دواعي اللجوء إلى بدائل الدعوى العمومية في القانون المغربي

دواعي اللجوء إلى بدائل الدعوى العمومية في القانون المغربي

عادل أزيرار

طالب باحث في كلية الحقوق – السوسيسي بالرباط                                                      

مـــقدمــــة :

تعاني الدول على اختلاف إيديولوجياتها من ظاهرة التضخم الجنائي التي كانت نتيجة طبيعية لاستخدام المشرع السلاح العقابي[1] لمواجهة الكثير من الأنماط المستحدثة من السلوك الإجرامي. بيد أن بعضا من هذه الأنماط قد لا تمس الضمير العام، حيث لا تلقى استهجان الضمير الإنساني، على الرغم من أنها جرائم يترتب عليها إخلال بأمن المجتمع، ومن ثم يتدخل المشرع بالتجريم والعقاب من أجل حماية الحقوق والحريات المعرضة للضرر أو الخطر وفق “نظرية الضرورة الاجتماعية ” التي تعد إحدى الضوابط التي يعتمد عليها المشرع لتحقيق التوازن بين الحقوق والحريات وضرورة العقاب بما يحقق الغاية من التجريم.

و ليس خفيا أن أزمة العدالة الجنائية تلازمت مع ظاهرة التضخم الجنائي،فقد كانت نتاجا طبيعيا لتزايد أعداد القضايا الجنائية، الأمر الذي بات يهدد المحاكم بالشلل، فأضحى الوصول إلى العدالة الناجزة الآمنة عسيرا، وغدا القضاء معذورا إذا لم يحقق العدالة الآمنة في ظل  الأعداد الهائلة من القضايا المحالة عليه. 

و نتيجة للانتقادات الموجهة لأجهزة العدالة الجنائية التقليدية لعدم فعاليتها من كثرة اللجوء إلى الخيار العقابي عن طريق الدعوى العمومية، و التي تعد هي إحدى نتائج رد الفعل إزاء التعسف في التجريم والعقاب[2]، برز في السياسة الجنائية المعاصرة، اتجاهان رئيسيان في مواجهة أزمة العدالة الجنائية يركزان على المقاربة الاقتصادية للقانون الجنائي[3]. الاتجاه الأول له علاقة بالشق الموضوعي وينادي بالحد من سياسة التجريم والعقاب[4] De décriminalisation et de dépénalisation، و ثانيهما يرتبط بالشق الإجرائي من القانون الجنائي، ويسمى بسياسة التحول عن الإجراءات De déjudiciarisation؛ بمعنى إخضاع المتهمين لمعاملة إجرائية تختلف عن تلك المقررة تقليديا في المحاكمة الجنائية العادية، ويتمثل جوهر هذه السياسة في إسقاط إجراءات الخصومة الجنائية كليا أو جزئيا، واستبدالها بإجراءات أخرى أقل تعقيدا، وأكثر سرعة في حسم المنازعات، سواء كانت بسيطة لا تتوخى سوى تيسير الإجراءات،أو مقترنة ببرامج لإصلاح الجاني وتأهيله[5]، وفي هذا  الشق يندرج ما يسمى ببدائل الدعوى العمومية[6].

و بما أن بدائل الدعوى العمومية هي إعطاء دور أكبر لأطراف الدعوى من متهم و مجني عليه بمشاركة المجتمع في إنهاء الدعوى والسـيطرة على مجرياتها لمواجهـة الظاهـرة الإجرامية[7]فإنها تفترض عدم اتخاذ الإجراء الجنائي، بتعبير آخر الابتعاد تماما عن إثارة الدعوى العمومية. و لعل أهم الأمثلة على ذلك الصلح والوساطة والتسوية، فهذه البدائل تعد سببا لانقضاء الدعوى العمومية بحيث لا يكون هناك محل للسير فيها[8].  وهناك من عبر عناها [9] بالطريق الثالث la troisième voie ؛ أي تخويل النيابة العامة طريقا ثالثا في مواجهة ظاهرة الإجرام البسيط إضافة إلى حفظ الملف والمتابعة.

ونظرا للأهمية العملية التي  يحتلها نظام بدائل الدعوى العمومية باعتباره خير وسيلة لتمكين القاضي من حسم أكبر عدد من الدعاوى الجنائية المعروضة عليه في وقت وجيز وبأقل تكلفة من جهة، وتجنيب أطراف الخصومة طول وتعقد الإجراءات من جهة أخرى، فهذه الإستراتيجية لاقت ترحيبا كبيرا في كثير من التشريعات المقارنة،كما هو الشأن بالنسبة لكل من التشريع الإسباني والانجليزي والإيطالي من خلال تفعيل العدالة الجنائية عن طريق تبسيط إجراءاتها[10].

أما المشرع المغربي، فلم تغب عن باله الأهمية القصوى التي تحتلها بدائل الدعوى العمومية. ولئن كان لم يتعرض لجميع صورها من ناحية التنظيم،إلا أنه نظم  مؤسسة الصلح في المادة 41 من ق.م.ج، وهو الشيء الذي دفعنا للبحث عن مدى ملاءمة المنظومة التشريعية و حاجة الواقع العملي لنظام بدائل الدعوى العمومية بالمغرب؟

ولما كان ميثاق إصلاح منظومة العدالة قد أوصى باللجوء إلى بدائل الدعوى العمومية[11]، فإن الإجابة عن التساؤل الذي تطرحه هذه الدراسة سيكون من خلال فرضية مفادها أن بدائل الدعوى العمومية كنظام قانوني مستحدث في السياسة الجنائية المعاصرة سيساهم في التخفيف من حجم القضايا المعروضة على القضاء، و بالتالي التخفيف من اكتظاظ المؤسسات السجنية و إعادة الاعتبار لأطراف الخصومة الجنائية إن تم تنظيم جميع صوره في المنظومة الجنائية .

و للوقوف على مدى صحة هذه الفرضية، سنعتمد المنهج التحليلي الذي من خلاله نسلط الضوء على واقع السياسة الجنائية ببلادنا عن طريق قياس معدل الاهتمام التشريعي بموضوع بدائل الدعوى العمومية و مقارنته بما توفر لدينا من إحصائيات رسمية من جهة، و الوقوف على الدور الذي تلعبه بدائل الدعوى العمومية من جهة أخرى، سواء تعلق الأمر  بمؤسسات  العدالة أو بأطراف الخصومة الجنائية.

ومن أجل ذلك ستتوزع محاور هذه الدراسة إلى محورين وفق الشكل الآتي: 

المحور الأول: الاهتمام التشريعي بموضوع بدائل الدعوى العمومية  

 المحور الثاني: بدائل الدعوى العمومية و خدمة العدالة الجنائية

المحور الأول: الاهتمام التشريعي بموضوع بدائل الدعوى العمومية   

لقد أصبحت ظاهرة الجريمة على رأس انشغالات الرأي العام، ذلك أن الإحساس بانعدام الأمن وتفاقمها (الظاهرة الإجرامية) وبروز أنواع جديدة من الإجرام أفقد نظام العدالة الجنائية الثقة و جعله محط انتقاد من طرف الرأي العام، كونه لا يستجيب لتطلعاتهم؛ أي أن سياسة العقاب لم تؤد إلى نتائج  محمودة . و يكمن الهدف من تخصيص هذا المحور لعرض حجم الاهتمام التشريعي بموضوع بدائل الدعوى العمومية على المستوى الكمي و في معرفة الحيز الذي يشغله هذا النوع من الإجرام (الإجرام البسيط) داخل المنظومة القانونية (الفقرة الأولى)، ومقارنته مع ما لدينا من معطيات إحصائية تهم بالخصوص عدد الملفات المعروضة على أجهزة العدالة الجنائية (الفقرة الثانية)، الأمر الذي سيمكننا من التوصل إلى مدى قدرة تشريعنا وواقعنا على استيعاب  موضوع نظام بدائل الدعوى العمومية ببلادنا.

الفقرة الأولى : مدى ملاءمة الترسانة الجنائية لموضوع بدائل الدعوى العمومية

تعد النصوص الجنائية من أهم العناصر المساعدة على فهم السياسة الجنائية في أي بلد  والمغرب من الدول التي تنطبق عليها هذه القاعدة. ذلك أن المشاكل التي يعاني منها نظامه الجنائي ترجع في الكثير منها لنصوصه.

لذا فإن البحث عن الأرضية المناسبة لتفعيل نظام بدائل الدعوى العمومية يستدعي منا جرد وقياس حجم الإجرام البسيط المتضمن في نصوص مجموعة القانون الجنائي (أولا)، دون إغفال القوانين الجنائية الخاصة)ثانيا)، نظرا للتكامل القائم بينهما.

أولا: الإجرام البسيط في مجموعة التشريع الجنائي المغربي

إذا كان ” الإجرام البسيط” من المفاهيم التي يصعب إيجاد تعريف موحد لها ومتفق عليه لدى المهتمين بالظاهرة الإجرامية، فإن المتفق عليه أنه مفهوم يرتبط أساسا بجرائم قليلة الخطورة، حيث إن المشرع يقر لها عقوبة سالبة للحرية قصيرة المدة.

وقد اختلفت الآراء والاتجاهات التي قال بها الفقه[12]حول المعايير التي يمكن الاستناد إليها لتحديد

هذا المفهوم. غير أن الأغلبية استقرت في ذلك على معيار المدة[13]باعتباره أفضل الأسس التي يقوم عليها هذا التحديد. ومع ذلك انقسم أنصار هذا الرأي حول تحديد المدة التي تعتبر فيها الجريمة بسيطة. فمنهم من حددها في كل جريمة  لا تتجاوز فيها العقوبة في حدها الأقصى ثلاثة أشهر، ومنهم من حددها في ستة أشهر، بينما قال آخرون بأن المدة يجب أن تكون محددة في سنة، في حين حددها غيرهم في سنتين كاملتين[14].

وبناء عليه، نرى أن الضابط الذي ينبغي الاحتكام إليه في تحديد ما إذا كانت الجريمة بسيطة أم لا، لا يتعلق بضابط المدة، وإنما بضابط الخطورة الإجرامية و ما يستتبعه من مساس بالشعور العام لدى أفراد المجتمع في تقديرهم للعدالة، هذا الضابط افتراض فلسفي يقيس عليه المشرع مدى خطورة و جسامة الفعل المرتكب. فإذا كانت هذه الخطورة قليلة أو لا تمس بالنظام العام أو أنها لا تحدث اضطرابا اجتماعيا، فإنه يسهل معالجتها خارج نطاق الدعوى العمومية. أما إذا كانت تحدث اضطرابا اجتماعيا كبيرا فتتم معالجتها داخل نطاق الدعوى العمومية بما تكفله من ضمانات لتحقيق العدالة.

قد عرف القانون الجنائي المغربي كغيره من القوانين محطات تاريخية قبل الاستقلال، بدء من ظهير 12 غشت1913، مرورا بالمجموعة الجنائية الخاصة بالمنطقة الشمالية الصادرة في فاتح يونيو  1914، والمجموعة الجنائية الخاصة بمنطقة طنجة الدولية الصادرة في 5 يناير 1925، وصولا إلى

مجموعة القانون الجنائي الصادرة في 23 دجنبر 1953[15].

وبعد الاستقلال حاول المشرع إيجاد قانون جنائي يستجيب لأصول العدالة الجنائية  ووحدة الوطن وضمان مساواة الأفراد أمامه،غير أن ذلك   لم يتسن له تحقيقه إلا في 26 نوفمبر  1962[16] حيث دخل حيز التنفيذ في 17 يونيو  1963. وقد عرف القانون الجنائي ابتداء من هذا التاريخ ما يزيد عن 100 تعديل شمل عدة مقتضيات، كما تم تعضيده بمجموعة من النصوص الأخرى نتيجة انخراط المغرب في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان[17].

وفي سياق هذا الإطار التاريخي، وبالموازاة مع النهضة التشريعية التي عرفها المغرب ما بعد الاستقلال، استفاد المشرع المغربي عند إعداده لمجموعة القانون الجنائي من التطور الذي عرفته النظم الجنائية الحديثة، وكذا مواقف الفقه المعاصر،فضلا عن الاجتهادات القضائية الرائدة والمواكبة  للنظريات الجديدة في ميدان التجريم والعقاب.

مراعاة لما تقدم، كان من الطبيعي أن يكون تدخل المشرع على مستوى القانون الجنائي لتعزيز المبادئ الدستورية في التجريم والعقاب، ضمانا لاستفادة الأفراد من الحقوق و الحريات على قدم المساواة. ومما ينبغي التذكير به أن كثيرا من فصوله تصدت للجنوح والإجرام البسيط الذي برز بحدة نتيجة تطور المجتمع الاستهلاكي المصحوب بالتقدم التكنولوجي والتغيرات الاجتماعية بشكل أصبحنا نلاحظ معه أن هناك محدودية في مواجهته، فقد أصبح يكاد يفوق الإجرام الخطير، مما أدى إلى ظهور ما يعرف “بظاهرة التضخم في الإجرام البسيط”[18] وهذا ما يوضحه المبيان التالي[19]:

ولعل ما يتضح من المعطيات الواردة أعلاه، أن ظاهرة الإجرام البسيط تشغل حيزا لا يستهان به من مجموع فصول القانون الجنائي. فالنسبة المئوية للجرائم المعاقب عليها بالغرامة أو الحبس لأقل من سنتين تبلغ حوالي %36 من المجموع العام للجرائم المنصوص عليها ضمن مجموعة القانون الجنائي، وهي نسبة ليست بالقليلة إذا علمنا أن باقي الجرائم الأخرى والمعاقب عليها بعقوبات سالبة للحرية تمتد من ثلاث سنوات حبسا  إلى غاية السجن المؤبد

والإعدام تبقى لها نسبة 64%، وهو ما يصطلح عليه “بالإجرام الخطير[20].

و عليه، يتضح لنا الاهتمام الكبير لمجموعة القانون الجنائي المغربي بالإجرام البسيط الذي يعد أرضية خصبة لتفعيل نظام بدائل الدعوى العمومية. غير أنه لا يمكن الحسم في هذه النقطة، إلا بعد الوقوف على مدى اهتمام  القوانين الجنائية الخاصة بهذا الصنف من الجرائم لكون هذه الأخيرة جزء مكمل لمجموعة القانون الجنائي، فبدونها لا يمكن الوصول إلى نتيجة واضحة حول الكم الذي يشغله الإجرام البسيط في القانون الجنائي المغربي بوجه عام .

ثانيا: ظاهرة الإجرام البسيط في القوانين الجنائية الخاصة

يتضح من خلال الفلسفة التي يتبناها المشرع المغربي في سياسته الجنائية أنها تجعل قواعد

القانون الجنائي الخاص تتميز بعدم حصر نطاقها أمام تدخل المشرع الجنائي باستمرار في تعديل أحكام هذه القواعد، وذلك مرده إلى  الطابع النسبي لفكرة القيمة أو المصلحة الجديرة بالحماية، الأمر الذي ينطبق على القوانين الجنائية الخاصة. فالتضخم الكمي في عدد الجرائم التي يتضمنها القسم الخاص في مجموعة القانون الجنائي المغربي استتبعه تطور في الكيف وهو ما تمثل في استقلال طوائف معينة من الجرائم بذواتها وتفردها بأحكام خاصة حتى أضحت في النهاية فروعا خاصة لمجموعة القانون الجنائي[21].

إن القوانين الجنائية الخاصة هي تلك النصوص القانونية التي تحدد جرائم معينة وتبين عقوبتها ما لم ترد في المجموعة الجنائية[22]، علاوة على ذلك فالنصوص الجنائية الخاصة تأتي منفردة وتقوم بتحديد فعل جرمي معين وتحدد عقوبته، وما يمكن أن يطبق على مرتكبها من تدبير وقائي. إنها شبيهة بتلك النصوص الجنائية الواردة في القسم الخاص من المجموعة الجنائية، إذ أتت بعد صدوره نظرا لتطور المجتمع وظهور أفعال إجرامية جديدة لم يدركها المشرع إبان سنه للقانون الجنائي آنذاك.

وانطلاقا مما سبق، يثور التساؤل حول مدى ملاءمة القوانين الجنائية الخاصة لنظام بدائل الدعوى العمومية ؟ ولتفاعل مع هذا التساؤل يتطلب جرد مختلف النصوص القانونية التي تجرم أفعالا موسومة بالإجرام البسيط، ومقارنتها بجرائم تتصف بالخطورة الإجرامية. وذلك من خلال المبيان الآتي مبيان يصنف العقوبات وعدد الفصول المنصوص عليها في القوانين الجنائية الخاصة[23]

إذا كنا قد خلصنا من خلال المبيان الأول المتعلق بنسبة الإجرام البسيط في مجموعة القانون الجنائي أن موقع هذا النوع من الإجرام يستحوذ على حصة قليلة من مجموع الجرائم ، فإن المبيان الثاني يظهر بشكل واضح  هيمنة الجرائم المعاقب عليها بعقوبات قصيرة المدة على التشريع الجنائي المغربي، بحيث تشكل نسبة العقوبات التي  تتمثل في الغرمات والحبس أقل من سنتين 85,45%،  مقابل الجرائم التي تعد خطيرة والمشكلة نسبة 14,54% من مجموع الجرائم.

هكذا، يتضح لنا أن موضوع بدائل الدعوى العمومية على جانب كبير من الأهمية خاصة في القوانين الجنائية الخاصة، لا سيما تلك المتعلقة بمجال المال والأعمال: فهذه الأخيرة  وإن  كانت تتخذ من العقوبات المالية (الغرامة) سلاحا لها لردع مجرمي الأعمال، فإنها تتضمن بشكل كبير عقوبات حبسية تطال غالبا الجرائم التي تقترف عن قصد وعن سوء نية، ملاءمة في ذلك للمصلحة العامة[24].

ويبقى التساؤل الذي يتعين علينا الإجابة عنه – بعد عرض حجم الاهتمام التشريعي بظاهرة الإجرام البسيط  في المنظومة الجنائية-  هو المرتبط بعدد الملفات والقضايا الرائجة أمام أجهزة العدالة الجنائية والتي تكمن في مجموع  الجرائم المعتبرة موضوعا خصبا لتفعيل نظام بدائل الدعوى العمومية سواء على مستوى عدد المتابعين أو على مستوى عدد الملفات التي تنتظر البت فيها. وهو ما سوف نتوصل إليه من خلال رصد إحصائي لهذه العينة من الإجرام على المستوى العملي.

الفقرة الثانية : رصد إحصائي لديناميكيات الإجرام البسيط

إن رصد ديناميكيات الإجرام البسيط ومعرفة الحجم الذي يشغله في الواقع، يتطلب منا رصد معدل الجرائم من خلال المعطيات الإحصائية المرتبطة بعدد القضايا و بعدد المتابعين من سنة 2013إلى حدود 2016 (أولا)، على أن نقوم بتحليل هذه الإحصائيات في علاقتها ببدائل الدعوى العمومية (ثانيا).

أولا : الإجرام البسيط في أرقام

تعد ظاهرة الإجرام بصفة عامة من الظواهر الاجتماعية، والجماعية في نفس الوقت، ومن الثابت أن دراسة أو تحليل كل ظاهرة لا يتأتى إلا إذا توفرت بعض المعطيات التي تمكن من القيام بذلك، ومن بين تلك المعطيات ما تتضمنه الإحصائيات الجنائية[25]. ذلك أن  البحث عن مدى انعكاس ظاهرة التضخم في الإجرام البسيط الذي يعرفه القانون الجنائي بالمغرب على واقع أجهزة الضبط الاجتماعي لن يتأتى إلا من خلال إحصاءات الجريمة باعتبارها وسيلة لا غنى عنها في تحديد مشكلة الجريمة، إذ لا يمكن بدونها معرفة أبعادها وما قد تشغله من حيز  في المجتمع[26].

و الإحصائيات الجنائية كما عرفها بعض الباحثين[27] هي ” مختلف المعطيات الرقمية المتعلقة بالأفعال الإجرامية المرتكبة في وقت معين، والتي يتم التعرف عليها وتسجيلها من طرف الهيئات المكلفة بذلك”[28]. تكمن أهميتها في كونها السبيل الوحيد لمعرفة نمط الإجرام وأوضاعه في منطقة معينة ولفترة زمنية محددة. كما أنها تفيد المخطط الأمني في وضع خطط المنع والمكافحة، فضلا عن كونها في مقدمة الوسائل العلمية لطرق البحث في جوانب الجريمة، إضافة إلى دورها الهام في التنبؤ بما سيحدث مستقبلا على أسس علمية، ومن ثم اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتخفيف أثار ما سيقع. وفي غياب البيانات الإحصائية

الصحيحة فإن فرص التنبؤ هذه قد تتلاشى[29].

و تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من إيماننا بأن الإحصائيات الجنائية هي أساس ومقياس دارسة مدى توفر أرضية قابلة لتطبيق هذه البدائل من عدمها في المنظومة الجنائية بالمغرب ،إلا أن هذه الإحصائيات  تبقى نسبية و ذلك لوجود بعض المؤثرات التي تجعل الإجرام كما يظهر من خلالها ليس هو الإجرام بأكمله[30].

تقديرا  للصعوبات التي تحول دون معرفة الرقم الحقيقي، ارتأينا تسليط الضوء على تطور وارتفاع معدلات بعض الجرائم البسيطة بناء على الإحصائيات المتحصل عليها من وزارة العدل و المتعلقة بالسنوات من 2013 إلى 2016[31] وذلك من خلال المبيانات الآتية:

لا بأس من الإشارة بداية إلى ملاحظة أساسية قبل الانتقال إلى تحليل هذه الإحصائيات. وهي أن هذه الأخيرة لا تشكل مجموع الجرائم البسيطة  الواردة في المنظومة الجنائية المغربية[32]،و إنما مجرد نماذج لبعض قضايا الإجرام البسيط تم إدراجها حتى يتسنى لنا توضيح الغاية التي نود الوصول إليها، أن أرضية السياسة الجنائية بالمغرب قادرة على أن تكون موضوعا ممتازا لتفعيل نظام بدائل الدعوى العمومية. 

ثانيا :  تحليل وتقييم الإحصائيات في علاقتها ببدائل الدعوى العمومية

من خلال المعطيات الإحصائية المتعلقة بعدد القضايا والمتابعين أمام المحاكم خلال السنوات الممتدة من 2013 إلى غاية 2016، نلاحظ ارتفاع معدل القضايا المسجلة. فمثلا خلال سنة 2013 بلغ عدد القضايا المسجلة أمام المحاكم 188051 قضية قدم بشأنها 202266 متابعا. وفي سنة 2014 عرف هذا العدد تراجعا وصل إلى حدود 187129 قضية، قدم بشأنها 417750 متابعا. ليرتفع  هذا العدد بعض الشيء سنة  2015إلى حدود 197190 قضية مسجلة توبعا فيها حوالي   230099 شخصا. أما في سنة 2016 فكان عدد القضايا المسجلة 1953300 قضية توبع فيها حوالي  236574 شخصا. هذا فيما يخص عدد القضايا وعدد المتابعين.

 أما في ما يخص نوعية الجرائم موضوع المتابعة، فهي في غالبيتها   تتصدرها جرائم الضرب والجرح مع عجز تقل مدته عن 20 يوما، و جرائم السكر العلني وإهمال الأسرة، وجريمة عدم توفير مؤونة الشيك عند تقديمه للأداء، والفساد وغيرها من مجموع الجرائم المرتكبة والمعتبرة جرائم بسيطة.

وعلى سبيل المثال بلغ عدد المتابعين في جريمة عدم توفير مؤونة الشيك عند تقديمه للأداء خلال

أربع  سنوات من 2013 إلى 2016 ما مجموعه 121248متابعا. أما في جريمة السكر العلني مجموع السنوات بلغ عدد المتابعين فيها 429492 متابعا. و في جريمة إهمال الأسرة – ودائما في مجموع السنوات الأربع-    27801متابعا.أما في جريمة الفساد بلغ مجموع المتابعين 261728. وفيما يخص جريمة الضرب والجرح مع عجز يقل مدته 20 يوم فكان مجموع المتابعين هو 144889 شخصا.

وبناء عليه، تدفعنا المعطيات الرقمية التي توصلنا إليها من خلال نتائج الإحصائيات عن العدد الضخم من القضايا البسيطة المعروضة على القضاء، للتساؤل عن  مدى فعالية السياسة الجنائية المتبعة أمام هذه العينة من الجرائم التي لا تشكل خطورة على المجتمع في غالبيتها. ذلك أن غالبية هذه الجرائم ترتكب من طرف أشخاص لا تتوفر فيهم الخطورة الإجرامية، بل إن العقوبة القصيرة المقررة في حق هؤلاء الأشخاص هي الخطورة في حد ذاتها بالنظر للآثار المترتبة عنها. والأمر لا ينحصر نطاقه في فترة التنفيذ فقط بل يمتد إلى ما بعد خروج الشخص المحكوم عليه من السجن، كما أنها لا تمسه وحده، وإنما تنعكس سلبا على جميع العلاقات الاجتماعية التي تربطه بأسرته وبمجتمعه بأكمله.

إن الزج بالمحكوم عليه في السجن لقضاء عقوبة قصيرة يعد نبذا اجتماعيا وفصلا له من النسيج الاجتماعي للمجتمع الذي يعيش فيه، ومن ثم حمله على التشبع بقيم وثقافة ونمط مختلف على نظم وقواعد متباينة مع ما هو سائد خارج السجن. إنه صراع بين ثقافتين متعارضتين يتخبط في محيطها النزيل المبتدئ الذي يكون مطالبا في ظل هذا الوضع بإنشاء علاقات اجتماعية جديدة بينه وبين مجتمعه الجديد[33].

غير أن حدة هذا الصراع  تخف تدريجيا نتيجة احتضان النزيل من طرف المجتمع الجديد الذي رحب به ولم يستنكر سلوكه المنحرف، هو الإحساس الذي لم يجد له صدى في مجتمعه الكبير، مجتمع أبعده من حضنه لاقترافه جرما بسيطا يحمل مساسا قليل الجسامة بالشعور العام لأفراده. تتحول نظرته إليه نظرة عداء وسخط، ومن ثم يتحول مجتمع السجن إلى مرجعيته الأولى في السلوك والتصرف حتى بعد خروجه من السجن، ومن ثم تصبح ثقافة السجن بديلا لثقافته الأصلية.

وعندما تتم تنشئة النزيل وتعليمه وتمرينه على ما يتوقع إتباعه في المؤسسة فإنه يلتزم على أن يكيف سلوكه مع توقعات وثقافة السجن، هذه الثقافة تعكس في مضمونها ثقافة أخرى وهي ثقافة الجريمة وتبادل الخبرات الإجرامية وصقل مواهب المبتدئين وخاصة المحكوم عليهم من أجل ارتكاب جرائم بسيطة تنتزع منهم صفة الخوف والعار من العقوبة[34].

 وعليه، تصبح الجريمة عندهم شيئا اعتياديا بل ويتباهون بها أيضا من خلال الانضمام إلى عصابات من داخل السجن لتنفث سمومها على الناس بعد مغادرتهم السجن، هذا الأخير لا يمكن أن يتخلى عن صنع الجانحين، بل إنه مدرسة للإجرام إذ يثقف الجانح المبتدئ الذي نفذ أول حكم عليه،و يتعلم من البارعين أحدث أساليب الإجرام ليصبح بعد ذلك من محترفي الجريمة ومرتادي السجون.

إن العقوبة تحدث اضطرابا عميقا في حياة المحكوم عليه المبتدئ الذي يظل أسيرا لتجربة السجن مطاردا دائما بالجريمة التي ارتكبها بسبب الوصم الاجتماعي الذي لحقه، ويستمر في ملاحقته حتى بعد الإفراج عنه مما يعيق مستقبله، ومن ثم إعادة احتضانه من جديد من طرف ذوي سوابق أمثاله.

كل هذه السليبات وغيرها لسياسة العقاب المتبعة في معالجة هذه العينة من الإجرام داخل نطاق الدعوى العمومية، شكل دافعنا الأساسي لدعوة المشرع إلى العدول عن هذا النهج نحو نمط جديد من العدالة القائم على الشفافية والمصداقية المتجسدة في نظام بدائل الدعوى العمومية. هذا الأخير بطبيعته يفترض حوارا بين طرفي النزاع مصحوبا باعتراف الجاني بخطئه وتعويضا مقبولا للمجني عليه، الأمر الذي يزيل النزاع من صدر طرفيه. بيد أن الطريق العادي للتقاضي في هذه  العينة من الجرائم قد يفضي حكما بالنزاع لا يحقق ما يطلبه طرفاه، نظرا لعدم اعتراف الجاني بخطئه، وعدم استفادة المجني عليه من حبس الجاني.

إضافة لما سلف فنظام بدائل الدعوى العمومية في غالبية صوره يفرض طابعا تربويا اجتماعيا يشجع على اندماج الأفراد فيما بينهم، مما ينسجم وخصوصية المجتمع المغربي، لأن التنوع في الحياة الاجتماعية يشجع على التطور في أنماط حل النزاعات بين الأفراد، كما يسمح للأفراد بإدارة نزاعاتهم خارج نطاق الدعوى العمومية.

وبناء عليه، نجد سؤال يفرض نفسه بقوة مفاده : هل يمكن لنظام بدائل الدعوى العمومية الذي يفرضه واقع السياسة الجنائية بالمغرب أن يعيد الاعتبار للعدالة الجنائية ببلادنا إن تم تفعيله بالشكل الصحيح؟

المحور الثاني : بدائل الدعوى العمومية و خدمة العدالة الجنائية

       تحكم قواعد المسطرة الجنائية فكرة أساسية غايتها تحقيق التوازن بين الفاعلية وسرعة الفصل في الدعاوى من ناحية، واحترام متطلبات دولة القانون – والتي يأتي في مقدمتها احترام حقوق الإنسان وحرياته- من ناحية أخرى[35]. وبقدر كفالة هذا التوازن، بقدر ما يكتسب من شرعية. فلا يسوغ التشبث باحترام المبادئ التقليدية الراسخة إلى الحد الذي ينطوي على عرقلة الجهاز القضائي في مرحلة النزاعات. كما لا يسوغ أيضا التشبث بتلك الفاعلية إلى الحد الذي ينطوي على مساس بالحد الأدنى لحقوق الإنسان وحرياته. ومن هذا المنطلق، سنحاول الوقوف عند أهداف بدائل الدعوى العمومية؛ المتمثلة في إعادة الاعتبار لمركز أطراف الخصومة الجنائية (الفقرة الأولى)، الذي ينعكس بشكل واضح على عمل أجهزة العدالة الجنائية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: بدائل الدعوى العمومية و إعادة الاعتبار لأطراف الخصومة الجنائية

        إذا كان التحول عن الخصومة الجنائية التقليدية يحكمه  تغيير  وجه المحاكمة الجنائية العادية نحو أنماط بديلة للدعوى العمومية، فإن هذه  المقاربة الاقتصادية للقانون الجنائي التي تتم بحجة ضمان الفعالية للإجراءات في مواجهتها للظاهرة الإجرامية لا تعدو أن تكون مجرد علاج إجرائي بسيط يهدف إلى إشاعة جو الأمن بين الأفراد على الرغم من أنه يخاطر بتعويض التوازن بين الفاعلية الإجرائية وضمان حقوق الإنسان دون أن يقدم أدنى ضمانات على إمكانية تحقيق الهدف المنشود منه،  فهل استطاع أن يعيد الاعتبار لأطراف الخصومة الجنائية منها الضحية (أولا)، والمتهم (ثانيا) في إطار نظام بدائل الدعوى العمومية.

أولا : بدائل الدعوى العمومية و تقوية المركز الحقوقي للضحية في الخصومة الجنائية

بداية تنبغي الإشارة إلى أن تعبير الضحية  يشمل المجتمع  والفرد كمجني عليه، بل قد يشمل المتهم

ذاته إذا تم المساس بحقوقه الأساسية، أثناء مباشرة الإجراءات الجنائية[36]، كما لو تم تعذيبه لحمله على الاعتراف أو انتهكت سرية مراسلاته وأحاديثه الشخصية، أو اعتدى على حرمة مسكنه دون سند قانوني، أو الاعتقال الاحتياطي عندما لا تتوفر شروط الاعتقال الاحتياطي، أو انتفاء علته…[37].

    ومصطلح الضحية أو المضرور يختلف[38] عن مصطلح المجنى عليه. فهذا الأخير هو صاحب المصلحة التي مستها الجريمة بالاعتداء. وبتعبير آخر هو الشخص الذي أصابه ضرر أيا كان نوعه، و اتخذ هذا الضرر صورة النتيجة الإجرامية للجريمة[39]. أما الضحية فهو من أصابه ضرر دون أن يمثل اعتداء على

المصلحة التي يحميها نص التجريم[40].

      ومؤدى ذلك أن تعبير الضحية أو المتضرر أكثر اتساعا من تسمية المجنى عليه و المتهم.  وفي هذه الدراسة سنركز على الضحية أو المتضرر سواء اعتبر مجنيا عليه أم لا، ونستبعد من بين الضحايا، المتهم في الحالات التي يعد فيها ضحية؛ أي أن مناط حديثنا عن مظاهر خدمة نظام بدائل الدعوى العمومية للضحية سيشمل الفرد الذي تضرر من الجريمة التي ارتكبها الجاني، والمجتمع الذي تأذى من السلوك المخالف للقانون.

      وعليه، خدمة بدائل الدعوى العمومية للضحية الفرد تتمثل في كون هذا الأخير في إطار بدائل الدعوى العمومية لم يعد الطرف السلبي في قانون المسطرة الجنائية مثلما كان وضعه  في النظام الإجرائي الذي  قام خلال القرن 19 والنصف الأول من القرن العشرين، حيث كان ينظر إلى دور الضحية على أنه سلبي يقتصر على تقديم شكوى أو التأسيس كمدعي مدني في الدعوى ليطالب بحقوقه حتى أطلق البعض[41] عليه  تعبير “الطرف المنسي في الدعوى العمومية”. وكان ينظر إلى الدعوى العمومية أنها تدور بين طرفين أساسيين هما: النيابة العامة- ممثلة عن المجتمع-  والمتهم الذي ارتكب فعلا مخالفا لقيم ومبادئ تعايش هذا المجتمع، فأصبح الضحية في – نطاق بدائل الدعوى العمومية – أحد أطراف الدعوى، ليصبح أطراف هذه الأخيرة ثلاثة، النيابة العامة ممثلة عن المجتمع، المتهم الذي ارتكب الجريمة والضحية الذي

تضرر من الجريمة[42].

       هكذا، أصبح الضحية في إطار نظام بدائل الدعوى العمومية يلعب دورا كبيرا في الخصومة الجنائية، حيث نص المشرع المغربي في المادة 41 من ق.م.ج على أنه” يمكن للمتضرر قبل إقامة الدعوى أن يطلب من وكيل الملك تضمين الصلح الحاصل بينهما في محضر…”، إذ يستشف من خلال هذه المادة أن الضحية أصبح يلعب دورا محوريا في إطار هذه الآلية البديلة للدعوى العمومية، وله اليد العليا على مصير الدعوى، إن شاء أقامها إن شاء أنهاها، وبالتالي يمكن القول أن نظام بدائل الدعوى العمومية جعل النظرة متفائلة لقانون المسطرة الجنائية بإدخاله للضحية الذي كان منسيا على حساب حقوق المتهم.

     علاوة على ذلك، فإن صور بدائل الدعوى العمومية تكفل تعويضا سريعا وأكيدا للمجنى عليه عن الخسارة المادية التي لحقت به، من جراء الفعل المرتكب، فبدلا من أن يعاني هذا الأخير مشقة الانتظار لفترة طويلة في ظل المحاكمات العادية، فهو يحصل على التعويض في فترة بسيطة لا تتجاوز بضعة أشهر[43].

       وعليه، فإن بدائل الدعوى العمومية يترتب عليها إخراج الضحية من المجهول الذي يعيش فيه، بحيث يتم سماعه مباشرة بعد ارتكاب الجريمة، ويجد نفسه صاحب دور إيجابي في إدارة الجانب الذي يخصه من الإجراءات الناشئة عن الجريمة، فيشعر بأنه طرف معترف به و ليس مجهولا، وبالتالي تختفي مشاعر عدم الرضا التي تنتاب الضحية في إدارة العدالة بصورتها التقليدية.

      وغني عن البيان، أن نظام بدائل الدعوى العمومية يخدم  الضحية من خلال استفادته من مجموعة من الآثار الإيجابية؛ منها وصوله إلى حقه بطريقة يسيرة ومختصرة، وفي ذلك تجنيب لكثرة الإجراءات وتكبد النفقات. و الضحية يصبح في غنى عن الحضور أمام المحكمة وبعد تقديم المطالب المدنية وأداء الرسوم القضائية وممارسة الطعون، وانتظار صيرورة الحكم باتا حائزا لقوة الشيء المقضي… إلخ، وهكذا فنظام بدائل الدعوى العمومية أنجع للمتضرر من المسطرة العادية التي لها أعباؤها الخاصة[44]، الشيء الذي دفع بعض الرأي[45] إلى اعتبار الهدف من إيجاد صور بدائل الدعوى العمومية هو

مراعاة ظروف المجنى عليه.

      أما بالنسبة للدور الذي يقدمه نظام بدائل الدعوى العمومية خدمة للمجتمع كضحية، فهو النظر إلى تلك الغرامة التي تعوض المجتمع، وهي إن كان الطابع الرمزي يغلب عليه في كثير من الأحوال إلا أن له دوره في تعويض المجتمع عما لحق به من جراء الجريمة. وتبعا لذلك فإن الخزينة العامة تستفيد من مبلغ الغرامة بشكل مباشر، وذلك من خلال الأداء النقدي الذي يودعه الملزم بذلك حسب ما جاء في الأمر القضائي من رئيس المحكمة بشأن الصلح مثلا [46]. و المجتمع إذا – أي الدولة كضحية – يتنازل هو الآخر عن نصف الحد الأقصى للغرامة قانونا، وذلك في سبيل اختصار واستخلاص المبلغ المقرر في الأمر القضائي بأسرع وقت وأقل تكلفة.

لذلك فإن صور بدائل الدعوى العمومية تؤدي إلى تحقيق العدالة التي يسعى إليها الضحية، فكثرة القضايا وتعددها وتعقدها يدفع النيابة العامة إلى الإكثار من إصدار قرار الحفظ كوسيلة للتخلص من القضايا، حتى تحول هذا الأخير من أداة من أدوات السياسة الجنائية إلى وسيلة لإدارة العدالة الجنائية، مما يؤدي إلى المساس بحق الضحية.  وبالتالي فإن إدخال الضحية في الخصومة الجنائية بواسطة نظام بدائل الدعوى العمومية، يجعل النظرة متفائلة للعدالة الجنائية، من خلال حصوله على تعويض مما لحقه من جراء الفعل الذي أصيب به والذي كان سيكون مصيره قرار الحفظ من جهة، ومن جهة أخرى كون رضا الضحية شرط أساسي للجوء إلى بدائل الدعوى العمومية.

 وعليه، نصل إلى نتيجة أساسية أن هذا النظام يعد بمثابة إعادة الاعتبار لمركز الضحية في الخصومة الجنائية بصفة خاصة، و قانون المسطرة الجنائية بصفة عامة.

بعد الحديث عن دور بدائل الدعوى العمومية في إعادة الاعتبار للضحية الذي كان طرفا منسيا في الدعوى العمومية عن طريق تقوية مركزه في مواجهة المتهم، حق علينا التساؤل حول ما إذا كان رد الاعتبار لمكانة الضحية في الخصومة الجنائية قد تم على حساب المتهم. كما هو الحال عليه في نظام الإجراءات الجنائية الحالي بالنسبة لمركز المتهم. بعبارة أخرى هل التحول عن المحاكمة الجنائية العادية نحو نمط جديد – خارج نطاق الدعوى العمومية – له ما يبرره بالنسبة للمكانة التي يتمتع بها المتهم في قانون المسطرة

الجنائية من امتيازات.

ثانيا : بدائل الدعوى العمومية و تقوية حقوق المتهم

      وفي معرض البحث عن تعريف المتهم  ذهب البعض[47] إلى أنه كل شخص تثور ضده شبهات ارتكابه لجريمة ما، بذلك يلزم بمواجهة الإدعاء بمسؤوليته عنها، والخضوع للإجراءات التي يحددها القانون وتستهدف تمحيص هذه الشبهات وتقدير قيمتها ثم تقرير البراءة أو الإدانة. مؤدى ذلك أنه لا يشترط لاعتبارات الشخص متهما أن يتم الانتظار حتى يتصل القاضي بالدعوى، وهو ما يترتب عنه  إلزام المتهم بالحضور أمام المحكمة المختصة في مواد الجنح والمخالفات، بل لا يشترط لتوفر هذه الصفة أن يتم تحريك الدعوى ضده، على عكس ما يذهب البعض[48] في التمييز بين المتهم والمشتبه فيه، في كون المتهم من وجه إليه اتهام رسمي بارتكاب فعل يجرمه القانون، والمشتبه فيه هو الشخص الذي يكون محل شبهة بارتكاب جريمة، وبذلك يكون من جراء ذلك خاضعا لبحث تجريه السلطات المختصة في المرحلة السابقة عن الاتهام.

      وانسجاما مع فلسفة بدائل الدعوى العمومية، فإننا نرى أن التعريف الثاني للمتهم وإن كان أدق وأقرب إلى الصواب لسريان نطاق صفة المتهم بعد تحريك الدعوى ضده،إلا أن لجوء المتهم إلى بدائل الدعوى العمومية، هو اعتراف ضمني منه بارتكاب الجريمة، ومن ثم لا جدوى من البحث في هذه الصفة.

    عموما، إن مصلحة المتهم في إطار بدائل الدعوى العمومية، تتمثل في مصلحة مشروعة في تحديد مصيره بين البراءة والإدانة، في أقل مدة ممكنة حتى يقوم بالوفاء بدينه إلى المجتمع والذي يتجسد في الجزاء الذي يوقعه عليه إن ثبتت إدانته، أو العودة إلى أهله وذويه وعمله إن ثبتت براءته[49]، كما أن نظام بدائل الدعوى العمومية يجنب المتهم المثول أمام القضاء الجنائي وما قد يترتب عن ذلك من  احتمال الإدانة الجنائية، و لجوء المتهم إلى حل النزاع خارج نطاق الدعوى العمومية، قد يخفف عنه الآلام النفسية التي تلازمه طول فترة الاتهام، ولحين صدور حكم نهائي في القضية[50]، فالشخص – في ظل نظام بدائل الدعوى العمومية – لا ينظر إليه، بحسبانه متهما[51]، سواء من جانب أسرته، أو الحي الذي يقطنه أو بقية مخالطيه[52]، وبالتالي فإن اختيار المتهم  نظام بدائل الدعوى العمومية يجنبه الوصمة الاجتماعية التي تبقى ملازمة له طول حياته[53].

      كما أن المتهم في هذا الإطار يتفادى العقوبة السالبة للحرية القصيرة المدة، وهو ما يؤدي إلى التضييق من دائرة استخدام السلاح العقابي، وبالتالي  يؤدي بالنتيجة إلى التضييق من دائرة التضخم العقابي، الذي لا يستند على ضرورة اجتماعية، مقارنة بالفعل المرتكب الذي غالبا ما يكون بسيط. وتظهر أهمية اللجوء إلى نظام بدائل الدعوى العمومية بالنسبة للمتهم بالمفهوم الواسع في إنهاء الدعوى العمومية، بصورة موجزة، مع تحقيق أغراض السياسة الجنائية المعاصرة، وأهمها إصلاح المتهم وتأهيله[54]، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل وقوع المخالفة ضد الضحية. بل إن بعض صور بدائل الدعوى العمومية في بعض التشريعات المقارنة تنص بشكل صريح على أن من بين الأغراض الأساسية  من اللجوء إليها إعادة اندماج المتهم في النسيج الاجتماعي كما هو الشأن بالنسبة للتشريع الفرسي[55].

بعد تحديد الأهداف التي يسعى نظام بدائل الدعوى العمومية إلى تحقيقها بالنسبة لأطراف الخصومة الجنائية لتكون مبررنا في الدفاع على نظام بدائل الدعوى العمومية في المنظومة الجنائي المغربية. حق لنا القول أن اللجوء إلى نظام بدائل الدعوى العمومية في معالجة “ظاهرة الإجرام البسيط”،لا يعود بالنفع على أطراف الخصومة الجنائية فقط، بل إن الأمر يتجاوز ذلك إلى القيام بخدمة لأجهزة الدولة بصفة عامة والعدالة الجنائية بصفة خاصة. هذا ما سنقف عنده تفاعلا مع السؤال الآتي:  أين تتجلى مظاهر خدمة بدائل الدعوى العمومية بالنسبة لأجهزة العدالة الجنائية؟

الفقرة الثانية : بدائل الدعوى العمومية وخدمة مؤسسات العدالة الجنائية

      تمثل بدائل الدعوى العمومية رد فعل  تشريعي  لعدة صعوبات كان يثيرها تحريك الدعوى

العمومية في بعض الجرائم البسيطة[56]، مما جعل منها أحد الحلول الممكنة لعلاج تعثرات العدالة الجنائية، حيث أفضى تزايد أعداد الدعاوى الجنائية إلى زيادة العبء على عاتق المحاكم بشكل يخشى منه على سير العدالة[57]، و يتخد نظام بدائل الدعوى العمومية خدمة لأجهزة العدالة الجنائية  إحدى صورتين، أولهما بالقضاء الجنائي (أولا)، وترتبط ثانيهما بالمؤسسات العقابية (ثانيا).

أولا: مظاهر خدمة بدائل الدعوى العمومية للقضاء الجنائي

تتمثل مظاهر خدمة نظام بدائل الدعوى العمومية بالنسبة للقضاء ” الجنائي ” في كون هذا الأخير يكفل له عددا من المزايا، فهو يساهم بمستواه بالنظر إلى ما يتصف به من سرعة ومرونة في الإجراءات، فضلا عن انخفاض  قيمتها المادية و اقتصاد في الوقت .

   إن فعالية الجزاء الجنائي ترتهن بسرعة تنفيذه. والسرعة تعني تجنب البطء المسطري، بتجنب تطويل الآجال أو عدم تحديدها بالمرة، فتغدو مطية للتسويف والمماطلة. كما أن السرعة من شأنها أن تضمن حقوق المتضرر من الجريمة، وتحول دون تلاشي وسائل الإثبات واندثارها، وتضمن أيضا حسم الخصومة في أقصر الأوقات. وهو قول قد حظي بتأييد عدد من الفلاسفة والفقهاء، نذكر منهم – على سبيل المثال »بيكاريا  « C.Beccari  الذي أعلن  أنه ” كلما كان العقاب سريعا وتاليا لارتكاب الجريمة، كلما كان عادلا ونافعا”[58]، بل إن إجراءات الدعوى نفسها يجب أن تنتهي في أقرب وقت ممكن، كلما قصرت الفترة الزمنية بين الجريمة والعقوبة، كلما قوي الارتباط الفكري بين هذين الأمرين، وتستجيب صور بدائل الدعوى العمومية لهذه الفكرة، بالنظر إلى ما تحققه من سرعة في إنهاء الدعاوى الجنائية، حيث تساعد على اختصار الفترة الزمنية بين لحظة ارتكاب الجريمة، وصدور قرار قضائي في شأنها.

وتستند اعتبارات السرعة في نظام بدائل الدعوى العمومية إلى الرغبة في عدم ترك المتهم في وضع

غير مستقر لمدة طويلة، فضلا عن الرغبة في المحافظة على تماسك الأدلة وعدم ضياعها، حيث يمكن الاستفادة منها عند استرجاع الإجراءات وإحالة الدعوى إلى المحكمة.

       ونظر لأهمية مبدأ السرعة، فقد أدركت القوانين الوضعية اليوم، أن طول أمد النزاع  لا يمس

فقط بحقوق المتهم وآليات المحاكمة العادلة، بل يكلف خزينة الدولة نفقات أكثر بسبب طول الإجراءات. كما أدركت أن المبالغة في مدة الفصل في القضية يسبب الآلام الكبيرة  للمتهم بحكم وضعه موضع الاتهام بما ينجم عن ذلك من مساس بشرفه واعتباره وأسرته وبأسمى مبادئ قانون المسطرة الجنائية وهي قرينة البراءة، فضلا عن أن طول الانتظار قد يؤدي إلى إصابة الشهود بالنسيان مما يؤثر على معرفة الحقيقة[59]. كل ما سلف يكشف السبب الذي جعل دستور فاتح يوليوز لسنة 2011 يكرس في الفصل 120 مبدأ الحق في صدور الحكم داخل أجل معقول، والذي يعد من المعايير التي تقاس بها نجاعة القضاء في الدول المتقدمة.

    وبالتالي، فإن نظام بدائل الدعوى العمومية يخدم العدالة من خلال اقتصاد الوقت بالفصل في نزاعات بسيطة قد تكلف القضاء وقتا كبيرا.

      إضافة إلى ذلك، فإن صور بدائل الدعوى العمومية تخدم العدالة من خلال التخفيف عن كاهل جهاز القضاء من المتطلبات القضائية، و إعطائه القدرة على تكريس الوقت والجهد الكافيين للفصل في القضايا الأكثر أهمية، ويتضح ذلك إذ ما لا حظنا عدم جدوى ما قال به البعض من “زيادة الإمكانات المادية والبشرية للجهاز القضائي” [60].  لأن الزيادة في عدد القضاة لا يؤدي إلى أية نتيجة في ظل تزايد عدد القضايا المسجلة  نتيجة لتزايد عدد السكان، وهذا ما يوضحه الجدول الأتي:

تطور عدد القضايا المسجلة وعدد السكان بالنسبة لكل قاض بين سنوات 1994- 2004[61]

السنة199419951996199719981999200020012004[62]
عدد القضاة216523382327269226412741277027343118
القضايا  المسجلة13233211465153167642117439671652160210734320343602169813315669
عدد  السكان.00026.07426.386.00026.884.00027.310.00027.555.00028.238.00028.729.00029.218.00029.892.000
عدد السكان بالنسبة لكل قاض12034112861153810145105171030210371106869586

وبقراءة الجدول يتضح جليا التزايد الكبير في عدد القضايا المسجلة أمام القضاء نتيجة ارتفاع عدد السكان في غياب خصاص في الموارد البشرية. وبالمقارنة بين سنة 1994 و2004 نجد أن نسبة التغيير في عدد القضايا   58,06% لم يواكبها العدد الكافي من القضاة بالنسبة لتزايد عدد السكان.

وفي إحصائيات حديثة صادرة عن وزارة العدل، يتجلى أنه إلى غاية غشت 2009 بلغ عدد القضاة بالمغرب 3269 قاضيا[63]  مقابل عدد القضايا في المحاكم العادية والمختصة و المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) خلال السنة القضائية 2008 بين مسجل و مخلف عن سنة 2007 بلغ 3.409.652 قضية، و أن عدد الأحكام الصادرة خلال السنة نفسها 2.663.087 حكما، وأن عدد السكان بحسب إحصاء سنة 2004 لا يقل عن 30.000.000؛ أي بمعدل قاض مقابل 10.000 نسمة[64]. علما أن المعيار الدولي هو  قاض لكل 500- 600 نسمة، وهذا المعدل لم نصل إليه في المغرب رغم المجهودات المبذولة من طرف وزارة العدل في السنوات الأخيرة، كما توضح ذلك الإحصائيات المبينة في الجدول الأتي :

جدول مقارن لعدد قضاة مع عدد سكان المملكة خلال الفترة ما بين 2009 – 2014[65]

السنةعدد القضاةعدد السكانعدد القضاة  لكل  100000 نسمة
2009326731.195.00010,47
2010335231.543.00010,63
2011375831.894.00011,78
2012371632.245.00011,52
2013390532.597.00011,98
2014404432.597.00012,40

هذا، ويلاحظ بقراءة هذه المعطيات أنه في الوقت الذي ارتفع فيه عدد السكان خلال الفترة ما بين 2009 و2014 بنسبة 4,49%، سجل قضاة المملكة زيادة تفوق 23% مما مكن من تحسن مؤشر عدد القضاة لكل 100.000 نسمة بالمغرب خلال نفس الفترة عن 12% . كما يوضح هذا المجهود الذي بذلته الوزارة لتوظيف قضاة جدد لتعويض المحالين على التقاعد، وكذا الزيادة في العدد الإجمالي للقضاة الذي ارتفع إلى 777 قاضيا خلال الفترة؛ أي بمعدل 130

قاضيا في السنة[66].

إلا أنه، رغم الزيادة في عدد القضاة للارتقاء بنجاعة وفعالية القضاء، تبقى الأرقام غير كافية أمام ارتفاع عدد القضايا المحالة على القضاء. ففي سنة 2012 مثلا بلغ عدد القضايا المسجلة 23397493 قضية بينما بلغ عدد القضايا الرائجة أمام المحاكم( المسجل + المخلف) ما مجموعه 3251392 قضية، في حين لم يبلغ عدد القضايا المحكومة سوى 2356430 قضية؛ أي بنسبة بت في القضايا بلغت 72,47% من القضايا الرائجة، وتخلف أمام  محاكم الموضوع 891912  قضية؛ أي بنسبة 27,43%  من القضايا الرائجة، علما أن القضايا المدنية تشكل 62,83%  في حين بلغت نسبة القضايا الزجرية 37,17% من مجموع القضايا[67]، و أن نسبة الإجرام البسيط يشكل 15% .

كل هذه الأرقام تجعلنا نؤكد على دور نظام بدائل الدعوى العمومية في التخفيف عن القضاء ليس على مستوى الموارد البشرية فقط، وإنما أيضا على المستوى الاقتصادي، حيث يوفر على الدولة نفقات ملاحقة المتهمين ومقاضاتهم[68]، وهو ما يجعل الأفراد يقبلون العدالة البسيطة المتجسدة في صور بدائل الدعوى العمومية، رغبة منهم في تجنب الخصومة القضائية، والمكلفة مقارنة بالطرق الودية لحل النزاع.

وبناء عليه، إذا كانت الحتمية في اللجوء إلى بدائل الدعوى العمومية تعنى بدرجة أولى بمجابهة عينة – خاصة – من الإجرام في مهدها، فإن التخفيف من عبء القضايا البسيطة المطروحة أمام القضاء يظل أحد أهم  النتائج المتوخاة  من هذا التوجه، لأن من شأن ذلك إعطاء الوقت الكافي للجرائم الخطيرة  التي تحتاج معالجة دقيقة وضمانات كافية لأطراف الخصومة الجنائية. وعليه، فإنه من الطبيعي أن تلقي هذه الإستراتيجية بظلالها  النفعية على المؤسسات السجنية ببلادنا.

ثانيا : مظاهر خدمة بدائل الدعوى العمومية للمؤسسة السجنية

       إن نظام بدائل الدعوى العمومية يلعب دورا كبيرا  بالنسبة للمؤسسة السجنية، نظرا لما يقدمه من خدمة جليلة  للعدالة، خاصة فيما يرتبط بالتخفيف من اكتظاظ المؤسسات العقابية، الذي يعد نتيجة حتمية لتكدس القضايا أمام المحاكم. ولما كانت الجرائم موضوع بدائل الدعوى العمومية في غالبيتها جرائم بسيطة معاقب عليها بعقوبات  قصيرة المدة نسبيا، فإن الرصد الإحصائي لعدد المعتقلين المدانين حسب مدة العقوبة السالبة للحرية الصادرة في حقهم يؤكد ذلك. حيث يتضح أن  %60.11 من المجموع العام للقضايا المعروضة أمام المحاكم والتي تم إصدار أحكام فيها قابلة لأن تكون موضوعا لبدائل الدعوى العمومية- باعتبارها جرائم بسيطة-  في حين أن الجرائم التي يمكن وصفها بالخطيرة تشكل فقط %39.89 من المجموع العام لعدد المعتقلين المدانين خلال سنة 2007، وهو ما يوضحه الرسم البياني التالي[69] :

   وهكذا، فإن تطبيق نظام بدائل الدعوى العمومية يمكن أن يساهم بطريقة غير مباشرة في التخفيف من ظاهرة الحبس قصير المدة، التي تعددت مثالبها من نواحي اقتصادية واجتماعية ونفسية، بالنسبة للدولة أو المحكوم عليه على حد السواء.

 إن اللجوء إلى نظام بدائل الدعوى العمومية يخدم العدالة الجنائية، من خلال تجنيبها مشقة الانشغال في قضايا تكون بسيطة في البداية، فتترتب عنها مشاكل مستعصية كلما تعلق الأمر بخلافات بين الأقارب أو الجيران، نتيجة لعوامل مختلفة كالثأر أو الانتقام لكون حلها خارج نطاق الدعوى العمومية فيه منفعة لإطرافه – الضحية والمتهم- من جهة، ولأجهزة العدالة الجنائية بمؤسستيه – القضاء وإدارة السجون وإعادة الإدماج –  من جهة ثانية.

وبناء عليه، نخلص من خلال هذه الدراسة إلى أن الدعوى العمومية أصبحت غير صالحة لحماية بعض المصالح الاجتماعية الجديرة بالحماية. حيث أثبتت الأبحاث وجود هوة كبيرة بين الأهداف التي يتوخاها القانون الجنائي، وبين النتائج التي تحققت. ويبدو ذلك واضحا في نواحي متعددة.  فمن ناحية أولى؛ عجز القانون الجنائي عن تحقيق الردع العام والخاص (خاصة في بعض الجرائم التي لا تكتسي خطورة اجتماعية بالغة كما رأينا). فعدد الجرائم في ازدياد مستمر والعود إلى الجريمة أصبح ظاهرة واضحة للعيان. فقد بات واضحا عجز الدولة بمفردها عن مكافحة ظاهرة الإجرام البسيط عن طريق الدعوى العمومية،مما يدفع بنا الأمر إلى دعوة المشرع الجنائي[70]  إلى إعادة النظر في سياسته الجنائية تجاه معالجة  الإجرام البسيط، ذلك من خلال التشجيع على حل النزاعات البسيطة خارج نطاق الدعوى العمومية،بما فيه من تخفيف للعبء عن كاهل مؤسسات العدالة ببلادنا، و في ذات الوقت تحقيق التوازن المطلوب بين ما سبق وما يجب أن يكنه كل من المجنى عليه والمتهم من احترام للقانون وعدالته.


[1] – أحمد فتحي سرور ، القانون الجنائي الدستوري،الطبعة 2، دار الشروق،2002، ص 151.

[2]   ضاري خليل محمود ، بدائل  الدعوى الجزائية في القانون العراقي والمقارن، المجلة العربية للفقه والقضاء، العدد السادس ، 1987، ص  13.

[3]– انتقال السياسة الجنائية من المقاربة الأمنية للقانون الجنائي-  التي لم تقدم أكثر مما أخذت من الدول  اقتصاديا واجتماعيا -، إلى المقاربة الاقتصادية بشقيه  الإجرائي والموضوعي.

[4] –  رفع التجريم عن بعض أنواع السلوك الإجرامي وإدخالها في دائرة المشروعية، فلا يترتب على ارتكابها عقوبة جنائية أو غير جنائية. وأساس ذلك أن ثمة جرائم معينة لم تعد تتضمن اعتداء على مصالح المجتمع على النحو الذي يبرر استمرارها تحت طائلة التجريم، أضف إلى ذلك أن أنماطا معينة من السلوك الإجرامي لم تعد محل استنكار من المجتمع. ويعني الحد من العقاب أن يظل السلوك غير مشروع دون أن يترتب عليه توقيع جزاء جنائي. هكذا تستمر صفة التجريم قائمة بالنسبة للفعل على أن يوقع على مرتكبها جزاءات مدنية أو تأديبية أو إدارية أو غيرها من بدائل العقوبات .

–  راجع بهذا الصدد :  عمر سالم، نحو تيسير الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1997، ص  92 وما بعدها.

-J.PRADEL,  “la rapidité de l’instance pénale, aspects de doit  comparé”,R.P.D.P.,n°4,1995,p 215.

John RASON SPENCER, “La célérité de la procédure pénale en Angleterre”, R.I.D.P,éd .érés, 1995, p 414.

[5] _ أسامة حسنين عبيد، الصلح في قانون الإجراءات الجنائية ماهيته والنظم المرتبطة به دراسة مقارنة، الدكتوراه في الحقوق، جامعة القاهرة، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى، 2005، ص  12.

[6] _  للإشارة أن بدائل الدعوى العمومية تمثل آخر التطورات أو آخر مراحل تطور الفكر العقابي، فقد كانت  البداية في التفكير بإحلال التدابير الوقائية محل العقوبة وهو الاتجاه الذي تبنته المدرسة الوضعية، ثم الاتجاه إلى إلغاء العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة، ثم الاتجاه إلى الحد من العقوبات السالبة للحرية بوجه عام، وفي النهاية كان الاتجاه إلى استبدال الخصومة الجنائية التقليدية أو بدائل جديدة للدعوى العمومية.

  حاسم محمد رشيد الحديج ، بدائل العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة، بدون دار النشر ، وبدون طبعة، 2000، ص 116.

[7]_ علي عدنان الفيل،” بدائل إجراءات الدعوى الجزائية دراسة مقارنة، مجلة القانون والاقتصاد، العدد 25، أبريل 2011، مجلة تصدرها جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، فاس، ص  74.

[8]_ حاسم محمد رشيد الحديج ، م.س، ص 115.

[9] _J.PRADEL, la procédure pénale française à l’aube du troisième millénaire, Recueil Dalloz, 2000 , doctrine ,p 2.

[10]_.K.Tiedeman, Rev.int.dr.pén.1/7/1993,p 820et s.

[11] _ميثاق إصلاح منظومة العدالة ،الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة،2013، ص 84.

[12] _ يمكن إجمال هذه الاتجاهات فيما يلي: التحديد على أساس نوع الجريمة  : بحيث يستند هذا الاتجاه في اعتبار الجريمة بسيطة أم لا إلى التقسيم التشريعي للجرائم، وحسبه الجريمة البسيطة تكون نتيجة اقتراف جرائم المخالفات وبعض الجنح بالنسبة للتشريعات التي تعتمد التقسيم الثلاثي للجرائم )جنايات – جنح – مخالفات( كما هو الشأن مثلا بالنسبة للمشرع المغربي والفرنسي، إلا أنه بالرغم من أن هذا التقسيم يسعفنا في  تحديد نوع الجريمة، إلا أن هذا التحديد يبقى نسبيا.

أنظر بهذا الصدد : عبد الواحد العلمي، شرح القانون الجنائي المغربي القسم العام، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى، الدار البيضاء، 2002، ص  243.

التحديد على أساس نوع المؤسسة العقابية : يفترض أصحاب هذا الاتجاه اختلاف أنواع المؤسسات العقابية سواء من حيث طبيعة النظام السائد في كل منها أو من حيث نوع المعاملة العقابية، وهذا الاختلاف يجعل منه المشرع ضابطا للتمييز بين أنواع العقوبات السالبة للحرية فلكل جريمة حسب هذا المعيار نوع من السجون يخصص لتنفيذ العقوبة الناتجة عن ارتكابها.

أنظر بهذا الصدد:  محمد مفتاح بقالي، مؤسسة السجون في المغرب. مطابع ميثاق المغرب، الطبعة الأولى، الرباط، 1979، ص 65.

والمشرع المغربي أشار إلى هذا المعيار من خلال القانون رقم 98 / 23 المتعلق بتنظيم وتسير المؤسسات السجنية حيث أكد في المادة 2 / 2 على أن:” المؤسسات السجنية تنقسم إلى مجموعتين :

1 – السجون المحلية وهي مخصصة بصفة عامة لإيواء المعتقلين الاحتياطيين والمحكوم عليهم بعقوبات قصيرة الأمد والمكرهين بدنيا.

2- المؤسسات السجنية المخصصة لإيواء المدانين والمنصوص عليهم في المادة 8 بعده”.

[13] _محمود طه جلال، أصول التجريم والعقاب في السياسة الجنائية المعاصرة دراسة في استراتيجيات استخدام الجزاء الجنائي وتأصيل ظاهرتي الحد من التجريم والعقاب، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى، القاهرة، 2005، ص 302.

[14] _ فتوح عبد الله الشاذلي، أساسيات علم الإجرام والعقاب، منشورات الحلبي الحقوقية، دون ذكر الطبعة، بيروت،2009، ص 436.

[15] _ Frabcois-Paul BLANC et Rabha ZEIDGUY, Code pénale textes et documents juridiques, ,casablanca, Socepress, 2001, p 7 etc.

[16] _ ظهير شريف رقم  1.59.413 صادر بتاريخ 28 جمادى الثانية 1382 (26 نونبر 1962) بالمصادقة على مجموعة القانون الجنائي، منشور بالجريدة الرسمية عدد 2640 مكرر، بتاريخ 12 محرم 1383 (5 يونيو 1963) ،

ص 1253.

[17] _الطيب الشرقاوي، السياسة الجنائية: مفهومها وآليات وضعها وتنفيذها والخطوط العريضة للسياسة الجنائية القائمة بالمغرب ، ندوة السياسة الجنائية بالغرب : واقع وآفاق، أشغال المناظرة الوطنية التي نظمتها وزارة العدل بمكناس أيام 9-10-11 دجنبر 2004، المجلد الثاني، منشورات جمعية نشر المعلومات القانونية والأيام الدراسية، الطبعة الأولى، العدد الرابع، 2005 ص 33 .

[18] _  الطيب الشرقاوي، “السياسة الجنائية، “مفهومها وآليات وضعها وتنفيذها والخطوط العريضة للسياسة الجنائية القائمة بالمغرب”، م.س، ص 34.

[19] _ إحصائيات صادرة عن وزارة العدل ، أوردها  الطيب الشرقاوي، المرجع نفسه ص 34.

[20] _ هشام ملاطي، مساهمة القاضي في حل أزمة السجون بالمغرب، دراسة مقارنة لأهم المقتضيات الجنائية الإجرائية والموضوعية مع المعطيات الإحصائية، مكتبة دار السلام، الرباط، الطبعة الأولى، 2007، ص ص 55 – 56.

[21]_عبد الرحمان أسامة ، دروس في القانون الجنائي الخاص، مطبعة طه حسين ، وجدة،  دون ذكر الطبعة، 2009، ص 5.

[22]_  محمد الطيب بوطيبي، الموجز في القوانين الجنائية الخاصة (وفق التشريع المغربي) . دار النشر الجسور، دون ذكر الطبعة، وجدة، 2004، ص 9 .

[23]_ تم الاعتماد  في جمع هذه النصوص على موسوعة التشريعات الزجرية الخاصة، للأستاذين طارق طباش وعبد العالي الدليمي، ج. الأول والثاني، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، 2006.أورده : نوردين الوناني، السياسة الجنائية في معالجة الإجرام البسيط، بحث لنيل شهادة الماستر في القانون الجنائي والعلوم الجنائية، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، وجدة، السنة الجامعية 2011- 2012، ص 18.

[24]_Mohammed Drissi ALAMI MACHICHI ,”régulation de l’economie par le droit, Revue marocaine de droit d’économie et de gestion”, n 52,p  15 .

[25] _ محمد ملياني، دروس في علم الإجرام، منشورات جامعة محمد الأول، وجدة، بدون ذكر الطبعة، 1995، ص  75 .

[26] _ جعفر علوي، في السلوك الإجرامي دراسة لأهم النظريات في علم الإجرام في علاقته بالسياسة الجنائية، دار القلم، الطبعة الأولى، 2010، ص 50.

[27] _ محمد ملياني، دروس في علم الإجرام ،م.س، ص  76.

[28] _  وفي تعريف أخر يذهب الفرنسي Philippe Robert  أن الإحصائيات  هي ركام من الأرقام يزعم الذين يستعملونه أنهم يقيسون به الإجرام والمجرمين فيعطونه بفعل ذلك خاصية احتكار تحديد نسبة الجريمة وقياس حجمها .

[29] _ أحمد ضياء الدين محمد خليل، الظاهرة الإجرامية بين الفهم والتحليل، بدون ذكر المطبعة والطبعة ،1996، ص ص 24-25  .

[30] _ يمكن إجمال هذه المؤثرات فيما يلي:

القابلية للتبليغ la réportabilité على اعتبار أن ارتكاب الفعل الإجرامي ليس هو تسجيله إحصائيا، لأن هناك مدة تنصرم من وقت الارتكاب إلى وقت التسجيل، تعمل فيها مجموعة من الميكانيزمات على عدم وصل الفعل  إلى علم نظام القضاء الجنائي.

إعادة بناء الموضوع la reconstruction d’objet على اعتبار أن الإحصائيات الجنائية ليست هي إحصائيات الإجرام بأكمله، وإنما هي إحصائيات كما تمت إعادة بناء موضوعها من طرف الأجهزة المصدرة لها، ففي مرحلة أولى تمر القضايا الجنائية على أجهزة الشرطة أو الدرك وفي هذه المرحلة يتم إما رفض بعضها أو معالجة مجموعة منها وهي لا تصل بالتالي إلى المرحلة اللاحقة لها، كما أنه على مستوى هذه الأخيرة قد تلجأ النيابة العامة إلى حفظ بعض الملفات بدون متابعة.

هكذا تتحكم في النظام الجنائي ميكانيزمات ” للضبط التلقائي” auto-régulation يجعله ينظم تلقائيا المواد الداخلة إليه. راجع بهذا الصدد :

  محمد ملياني، دروس في علم الإجرام، م.س، ص 79 وما بعدها.

جعفر علوي ، في السلوك الإجرامي، م.س ، ص 51 وما بعدها.

[31] _ إحصائيات تم استخراجها من بعض الإحصائيات المتحصل عليها من وزارة العدل برسم سنوات 2013- 2016.

– نقصد بذلك مجموعة القانون الجنائي و القوانين الجنائية الخاصة.[32]

[33] _ عبد الرحيم صدقي، علم العقاب- العقوبة على ضوء العلم الحديث في الفكر المصري والمقارن، دار المعارف، الطبعة الأولى، القاهرة، 1986، ص 99.

[34] _مرتكبي جريمة عدم توفير مؤونة  الشيك عند تقديمه للأداء، وجريمة إهمال الأسرة و جريمة الفساد على سبيل المثال.

[35] _ عمر سالم ، م.س ، ص 10.

[36]_ راجع بهذا الصدد: محمد كروط، وضعية المجنى عليه في الدعوى العمومية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال- الرباط ،السنة الجامعية 1999- 2000،ص 15 وما بعدها.  

[37]  _ عمر سالم ، م.س، ص 67.

[38] _لإشارة، فقد أفصح مؤتمر الأمم المتحدة السابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين والذي عقد في ميلانو بايطاليا في سبتمبر 1985 عن المقصود بضحايا الجريمة، وذلك في الفقرة الأولى من إعلان المبادئ الأساسية  لتوفير العدالة لضحايا الجريمة، وذلك في الفقرة الأولى من هذا الإعلان” يقصد بمصطلح الضحايا الأشخاص الذين أصيبوا بضرر  فردي أو جماعي، بما في ذلك الضرر البدني أو العقلي أو المعاناة النفسية أو الخسارة الاقتصادية والحرمان  بدرجة كبيرة  من التمتع بحقوقهم الأساسية عن طريق أفعال أو حالات إهمال تشكل انتهاك للقوانين الجنائية النافذة في الدول الأعضاء، بما فيها القوانين التي تحرم الإساءة الجنائية لاستعمال  السلطة”.

  التقرير الذي أعدته الأمانة العامة للأمم المتحدة، مطبوعات الأمانة العامة نيويورك 1986، ص 65.

[39] _ محمد نجيب حسنين، شرح قانون الإجراءات الجنائية، الطبعة الثانية، دار النهضة العربية ، سنة 1988، ص ص 121-122.

[40] _ ومثال على ذلك، الأبناء في جريمة الزنا، فهؤلاء هم الضحايا أو المتضررين من الجريمة، أما الزوج فهو المجنى عليه.

[41] _ أحمد فتحي سرور، الوسيط في الإجراءات الجنائية،  م.س ، ص 510.

[42] _أنظر بهذا المعنى:  جلال طلال، السرعة في الإجراءات الجزائية في التشريع الجزائيري، مذكرة من أجل الحصول على شهادة الماجستير في الحقوق فرع القانون الجنائي والعلوم الجنائية، جامعة الجزائر،كلية الحقوق ، السنة الجامعية 2011-2012، ص 40.

[43] _أسامة حسنين عبيد، م.س، ص  190. 

[44]_حميد ميمون، المتابعة الزجرية وإشكالاتها العملية، بدون طبعة، 2005، ص 127.

[45] _ فيز السيد اللمساوي، الصلح الجنائي في الجنح والمخالفات وقانون التجارة والجرائم الضريبية والجمركية، المركز القومي العربي للإصدارات القانونية، الطبعة الأولى، 2009، ص 16.

[46] _حميد ميمون، م.س، ص 172  .

[47] _ نجيب حسني، شرح قانون الإجراءات الجنائية ، م.س، ص 94.

[48] _  وزارة العدل ، م.س، ص 17.

[49]_ Abdle azim WAZIR,” la célérité de la procédure pénale en  Egypte”,  R.I.D.P, 1995,pp 493-494.

[50]-_محمد حكيم حسنين الحكيم ، النظرية العامة للصلح وتطبيقاتها في المواد الجنائية دراسة مقارنة، دار شتات للنشر والبرمجيات، مصر، بدون طبعة، 2004، ص 176.

[51] حميد ميمون ، م.س ، ص 128.

[52]_أسامة حسنين عبيد، م.س ، ص 186.

[53]-_ لمزيد من التوضيح حول الوصم الاجتماعي راجع : 

جعفر علوي، في السلوك الإجرامي ، م.س ، ص 41 وما بعدها.

[54] _أنظر بهذا المعنى : مدحت رمضان ، “بدائل الدعوى الجنائية والعقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة”، السياسة الجنائية بالمغرب واقع وآفاق، أشغال المناظرة الوطنية  التي نظمتها وزارة العدل بمكناس، أيام 9/10/11/ دجنبر 2004، منشورات جمعية نشر المعلومات القانونية والقضائية سلسلة الندوات والأيام الدراسية ، المجلد الثاني، الطبعة الأولى، العدد4، 2005، ص  336 .

[55]_Art. 41-1 CPPF.

[56] _  محمد الودغيري، العدالة في المغرب بين القضاء العادي والاستثنائي ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المتخصصة في المهن القضائية والقانونية، جامعة محمد الخامس السويسي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الرباط، السنة الجامعية 2005-2006، ص 19.

[57]_أسامة حسنين عبيد ، م.س، ص  178  .

[58]_تشيزاري بيكاريا، الجرائم والعقوبات، ترجمة  يعقوب محمد حياتي، مؤسسة الكويت للتقدم العلمي ، بدون طبعة ، 1985،  ص  82.

[59] _جمعية عدالة ، الأمن القضائي وجودة الأحكام، دار القلم، بدون طبعة، نونبر 2013، ص ص 25- 26 .

[60]Jocelyne LEBLOIS-HAPPE, “la médiation pénale comme mode de réponse à la petite délinquance états des lieux et perspectives”, R.S.C,1994,p 533.

[61]_حصيلة إصلاح القضاء حصيلة المنجزات (1997- 2002) أكتوبر 2002، تقرير صادر عن وزارة العدل ص 81، منشور على موقع الحوار الوطني حول الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة على الرابط الأتي : «http://hiwar.justice.gov.ma/document/document.aspx  »   الإطلاع عليه بتاريخ (29/07/2016) على الساعة (01:50).

[62]_ فيما يخص سنة 2004 أنظر : حصيلة عمل وزارة العدل 2008-2012 متطلبات برامج  الإصلاح، تقرير صادر عن وزارة العدل ص 13، منشور على موقع الحوار الوطني حول الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة على الرابط الأتي : «http://hiwar.justice.gov.ma/document/document.aspx  »  الإطلاع عليه بتاريخ (29/07/2016) على الساعة (01:50).

[63]_ ليصل هذا العدد سنة 2012 إلى 3724 قاضيا، أي بزيادة نسبتها 0.13% من مجموع القضاة بالمغرب: وزارة العدل ،العدالة في أرقام، منشور على موقع وزارة العدل ، قسم الإحصائيات والمعطيات، على الرابط   www.justice.gov.ma »  «  الإطلاع عليه  بتاريح (27/03/2016) على الساعة (03:34).

[64]_إحصائيات عن مصلحة الإحصائيات، مديرية الدراسات و التعاون والتحديث بوزارة العدل ،قسم الإحصائيات محكمة النقض، لمزيد من التفصيل.

    –  راجع :  بنسالم أوديجا، الوساطة كوسيلة من الوسائل البديلة لفض المنازعات، مطبعة دار القلم، الرباط، الطبعة الأولى، 2009، ص 19 .

[65] تقرير صادر عن وزارة العدل ، معالم على درب الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة – حصيلة منجزات وزارة العدل خلال سنة 2013- 2014، ص 36، منشور على موقع الحوار الوطني حول الاصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة على الرابط الأتي : «http://hiwar.justice.gov.ma/document/document.aspx  »   تم الإطلاع عليه بتاريخ (29/07/2016) على الساعة (02:50).

[66] _ تقرير صادر عن وزارة العدل ،  معالم على درب الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة – حصيلة منجزات وزارة العدل خلال سنة 2013- 2014،م.س،  ص 36،

[67] _ تقرير صادر عن وزارة العدل ،  معالم على درب الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة – حصيلة منجزات وزارة العدل خلال سنة 2013- 2014،م.س، ص 7.

[68] _ خاصة وأن كلفة الجريمة في بلادنا في ارتفاع دائم، فبالعودة  إلى تطور ميزانية وزارة العدل خلال الفترة الممتدة ما بين سنة 2001 و2013، يتضح  ارتفاع مؤشر الجريمة بشكل واضح ، بحيث  بلغت سنة 2001 مجموع الميزانية 1576127000,00لترتفع سنة  2013 إلى 3442043000.00  أي بنسبة 1.18 %.

–  وزارة العدل ، العدالة في أرقام، م.س.

[69]_ النشرة الإحصائية الصادرة عن المندوبية العامة لإدارة السجون و إعادة الإدماج لسنة 2007، ص 21. منشورة على موقع المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج ، على الرابط التالي: « http://www.dgapr.gov.ma/index.php »  الإطلاع عليه  بتاريخ ) 30/03/2016 ( على الساعة  )18:13(.

دواعي اللجوء إلى بدائل الدعوى العمومية في القانون المغربي

عادل أزيرار

طالب باحث في كلية الحقوق – السوسيسي بالرباط                                                      

مـــقدمــــة :

تعاني الدول على اختلاف إيديولوجياتها من ظاهرة التضخم الجنائي التي كانت نتيجة طبيعية لاستخدام المشرع السلاح العقابي[1] لمواجهة الكثير من الأنماط المستحدثة من السلوك الإجرامي. بيد أن بعضا من هذه الأنماط قد لا تمس الضمير العام، حيث لا تلقى استهجان الضمير الإنساني، على الرغم من أنها جرائم يترتب عليها إخلال بأمن المجتمع، ومن ثم يتدخل المشرع بالتجريم والعقاب من أجل حماية الحقوق والحريات المعرضة للضرر أو الخطر وفق “نظرية الضرورة الاجتماعية ” التي تعد إحدى الضوابط التي يعتمد عليها المشرع لتحقيق التوازن بين الحقوق والحريات وضرورة العقاب بما يحقق الغاية من التجريم.

و ليس خفيا أن أزمة العدالة الجنائية تلازمت مع ظاهرة التضخم الجنائي،فقد كانت نتاجا طبيعيا لتزايد أعداد القضايا الجنائية، الأمر الذي بات يهدد المحاكم بالشلل، فأضحى الوصول إلى العدالة الناجزة الآمنة عسيرا، وغدا القضاء معذورا إذا لم يحقق العدالة الآمنة في ظل  الأعداد الهائلة من القضايا المحالة عليه. 

و نتيجة للانتقادات الموجهة لأجهزة العدالة الجنائية التقليدية لعدم فعاليتها من كثرة اللجوء إلى الخيار العقابي عن طريق الدعوى العمومية، و التي تعد هي إحدى نتائج رد الفعل إزاء التعسف في التجريم والعقاب[2]، برز في السياسة الجنائية المعاصرة، اتجاهان رئيسيان في مواجهة أزمة العدالة الجنائية يركزان على المقاربة الاقتصادية للقانون الجنائي[3]. الاتجاه الأول له علاقة بالشق الموضوعي وينادي بالحد من سياسة التجريم والعقاب[4] De décriminalisation et de dépénalisation، و ثانيهما يرتبط بالشق الإجرائي من القانون الجنائي، ويسمى بسياسة التحول عن الإجراءات De déjudiciarisation؛ بمعنى إخضاع المتهمين لمعاملة إجرائية تختلف عن تلك المقررة تقليديا في المحاكمة الجنائية العادية، ويتمثل جوهر هذه السياسة في إسقاط إجراءات الخصومة الجنائية كليا أو جزئيا، واستبدالها بإجراءات أخرى أقل تعقيدا، وأكثر سرعة في حسم المنازعات، سواء كانت بسيطة لا تتوخى سوى تيسير الإجراءات،أو مقترنة ببرامج لإصلاح الجاني وتأهيله[5]، وفي هذا  الشق يندرج ما يسمى ببدائل الدعوى العمومية[6].

و بما أن بدائل الدعوى العمومية هي إعطاء دور أكبر لأطراف الدعوى من متهم و مجني عليه بمشاركة المجتمع في إنهاء الدعوى والسـيطرة على مجرياتها لمواجهـة الظاهـرة الإجرامية[7]فإنها تفترض عدم اتخاذ الإجراء الجنائي، بتعبير آخر الابتعاد تماما عن إثارة الدعوى العمومية. و لعل أهم الأمثلة على ذلك الصلح والوساطة والتسوية، فهذه البدائل تعد سببا لانقضاء الدعوى العمومية بحيث لا يكون هناك محل للسير فيها[8].  وهناك من عبر عناها [9] بالطريق الثالث la troisième voie ؛ أي تخويل النيابة العامة طريقا ثالثا في مواجهة ظاهرة الإجرام البسيط إضافة إلى حفظ الملف والمتابعة.

ونظرا للأهمية العملية التي  يحتلها نظام بدائل الدعوى العمومية باعتباره خير وسيلة لتمكين القاضي من حسم أكبر عدد من الدعاوى الجنائية المعروضة عليه في وقت وجيز وبأقل تكلفة من جهة، وتجنيب أطراف الخصومة طول وتعقد الإجراءات من جهة أخرى، فهذه الإستراتيجية لاقت ترحيبا كبيرا في كثير من التشريعات المقارنة،كما هو الشأن بالنسبة لكل من التشريع الإسباني والانجليزي والإيطالي من خلال تفعيل العدالة الجنائية عن طريق تبسيط إجراءاتها[10].

أما المشرع المغربي، فلم تغب عن باله الأهمية القصوى التي تحتلها بدائل الدعوى العمومية. ولئن كان لم يتعرض لجميع صورها من ناحية التنظيم،إلا أنه نظم  مؤسسة الصلح في المادة 41 من ق.م.ج، وهو الشيء الذي دفعنا للبحث عن مدى ملاءمة المنظومة التشريعية و حاجة الواقع العملي لنظام بدائل الدعوى العمومية بالمغرب؟

ولما كان ميثاق إصلاح منظومة العدالة قد أوصى باللجوء إلى بدائل الدعوى العمومية[11]، فإن الإجابة عن التساؤل الذي تطرحه هذه الدراسة سيكون من خلال فرضية مفادها أن بدائل الدعوى العمومية كنظام قانوني مستحدث في السياسة الجنائية المعاصرة سيساهم في التخفيف من حجم القضايا المعروضة على القضاء، و بالتالي التخفيف من اكتظاظ المؤسسات السجنية و إعادة الاعتبار لأطراف الخصومة الجنائية إن تم تنظيم جميع صوره في المنظومة الجنائية .

و للوقوف على مدى صحة هذه الفرضية، سنعتمد المنهج التحليلي الذي من خلاله نسلط الضوء على واقع السياسة الجنائية ببلادنا عن طريق قياس معدل الاهتمام التشريعي بموضوع بدائل الدعوى العمومية و مقارنته بما توفر لدينا من إحصائيات رسمية من جهة، و الوقوف على الدور الذي تلعبه بدائل الدعوى العمومية من جهة أخرى، سواء تعلق الأمر  بمؤسسات  العدالة أو بأطراف الخصومة الجنائية.

ومن أجل ذلك ستتوزع محاور هذه الدراسة إلى محورين وفق الشكل الآتي: 

المحور الأول: الاهتمام التشريعي بموضوع بدائل الدعوى العمومية  

 المحور الثاني: بدائل الدعوى العمومية و خدمة العدالة الجنائية

المحور الأول: الاهتمام التشريعي بموضوع بدائل الدعوى العمومية   

لقد أصبحت ظاهرة الجريمة على رأس انشغالات الرأي العام، ذلك أن الإحساس بانعدام الأمن وتفاقمها (الظاهرة الإجرامية) وبروز أنواع جديدة من الإجرام أفقد نظام العدالة الجنائية الثقة و جعله محط انتقاد من طرف الرأي العام، كونه لا يستجيب لتطلعاتهم؛ أي أن سياسة العقاب لم تؤد إلى نتائج  محمودة . و يكمن الهدف من تخصيص هذا المحور لعرض حجم الاهتمام التشريعي بموضوع بدائل الدعوى العمومية على المستوى الكمي و في معرفة الحيز الذي يشغله هذا النوع من الإجرام (الإجرام البسيط) داخل المنظومة القانونية (الفقرة الأولى)، ومقارنته مع ما لدينا من معطيات إحصائية تهم بالخصوص عدد الملفات المعروضة على أجهزة العدالة الجنائية (الفقرة الثانية)، الأمر الذي سيمكننا من التوصل إلى مدى قدرة تشريعنا وواقعنا على استيعاب  موضوع نظام بدائل الدعوى العمومية ببلادنا.

الفقرة الأولى : مدى ملاءمة الترسانة الجنائية لموضوع بدائل الدعوى العمومية

تعد النصوص الجنائية من أهم العناصر المساعدة على فهم السياسة الجنائية في أي بلد  والمغرب من الدول التي تنطبق عليها هذه القاعدة. ذلك أن المشاكل التي يعاني منها نظامه الجنائي ترجع في الكثير منها لنصوصه.

لذا فإن البحث عن الأرضية المناسبة لتفعيل نظام بدائل الدعوى العمومية يستدعي منا جرد وقياس حجم الإجرام البسيط المتضمن في نصوص مجموعة القانون الجنائي (أولا)، دون إغفال القوانين الجنائية الخاصة)ثانيا)، نظرا للتكامل القائم بينهما.

أولا: الإجرام البسيط في مجموعة التشريع الجنائي المغربي

إذا كان ” الإجرام البسيط” من المفاهيم التي يصعب إيجاد تعريف موحد لها ومتفق عليه لدى المهتمين بالظاهرة الإجرامية، فإن المتفق عليه أنه مفهوم يرتبط أساسا بجرائم قليلة الخطورة، حيث إن المشرع يقر لها عقوبة سالبة للحرية قصيرة المدة.

وقد اختلفت الآراء والاتجاهات التي قال بها الفقه[12]حول المعايير التي يمكن الاستناد إليها لتحديد

هذا المفهوم. غير أن الأغلبية استقرت في ذلك على معيار المدة[13]باعتباره أفضل الأسس التي يقوم عليها هذا التحديد. ومع ذلك انقسم أنصار هذا الرأي حول تحديد المدة التي تعتبر فيها الجريمة بسيطة. فمنهم من حددها في كل جريمة  لا تتجاوز فيها العقوبة في حدها الأقصى ثلاثة أشهر، ومنهم من حددها في ستة أشهر، بينما قال آخرون بأن المدة يجب أن تكون محددة في سنة، في حين حددها غيرهم في سنتين كاملتين[14].

وبناء عليه، نرى أن الضابط الذي ينبغي الاحتكام إليه في تحديد ما إذا كانت الجريمة بسيطة أم لا، لا يتعلق بضابط المدة، وإنما بضابط الخطورة الإجرامية و ما يستتبعه من مساس بالشعور العام لدى أفراد المجتمع في تقديرهم للعدالة، هذا الضابط افتراض فلسفي يقيس عليه المشرع مدى خطورة و جسامة الفعل المرتكب. فإذا كانت هذه الخطورة قليلة أو لا تمس بالنظام العام أو أنها لا تحدث اضطرابا اجتماعيا، فإنه يسهل معالجتها خارج نطاق الدعوى العمومية. أما إذا كانت تحدث اضطرابا اجتماعيا كبيرا فتتم معالجتها داخل نطاق الدعوى العمومية بما تكفله من ضمانات لتحقيق العدالة.

قد عرف القانون الجنائي المغربي كغيره من القوانين محطات تاريخية قبل الاستقلال، بدء من ظهير 12 غشت1913، مرورا بالمجموعة الجنائية الخاصة بالمنطقة الشمالية الصادرة في فاتح يونيو  1914، والمجموعة الجنائية الخاصة بمنطقة طنجة الدولية الصادرة في 5 يناير 1925، وصولا إلى

مجموعة القانون الجنائي الصادرة في 23 دجنبر 1953[15].

وبعد الاستقلال حاول المشرع إيجاد قانون جنائي يستجيب لأصول العدالة الجنائية  ووحدة الوطن وضمان مساواة الأفراد أمامه،غير أن ذلك   لم يتسن له تحقيقه إلا في 26 نوفمبر  1962[16] حيث دخل حيز التنفيذ في 17 يونيو  1963. وقد عرف القانون الجنائي ابتداء من هذا التاريخ ما يزيد عن 100 تعديل شمل عدة مقتضيات، كما تم تعضيده بمجموعة من النصوص الأخرى نتيجة انخراط المغرب في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان[17].

وفي سياق هذا الإطار التاريخي، وبالموازاة مع النهضة التشريعية التي عرفها المغرب ما بعد الاستقلال، استفاد المشرع المغربي عند إعداده لمجموعة القانون الجنائي من التطور الذي عرفته النظم الجنائية الحديثة، وكذا مواقف الفقه المعاصر،فضلا عن الاجتهادات القضائية الرائدة والمواكبة  للنظريات الجديدة في ميدان التجريم والعقاب.

مراعاة لما تقدم، كان من الطبيعي أن يكون تدخل المشرع على مستوى القانون الجنائي لتعزيز المبادئ الدستورية في التجريم والعقاب، ضمانا لاستفادة الأفراد من الحقوق و الحريات على قدم المساواة. ومما ينبغي التذكير به أن كثيرا من فصوله تصدت للجنوح والإجرام البسيط الذي برز بحدة نتيجة تطور المجتمع الاستهلاكي المصحوب بالتقدم التكنولوجي والتغيرات الاجتماعية بشكل أصبحنا نلاحظ معه أن هناك محدودية في مواجهته، فقد أصبح يكاد يفوق الإجرام الخطير، مما أدى إلى ظهور ما يعرف “بظاهرة التضخم في الإجرام البسيط”[18] وهذا ما يوضحه المبيان التالي[19]:

ولعل ما يتضح من المعطيات الواردة أعلاه، أن ظاهرة الإجرام البسيط تشغل حيزا لا يستهان به من مجموع فصول القانون الجنائي. فالنسبة المئوية للجرائم المعاقب عليها بالغرامة أو الحبس لأقل من سنتين تبلغ حوالي %36 من المجموع العام للجرائم المنصوص عليها ضمن مجموعة القانون الجنائي، وهي نسبة ليست بالقليلة إذا علمنا أن باقي الجرائم الأخرى والمعاقب عليها بعقوبات سالبة للحرية تمتد من ثلاث سنوات حبسا  إلى غاية السجن المؤبد

والإعدام تبقى لها نسبة 64%، وهو ما يصطلح عليه “بالإجرام الخطير[20].

و عليه، يتضح لنا الاهتمام الكبير لمجموعة القانون الجنائي المغربي بالإجرام البسيط الذي يعد أرضية خصبة لتفعيل نظام بدائل الدعوى العمومية. غير أنه لا يمكن الحسم في هذه النقطة، إلا بعد الوقوف على مدى اهتمام  القوانين الجنائية الخاصة بهذا الصنف من الجرائم لكون هذه الأخيرة جزء مكمل لمجموعة القانون الجنائي، فبدونها لا يمكن الوصول إلى نتيجة واضحة حول الكم الذي يشغله الإجرام البسيط في القانون الجنائي المغربي بوجه عام .

ثانيا: ظاهرة الإجرام البسيط في القوانين الجنائية الخاصة

يتضح من خلال الفلسفة التي يتبناها المشرع المغربي في سياسته الجنائية أنها تجعل قواعد

القانون الجنائي الخاص تتميز بعدم حصر نطاقها أمام تدخل المشرع الجنائي باستمرار في تعديل أحكام هذه القواعد، وذلك مرده إلى  الطابع النسبي لفكرة القيمة أو المصلحة الجديرة بالحماية، الأمر الذي ينطبق على القوانين الجنائية الخاصة. فالتضخم الكمي في عدد الجرائم التي يتضمنها القسم الخاص في مجموعة القانون الجنائي المغربي استتبعه تطور في الكيف وهو ما تمثل في استقلال طوائف معينة من الجرائم بذواتها وتفردها بأحكام خاصة حتى أضحت في النهاية فروعا خاصة لمجموعة القانون الجنائي[21].

إن القوانين الجنائية الخاصة هي تلك النصوص القانونية التي تحدد جرائم معينة وتبين عقوبتها ما لم ترد في المجموعة الجنائية[22]، علاوة على ذلك فالنصوص الجنائية الخاصة تأتي منفردة وتقوم بتحديد فعل جرمي معين وتحدد عقوبته، وما يمكن أن يطبق على مرتكبها من تدبير وقائي. إنها شبيهة بتلك النصوص الجنائية الواردة في القسم الخاص من المجموعة الجنائية، إذ أتت بعد صدوره نظرا لتطور المجتمع وظهور أفعال إجرامية جديدة لم يدركها المشرع إبان سنه للقانون الجنائي آنذاك.

وانطلاقا مما سبق، يثور التساؤل حول مدى ملاءمة القوانين الجنائية الخاصة لنظام بدائل الدعوى العمومية ؟ ولتفاعل مع هذا التساؤل يتطلب جرد مختلف النصوص القانونية التي تجرم أفعالا موسومة بالإجرام البسيط، ومقارنتها بجرائم تتصف بالخطورة الإجرامية. وذلك من خلال المبيان الآتي مبيان يصنف العقوبات وعدد الفصول المنصوص عليها في القوانين الجنائية الخاصة[23]

إذا كنا قد خلصنا من خلال المبيان الأول المتعلق بنسبة الإجرام البسيط في مجموعة القانون الجنائي أن موقع هذا النوع من الإجرام يستحوذ على حصة قليلة من مجموع الجرائم ، فإن المبيان الثاني يظهر بشكل واضح  هيمنة الجرائم المعاقب عليها بعقوبات قصيرة المدة على التشريع الجنائي المغربي، بحيث تشكل نسبة العقوبات التي  تتمثل في الغرمات والحبس أقل من سنتين 85,45%،  مقابل الجرائم التي تعد خطيرة والمشكلة نسبة 14,54% من مجموع الجرائم.

هكذا، يتضح لنا أن موضوع بدائل الدعوى العمومية على جانب كبير من الأهمية خاصة في القوانين الجنائية الخاصة، لا سيما تلك المتعلقة بمجال المال والأعمال: فهذه الأخيرة  وإن  كانت تتخذ من العقوبات المالية (الغرامة) سلاحا لها لردع مجرمي الأعمال، فإنها تتضمن بشكل كبير عقوبات حبسية تطال غالبا الجرائم التي تقترف عن قصد وعن سوء نية، ملاءمة في ذلك للمصلحة العامة[24].

ويبقى التساؤل الذي يتعين علينا الإجابة عنه – بعد عرض حجم الاهتمام التشريعي بظاهرة الإجرام البسيط  في المنظومة الجنائية-  هو المرتبط بعدد الملفات والقضايا الرائجة أمام أجهزة العدالة الجنائية والتي تكمن في مجموع  الجرائم المعتبرة موضوعا خصبا لتفعيل نظام بدائل الدعوى العمومية سواء على مستوى عدد المتابعين أو على مستوى عدد الملفات التي تنتظر البت فيها. وهو ما سوف نتوصل إليه من خلال رصد إحصائي لهذه العينة من الإجرام على المستوى العملي.

الفقرة الثانية : رصد إحصائي لديناميكيات الإجرام البسيط

إن رصد ديناميكيات الإجرام البسيط ومعرفة الحجم الذي يشغله في الواقع، يتطلب منا رصد معدل الجرائم من خلال المعطيات الإحصائية المرتبطة بعدد القضايا و بعدد المتابعين من سنة 2013إلى حدود 2016 (أولا)، على أن نقوم بتحليل هذه الإحصائيات في علاقتها ببدائل الدعوى العمومية (ثانيا).

أولا : الإجرام البسيط في أرقام

تعد ظاهرة الإجرام بصفة عامة من الظواهر الاجتماعية، والجماعية في نفس الوقت، ومن الثابت أن دراسة أو تحليل كل ظاهرة لا يتأتى إلا إذا توفرت بعض المعطيات التي تمكن من القيام بذلك، ومن بين تلك المعطيات ما تتضمنه الإحصائيات الجنائية[25]. ذلك أن  البحث عن مدى انعكاس ظاهرة التضخم في الإجرام البسيط الذي يعرفه القانون الجنائي بالمغرب على واقع أجهزة الضبط الاجتماعي لن يتأتى إلا من خلال إحصاءات الجريمة باعتبارها وسيلة لا غنى عنها في تحديد مشكلة الجريمة، إذ لا يمكن بدونها معرفة أبعادها وما قد تشغله من حيز  في المجتمع[26].

و الإحصائيات الجنائية كما عرفها بعض الباحثين[27] هي ” مختلف المعطيات الرقمية المتعلقة بالأفعال الإجرامية المرتكبة في وقت معين، والتي يتم التعرف عليها وتسجيلها من طرف الهيئات المكلفة بذلك”[28]. تكمن أهميتها في كونها السبيل الوحيد لمعرفة نمط الإجرام وأوضاعه في منطقة معينة ولفترة زمنية محددة. كما أنها تفيد المخطط الأمني في وضع خطط المنع والمكافحة، فضلا عن كونها في مقدمة الوسائل العلمية لطرق البحث في جوانب الجريمة، إضافة إلى دورها الهام في التنبؤ بما سيحدث مستقبلا على أسس علمية، ومن ثم اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتخفيف أثار ما سيقع. وفي غياب البيانات الإحصائية

الصحيحة فإن فرص التنبؤ هذه قد تتلاشى[29].

و تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من إيماننا بأن الإحصائيات الجنائية هي أساس ومقياس دارسة مدى توفر أرضية قابلة لتطبيق هذه البدائل من عدمها في المنظومة الجنائية بالمغرب ،إلا أن هذه الإحصائيات  تبقى نسبية و ذلك لوجود بعض المؤثرات التي تجعل الإجرام كما يظهر من خلالها ليس هو الإجرام بأكمله[30].

تقديرا  للصعوبات التي تحول دون معرفة الرقم الحقيقي، ارتأينا تسليط الضوء على تطور وارتفاع معدلات بعض الجرائم البسيطة بناء على الإحصائيات المتحصل عليها من وزارة العدل و المتعلقة بالسنوات من 2013 إلى 2016[31] وذلك من خلال المبيانات الآتية:

لا بأس من الإشارة بداية إلى ملاحظة أساسية قبل الانتقال إلى تحليل هذه الإحصائيات. وهي أن هذه الأخيرة لا تشكل مجموع الجرائم البسيطة  الواردة في المنظومة الجنائية المغربية[32]،و إنما مجرد نماذج لبعض قضايا الإجرام البسيط تم إدراجها حتى يتسنى لنا توضيح الغاية التي نود الوصول إليها، أن أرضية السياسة الجنائية بالمغرب قادرة على أن تكون موضوعا ممتازا لتفعيل نظام بدائل الدعوى العمومية. 

ثانيا :  تحليل وتقييم الإحصائيات في علاقتها ببدائل الدعوى العمومية

من خلال المعطيات الإحصائية المتعلقة بعدد القضايا والمتابعين أمام المحاكم خلال السنوات الممتدة من 2013 إلى غاية 2016، نلاحظ ارتفاع معدل القضايا المسجلة. فمثلا خلال سنة 2013 بلغ عدد القضايا المسجلة أمام المحاكم 188051 قضية قدم بشأنها 202266 متابعا. وفي سنة 2014 عرف هذا العدد تراجعا وصل إلى حدود 187129 قضية، قدم بشأنها 417750 متابعا. ليرتفع  هذا العدد بعض الشيء سنة  2015إلى حدود 197190 قضية مسجلة توبعا فيها حوالي   230099 شخصا. أما في سنة 2016 فكان عدد القضايا المسجلة 1953300 قضية توبع فيها حوالي  236574 شخصا. هذا فيما يخص عدد القضايا وعدد المتابعين.

 أما في ما يخص نوعية الجرائم موضوع المتابعة، فهي في غالبيتها   تتصدرها جرائم الضرب والجرح مع عجز تقل مدته عن 20 يوما، و جرائم السكر العلني وإهمال الأسرة، وجريمة عدم توفير مؤونة الشيك عند تقديمه للأداء، والفساد وغيرها من مجموع الجرائم المرتكبة والمعتبرة جرائم بسيطة.

وعلى سبيل المثال بلغ عدد المتابعين في جريمة عدم توفير مؤونة الشيك عند تقديمه للأداء خلال

أربع  سنوات من 2013 إلى 2016 ما مجموعه 121248متابعا. أما في جريمة السكر العلني مجموع السنوات بلغ عدد المتابعين فيها 429492 متابعا. و في جريمة إهمال الأسرة – ودائما في مجموع السنوات الأربع-    27801متابعا.أما في جريمة الفساد بلغ مجموع المتابعين 261728. وفيما يخص جريمة الضرب والجرح مع عجز يقل مدته 20 يوم فكان مجموع المتابعين هو 144889 شخصا.

وبناء عليه، تدفعنا المعطيات الرقمية التي توصلنا إليها من خلال نتائج الإحصائيات عن العدد الضخم من القضايا البسيطة المعروضة على القضاء، للتساؤل عن  مدى فعالية السياسة الجنائية المتبعة أمام هذه العينة من الجرائم التي لا تشكل خطورة على المجتمع في غالبيتها. ذلك أن غالبية هذه الجرائم ترتكب من طرف أشخاص لا تتوفر فيهم الخطورة الإجرامية، بل إن العقوبة القصيرة المقررة في حق هؤلاء الأشخاص هي الخطورة في حد ذاتها بالنظر للآثار المترتبة عنها. والأمر لا ينحصر نطاقه في فترة التنفيذ فقط بل يمتد إلى ما بعد خروج الشخص المحكوم عليه من السجن، كما أنها لا تمسه وحده، وإنما تنعكس سلبا على جميع العلاقات الاجتماعية التي تربطه بأسرته وبمجتمعه بأكمله.

إن الزج بالمحكوم عليه في السجن لقضاء عقوبة قصيرة يعد نبذا اجتماعيا وفصلا له من النسيج الاجتماعي للمجتمع الذي يعيش فيه، ومن ثم حمله على التشبع بقيم وثقافة ونمط مختلف على نظم وقواعد متباينة مع ما هو سائد خارج السجن. إنه صراع بين ثقافتين متعارضتين يتخبط في محيطها النزيل المبتدئ الذي يكون مطالبا في ظل هذا الوضع بإنشاء علاقات اجتماعية جديدة بينه وبين مجتمعه الجديد[33].

غير أن حدة هذا الصراع  تخف تدريجيا نتيجة احتضان النزيل من طرف المجتمع الجديد الذي رحب به ولم يستنكر سلوكه المنحرف، هو الإحساس الذي لم يجد له صدى في مجتمعه الكبير، مجتمع أبعده من حضنه لاقترافه جرما بسيطا يحمل مساسا قليل الجسامة بالشعور العام لأفراده. تتحول نظرته إليه نظرة عداء وسخط، ومن ثم يتحول مجتمع السجن إلى مرجعيته الأولى في السلوك والتصرف حتى بعد خروجه من السجن، ومن ثم تصبح ثقافة السجن بديلا لثقافته الأصلية.

وعندما تتم تنشئة النزيل وتعليمه وتمرينه على ما يتوقع إتباعه في المؤسسة فإنه يلتزم على أن يكيف سلوكه مع توقعات وثقافة السجن، هذه الثقافة تعكس في مضمونها ثقافة أخرى وهي ثقافة الجريمة وتبادل الخبرات الإجرامية وصقل مواهب المبتدئين وخاصة المحكوم عليهم من أجل ارتكاب جرائم بسيطة تنتزع منهم صفة الخوف والعار من العقوبة[34].

 وعليه، تصبح الجريمة عندهم شيئا اعتياديا بل ويتباهون بها أيضا من خلال الانضمام إلى عصابات من داخل السجن لتنفث سمومها على الناس بعد مغادرتهم السجن، هذا الأخير لا يمكن أن يتخلى عن صنع الجانحين، بل إنه مدرسة للإجرام إذ يثقف الجانح المبتدئ الذي نفذ أول حكم عليه،و يتعلم من البارعين أحدث أساليب الإجرام ليصبح بعد ذلك من محترفي الجريمة ومرتادي السجون.

إن العقوبة تحدث اضطرابا عميقا في حياة المحكوم عليه المبتدئ الذي يظل أسيرا لتجربة السجن مطاردا دائما بالجريمة التي ارتكبها بسبب الوصم الاجتماعي الذي لحقه، ويستمر في ملاحقته حتى بعد الإفراج عنه مما يعيق مستقبله، ومن ثم إعادة احتضانه من جديد من طرف ذوي سوابق أمثاله.

كل هذه السليبات وغيرها لسياسة العقاب المتبعة في معالجة هذه العينة من الإجرام داخل نطاق الدعوى العمومية، شكل دافعنا الأساسي لدعوة المشرع إلى العدول عن هذا النهج نحو نمط جديد من العدالة القائم على الشفافية والمصداقية المتجسدة في نظام بدائل الدعوى العمومية. هذا الأخير بطبيعته يفترض حوارا بين طرفي النزاع مصحوبا باعتراف الجاني بخطئه وتعويضا مقبولا للمجني عليه، الأمر الذي يزيل النزاع من صدر طرفيه. بيد أن الطريق العادي للتقاضي في هذه  العينة من الجرائم قد يفضي حكما بالنزاع لا يحقق ما يطلبه طرفاه، نظرا لعدم اعتراف الجاني بخطئه، وعدم استفادة المجني عليه من حبس الجاني.

إضافة لما سلف فنظام بدائل الدعوى العمومية في غالبية صوره يفرض طابعا تربويا اجتماعيا يشجع على اندماج الأفراد فيما بينهم، مما ينسجم وخصوصية المجتمع المغربي، لأن التنوع في الحياة الاجتماعية يشجع على التطور في أنماط حل النزاعات بين الأفراد، كما يسمح للأفراد بإدارة نزاعاتهم خارج نطاق الدعوى العمومية.

وبناء عليه، نجد سؤال يفرض نفسه بقوة مفاده : هل يمكن لنظام بدائل الدعوى العمومية الذي يفرضه واقع السياسة الجنائية بالمغرب أن يعيد الاعتبار للعدالة الجنائية ببلادنا إن تم تفعيله بالشكل الصحيح؟

المحور الثاني : بدائل الدعوى العمومية و خدمة العدالة الجنائية

       تحكم قواعد المسطرة الجنائية فكرة أساسية غايتها تحقيق التوازن بين الفاعلية وسرعة الفصل في الدعاوى من ناحية، واحترام متطلبات دولة القانون – والتي يأتي في مقدمتها احترام حقوق الإنسان وحرياته- من ناحية أخرى[35]. وبقدر كفالة هذا التوازن، بقدر ما يكتسب من شرعية. فلا يسوغ التشبث باحترام المبادئ التقليدية الراسخة إلى الحد الذي ينطوي على عرقلة الجهاز القضائي في مرحلة النزاعات. كما لا يسوغ أيضا التشبث بتلك الفاعلية إلى الحد الذي ينطوي على مساس بالحد الأدنى لحقوق الإنسان وحرياته. ومن هذا المنطلق، سنحاول الوقوف عند أهداف بدائل الدعوى العمومية؛ المتمثلة في إعادة الاعتبار لمركز أطراف الخصومة الجنائية (الفقرة الأولى)، الذي ينعكس بشكل واضح على عمل أجهزة العدالة الجنائية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: بدائل الدعوى العمومية و إعادة الاعتبار لأطراف الخصومة الجنائية

        إذا كان التحول عن الخصومة الجنائية التقليدية يحكمه  تغيير  وجه المحاكمة الجنائية العادية نحو أنماط بديلة للدعوى العمومية، فإن هذه  المقاربة الاقتصادية للقانون الجنائي التي تتم بحجة ضمان الفعالية للإجراءات في مواجهتها للظاهرة الإجرامية لا تعدو أن تكون مجرد علاج إجرائي بسيط يهدف إلى إشاعة جو الأمن بين الأفراد على الرغم من أنه يخاطر بتعويض التوازن بين الفاعلية الإجرائية وضمان حقوق الإنسان دون أن يقدم أدنى ضمانات على إمكانية تحقيق الهدف المنشود منه،  فهل استطاع أن يعيد الاعتبار لأطراف الخصومة الجنائية منها الضحية (أولا)، والمتهم (ثانيا) في إطار نظام بدائل الدعوى العمومية.

أولا : بدائل الدعوى العمومية و تقوية المركز الحقوقي للضحية في الخصومة الجنائية

بداية تنبغي الإشارة إلى أن تعبير الضحية  يشمل المجتمع  والفرد كمجني عليه، بل قد يشمل المتهم

ذاته إذا تم المساس بحقوقه الأساسية، أثناء مباشرة الإجراءات الجنائية[36]، كما لو تم تعذيبه لحمله على الاعتراف أو انتهكت سرية مراسلاته وأحاديثه الشخصية، أو اعتدى على حرمة مسكنه دون سند قانوني، أو الاعتقال الاحتياطي عندما لا تتوفر شروط الاعتقال الاحتياطي، أو انتفاء علته…[37].

    ومصطلح الضحية أو المضرور يختلف[38] عن مصطلح المجنى عليه. فهذا الأخير هو صاحب المصلحة التي مستها الجريمة بالاعتداء. وبتعبير آخر هو الشخص الذي أصابه ضرر أيا كان نوعه، و اتخذ هذا الضرر صورة النتيجة الإجرامية للجريمة[39]. أما الضحية فهو من أصابه ضرر دون أن يمثل اعتداء على

المصلحة التي يحميها نص التجريم[40].

      ومؤدى ذلك أن تعبير الضحية أو المتضرر أكثر اتساعا من تسمية المجنى عليه و المتهم.  وفي هذه الدراسة سنركز على الضحية أو المتضرر سواء اعتبر مجنيا عليه أم لا، ونستبعد من بين الضحايا، المتهم في الحالات التي يعد فيها ضحية؛ أي أن مناط حديثنا عن مظاهر خدمة نظام بدائل الدعوى العمومية للضحية سيشمل الفرد الذي تضرر من الجريمة التي ارتكبها الجاني، والمجتمع الذي تأذى من السلوك المخالف للقانون.

      وعليه، خدمة بدائل الدعوى العمومية للضحية الفرد تتمثل في كون هذا الأخير في إطار بدائل الدعوى العمومية لم يعد الطرف السلبي في قانون المسطرة الجنائية مثلما كان وضعه  في النظام الإجرائي الذي  قام خلال القرن 19 والنصف الأول من القرن العشرين، حيث كان ينظر إلى دور الضحية على أنه سلبي يقتصر على تقديم شكوى أو التأسيس كمدعي مدني في الدعوى ليطالب بحقوقه حتى أطلق البعض[41] عليه  تعبير “الطرف المنسي في الدعوى العمومية”. وكان ينظر إلى الدعوى العمومية أنها تدور بين طرفين أساسيين هما: النيابة العامة- ممثلة عن المجتمع-  والمتهم الذي ارتكب فعلا مخالفا لقيم ومبادئ تعايش هذا المجتمع، فأصبح الضحية في – نطاق بدائل الدعوى العمومية – أحد أطراف الدعوى، ليصبح أطراف هذه الأخيرة ثلاثة، النيابة العامة ممثلة عن المجتمع، المتهم الذي ارتكب الجريمة والضحية الذي

تضرر من الجريمة[42].

       هكذا، أصبح الضحية في إطار نظام بدائل الدعوى العمومية يلعب دورا كبيرا في الخصومة الجنائية، حيث نص المشرع المغربي في المادة 41 من ق.م.ج على أنه” يمكن للمتضرر قبل إقامة الدعوى أن يطلب من وكيل الملك تضمين الصلح الحاصل بينهما في محضر…”، إذ يستشف من خلال هذه المادة أن الضحية أصبح يلعب دورا محوريا في إطار هذه الآلية البديلة للدعوى العمومية، وله اليد العليا على مصير الدعوى، إن شاء أقامها إن شاء أنهاها، وبالتالي يمكن القول أن نظام بدائل الدعوى العمومية جعل النظرة متفائلة لقانون المسطرة الجنائية بإدخاله للضحية الذي كان منسيا على حساب حقوق المتهم.

     علاوة على ذلك، فإن صور بدائل الدعوى العمومية تكفل تعويضا سريعا وأكيدا للمجنى عليه عن الخسارة المادية التي لحقت به، من جراء الفعل المرتكب، فبدلا من أن يعاني هذا الأخير مشقة الانتظار لفترة طويلة في ظل المحاكمات العادية، فهو يحصل على التعويض في فترة بسيطة لا تتجاوز بضعة أشهر[43].

       وعليه، فإن بدائل الدعوى العمومية يترتب عليها إخراج الضحية من المجهول الذي يعيش فيه، بحيث يتم سماعه مباشرة بعد ارتكاب الجريمة، ويجد نفسه صاحب دور إيجابي في إدارة الجانب الذي يخصه من الإجراءات الناشئة عن الجريمة، فيشعر بأنه طرف معترف به و ليس مجهولا، وبالتالي تختفي مشاعر عدم الرضا التي تنتاب الضحية في إدارة العدالة بصورتها التقليدية.

      وغني عن البيان، أن نظام بدائل الدعوى العمومية يخدم  الضحية من خلال استفادته من مجموعة من الآثار الإيجابية؛ منها وصوله إلى حقه بطريقة يسيرة ومختصرة، وفي ذلك تجنيب لكثرة الإجراءات وتكبد النفقات. و الضحية يصبح في غنى عن الحضور أمام المحكمة وبعد تقديم المطالب المدنية وأداء الرسوم القضائية وممارسة الطعون، وانتظار صيرورة الحكم باتا حائزا لقوة الشيء المقضي… إلخ، وهكذا فنظام بدائل الدعوى العمومية أنجع للمتضرر من المسطرة العادية التي لها أعباؤها الخاصة[44]، الشيء الذي دفع بعض الرأي[45] إلى اعتبار الهدف من إيجاد صور بدائل الدعوى العمومية هو

مراعاة ظروف المجنى عليه.

      أما بالنسبة للدور الذي يقدمه نظام بدائل الدعوى العمومية خدمة للمجتمع كضحية، فهو النظر إلى تلك الغرامة التي تعوض المجتمع، وهي إن كان الطابع الرمزي يغلب عليه في كثير من الأحوال إلا أن له دوره في تعويض المجتمع عما لحق به من جراء الجريمة. وتبعا لذلك فإن الخزينة العامة تستفيد من مبلغ الغرامة بشكل مباشر، وذلك من خلال الأداء النقدي الذي يودعه الملزم بذلك حسب ما جاء في الأمر القضائي من رئيس المحكمة بشأن الصلح مثلا [46]. و المجتمع إذا – أي الدولة كضحية – يتنازل هو الآخر عن نصف الحد الأقصى للغرامة قانونا، وذلك في سبيل اختصار واستخلاص المبلغ المقرر في الأمر القضائي بأسرع وقت وأقل تكلفة.

لذلك فإن صور بدائل الدعوى العمومية تؤدي إلى تحقيق العدالة التي يسعى إليها الضحية، فكثرة القضايا وتعددها وتعقدها يدفع النيابة العامة إلى الإكثار من إصدار قرار الحفظ كوسيلة للتخلص من القضايا، حتى تحول هذا الأخير من أداة من أدوات السياسة الجنائية إلى وسيلة لإدارة العدالة الجنائية، مما يؤدي إلى المساس بحق الضحية.  وبالتالي فإن إدخال الضحية في الخصومة الجنائية بواسطة نظام بدائل الدعوى العمومية، يجعل النظرة متفائلة للعدالة الجنائية، من خلال حصوله على تعويض مما لحقه من جراء الفعل الذي أصيب به والذي كان سيكون مصيره قرار الحفظ من جهة، ومن جهة أخرى كون رضا الضحية شرط أساسي للجوء إلى بدائل الدعوى العمومية.

 وعليه، نصل إلى نتيجة أساسية أن هذا النظام يعد بمثابة إعادة الاعتبار لمركز الضحية في الخصومة الجنائية بصفة خاصة، و قانون المسطرة الجنائية بصفة عامة.

بعد الحديث عن دور بدائل الدعوى العمومية في إعادة الاعتبار للضحية الذي كان طرفا منسيا في الدعوى العمومية عن طريق تقوية مركزه في مواجهة المتهم، حق علينا التساؤل حول ما إذا كان رد الاعتبار لمكانة الضحية في الخصومة الجنائية قد تم على حساب المتهم. كما هو الحال عليه في نظام الإجراءات الجنائية الحالي بالنسبة لمركز المتهم. بعبارة أخرى هل التحول عن المحاكمة الجنائية العادية نحو نمط جديد – خارج نطاق الدعوى العمومية – له ما يبرره بالنسبة للمكانة التي يتمتع بها المتهم في قانون المسطرة

الجنائية من امتيازات.

ثانيا : بدائل الدعوى العمومية و تقوية حقوق المتهم

      وفي معرض البحث عن تعريف المتهم  ذهب البعض[47] إلى أنه كل شخص تثور ضده شبهات ارتكابه لجريمة ما، بذلك يلزم بمواجهة الإدعاء بمسؤوليته عنها، والخضوع للإجراءات التي يحددها القانون وتستهدف تمحيص هذه الشبهات وتقدير قيمتها ثم تقرير البراءة أو الإدانة. مؤدى ذلك أنه لا يشترط لاعتبارات الشخص متهما أن يتم الانتظار حتى يتصل القاضي بالدعوى، وهو ما يترتب عنه  إلزام المتهم بالحضور أمام المحكمة المختصة في مواد الجنح والمخالفات، بل لا يشترط لتوفر هذه الصفة أن يتم تحريك الدعوى ضده، على عكس ما يذهب البعض[48] في التمييز بين المتهم والمشتبه فيه، في كون المتهم من وجه إليه اتهام رسمي بارتكاب فعل يجرمه القانون، والمشتبه فيه هو الشخص الذي يكون محل شبهة بارتكاب جريمة، وبذلك يكون من جراء ذلك خاضعا لبحث تجريه السلطات المختصة في المرحلة السابقة عن الاتهام.

      وانسجاما مع فلسفة بدائل الدعوى العمومية، فإننا نرى أن التعريف الثاني للمتهم وإن كان أدق وأقرب إلى الصواب لسريان نطاق صفة المتهم بعد تحريك الدعوى ضده،إلا أن لجوء المتهم إلى بدائل الدعوى العمومية، هو اعتراف ضمني منه بارتكاب الجريمة، ومن ثم لا جدوى من البحث في هذه الصفة.

    عموما، إن مصلحة المتهم في إطار بدائل الدعوى العمومية، تتمثل في مصلحة مشروعة في تحديد مصيره بين البراءة والإدانة، في أقل مدة ممكنة حتى يقوم بالوفاء بدينه إلى المجتمع والذي يتجسد في الجزاء الذي يوقعه عليه إن ثبتت إدانته، أو العودة إلى أهله وذويه وعمله إن ثبتت براءته[49]، كما أن نظام بدائل الدعوى العمومية يجنب المتهم المثول أمام القضاء الجنائي وما قد يترتب عن ذلك من  احتمال الإدانة الجنائية، و لجوء المتهم إلى حل النزاع خارج نطاق الدعوى العمومية، قد يخفف عنه الآلام النفسية التي تلازمه طول فترة الاتهام، ولحين صدور حكم نهائي في القضية[50]، فالشخص – في ظل نظام بدائل الدعوى العمومية – لا ينظر إليه، بحسبانه متهما[51]، سواء من جانب أسرته، أو الحي الذي يقطنه أو بقية مخالطيه[52]، وبالتالي فإن اختيار المتهم  نظام بدائل الدعوى العمومية يجنبه الوصمة الاجتماعية التي تبقى ملازمة له طول حياته[53].

      كما أن المتهم في هذا الإطار يتفادى العقوبة السالبة للحرية القصيرة المدة، وهو ما يؤدي إلى التضييق من دائرة استخدام السلاح العقابي، وبالتالي  يؤدي بالنتيجة إلى التضييق من دائرة التضخم العقابي، الذي لا يستند على ضرورة اجتماعية، مقارنة بالفعل المرتكب الذي غالبا ما يكون بسيط. وتظهر أهمية اللجوء إلى نظام بدائل الدعوى العمومية بالنسبة للمتهم بالمفهوم الواسع في إنهاء الدعوى العمومية، بصورة موجزة، مع تحقيق أغراض السياسة الجنائية المعاصرة، وأهمها إصلاح المتهم وتأهيله[54]، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل وقوع المخالفة ضد الضحية. بل إن بعض صور بدائل الدعوى العمومية في بعض التشريعات المقارنة تنص بشكل صريح على أن من بين الأغراض الأساسية  من اللجوء إليها إعادة اندماج المتهم في النسيج الاجتماعي كما هو الشأن بالنسبة للتشريع الفرسي[55].

بعد تحديد الأهداف التي يسعى نظام بدائل الدعوى العمومية إلى تحقيقها بالنسبة لأطراف الخصومة الجنائية لتكون مبررنا في الدفاع على نظام بدائل الدعوى العمومية في المنظومة الجنائي المغربية. حق لنا القول أن اللجوء إلى نظام بدائل الدعوى العمومية في معالجة “ظاهرة الإجرام البسيط”،لا يعود بالنفع على أطراف الخصومة الجنائية فقط، بل إن الأمر يتجاوز ذلك إلى القيام بخدمة لأجهزة الدولة بصفة عامة والعدالة الجنائية بصفة خاصة. هذا ما سنقف عنده تفاعلا مع السؤال الآتي:  أين تتجلى مظاهر خدمة بدائل الدعوى العمومية بالنسبة لأجهزة العدالة الجنائية؟

الفقرة الثانية : بدائل الدعوى العمومية وخدمة مؤسسات العدالة الجنائية

      تمثل بدائل الدعوى العمومية رد فعل  تشريعي  لعدة صعوبات كان يثيرها تحريك الدعوى

العمومية في بعض الجرائم البسيطة[56]، مما جعل منها أحد الحلول الممكنة لعلاج تعثرات العدالة الجنائية، حيث أفضى تزايد أعداد الدعاوى الجنائية إلى زيادة العبء على عاتق المحاكم بشكل يخشى منه على سير العدالة[57]، و يتخد نظام بدائل الدعوى العمومية خدمة لأجهزة العدالة الجنائية  إحدى صورتين، أولهما بالقضاء الجنائي (أولا)، وترتبط ثانيهما بالمؤسسات العقابية (ثانيا).

أولا: مظاهر خدمة بدائل الدعوى العمومية للقضاء الجنائي

تتمثل مظاهر خدمة نظام بدائل الدعوى العمومية بالنسبة للقضاء ” الجنائي ” في كون هذا الأخير يكفل له عددا من المزايا، فهو يساهم بمستواه بالنظر إلى ما يتصف به من سرعة ومرونة في الإجراءات، فضلا عن انخفاض  قيمتها المادية و اقتصاد في الوقت .

   إن فعالية الجزاء الجنائي ترتهن بسرعة تنفيذه. والسرعة تعني تجنب البطء المسطري، بتجنب تطويل الآجال أو عدم تحديدها بالمرة، فتغدو مطية للتسويف والمماطلة. كما أن السرعة من شأنها أن تضمن حقوق المتضرر من الجريمة، وتحول دون تلاشي وسائل الإثبات واندثارها، وتضمن أيضا حسم الخصومة في أقصر الأوقات. وهو قول قد حظي بتأييد عدد من الفلاسفة والفقهاء، نذكر منهم – على سبيل المثال »بيكاريا  « C.Beccari  الذي أعلن  أنه ” كلما كان العقاب سريعا وتاليا لارتكاب الجريمة، كلما كان عادلا ونافعا”[58]، بل إن إجراءات الدعوى نفسها يجب أن تنتهي في أقرب وقت ممكن، كلما قصرت الفترة الزمنية بين الجريمة والعقوبة، كلما قوي الارتباط الفكري بين هذين الأمرين، وتستجيب صور بدائل الدعوى العمومية لهذه الفكرة، بالنظر إلى ما تحققه من سرعة في إنهاء الدعاوى الجنائية، حيث تساعد على اختصار الفترة الزمنية بين لحظة ارتكاب الجريمة، وصدور قرار قضائي في شأنها.

وتستند اعتبارات السرعة في نظام بدائل الدعوى العمومية إلى الرغبة في عدم ترك المتهم في وضع

غير مستقر لمدة طويلة، فضلا عن الرغبة في المحافظة على تماسك الأدلة وعدم ضياعها، حيث يمكن الاستفادة منها عند استرجاع الإجراءات وإحالة الدعوى إلى المحكمة.

       ونظر لأهمية مبدأ السرعة، فقد أدركت القوانين الوضعية اليوم، أن طول أمد النزاع  لا يمس

فقط بحقوق المتهم وآليات المحاكمة العادلة، بل يكلف خزينة الدولة نفقات أكثر بسبب طول الإجراءات. كما أدركت أن المبالغة في مدة الفصل في القضية يسبب الآلام الكبيرة  للمتهم بحكم وضعه موضع الاتهام بما ينجم عن ذلك من مساس بشرفه واعتباره وأسرته وبأسمى مبادئ قانون المسطرة الجنائية وهي قرينة البراءة، فضلا عن أن طول الانتظار قد يؤدي إلى إصابة الشهود بالنسيان مما يؤثر على معرفة الحقيقة[59]. كل ما سلف يكشف السبب الذي جعل دستور فاتح يوليوز لسنة 2011 يكرس في الفصل 120 مبدأ الحق في صدور الحكم داخل أجل معقول، والذي يعد من المعايير التي تقاس بها نجاعة القضاء في الدول المتقدمة.

    وبالتالي، فإن نظام بدائل الدعوى العمومية يخدم العدالة من خلال اقتصاد الوقت بالفصل في نزاعات بسيطة قد تكلف القضاء وقتا كبيرا.

      إضافة إلى ذلك، فإن صور بدائل الدعوى العمومية تخدم العدالة من خلال التخفيف عن كاهل جهاز القضاء من المتطلبات القضائية، و إعطائه القدرة على تكريس الوقت والجهد الكافيين للفصل في القضايا الأكثر أهمية، ويتضح ذلك إذ ما لا حظنا عدم جدوى ما قال به البعض من “زيادة الإمكانات المادية والبشرية للجهاز القضائي” [60].  لأن الزيادة في عدد القضاة لا يؤدي إلى أية نتيجة في ظل تزايد عدد القضايا المسجلة  نتيجة لتزايد عدد السكان، وهذا ما يوضحه الجدول الأتي:

تطور عدد القضايا المسجلة وعدد السكان بالنسبة لكل قاض بين سنوات 1994- 2004[61]

السنة199419951996199719981999200020012004[62]
عدد القضاة216523382327269226412741277027343118
القضايا  المسجلة13233211465153167642117439671652160210734320343602169813315669
عدد  السكان.00026.07426.386.00026.884.00027.310.00027.555.00028.238.00028.729.00029.218.00029.892.000
عدد السكان بالنسبة لكل قاض12034112861153810145105171030210371106869586

وبقراءة الجدول يتضح جليا التزايد الكبير في عدد القضايا المسجلة أمام القضاء نتيجة ارتفاع عدد السكان في غياب خصاص في الموارد البشرية. وبالمقارنة بين سنة 1994 و2004 نجد أن نسبة التغيير في عدد القضايا   58,06% لم يواكبها العدد الكافي من القضاة بالنسبة لتزايد عدد السكان.

وفي إحصائيات حديثة صادرة عن وزارة العدل، يتجلى أنه إلى غاية غشت 2009 بلغ عدد القضاة بالمغرب 3269 قاضيا[63]  مقابل عدد القضايا في المحاكم العادية والمختصة و المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) خلال السنة القضائية 2008 بين مسجل و مخلف عن سنة 2007 بلغ 3.409.652 قضية، و أن عدد الأحكام الصادرة خلال السنة نفسها 2.663.087 حكما، وأن عدد السكان بحسب إحصاء سنة 2004 لا يقل عن 30.000.000؛ أي بمعدل قاض مقابل 10.000 نسمة[64]. علما أن المعيار الدولي هو  قاض لكل 500- 600 نسمة، وهذا المعدل لم نصل إليه في المغرب رغم المجهودات المبذولة من طرف وزارة العدل في السنوات الأخيرة، كما توضح ذلك الإحصائيات المبينة في الجدول الأتي :

جدول مقارن لعدد قضاة مع عدد سكان المملكة خلال الفترة ما بين 2009 – 2014[65]

السنةعدد القضاةعدد السكانعدد القضاة  لكل  100000 نسمة
2009326731.195.00010,47
2010335231.543.00010,63
2011375831.894.00011,78
2012371632.245.00011,52
2013390532.597.00011,98
2014404432.597.00012,40

هذا، ويلاحظ بقراءة هذه المعطيات أنه في الوقت الذي ارتفع فيه عدد السكان خلال الفترة ما بين 2009 و2014 بنسبة 4,49%، سجل قضاة المملكة زيادة تفوق 23% مما مكن من تحسن مؤشر عدد القضاة لكل 100.000 نسمة بالمغرب خلال نفس الفترة عن 12% . كما يوضح هذا المجهود الذي بذلته الوزارة لتوظيف قضاة جدد لتعويض المحالين على التقاعد، وكذا الزيادة في العدد الإجمالي للقضاة الذي ارتفع إلى 777 قاضيا خلال الفترة؛ أي بمعدل 130

قاضيا في السنة[66].

إلا أنه، رغم الزيادة في عدد القضاة للارتقاء بنجاعة وفعالية القضاء، تبقى الأرقام غير كافية أمام ارتفاع عدد القضايا المحالة على القضاء. ففي سنة 2012 مثلا بلغ عدد القضايا المسجلة 23397493 قضية بينما بلغ عدد القضايا الرائجة أمام المحاكم( المسجل + المخلف) ما مجموعه 3251392 قضية، في حين لم يبلغ عدد القضايا المحكومة سوى 2356430 قضية؛ أي بنسبة بت في القضايا بلغت 72,47% من القضايا الرائجة، وتخلف أمام  محاكم الموضوع 891912  قضية؛ أي بنسبة 27,43%  من القضايا الرائجة، علما أن القضايا المدنية تشكل 62,83%  في حين بلغت نسبة القضايا الزجرية 37,17% من مجموع القضايا[67]، و أن نسبة الإجرام البسيط يشكل 15% .

كل هذه الأرقام تجعلنا نؤكد على دور نظام بدائل الدعوى العمومية في التخفيف عن القضاء ليس على مستوى الموارد البشرية فقط، وإنما أيضا على المستوى الاقتصادي، حيث يوفر على الدولة نفقات ملاحقة المتهمين ومقاضاتهم[68]، وهو ما يجعل الأفراد يقبلون العدالة البسيطة المتجسدة في صور بدائل الدعوى العمومية، رغبة منهم في تجنب الخصومة القضائية، والمكلفة مقارنة بالطرق الودية لحل النزاع.

وبناء عليه، إذا كانت الحتمية في اللجوء إلى بدائل الدعوى العمومية تعنى بدرجة أولى بمجابهة عينة – خاصة – من الإجرام في مهدها، فإن التخفيف من عبء القضايا البسيطة المطروحة أمام القضاء يظل أحد أهم  النتائج المتوخاة  من هذا التوجه، لأن من شأن ذلك إعطاء الوقت الكافي للجرائم الخطيرة  التي تحتاج معالجة دقيقة وضمانات كافية لأطراف الخصومة الجنائية. وعليه، فإنه من الطبيعي أن تلقي هذه الإستراتيجية بظلالها  النفعية على المؤسسات السجنية ببلادنا.

ثانيا : مظاهر خدمة بدائل الدعوى العمومية للمؤسسة السجنية

       إن نظام بدائل الدعوى العمومية يلعب دورا كبيرا  بالنسبة للمؤسسة السجنية، نظرا لما يقدمه من خدمة جليلة  للعدالة، خاصة فيما يرتبط بالتخفيف من اكتظاظ المؤسسات العقابية، الذي يعد نتيجة حتمية لتكدس القضايا أمام المحاكم. ولما كانت الجرائم موضوع بدائل الدعوى العمومية في غالبيتها جرائم بسيطة معاقب عليها بعقوبات  قصيرة المدة نسبيا، فإن الرصد الإحصائي لعدد المعتقلين المدانين حسب مدة العقوبة السالبة للحرية الصادرة في حقهم يؤكد ذلك. حيث يتضح أن  %60.11 من المجموع العام للقضايا المعروضة أمام المحاكم والتي تم إصدار أحكام فيها قابلة لأن تكون موضوعا لبدائل الدعوى العمومية- باعتبارها جرائم بسيطة-  في حين أن الجرائم التي يمكن وصفها بالخطيرة تشكل فقط %39.89 من المجموع العام لعدد المعتقلين المدانين خلال سنة 2007، وهو ما يوضحه الرسم البياني التالي[69] :

   وهكذا، فإن تطبيق نظام بدائل الدعوى العمومية يمكن أن يساهم بطريقة غير مباشرة في التخفيف من ظاهرة الحبس قصير المدة، التي تعددت مثالبها من نواحي اقتصادية واجتماعية ونفسية، بالنسبة للدولة أو المحكوم عليه على حد السواء.

 إن اللجوء إلى نظام بدائل الدعوى العمومية يخدم العدالة الجنائية، من خلال تجنيبها مشقة الانشغال في قضايا تكون بسيطة في البداية، فتترتب عنها مشاكل مستعصية كلما تعلق الأمر بخلافات بين الأقارب أو الجيران، نتيجة لعوامل مختلفة كالثأر أو الانتقام لكون حلها خارج نطاق الدعوى العمومية فيه منفعة لإطرافه – الضحية والمتهم- من جهة، ولأجهزة العدالة الجنائية بمؤسستيه – القضاء وإدارة السجون وإعادة الإدماج –  من جهة ثانية.

وبناء عليه، نخلص من خلال هذه الدراسة إلى أن الدعوى العمومية أصبحت غير صالحة لحماية بعض المصالح الاجتماعية الجديرة بالحماية. حيث أثبتت الأبحاث وجود هوة كبيرة بين الأهداف التي يتوخاها القانون الجنائي، وبين النتائج التي تحققت. ويبدو ذلك واضحا في نواحي متعددة.  فمن ناحية أولى؛ عجز القانون الجنائي عن تحقيق الردع العام والخاص (خاصة في بعض الجرائم التي لا تكتسي خطورة اجتماعية بالغة كما رأينا). فعدد الجرائم في ازدياد مستمر والعود إلى الجريمة أصبح ظاهرة واضحة للعيان. فقد بات واضحا عجز الدولة بمفردها عن مكافحة ظاهرة الإجرام البسيط عن طريق الدعوى العمومية،مما يدفع بنا الأمر إلى دعوة المشرع الجنائي[70]  إلى إعادة النظر في سياسته الجنائية تجاه معالجة  الإجرام البسيط، ذلك من خلال التشجيع على حل النزاعات البسيطة خارج نطاق الدعوى العمومية،بما فيه من تخفيف للعبء عن كاهل مؤسسات العدالة ببلادنا، و في ذات الوقت تحقيق التوازن المطلوب بين ما سبق وما يجب أن يكنه كل من المجنى عليه والمتهم من احترام للقانون وعدالته.


[1] – أحمد فتحي سرور ، القانون الجنائي الدستوري،الطبعة 2، دار الشروق،2002، ص 151.

[2]   ضاري خليل محمود ، بدائل  الدعوى الجزائية في القانون العراقي والمقارن، المجلة العربية للفقه والقضاء، العدد السادس ، 1987، ص  13.

[3]– انتقال السياسة الجنائية من المقاربة الأمنية للقانون الجنائي-  التي لم تقدم أكثر مما أخذت من الدول  اقتصاديا واجتماعيا -، إلى المقاربة الاقتصادية بشقيه  الإجرائي والموضوعي.

[4] –  رفع التجريم عن بعض أنواع السلوك الإجرامي وإدخالها في دائرة المشروعية، فلا يترتب على ارتكابها عقوبة جنائية أو غير جنائية. وأساس ذلك أن ثمة جرائم معينة لم تعد تتضمن اعتداء على مصالح المجتمع على النحو الذي يبرر استمرارها تحت طائلة التجريم، أضف إلى ذلك أن أنماطا معينة من السلوك الإجرامي لم تعد محل استنكار من المجتمع. ويعني الحد من العقاب أن يظل السلوك غير مشروع دون أن يترتب عليه توقيع جزاء جنائي. هكذا تستمر صفة التجريم قائمة بالنسبة للفعل على أن يوقع على مرتكبها جزاءات مدنية أو تأديبية أو إدارية أو غيرها من بدائل العقوبات .

–  راجع بهذا الصدد :  عمر سالم، نحو تيسير الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1997، ص  92 وما بعدها.

-J.PRADEL,  “la rapidité de l’instance pénale, aspects de doit  comparé”,R.P.D.P.,n°4,1995,p 215.

John RASON SPENCER, “La célérité de la procédure pénale en Angleterre”, R.I.D.P,éd .érés, 1995, p 414.

[5] _ أسامة حسنين عبيد، الصلح في قانون الإجراءات الجنائية ماهيته والنظم المرتبطة به دراسة مقارنة، الدكتوراه في الحقوق، جامعة القاهرة، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى، 2005، ص  12.

[6] _  للإشارة أن بدائل الدعوى العمومية تمثل آخر التطورات أو آخر مراحل تطور الفكر العقابي، فقد كانت  البداية في التفكير بإحلال التدابير الوقائية محل العقوبة وهو الاتجاه الذي تبنته المدرسة الوضعية، ثم الاتجاه إلى إلغاء العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة، ثم الاتجاه إلى الحد من العقوبات السالبة للحرية بوجه عام، وفي النهاية كان الاتجاه إلى استبدال الخصومة الجنائية التقليدية أو بدائل جديدة للدعوى العمومية.

  حاسم محمد رشيد الحديج ، بدائل العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة، بدون دار النشر ، وبدون طبعة، 2000، ص 116.

[7]_ علي عدنان الفيل،” بدائل إجراءات الدعوى الجزائية دراسة مقارنة، مجلة القانون والاقتصاد، العدد 25، أبريل 2011، مجلة تصدرها جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، فاس، ص  74.

[8]_ حاسم محمد رشيد الحديج ، م.س، ص 115.

[9] _J.PRADEL, la procédure pénale française à l’aube du troisième millénaire, Recueil Dalloz, 2000 , doctrine ,p 2.

[10]_.K.Tiedeman, Rev.int.dr.pén.1/7/1993,p 820et s.

[11] _ميثاق إصلاح منظومة العدالة ،الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة،2013، ص 84.

[12] _ يمكن إجمال هذه الاتجاهات فيما يلي: التحديد على أساس نوع الجريمة  : بحيث يستند هذا الاتجاه في اعتبار الجريمة بسيطة أم لا إلى التقسيم التشريعي للجرائم، وحسبه الجريمة البسيطة تكون نتيجة اقتراف جرائم المخالفات وبعض الجنح بالنسبة للتشريعات التي تعتمد التقسيم الثلاثي للجرائم )جنايات – جنح – مخالفات( كما هو الشأن مثلا بالنسبة للمشرع المغربي والفرنسي، إلا أنه بالرغم من أن هذا التقسيم يسعفنا في  تحديد نوع الجريمة، إلا أن هذا التحديد يبقى نسبيا.

أنظر بهذا الصدد : عبد الواحد العلمي، شرح القانون الجنائي المغربي القسم العام، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى، الدار البيضاء، 2002، ص  243.

التحديد على أساس نوع المؤسسة العقابية : يفترض أصحاب هذا الاتجاه اختلاف أنواع المؤسسات العقابية سواء من حيث طبيعة النظام السائد في كل منها أو من حيث نوع المعاملة العقابية، وهذا الاختلاف يجعل منه المشرع ضابطا للتمييز بين أنواع العقوبات السالبة للحرية فلكل جريمة حسب هذا المعيار نوع من السجون يخصص لتنفيذ العقوبة الناتجة عن ارتكابها.

أنظر بهذا الصدد:  محمد مفتاح بقالي، مؤسسة السجون في المغرب. مطابع ميثاق المغرب، الطبعة الأولى، الرباط، 1979، ص 65.

والمشرع المغربي أشار إلى هذا المعيار من خلال القانون رقم 98 / 23 المتعلق بتنظيم وتسير المؤسسات السجنية حيث أكد في المادة 2 / 2 على أن:” المؤسسات السجنية تنقسم إلى مجموعتين :

1 – السجون المحلية وهي مخصصة بصفة عامة لإيواء المعتقلين الاحتياطيين والمحكوم عليهم بعقوبات قصيرة الأمد والمكرهين بدنيا.

2- المؤسسات السجنية المخصصة لإيواء المدانين والمنصوص عليهم في المادة 8 بعده”.

[13] _محمود طه جلال، أصول التجريم والعقاب في السياسة الجنائية المعاصرة دراسة في استراتيجيات استخدام الجزاء الجنائي وتأصيل ظاهرتي الحد من التجريم والعقاب، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى، القاهرة، 2005، ص 302.

[14] _ فتوح عبد الله الشاذلي، أساسيات علم الإجرام والعقاب، منشورات الحلبي الحقوقية، دون ذكر الطبعة، بيروت،2009، ص 436.

[15] _ Frabcois-Paul BLANC et Rabha ZEIDGUY, Code pénale textes et documents juridiques, ,casablanca, Socepress, 2001, p 7 etc.

[16] _ ظهير شريف رقم  1.59.413 صادر بتاريخ 28 جمادى الثانية 1382 (26 نونبر 1962) بالمصادقة على مجموعة القانون الجنائي، منشور بالجريدة الرسمية عدد 2640 مكرر، بتاريخ 12 محرم 1383 (5 يونيو 1963) ،

ص 1253.

[17] _الطيب الشرقاوي، السياسة الجنائية: مفهومها وآليات وضعها وتنفيذها والخطوط العريضة للسياسة الجنائية القائمة بالمغرب ، ندوة السياسة الجنائية بالغرب : واقع وآفاق، أشغال المناظرة الوطنية التي نظمتها وزارة العدل بمكناس أيام 9-10-11 دجنبر 2004، المجلد الثاني، منشورات جمعية نشر المعلومات القانونية والأيام الدراسية، الطبعة الأولى، العدد الرابع، 2005 ص 33 .

[18] _  الطيب الشرقاوي، “السياسة الجنائية، “مفهومها وآليات وضعها وتنفيذها والخطوط العريضة للسياسة الجنائية القائمة بالمغرب”، م.س، ص 34.

[19] _ إحصائيات صادرة عن وزارة العدل ، أوردها  الطيب الشرقاوي، المرجع نفسه ص 34.

[20] _ هشام ملاطي، مساهمة القاضي في حل أزمة السجون بالمغرب، دراسة مقارنة لأهم المقتضيات الجنائية الإجرائية والموضوعية مع المعطيات الإحصائية، مكتبة دار السلام، الرباط، الطبعة الأولى، 2007، ص ص 55 – 56.

[21]_عبد الرحمان أسامة ، دروس في القانون الجنائي الخاص، مطبعة طه حسين ، وجدة،  دون ذكر الطبعة، 2009، ص 5.

[22]_  محمد الطيب بوطيبي، الموجز في القوانين الجنائية الخاصة (وفق التشريع المغربي) . دار النشر الجسور، دون ذكر الطبعة، وجدة، 2004، ص 9 .

[23]_ تم الاعتماد  في جمع هذه النصوص على موسوعة التشريعات الزجرية الخاصة، للأستاذين طارق طباش وعبد العالي الدليمي، ج. الأول والثاني، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، 2006.أورده : نوردين الوناني، السياسة الجنائية في معالجة الإجرام البسيط، بحث لنيل شهادة الماستر في القانون الجنائي والعلوم الجنائية، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، وجدة، السنة الجامعية 2011- 2012، ص 18.

[24]_Mohammed Drissi ALAMI MACHICHI ,”régulation de l’economie par le droit, Revue marocaine de droit d’économie et de gestion”, n 52,p  15 .

[25] _ محمد ملياني، دروس في علم الإجرام، منشورات جامعة محمد الأول، وجدة، بدون ذكر الطبعة، 1995، ص  75 .

[26] _ جعفر علوي، في السلوك الإجرامي دراسة لأهم النظريات في علم الإجرام في علاقته بالسياسة الجنائية، دار القلم، الطبعة الأولى، 2010، ص 50.

[27] _ محمد ملياني، دروس في علم الإجرام ،م.س، ص  76.

[28] _  وفي تعريف أخر يذهب الفرنسي Philippe Robert  أن الإحصائيات  هي ركام من الأرقام يزعم الذين يستعملونه أنهم يقيسون به الإجرام والمجرمين فيعطونه بفعل ذلك خاصية احتكار تحديد نسبة الجريمة وقياس حجمها .

[29] _ أحمد ضياء الدين محمد خليل، الظاهرة الإجرامية بين الفهم والتحليل، بدون ذكر المطبعة والطبعة ،1996، ص ص 24-25  .

[30] _ يمكن إجمال هذه المؤثرات فيما يلي:

القابلية للتبليغ la réportabilité على اعتبار أن ارتكاب الفعل الإجرامي ليس هو تسجيله إحصائيا، لأن هناك مدة تنصرم من وقت الارتكاب إلى وقت التسجيل، تعمل فيها مجموعة من الميكانيزمات على عدم وصل الفعل  إلى علم نظام القضاء الجنائي.

إعادة بناء الموضوع la reconstruction d’objet على اعتبار أن الإحصائيات الجنائية ليست هي إحصائيات الإجرام بأكمله، وإنما هي إحصائيات كما تمت إعادة بناء موضوعها من طرف الأجهزة المصدرة لها، ففي مرحلة أولى تمر القضايا الجنائية على أجهزة الشرطة أو الدرك وفي هذه المرحلة يتم إما رفض بعضها أو معالجة مجموعة منها وهي لا تصل بالتالي إلى المرحلة اللاحقة لها، كما أنه على مستوى هذه الأخيرة قد تلجأ النيابة العامة إلى حفظ بعض الملفات بدون متابعة.

هكذا تتحكم في النظام الجنائي ميكانيزمات ” للضبط التلقائي” auto-régulation يجعله ينظم تلقائيا المواد الداخلة إليه. راجع بهذا الصدد :

  محمد ملياني، دروس في علم الإجرام، م.س، ص 79 وما بعدها.

جعفر علوي ، في السلوك الإجرامي، م.س ، ص 51 وما بعدها.

[31] _ إحصائيات تم استخراجها من بعض الإحصائيات المتحصل عليها من وزارة العدل برسم سنوات 2013- 2016.

– نقصد بذلك مجموعة القانون الجنائي و القوانين الجنائية الخاصة.[32]

[33] _ عبد الرحيم صدقي، علم العقاب- العقوبة على ضوء العلم الحديث في الفكر المصري والمقارن، دار المعارف، الطبعة الأولى، القاهرة، 1986، ص 99.

[34] _مرتكبي جريمة عدم توفير مؤونة  الشيك عند تقديمه للأداء، وجريمة إهمال الأسرة و جريمة الفساد على سبيل المثال.

[35] _ عمر سالم ، م.س ، ص 10.

[36]_ راجع بهذا الصدد: محمد كروط، وضعية المجنى عليه في الدعوى العمومية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال- الرباط ،السنة الجامعية 1999- 2000،ص 15 وما بعدها.  

[37]  _ عمر سالم ، م.س، ص 67.

[38] _لإشارة، فقد أفصح مؤتمر الأمم المتحدة السابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين والذي عقد في ميلانو بايطاليا في سبتمبر 1985 عن المقصود بضحايا الجريمة، وذلك في الفقرة الأولى من إعلان المبادئ الأساسية  لتوفير العدالة لضحايا الجريمة، وذلك في الفقرة الأولى من هذا الإعلان” يقصد بمصطلح الضحايا الأشخاص الذين أصيبوا بضرر  فردي أو جماعي، بما في ذلك الضرر البدني أو العقلي أو المعاناة النفسية أو الخسارة الاقتصادية والحرمان  بدرجة كبيرة  من التمتع بحقوقهم الأساسية عن طريق أفعال أو حالات إهمال تشكل انتهاك للقوانين الجنائية النافذة في الدول الأعضاء، بما فيها القوانين التي تحرم الإساءة الجنائية لاستعمال  السلطة”.

  التقرير الذي أعدته الأمانة العامة للأمم المتحدة، مطبوعات الأمانة العامة نيويورك 1986، ص 65.

[39] _ محمد نجيب حسنين، شرح قانون الإجراءات الجنائية، الطبعة الثانية، دار النهضة العربية ، سنة 1988، ص ص 121-122.

[40] _ ومثال على ذلك، الأبناء في جريمة الزنا، فهؤلاء هم الضحايا أو المتضررين من الجريمة، أما الزوج فهو المجنى عليه.

[41] _ أحمد فتحي سرور، الوسيط في الإجراءات الجنائية،  م.س ، ص 510.

[42] _أنظر بهذا المعنى:  جلال طلال، السرعة في الإجراءات الجزائية في التشريع الجزائيري، مذكرة من أجل الحصول على شهادة الماجستير في الحقوق فرع القانون الجنائي والعلوم الجنائية، جامعة الجزائر،كلية الحقوق ، السنة الجامعية 2011-2012، ص 40.

[43] _أسامة حسنين عبيد، م.س، ص  190. 

[44]_حميد ميمون، المتابعة الزجرية وإشكالاتها العملية، بدون طبعة، 2005، ص 127.

[45] _ فيز السيد اللمساوي، الصلح الجنائي في الجنح والمخالفات وقانون التجارة والجرائم الضريبية والجمركية، المركز القومي العربي للإصدارات القانونية، الطبعة الأولى، 2009، ص 16.

[46] _حميد ميمون، م.س، ص 172  .

[47] _ نجيب حسني، شرح قانون الإجراءات الجنائية ، م.س، ص 94.

[48] _  وزارة العدل ، م.س، ص 17.

[49]_ Abdle azim WAZIR,” la célérité de la procédure pénale en  Egypte”,  R.I.D.P, 1995,pp 493-494.

[50]-_محمد حكيم حسنين الحكيم ، النظرية العامة للصلح وتطبيقاتها في المواد الجنائية دراسة مقارنة، دار شتات للنشر والبرمجيات، مصر، بدون طبعة، 2004، ص 176.

[51] حميد ميمون ، م.س ، ص 128.

[52]_أسامة حسنين عبيد، م.س ، ص 186.

[53]-_ لمزيد من التوضيح حول الوصم الاجتماعي راجع : 

جعفر علوي، في السلوك الإجرامي ، م.س ، ص 41 وما بعدها.

[54] _أنظر بهذا المعنى : مدحت رمضان ، “بدائل الدعوى الجنائية والعقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة”، السياسة الجنائية بالمغرب واقع وآفاق، أشغال المناظرة الوطنية  التي نظمتها وزارة العدل بمكناس، أيام 9/10/11/ دجنبر 2004، منشورات جمعية نشر المعلومات القانونية والقضائية سلسلة الندوات والأيام الدراسية ، المجلد الثاني، الطبعة الأولى، العدد4، 2005، ص  336 .

[55]_Art. 41-1 CPPF.

[56] _  محمد الودغيري، العدالة في المغرب بين القضاء العادي والاستثنائي ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المتخصصة في المهن القضائية والقانونية، جامعة محمد الخامس السويسي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الرباط، السنة الجامعية 2005-2006، ص 19.

[57]_أسامة حسنين عبيد ، م.س، ص  178  .

[58]_تشيزاري بيكاريا، الجرائم والعقوبات، ترجمة  يعقوب محمد حياتي، مؤسسة الكويت للتقدم العلمي ، بدون طبعة ، 1985،  ص  82.

[59] _جمعية عدالة ، الأمن القضائي وجودة الأحكام، دار القلم، بدون طبعة، نونبر 2013، ص ص 25- 26 .

[60]Jocelyne LEBLOIS-HAPPE, “la médiation pénale comme mode de réponse à la petite délinquance états des lieux et perspectives”, R.S.C,1994,p 533.

[61]_حصيلة إصلاح القضاء حصيلة المنجزات (1997- 2002) أكتوبر 2002، تقرير صادر عن وزارة العدل ص 81، منشور على موقع الحوار الوطني حول الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة على الرابط الأتي : «http://hiwar.justice.gov.ma/document/document.aspx  »   الإطلاع عليه بتاريخ (29/07/2016) على الساعة (01:50).

[62]_ فيما يخص سنة 2004 أنظر : حصيلة عمل وزارة العدل 2008-2012 متطلبات برامج  الإصلاح، تقرير صادر عن وزارة العدل ص 13، منشور على موقع الحوار الوطني حول الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة على الرابط الأتي : «http://hiwar.justice.gov.ma/document/document.aspx  »  الإطلاع عليه بتاريخ (29/07/2016) على الساعة (01:50).

[63]_ ليصل هذا العدد سنة 2012 إلى 3724 قاضيا، أي بزيادة نسبتها 0.13% من مجموع القضاة بالمغرب: وزارة العدل ،العدالة في أرقام، منشور على موقع وزارة العدل ، قسم الإحصائيات والمعطيات، على الرابط   www.justice.gov.ma »  «  الإطلاع عليه  بتاريح (27/03/2016) على الساعة (03:34).

[64]_إحصائيات عن مصلحة الإحصائيات، مديرية الدراسات و التعاون والتحديث بوزارة العدل ،قسم الإحصائيات محكمة النقض، لمزيد من التفصيل.

    –  راجع :  بنسالم أوديجا، الوساطة كوسيلة من الوسائل البديلة لفض المنازعات، مطبعة دار القلم، الرباط، الطبعة الأولى، 2009، ص 19 .

[65] تقرير صادر عن وزارة العدل ، معالم على درب الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة – حصيلة منجزات وزارة العدل خلال سنة 2013- 2014، ص 36، منشور على موقع الحوار الوطني حول الاصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة على الرابط الأتي : «http://hiwar.justice.gov.ma/document/document.aspx  »   تم الإطلاع عليه بتاريخ (29/07/2016) على الساعة (02:50).

[66] _ تقرير صادر عن وزارة العدل ،  معالم على درب الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة – حصيلة منجزات وزارة العدل خلال سنة 2013- 2014،م.س،  ص 36،

[67] _ تقرير صادر عن وزارة العدل ،  معالم على درب الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة – حصيلة منجزات وزارة العدل خلال سنة 2013- 2014،م.س، ص 7.

[68] _ خاصة وأن كلفة الجريمة في بلادنا في ارتفاع دائم، فبالعودة  إلى تطور ميزانية وزارة العدل خلال الفترة الممتدة ما بين سنة 2001 و2013، يتضح  ارتفاع مؤشر الجريمة بشكل واضح ، بحيث  بلغت سنة 2001 مجموع الميزانية 1576127000,00لترتفع سنة  2013 إلى 3442043000.00  أي بنسبة 1.18 %.

–  وزارة العدل ، العدالة في أرقام، م.س.

[69]_ النشرة الإحصائية الصادرة عن المندوبية العامة لإدارة السجون و إعادة الإدماج لسنة 2007، ص 21. منشورة على موقع المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج ، على الرابط التالي: « http://www.dgapr.gov.ma/index.php »  الإطلاع عليه  بتاريخ ) 30/03/2016 ( على الساعة  )18:13(.

[70]– خاصة وأننا أمام مشروع قانون المسطرة الجنائية .

إقرأ أيضاً

التأطير الدستوري لمقتضيات  الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011

التأطير الدستوري لمقتضيات  الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011 الوعبان لرباس  باحث في سلك الدكتوراه …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *