Site icon مجلة المنارة

حماية المستهلك في مرحلة إبرام العقد الإلكتروني

أثرت التجارة الإلكترونية وما رافقها من تطور تأثيرًا كبيرًا على النظام القانوني للعقود التقليدية، فظهر ما يسمى بالتسوق الإلكتروني عبر الحدود، وما تبعه من إجراءات للوصول إلى التعاقد الإلكتروني الذي يشكل المستهلك أحد أطرافه الأساسية في كثير من الأحيان، ومن هنا بدأت الحاجة لحماية المستهلك في السوق الإلكترونية، فالثقة في السوق الإلكترونية من أبرز ما يحتاج إليه المستهلك في سبيل تلبية احتياجاته الشخصية، حيث أن الحماية القانونية للمستهلك سواء  في مرحلة إبرام العقد الإلكتروني ، أو في مرحلة تنفيذ العقد الإلكتروني- و سنقتصر في هذه الدراسة عن مرحلة إبرام العقد الإلكتروني و ما يسبقه من إجراءات – تعتبر مهمة جدًا بسبب أن المستهلك يمكن أن يكون طرفا ضعيفَا، ففي تلك الحالة قد يحتاج لسلعة معينة بصورة ضرورية، وبالتالي يخضع لشروط غير عادية ومجحفة بحقه، فالشركة البائعة تكون هي الطرف القوي في هذا العقد في مقابل المستهلك.

فأساس حماية المستهلك في العقود عامة، و العقد الالكتروني خاصة، يكمن في حالة الضعف المسيطرة عليه و اختلال التوازن بينه و بين المهني أو المحترف الذي يقدم السلعة أو الخدمة، باعتبار هذا الأخير الطرف الأقوى اقتصاديا، و هو الذي يفرض شروطه على المستهلك، أضف إلى ذلك أن المستهلك في التعاقد الالكتروني لا توجد السلعة أمام عينه و لا يلمسها بيديه بل يشاهدها فقط عبر شاشة الكمبيوتر.

بالإضافة لما سبق يحتاج المستهلك للحماية القانونية بسبب المخاطر، وقلة الأمان، وكثرة المشاكل عبر الشبكة الإلكترونية، فحماية المستهلك في التعاقد الإلكتروني من أهم وأكثر المواضيع التي تحتاج إلى البحث والتفصيل، بسبب حداثة هذا الموضوع، وما يواكب التعاقد الإلكتروني من تطور علمي بحيث أصبح العالم سوق كبيرة داخل شاشة حاسوب صغيرة، يمكن من خلالها المرور إلى الموقع المراد والاطلاع على شروط الشراء، والتعاقد، والوصول إلى السلعة، أو الخدمة المعينة. ومن جهة أخرى فقد أدى ظهور التكتلات الاقتصادية الكبيرة في السوق الإلكترونية الى تنبه العديد من الدول للإسراع في وضع تشريعات تقوم على حماية المستهلك في التعاقد الإلكتروني من هنا تبرز الإشكالية عن مدى الحماية القانونية للمستهلك في مرحلة إبرام العقد الإلكتروني.

للإجابة عن هذه الإشكالية سنقسم الموضوع لمبحثين أساسيين نتطرق في المبحث الأول للحماية المدنية للمستهلك الإلكتروني، فيما سنخصص المبحث الثاني للحماية الجنائية للمستهلك.

 

المبحث الأول: الحماية المدنية للمستهلك أثناء التعاقد الالكتروني

الغالب في التعاقدات الإلكترونية أن يكون المستهلك هو الطرف الضعيف،  ذلك فإن اعتبارات العدالة تقتضي حمايته حماية مدنية و حماية جنائية، من تعسفات المزود، و ستنطرق للحماية المدنية في مبحث أول، فيما سنتطرق للحماية الجنائية في مبحث ثان.

المطلب الأول: حماية المستهلك في مواجهة الإعلانات التجارية

تكون الأعمال التجارية الإلكترونية بصفة عامة مسبوقة بشكل من أشكال الدعاية والإعلان عبر شبكة الإنترنت أو أي وسيلة من الوسائل الالكترونية الأخرى، ولا شك أن الإعلان أصبح من أهم آليات النشاط التجاري في المنافسة وتحقيق الربح عبر الشبكات الإلكترونية[1]، و هو ما يدعو إلى التطرق لمفهوم الإعلان الالكتروني و طبيعته القانونية في المطلب الأول و وسائل حماية المستهلك في مواجهة هذه الإعلانات في المطلب الثاني.

الفقرة الأولى: مفهوم الإعلان الإلكتروني الموجه إلى المستهلك وطبيعته القانونية:

لم تتضمن عدد من القوانين تعريفا محددا للإعلان، بخلاف الفقه فقد وردت مجموعة من التعاريف بهذا الشأن، و يتضح من بعض التعاريف أن الإعلان هو كل فعل أو تصرف يهدف إلى التأثير النفسي على الجمهور أيا كانت وسيلة هذا التأثير بهدف إقناعهم بمزايا السلعة أو الخدمة و ما يمكن أن تحققه من فوائد، و لا يختلف الإعلان الإلكتروني عن الإعلان التقليدي إلا في الوسيلة المستخدمة و هي كونه في الأول يتم من خلال شبكة الإنترنيت.

و محل الإعلان التجاري أما أن يكون سلعة، أيا كان نوعها وإما أن يكون خدمة تقدم للمستهلك، و تفهم الخدمات هنا بمعنى واسع،  بحيث تشمل أنشطة متنوعة و مختلفة مثل أعمال وكالات الأسفار و السياحة و أعمال الوساطة، و تنظيم العروض و المؤتمرات[2].

ومن التطبيقات العملية على الإعلان الإلكتروني، الإعلانات المختصرة عبر الإنترنت، فعند فتح صفحة الإنترنت من خلال شاشة الحاسوب، قد تظهر بعض عناوين بعض المواقع، التجارية على صفحة الإنترنت، حيث يتم الدخول إلى أي عنوان من العناوين المعروضة بشكل مباشر، وتظهر هذه الإعلانات أعلى صفحة محركات البحث   (yahoo , Google)بشكل عشوائي أو بمظهر ثابت، ومن أنواع الإعلانات الإلكترونية أيضًا الرسائل القصيرة التي يتم إرسالها إلى الهواتف النقالة للمستهلكين أو إلى البريد الإلكتروني، و قد تكون هذه الرسائل مصحوبة بالصوت والصورة[3].

 

و ينعقد العقد بمجرد تقديم أحد الأطراف إيجابا باتا و نهائيا و يقبله الطرف الآخر، و العرض الذي يوجهه شخص إلى آخر لا يعتبر إيجابا ما لم يكن جازما و باتا، و يعتبر الإعلان الموجه إلى المستهلك عبر شبكة الانترنيت دعوة للتفاوض أو التعاقد وليس  إيجابا، إذ لا يعدو أن يكون مجرد دعوة للدخول في مفاوضات، و إذ صادف هذا العرض موافقة من الطرف الآخر، اعتبر ذلك رضا للدخول في المفاوضات و ليس قبولا يؤدي إلى إبرام العقد.

وهذا ما ذهب إليه جانب من شراح القانون،  واشترط لذلك أن لا يتضمن الإعلان الشروط الجوهرية للتعاقد، فعرض السلع في واجهات المحلات التجارية دون بيان أسعارها لا يعتبر إيجابًا، كما أن عرض البضائع والخدمات عبر الإنترنت يشبه إلى حد كبير نافذة المتجر الحقيقي، فإذا تضمن عرض السلع والخدمات عن طريق الإنترنت ثمن المبيع يعد هذا العرض إيجابًا شأنه في ذلك شأن عرض البضائع على واجهات المحال التجارية مع بيان أثمانها، ففي الحالتين يتحقق للمستهلك رؤية الشيء المبيع سواء أكانت رؤية حقيقية بملء العين أم افتراضية داخل الموقع التجاري على صفحة الانترنيت من خلال شاشة الحاسوب.[4]

و تطبيقا لذلك قضت محكمة النقض المصرية باعتبار الإعلان عن فتح باب الحجز مجرد دعوة للتعاقد و ليس إيجابا بالبيع، كما قضت أيضا بأن طرح مناقصات التوريد و غير ذلك من البيانات الموجهة للجمهور أو الأفراد كالشركات و الإعلانات ليس إيجابا، و إنما دعوة للتفاوض، فالإيجاب هو الاستجابة لهذه الدعوة، و يتم التعاقد بقبول الجهة صاحبة المناقصة لهذا الإيجاب[5].

الفقرة الثانية:  وسائل حماية المستهلك في مواجهة الإعلانات الإلكترونية

يأخذ الإعلان التجاري الإلكتروني المضلل صفة التجريم في حال توفر عنصرين أساسيين: أولهما عنصر مادي متكون من وسيلة دعائية وهي عبارة عن شبكة الإنترنت، أو بعض الوسائل الأخرى كوسائل الهواتف النقالة والتلفاز، بحيث يمكن أن تستخدم هذه الوسائل بطريق إحتيالية تضلل المستهلك وتوقعه في الخطأ، كذلك يجب أن يتضمن العنصر الأول وجود معلومات مضللة أو كاذبة من شأنها إيقاع المستهلك في الغلط، وأن تكون المعلومات المضللة التي توقع في الغلط أحد العناصر الأساسية المكونة للسلعة أو الخدمة.

أما العنصر الثاني من عناصر جريمة الإعلان التجاري الإلكتروني المضلل فهو القصد الجرمي الذي هو أساس المسؤولية الجزائية.

و هذه القواعد تقوم على ثلاث أسس و قواعد رئيسة تتمثل في اشتراط وضوح الإعلانات، تحريم الإعلانات المضللة، ثم الرقابة على الإعلانات المقارنة.

أولا: اشتراط وضوح الإعلان الإلكتروني

شرط وضوح الإعلان الإلكتروني هو أن يتضمن الإعلان البيانات الكافية عن السلعة أو الخدمة المقدمة، والتي من شأنها خلق تفكير متبصر يعمل على تكوين إرادة واعية مستنيرة لدى المستهلك وهو بصدد الإقبال على التعاقد[6].

و أشار القانون الفرنسي إلى أنه يجب أن تكون العمليات التجارية الالكترونية و الدعاية المصاحبة لها واضحة، و يجب الالتزام باستخدام اللغة الفرنسية في الإعلان عن السلع و الخدمات عبر شاشة الانترنيت، و تزويد المستهلك بمعلومات واضحة و غير غامضة عن المنتج أو الخدمة بما يسمح للمستهلك بإعطاء الموافقة على التعاقد عن وعي و إدراك كاملين[7].

كما تبين غرفة التجارة الدولية بالمادة 11 منها من القانون الدولي بشأن التطبيقات السليمة للإعلان، الالتزامات الواجب توافرها  في الإعلان : “أن الإعلان يجب أن يكون مميزا بصورة واضحة مهما كان الشكل أو الوسط المستخدم، و عندما يتم إذاعة الإعلان أو نشره في وسائل الإعلام Media يجب أن يقدم بصورة يظهر منها فورا أنه إعلان”.[8]

إلا أنه توجد إشكالية تتعلق بالقوانين المتعلقة بالإعلانات التي تصدر بالخارج، تكمن في صعوبة الرقابة عليها من جهة، و تحديد القانون الخاضعة له من جهة ثانية، فقد يكون الإعلان مسموحا به و غير ممنوع في بلد معين، بينما يكون ممنوعا في بلد آخر، بل قد يصل الأمر لأن يكون الإعلان في البلد الواحد مسموح به في ولاية معينة و غير مسموح به في ولاية أخرى، و نضرب مثال على ذلك بالولايات المتحدة الأمريكية حيث إن ألعاب القمار و المراهنات مصرح و مسموح بها في ولاية لاس فيكاس، بينما غير مصرح بها في ولاية نيويورك، و بالتالي يمتنع الإعلان عن أماكن لعب القمار في مدينة نيويورك.

ثانيا: تحريم الإعلانات المضللة

يعتبر الإعلان مظهر من مظاهر المنافسة المشروعة، و عامل من عوامل التسويق و أداة من أدوات إعلام الجمهور بالمنتجات و الخدمات.[9]

فإذا كان هذا الإعلان مضللا أو خادعا انعكس سلبا على نظام المنافسة الحرة، و حق المستهلك في الحصول على المعلومات الصحيحة و الدقيقة عن المنتجات و الخدمات المعلن عنها عبر شبكة الانترنيت، و قد عرف توجيه المجلس الأوربي في 10 دجنبر 1984  بالمادة الثانية منه، الإعلان المضلل أو الخادع Misleading advertising، بأنه” أي إعلان بأي طريقة كانت يحتوي في طريقة تقديمه على أي تضليل لهؤلاء الذين يوجه أو يصل إليهم الإعلان.”[10]

كما نصت المادة الثالثة من التوجيه السابق على أن الإعلان المضلل يقع عن طريق إغفال إحدى الخصائص الجوهرية للسلعة المعلن عنها.

و قد حرص المشرع الفرنسي على تجريم الإعلانات المضللة لحماية المستهلك، حيث نص في قانون الاستهلاك على منع الإعلانات المضللة و الخادعة، و حظر كذلك أي إعلان يحتوي على عروض أو بيانات كاذبة بأي شكل أو صورة من الصور.

و حسب القضاء الفرنسي، فمسألة تقدير ما إذا كان الإعلان مضلل من عدمه، فهي تترك لتقدير القضاء، بالاستعانة بمعيار موضوعي لا شخصي.[11]

ثالثا: الرقابة على الإعلان المقارن

عرف قانون الاستهلاك الفرنسي[12] و التوجيه الأوربي الصادر في 6 أكتوبر 1997، الإعلان المقارن بأنه ” كل إعلان يؤدي صراحة أو ضمنا إلى التعرف على سلعة أو خدمات منافس آخر”، و لن يختلف الإعلان المقارن الإلكتروني عن هذا الإعلان إلا أن يتم عبر وسائط إلكترونية و  من خلال شبكة الانترنيت.

فالتضليل لم يعد قاصرا فقط على خداع المستهلك، بل امتد لينال من قيمة سلع و خدمات المنشآت التجارية المنافسة، و ذلك عن طريق ما يسمى بالإعلان المقارن Comparative advertising الذي أصبح يلعب دورا كبيرا في تشويه منتجات المنافسين، ذلك لأنه قد يستهدف التقليل من قيمة السلع و المنتجات أو خدمات المنشآت المنافسة أو إيقاع المستهلك في لبس و بالتالي يصبح أداة للمنافسة غير الشريفة.[13]

و ليكتمل الإعلان المقارن يجب توافر ثلاث شروط و هي أن نكون بصدد دعاية تجارية أي وجود رسالة إعلانية يتخذها المعلن وسيلة لتسويق السلعة أو الخدمة المعلن عنها بهدف تحقيق الربح، و أن تتضمن عناصر المقارنة بين السلعة أو الخدمة المعلن عنها، و بين سلعة أو خدمة منافسة، و أن يشتمل الإعلان على اسم التاجر المنافس، و قد تباينت مواقف التشريعات بين المنع و الإجازة للإعلانات المقارنة، و هذا الإعلان أن كان مسموحا به في القانون الفرنسي في ظل شروط معينة إلا أنه محظور استخدامه في بعض وسائل الإعلام، مثل تذاكر المواصلات و تذاكر السينما و المسرح و الطرود و العبوات و الفواتير ووسائل الدفع و النقود، و لكن يخرج من هذه الوسائل الإعلان المقارن عبر شبكات المعلومات و الاتصالات الإلكترونية.

و يشترط في الإعلان المقارن وفق نص المادة 121 من قانون الاستهلاك الفرنسي الصادر عام 1993 أن يكون قاصرا على عقد مقارنة موضوعية لا تتناول إلا الخصائص الأساسية للسلعة أو الخدمة، فقد يكون يكون أممينا صادقا و لا يؤدي إلى تضليل المستهلك.[14]

يعتبر الكذب و الخداع في الإعلان التجاري من أهم مصادر الأضرار التي قد تلحق بالمستهلك خلال الفترة التي تسبق إبرام العقد لذا فقد تصدت معظم القوانين و التشريعات التغرير أو التدليس و الذي يتمثل بالكذب و الخداع[15].

ويلزم لكي يعتبر الإعلان المضلل تدليسا توافر ثلاثة شروط الأول يتعلق باستعمال طرق احتيالية تحمل المستهلك على التعاقد،  والشرط الثاني يتناول النية للوصول إلى غرض غير مشروع،  أما الشرط الثالث فيتحدث عن أن يكون التدليس هو الدافع للتعاقد حيث يستطيع المستهلك إذا أصيب بضرر جراء الإعلان المضلل أن يرفع دعوى تدليس بوصفه متعاقدًا مطالبًا بإبطال العقد وفقًا لقواعد المسؤولية التعاقدية أو التقصيرية، كما يجوز للمستهلك أن يرفع دعوى تنفيذ الالتزام التعاقدي مطالبًا المعلن بتسليمه منتجًا من ذات خصائص الشيء المعلن عنه، و ذلك طبقا للقواعد العامة في القانون المدني.

المطلب الثاني: حقوق المستهلك أثناء التعاقد

تمت حقوق يتمتع بها المستهلك أثناء التعاقد تساعده و تجنبه الوقوع فريسة الغش و الاحتيال، و حتى يعلم حقيقة التصرفات التي يباشرها و كذا طبيعة المتعاملين معه، و تتمثل هذه الحقوق في حقه في الإعلام و التبصر في المنتج و التي سنتطرق لهما في مطلب أول، و كذا حمايته عند الدفع و التوقيع الالكترونيين و التي سنتطرق لها في مطلب ثان.

الفقرة الأولى: حق المستهلك في الإعلام والتبصر

هناك عدة معلومات يجب على المزود أن يقوم بالإدلاء بها للمستهلك، وذلك قبل أن يقوم المستهلك بإبرام العقد الإلكتروني، وهذا ما يطلق عليه الإلتزام بالتبصير السابق على إبرام العقد الإلكتروني، فالهدف من ذلك أن يبرم المستهلك العقد بناءً على رضاء مستنير[16]، لذلك يجب أن يكون العرض المقدم علة صفحة شاشة الانترنيت محددا بدقة و واضحا و مفهوما، و لابد من التأكد من ظهور كل البيانات الالزامية الخاصة بالتعاقد مع العرض المقدم، و يستوي في ذلك البيانات التي نص عليها قانون المستهلك الفرنسي، أو تلك التي وردت في التوجهات الأوربية بصدد البيع عن بعد[17].

لذا يتوجب على المهني إعطاء المشتري المعلومات الضرورية و المفيدة لاستعمال المبيع، و عليه إعطاء المعلومات التي تهدف إلى أن يتاح للمستعمل أن يكون استعمال المنتج متوافقا مع مقصده و ضمن الشروط التي تستبعد أي فشل، و يقع هذا الالتزام على عاتق البائع على وجه الخصوص، عندما يكون المنتج جديدا و معقدا كاللوازم المعلوماتية و لا سيما إن كان المنتج خطرا[18].

و ينصب الالتزام بالإعلام حول محورين أساسيين يتمثل الأول في تحديد شخص البائع أو المزود، و الثاني في بيان سمات وصف المنتج أو الخدمة محل التعاقد.

أولا: تحديد شخص البائع

فالمعلومات المتعلقة بهوية المزود هي من أهم المعلومات التي يجب تبصير المستهلك بها في التعاقد الإلكتروني حتى يتحقق الرضاء الكامل له، وذلك أن المستهلك يهمه معرفة المزود الذي يتعاقد معه حتى يطمئن بأن هذا المزود حسن السمعة في تنفيذ التزاماته، كما أن المستهلك يهتم بالتعرف على هوية المزود الذي يتعاقد معه، حتى يستطيع هذا المستهلك أن يقوم بتقديم شكوى إلى جمعيات حماية المستهلك، وذلك في حالة إخلال المزود بالتزاماته تجاه المستهلك.

ثانيا: وصف المنتج أو الخدمة محل التعاقد

يعتبر الحق بالإعلام والتبصر بخصائص وصفات السلع والخدمات المعروضة، جوهر فكرة الالتزام بالإعلام، لأن خصائص السلعة أو الخدمة قد تكون الباعث الأساسي و الرئيس لدى المستهلك على التعاقد، وفي إطارها يقع المستهلك ضحية الغش والتقليد[19].

و قد نصت توجهات 20 ماي 1997 بصدد البيع عن بعد على أحكام توجب تلقي المستهلك كل المعلومات في الوقت المناسب قبل إبرام العقد، و توجب أيضا الالتزام بالوضوح، حيث يتعين على البائع الممتهن أن يمارس الهدف التجاري من العرض، و عما إذا كان مجانيا بقصد الدعاية و الإعلان أو بمقابل، و يجب أيضا أن تظهر على شاشة العرض إجراءات الدفع و التسليم و التنفيذ، و ميعاد التسليم يتمثل في 30 يوم كحد أقصى، و تكلفة استعمال وسيلة اللاتصال عن بعد إذا تم احتسابها بطريقة مغايرة للسعر السائد.

كما يتعين لحماية المستهلك أن تكون البيانات السابقة موضوع الالتزام بالإعلام، مصاغة بلغته الوطنية، و ألا تتضمن الإحالة لأي شروط عامة للبيع واردة في نصوص اختيارية غير محددة[20].

فغالبا ما يتسم الإيجاب عبر الشبكات الالكترونية بالطبيعة العالمية و يتم باللغة الانجليزية، و هو ما يستتبع أن يتم الإعلام بتلك اللغة أو لغة أجنبية أخرى غير العربية، و بالتالي احتواء العقد على مصطلحات فنية و قانونية غير مألوفة أو ذات دلالات قانونية مختلفة تعبر عن النظام القانوني المتبع في دولة التاجر أو المورد، و قد يختلف عن النظام القانوني المتبع في دولة المستهلك، و قد يحتمل المصطلح ترجمته إلى أكثر من معنى، و هو ما يثير مشكلة مدى اعتبار التاجر المحترف قد أوفى بالتزامه بالإعلام فيما إذا تم إعلام المستهلك بلغة أجنبية.

و يعتبر إلزام التاجر بإعلام المستهلك باللغة التي يفهمها من وسائل حماية المستهلك باعتباره الطرف الأضعف، و ذلك حتى يقدم المستهلك على التعاقد و هو على علم و دراية كافيين بطبيعة و مضمون محل التعاقد و الشروط التعاقدية و كيفية السداد[21].

الفقرة الثانية: حماية المستهلك عند الدفع و التوقيع الإلكترونيين

مع اتساع نطاق التجارة الالكترونية و تشعب أنواعها و مجالاتها و تعدد  التشريعات الدولية المنظمة لها، و أصبحت صناعة المعلومات المجال الخصب لجذب الاستثمارات خصوصا مع تحقيق التزاوج بين المعلوماتية و أدوات الاتصال اللاسلكية، و لعبت المعلوماتية دورا هاما في تغيير محل التجارة الالكترونية ووسائل تحقيقها، حيث تم استبدال الوثائق التقليدية اليدوية المكتوبة بالوثائق الالكترونية و التوقيع الالكتروني، و تضاءل دور النقود الورقية و الدفع التقليدي أمام ازدهار النقود و الدفع الالكتروني.

يلتزم المتعاقد بتقديم سلعة أو منتج أو خدمة نظير مقابل معين يتعين الوفاء به، هذا الوفاء الذي يتسم في المعاملات الالكترونية بطابع خاص و مميز و يأخذ صورا متنوعة و متعددة، إذ كانت تعتبر النقود الوسيلة الرئيسية لتسوية المعاملات المالية، و قد يتم دفع النقود نقدا في صورة سائلة أو بوسيلة بديلة كالشيك، و لا تصلح هذه الوسائل المادية في تسهيل التعامل الذي يتم عن بعد في بيئة غير مادية، كالعقود الالكترونية التي تبرم عبر شبكة الانترنيت حيث تتوارى المعاملات الورقية، من هنا كانت أهمية ابتكار أسلوب سداد يتفق مع طبيعة التجارة الالكترونية، لهذا ظهر الدفع الالكتروني، و لارتباط التسوق عبر الانترنيت بالصرافة الإلكترونية لذلك تبقى الأجهزة وثيقة الصلة بالتجارة الالكترونية، و يمكن عن طريق هذه الصلة تحويل المبالغ المالية لحسابات أخرى، ويتم كذلك دفع الفواتير و تحويل المبالغ المالية لجهات خارج البنك، و كل ذلك عن طريق الصرافة الالكترونية[22].

وتتم أعمال الدفع الإلكتروني من خلال بطاقات الدفع الإلكتروني أو بطاقة الإئتمان، و هي بطاقة مستطيلة من البلاستيك تحمل اسم المؤسسة المصدرة لها و شعارها و توقيع حاملها بشكل بارز على وجه البطاقة و رقمها و اسم حاملها، و رقم حسابه و تاريخ انتهاء صلاحيتها، تخول صاحب البطاقة بتحويل قيمة مالية معينة من حسابه إلى Debit Card  حساب البائع من خلال تقديم دليل إثبات الهوية، وبطاقة السحب يصدرها البنك لأحد المستهلكين، وصاحب البطاقة يستطيع أن يستعمل هذه البطاقة من أجل نقل النقد والمال من حسابه الشخصي في البنك المصدر إلى بنك البائع، وعند الشراء فإن مسجل النقد الالكتروني يقوم بتسجيل قيمة البيع وتخزينها مع تسجيل اسم الجهة المصدرة للبطاقة وفي وقت آخر – أو في نفس الوقت أو في وقت متأخر من يوم البيع-  يقوم البائع بإرسال بيانات المعاملات المسجلة إلى بنكه الذي يمتلك حسابه، ومن ثم يقوم بنك البائع بمطالبة المستحقات من بنك المستهلك، أو صاحب البطاقة، وعندما يرسل بنك المستهلك موافقته لرد المستحقات، فإن بنك البائع يزيد رصيد الحساب للبائع.

وقد تعرض المجلس الأوروبي لهذا الموضوع تحت مسمى –تأمين نظم الوفاء–حيث صدرت توصية عن المجلس الأوروبي عام 1998 في 19/05/1988 بهدف المساهمة في إنعاش التجارة الإلكترونية، عن طريق زيادة ثقة المتعاملين فيها وفي أساليبها خاصة السداد الإلكتروني، وبحث سُبل حماية المستهلك والتاجر عند السداد بهذه الطريقة، وكيفية إمكان الاسترداد في حالة السداد بدون وجه حق، وكيف تتم الحماية من المخاطر في حالة سرقة البطاقة، أو فقدها، أو ضياعها[23].

و من خلال ما سلف يمكن القول أن حماية المستهلك عند الدفع الإلكتروني، يجعله في مأمن من العديد من المخاطر، كما ويسهم في إعادة قيام المستهلك في الشراء من خلال التعاقد الإلكتروني مرة أخرى، فيتوفر عامل الثقة لدى المستهلك.

و يرجع سبب الحاجة إلى حماية التوقيع الإلكتروني لاعتبارات الأمن والخصوصية على شبكة الإنترنت و التي تشغل حيزا كبيرا من الاهتمام و المسؤولية، حيث أن هذا الموضوع يثير قلق الكثير من الأفراد و خصوصا المستهلكين والمزودين، الأمر الذي يسبب نوعًا من انعدام الثقة بهذه الشبكة، ولذلك تم اللجوء إلى تكنولوجيا التوقيع الإلكتروني حتى يتم رفع مستوى الأمن والخصوصية بالنسبة للمتعاملين عبر شبكة الإنترنت حيث أنه وبفضل هذه التكنولوجيا يمكن الحفاظ على سرية المعلومات أو الرسالة المرسلة مع عدم قدرة أي شخص آخر على الاطلاع أو تحريف الرسالة، وتحديد هوية المرسل أو المستقبل في التعاقد الإلكتروني و التأكد من مصداقية هذه الشخصيات مما يسمح لها بكشف أي متحايل أو متلاعب.

فالثقة في التوقيع الإلكتروني تكون من خلال التأكد من صحته بشهادة تصديق معتمدة، فالتصديق على صحة التوقيع الإلكتروني يقع على طرف ثالث محايد في التعاقد الإلكتروني يسمى مزود خدمات التوثيق، وقد يتمثل في أفراد أو شركات أو جهات مستقلة محايدة تقوم بدور الوسيط بين المتعاملين لتوثيق تعاملاتهم الإلكترونية، ويسمى هذا الطرف الثالث أيضًا سلطات أو جهات التوثيق.

و الملاحظ أن معظم التشريعات الحديثة أعطت حجية تامة في الإثبات للتوقيع الموثوق به، أما بالنسبة للتوقيع غير الموثوق به فإنه يقع على صاحب هذا التوقيع أن يثبت أن الوسيلة المستخدمة في إنشاء التوقيع تتمتع بالثقة، وأن التوقيع يستحق أن يتمتع بالحجية في الإثبات، كما أقرت كذلك حماية جزائية للتوقيع الإلكتروني، حيث تحدثت هذه التشريعات عن العديد من الجرائم منها:  جريمة نشر شهادة توقيع إلكتروني ، أوشهادة مصادقة إلكترونية إلى شخص لم يوقعها، أو إلى مزود خدمة تصديق لم تصدر عنه هذه الشهادة، كذلك جريمة نشر شهادة التوقيع الإلكتروني التي تحتوي على بيانات غير صحيحة بقصد الاحتيال.

و عليه فإن المحررات الإلكترونية تتمتع بنفس الحجية القانونية في الإثبات المقررة للمحررات، إلا أنه يشترط فيها وفقا لنص المادة 1316/4 من القانون المدني الفرنسي أن تكون ممهورة بتوقيع إلكتروني موثوق في صحته و يمكن نسبته إلى شخص الموقع، و أن يفصح عن قبول الموقع لما ورد في هذا المحرر، و أن يكون المحرر الإلكتروني قد تم حفظه بوسيلة آمنة، و على نحو يتيح استرجاعه عند الضرورةالمبحث الثاني: الحماية الجنائية للمستهلك أثناء إبرام العقد الالكتروني

 

كما سبق الإشارة إليه فإن جل التشريعات المعاصرة تحرص على حماية المستهلك بصفة عامة و المستهلك الإلكتروني بصفة خاصة، و قد تم تجريم بعض الأفعال التي تعتبر اعتداءا عليه باعتباره الطرف الضعيف في التعاقد، و من صور هذه الأفعال المجرمة الغش التجاري و الصناعي، جريمة الإحتيال في عقود التجارة الإلكترونية، بالإضافة إلى الصور الأخرى من الجرائم التي تمس المستهلك في عقود التجارة الإلكترونية و التي سنتطرق لها بالتفصيل في المبحث الثاني من هذا البحث.

المطلب الأول: ماهية الحماية الجنائية للمستهلك في التعاقد الإلكتروني

تتحقق الحماية الجنائية في التعاقد الإلكتروني من خلال تجريم الأفعال التي يقوم بها الجاني ضد المستهلك و ذلك بقصد الإضرار به عبر شبكة الإنترنت، فالعديد من القوانين والتشريعات الحديثة أضافت هذه الحماية للمستهلك بجانب الحماية المدنية في قوانين التجارة الإلكترونية، بالإضافة إلى العديد من المواد الواردة في قوانين حماية المستهلك، والتي تنص على تجريم بعض الأفعال التي قد تقع على المستهلك.

الفقرة الأولى: أركان الجريمة الإلكترونية الواقعة على المستهلك

تتشابه الجريمة الإلكترونية مع الجريمة العادية في أطراف الجريمة من مجرم ذي دافع لارتكاب الجريمة، وضحية والذي قد يكون شخص طبيعي أو شخص اعتباري، في حين تختلفان الجريمتين في العنصر المادي للجريمة بحيث أن الجريمة الالكترونية تكون الأداة فيها ذات تقنية عالية، وأيضًا مكان الجريمة لا يتطلب انتقال الجاني إليه انتقالا ماديًا، فالجريمة الإلكترونية تتم عن بعد باستخدام شبكات الإنترنت بين الجاني والمستهلك، بخلاف الجريمة العادية.

يشكل السلوك الإنساني المحظور الذي يؤدي إلى الضرر أو التهديد بوقوعه الركن المادي للجريمة الإلكترونية، والنتيجة التي ترتكب على وقوع هذا الفعل، وعلاقة السببية بين الفعل والنتيجة هي التي تشكل عناصر الركن المادي للجريمة الإلكترونية[24].

و لكي يتحقق الفعل أو السلوك المادي في الجرائم الإلكترونية يتطلب و جود بيئة اتصال بالانترنيت كما يتطلب أيضًا معرفة بداية هذا النشاط والشروع فيه ونتيجته، فمن يقوم بسرقة رقم البطاقة الائتمانية للمستهلك عبر الإنترنت، يحتاج إلى تجهيز الحاسوب لكي يحقق له حدوث الجريمة، فيقوم بتحميل الحاسوب ببرامج اختراق، أو أن يقوم بإعداد هذه البرامج بنفسه، وكذلك قد يحتاج إلي تهيئة صفحات تحمل فيروسات لسرقة معلومات هذه البطاقة، أو أرقام الحساب أو غير ذلك من المعلومات المهمة بتحميلها عن جهاز المستهلك، كما يمكن أن يقوم بجريمة إعداد برامج فيروسات تمهيدًا لبثها، مع العلم أنه لا يشترط أن تكون هناك أعمال تحضيرية لوقوع الجريمة، هذا ويعتبر شراء برامج الاختراق، ومعدات لفك الشفرات وكلمات المرور من الأشياء التي تمثل جريمة في حد ذاتها[25].

و للإشارة فإن مسألة النتيجة الإجرامية في جرائم الانترنت يمكن معرفتها، من خلال معرفة وقت الضرر الذي لحق المستهلك نتيجة وقوع العمل الجرمي عليه.

أما الركن المعنوي فهو اتجاه إرادة الجاني إلى ارتكاب فعل ضد حق يحميها القانون ويعاقب عليه، وهو عالم أنه يقوم بعمل غير مشروع ينطوي على اقتراف جريمة محددة بوعي وإدراك بالظروف والملابسات المكونة للجريمة، فالأساس الذي يقوم عليه الركن المعنوي للجريمة الإلكترونية، هو توفر الإرادة الآثمة لدى الفاعل، وتوجيه هذه الإرادة إلى القيام بعمل غير مشروع جرمه القانون، كانتحال شخصية المزود عبر الإنترنت،  وسرقة أرقام البطاقات الائتمانية، كما يجب أن تتوفر النتيجة الجرمية المترتبة على الأفعال السابقة،  فتكتسب إرادة الجاني الصفة الجرمية من العمل غير المشروع الذي بيت النية على ارتكابه،  وهو عالم بالآثار الضارة الناشئة عنه، هذا وبتوافر الركن المعنوي في جرائم الانترنت في المثال التالي، بقيام أحد المحتالين بانتحال شخصية مزود عبر الإنترنت بقصد الإضرار بالمستهلك، والحصول على أمواله، وبالتالي إيقاع الأذى بالمستهلك.

 

الفقرة الثانية:  المسؤولية الجزائية في الجرائم المرتكبة ضد المستهلك

جرمت معظم القوانين الأفعال التي تؤدي إلى الإضرار بالمستهلك، فقد تضمنت مجمل قوانين العقوبات  العربية و الغربية منها العديد من المواد التي يمكن أن تمثل الأسس القانونية لحماية المستهلك جزائيًا أثناء التعاقد الالكتروني.

و ما يلاحظ أن جل نصوص هاته المواد أنها جاءت واضحة وصريحة، حيث أنها توفر الحماية الجزائية للمستهلك في المعاملات الإلكترونية من خلال المعاقبة على الغش أو التدليس في البيانات التي تتعلق بالتوقيعات الإلكترونية، ومعاقبة كل من يحاول منع إتمام المعاملات التجارية بالوسائل الإلكترونية وذلك بالتعديل فيها أو محو بياناتها أو تدميرها، وكذلك كل شخص قدم عمدًا معلومات خاطئة، وإيقاع العقاب أيضًا على من المنتجين أو المزودين الذين يقومون بإفشاء أسرار المستهلكين، إلا أن بعض التشريعات و منها المشرع الفلسطيني عند إقراره لقانون المبادلات والتجارة الإلكترونية تم إغفال التطرق، لجرائم السطو على أرقام البطاقات الائتمانية، وجريمة الاحتيال في عقود التجارة الإلكترونية تحت باب المخالفات والعقوبات.

المطلب الثاني: صور الحماية الجنائية للمستهلك الإلكتروني

تتنوع صور الحماية الجزائية للمستهلك في التعاقد الإلكتروني بتعدد الجرائم الممارسة ضده، فهناك جرائم تتعلق في الغش التجاري والصناعي، وكذلك جرائم تتعلق بسرقة أرقام البطاقة الائتمانية الخاصة بالمستهلك، وجرائم التحايل والخداع ضد المستهلك في التعاقد الإلكتروني.

الفقرة الأولى: الحماية الجزائية ضد الغش التجاري والصناعي

قد يقع الغش بفعل الإنسان – كما في حالة الخلط أو الإضافة، وقد يكون الغش ناتجا عن أسباب خارجة عن إرادة الإنسان، كما هو الحال في حالة فساد السلعة نتيجة لطبيعتها، وجعلها غير صالحة للاستخدام كاللحوم والبيض، فجريمة الغش لها ركنان احدهما مادي والآخر معنوي، ويتحقق الركن المادي في حالة البيع الإلكتروني من خلال العرض، أو الطرح للبيع عن طريق الإنترنت للسلع الفاسد، أو المغشوشة التي تصل إلى المستهلك لاحقًا، كما يتحقق الركن المعنوي في هذه الجريمة بتوافر نية الغش، أي انصراف  إرادة الفاعل إلى تحقيق الواقعة الجنائية.

ويلاحظ أن جرائم الغش في المواد الغذائية هي من جرائم الخطر، وليس من جرائم الضرر، بالمعنى أن الجريمة متوافرة حتى ولو لم يترتب على هذا الغش ضرر بأحد، وأن العقوبة المفروضة على هذا النوع من الجرائم ستشدد بدرجة ملحوظة إذا كانت السلع المغشوشة، أو الفاسدة ضارة بصحة الإنسان،  وتجب الإشارة إلى أن احتفاظ التاجر بسلع ضارة، أو منتهية الصلاحية، سواء أكانت هذه السلع بكميات كبيرة أو قليلة يعد عمل غير مشروع، بشرط أن يكون القصد الجرمي متوجهًا إلى إعادة بيعها، أما إذا كان الهدف من وراء تخزينها هو إعادتها إلى المصدر، أو إتلافها فإنه لا مجال للعقاب في تلك الحالة أما بالنسبة لجريمة المضاربة غير مشروعة فقد نص القانون على ضرورة إيقاع العقاب، ويضاعف العقاب إذا ما حصل ارتفاع بالأسعار ، وخصوصًا المواد الأساسية من الطحين والوقود والسكر والزيت. ومن صور الحماية الجنائية للمستهلك حمايته من جرائم السطو على أرقام البطاقات الائتمانية، فالاستيلاء على بطاقات الائتمان عبر الإنترنت أمر ليس صعبًا، فلصوص بطاقات الائتمان مثلا يستطيعون الآن سرقة مئات الألوف من أرقام البطاقات في يوم واحد من خلال شبكة الإنترنت، ومن ثم بيع هذه المعلومات للآخرين، وقد لجأت بعض الشركات والبنوك إلى العمل سويًا لتجاوز هذه المخاطر، كالاتفاق الذي وقع بين مؤسسة هونج كونج وشنغهاي البنكية وهي من أكبر المؤسسات المصرفية في هونج كونج وشركة كومباك للحاسب الآلي، (HSBC) وذلك لتطوير أول نظام آلي آمن للتجارة الإلكترونية، والذي يمنح التجار خدمة نظام دفع آمن لتمرير عمليات الشراء عبر الانترنيت[26].

ومن صور الحماية الجنائية للمستهلك حمايته من جرائم السطو على أرقام البطاقات الائتمانية، فالاستيلاء على بطاقات الائتمان عبر الإنترنت أمر ليس صعبًا، فلصوص بطاقات الائتمان مثلا يستطيعون الآن سرقة مئات الألوف من أرقام البطاقات في يوم واحد من خلال شبكة الإنترنت، ومن ثم بيع هذه المعلومات للآخرين، وقد لجأت بعض الشركات والبنوك إلى العمل سويًا لتجاوز هذه المخاطر، كالاتفاق الذي وقع بين مؤسسة هونج كونج وشنغهاي البنكية وهي من أكبر المؤسسات المصرفية في هونج كونج وشركة كومباك للحاسب الآلي، (HSBC) وذلك لتطوير أول نظام آلي آمن للتجارة الإلكترونية، والذي يمنح التجار خدمة نظام دفع آمن لتمرير عمليات الشراء عبر الإنترنت.

و يلحق الغش كذلك، حالات الغش و التقليد في في مراحل الإنتاج الصناعي و كذلك تقليد العلامات التجارية المضللة للمستهلك، كما قد يمتد كذلك إلى البيانات التجارية، بل و كذلك عند تعبئة و تجهيز المنتج الصناعي نفسه[27].

الفقرة الثانية:  جريمة الاحتيال في التعاقد الإلكتروني

يلجأ المزود عامدًا،  ولأجل الترويج لمنتجاته إلى الدعاية المضللة التي قد تنطوي في بعض الأحيان على مغالطات عملية، بهدف تحقيق أقصى قدر ممكن من الربح على حساب المستهلك الذي تخدعه هذه الدعاية، وجرائم الاحتيال أو النصب يمكن أن تقع عبر الإنترنت، حيث تتمثل الطرق الاحتيالية فيها في صورة الدعاية المضللة لمزايا السلعة، والفوائد المرجوة من ورائها، بحيث تؤدي للاستيلاء على نقود المستهلك.

وتعاقب معظم القوانين في العالم على مختلف الجرائم التي تقع على المستهلك بشكل عام، كما وتعاقب على الجرائم التي تقع بحق المستهلك في عقود التجارة الإلكترونية من خلال تجريم الدخول غير المشروع على مواقع التجارة الإلكترونية والحصول على بيانات المستهلك، وحظر التعامل في البيانات الشخصية أو الإسمية للمستهلك دون إذن،  و الحماية الجنائية للمستهلك في مواجهة مقدمي خدمة الإنترنت في عقد البيع الإلكتروني، وحماية وسائل الدفع الإلكتروني من التعدي عليها في مجال التجارة الإلكترونية، كذلك تسعى أغلب التشريعات الحديثة إلى معاقبة الجاني عند انتهاكه سرية وخصوصية بيانات المستهلك، ومعاقبة الجاني عند التصريح عمدًا ببيانات خاطئة للمستهلك توقع الأخير في غلط في عقد التجارة الإلكترونية، ومعاقبة الجاني عند ارتكابه لجريمة التعدي على التوقيع الإلكتروني، أو البيانات المشفرة للمستهلك، ومعاقبة الجاني أيضًا عند تزويره للمحررات الإلكترونية التي يكون المستهلك طرفا فيها.

و من  الضروري أن تتناول جميع القوانين الحديثة وخصوصًا قوانين حماية المستهلك، وقوانين التجارة الإلكترونية حماية المستهلك بشكل صريح، بحيث تجد هذه التشريعات عقوبات رادعة لمن يستغل المستهلك الذي يمثل الطرف الضعيف في مقابل المحتالين والمجرمين،حيث أن المستهلك لا يقوى على مقاومتهم

 خالد ممدوح إبراهيم ، حماية المستهلك في العقد الالكتروني، دار الفكر الجامعي الاسكندرية، 2008، ص 132. – [1]

– عبد الفضيل محمد أمين، الإعلان عن المنتجات و الخدمات من الوجهة القانونية، مكتبة الجلاء الجديدة،ص 17.[2]

[3] -جامعة القدس المفتوحة، التجارة الإلكترونية، الطبعة الأولى، فلسطين، 2006.عن عبد الله ذيب عبد الله محمود، حماية المستهلك في التعاقد الإلكتروني دراسة مقارنة، رسالة ماحستير في القانون الخاص، كلية الدراسات العليا، جامعة النجاح الوطنية، نابلس، فلسطين،  2009، ص 37.

1-الزقرد أحمد السعيد، حق المشتري في إعادة النظر في عقود البيع بواسطة التلفزيون، مجلة الحقوق العدد الثالث 1999، ص 192،

[5]–  الطعن رقم 1696 و الطعن رقم 1865، جلسة 23/01/2001، المستحدث من المبادئ التي قررتها الدوائر المدنية بمحكمة النقض خلال الفترة من أول أكتوبر 2000 حتى آخر سبتمبر 2001، ص 17، و أيضا طعن نقض مدني رقم 105 جلسة 7/1/1985، أحكام النقض القسم المدني،المكتب الفني ص 1184، عن إبراهيم خالد ممدوح، حماية المستهلك في المعاملات الالكترونية، مرجع سابق، ص 143.

– خالد ممدوح إبراهيم ، حماية المستهلك في العقد الالكتروني، مرجع سابق، ص89.[6]

1- Pierre Desprez et Vincent Fanchoux, Les contrats relatifs à la vente et à l’achat d’espace publicitaire sur  internet ; légipresse ; Mars 1997.

2- Article 11 of international code of fair practice in advertising from the international chamber of commerce.

[9] – أحمد السعيد الزقرد،حق المشتري في إعادة النظر في عقود البيع بواسطة التلفزيون، مرجع سابق، ص 144.

[10] – any advertising which in any way whatsoever, and including its presentetion misleads or is likely to miselead the people to whom it is addressed or whom it reaches or which for these reasons, is prejudicial or is likely to be prejudicial to a competitor. Article 2 of the prementioned directive of september 10.1984.

[11] –  La cour de Versailles, 17 Mai 1978, JCP, 1979 éd C.I.11.1310 ? Cass 18 Mai 1984 B. ceim no,185 JCP.1984         عن خالد ممدوح إبراهيم ، حماية المستهلك في العقد الالكتروني، مرجع سابق، ص152.éd .G.IV.2..

[12] – Art, L, 121/8 du code de la consommation.

[13] – أحمد السعيد الزقرد، حق المشتري في إعادة النظر في عقود البيع بواسطة التلفزيون ،مرجع سابق، ص 146.

[14]– Calais auloy (J), et Steinmetz, droit de la consommation, op, cit, p 122.

[15] – أيوب حسن، فقه المعاملات المالية في الإسلام، ، دار التوزيع و النشر الإسلامية، مصر الجزء الأول، الطبعة الأولى، 1998، ص 137.

[16] – عبد الله ذيب عبد الله محمود، مرجع سابق،ص 48.

– محمد حسين منصور، المسؤولية الالكترونية، منشأة المعارف، الاسكندرية، 2006، ص 117. [17]

1- جاك غستان، المطول في القانون المدني، منشورات الحلبي الحقوقية، ص 719 و 720، عن نضال سليم برهم، أحكام عقود التجارة الالكترونية، 2009، ص 183.

[19] – عبد الفتاح بيومي: حجازي،  حماية المستهلك عبر شبكة الإنترنت، مرجع سابق، . ص. 39

[20] – Article 5.2 de la directive, Rapport du conseil d’Etat précité, p 64.

[21] – خالد ممدوح إبراهيم ، حماية المستهلك في العقد الالكتروني، مرجع سابق، ص122 و 123.

[22] –  ابراهيم الدسوقي أبو الليل، الجوانب القانونية للتعامل عبر وسائل الاتصال الحديثة، بحث مقدم لمؤتمر القانون و الكمبيوتر و الانترنيت، كلية الشريعة و القانون، جامعة الامارات، الفترة 1-3 ماي 2000، ص 3 و مابعدها، عن عبد الفتاح بيومي حجازي، حقوق الملكية الفكريةو حماية المستهلك في عقود التجارة الالكترونية، دار الكتب القانونية مصر 2008، ص 122.

[23] – محمد حسين منصور، المسؤولية الالكترونية، مرجع سابق، ص 158.

1-  محمد السالم عياد الحلبي، شرح قانون العقوبات، الطبعة الأولى، مكتبة دار الثقافة  1997 الأردن،  ص 231 وما بعدها.

[25]  – فؤاد جمال،  الجريمة الإلكترونية، مقال منشور الثلاثاء 27/01/2009 على الساعة 22.30مقتبس من  http://www.tashreaat.com/view_studies2.asp?id=591&std_id=90 عن عبد الله ذيب عبد الله محمود، حماية المستهلك في التعاقد الإلكتروني دراسة مقارنة، ص 95.

[26] – عبد الله ذيب عبد الله محمود، حماية المستهلك في التعاقد الإلكتروني دراسة مقارنة، مرجع سابق ،ص 102.

– عبد الفتاح بيومي حجازي، حقوق الملكية الفكرية و حماية المستهلك في عقود التجارة الإلكتروني، مرجع سابق، 126.[27]

Exit mobile version