة دول والتنسيق بين السلطات القضائية في هذا الشأن للاتفاق على معايير موحدة.

ويعتبر التعاون القضائي ضرورة في مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية ويأخذ هذا التعاون عدة أشكال: مثل تبادل الخبرات والمعلومات القضائية والمساعدة التقنية أو الإنابة القضائية أو المصادرة أو تسليم المجرمين الهاربين أو الاعتراف بالأحكام الجنائية ، أو نقل الإجراءات  الجنائية وغير ذلك من صور التعاون القضائي، وقد نصت على هذا النوع من التعاون المادة(18) من اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة، حيث  قضت هذه المادة بأن على الدول الأطراف تقديم أكبر قدر ممكن من المساعدة القضائية في التحقيقات أو المحاكمات فيما يتعلق بالجرائم المشمولة بهذه الاتفاقية[15].

وسوف نقوم بتطرق فقط  لتسليم المجرمين بإعتباره أبرز صورة ويقصد بتسليم المجرمين أن تقوم دولة ما بالتخلي عن شخص مقيم على أراضيها وتقوم بتسليمه إلى دولة أخرى لتتولى بمقتضى قوانينها محاكمته عن جريمة منسوبة إليه، أو لتنفيذ حكم صادر عليه من محاكمها ويعتبر قرار التسليم قراراً سيادياً وليس قرار من السلطة القضائية ويتم عادة بالطريق الدبلوماسي ، ولكن تقوم الدولة بإحالة الطلب إلى محاكمها الوطنية لتفصل في مدى صحة هذا الطلب، وقد تستند الدول في تسليمها للمجرمين إلى اتفاقيات دولية سواء كانت متعددة الأطراف أو اتفاقيات ثنائية ، كما قد تستند إلى مبدأ المعاملة بالمثل وهو قبول الدولة تسليم المجرمين إلى دولة أخرى شريطة أن تتعهد الدولة الطالبة بالموافقة على طلبات التسليم.

وتشترط الدول لتسليم المجرمين إلى الدول الأخرى أن يكون الفعل الذي ارتكبه هذا الشخص مجرما في قانونها الداخلي وهو ما يعبر عنه بازدواج التجريم، وجاءت اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لتأكد على هذا المبدأ في المادة (18) فقرة (9) ولكن بسبب طبيعة عصابات الجريمة المنظمة والتجدد المستمر للجرائم التي ترتكبها أعطت نفس المادة الدول الموقعة – متى ما رأت ذلك مناسبا حسب تقديرها – الحق في تسليم المجرم إلى دولة أخرى وإن كان الفعل الذي ارتكبه غير مجرم في القانون الداخلي لهذه الدولة.
إذ يعتبر تسليم المجرمين من التدابير والوسائل الفعالة في مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية ، نظرا لامتداد أنشطتها الإجرامية بين الدول ، فضلا عن استغلالها لسهولة التنقل بين دول العالم مصادرة الأموال المتحصلة في الجريمة المنظمة تعتبر مصادرة الأموال المتحصلة من الجريمة من أكثر الوسائل فاعلية في مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لأن المصادرة تقضي على الهدف الرئيس لعصابات الجريمة المنظمة وهو الربح وهو ما يؤدي إلى شلل هذه التنظيمات، وعادة ما تقوم عصابات الجريمة المنظمة بإخفاء الأموال المتحصلة من الجريمة في دول أخرى غير التي ارتكبت فيها الجريمة  .وقد قضت اتفاقيه مكافحة الجريمة المنظمة بهذا  التعاون في المادة (12) فقرة  (1) بأنه على الدول الموقعة تقديم أقصى ما يمكن من مساعدة في حدود القوانين الداخلية والأغراض المصادرة كما أعطت الفقرة (6) من المادة نفسها السلطات القضائية في الدول الموقعة أن تأمر بتقديم السجلات المصرفية أو المالية أو التجارية أو التحفظ عليها ولا يجوز لها الاحتجاج بالسرية المصرفية للامتناع عن القيام بهذا الأمر كذلك على كل دولة طرف في هذه الاتفاقية، تتلقى طلبا من دولة أخرى بمصادرة أموال أو معدات أو أشياء أخرى متعلقة بالجريمة على إقليمها عليها أن تقوم بإحالة الطلب إلى سلطاتها المختصة لاستصدار حكم مصادرة أو تنفيذ أمر مصادرة صادر بالفعل أو تنفيذ حكم مصادرة صادر من الدولة الطالبة بالقدر المطلوب وفي حدود الطلب مادة (13) فقرة (1) بالإضافة إلى مواد أخرى من الاتفاقية اهتمت بالتعاون القضائي في مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية[16]، كما دعت الاتفاقية الدولية إلى أن تقوم بإبرام اتفاقيات متعددة الأطراف أو ثنائية في سبيل المزيد من التعاون الدولي لتسهيل إجراءات مصادرة الأموال المحصلة من الجريمة المنظمة.

المبحث الثاني : الإنابة القضائية الدولية ودورها في مكافحة الجريمة المنظمة

 أولى الفقه الجنائي التعاون القانوني اهتماماً بالغاً لتحقيق القدرة على التصدي للإجرام عبر الوطني، وسد أوجه القصور القانوني التي ساعدت المنظمات الإجرامية على اختراق النظم القانونية .

