Site icon مجلة المنارة

خصوصية الطعن القضائي المتعلق بالرسوم الجمركيةبين النص القانوني والاجتهاد القضائي

خصوصية الطعن القضائي المتعلق بالرسوم الجمركيةبين النص القانوني والاجتهاد القضائي

أشرف كناني

طالب باحث في سلك الدكتوراه، كلية الحقوق سلا

 

 

 

 تشكل الضرائب والرسوم التي في حكمها أهم مورد مالي لميزانية الدولة والجماعات المحلية، وتساهم بشكل فعال في تمويل النفقات العمومية، وإنعاش الحياة الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد، وتعتبر الرسوم الجمركية من مكونات الضرائب التي تستخلصها مصالح وزارة المالية.          الرسم الجمركي هو الرسم المفروض على السلع المستوردة، وذلك عند اجتيازها الحائط الجمركي أو الخط الجمركي في طريقها لدخول الدولة، أما التعريفة الجمركية فهي عبارة عن الجداول أو البنود التفصيلية التي تشتمل على الترتيب السلعي للصادرات والواردات، والرسم الجمركي المحدد لكل بند من تلك البنود التي تشتمل عليها جداول التعريفة الجمركية، ولذلك فإن التعريفة الجمركية تختلف من دولة لأخرى، حسب طبيعة عدد ودرجة تفصيل وقيمة الرسم الخاص بكل بند من بنودها التفصيلية.

 ولقد عمل المشرع المغربي مند الاستقلال على إحداث مجموعة من التغييرات بالنسبة للرسوم المطبقة على الاستيراد وعيا منه بمدى أهمية هذه الأخيرة في المجال الاقتصادي والاجتماعي للدولة، حيث تم تعويض الضريبة على المنتجات والخدمات بالضريبة على القيمة المضافة سنة 1986، وكذلك تعويض المكس الخاص بالاقتطاع الضريبي عند الاستيراد سنة 1988، وبالتالي أصبحت رسوم الاستيراد تشمل مجموعة من الرسوم الأساسية بالإضافة إلى رسوم أخرى

وتعد الإدارة الجمركية أهم المؤسسات المكلفة بتسيير النظام الجبائي من خلال تصفية          وتحصيل الرسوم الجمركية المفروضة عند الاستيراد، تمارس هذه الوظيفة استنادا إلى مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة، وتعتمد الجباية في المغرب على قاعدة إقرار الملزم بالمعطيات مقابل منح الإدارة سلطات تمكنها من ممارسة الرقابة ومحاربة جميع أشكال الغش التي تطال التصاريح فالمشرع منح الملزمين بعض الضمانات وفتح أمامهم باب الطعن لتأمين التوازن بين حقوقهم والمصلحة العامة.

يغلب على المنازعة الجمركية الطابع الزجري في مقابل الطابع المدني والإداري، وهذا ما جعل المشرع ينظم الطعون القضائية في الجانب الزجري بصورة متكاملة لكن هذا لا يمنع من كون المنازعة الجمركية بدأت تأخذ مكانا لها وتحظى بجانب هام من الاهتمام والدراسة بفضل اجتهادات القضاء الإداري وكذا بعض الآراء الفقهية، وتشكل مكونات الوعاء الجمركي الذي يحسب على أساسه رسم الاستيراد حقلا خصبا للمنازعات أمام  القضاء الإداري، فمنذ إحداث المحاكم الإدارية لم تفتأ عدد النزاعات المتعلقة بالجمرك في تزايد، لذلك أين يتجلى اختصاص القضاء الإداري في هذا النوع من المنازعات، وما الحلول المعتمدة من طرف القضاء الإداري؟ وما هي الإكراهات التي يصطدم بها القاضي الإداري في معالجته لهذه القضايا؟

المحور الأول: اختصاص القضاء الاداري والحلول المعتمدة لإقرار توازن بين الملزم والادارة الجمركية

إن إشكالية توزيع الاختصاص لم تكن واردة قبل إنشاء المحاكم الإدارية، حيث كانت المحاكم الابتدائية هي صاحبة الولاية العامة، لكن مع إحداث المحاكم الإدارية ظهرت إشكالية تتعلق بوضعية منازعات الملزم وإدارة الجمارك ومنها منازعات رسم الاستيراد هل تندرج في إطار المنازعات الضريبية أم أن لها وضعا خاصا ويجب إدراجها ضمن إطار خاص بها، لاسيما أن المشرع لم يشر سواء في المادة 8 أو غيرها من القانون 90.41 المحدث للمحاكم الإدارية على إسناد النظر في هذا النوع من المنازعات للقضاء الإداري، ما فتح الباب على مصراعيه للاجتهادات القضائية والفقهية لسد الفراغ التشريعي وتحديد الجهة المختصة.

الفرع الأول: اختصاص القضاء الإداري في منازعات الرسوم الجمركية

لقد حددت المادة 8 من القانون 90.41 المحدث للمحاكم الإدارية اختصاصات هذه المحاكم دون أن يشير إلى اختصاصها في المنازعة الجمركية، فالمادة الثامنة اكتفت بالنص على اختصاص المحاكم الإدارية في النزاعات الناشئة عن تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالضرائب حيث أشارت المواد من 28 إلى 35 إلى مجموع هذه النصوص، ويبقى السائد لدى الفقه أن المحاكم الإدارية تختص بالمنازعات الجمركية غير الزجرية، ويبقى القضاء مؤكدا على هذا التوجه في العديد من أحكامه لذلك أين يتجلى الاختصاص المحلي لهذه المحاكم         (فقرة أولى) ومحل الاختصاص النوعي في هذا النوع من المنازعات (فقرة ثانية).

 

الفقرة الأولى: الاختصاص المحلي والنوعي في طعون الرسوم الجمركية

يعرف الاختصاص المحلي بأنه: “مجموع القواعد التي يتعين على المحكمة المختصة ما بين محاكم من نوع واحد موزعة في الدوائر القضائية المختلفة في الدولة، للنظر في قضية معينة وقد يأخذ المشرع يعين الاعتبار تعيين المحكمة المختصة محليا، إما شخص المتخاصمين أو موضوع النزاع أو سببه.[1]

على هذا الأساس نص المشرع على أن الاختصاص في دعاوى الضرائب المباشرة والضرائب البلدية يعود إلى محكمة المكان الذي تجب فيه تأدية الضريبة.[2]

أما المادة 252 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة جعلت الاختصاص في المنازعة الجمركية يعود وفقا للقواعد القانونية العامة، بينما المواد 28 و29 و30 من قانون المحاكم الإدارية نصت على أن الاختصاص المحلي إلى المحكمة الإدارية الواقع في دائرة اختصاصها المكان المستحق للضريبة أو الديون فيه.[3]

من خلال كل هذا يتضح أنه إذا كان إحداث المحاكم الإدارية قد عمل على تقريب القضاء من المتقاضين في دعوى الإلغاء ضد القرارات الإدارية حيث عوضا عن جهة قضائية واحدة كانت متمثلة في المجلس الأعلى سابقا “محكمة النقض حاليا” التي كانت تبت في دعاوى الشطط في استعمال السلطة فقد أصبح أمام  المتقاضين محاكم إدارية وتعددت الجهات التي يمكن أن يلجؤوا إليها إضافة إلى محكمتين استئنافيتين إداريتين بينما العكس من ذلك بالنسبة للقضاء الشامل الذي كان من اختصاص القضاء العادي حيث كان أمام  المتقاضين ما يزيد عن 60 محكمة إلا أنه بتوجيه هذا الاختصاص نحو المحاكم الإدارية “تقلص عدد هذه المحاكم وأصبح مقصورا في سبعة محاكم موزعة على جهات المملكة إضافة إلى محكمتين استئنافيتين ومحكمة النقض ممثلة في الغرفة الإدارية كجهة عليا.

الفقرة الثانية: الاختصاص النوعي في طعون الرسوم الجمركية

على الرغم من غياب التنصيص المباشر في النصوص القانونية لتحديد اختصاص القضاء الإداري في مجال المنازعات الجمركية غير الزجرية بصفة عامة ومنازعات رسم الاستيراد بصفة خاصة، فقد دأب الفقه المغربي على إسناد الاختصاص للمحاكم الإدارية، على أساس أن التعداد الوارد بالمادة 8 من القانون 90.41 الذي جاء على سبيل المثال وليس الحصر، كما أن رسم الاستيراد والرسوم الجمركية الأخرى هي في حد ذاتها ضرائب.

إن تعداد المشرع المغربي لاختصاصات المحاكم الإدارية يطرح غموضا حول ما إذا كان ورادا على سبيل الحصر أو على سبيل المثال، لأن المشرع تغاضى عن ذكر بعض الضرائب رغم أهمية المنازعة فيها، مما يستنج معه بقاء الاختصاص للمحاكم العادية، لكن بالرجوع للمادة 8 من قانون 90.41 نجدها تنص على أن المحاكم الإدارية تختص بالنظر في النزاعات المتعلقة بتطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالضرائب والبت في الدعاوى المتعلقة بتحصيل الديون المستحقة للخزينة العامة، وبذلك بحسب هذا النص تعد المحاكم الإدارية صاحبة الاختصاص الشامل في جميع أنواع الضرائب بدون استثناء.[4]

لقد اعتبر جانب من الفقه أن اختصاص المحاكم الإدارية النوعي يشمل جميع منازعات الضرائب والديون المستحقة للدولة بصفة عامة وأن عملية الجرد جاءت على سبيل المثال كما أن جل الدارسين لم يعطوا تمييزا بين الضريبة والرسم،[5] واكتفوا فقط بمناقشة العموميات.

وذهب رأي أخرى إلى أن سبب إحجام المشرع عن عدم منح المحاكم الإدارية الاختصاص العام بكل الطعون الجبائية واكتفاءه بذكر بعض الضرائب دون الأخرى، هو معرفته المسبقة بوجود بعض الحالات التي لا يمكن أن تكون موضوعا للمنازعة إما للطبيعة الزجرية للمنازعة، وإما لوجود نصوص صريحة تعطي للمحاكم العادية حق النظر في بعض المنازعات كما هو الشأن بالنسبة لقانون الجمارك، وهذا لا يمنع من اختصاص المحاكم الإدارية للنظر في جميع المنازعات المتعلقة بتصفية وتحصيل الديون الجمركية ورسومها بما فيها رسم الاستيراد وذلك بالاستناد إلى المادة 141 من مدونة تحصيل الديون العمومية.

ويمكن إدراج رسم الاستيراد والرسوم الجمركية ضمن الاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية انطلاقا من موقع الرسوم الجمركية في النظام الضريبي ومحددات تتمثل في:

الفرع الثاني: حالات إعمال دعوى الإلغاء ودعوى القضاء الشامل في منازعات الرسوم الجمركية

يرى جانب من الفقه المغربي أن ليس هناك ما يمنع من اللجوء إلى دعوى الإلغاء من طرف الملزم، وقد استقر العمل القضائي على قبول هذا النوع من الدعاوى.[9] وهناك من الأحكام التي اعتبرت أن قرار فرض الرسوم الجمركية يعتبر قرارا إداريا خاضعا لرقابة القاضي الإداري لذلك فهو معفى من أداء الرسوم القضائية بقوة القانون.[10]

وبالتالي فمن حق الملزم اللجوء لدعوى الإلغاء لإلغاء قرار لإدارة الجمارك يرى أنه لا يصب في مصلحته وكما هو معلوم فإن الملزم الذي يود أن يقدم طعنا في منشأ أو صنف أو قيمة بضاعة معينة لم يلزمه المشرع بسلوك الطريق الإداري اولا المتمثل في التظلم واللجوء للجان الاستشارية التي تمارس وظيفة استشارية والتي تعتبر آرائها ليست ملزمة، وتبقى الإمكانية للملزم مفتوحة للطعن في القرارات الإدارية الصادرة موازاة مع آراء اللجان أو في حالة امتناعها.

الطعن هنا يكون موجها ضد قرار إداري صادر عن سلطة إدارية وبالتالي فالخيار ممنوح للمدعي لاختيار دعوى الإلغاء لإلغاء القرار لاتسامه بأحد عيوب المشروعية كما حددتها المادة 20 من القانون 90.41 المحدث للمحاكم الإدارية لعيب في الاختصاص أو الشكل كاتخاذ الإدارة الجمركية لقرارها بفرض الرسم دون انتظار صدور رأي اللجان الاستشارية أو لعيب الانحراف في استعمال السلطة أو لانعدام السبب أو مخالفة القانون.[11]

إن تواجد الإلغاء في هذا النوع من المنازعات يبقى محدودا ويتعامل معه بكل تحفظ ذلك أن دعوى الإلغاء تتطلب شروطا لممارستها، خاصة شرط عدم وجود الدعوى الموازية ثم العراقيل المتعلقة بالمسطرة والتي تحد من العمل القضائي.[12]

بالنسبة لدعوى القضاء الشامل تبقى أوسع وأشمل[13] حيث أن المنازعة المرتبطة بمادة فرض واستيفاء الضرائب الرسوم المباشرة والغير المباشرة وباقي الديون المستحقة للدولة تدخل في إطار القضاء الشامل لأنه لا يقيد الدعاوى المقامة في إطاره بأي أجل معين باستثناء ما تقتضيه بعض النصوص الخاصة، على خلاف الأمر في دعوى الإلغاء بل الأكثر من ذلك إذا وجه الملزم دعواه في إطار دعوى الإلغاء فإن المحكمة يمكنها إعادة تكييف النزاع تكييفا صحيحا على نحو يجعلها من منازعات القضاء الشامل ولأن التكييف مسألة قانونية ويبقى من صلاحيات المحكمة. كما أن الملزم يوجه دعواه في شكل مطالبة تتعلق بموضوع الضريبة، ودعوى القضاء الشامل فعالة في هذا الموضوع لحسم النزاع في جوهر، وأوفر جدوى بالنسبة للملزم، بل هي الدعوى الأصلح باعتبار فعاليتها كوسيلة لحسم النزاع من حيث الجوهر[14] وبالتالي تسوية الوضع الضريبي للملزم.

ويتمتع القاضي الإداري في إطار دعوى القضاء الشامل بسلطات تقديرية واسعة في مجال القانون، وهذه السلطات لا تتوقف عند الحكم بالإلغاء، بل تتعداها إلى تعديل قرارات الإدارة الضريبية وإدخال تغييرات تستهدف حماية أوسع لحقوق الملزمين[15].

وعندما يبث القاضي الإداري في المنازعة الضريبية في إطار القضاء الشامل، ويأمر الإدارة ويحل محلها، فإنه يكون قد وضع استثناء لقاعدة قانونية تنص عليها المادة 25 من قانون المسطرة المدنية والتي بموجبها يمنع على القاضي عرقلة عمل الإدارة أو إلغاء أحد قراراتها، وفي هذا خروج عن مبدأ أصيل في القضاء الإداري هو مبدأ فصل الهيئات ولوظائف، أي أن الوظيفة الإدارية تبقى مستقلة عن الوظيفة القضائية، ولا يمكن لهذه الأخيرة أن تمس سير عمل الإدارة.

الواقع ن السلطات الواسعة التي يتمتع بها القاضي الإداري المغربي في إطار دعوى القضاء الشامل في المجال الضريبي هي نفسها التي مارسها القاضي المغربي منذ عهد الحماية لاسيما في إطار ظهير 22 نونبر 1924 والتي كرسها ظهير 21 غشت 1935 المتعلق بتحصيل الديون المستحقة لفائدة الدولة.

الفرع الثاني: الحلول المعتمدة من طرف القضاء الإداري لفض منازعات الرسوم الجمركية

إن المنازعات الجمركية أمام القضاء الإداري غالبا ما تتعلق بالوعاء إضافة للمطالبة بإلغاء الرسوم الجمركية التكميلية نتيجة تصحيح الوعاء الذي يجب أن تحترم فيه الأحكام التنظيمية لمدونة الجمارك والاتفاقيات الدولية، كما أن هذه المنازعات غالبا ما تتعلق بالمنشأ والقيمة والتصنيف.

الفقرة الأولى: دور القاضي الإداري في حل منازعات المنشأ والصنف

تعتبر مهمة القضاء الإداري صعبة في المنازعات الجمركية حيث يسعى لإقرار توازن بين الملزم حماية له من تعسف الإدارة وحماية المال العام من التلاعب والغش الذي يحرم خزينة الدولة من موارد مهمة.

تعتبر سنة 2006 بامتياز سنة إبرام العديد من الاتفاقيات التجارية ودخوله منظومة المنطقة الأورو متوسطية، إضافة لإحداث مناطق التبادل الحر والتفكيك التدريجي للرسوم والمكوس الجمركية غير أن استفادة البضائع من المزايا الجماعية والمعاملة التفصيلية تتوقف على تأصل هذه المواد محل التبادل من طرف المتعاقد أي الدول المتعاقدة مع المغرب.[16]

أو الإنتاج إذا كان أصل البضائع أو منشأها يكتسب انطلاقا من التحصيل الكلي لما داخل التراب الجمركي فإن أصل البضائع في الاتفاقيات الدولية فيخضع لما اتفق عليه في إطار تجاري أو تعريفي، وبالتالي فإن القضاء الإداري في حالة وجود منازعة المنشأ فيعمل بمبدأ سمو الاتفاقيات الدولية على القانون الوطني.[17]

لقد أصدرت المحكمة الإدارية بالرباط حكما يلغي بموجبه رسم الاستيراد المحدد نسبته في 109% والمفروض على شركة أو كاستيراد مقابل استيراد مادة مسحوق الحليب المجفف من مصنع بالإمارات العربية المتحدة، حيث اعتمدت على الاتفاقية المبرمة بين المغرب والإمارات العربية المتحدة لإقامة منطقة تبادل حر سنة 2003 التي تحد في احد بنودها على شروط للاستفادة من الإعفاء الجمركي والمتمثل في ضرورة أن يتوفر المنتوج على 40% من مكوناته من البلد الأصلي، وقد استندت المحكمة على المادة 19 من قواعد المنشأ العربية الذي يلزم الإدارة بعدم تطبيق الفصل 17 من مدونة الجمارك الذي يعطي لها أحقية أو صحة أي وثيقة يتم الإدلاء بها لإثبات أصل منتج مستورد،[18] وقد أيدت محكمة الاستئناف الإدارية هذا الحكم حيث لم تكتف بشك الإدارة من منشأ المنتوج المستورد وبناء على الخبرة التي أمرت بها المحكمة تبين أن شهادة المنشأ التي يتوفر عليها المنتوج الإماراتي صحيحة وبالتالي ذهب القرار لتأييد الحكم الابتدائي وإلغاء الرسوم التي فرضت على الفاعل الاقتصادي.[19]

كما يتم إثبات المنشأ بالإدلاء بشهادة المنشأ المبادرة عن السلطات المختصة وفق النموذج المتفق عليه بين الأطراف المتعاقدة لكن الأمر ليس بهذه السهولة، حيث أن التأكد من صحة شهادة المنشأ يطرح صعوبات جمة أمام الإدارة وأمام القضاء خصوصا في حالة تقديم تصريح خاطئ بمنشأ البضاعة.

لأجل التأكد من صحة شهادة المنشأ، يمكن للإدارة الجمركية بالبلد المستورد مطالبة الدولة المصدرة بإجراء مراقبة لاحقة تقدم نتائجها داخل أجل محدود وبانصرامه يجوز للإدارة أن تعتبر الشهادة المدلى بها لاغية، ويجوز للإدارة مراسلة الإدارة الجمركية للبلد الذي صدر المنتوج عن طريق وزارة الخارجية من أجل التأكد من صحة المنشأ.

وقد أعطى المشرع لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة الحق في قبول أو رفض الإثباتات المقدمة من طرف سلطات البلد المصدر وأعطى لها الحق في أن تنازع في صحتها،[20] لكن شريطة عدم وجود أي اتفاقية.

يعتبر الصنف هو اسم البضاعة في التعريفة الجمركية كما ذكرنا سابقا وهو مكون من كلمات وأرقام وتضم جميع البضائع القابلة للتداول على الصعيد الدولي وذلك وفق ترتيب تسلسلي للسطور والسطور الفرعية الواردة في التسمية العامة للمنتجات.[21]

ويمكن تصنيف البضائع من تحديد رسم الاستيراد الذي سيفرض على المنتوج الذي سيدخل التراب الخاضع، كما يسمح بالتحكم في سياسة حماية الاقتصاد الوطني عن طريق تقنين بعض أصناف البضائع، لأجل معرفة مدى خضوعها من عدمه.

قد تثار بين سلطات الإدارة الجمركية والمصرح خلافات حول البضاعة وبالتالي حول مقدار رسم الاستيراد الواجب تأديته، ويرى جل الفقه أن القضاء الإداري يعتمد على الخبرة التقنية في إطار الفصل 59 من قانون المسطرة المدنية، لكن هذا كلام مردود بحيث أن التوجه الحديث والحالي للقاضي الإداري هو عدم الاستعانة بالخبرة لأن المحددات التي يعرف على أساسها الصنف والمنشأ محددة سلفا على اعتبار أن كل ذلك مضمن في الاتفاقية الدولية المتعلقة بالتعريفة الجمركية والاتفاقية الدولية المحددة لقواعد المنشأ ولو أنه سابقا كان يعتمد عليها القاضي الإداري بشكل مطلق.

تجدر الإشارة إلى أن اعتماد تقرير الخبرة الفنية من صرف القاضي الاداري يكون بمثابة حل وسط بين التصنيف الذي تقترحه السلطات الجمركية وخصومها من الملزمين، وقد تكون مقنعة للقاضي الإداري نتيجة عدم دحضها بما يفيد العكس من طرف السلطات الجمركية من جهة أخرى كما حدث في قضية شركة أوكسينرك.

وصفوة القول فالخبرة لا يمكن النظر إليها فقط على أساس أنها تؤدي إلى تخفيض الرسوم الجمركية بصفة عامة على الاستيراد وتحولها من الدور الاستشاري إلى الدور التقريري وإنما يجب النظر إليها بصورة إيجابية لكونها تساهم في تسهيل مأمورية القاضي من أجل إقرار توازن بين الأطراف.[22]

الفقرة الثانية: منازعات القيمة لدى المحاكم الإدارية

تعتبر القيمة أهم عنصر من عناصر الوعاء الجمركي لأن أغلب البضائع تخضع لمعيار القيمة لتحيد رسم الاستيراد والرسوم الأخرى التي يتعين على الملزم دفعها ما عدا إذا نصت على خلاف ذلك نصوص قانونية.[23]

كما أنها مستهدفة بالتلاعب والتدليس من طرف بعض الملزمين الذين يعمدون إلى إنقاص القيمة المصرح بها، لكن تبقى لإدارة الجمارك الصلاحية للتأكد من البيانات الواردة والتصاريح المقدمة أمامها أو من خلال الفحص المادي للبضائع في إطار المراقبة البعدية.

لقد حددت مدونة الجمارك المعايير التي يجب اعتمادها لتقييم البضائع في الجمارك،[24] لكن الأمر ليس بهذه السهولة إذ أن القيمة في العمل الجمركي تطرح مجموعة من الصعوبات التي تكون موضوع منازعة أمام القضاء الإداري.

إن لجوء بعض الملزمين إلى الغش في القيمة المصرح بها سواء بتخفيضها أو تضخيمها في حالة البضائع الخاضعة لقيم دنيا، تترتب عليه انعكاسات سلبية تمس بحقوق الخزينة العامة وقواعد المنافسة التجارية، وقد رفعت إلى القضاء الإداري مجموعة من القضايا في هذا المجال، فتدخل بصرامة حيث اعتمد في تحديد الرسم الجمركي المفروض على البضائع استنادا إلى السوق الوطني والدولي، وإلى القيمة المعتمدة من طرق الإدارة، وهكذا جاء في حكم لإدارية الدار البيضاء:

“حيث إنه لما كان من الثابت من أوراق الملف ومحتوياته أن السعر الحقيقي لمادة الذرة المستوردة يتراوح بين 112 دولار و118 دولار للطعن حسب إفادة المكتب المهني للحبوب والقطاني وهو الثمن المستمد من النشرة الدورية لبورصة شيكاغو وهو نفس الثمن المتداول وطنيا والمصرح به من باقي مستوردي هذه المادة، الأمر الذي يجعل الأسس المعتمدة عليها من طرف الإدارة منسجما مع الواقع والقانون.”[25]

وجاء في قرار لمحكمة الاستئناف الإدارية:

“أن القيمة المصرح بها جد منخفضة مقارنة مع عمليات مماثلة تم خلالها استيراد نفس البضاعة من الولايات المتحدة الأمريكية 2193 درهم للكيلوغرام وأن ما ذهب إليه المدعى من كون البضاعة فاسدة لا يستند على أساس واقعي بل إن مصلحة زجر الغش التابعة لميناء الدار البيضاء لم ترفض ولوج البضاعة للساحة الجمركية بدعوى أنها فاسدة وعليه تم اعتبار القيمة المعتمدة من طرف الإدارة.”[26]

ويرجع اعتماد الأساس المتخذ من لدن الإدارة إلى توفرها على معلومات عن القيمة الجمركية لبضائع مطابقة أو مماثلة مستوردة ليست متاحة بسهولة للمستورد.[27]

إذا تعذر على إدارة الجمارك تحديد القيمة، فذلك لا يعفيها من تحديدها وفق أساليب معقولة تنسجم مع مقتضيات مدونة الجمارك، علما أن هذه الأخيرة تلزم الإدارة باحترام تراتبية المناهج.[28]

إذ لا يحق لها مثلا في حالة عدم قبول القيمة التعاقدية للبضائع المستوردة، الانتقال مباشرة إلى تحديد القيمة استنادا إلى معطيات السوق الداخلي بل هي مطالبة باتباع التسلسل المحدد قانونا.[29]

وحري بالذكر إلى أن إلزامية احترام التسلسل في إعادة تقييم البضائع يمكن تجاوزها عند وجود أكثر من قيمة تعاقدية لبضائع مطابقة فتتخذ أدنى هذه القيم التعاقدية لتحديد القيمة في الجمرك للبضائع المستوردة.

يعتبر بعض الدارسين في المجال الجمركي أن اغلب المنازعات المتعلقة بالقيمة أمام القضاء الإداري، تدور حول إلغاء الرسوم الجمركية التكميلية،[30] وتتلخص أهم الإشكالات في مدى تقديم التصريح قبل وصول البضاعة إلى التراب الجمركي، أو أن قيمة البضائع تم تحديدها على أساس غير صحيح أو تم إضافته إلى باقي الشكليات.

فبالنسبة لتقديم التصريح قبل وصول البضائع فالأصل هو تقديم التصريح المفصل لجهة الاختصاص بعد وصول البضاعة إلى مكتب الجمرك، غير أنه يمكن إيداعه قبل وصول البضاعة طبقا لما نصت عليه الفقرة 2 من الفصل 66 من مدونة الجمارك، حيث تثار مسألة مهمة وهو صدور مرسوم بغير التعريفة الجمركية لرسم الاستيراد المفروض على بضاعة معينة، حيث قررت إدارية الدار البيضاء في حكم لها: “أن التصريحات المودعة قبل الأوان لا يكون  لها مفعول إلا بعد وصول البضائع، حيث أن صدور مرسوم يغير بموجبه التعريفة الجمركية عند الاستيراد في تاريخ لاحق لتاريخ إيداع التصريح قبل الأوان يتزامن نفاذه مع وصول البضاعة موضوع التصريح قبل الأوان بالتالي تخضع للبضاعة لأحكام المرسوم الذي يغير التعريفة الجمركية.[31]

وفي حكم آخر لإدارية أكادير: “بخصوص الإعفاء من رسم الاستيراد بموجب المرسوم رقم 2.06.85 الذي يقضي بوقف استيفاء رسم الاستيراد والضريبة على القيمة المضافة المطبقتين على مادة الشعير الوارد ابتداء من فاتح يناير إلى غاية 31 ماي 2006، وأن الطاعنة قامت بإيداع التصريح قبل وصول البضاعة تطبيقا للمادة 66 من مدونة الجمارك في الفقرة الثانية، لكن إدارة الجمارك أصرت على استيفاء الرسوم التكميلية لكون الإجراءات ولو تمت في ظل المرسوم الذي يعفي من استخلاص رسم الاستيراد فإن الأهم في التصريحات قبل الأوان والتي لا يكون لها مفعول إلا بوصول البضاعة إلى التراب الخاضع حسب المادة 79 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة هو تاريخ الوصول الفعلي للبضاعة والذي يكون بالتالي هو تاريخ احتساب الرسوم الواجبة.[32]

وهناك إشكالية مرتبطة بتقييد سلطة الإدارة في تحديد القيمة تنتج عن المراقبة البعدية التي يمكن أن تثبت أن قيمة البضائع المصرح بها حددت على أساس غير صحيح، وحيث يجوز لها تقويم الأساس بشرط تعليل قرارها وتكون المراقبة البعدية بعد رفع اليد عن البضائع بشرط أن تتم داخل أجل 4 سنوات تبتدئ من تاريخ إصدار سند التحصيل.

فقد قضت المحكمة الإدارية بأكادير[33] بإلغاء الرسوم الجمركية التكميلية لأن الإدارة لم تحترم المقتضيات المنصوص عليها في الفصل 20 وما يليه من مدونة الجمارك.

كما أن المحاكم الإدارية بخصوص منازعات القيمة تلزم السلطات الجمركية بتطبيق الفصول المتعلقة بالقيمة وأيضا أن تكون المطالبات[34]مشروطة بمراعاة الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.

تقوم الإدارة أيضا بعملية أخرى متمثلة في قيام التصحيح بعد رفع اليد عن البضائع من خلال مراجعة التصاريح ومراقبة الوثائق التجارية، طبقا لمقتضيات الفصل 86 المكرر من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة.

وقد جعل المشرع من هذه المراقبة محدودة الزمن بالأجل القانوني للتقادم، أي أربع سنوات تبتدئ من تاريخ إصدار سند التحصيل طبقا لماء جاء في المادة 99 مكرر من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة.[35]

المحور الثاني: إكراهات العمل القضائي في مجال الرسوم الجمركية

إن فتح باب الطعن القضائي أمام المحاكم الإدارية يشكل ضمانة أساسية ضد تعسف الإدارة إلا أن الطبيعة التقنية للقانون الجمركي في تحديد رسم الاستيراد والطبيعة المتجددة للقانون الجمركي تؤثر على عمل القاضي الإداري وتجعله في خضم نصوص قانونية متجددة وغير ثابتة ورغم ذلك فهذا لم يمنع القضاء الإداري من التأقلم مع طبيعة المجال في المادة الجمركية.

الفرع الأول: الصعوبات المرتبطة بتحديد وعاء الرسوم الجمركية

إن تحديد وعاء الرسوم الجمركية عموما ورسم الاستيراد خصوصا انطلاقا من المحددات الأساسية المتمثلة في الصنف والقيمة والمنشأ يتطلب إلماما كبيرا بتقنيات المادة الجمركية وهذا ما يعيق فتح الباب أمام الاجتهاد القضائي. وهذه الاكراهات تجر القاضي الإداري إلى اللجوء في غالب الأحيان إلى الخبرة الفنية، وهو ما يطرح سؤالا متمثلا في تكوين القاضي الإداري وإمكانية البت بطريقة عادلة في القضايا المرتبطة بالمادة الجمركية.

الفقرة الأولى: اللجوء إلى الخبرة الفنية

تلعب الخبرة القضائية في المادة الضريبية بشكل عام والجمرك بشكل خاص دورا كبيرا في إحاطة المحكمة بالمعطيات التقنية والواقعية المعتمدة في تحديد وعاء الرسوم الجمركية وتصفيتها ومنها رسم الاستيراد.

وتكتسي الخبرة أهمية خاصة في المجال الجمركي نظرا لتعقد المادة وتشعبها مما يستعصي على القاضي الفصل في المنازعة المعروضة عليه وفهم جوانبها الفنية والتقنية دون تدخل الخبرة باعتبارها وسيلة سنها المشرع لمساعدة القاضي في الميادين التي تحتاج لخبرة.[36]

إن من صلاحيات القاضي أن يأمر بإجراء خبرة فينة في المسائل التقنية بتحديد رسم الاستيراد، وذلك لإزالة الغموض عن القضية دونما أن تكون لها علاقة بالقانون.

إلا أن التخصص من بين الشروط الأساسية التي يتطلبها قانون المسطرة المدنية المغربي بحيث أن تعيين الخبير لإنجاز الخبرة غير مجال اختصاصه يعد سببا لتقديم طلب التصريح،[37] ويجوز للقاضي بناء على قناعته الشخصية أو باقتراح من الأطراف واتفاقهم أن يأمر بإجراء خبرة، حيث نص الفصل 59 من قانون المسطرة المدنية في فقرته الثالثة على “يحدد القاضي النقط التي تجري فيها الخبرة في شكل أسئلة فنية لا علاقة لها مطلقا بالقانون”. ونصت الفقرة الرابعة من نفس الفصل على ما يلي: “يجب على الخبير أن يقدم جوابا محددا وواضحا على كل سؤال فني كما يمنع عليه الجواب على أي سؤال يخرج عن اختصاصه الفني وله علاقة بالقانون.”

إذا كان المشرع المغربي قد أجاز لأطراف النزاع حق تقديم ملتمس بإجراء خبرة، فإن هذا الطلب لا يجب تقديمه كملتمس أصلي بل ينبغي أن يكون معللا مع ضرورة تحديد النقاط موضوع الملتمس.[38]

لكن الاستناد إلى الخبرة في المجال الجمركي يثير إشكالية جوهرية تتعلق بالدور الذي أصبح يلعبه الخبير في هذا النوع من النزاعات بحيث انتقل من الطبيعة الاستشارية إلى الطبيعة التقريرية.

جدير بالذكر أن الخبرة تؤدي إلى بدء المسطرة القضائية وتراكم القضايا والملفات،[39] يضاف إلى ذلك تكبد الأطراف مبالغ باهظة خصوصا في هذه المنازعات المتعلقة بالاستيراد، لأن النزاع يتأسس على مبالغ باهظة ومتعلق ببضائع تقدر بالملايين، وقطع لتقنيات السوق الدولية مما قد يفقدها الفرض في البيع بثمن جيد في الأسواق نتيجة بقائها في المستودعات الجمركية نظرا لطول الإجراءات والنزاعات التي تنشأ عن ذلك.

الفقرة الثانية: سلطة القاضي الإداري في الأخذ بنتائج الخبرة ومدى تكوين الخبير في المادة الجمركية

الأصل في القانون أن القاضي غير ملزم بالأخذ بتقرير الخبرة طبقا للمادة 66 من قانون المسطرة المدنية التي نصت في فقرتها الأخيرة على أنه “لا يلزم القاضي بأخذ رأي الخبير المعين ويبقى له الحق في تعيين أي خبير أخر من أجل استيضاح الجوانب التقنية في النزاع.” وهذا ما نصت عليه المادة 156 من قانون الإثبات المصري والتي جاء فيها بأن “رأي الخبير لا يقيد المحكمة” وهذا ما قضت به المحكمة الإدارية العليا بمصر في عدة أحكام نذكر من بينها     (الطعن رقم 2123 لسنة 51 ف جلسة 25/11/1983) والذي أكدت فيه بأن تقرير الخبير من أدلة الدعوى التي تخضع لتقدير محكمة الموضوع.[40]

يمكن للخبير أثناء إنجاز مهمته، أن يطلع على كافة الأوراق المودعة بملف الدعوى، ومن بينها المستندات ووسائل الإثبات التي تقدم بها طرفي النزاع، كما يباشر الخبير كافة المعاينات المادية اللازمة للوصول إلى الحقيقة ويلتزم بأن يقدم تقريرا إلى المحكمة في الموعد الذي حددته في الحكم التمهيدي الآمر بإجراء خبرة، ويتضمن نتيجة أعماله وآرائه والأوجه التي استند عليها.[41]

وقد استقر الاجتهاد القضائي الفرنسي على أن المحكمة لا يمكنها إصدار أي حكم أو قرار في القضية إلا بعد الاطلاع على نتائج الخبرة، أما إذا حكمت قبل انتهاء عمليات الخبرة، فإن مآلها الإلغاء.[42]

أما بخصوص الاستعانة بالخبرة في المادة الجمركية يتطلب إدراكا واسعا بالتقنيات الجمركية، كما أن الخبراء لا يتوفرون على دراية عاملة بالتطورات والمستجدات التعريفية لتصنيف البضائع الناتجة عن التطور التكنولوجي الذي يعرفه العصر الحالي[43]، إضافة إلى عدم الإلمام بالاتفاقيات الدولية التي تنظم التعريفة الجمركية مما يضيع حقوق الخزينة في حالة جاء تقرير الخبرة لصالح الملزم واستند القاضي الإداري عليه لإصدار حكمه رغم كونه تشوبه أخطاء فادحة أو العكس.

يلاحظ أنه في بعض القضايا إذا ما تم الأخذ بالحجج التي تدلي بها الإدارة الجمركية فغالبا ما يصب الحكم أو القرار لصالحها وذلك لأنها تقدم حججا منطقية مبنية على أسس قانونية وواقعية وقد يحصل العكس ويأتي تقرير الخبرة مخالفا لمصلحة الإدارة رغم كونه لا يستند على أساس صحيح، وأحيانا أخرى قد يأتي رأي الخبير بتحديد جديد للرسم لا يدخل في طلبات الملزم ولا الإدارة.

وأخيرا يبقى القاضي حرا في استبعاد تقرير الخبرة إذا ما لاحظ أنه غير ملائم في استجلاء الواقعة التي حددت الخبرة أجلها.

كما أن عدم تبيان السند الذي أسس عليه الخبير تقويمه للبضائع التي على أساسها سيحتسب رسم الاستيراد أو الذي سيعدله يجعل نتيجة تقريره بدون أساس.

الفرع الثاني: تأهيل القاضي الإداري في المادة الجمركية

إن سلامة الجسم القضائي هي المحرك لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لأن المستثمرين يطلبون أن تكون العدالة محل ثقة، وأن تتوافر نصوص قانونية واضحة تضمن الاستقرار والتوقع القانونيين.[44]

وهذا الدور لا يمكن أن يكون ايجابيا، إلا إذا كان الأداء في المستوى الرفيع في التفاعل مع القانون واستهداف المصلحة العليا للبلاد وفي التجرد من الطموحات الشخصية للفاعلين في ميدان العدالة حتى جاز القول “أعطيني قضاء سليما وجيدا أعطيك تنمية دائمة” وهذه الأهداف لا يمكن تحقيقها إلا بتكوين قضاة مؤهلين بشكل عال ومتخصصين في القضايا التي ينظرون فيها، وهذا الإعداد يجب أن يواكبه تحسين عمل للإدارة الجمركية وإصلاح الجامعة على حد سواء.

 

 

الفقرة الأولى: تكوين قضاة متخصصين:

تقتصر شروط الولوج للمعهد العالي للقضاء الحصول على الإجازة في القانون الخاص، مما يؤدي إلى غلبة التكوين المدني والخاص على قضاة المستقبل، خاصة بعد تعثر تجربة قبول طلبة القانون العام، كما أن القانون الضريبي عامة والقانون الجمركي خاصة يتميز بالغموض والتشتت وبأنه تقني ومعقد وعديم الاستقرار بسبب التغير في الظرفية الاقتصادية التي قد تطرأ في مجال من مجالات في كل سنة، الأمر الذي ينعكس على قانون المالية وصعوبة ضبط الجوانب التقنية والمحاسبية له إلا من طرف المتخصصين في المجال، ونقص في التكوين المستمر للقضاة.

كل هذه العوامل وغيرها تنعكس بشكل سلبي على عمل القضاة في المحاكم الإدارية وعلى جودة الأحكام والقرارات الصادرة عنها، لذلك بات من الضروري تكوين قضاة متخصصين في المجال الجمركي وتحسين أوضاعهم.

فتحسين مستوى العمل القضائي على مستوى المنازعات الجبائية يتطلب من جهة، ضمان كفاية عددية من القضاة، ذلك أن التزايد المضطرد الذي تعرفه القضايا الجبائية والجمركية على المحاكم الإدارية لا يقابله تزايد في عدد القضاة ولا في عدد الأطر الإدارية مما ينتج عنه عدم توازن واضح، ومن جهة أخرى يجب دعم الكفاية العلمية للقضاة.

ويبلغ حاليا القضاة التابعين للمحاكم الإدارية 94 قاضيا،[45] موزعين على جميع المحاكم الإدارية ومنها 11 قاضيا بالإضافة إلى 4 مفوضين ملكيين بإدارية الدار البيضاء التي تضم دائرة ترابية تتسع لـ 22 إقليميا. وهذا العدد لا يكفي للنظر في عدد القضايا المتزايد سنة بعد أخرى.

إن ما يميز القانون الجمركي هو ارتباطه الوثيق بمجموعة من الاتفاقيات الدولية والمراسيم والنصوص التطبيقية فبالنسبة للاتفاقيات الدولية لها أسبقية التطبيق على التشريع الداخلي. وعليه فإن القاضي الإداري عندما ينظر في نزاع يتعلق بالوعاء يراعي هذه الاعتبارات بالرغم من عدم التخصص في المادة الجمركية، فالقاضي الإداري نجده في القضايا المتعلقة بمنازعات الوعاء المتعلق باحتساب رسم الاستيراد يتفحص الاتفاقيات الدولية من أجل إيجاد حلول لتحديد الرسم الذي سيفرض على الملزم تأديته فتكون أحكامه تارة لصالح إدارة الجمارك وتارة أخرى لصالح الملزم.

وليس من المبالغة القول أن تحديد رسم الاستيراد من طرف القاضي باعتبار عدم إلمامه بخبايا المادة الجمركية لتعقدها قد يأخذ منه الوقت الكثير خصوصا أمام المنازعات التي تتطلب فحص مضامين الاتفاقيات الدولية، والمراسيم التي يمكن أن تصدر لتعديل رسم الاستيراد أو إلغائه نظرا لخصوصية المنازعة، وضعف الموارد البشرية مما يفسر كثرة اللجوء إلى الخبرة.

الفقرة الثانية: الطبيعة المتجددة للقانون الجمركي

إن ارتباط القانون الجمركي بمجموعة من القوانين وكونه يخضع لتقلبات سياسة القوانين المالية فإنه لا يعرف استقرار لأنه يتميز بسرعة التحول. كما أن القانون الجمركي مرتبط بالتجارة الدولية والمنظمات العالمية المنبثقة عن اتفاقية الجات واتفاقيات التبادل الحر.

بمجرد دخول واندماج الاقتصاد المغربي مع السوق العالمية واقتصادها، أصبح لزاما عليه ملائمة قوانينه الداخلية مع المواثيق الدولية خصوصا في المجال الجمركي، ما سيؤدي حتما لتخفيض التعريفة الجمركية والرسوم أثناء الاستيراد لتطبيق التزاماته الدولية رغم أن ذلك سيؤثر على المداخيل التي تستخلصها الخزينة والتي تشكل دعما مهما لميزانية الدولة.

وهذا ما يفسر أيضا صدور مراسيم وقرارات وزارية بعد كل قانون للمالية، إضافة إلى قرارات تصدر عن المدير العام لإدارة الجمارك حتى يتم تعديل هذه النسب المتعلقة برسم الاستيراد من طرف إدارة الجمرك، إضافة إلى المنشأ أو الصنف أو القيمة أو العناصر الأخرى التي تشكل عناصر الوعاء الجمركي.

هذه العوامل قد تؤثر بشكل سلبي على الفاعلين الاقتصاديين أو حتى إدارة الجمارك على مستوى الاجتهاد الذي ينهجه القاضي الإداري لأنه قد يمنح حقوقا على حساب الأخر، وقد يكون ذلك راجعا إلى عدم التعمق في بحث حيثيات النزاع وارتباطاته القانونية خصوصا الدولية وقد يكون موفقا في قضايا أخرى نظرا لقدرته على دراسة جميع الأمور المتعلقة بالنزاع والتي يكون مضمنة في القانون الجمركي.[46]

على هذا الأساس فالقاضي الإداري يجب أن يكون على دراية بالتطورات المتعلقة بالنظام الجمركي خصوصا المتعلقة بالوعاء لأنها تتغير باستمرار وهذه السمة ليست لصيقة فقط بالقانون الجمركي بل بجميع القوانين الضريبية نظرا لارتباطها الوثيق بتحقيق أهداف معينة مرتبطة بالسياسة الاقتصادية والاجتماعية في سياق نظرة تداخلية ومحكمة.[47]

إن توقيع المغرب على اتفاقيات التبادل الحر منح له حقوقا وجعل عليه التزامات منها تطبيق مقتضيات وأحكام المنظمة الدولية للتجارة (OMC)، كذلك إحداثه للمناطق الحرة، وأبرزها اتفاقية الشراكة الأورو متوسطية التي تهم البلدان التي تطل سواحلها على البحر الأبيض المتوسط، كل هذه العوامل جعلت لزاما على القاضي أن يواكب تطور القانون الجمركي وانفتاح الاقتصاد المغربي على مجموعة من الأنظمة الاقتصادية الجديدة، كما أن كل هذا يدخل في إطار عمله المتعلق بجل النزاعات المتعلقة بالجمارك، وجل الإكراهات التي ذكرناها لا تنطبق على القضاء الإداري وحده بل تنصرف حتى على الفاعل الاقتصادي الذي يجب أن يؤمن بضاعته وما استورده من السوق الدولية، وكذلك إدارة الجمارك التي يجب أن تجبي ما يخوله لها القانون من حقوق ورسوم جمركية، إذن فهذا الثلاثي المتمثل في القضاء والفاعل الاقتصادي وإدارة الجمارك يجب أن يعملوا في إطار متناغم حتى تتحقق لكل واحد مصلحته والتي سيكون لها الأثر الايجابي على تقدم وازدهار وتنمية البلاد.

 

 

[1]   ادريس العلوي العبدلاوي، الوسيط في شرح المسطرة المدنية، الطبعة الأولى، 1998، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، ص 206.

[2]   الفصل 28 من قانون المسطرة المدنية.

[3]   عبد الكريم الطالب، الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية،  ص 65،طبعة 2012.

[4]   محمد مرزاق وعبد الرحمان ابليلا: المنازعات الجبائية بالمغرب بين النظرية والتطبيق، الطبعة الثانية، 1998، ص 227.

[5]   عبد الله ولد: الذي اعتبر ان الرسوم الجمركية من ضريبة ترتكن في أساسها إلى رباط غير عقدي بين مصلحة الجمارك والتاجر، ص 93.

[6]  العربي الكرداج: الطعون الجبائية امام المحاكم الادارية بالمغرب، اطروحة لنيل شهادة الدكتوراه جامعة محمد الخامس اكدال، الرباط، 2003 – 2004 ص 122.

[7] عبد اللطيف الناصري، الأبعاد القانونية والاقتصادية والجبائية للنظام الجمركي، أطروحة دكتوراه، ص 35.

[8] عبد اللطيف الناصري، مرجع سابق، ص 36.

[9]   حكم ادارية مكناس عدد 8/96 بتاريخ 8/2/1996 بين أوعزو عبد السلام وإدارة الجمارك منشور في المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 17 سنة 1996، ص 150.

[10]   المادة 22 مكرر من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة.

[11]   Abdellah Boudehrain, le droit douanière marocain, p 176.

[12]  محمد مرزاق وعبد الرحمان ابليلا، مرجع سابق، ص 220.

[13]  محمد النجاري، نظرات في بعض جوانب مسطرة المنازعة في الوعاء الضريبي المجلية المغربية للإدارة والتنمية المحلية عدد 18 يناير مارس 1997، ص 127.

[14] جعفر حسون، الطبيعة القانونية للمنازعات الضريبية في ضوء القانون 90/41 المحدث والمنظم للمحاكم الإدارية، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة، عدد 4، سنة 1996، ص 48

[15] عبد الكريم حيضرة، سلطات القاضي الإداري في المنازعة الضريبية، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 119، سنة 2014، ص 1

[16]  عبد اللطيف الناصري، قراءة في أهم عناصر الوعاء الجمركي، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد 71، سنة 2006، دراسات ص 104.

[17]   الفصل 55 من الدستور المغربي لسنة 2011.

[18]  حكم عدد 175 بتاريخ 28/1/2009 ملف رقم 53/06 بين شركة أو كسينارك وإدارة الجمارك منشور بمجلة في رحاب المحاكم، عدد 2، شتنبر 2009، ص 111.

[19]   قرار عدد 16 ملف عدد 157/09/5 بتاريخ 4/1/2011 غير منشور.

[20]   المادة 17 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة.

[21]   عبد اللطيف الناصري، قراءة في أهم عناصر الوعاء الضريبي في المادة الجمركية، مرجع سابق، ص 105.

[22]   حسن قربيج، منازعات الوعاء في المادة الجمركية بحث لنيل شهادة الماستر، كلية الحقوق سلا، 2011 – 2012، ص 79.

[23]   أنظر الفصل 4 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة.

[24]   الفصول من 20 إلى 22 مكرر إحدى عشر مرة من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة.

[25]   حكم عدد 128 صادر بتاريخ 10/03/2003 في الملف رقم 398/2001 بين شركة نونو وإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، حكم غير منشور.

[26]   قرار محكمة الاستئناف الإدارية الرباط عدد 268 بتاريخ 12/2/2009 ملف عدد 323/07/9 بين حمزة نيل وإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة غير منشور.

[27]  عبد الله ولد، مرجع سابق، ص 33.

[28]   أنظر الفصل 20 مكرر ثلاث مرات.

[29]   عبد اللطيف الناصري، مرجع سابق

[30]   حسن قربيج، مرجع سابق، ص 84.

[31]  حكم رقم 321 بتاريخ 28/6/2000 ملف عدد 167/98 أشار اليه له عبد اللطيف النعيل في مقاله “ضوابط التصريحات في التشريع الجمركي المغربي” مجلة طنجيس للقانون والاقتصاد، عدد 10 سنة 2011، ص 52.

[32]   حكم إدارية أكادير عدد 306 بتاريخ 30/8/2007 ملف عدد 74/2007 ش بين شركة سوبير غود وإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة.

[33]   حكم عدد 88 بتاريخ 30/3/2004  ملف عدد 0051/1996 ش غير منشور.

[34]   الفصل 86 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة.

[35]   تنص المادة99  من مدونة الجمارك على ان مدونة تقادم دعوى المطالبة باستيفاء الرسوم والمكوس الجمركية يتم بانصرام اجل اربع سنوات.

[36]   كمال الودغيري، الخبرة في القانون المغربي، دراسة تأصيلية وتطبيقية، مطبعة ابي فاس، الطبعة الأولى، 2001، ص 15.

[37]   الفصل 62 من قانون المسطرة المدنية.

[38]  د جواد العسري، اشكالية الخبرة القضائية في المادة الضريبية، اعمال الندوة الوطنية حول المنازعات الضريبية 4 و5 دجنبر 2009 عدد خاص منشورات القسطاس الزيتون جامعة المولى اسماعيل كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بشراكة مع هيئة المحامين لمكناس، ص 150.

[39]   محمد المجدوبي الادريسي، اجراءات التحقيق في الدعوى في قانون المسطرة المدنية المغربي.

[40]   حكم منقول من مقال الاستاذ جواد العسري اشكالية الخبرة القضائية في المادة الضريبية، ص 154.

[41]   السعدية حماني، الخبرة القضائية في المادة الضريبية السلسلة المغربية للعلوم والتقنيات الضريبية، العدد الخامس، طبعة 2014، ص 70.

[42]   قرار صادر عن محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 9/7/1969 أورده:

 

[43] Geny Willy « la jurisprudence fiscale de la juridiction administratives » L.G.D.J 1988, p 155.

[44]   السعدية جماني، مرجع سابق، ص 113.

[45]   اورده وزير العدل والحريات في كلمته امام لجنة العدل والتشريع لمجلس النواب.

[46]   الفصل 20 إلى الفصل 20 مكرر احدى عشر مرة من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة.

[47]   الحبيب العطشان: القضاء الضريبي والاكراهات الملازمة لحماية الملزم، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية دراسات، عدد 84/85 مزدوج، سنة 2009، ص 88.

Exit mobile version