Site icon مجلة المنارة

دراسة دولية لوضعية الملكية الفكرية والتحديات

 التي واجهتها خلال جائحة كورونا

دراسة دولية لوضعية الملكية الفكرية والتحديات

 التي واجهتها خلال جائحة كورونا

International study of the situation of intellectual property and the challenges encountered during the CORONA pandemic

الدكتورة حنان ناهض أستاذة باحثة مختبر الأبحاث : القانون الخاص والقانون الاقتصادي المدرسة الوطنية العليا للفن والتصميم جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء hanane.nahid@univh2c.ma  Dr Hanane NAHID Professor of Higher Education The research laboratory “Private Law and Commercial Law” The National Higher School of Art and Design University Hassan the second Casablanca- Morocco hanane.nahid@univh2c.ma
السيد ياسين اعنيبة باحث جامعي مختبر الأبحاث : قانون الأعمال كلية العلوم القانونية والسياسية جامعة الحسن الأول- سطات y.aniba@uhp.ac.ma  M. Yassine ANIBA University Researcher The research laboratory “Business Law” Faculty of Legal and Political Sciences University Hassan the first Settat- Morocco y.aniba@uhp.ac.ma

ملخص: لا شك أن الأزمة الصحية الناجمة عن فيروس كورونا (كوفيد -19)، وضعت العالم تحت إجراءات حالة طوارئ واضطرابات على مختلف الأصعدة: الصحية والاقتصادية والاجتماعية القانونية والرقمية. إلا أنه، تبين بالملموس أهمية الملكية الفكرية من خلال نشر ثقافة الملكية الفكرية للوصول إلى بدائل وحلول استراتيجية للحد من انتشار الفيروس. ولكن الأزمة الصحية أثرت على نظام الملكية الفكرية بمختلف مكوناته وتصنيفاته مما صعب من مهمة المنظمات الدولية والمكاتب المحلية في حماية الحقوق وضمان استمراريتها وكذلك الالتزام بالتوجيهات الصحية للسلطات العمومية. في هذا الإطار يجب استعراض المجهودات المبذولة على المستوى الدولي والمحلي لضمان استمرارية العمل وذلك عن طريق الرقمنة لتبسيط الاجراءات والمساطر وكذلك الإكراهات والتحديات التي واجهتها الملكية الفكرية خلال أزمة كورونا.

Abstract: There is no doubt that the health crisis caused by the Coronavirus (Covid-19) has put the world under emergency measures and disturbances at various levels: health, economic, social, legal and digital. However, the importance of intellectual property was concretely demonstrated by spreading the culture of intellectual property in order to reach alternatives and strategic solutions to limit the spread of the virus. However, the health crisis affected the intellectual property system with its various components and classifications, which made it difficult for international organizations and local offices to protect rights and ensure their continuity, as well as adhere to the health directives of public authorities. In this context, the efforts made at the international and local levels to ensure business continuity should be reviewed through digitization in order to simplify procedures and procedures, as well as the constraints and challenges faced by intellectual property during the Corona crisis.

المقدمة :

أصبحت الملكية الفكرية في عصرنا الراهن موضوعا مركزيا مع بزوغ فجر اقتصاد المعرفة، إذ أن الابتكار القائم على الملكية الفكرية والتفكير الابتكاري يفتح الباب أمام حلول ومقاربات جديدة لمواجهة التحديات العالمية التي تواجهنا.

وهذا ظهر جليا منذ إعلان منظمة الصحة العالمية في الحادي عشر من مارس 2020 عن طبيعة الوباء الناجم عن فيروس كورونا (كوفيد -19)، واضعا الدول والحكومات تحت إجراءات حالة طوارئ، إذ شهد العالم اضطرابات على مختلف الأصعدة: الصحية والاقتصادية والاجتماعية القانونية والرقمية.

حيث برز دور المخترعين في ابتكار عدد من الأجهزة التي ساعدت على الكشف المبكر للمرض وابتكار العديد من الأدوات والمستلزمات الطبية والتطبيقات الإلكترونية وغيرها من الاليات التي ساعدت على الوقاية والحد من انتشار جائحة كورونا ومكافحتها بابتكار أدوية ولقاحات للقضاء على هذا الوباء.

فلا شك أننا أدركنا دور الملكية الفكرية في تمكين البحث العلمي لمواجهة هذه الأزمة للوصول إلى بدائل وحلول استراتيجية.

فحقوق الملكية الفكرية، هي حقوق ملكية معنوية، ترد على نتاج الفكر، من إبداع أدبي أو فني أو ما يجاورهما )حقوق المؤلف والحقوق المجاورة)، وابتكار صناعي (الملكية الصناعية). وتشير الملكية الفكرية حسب المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو)[1] إلى إبداعات العقل من اختراعات ومصنفات أدبية وفنية وتصاميم وشعارات وأسماء وصور مستخدمة في التجارة. والملكية الفكرية محمية قانونا بحقوق منها مثلا براءات الاختراع، حق المؤلف والعلامات التجارية التي تمكّن الأشخاص من كسب الاعتراف أو فائدة مالية من ابتكارهم أو اختراعهم. ويرمي نظام الملكية الفكرية، من خلال إرساء توازن سليم بين مصالح المبتكرين ومصالح الجمهور العام، إلى إتاحة بيئة تساعد على ازدهار الإبداع والابتكار[2].

لم يعد الحديث عن مفاهيم الملكية الفكرية وبراءات الاختراع ترفا فكريا، بل هو خيار استراتيجي وضرورة للعيش في واقع متغير سمته المنافسة، ولعل الأهمية التي تكتسيها حقوق الملكية الفكرية بصفة عامة من الناحية الاقتصادية، هي التي جعلت منها أحد المحاور الأساسية التي شغلت المجتمع الدولي أثناء إرسائه لأسس النظام الاقتصادي العالمي الجديد، مما جعل من احترام تلك الحقوق أحد الممرات الأساسية التي فرض على كل دولة أن تسلكها لأجل الولوج إلى هذا النظام مجسدا في الانتماء إلى منظمة التجارة العالمية. ويرجع الفضل إلى هذا النظام في وضع أسس دولية موحدة تؤطر حقوق الملكية الفكرية، من خلال اتفاقية دولية ألحقت باتفاقية منظمة التجارة العالمية، هي اتفاقية جوانب حقوق الملكية الفكرية المتصلة بالتجارة، المعروفة اختصارا باتفاقية  TRIPSبالإنجليزية، أو ADPIC بالفرنسية[3].

ولقد نتج عن هذا النظام أن أصبحت حقوق الملكية الفكرية، أكثر من أي وقت مضى، أدوات استراتيجية أساسية بالنسبة للمقاولات، الجامعات ومراكز البحث، ومن ثم، بالنسبة للاقتصاد، لاكتساب مقدرة تنافسية، ليس فقط على المستوى المحلي، بل الدولي كذلك.

إن الأزمة الصحية التي شهدها العالم تبين بالملموس أهمية الملكية الفكرية، فالابتكار العالمي لأدوية وعلاجات جديدة من خلال نشر ثقافة الملكية الفكرية للوصول إلى بدائل وحلول استراتيجية هو السبيل للحد من انتشار الفيروس. ولكن الأزمة الصحية أثرت على نظام الملكية الفكرية بمختلف مكوناته وتصنيفاته مما صعب من مهمة المنظمات الدولية والمكاتب المحلية في حماية الحقوق وضمان استمراريتها وكذلك الالتزام بالتوجيهات الصحية للسلطات العمومية.

في هذا الإطار يجب استعراض المجهودات المبذولة على المستوى الدولي والمحلي لضمان استمرارية العمل وذلك عن طريق الرقمنة لتبسيط الاجراءات والمساطر وكذلك الإكراهات والتحديات التي واجهتها الملكية الفكرية خلال أزمة كورونا.

وفي هذا الصدد، توجد أحكام على الصعيدين الوطني والدولي لتيسير الولوج حيثما تكون الملكية الفكرية عقبة. وينبغي أن يكون تطبيق تلك الأحكام بشكل هادف ومحدود زمنيا، وبعبارة أخرى، ينبغي أن يكون مرتبطا تحديدا بعقبات الملكية الفكرية التي تبرهن على أنها تحول دون الولوج في سياق جائحة كوفيد-19.[4]

وفي القطاع الثقافي والإبداعي، توجد استثناءات وتقييدات في أنظمة الملكية الفكرية لتيسير الوصول إلى الكتب والمنشورات وغيرها من المحتويات الإبداعية. ولتلك المحتويات الإبداعية دور حيوي في توزيع البيانات والمعلومات والمعارف التي قد تكون أساسية للابتكار أو في التعامل مع الآثار الضارة الناجمة عن التدابير المتخذة لمواجهة الجائحة. مما ينبغي اللجوء إلى تلك الأنواع من المرونة. وتجدر الإشارة إلى أن كثيرا من أصحاب الحقوق حول العالم قد اتخذوا خطوات طوعية، من خلال ترتيبات ترخيص ابتكاري وتدابير أخرى، من أجل إتاحة نفاذ مجاني إلى كميات كبيرة من المحتويات الوجيهة أثناء الأزمة.

لذلك سنتطرق في هذه الدراسة، في المبحث الاول إلى التدبير الإداري للملكية الفكرية خلال الأزمة الصحية، وفي المبحث الثاني الى التحديات التي واجهت الملكية الفكرية خلال الأزمة الصحية والإجراءات المقترحة لتجاوزها.

المبحث الاول : التدبير الإداري للملكية الفكرية خلال الأزمة الصحية

يستوجب هذا المحور التوقف عند التدبير الإداري للملكية الفكرية خلال الأزمة الصحية وذلك من خلال استعراض المجهودات المبذولة من طرف المنظمة العالمية للملكية الفكرية من أجل حماية الحقوق وضمان استمرار الخدمات المقدمة، وكذلك تبيان الاستجابة التي تمت تبنيها على المستوى الوطني.

 المطلب الأول: المنظمة العالمية للملكية الفكرية وجائحة كورونا

لمساعدة مستعملي خدمات المنظمة على فهم آثار الجائحة، قامت المنظمة بإطلاق لوحة جديدة تمكّن ممثلي الدول الأعضاء وأصحاب المصلحة الآخرين من متابعة تطور الخدمات في مجال الملكية الفكرية. بهدف وضع نظام دولي متوازن وفعال للملكية الفكرية، فلذلك من الطبيعي أن تأخذ المنظمة زمام المبادرة في إتاحة أداة من هذا النوع تشجع على أوسع فهم ممكن لنطاق سياسات الملكية الفكرية وغيرها من التدابير عند اتخاذها.

ظلّت عمليات المنظمة متواصلة بكامل طاقتها تقريبا بالرغم من تحوّل الموظفين للعمل عن بعد وذلك من خلال تفعيل البروتوكول الخاص باستمرار العمل وتم الانتقال إلى حضور عملي افتراضي شبه كلي، مع الإبقاء على مجموعة صغيرة فقط من الموظفين الذين لا يزال بإمكانهم الولوج إلى المقر الرئيس الكائن في جنيف بسويسرا، وفقا لإرشادات السلطات الصحية العامة الرامية إلى كبح زيادة انتشار فيروس كوفيد-19.

نظراً لتأثيرات وباء الكوفيد-19 على عمليات المكتب الدولي ونظام البريد على النطاق العالمي، علّق المكتب الدولي، بصفته مكتبا لتسلم الطلبات، إرسال وثائق معاهدة التعاون بشأن البراءات (مثلاً استمارات المعاهدة، الرسائل) على الورق.

بات العالم بحاجة إلى الولوج بسهولة إلى كل المعلومات المتاحة لضمان نجاح الابتكار في السعي نحو استحداث لقاحات وعلاجات وأدوية. وبالتالي فإن وثائق البراءات تشكّل مصدرا وافيا من المعارف التكنولوجية التي اكتسبها البشر على مدى قرون. إن أداة المنظمة الجديدة للبحث في البراءات تساعد على نشر المعلومات الخاصة بالتكنولوجيات والتي يمكن للغير الاستناد إليها لأغراض مكافحة فيروس كوفيد-19 على الصعيد العالمي. في هذا السياق أطلقت المنظمة وظيفة بحث جديدة في قاعدة بياناتها العالمية الخاصة بالبراءات، “ركن البراءات”، لتسهيل تحديد واستخراج المعلومات الواردة في وثائق البراءات المنشورة، التي قد تكون مفيدة بالنسبة للمبتكرين الذين يعكفون الآن على استحداث تكنولوجيات جديدة من أجل مكافحة جائحةكوفيد-19. [5]

وتوفر هذه  الوظيفة التي تتيحها المنظمة في ركن البراءات لأغراض كوفيد-19 للخبراء والمهندسين وراسمي سياسات الصحة العامة والجهات الصناعية الفاعلة والجمهور عموما، مصدر معلومات يسهل الولوج إليه بغرض تحسين سبل الكشف والوقاية وعلاج فيروس كورونا المستجد. وتمكّن الوظيفة الجديدة المستخدمين من البحث عن مراجع قيّمة لتكنولوجيات مختارة بشكل محدّد واستخراجها وتحليلها بعشر لغات، مما لا يترك مجالا كبيرا للحاجز اللغوي.[6]

توفر وظيفة البحث المدرجة في ركن البراءات العشرات من طلبات البحث التي نُظّمت خصيصا من قبل الخبراء المتخصصين في معلومات البراءات الذين حدّدوا المجالات التكنولوجية الوجيهة بالنسبة إلى الكشف عن فيروس كوفيد-19 والوقاية منه وعلاج المصابين به.

تحتوي قاعدة بيانات ركن البراءات على أكثر من 83 مليون وثيقة من وثائق البراءات والوثائق ذات الصلة، وتتيح إمكانية البحث الشامل عن المعلومات المتعلقة بالبراءات بإمكانات بحث متعددة اللغات، ونظاما للترجمة الآلية يستخدم تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي من أجل نتائج بالغة الدقة. يتم، عبر الوظيفة الجديدة الخاصة بكوفيد-19، استخراج آلاف الوثائق التي يُحتمل أن يستخدمها المبتكرون العاملون في إطار جهود التخفيف من وطأة كوفيد-19.

قامت المنظمة باتخاذ إجراءات بواسطة مذكرة إعلامية في 20 مارس 2020 [7]،حيث أبلغت الدول الأعضاء باستمرارية الخدمات الخاصة بنظام معاهدة التعاون بشأن البراءات، ونظام مدريد للتسجيل الدولي للعلامات[8]، ونظام لاهاي للتسجيل الدولي للتصاميم الصناعية، ونظام لشبونة للتسجيل الدولي للمؤشرات الجغرافية، ومعاهدة التعاون بشأن البراءات [9] (PCT).وتواصل أيضا إدارة سائر أنظمة الملكية الفكرية والأنظمة المتصلة.

دعونا نأخذ المثال التوضيحي لحالة العلامات التجارية. وإدراكًا منه للاضطرابات المحتملة التي يمكن أن تؤثر على مستخدمي نظام مدريد بسبب التدابير الصارمة المتخذة لوقف انتشارCOVID-19، فقد وضع المكتب الدولي سبل الانتصاف المتاحة في حالة عدم الامتثال، موعد نهائي بموجب نظام مدريد. على حد سواء، في رأيها رقم 7/2020 في 20 مارس 2020 [10]، يذكر المكتب الدولي للويبو أن نظام مدريد نص بالفعل على التمديد التلقائي للآجال الزمنية في حالة عدم فتح المكتب للجمهور.

أيضا واصل مركز التحكيم والوساطة عمله المهم المتمثّل في معالجة المنازعات المرتبطة بأسماء الحقول على الإنترنت في إطار السياسة الموحدة لتسوية المنازعات المتعلقة بأسماء الحقول على الإنترنت ومعالجة الحالات الأخرى الخاصة بتسوية المنازعات بالطرق البديلة.

على صعيد آخر، على الرغم من الظروف الصعبة للغاية الناشئة عن جائحة كوفيد-19، واصلت أكاديمية المنظمة  توفير فرص تعليم وتدريب عالية الجودة في مجال الملكية الفكرية للمسؤولين الحكوميين والمخترعين والمبدعين ومديري الأعمال ومهنيي الملكية الفكرية والطلاب والأساتذة في مجال الملكية الفكرية والمجتمع المدني والجمهور. وواصلت مع شركائها مراقبة وضع كوفيد-19، وأولويتها الرئيسية هي صحة ورفاهية المشاركين والمحاضرين في جميع برامج الأكاديمية.

المطلب الثاني: وضعية الملكية الفكرية على الصعيد الوطني   

 منذ إعلان منظمة الصحة العالمية[11] في 11 مارس 2020 لطبيعة الوباء الناجم عن فيروس كورونا (كوفيد -19)، فإن تفشي هذا الفيروس أبدى ذعر البشرية جمعاء، واضعا الدول والحكومات تحت تدابير حالة الطوارئ. 

تبع ذلك نوع من التنافس في الإجراءات على مستوى العالم.  حيث شهدنا تضخمًا معياريًا بجميع الدول في محاولة لاحتواء انتشار الوباء.  فكافحت مختلف الهياكل التنظيمية للحفاظ على الحد الأدنى من الخدمة لعملائها. إذ حل مفهوم العمل عن بعد كحل لا مفر منه وفرض نظام الرقمنة.

في المغرب، تم إعلان حالة الطوارئ الصحية في 20 مارس 2020. ومنذ ذلك الحين، واصلت الحكومة تنفيذ عدد كبير من الإجراءات ذات الطابع التحفيزي والتوجيهي وحتى الزجري. فمن الواضح، أنه مع الحجر والإغلاق الذي فرض، طرحت الشركات، سواء من الأشخاص الاعتبارية أو الذاتية، على نفسها العديد من الأسئلة، على وجه الخصوص، بشأن استمرار بعض الخدمات الإدارية التي لها صلة مباشرة بأنشطتها. 

لذلك سنركز في هذه الدراسة على الآثار التي تؤثر على قطاع الملكية الصناعية. تحقيقا لهذه الغاية، حيث أثيرت العديد من الأسئلة حول مصير الخدمات التي يقدمها المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية، على وجه الخصوص، من جانب أصحاب محفظة العلامات التجارية، والأشخاص الذين يرغبون في تقديم إيداعات جديدة أو أولئك الذين يتعين عليهم إجراء عمليات تجديد، أو حتى إدخال تقييدات محددة في السجلات خلال هذه الفترة، وكذلك الأشخاص الذين لديهم إجراءات من أي نوع كان أمام المكتب.

على مستوى قطاع الملكية الصناعية، اتخذ المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية عدة تدابير في تطبيق مرسوم القانون المتعلق بحالة الطوارئ الصحية. وذلك لأن الملكية الصناعية بشكل عام تتكون من سندات مدتها محدودة من حيث الزمن (والمكان. (إذ تتطلب القيام بإجراءات خلال الآجال القانونية.

ولتهدئة كل هذه المخاوف، تم وضع جميع التدابير المتخذة من قبل الإدارات بشكل عام، ولا سيما من قبل المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية، للحفاظ على استمرارية الحد الأدنى من الخدمات لمستعملي خدمات المكتب، مع بعض الليونة التي تمليها حالة الطوارئ.  لذلك سنقوم باستعراض التدابير التي اتخذها المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية في تطبيق المرسوم بالقانون المتعلق بحالة الطوارئ الصحية[12].

 أصدر المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية (OMPIC) عدة مذكرات إعلامية على التوالي منذ تفشي فيروس Covid-19  في العالم وظهوره الأول على الأراضي المغربية، لذلك وجب مراجعة المحتوى الأساسي لهذه المذكرات.

  1. المذكرة الإعلامية الاولي:

من المظاهر الأولى لـ Covid 19في المغرب ، نشر المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية في 16 مارس 2020 مذكرة إعلامية[13] ، تستهدف بشكل خاص مستشاري الملكية الصناعية و المهنيين المستعملين لخدماتها، وأعلنت لهم الخدمات المتاحة عبر الأنترنت. وتشمل هذه الخدمات التالية:

• طلب الشهادة السلبية • الطلب في حالة الرفض • طلب الشهادة السلبية في حالة تعديل البيانات قبل التسجيل.

• طلب تسجيل العلامة التجارية • طلب تجديد العلامة التجارية • طلب تغيير عنوان مالك العلامة التجارية • البحث عن علامة تجارية.

• طلب تسجيل نموذج صناعي • طلب تجديد رسم أو نموذج صناعي • البحث عن نموذج صناعي.

• دفع الأقساط السنوية لبراءات الاختراع.

يوم 23 مارس  2020 [14]، بعد إعلان حالة الطوارئ الصحية في 20 مارس 2020مع الحجر الذي فرضته حالة الطوارئ ، من أجل تجنب تنقل مستعملي الخدمات لإيداع الطلبات غير المتوفرة إلكترونيا، تقرر العمل في هذا الاتجاه لتجنب أو للحد من التنقل إلى المكتب.

تتمثل الفكرة في توسيع قائمة الخدمات التي يتم تقديمها بالفعل عبر الإنترنت لتشمل خدمات أخرى من المفترض أن يتم تقديمها بعد تنقل المعني بالأمر، نستعرض الخدمات التي كانت متاحة عبر الإنترنت أثناء حالة الطوارئ الصحية:

• طلبات التعرض• طلبات تمديد المسطرة• طلبات وقف الإجراءات• طلبات سحب التعرض• الإجابات في سياق مسطرة التعرض• تحدي القرارات.

• الطلبات المتعلقة بأعمال نقل أو تعديل الحقوق الملحقة بالعلامات التجارية والرسوم والنماذج الصناعية. • إقرارات السحب والتنازل • طلبات النسخ الرسمية • طلبات استخراج نظير من السجل.

• طلبات الحصول على شهادات التسجيل • طلبات نسخ التسجيلات • طلبات تعديل الشهادة السلبية قبل التسجيل • طلبات تعديل الاسم التجاري بعد التسجيل • طلبات الاستشارات المتعلقة بالسجل التجاري المركزي.

• طلبات براءات الاختراع. • العمليات اللاحقة لإيداع طلبات البراءات (تسوية، وتعديل، والملاحظات بعد قرار الرفض) • طلبات تسجيل العقود التي تنقل أو تعدل الحقوق المرتبطة بالبراءات • طلبات النسخ الرسمية • تسجيل طلبات استخراج • طلبات تأكيد براءات الاختراع.

كما تم تحديد أن جميع الإشعارات المتعلقة بهذه الخدمات ستتم إلكترونيًا، بالإضافة إلى دفع الرسوم المستحقة المرتبطة بها. ولهذه الغاية، قدم المكتب في مذكرة المعلومات الخاصة بشروط الدفع وبيان التعريف البنكي وعناوين البريد الإلكتروني.

  يعد هذا من أكثر الإجراءات إثارة للاهتمام 28 مارس 2020 [15]، بمعنى أنه قدم إجابة على أحد الأسئلة الرئيسية لمستعملي خدمات المكتب ، ألا وهو مصير الآجال القانونية.  وبالفعل، فإن المرسوم بقانون رقم 2.20.292 المنشور في الجريدة الرسمية في 24 مارس 2020، بشأن حالة الطوارئ الصحية، نص في المادة 6 على ما يلي: “يوقف سريان مفعول جميع الآجال المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل خلال فترة حالة الطوارئ الصحية المعلن عنها. ويستأنف احتسابها ابتداء من اليوم الموالي ليوم رفع حالة الطوارئ المذكورة... “.

وبالفعل فقد تم استئنافها ابتداءا من تاريخ 27 يوليوز2020.

فالذي تنقضي آجاله القانونية في فترة حالة الطوارئ الصحية لن يسقط حقه بسبب تعليق أو بسبب إيقاف سريان الآجال.

كما تذكرنا مذكرة المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية أن هذا التعليق يمس فقط الآجال القانونية المنصوص عليها في القوانين الوطنية المغربية، «فهذا التعليق لا ينطبق على الآجال المنصوص عليها في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية في مجال الملكية الصناعية التي المغرب طرف فيها“.

على سبيل المثال، حق الأولوية لمدة ستة أشهر المنصوص عليه في اتفاقية باريس[16] ، غير معلق. نذكر أن هذا الحق يسمح، خلال فترة ستة أشهر من تاريخ الإيداع، بعمل إيداعات أخرى في الخارج لنفس العلامة، دون أن تمكن الأغيار من التعرض بحجة الحقوق اللاحقة للإيداع.

انخراطا منه في مجهودات دعم الابتكار للوصول لحلول لمواجهة الجائحة، قام المكتب بنشر مذكرة إعلامية رابعة من أجل تحفيز الابتكار التكنولوجي في المجالات المتعلقة بمكافحة فيروس كورونا COVID 19، حيث قدم المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية، أثناء حالة الطوارئ الصحية مجانًا، خدمات ذات قيمة مضافة للمخترعين والشركات والباحثين في الجامعات ومراكز البحث والتطوير. مع الحرص على عدم التساهل في حماية الابتكار وبراءات الاختراع.

بعد النشر في الجريدة الرسمية رقم 6903 للقانون رقم 42.20 المعدل للمرسوم بقانون رقم 2.20.292 المؤرخ في 23 مارس 2020 الذي يسن أحكامًا خاصة بحالة الطوارئ الصحية، قام المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية (OMPIC) بإبلاغ مستعملي خدماته بأن الآجال المنصوص عليها للقيام بإجراءات لدى المكتب، والتي تم تعليقها في 24 مارس 2020 (مذكرة إعلامية للمكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية بتاريخ 28 مارس 2020)، ستُستأنف من 27 يوليو 2020.

لا ينبغي أن نناقش الموضوع من جوانبه القانونية والتجارية فقط، بل ومن منطلق الجوانب الإنسانية لكن مع الحرص على عدم التساهل في حماية الابتكار وبراءات الاختراع، ولا التقصير في تكريم وتشجيع العقول المبدعة القادرة على حسن إدارة وتخطي مثل هذه الأزمات.

تجدر الإشارة في هذا السياق إلى جهود وزارة التجارة والصناعة والقطاعات الحكومية المختلفة في مواجهة كل أشكال التزوير والغش التجاري في إطار حماية حقوق الملكية للشركات لاسيما المنتجات المستخدمة حاليا في مواجهة كورونا، تنفيذا لكافة الالتزامات ذات الصلة بحماية الملكية الفكرية تنفيذا للقوانين والتعهدات ذات الصلة.

المبحث الثاني: التحديات التي واجهت الملكية الفكرية خلال الأزمة الصحية والإجراءات المقترحة لتجاوزها

المطلب الأول : التحديات التي واجهت الملكية الفكرية خلال الأزمة الصحية

تم تسجيل ارتفاع في طلبات تسجيل أسماء الحقول، التي استخدمت لأغراض مواقع الأخبار\المعلومات، أو حتى لتقديم عروض تجارية جديدة، ولكن كثيرا من تلك المنصات الإعلامية جرى استخدامها كذلك لنشر معلومات مضللة والقيام بأنشطة تحليلية غير قانونية.

يبدو أن جائحة كوفيد-19 أسهمت في إحداث زيادة في عدد الجرائم الإلكترونية. وذلك ينطبق أيضا على قضايا السطو الإلكتروني المودعة لدى مركز المنظمة للتحكيم والوساطة، الذي سجّل زيادة مطردة في تلك الحالات مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وحيث أن الكثير من سكان العالم ما فتئوا يعملون من منازلهم، بات كل من الشركات والمستهلكين يعتمد بشدة على الإنترنت والموارد المعلوماتية ذات الصلة – سواء لإنجاز “العمل اليومي” أو التسوق إلكترونيا أو الاستعلام حول كيفية الحفاظ على السلامة خلال الجائحة الراهنة.

منذ عام 1999، دأب مالكو العلامات على استخدام السياسة الموحدة لتسوية المنازعات المتعلقة بأسماء الحقول (السياسة الموحدة)، التي وضعتها المنظمة، لمعالجة ما يُسمى السطو الإلكتروني، أي الإقدام بسوء نية على تسجيل اسم حقل واستخدامه بغرض استهداف علامة تجارية.

مع هذه التحديات واصلت المنظمة، في إطار استجابتها العامة لأزمة كوفيد-19، توفير كامل خدماتها الخاصة بتسوية منازعات أسماء الحقول وبالنظر إلى تزايد الإساءة إلى مالكي العلامات والمستهلكين، جرى إيداع عدد كبير من القضايا لدى الويبو، لا سيما في فئات التكنولوجيا\الحيوية\الصيدلة، الإنترنت\تكنولوجيا المعلومات، الخدمات المصرفية\المالية، والفئات الخاصة بالتظاهرات.

وشمل ذلك الإيداع المنازعات الخاصة بأسماء الحقول المرتبطة بكوفيد-19، مثل الحقول التالية التي تمثّل عيّنة من تلك المنازعات[17]:

<coronagileadsciences.com> (D2020-0776 قضية الويبو رقم )

<dettolhandsanitizer.com>

<facebookcovid19.com> (D2020-0885 قضية الويبو رقم )

<gileadcopay.co>

<hmrc-refund-covid-19.com>

<tokyo2021.cn>

<tokyo2021.org>

<sanofivaccine.com> (D2020-0617 قضية الويبو رقم)

<wwwlillycovid19testing.com>

واعترف نظام الملكية الفكرية على كل من الصعيدين الوطني والدولي بأن الطوارئ والكوارث قد استوجبت اتخاذ تدابير من شأنها عرقلة السير العادي لنظام الملكية الفكرية. وتشمل تدابير السياسة العامة المتاحة في قوانين الملكية الفكرية الدولية والوطنية لإدارة الطواري والكوارث والتخفيف من وطأتها التراخيص الإجبارية وتراخيص الحقوق المرتبطة بالتكنولوجيا المحمية ببراءة والمشمولة بإمدادات طبية وأدوية حيوية، واستخدام الاستثناءات فيما يخص المصنفات الثقافية والتعليمية لضمان توافر البيانات والمعلومات والمعارف لأغراض مكافحة الفيروس واحتوائه والتقليل من المعاناة البشرية الناجمة عنه وتمكين المؤسسات التي توقفت عن العمل، مثل المدارس والجامعات، من مواصلة الاضطلاع بمهامها عن بعد أو بشكل افتراضي. ويمكن أن تؤدي تلك التدابير، لدى تنفيذها بطريقة هادفة ومحدودة زمنيا، دورا مفيدا، بل حيويا، عندما يتبيّن أن هناك حاجة يمكن تلبيتها بها.

في هذا الإطار اعتمد في كندا قانون الاستجابة للطوارئ جرّاء جائحة كوفيد-19 (S.C. 2020, c. 5)، عدّل بمقتضاه  القسم 51 من الجزء 12 من القانون، الذي دخل حيّز النفاذ في 25 مارس 2020، قانون البراءات، بإضافة قسم جديد 19.4 لتمكين المفوّض لشؤون البراءات، بناءً على طلب من وزير الصحة، بأن أذن لحكومة كندا أو أي شخص محدد آخر بتصنيع اختراع مشمول ببراءة وإنشائه واستخدامه وبيعه، في حدود ما يلزم للاستجابة لحالات الطوارئ الصحية العامة ذات الأهمية الوطنية، وذلك إلى غاية 30 سبتمبر 2020.

ويشمل القانون ضمانات لحماية مصالح أصحاب البراءات، مثل:

“1” ضمان حصول صاحب البراءة على مكافأة مناسبة مقابل استخدام البراءة؛

“2” وضع قيود فيما يتعلق بمدة الترخيص؛

“3” إخطار صاحب البراءة عند منح الترخيص؛

“4” ضمان وسائل الانتصاف لصاحب البراءة إذا تصرف أي شخص مفوّض على نحو لا يتوافق مع نطاق الترخيص الممنوح

ينبغي أيضا الالتفات إلى الإجراءات الطوعية العديدة الجاري اتخاذها من قبل المنظمات والشركات في ممارسة المسؤولية الاجتماعية خلال أزمة كوفيد-19. وفي مجال التكنولوجيا، شملت تلك الإجراءات ترتيبات الترخيص الابتكارية، ونشر البيانات العلمية على أساس مجاني، ونشر المواصفات التقنية على المعدات الحيوية، مثل أجهزة التنفس الاصطناعي، لتمكين الغير من تصنيعها، والتخلي عن إنفاذ بعض من البراءات في ولايات قضائية معيّنة.

وفي القطاع الثقافي، اتخذ الكثير من أصحاب الحقوق خطوات لتسهيل إتاحة مصنفاتهم للمدارس والجامعات والمكتبات ومؤسسات البحث وعامة الجمهور. وتشمل تلك الخطوات ترتيبات ابتكارية في مجال الترخيص والولوج بالمجان إلى البحوث المتعلقة بسلالة SARS-CoV-2، وهي السلالة الفيروسية التي تتسبّب في داء كوفيد-19، والنفاذ بالمجان إلى مقالات الصحف ووسائط الإعلام عن كوفيد-19، والنفاذ بالمجان إلى العديد من النصوص التعليمية ومنصات التعليم على الإنترنت والكتب الإلكترونية، ونقل الحفلات الموسيقية وحفلات الأوبرا وغيرها من المصنفات الثقافية مجانا.

واتخذت السياسة العامة والمبادرات الطوعية المرتبطة بالملكية الفكرية تدابير في مجالات أخرى من السياسة الاقتصادية والتي قد تؤثّر في التكنولوجيا والمنتجات التكنولوجية، مثل مصادرة المصانع أو ضخّ رأس المال وتسهيل الاقتراض للشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة لضمان بقاء الابتكار الذي اشتدت وتشتد الحاجة اليه خلال الركود الاقتصادي الذي بد أ يرمي بجذوره في كل أرجاء العالم.

ويمكن الإشارة إلى أنه لا توجد، على ما يبدو، أية أدلة على أن الملكية الفكرية تشكّل عقبة أمام الولوج الى التدابير الطبية الوقائية الحيوية، مثل اللقاحات أو العلاجات أو الأدوية. وبالتالي ففي تلك المرحلة، مثّل التحدي السياسي الرئيسي في تشجيع الابتكار الذي قد يؤدي الى استحداث لقاح وعلاجات وأدوية، وتشجيع الابتكار الذي يساعد على إدارة الأزمة، مثل تطوير تطبيقات للتعقّب استنادا إلى البيانات المتعلقة بالفيروس أو التحسينات المدخلة على أساليب تصنيع أجهزة التنفس الاصطناعي وأدائها وأجزاء أخرى من المعدات الطبية الحيوية.

ومثلما ذكر أعلاه، برز في إدارة أزمة كوفيد- 19 عدد من التحديات الأخرى في السياسة التي تتعلق مباشرة بالملكية الفكرية والابتكار. ومن المهم للحكومات أولًا أن تحدد العقبات التي تحول دون الإدارة الفعالة للأزمة لصالح الصحة العامة ورفاهية الإنسان وسلامته ومعالجة هذه العقبات. وشملت هذه العقبات: نقص القدرة التصنيعية الوجيهة للمعدات الطبية اللازمة، مثل أجهزة التنفس الاصطناعي ومعدات الحماية الشخصية؛ ومعوقات حركة نقل الإمدادات والمعدات الطبية؛ ونقص المرافق الطبية الكافية؛ ونقص النظم الصحية والبنية التحتية الصحية الملائمة. فالتحدي الرئيسي، آنذاك، ليس انعدام فرص النفاذ الى لقاحات أو علاجات أو أدوية لعلاج كوفيد- 19 ، بل هو انعدام أية لقاحات أو علاجات أو أدوية معتمدة. اما التحدي الثاني الذي لا يقل أهمية عن الأول  فيشمل التراخيص التلقائية من اجل مصلحة الصحة العمومية، وذلك لاستغلال أدوية المبتكرة.

 والمتابع للمشهد يمكن أن يرصد التسابق العلني في السعي على قدم وساق بين ألمانيا والولايات المتحدة وغيرها من الدول على من ينقذ العالم من فيروس مستجد قاتل.

 انّ النظام البيئي للابتكار معقد للغاية ويشمل العديد من الجهات الحكومية والسوقية المختلفة والكثير من السياسات والبرامج والتعهدات المختلفة. فعلى سبيل المثال، يستخدم مؤشر الابتكار العالمي أكثر من 80 مؤشراً لقياس القدرة والأداء الابتكاريين، ويغطي مجالات مثل المنظمة والمؤسسات التعليمية ونفقات البحث والتطوير والمنشورات العلمية وتطبيقات الملكية الفكرية والنفاذ الى أسواق رأس المال والأطر التنظيمية ودرجة تطوّر العمال والسوق. ونظراً للتأثير الشديد لأزمة كوقيد- 19 على صحة الإنسان ورفاهه، وعلى الإنتاج الاقتصادي والرفاه الاقتصادي، احتاج العالم الى نشر جميع استراتيجيات الابتكار والحوافز والنظم المتاحة سعياً للإيجاد اللقاحات والعلاجات والأدوية. ومن الخاطئ في فهم تعقيد الابتكار، التركيز على استراتيجية وحيدة أو حل واحد أو الفراط في تبسيط تعقيد أنظمة الابتكار. وتجدر الإشارة الى أن 70 % من عمليات البحث والتطوير ممولة عموماً من قبل القطاع التجاري، أمّا الحكومات فتمول حوالي 30 %. ويضطلع القطاع التجاري بنحو %70 من عمليات البحث والتطوير، وتجري الحكومات 30 % من الاستراتيجيات أو المنهجيات الفعالة لتشجيع الابتكار لضمان وجود الحوافز المناسبة لتشجيع كبار ممولي عمليات البحث والتطوير ومنفّذيها على تحقيق النتائج. والملكية الفكرية هي جزء أ ساسي من تلك الحوافز.

المطلب الثاني: إجراءات مقترحة لتجاوز الصعوبات

إن الغاية النهائية للابتكار هو خدمة البشرية وتوفير حلول لها لمواجهة الأزمات والتحديات في مختلف المجالات انطلاقا من تعزيز الجهود المشتركة، وتأطير التعاون بين الشركات للعمل معا من أجل إنتاج وتطوير لقاحات وأدوية لمواجهة فيروس كورونا.

في سياق متصل إلى أن هناك إجراءات منصوص عليها لمواجهة مثل هذه الأزمات يطلق عليها “التراخيص الإجبارية لبراءات الاختراع” وفق ضوابط وشروط معينة تتيح استغلال الابتكار لمواجهة الحاجات الملحة للمجتمعات.

هناك العديد من التدابير التي يمكن للحكومات والجهات الفاعلة في السوق اتخاذها من أجل تعزيز أداء الابتكار، وتحديداً، نتائج الابتكارات التي ستساهم في تخفيف حدة أزمة كوفيد-19، وحلّها في نهاية الأمر. إذ يعمل العديد من الأشخاص والمؤسسات والشركات في جميع أنحاء العالم بلا كلل لتحقيق هذه النتائج. ومنذ أن عرف العالم بمرض فيروس كورونا المسبب لمتلازمة الالتهاب الرئوي الحاد الوخيم (SARS-CoV-2)، تُجرى حاليا العديد من التجارب السريرية عالميا لعلاجات ممكنة. وسيتطلب النجاح تطبيق جميع تدابير السياسة والممارسات التجارية المتاحة، بما في ذلك زيادة تمويل البحوث العامة والتعاون العلمي وتشارك النتائج العلمية وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص واستخدام حوافز السوق لجذب الاستثمار في الابتكار ذي الصلة.

تفعيلا لما سبق، قدمت المنظمة العالمية للملكية الفكرية المشورة والمساعدة بشأن سياسات الابتكار، والاستخدام الملائم لمواطن المرونة من أجل ضمان الولوج حيثما وجد دليل على أن الملكية الفكرية تشكل حاجزاً يعيق ذلك الوصول، وكذلك لتعديل قواعد الملكية الفكرية ولوائحها التنفيذية للتخفيف من الأضرار الناتجة عن أزمة كوفيد-19 وعواقبها الاقتصادية. واتخذت تدابير استهدفت الأزمة ومسألة عدم الولوج حيثما وجدت أدلة على أن الملكية الفكرية هي الحاجز، مقارنة بالعوامل الأخرى كالافتقار إلى القدرة التصنيعية الوجيهة أو تعطّل سلاسل التوريد، فتلك عوامل تتطلب أشكالًا مختلفة من الإجراءات. كما سعت هذه التدابير أيضاً، إلى التخفيف من المعاناة كأولوية أولى، ولكن مع مراعاة احتياجات المخترعين والمؤلفين والمبدعين وفناني الأداء والشركات الناشئة وغيرها من العوامل الاقتصادية للمجتمعات الثقافية والتكنولوجية التي تشعر بالأسى نتيجة التدابير اللازمة التي اتخذت لاحتواء الفيروس. فصمود هذه المجتمعات حيوي لانتعاش الاقتصاد ورفاه المجتمع سعيا للخروج من الأزمة واستعادة اقتصادات ومجتمعات نشطة وعاملة.

و من التدابير التي سبقت الإشارة إليها المتخذة داخل المنظمة للمساهمة في تطوير الابتكار :

كانت هذه تدابير يمكن لكل مكاتب الملكية الفكرية عبر العالم تبنيها، للمساهمة في ولوج الباحثين لما يمكن أن يشكل إسهاما في الحصول على النتائج المرجوة.

خاتمة:

أتضح جليا أن أزمة الوباء الناجم عن فيروس كورونا (كوفيد -19)، وضعت العالم تحت إجراءات حالة طوارئ واضطرابات على مختلف الأصعدة: الصحية والاقتصادية والاجتماعية القانونية والرقمية. لكنها، رغم ذلك، أبرزت دور الملكية الفكرية في تمكين البحث العلمي من مواجهة هذه الأزمة وابتكار أدوية ولقاحات ومعدات طبية وتطبيقات إلكترونية وغيرها من الاليات التي ساعدت على الوقاية والحد من انتشار جائحة كورونا.

إذ أثبتت هذه الدراسة، أن الملكية الفكرية لم تشكل أي حاجز يعيق الولوج لأي تكنولوجيا قد تساعد في الوقاية والحد من انتشار جائحة كورونا، بل سرعت الوصول إلى بدائل وحلول استراتيجية على الصعيدين الوطني والدولي.

 


[1] المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو) هي المنتدى العالمي للملكية الفكرية وما يتعلق بها من سياسات وخدمات ومعلومات وأنشطة تعاونية. والويبو هي إحدى وكالات الأمم المتحدة المتخصصة التي تساعد الدول الأعضاء فيها وعددها 193 دولة عضوا على تطوير إطار قانوني دولي متوازن بشأن الملكية الفكرية لتلبية احتياجات المجتمع المتنامية. وتوفر خدمات في مجال الأعمال لتمكين الحصول على حقوق الملكية الفكرية في بلدان متعدّدة وخدمات لتسوية المنازعات. وتنفذ برامج لتكوين الكفاءات بغية مساعدة البلدان النامية على الاستفادة من استخدام الملكية الفكرية. وتكفل ولوجا مجانيا إلى قواعد بيانات فريدة من نوعها تضم معلومات عن الملكية الفكرية.

[2] دليل الويبو للملكية الفكرية    مدخل شامل إلى سياسات الملكية الفكرية وقانونها وسبل استخدامها سنة النشر 2004.

[3]  الاتفاقية حول الجوانب التجارية لحقوق الملكية الفكرية أو اتفاق تريبس (TRIPS) اختصارا لـ(Agreement on Trade Related Aspects of Intellectual Property Rights) هي اتفاق دولي تديره منظمة التجارة العالمية (WTO) الذي يحدد المعايير الدنيا للقوانين المتعلقة بالعديد من أشكال الملكية الفكرية (IP) كما تنطبق على أعضاء منظمة التجارة العالمية

[4]    ورقة بعنوان “بعض الاعتبارات بشأن الملكية الفكرية والابتكار والولوج  وكوفيد-19” فرنسيس غاري المدير العام للمنظمة العالمية للملكية الصناعية ،في 24 أبريل2020. https://www.wipo.int/about-wipo/fr/dgo/news/2020/news_0025.html

[5] https://www.wipo.int/pressroom/ar/articles/2020/article_0008

[6] https://patentscope.wipo.int/search/ar/covid1

[7] https://www.wipo.int/portal/fr/news/2020/article_0015.html

[8] https://www.wipo.int/madrid/fr/

[9] https://www.wipo.int/pct/fr/

[10] https://www.wipo.int/edocs/madrdocs/fr/2020/madrid_2020_7.pdf

[11] الملاحظات الافتتاحية للمدير العام لمنظمة الصحة العالمية خلال المؤتمر الصحفي حول COVID-19 في 11 مارس 2020 ؛ https://www.who.int/fr/dg/speeches/detail/whodirector-general-s-opening-remarks-at-the-media-briefing-on-covid-19—11-march-2020

[12] انظر الجريدة الرسمية بتاريخ 24 مارس 2020 ، http://www.sgg.gov.ma/Portals/1/BO/2020/BO_6867-bis_Ar.pdf؟ver=2020-03-24-102522-043

[13]  http://www.ompic.ma/sites/default/files/Note_information.pdf

[14]http://www.ompic.ma/sites/default/files/Note٪20d٪27information٪20n٪C2٪B02٪20du٪2023٪20MARS٪202020.pdf

[15]  http://www.ompic.ma/sites/default/files/Note٪20d٪27information٪2028٪20mars٪202020.pdf.

[16] Convention de Paris pour la protection de la propriété industrielle du 20 mars 1883. http://www.ompic.ma/sites/default/files/Note%20d%27information%20n%C2%B02%20du%2023%20MARS%202020.pdf.

[17] ويمكن الاطلاع على مجموعة من الإحصاءات الآنية الخاصة بالقضايا المودعة لدى الويبو على الرابط التالي:

https://www.wipo.int/amc/en/domains/statistics
Exit mobile version