وتعد المساعدة القانونية المتبادلة في المسائل الجنائية من الآليات الفعالة لمواجهة الجريمة خصوصاً، والإجرام بوجه عام، لما للتعاون – في مجال الإجراءات الجنائية – من دور في التوفيق بين حق الدولة في ممارسة  اختصاصها الجنائي داخل حدودها الإقليمية وحقها في توقيع العقاب.

والمشرع المغربي قد نص عليها في قانون المسطرة الجنائية في الباب الثاني من القسم الثالث المعنون بالعلاقات القضائية مع السلطات الأجنبية.

وسنعمل في هذا المبحث دراسة الأساس القانوني للإنابة القضائية الدولية في مكافحة الجريمة المنظمة في (مطلب أول)، على أن نقوم في (المطلب الثاني) لمناقشة إجراءات الإنابة القضائية الدولية في مكافحة الجريمة المنظمة.

المطلب الأول: الأساس القانوني للإنابة القضائية الدولية في مكافحة الجريمة المنظمة

الإنابة القضائية مظهر من مظاهر التعاون الدولي بين الهيئات القضائية وقد حرصت الدول على تنظيم مجموعة من الإجراءات التي تحكم الإنابة وما يتصل بها إيثارا منها على إرساء قواعد العدالة مع المحافظة على استقلالها وبسط سيادتها على إقليمها، وتهدف هذه الإنابة القضائية إلى نقل الإجراءات في المسائل الجنائية، لمواجهة ما تشهده الظواهر الإجرامية من تطور، وتذليل العقبات التي تعترض سير الإجراءات الجنائية المتعلقة بقضايا ممتدة خارج الوطنية بما يكفل إجراء التحقيقات اللازمة لتقديم المتهمين للمحاكمة والتغلب على عقبة السيادة الإقليمية التي تمنع الدولة الأجنبية من ممارسة بعض الأعمال القضائية داخل أقاليم الدول الأخرى، كسماع الشهود أو إجراء التفتيش وغيرها. والإنابة القضائية تجد أساسها في القوانين الوطنية، وفي الاتفاقيات الدولية وفي مبدأ المعاملة بالمثل.

ولقد حرصت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية على نقل الإجراءات الجنائية ــــــ الإنابة القضائية ـــــــ فنصت في المادة 21 على أنه : ” يتعين على الدول الأطراف أن تنظر في إمكانية أن تنقل إحداها إلى الأخرى إجراءات الملاحقة المتعلقة بجرم مشمول بهذه الاتفاقية، في الحالات التي يعتبر فيها ذلك النقل في صالح التسيير السليم للعدالة، وخصوصا عندما يتعلق الأمر بعدة ولايات قضائية وذلك بهدف تركيز الملاحقة[17] .

كما نصت المادة التاسعة من الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب على أن: ” لكل دولة متعاقدة أن تطلب إلى أي دولة أخرى متعاقدة، القيام في إقليمها نيابة عنها بأي إجراء قضائي متعلق بدعوى ناشئة عن جريمة إرهابية وبصفة خاصة[18] :

  • سماع الشهود والأقوال التي تؤخذ على سبيل الاستدلال.
  • تبليغ الوثائق القضائية.
  • تنفيذ عمليات التفتيش والحجز.
  • إجراء المعاينة وفحص الأشياء.
  • الحصول على المستندات والوثائق أو السجلات اللازمة، أو نسخ مصدقة منها”.

ونصت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية على أحكام مهمة بهدف إنشاء أجهزة مشتركة للتحقيق، حتى توفر للدول الأطراف فرصة عقد التفاهم الثنائي أو متعدد الأطراف بشأن الإجراءات القضائية في دولة أو أكثر، على أن يوضع الاحترام التام والكامل لسيادة الدولة الطرف التي يتم التحقيق على أراضيها، وهو ما يؤكده نص المادة التاسعة عشرة الخاصة بالتحقيقات المشتركة والتي تنص: ” يتعين على الدول الأطراف أن تنظر في إبرام اتفاقات أو ترتيبات ثنائية أو متعددة الأطراف تجيز للسلطات المختصة المعنية أن تنشئ هيئات تحقيق مشتركة، فيما يتعلق بالمسائل التي هي موضع تحقيقات أو ملاحقات أو إجراءات قضائية في دولة أو أكثر. وفي حال عدم وجود اتفاقات أو ترتيبات كهذه، يجوز القيام بالتحقيقات المشتركة بالاتفاق في كل حالة على حدة. ويتعين على الدول الأطراف المعنية أن تكفل الاحترام التام لسيادة الدولة الطرف التي سيجري ذلك التحقيق داخل إقليمها”.

المطلب الثاني: مجالات وإجراءات الإنابة القضائية الدولية والموانع التي تحول دون تنفيذها

إن الإحساس بأهمية التعاون الدولي لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود وضمان عدم إفلات مرتكبيها من العقاب، جعل الدول تبرم العديد اتفاقيات لتمكين بعضها البعض من الاستفادة من السلطات أو الهيئات القضائية إدا ما حالت الحدود الإقليمية دون نفاد القانون اتجاه عناصر العصابات الإجرامية المنظمة، وأمام الرغبة  في ملاحقة أفرادها الفارين إلى الخارج و تقديمهم للمحاكمة، لم يكن أمام الدول إلا خيار المساعدة وتسهيل الإجراءات الجنائية فيما بينها لتقديم المتهمين للمحاكمة عن طريق الإنابات القضائية الدولية التي بفضلها استطاعت الدول التغلب على  الكثير من العقبات التي تحول أمام تعاون قضائي دولي قادر على مواجهة خطورة الإجرام المنظم [19].

 وعليه،فإننا نتساءل في هدا المطلب عن ماهية إجراءات وشروط الإنابة القضائية الدولية، وما هي الإجراءات التي يمكن أن تكون موضوعا لها، والموانع التي تحول دون تنفيذها، وبالتالي دون مساهمتها في التعاون القضائي الدولي لمواجهة الجريمة المنظمة العبر وطنية؟

الفقرة الأولى: مجالات الإنابة القضائية الدولية والموانع التي تحول دون تنفيذها

لا شك أن للبعد الدولي في الجرائم المنظمة العابرة للحدود[20] تأثير على إنجاز الإجراءات اللازمة لاستكمال التحريات والأبحاث خارج إقليم الدولة التي تجريها، مما ينعكس لا محالة على موضوعها، وعلى نتيجة التحقيق الهادف للوصول لكل الخيوط و الوقائع المكونة للجريمة المنظمة، كحالة وجود عناصر ضرورية لحل مسألة معينة خارج إقليم الدولة، إذ يستلزم الأمر القيام بإجراء تحقيقات خارج إقليمها بالتنسيق و بإعانة الدولة التي يراد إتمام التحقيق على إقليمها، لتقديم المتهمين والمتورطين للمحاكمة، وهو ما يتم من خلال الإنابات القضائية التي قد يكون موضوعها أما القيام بإجراء الاستماع للشهود أو إجراء التفتيش والحجز، وتبليغ الأحكام القضائية، والحصول على المعلومات والأدلة وأصول المستندات والسجلات، إلى غير دلك من المواضيع التي تكون مجالا للإنابة القضائية[21].

وسنتطرق في هذه الفقرة إلى مواضيع الإنابة القضائية (أولا)، وإلى الموانع التي تحول دون تنفيذها  (ثانيا)، باعتبار دورها الأساسي في التعاون القضائي الدولي لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود.

أولا: مجالات ومواضيع طلب الإنابة القضائية :

 كما هو معلوم فالاتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية لا تضع لائحة محددة للإجراءات التي يمكن أن تكون موضوعا للإنابة القضائية، لكن الممارسة درجت على أن هناك أمورا لا يمكن أن تكون موضوعا لها[22]، والتي يمكن إجمالها في كل الإجراءات الفاصلة الباتة في الدعوى، وفي هدا الصدد يمكن القول بإمكانية أن يكون موضوعا للإنابة القضائية أي إجراء آخر من إجراءات التحقيق ابتداء بمرحلة البحت التمهيدي والتحقيق الإعدادي وصولا للمحاكمة[23].

وعموما فقد نصت اتفاقية الأمم المتحدة  لمكافحة الإجرام المنظم العابر للحدود، على أن لكل دولة متعاقدة القيام في إقليمها نيابة عنها بأي إجراء قضائي متعلق بدعوى ناشئة عن جريمة ودلك بمراعاة الشروط والإجراءات الواجب توفرها في طلب الإنابة. كما تضمنت ذلك أغلب الاتفاقيات المرتبطة بمكافحة الجريمة الوطنية عبر الوطنية الإجراءات التي يمكن أن يطلب قضاة دولة طرف عن طريق السلطة المعنية في الاتفاقية[24]، استكمالها  داخل إقليم الدولة المكلفة، وهذه الإجراءات هي:

* سماع شهادة الشهود و الأقوال : وهو إجراء من إجراءات الانابة القضائية، والاستماع الى الشهود يكون على إقليم الدولة المطلوب منها دلك وفق قانونها، بينما هناك ما يسمى بنقل الشهود الدي يكون بدوره موضوع للانابة ويتم وفق قانون الدولة الأجنبية بعد نقله اليها.

* الطيات القــــــضــــائيــة : والتي لا بد فيها من مراعاة خصوصيات التي تفرضها، ومنها ضرورة احترام الآجال مثلا شهرين إذا كان المبلغ له في أوروبا والمغرب العربي، وثلاثة أشهر في باقي الدول، كما جاء في قانون المسطرة الجنائية المغربي.

* الحصول على المستندات أو الوثائق: قد يكون موضوع الإنابة هو الحصول على وثائق أو مستندات أو نسخ منها مصادق عليها، لازمة وضروري من أجل استكمال التحقيقات الجارية أمام قضاء الدولة، وذلك بمراعاة الشروط المطلوبة والموانع المفروضة حسب تشريع كل دولة.

 *مصادرة الأموال المتحصلة في الجريمة المنظمة: تعتبر مصادرة الأموال المتحصلة من الجريمة من أكثر الوسائل فاعلية في مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لأن المصادرة تقضي على الهدف الرئيس لعصابات الجريمة المنظمة وهو الربح وهو ما يؤدي إلى شلل هذه التنظيمات[25]. ذلك أنه في الغالب ما تقوم عصابات الجريمة المنظمة بإخفاء الأموال المتحصلة من الجريمة في دول أخرى غير التي ارتكبت فيها الجريمة،وقد قضت[26] اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة بهذا التعاون في المادة 12 الفقرة الأولى[27].

* معالجة المعطيات الشخصية للأشخاص الذاتيين: هذه المعطيات لا تسلم إلا بإذن الشخص المعني بالأمر فإذا تم التوصل بإنابة قضائية في هذا الإطار، وبهدف مكافحة الجريمة لمنظمة، يمكن تسليمها في إطار التعاون القضائي الدولي لمكافحة الإجرام العابر للحدود[28].

وعموما يبدوا أن أي القيام بأي إجراء من الإجراءات الجنائية اللازمة للتحقيق في إطار مكافحة الجريمة المنظمة العبر وطنية، يمكن أن يكون موضوعا للإنابة القضائية الدولية، بما في ذلك تـنفـــــيذ إجراءات التــــفـــتــــيش والحــجــز لممتلكات الأشخاص المشتبه في تورطهم في أعمال العصابات الإجرامية المنظمة، فضلا عن القيام بإجــراءات المـعايـــــنة و فـحـص الأشــيــاء والتدقيق فيها، وتبليغ الأحكام القضائية الصادرة ضد أفراد العصابات المنظمة. وبعدما تناولنا مجالات الإنابة القضائية والإجراءات التي يمكن أن تكون موضوعا لها فإننا نتساءل عن ماهية الإجراءات التي لا يجوز أن تكون موضوعا للإنابة القضائية الدولية والتي تختلف باختلاف التشريعات الجنائية.

ثانيا: موانع تنفيذ  الإنابات  القضائية الدولية :

يبدوا أن موانع تنفيذ الإنابة القضائية الدولية تشبه الموانع التي تحول دون تنفيذ إجراء تسليم المجرمين، لدرجة أن بعض التشريعات تحيل عليها مباشرة هذه الموانع[29]، إلا أن الأمر يختلف من دولة لأخرى[30]، ذلك أنه ليس هناك إجماع على هده الموانع[31] بين الدول.

المس بالسيادة: في هدا السياق نجد المشرع المغربي  في الحالة التي يكون فيها مطلوب منه تنفيذ الإنابة القضائية لا يكون مجبر على تنفيذها، بل يمكن له رفضها في عدة حالات[32]، وهي إذا كان تنفيذ الإنابة القضائية لا يدخل في اختصاص السلطات القضائية المغربية، أو إذا كان تنفيذ الإنابة القضائية يمس بسيادة المملكة المغربية [33]، أو إذا كان تنفيذ الإنابة القضائية يمس بأمنها و نظامها العام و مصالحها الأجنبية[34].

ازدواجية التجريم: إذ نجد القانون المصري مثلا يرفض تنفيذ الإنابة إذا كان الفعل الذي يطلب تنفيذ الإنابة بشأنه لا يشكل جريمة في القانون المصري، وما لم يوافق المتهم صراحة على تنفيذ الإنابة[35]، وإذا كانت الجريمة لا يجوز فيها التسليم .

السر البنكي: في العديد من التشريعات لا يطرح السر البنكي أي إشكال ولا يعد مانع من موانع الإنابة القضائية ولكن في بعض الدول يمكن دلك، خاصة في التشريعات التي تلتزم بالسر المهني بحيث يعاقب الموظفين على إفشاء السر المهني، حتى ولو كن مجرد إخبار بوجود حساب بنكي في مؤسسة بنكية معينة، حتى ولو كان بين زميلين في نفس المؤسسة (مثلا فلان له حساب بنكي)، كالتشريع السويسري الذي يعتبر السر البنكي قاعدة دستورية إلا أنه يمكن رفعه  في إطار التعاون الدولي، في الميدان الجنائي وفق شروط وضوابط معينة كدراسة الطلب من طرف لجنة تسمى المجلس الفيدرالي التقني لمكافحة الجريمة ودلك في الجرائم المهمة وان يكون الشخص المعني موضوع متابعة، كما ان السر البنكي يحيل على قواعد المعاملة بالمثل التي قد تكون أساس في غياب اتفاقية ثنائية[36].

والملاحظ هنا أن الدولة الرافضة لتنفيذ الإنابة تلتزم بإشعار الدولة الطالبة و يجب أن يكون قرارها القاضي بالرفض معللا ومسببا كما هو الشأن بالنسبة للمادة 17 من اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي، غير أنه إلى جانب الرفض نصت بعض الاتفاقيات على إمكانية تأجيل الإنابة القضائية إذا تبين لها أنه من شأنها عرقلة أبحاث أو إجراءات أخرى سارية في الدول المنفذة للإنابة .

وعليه يمكن القول انه وبالرغم من المعيقات والصعوبات العملية التي تطرح إما تنفيذ الإنابة القضائية الدولية ودورها في مكافحة الإجرام العابر للحدود، إلا أنها تبقى أهم وأنجع آليات التعاون القضائي الدولي في ميدان التحقيقات الجنائية، وملاحقة أفراد هذه العصابات، وتقديم الأشخاص مرتكبي هذا النوع من الجرائم للمحاكمة أمام السلطات القضائية المختصة، كما يتوجب القول في هذا المضمار أن مواجهة خطورة الجريمة عبر الوطنية لا يتحقق إلا بتفعيل مؤسسة الإنابات القضائية الدولية[37].

  الفقرة الثانية : الإجراءات المتبعة في تبليغ و تنفيذ الإنابة القضائية الدولية.

تخضع الإنابة القضائية الدولية لقانون الدولة المطلوب منها تنفيذ هذه الإنابة من حيث إجراءات التبليغ (أولا ) وكذلك تنفيذها ( ثانيا ).

أولا : تبليغ الإنابة القضائية الدولية 

لقد نظم قانون المسطرة الجنائية طرق تبليغ الإنابات القضائية  الدولية في المادة 715 في فقرتها الثانية التي تنص على أنه ” توجه الانابات إلى وزير العدل قصد تبليغها بالطرق الدبلوماسية، ما لم توجد اتفاقية تقضي بخلاف ذلك أو في حالة الاستعجال حيث يمكن توجيهها مباشرة للجهة المختصة بتنفيذها، وفي هذه الحالة توجه نسخة من الإنابة القضائية و الوثائق في نفس الوقت إلى وزير العدل لتبليغها بالطرق الدبلوماسية “. 

و عليه يمكن القول بأن الإنابة القضائية توجه بطريقتين :

ــــــ الطريقة الدبلوماسية :

تعد الطريقة العادية أو ما يطلق عليه بالطريقة الدبلوماسية القناة الرسمية التي يتم عبرها إرسال الإنابة القضائية ،إذ يرسل طلب الإنابة القضائية إلى وزير العدل من طرف السلطات القضائية المغربية ليحيله بدوره إلى وزارة الخارجية و التي ترسلها بدورها إلى وزارة الخارجية في الدولة المنابة ،هذه الأخيرة تقوم بتحويلها إلى وزارة العدل بنفس الدولة التي حدد الجهة القضائية المختصة بالقيام بالإجراءات الواردة في الإنابة القضائية الدولية. 

ومنه فهذه الطريقة تخضع لرقابة أولية من لدن وزارة الخارجية و وزارة العدل ثم الجهة القضائية المعنية بتنفيذها. 

لكن ما يمكن مؤاخذته على هذه الطريقة هو أنها تتسم بالبطء نظرا لطول المدة التي تستغرقها للوصول إلى الجهة القضائية المختصة لدى الدولة المطلوبة، وفي هذا الصدد أمكن تبليغ الإنابة مباشرة بين وزارتي العدل كما قضت به الاتفاقية المغربية الأمريكية، وكذا الاتفاقية المغربية الاسبانية إضافة إلى اتفاقية الرياض. 

 ــــــ الطريقة الاستعجالية:  

لا يلجأ إلى هذه الطريقة إلا في حالة الاستعجال، بحيث يمكن توجيه الإنابة القضائية مباشرة من السلطة المركزية الطالبة إلى السلطة المركزية المطلوبة كما هو الشأن  في الفصل 10 من اتفاقية التعاون القضائي المتبادل وتنفيذ الأحكام القضائية وتسليم المجرمين بين المملكة المغربية والجمهورية الايطالية،أو توجيه الطلب مباشرة من السلطة القضائية المطلوبة كما هو الحال مع بلجيكا.

ويمكن اعتبار هذه الطريقة كمقابل أو كبديل للطريق الدبلوماسي الذي يتميز بالبطء و طول الأمد، لكن رغم محاسن هذه الطريقة إلا أن أغلب الدول قيدتها بضرورة توفر حالة الاستعجال و هو ما نهجه المشرع المغربي حينما نص في المادة 714 من قانون المسطرة الجنائية في فقرتها الثانية و المادة 715 من ذات القانون على توجيه الإنابات القضائية مباشرة إلى القضاة المختصين بتنفيذها في حالة الاستعجال .

ثانيا : تنفيذ الإنابة القضائية الدولية:

يخضع تنفيذ الإنابة القضائية  لسلطة و إجراءات الدولة المنفذة دون أي تدخل من الدولة الطالبة، ففي حالة وجود اتفاقية دولية تنظم الإنابة القضائية فان هذه الاتفاقية لا تتطرق لكيفية تنفيذ الإنابة في الدولة المنفذة، فهي تتم بطريقة واحدة الطريقة المتبعة في تنفيذ الإجراءات المماثلة وفقا لقانون الدولة المنفذة.  

وبالرجوع إلى المادة 715 من قانون المسطرة الجنائية نجد أن المشرع قد نص على أن مسطرة تنفيذ الإنابات القضائية الدولية الواردة على السلطات المغربية تنفذ بنفس الطريقة التي تنفذ بها الإنابات القضائية الصادرة داخل أراضي المملكة المغربية مع مراعاة الاتفاقيات و المعاهدات الدولية المبرمة في هذا الشأن سواء كانت دولية أو ثنائية أو إقليمية،و هو ما نصت عليه المادة 18 من اتفاقية الرياض وكذا الفقرة الأولى من المادة 14 من الاتفاقية المبرمة بين المغرب و دولة الإمارات العربية بشأن التعاون القضائي والإعلانات والإنابات القضائية وتنفيذ الأحكام و تسليم المجرمين. 

وفي حالة ما إذا رغبت الدولة الطالبة بناء على طلب صريح منه في تنفيذ الإنابة القضائية وفق شكل خاص، يتعين على الدولة المطلوب منها ذلك الاستجابة لرغبتها ما لم يتعارض ذلك مع قانون الدولة المطلوب منها، وتعمل هذه الأخيرة على اتخاذ مجموعة من الإجراءات عند تنفيذ الإنابة القضائية وتتجلى في:

  • إحالة الأشياء و الوثائق و باقي العناصر المطلوبة،و إذا تعلق الأمر بوثائق تسلم نسخة مطابقة للأصل ما لم ترغب الدولة الطالبة صراحة في الحصول على الأصول و كان ذلك ممكنا .
  • تأجيل تسليم الأشياء،الملفات أو أصول الوثائق المطلوبة إذا كانت ضرورية لإجراء جنائي يجاري،حيث يقع تسليم ما ذكر بمجرد انتهاء المسطرة 
  • إشعار الدولة الطالبة بنتائج الطلب. وبناء على طلب صريح تشعرها بتاريخ و مكان تنفيذ طلب الإنابة القضائية وبالأشخاص الحاضرين في الإجراءات المسطرية .

كما تعيد الدولة المطلوبة في أيسر وقت ممكن الأشياء و أصول الملفات و الوثائق التي توصلت بها من أجل تنفيذ طلب التعاون القضائي إلى الدولة الطالبة ما لم تتخلى عنها هذه الأخيرة صراحة.

و مما ذكر أنفا يتبادر إلى أذهاننا جملة من التساؤلات يمكن إجمالها فيما يلي:

ما هو أجل تنفيذ الإنابة القضائية؟ هل من الممكن تأجيل تنفيذها ؟ وهل يمكن للدولة المطلوبة رفض طلب الإنابة القضائية؟ وإذا أمكن لها ذلك هل هي مجبرة لتعليل رفضها أم لا ؟

و محاولة من الإجابة على الإشكالات المطروحة و المتعلقة بتنفيذ الإنابة القضائية يمكننا القول بأن أجل تنفيذ الإنابة القضائية غير محدد لكن يتعين على الدولة الطرف متلقية الطلب أن تنفذ طلب الإنابة القضائية في أقرب وقت ممكن بدون أي تأخير،و أن تراعي إلى أقصى مدى ممكن أي مواعيد تقترحها الدولة الطالبة و تورد أسباب التعجيل في الطلب ذاته. 

أما فيما يخص إمكانية تأجيل تنفيذ الإنابة القضائية الدولية فيجوز ذلك على أساس أنها تتعارض مع تحقيقات أو متابعات أو إجراءات قضائية جارية أمام محاكمها،و في هذه الحالة،يتعين على الدولة المطلوبة أن تتشاور مع الدولة الطالبة لتقرير إمكانية تنفيذ الإنابة القضائية حسب ما تراه الدولة المطلوبة متلقية الطلب ضروريا من شروط و أوضاع . 

وبخصوص رفض تنفيذ الإنابة القضائية فيمكن للدولة المطلوبة رفض الإنابة القضائية إذا تعلق الطلب بجرائم تعتبرها الدولة المطلوب منها التنفيذ أما بجرائم سياسية، أو مرتبطة بجرام سياسية أو بخرق التزامات عسكرية، إذا ما قدرت أن من شأن تنفيذ الإنابة القضائية المساس بسيادتها أو أمنها أو نظامها العام أو بمبادئها الأساسية أو مخالفا لتشريعها، كذلك إذا وجدت أسباب جادة للاعتقاد بأن الطلب قدم لتسهيل متابعة قائمة على اعتبارات العرق أو الدين أو الجنسية أو الآراء السياسية، أو يدعوا إلى الاعتقاد بأن وضعية الشخص المتابع يمكن أن تتضرر بإحدى الاعتبارات ،إضافة إلى السبب المتعلق بالاختصاص بحيث يرفض الطلب إذا كان لا يدخل في اختصاص الدولة المطلوبة حسب تشريعها الداخلي.   

و عليه فلابد من تعليل هذا الرفض بحيث نجد أن معظم الاتفاقيات التي صادقت عليها بلادنا أوجبت تعليل كل رفض كلي كان أو جزئي لتنفيذ الإنابة القضائية. 

و تجدر الإشارة إلى أن الموافقة على تنفيذ الإنابة القضائية يرتب مجموعة من الالتزامات تتقيد بها كل من الدولة الطالبة و المطلوب منها ذلك نذر من بينها:

أن يكون للإجراء الذي يتم بطريق الإنابة القضائية الأثر القانوني ذاته،كما لو تم أمام الجهة المختصة لدى الدولة طالبة الإنابة.

لا يجوز استعمال ما نتج عن تنفيذ الإنابة إلا في نطاق ما صدرت الإنابة بشأنه. خضوع الإجراءات المنقولة بناء على اتفاق قانون الدولة المطالبة. إبلاغ الدولة الطالبة بالقرار الذي اتخذ نتيجة للإجراءات.

خاتمة

نختم دراستنا لموضوع  دور الإنابة القضائية الدولية في مكافحة الجريمة المنظمة على القول بأن هذه الآلية الدولية لها إسهام كبير في تكثيف مجهودات المجتمع الدولي في العمل على مكافحة هذا النوع من الجرائم الذي أضحى يهدد أمن واستقرار الدول، خاصة في ظل الانفتاح العلمي والتكنولوجي الذي أصبح من أنجع الوسائل التي تعتمده المنظمات الإجرامية الدولية في سبيل الانتفاع وتحقيق غرض الربح على حساب الإضرار بأمن المجتمعات الدولية. وعليه فعلى كل الفاعلين الدوليين من منظمات ودول العمل على تفعيل أكثر لهذه الآلية وتبسيط مساطرها لأجل تحقيق تعاون أكبر في هذا المجال.


[1] – عدنان العوني، مظاهر التعاون الجنائي الدولي، منشور على الموقع الالكتروني www.maocdroit.com

[2]ـ  فائزة  الباشا: لجريمة المنظمة  في ظل الاتفاقيات الدولية  والقوانين الوطنية ، دار النهضة العربية ، ط1 / 2001  ، ص: 221 ،   وانظر كذلك:  حازم  الحاروني :  الإنابة القضائية الدولية ، المجلة القومية ، ع 2 و 3 ، يوليوز 1988 ، ص 20 – 21 .  أنظر  كذلك :  اللجنة  المخصصة لوضع  اتفاقية  لمكافحة  الجريمة  المنظمة  عبر الوطنية ، الدورة الثالثة ، هامش 29 ، ص 21.

[3] ـ د. محمود شريف بسيوني: الجريمة المنظمة عبر الوطنية, الطبعة الأولى-دار الشروق-القاهرة 2004 .

[4]ـ د.شريف سيد كامل : الجريمة المنظمة، الطبعة الأولى-دار النهضة العربية-القاهرة 2001م.

[5]ـ نسرين عبد الحميد نبيه : الجريمة المنظمة عبر الوطنية-دار الفكر الجامعي الإسكندرية 2006م.

[6] ـ د.طارق سرور:الجماعة الإجرامية المنظمة-دار النهضة العربية , القاهرة 2000م .

[7] ـ د.احمد إبراهيم مصطفى سليمان: الإرهاب والجريمة المنظمة التجريم وسبل المواجهة 2006م.

[8]ـ د.اسكندر غطاس:ملامح التعاون القضائي الجنائي فيما بين الدول والمحاكم الجنائية الدولية, من إصدارات  معهد الكويت للدراسات القضائية والقانونية.

[9]ـ د. فائزة يونس الباشا:الجريمة المنظمة في ظل الاتفاقيات الدولية والقوانين الوطنية-دار النهضة العربية , القاهرة2002م

[10]  ـ عامر المصباح الجدال: الجريمة المنظمة، المفهوم والأنماط وسبل التوفي، دار الصداقة، ليبيا، 2007.

[11]  ـ عامر المصباح الجدال: الجريمة المنظمة، المفهوم والأنماط وسبل التوفي، دار الصداقة، ليبيا، 2007.

[12] ـ جهاد محمد: الجريمة المنظمة، دار الثقافة عمان، 2008.

[13] ـ د.عادل عبد الجواد محمد الكر دوسي:التعاون الأمني العربي ومكافحة الإجرام المنظم عبر الوطني, الطبعة الأولى،مكتبة الاداب2005م.

[14]ـ جهاد محمد البريزات: الجريمة المنظمة، دار الثقافة عمان، 2008.

[15]ـ د.عادل عبد الجواد محمد الكردوسي: التعاون الأمني العربي ومكافحة الإجرام المنظم عبر الوطني, الطبعة الأولى، مكتبة الآداب، 2005م.

[16] ـ د.اسكندر غطاس:ملامح التعاون القضائي الجنائي فيما بين الدول والمحاكم الجنائية الدولية, من إصدارات معهد الكويت للدراسات القضائية والقانونية.

[17] ـ  اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر وطنية، المادة 21.

[18] ـ  الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، المادة 9.

[19] – هيثم فالح شهاب، جريمة الإرهاب و سبل مكافحتها في التشريعات الجزائية المقارنة، دار الثقافة للنشر والتوزيع، طبعة 2010، ص 265.

[20]  ـهيثم فالح ،المرجع السابق، 283.

[21] ـ وقد أضافت م 14 من الاتفاقية الإفريقية لمكافحة الإرهاب فضلا عن الإجراءات السالفة الذكر أنه يجوز طلب فتح تحقيق قضائي والحبس المؤقت ، وإجراء أبحاث و كذلك حجوز ، مصادرات .

[22] – كتنفيذ حكم قضائي حيث لا يمكن لسلطة قضائية أجنبية أن تنيب سلطة قضائية أخرى لتنفيذ حكم لكونه من صميم السيادة.

[23] – هناك بعض الإجراءات خارجة عن مفهوم إجراءات التحقيق تكون موضوعا للإنابة القضائية كتسليم الطيات القضائية، أو تبليغ الأحكام القضائية، ودلك على سبيل الاستثناء، ودلك بمراعاة خصوصياتها العملية.

[24] – وقد خصص المشرع المغربي لهذه الآلية المادتان 714 و 715 من ق.م.ج., حيث تعرض في الأولى للإنابة القضائية الصادرة عن قضاة مغاربة في حين تطرق في الثانية للإنابة القضائية الواردة من القضاة الأجانب مع تبيان شكلية هذه الإنابة .

[25]– د.محمود بسيوني: الجريمة المنظمة عبر الوطنية-الطبعة الأولى، دار الشروق القاهرة2004م ،ص،53.

[26]– مادة (2) فقرة (1) من الاتفاقية، قصت بان على كل دولة طرف في هذه الاتفاقية تتلقى طلبا من دولة أخرى بمصادرة أموال أو معدات أو أشياء أخرى متعلقة بالجريمة على إقليمها عليها أن تقوم بإحالة الطلب إلى سلطاتها المختصة لاستصدار حكم مصادرة أو تنفيذ أمر مصادرة صادر بالفعل أو تنفيذ حكم مصادرة صادر من الدولة الطالبة بالقدر المطلوب وفي حدود الطلب .

[27] – بالإضافة إلى مواد أخرى من الاتفاقية اهتمت بالتعاون القضائي في مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، كما دعت الاتفاقية الدول إلى أن تقوم بإبرام اتفاقيات متعددة الأطراف أو ثنائية في سبيل المزيد من التعاون الدولي لتسهيل إجراءات مصادرة الأموال المتحصلة من الجريمة المنظمة. للمزيد انظر(  د.شريف كامل، م س، ص 285 ).

[28] – المادة السادسة من قانون حماية المعطيات الشخصية.

[29] – كالتشريع القطري

[30] –  بالنسبة لبعض الدول فإنها تمتنع عن تنفيذ الإنابة القضائية كيفما كان موضوعها كلما و جدت أسباب جدية تفيد بأن طلب التعاون قدم لتسهيل متابعة قائمة على اعتبارات العرق أو الدين أو الجنسية أو كلما تعلق الأمر بجريمة يعتبرها الطرف المتعاقد المطلوب إليه التنفيذ ذات صبغة سياسية أو عسكرية.

[31] – كاعتبار التشريع التونسي والفرنسي للجريمة السياسية مانع لتنفيذ الإنابة، والأمن العمومي والسيادة في النظام المغربي، وازدواجية التجريم في التشريع القطري.

[32] – ويبدو هدا من خلال بعض الإحصائيات الواردة بمديرية الشؤون الجنائية والعفو بوزارة العدل والحريات المغربية خلال السنوات 2009-2010، والتي ورد بها :

1- الإنابات الواردة على السلطات المغربية من الخارج: ففي سنة 2009: بلغ عدد الإنابات القضائية الدولية 241 إنابة قضائية وتم تنفيذ 184 منها، في حين سنة 2010 بلغ عدد الإنابات القضائية الدولية 180 إنابة قضائية وتم تنفيذ 65 منها.

2-الإنابات الصادرة عن السلطات المغربية: خلالسنة 2009: وصل العدد 20 إنابة قضائية وتم تنفيذ 9 منها،سنة 2010: وصل العدد إلى 24 والمنفذ منها 4.

 [33] ـ المادة 9 من اتفاقية التعاون القضائي المتبادل بين المغرب و فرنسا الموقعة في 5 أ كتوبر 1957: …. يمكن أن ترفض تنفيذها فيما إذا لم تكن من اختصاصها بمقتضى قوانين بلادها أو إذا كان من شأنها أن تمس بسيادة البلاد….

[34] – كذلك المادة 52 من القانون 32.09 تمنع تسليم أصول العقد المحفوظة عند الموثق إلا بمقتضى قرار قضائي وأن يحرر نظير للعقد .

[35] عدنان العوني، السياسة الجنائية في مواجهة جرائم غسيل الأموال، بدون طبعة ، ص، 110.

[36] – ففي التشريع الفرنسي مثلا نجد قانون التوثيق يمنع تسليم أصول الوصايا الرسمية، كما لا يمكن الحصول على نسخة منها،  أيضا نجد في التشريع الكندي أن جميع الوثائق والمعلومات المتعلقة باليورانيوم لا يمكن أن تسلم لدولة أجنبية أو أن تنفذ أية إنابة في هذا الباب. 

[37]– عدنان العوني,، مرجع سابق ، ص، 109.

إقرأ أيضاً

التأطير الدستوري لمقتضيات  الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011

التأطير الدستوري لمقتضيات  الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011 الوعبان لرباس  باحث في سلك الدكتوراه …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *