Site icon مجلة المنارة

حركة النهضة التونسية من الحكم إلى المشاركة ( قراءة ما بعد الإسلامية )

حركة النهضة التونسية من الحكم إلى المشاركة

( قراءة ما بعد الإسلامية )

ولد باهي بون باحث موريتاني (يحضر للدكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية بجامعة الحسن الأول ـ سطات، المملكة المغربية)

الايميل : bahiboune@gmail.com

ملخص تنفيذي:

تناقش هذه الدراسة التحول الذي طرأ على حركة النهضة التونسية، من حركة دعوية إلى حزب سياسي،  وملامح هذا التحول في الفكر والممارسة.

وتحاول اختبار الفرضية التالية:

إن  حركة النهضة التونسية انطلاقا من لحظة اعلانها عن رغبتها في العمل السياسي في اطار الشرعية، بإنشاء حزب سياسي سنة 1981 وهي تمر بمنعطف ما بعد اسلامي، وذلك من خلال مراجعة الكثير من مقولاتها الدينية وإعادة بنائها بمضامين سياسية متأثرة ببعض الخطابات السياسية الأخرى وبتجربتها الميدانية.

وتخلص الدراسة إلى نتيجة مؤداها أن تحول حركة النهضة من حالة الاسلامية إلى ما بعد الاسلامية لا يعني بالضرورة القطيعة البتة مع ماضي الحركة، كما لا يعني في الآن ذاته الجمود الذي لم يعد من خصائص الحركات الاسلامية بشكل عام بعد أحداث الربيع العربي في العام 2011.

 

أثارت مقولة “الاسلاميون في الدولة”[1] في تونس جدلا واسعا سواء على المستوى النظري أو على المستوى العملي. فعلى المستوى النظري، هناك من رأى في صعود الاسلاميين عودة قوية للديني على حساب المدني وتوظيف السياسي لخدمة الديني بأشكال وطرق متعددة. وعلى المستوى العملي تذهب القوى العلمانية بالأساس إلى ان مثل هذا الصعود جاء على حساب حركة التغيير والانتقال الديمقراطي وبناء الدولة المدنية استنادا الى الاعتقاد بعدم جدية الاسلاميين فيما يتعلق بقبول الديمقراطية اساسا للممارسة السياسية. وفي المقابل رأى آخرون أن “الديمقراطية في العالم العربي بشكل عام لا يمكن ان تنشأ، وإذا نشأت فلن تستمر من دون ادماج الاسلاميين في العملية السياسية”[2]. ومنذ وصول حركة النهضة الاسلامية في تونس إلى سدة الحكم وتباين المواقف من الحركة بين من اعتبر ذلك “فرصة لاختبارها والتثبت من مدى اعتدالها”،[3] وبين من رأى في صعود الحركة إلى مواقع القرار خطرا على الجمهورية وتهديدا للمكاسب الحداثية لتونس؛ فضلا عن الجدل بشكل عام، بخصوص الايدولوجيا الاسلامية وصعودها عبر صناديق الاقتراع إلى سدة الحكم في دولة علمانية مثل تونس. لقد كان ينظر لهذا الصعود على أنه فشل للعلمانيين ولمشروعهم السياسي، وأنه وجب الاعتراف للإسلاميين بقدراتهم التنظيمية وبالقدرة الهائلة لخطابهم في التأثير على مشاعر الناخبين،[4] وبات التساؤل: هل نحن أمام حالة ما بعد إسلامية؟.

لكن المفارقة التي تركتها حركة النهضة في تونس بعد اختبارها في الحكم تركت رجة على مستوى التوقعات بين ما هو معلن على مستوى الخطاب، وبين مخرجات هذا الخطاب في أدائها السياسي، وبخيبة الإسلاميين بعد التمكين لهم وبعد انتقالهم من المنفى والعمل السري داخل الدولة وخارجها إلى العمل السياسي العلني في اطار الشرعية.

تسعى هذه الدراسة للجواب على تساؤل مركب هو: كيف وصلت حركة النهضة الاسلامية في تونس إلى الحكم؟ وكيف تراجعت؟. هل تراجع للاسلامي أم عودة للعلماني؟ وأخيرا، هل يمكن الحديث عن منعرج ما بعد اسلامي في تقاليد وأدبيات الحركة؟. وتفترض أن حركة النهضة التونسية انطلاقا من لحظة اعلانها عن رغبتها في العمل السياسي في اطار الشرعية القانونية، بإنشاء حزب سياسي سنة 1981 وهي تمر بمنعطف ما بعد اسلامي، وذلك من خلال مراجعة الكثير من مقولاتها الدينية وإعادة بنائها بمضامين سياسية متأثرة ببعض الخطابات السياسية الأخرى وبتجربتها الميدانية.

وبما أن مصادر الباحث هنا، هي بالأساس مصادر توثيقية (كتب، دراسات، بيانات، فضلا عن الملاحظة عبر وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي) ونظرا لخصوصية الدراسة، فسنعتمد أداة تحليل المضمون[5] في تناول ملامح تحول  الخطاب السياسي للحركة، وكذلك اسلوب المقارنة باعتباره من أكثر الأساليب الملائمة لغرض البحث في هذا المجال، ولأنه من الصعوبة بمكان دراسة صعود أو تراجع حركة النهضة بمنأى عن تأثيرات الداخل والخارج وبالأساس بعد الانقلاب على الحركة الام في مصر في العام 2013. بناء عليه، ستحاول هذه الدراسة الاجابة من خلال ثلاثة محاور رئيسية، محور أول، ويتعلق بتقديم لمحة تاريخية عن حركة النهضة، ومحور ثاني، يرصد تحولات الحركة من حركة دعوية إلى حزب سياسي، ومحور ثالث، ويتعلق بالممارسة السياسية: من الحكم إلى المشاركة السياسية.

 

أولا : لمحة تاريخية عن حركة النهضة

اختارت الحركة الاسلامية بداية تسمية: الجماعة الاسلامية (1959 ـ 1979)، ثم الاتجاه الاسلامي (1982)، ثم حركة النهضة (1989)، ثم حزب حركة النهضة (2011). وقد ظهرت الحركة لأول مرة في شكل جماعة دعوية أسسها راشد الغنوشي (استاذ فلسفة) وعبد الفتاح مورو (محامي) وعدد من الشباب المتدينين؛ كان هدفها هو احياء الدين من خلال الدعوة إلى اتباع السلف الصالح والسنة النبوية متأثرة في ذلك بجماعة “الدعوة والتبليغ” التي كان لها الأثر البالغ في التحول الكبير الذي عرفه راشد الغنوشي والذي يضيق المجال هنا عن الخوض فيه.[6]

اعتمدت الحركة في بداياتها على حلقات التدريس، وهو أسلوب معروف في أدبيات جماعات الدعوة والتبليغ في تأدية دورها الرسالي يتم في شكل هيئة حلقية يؤطرها ويشرف عليها أحد المشاييخ. يقول راشد الغنوشي بعد عودته من باريس: (سافرت إلى العاصمة وكانت مفاجأتي كبيرة أن رأيت حلقة تدريس تضم شيخا اجتمع حوله بضعة عشرات من الصبية وبعض المسنين، ولفت نظري وجود شاب كان ظاهرة شاذة حسب تقديراتي، تعرفت عليه فقادني إلى حلقة لجماعة التبليغ أنشأها الباكستانيون منذ سنة تضم خمسة أنفار يقومون بالدعوة، كان من بين الخمسة شاب معمم هو الشيخ عبد الفتاح مورو وعرفت أنه كان طالبا في كلية الحقوق).[7] ولكن فيما بعد يبدو أن الفكرة الاسلامية القادمة من المشرق أخذت طريقها إلى الجماعة بشكل جذري ودون هوادة، وكما ظهرت الحركة الأم في مصر كردة فعل على إلغاء الخلافة الاسلامية عام 1924 واعتبر ذلك مؤامرة ضد الاسلام والمسلمين، كانت ردة فعل الجماعة في تونس ضد تيار التغريب الذي سعى إلى تحييد المؤسسة الدينية الزيتونية وتحجيم دورها بالبلاد احتفاء بنموذج التحديث على الطريقة الغربية، فرأت الجماعة العمل على اعادة الاعتبار للهوية العربية الاسلامية ومواجهة تيار العلمنة البورقيبية وصعود الثقافة الفرانكفونية وخطر المد الشيوعي.[8] وفي هذه المرحله بالذات من تاريخ الحركة لا يخفي راشد الغنوشي في كتاباته امتعاضهم من تيار العلمنة والتغريب والخوف من استيلاء التيار اليساري على الدولة وأنهم كانوا يعملون على افشال كل ما يدعوا له اليساريون من اضرابات وأنشطة في الجامعة او في النقابات على اعتبار ان عمل يقوده شيوعيون كفار لا بد بالضرورة ان يقاوم.[9]

لكن بعد احداث انتفاضة العمال والفقراء 1978 والتي اودت بحياة حوالي 400 إلى 500 متظاهر، وفي سياق انتصار الثورة الاسلامية في إيران في العام 1979، وأحداث قفصة عام 1980، عرفت الجماعة الاسلامية تطورا ملحوظا تمثل على المستوى الفكري في الانفتاح والقبول بالآخر بعد مراجعتها لأجزاء هامة من منظومتها الايديولوجية ومقولاتها الدعوية. أما على المستوى السياسي تم الاعلان عن “حركة الاتجاه الاسلامي” بوصفها حركة سياسية.[10] ووجدت الجماعة في تشريع الرئيس الحبيب بورقيبة للتعددية الحزبية (1981) فرصة ملائمة للإعلان عن رغبتها في العمل في اطار الشرعية القانونية بإنشاء حزب سياسي وللتأكيد على ذلك في مؤتمرها الاستثنائي (نيسان/ ابريل 1981) قدمت نفسها كفاعل سياسي مدني يؤمن بالتعددية والتداول على السلطة بالطرق السلمية، وكذلك بدفع العلاقة مع المعارضة في اتجاه التحالف والاعتراف بمكانة المرأة[11] ودخلت في حوارات مع ابرز الطيف السياسي خصوصا حركة الديمقراطيين الاشتراكيين والحزب الديمقراطي التقدمي بزعامة أحمد نجيب الشابي وعدد من وجوه اليسار البارزين في البلد.

احتفلت سنة 1980 لأول مرة بعيد العمال في اكبر المساجد في تونس وألقى راشد الغنوشي محاضرة حول طبيعة الملكية الزراعية في الاسلام، وكذلك في العام الذي تلاه (1981) ألقيت محاضرات حول حقوق العمال في الاسلام في كافة المساجد في تونس، وعندئذ أدركت الدولة التي لم تكن تعير للحركة أي اهتمام ما تمثله من خطر في التمدد أفقيا في المساجد والمجتمع التونسي، ولم تمض سوى فترة قصيرة تقدر بشهرين وبضعة ايام حتى تمت ملاحقة قادة الحركة واعتقال زعاماتها ومحاصرة انصارها وتم الزج بالمئات منهم في المعتقلات وحكم على زعيمها راشد الغنوشي بالإعدام.[12]

افرج عن قيادات الحركة (الاتجاه الاسلامي) بعد الانقلاب الأبيض على الحبيب بورقيبة الذي قام به وزيره الأول (زين العابدين بن علي) بمساعدة من قائد الحرس الوطني الجنرال (حبيب عمار) ومدير الحزب الدستوري (الهادي بكوش) في7/ 11/ 1987.[13] ودخل نظام بن علي في حوار مع الحركة لاحتوائها واشركها في صياغة الميثاق الوطني الذي وقعت عليه 7 نفمبر/ تشرين الثاني 1988 إلى جانب عدد من الأحزاب السياسية المرخصة في البلد. وفي مسعى من الجماعة للحصول على الترخيص القانوني غيرت اسمها مرة ثانية إلى “حركة النهضة” عام 1989 وتقدمت بطلب الترخيص لكنه قوبل بالرفض فتوترت العلاقة بين الجماعة والنظام وخصوصا بعد انتخابات ابريل/ نيسان 1989 التشريعية التي سمحت للجماعة بالظهور كقوة سياسية مؤثرة بعد أن حصلت على نسبة 13 في المائة من الأصوات عبر تقدمها في  لوائح مستقلة؛ ما جعل الحزب الحاكم يستشعر خطر اتساع شعبيتها في صفوف الطبقة الوسطى وبشكل خاص في أوساط الطلبة فعمد إلى التضييق عليها بداية من احداث 1991 واتهامها بالوقوف وراء التخطيط لانقلاب فكانت النتيجة المواجهة بين اجهزة الامن وأتباع الجماعة وقيام النظام بحملة واسعة استهدفت قادة الجماعة والزج بالآلاف منهم في السجون وهكذا دخلت مرحلة جديدة وضعت حدا لحضورها في الداخل التونسي بسبب الملاحقات والأسر والمنفى.

استطاعت الجماعة/ الحركة، بعد محنتها هذه التي استمرت على مدى عقدين ونيف من الزمن أن تطور مقولاتها السياسية في المنفى حول الدين والدولة والمجتمع، ودخلت في عام 2005 في حوار مع اطراف رئيسية في المعارضة التونسية، بموجبه فكت الحصار الذي فرضه عليها النظام، وبلورت من خلاله ما يسمى بوثيقة 18 أكتوبر/ تشرين الأول حيث تم الاتفاق فيها مع عدد من الاحزاب العلمانية (الحزب الديمقراطي التقدمي، وحزب العمال الشيوعي التونسي) على جملة من اللوائح المتعلقة بالحريات والمساواة بين المرأة والرجل وتداول السلطة، ما مكنها من العودة من جديد لأداء دورها في المشهد السياسي وإن بقيت من دون أن تحصل على الترخيص القانوني إلى أن انتفض الشعب التونسي على نظام بن علي عقب ثورة 17 ديسمبر/ كانون الاول 2010 وفر بن علي وحاشيته من تونس في 14/ 1/ 2011.

وهكذا يمكن القول أن الفكرة الاسلامية كما تبلورت عند الجيل المؤسس عرفت تحولا سواء على المستوى النظري، من فكرة دعوية إلى سياسية مناضلة تقول بالخصوصية التونسية وعلى المستوى التطبيقي، من المسجد إلى المجال العام، أي من الجماعة إلى الحزب، وهذا ما يظهر قبول الكثير من الواقعية السياسية التي فرضتها الدولة الحديثة. لقد ساهمت حقبة المنفى في تطوير مقولات الحركة السياسية (موقفها من الحريات ومن المرأة والتداول على السلطة..)،[14] ما أهلها بعد 14 يناير/ كانون الثاني 2011 لأن تتصدر انتخابات 23 اكتوبر/  تشرين الأول ب (89 مقعد من اصل 217 مقعدا) وتشكيل حكومة ائتلافية جمعت علمانيين وإسلاميين لأول مرة في تاريخ تونس المعاصر، وفي انتخابات 2014 في حازت على المرتبة الثانية مع تراجع في حدود المشاركة في الحكومة والبرلمان.

ثانيا : حركة النهضة بين الاسلامية وما بعد الاسلامية

ال ((ما بعديات)) أو ((النهايات)) من المفاهيم التي ارتبطت بمُؤلِّف ((نهاية التاريخ والإنسان الأخير))[15] ووسمت الثقافة المعاصر بنرجسيتها البلاغية، ما بعد الحداثة، ما بعد الحرب الباردة، ما بعد الاسلامية وغيرها، كما أغرت من قبل بشكل عام، ال ((ماورائيات))، ما وراء الطبيعة، ما وراء المنهج.. إلخ وذلك بمعنى ((ما قبله)) من غيب أو مسلمات فلسفية،[16] ونقيضها ال ((ما بعده)) التي تشير إلى نهاية مرحلة وبداية أخرى، أو إلى تحولات داخل الظاهرة بتعبير آخر.

أما ((ما بعد الاسلامية))، فهي ككل مصطلح ما بعدي تتسم بصعوبة التعريف وبالتضخم في التداول. وقد استخدمها بعض الباحثين مثل الباحث الايراني الأصل آصف بيات والباحث الفرنسي أوليفييه روا في وصف تحولات الحركات والتنظيمات الاسلامية؛ وفقد خلص بيات إلى اعتبار ما بعد الاسلاموية مرحلة “ليست ((ضد الاسلام)) ولا هي علمانية بالضرورة، بل تُعيد تعريف المشروع الاسلامي وتنقده وتطور أجنداته ودينامياته وقد تتلاقى مع الحركات القديمة او تفترق عنها، كما تتنوع فيها صيغ التدين وصوره.[17] أما روا فقد استخدم المصطلح للإشارة إلى نهاية مرحلة الاسلام المقاتل وبداية مرحلة جديدة تبنى فيها الاسلاميون الانتخابات بدل الرصاص؛[18] ولعل هذا التحديد ما قصده بالدراسة والتحليل الباحث المغربي امحمد جبرون وما انتهى اليه عندما يقرر أن ((الاسلاميون في طور تحول))، ويعتبر ذلك حقيقة سياسية وفكرية وحكم واقعي من خلال رصده لما أطلق عليه ((ديالكتيك)) الفكر والواقع في المشروع الاصلاحي لدى الاسلاميين المعتدلين انطلاقا من موضوعة الديمقراطية.[19] بيد أنه لا يمكن فهم تحولات ما بعد الاسلامية المشار إليها من دون الرجوع لنقيضها المنطقي وهو ايديولوجيا الاسلامية التقليدية، وهذا ما نسعى له من خلال، (أ) حركة النهضة والخطاب الإخواني بداية، ومن ثمة البحث في ملابسات التوجه الجديد من خلال (ب) حركة النهضة وخطاب التونسة.

أ : حركة النهضة والخطاب الاخواني

عندما نتعامل مع الخطاب الاخواني أو أي خطاب آخر، فنحن نتعامل أساسا مع ((مجموعة من النصوص))، والنص كما يقول الجابري رسالة من مرسل إلى متلقي وهذا هو: الخطاب عندما يعلن عن نفسه في بناء من الأفكار.[20] بيد أن معنى الخطاب يقودنا منهجيا إلى التمييز بين الخطاب الذي قد يأخذ شكل ((منظومة من الرسائل الايديولوجية الموجهه)) وبين الفكر ((كمنظومة من المعارف)) بتعبير عبد الاله بلقزيز.[21] ومثل هذا النوع من الخطابات الموجهة تندرج الخطابات الدينية التي توظف السياسية او الخطابات السياسية التي توظف الدين، وقد رصد برهان غليون ثلاثة انماط لهذا النوع من الخطابات وهي: الخطاب الشمولي للجماعات الاسلامية الجهادية وغيرها، وخطاب الدولة، وخطاب العلمانيين، وكلها توظف الدين بشكل او بآخر.[22] وعلى هذا النحو الذي يرى الجابري أنه اكتسى طابعا سجاليا صريحا او غير صريح بين الدارسين والمهتمين افقدهم الكثير من الموضوعية[23]، يمكن النظر في موضوع الاسلامية وما بعد الاسلامية، تأسيسا على افتراض ان الجماعات الاسلامية بشكل عام هي الأكثر تلونا بالفكر الاسلامي لا لكونها تطالب بتطبيق الاسلام في الحياة والسياسة، وإنما لكونها تعتبره المرجعية الشاملة والوحيدة للدولة والمجتمع.[24]

وبناء عليه تسود طروحات تقصي حركات الاسلام السياسي من امكانية التغير والتحول وترجع ذلك إلى ركود الثقافة الإسلامية التي تعبر عنها هذه الحركات على اختلافها وتنوعها: قتالية كانت ام معتدلة. وفي المقابل هناك توجهات تحاول رصد التحولات الطارئة على بنية وسلوكات هذه الحركات تعرف اجمالا بما بعد الاسلامية وتشير بشكل عام إلى نهاية مرحلة الاسلامية التقليدانية وبداية مرحلة أخرى اكثر انفتاحا وأكثر قبولا بالآخر وقيم الحداثة ووسائل التحديث. ومن جهة ثالثة يرى البعض أن جميع الحركات الاسلامية تشترك في ادعاء ما يطلق عليه ((خصوصية التجربة))، فكل حركة من هذه الحركات تتبنى خصوصية لها دون غيرها، وإن كانت في مجملها في مرحلة التأسيس تقر لغيرها بالفضل. فبحسب الدكتور محمد عابد الجابري لم تكن تجربة الحركة الاسلامية الأم في مصر التي خرج من جوفها محمد عبده إلا بذرة من بذور جمال الدين الافغاني لما أودع فيها هذا الاخير من لقاح يعود له الفضل في خروجها إلى النور، وهو الحال بالنسبة للحركة المصرية التي مثلت ((المركز)) بالنسبة للعالم العربي ككل. هذا الادعاء المتعلق بخصوصية التجربة إن صح أنه كذلك، يجد سندا له في مقولة شهيرة لأحد الدارسين المغاربة الكبار في تعليقه على استيراد التجربة المصرية بقوله بأنها: ((لم تنتقل كما هي إلى جميع الأطراف، بل كانت هناك خصوصيات)).[25] وهكذا تدعي جل الجماعات الاسلامية في الاطراف التمايز عن المركز، ففي بلدان المغرب العربي ومن ضمنها التجربة التونسية يسود اعتقاد بأن علاقة هذه الجماعات بتلقي الافكار والتيارات الايديولوجة الوافدة من المشرق لم تكن علاقة الشيخ بالمريد كما في الأدبيات الصوفية المعروفة،[26] وإنما بتعبير أحد الدارسين: ((ما إن يستوطن الوافد من الأفكار والدعوات في الأرض المغربية حتى تنزع عنها لباسها “الخلافي” المشرقي..)) وبذلك تتكيف مع ظروف الأطراف وحاجياتهم الخاصة، فتظهر في صورة جديدة تماما[27] أخذت في المغرب مع علال الفاسي إسم ((السلفية الوطنية)) وفي تونس مع راشد الغنوشي اسم ((حركة النهضة الاسلامية))، وكذلك في الجزائر إسم ((حركة مجتمع السلم)) إلخ.

يحيل ما تقدم إلى مفهوم المراجعة في الخطابات والأدبيات الاسلامية التي لا تجد غضاضة في التنويه بخصوصية التجربة كما تمت الاشارة، بل إن بعض منظريها يذهبون إلى ما هو أبعد من ذلك في القول بأن تجربتهم كانت أكثر تطورا وتقدما من التجربة المركز، ففي مرحلة مبكرة من تاريخ الحركة الاسلامية في تونس يقرره راشد الغنوشي: (( وقد حاولت في ورقة لي (الأصول الفكرية لحركة الاتجاه الاسلامي) أن أجيب عن السؤال: لماذا تبدو الحركة في تونس متميزة ولها بعض الخصوصية؟ ومن أين تأتي هذه الخصوصية؟. وتبدو الاجابة في أن تميز الحركة الاسلامية في تونس وفرادة خصوصيتها في تنوع خلفياتها الفكرية التي تتداخل فيها عناصر ثلاثة هي: التدين التونسي التقليدي المؤسس على المذهب المالكي، والثقافة الاصلاحية المشرقية، والثقافة العقلانية الحديثة.[28] أما بخصوص العوامل التي ساهمت في تطوير فكر الحركة فهي حصرا بحسب راشد الغنوشي تكمن أولا، في تداعيات احداث سنة 1978 بين النقابات والدولة، وثانيا، في الصراع داخل الجامعة بين التيار الاسلامي والتيار اليساري، وثالثا، في حماس تفجير الثورة الايرانية وثقافتها الاسلامية، ورابعا، في تأثير الفكر السياسي والاجتماعي للحركة الاسلامية في السودان. يلخص هذا الكلام بدوره أحد زعماء الحركة البارزين، وهو السيد أحمد النيفر بالقول: ((لم يكن مشروعنا الايديولوجي واضحا، كنا نتحدث في البداية عن القرون الهجرية الأولى ولكن حديثنا كان مجردا للغاية، لم تكن الأمور واضحة لدينا إطلاقا، ولكنها بدأت تتضح عندما دخل الفوج الأول من الطلاب المنتمين إلى تيارنا إلى الجامعة، فاحتكوا بالطلاب الذين تم تكوينهم بطرق مختلفة في مجموعات اليسار .. وابتداء من 1977، يمكننا القول بأن الأوضاع قد انقلبت، أصبحت الجامعة قاطرة الحركة .. في عام 1977 لم يكن سوى النواة المركزية التي كانت تخطط برئاسة راشد الغنوشي فيما ينبغي عمله في هذا المسجد أو ذاك، لم يكن لدينا هياكل حقيقة، ولم تتم عملية الهيكلة إلا بانضمام العناصر الجامعية إلى حركتنا، فهم الذين طالبونا بالتغيير)).[29]

وتذهب بعض البحوث الاجتماعية التي أجريت حول الحركة إلى أن معظم مناضلي الحركة كانوا ينتمون إلى شرائح اجتماعية حديثة (طلبة، مدرسون،  موظفون، تجار، حرفيون)، وتشير هذه البحوث إلى أن هؤلاء كانوا من خرجي الكليات العلمية والمعاهد التكنولوجية، في مقابل عدد ضئيل من خرجي المعاهد القانونية والأدبية. وهذا التعدد والتنوع الثقافي والعلمي تطلب من قيادة الحركة خطابا منفتحا، فلم يعد المجال يتسع لترديد الوعظ الديني التقليدي أمام طلبة العلوم الحديثة، رغم الحاجة الماسة لملء الفراغ الديني، وإنما تطلب ذلك تجديد للخطاب والانفتاح على فضاء العلوم الحديثة والتشبع من ثقافتها.[30] بما يجعل أحد الدارسين لمسار حركة النهضة  يعتبرها حالة نموذجية تجاوزت العديد من المراحل التي لا تزال تيارات الاسلام السياسي مكبلة بها، فعلى مستوى الخطاب تقدم الحركة نفسها باعتبارها الوريث الشرعي لقوى الاصلاح والتغيير في تونس، وتسعى لمنازعة النظام السياسي والأحزاب السياسية  على الارث الاصلاحي وعلى تراث الحركة الوطنية بشكل عام.[31]

هذا التوجه دفع بالحركة إلى استيعاب الكثير من المقولات الجديدة وإلى مراجعة الكثير من مقولاتها التقليدية حول طبيعة الصراع في الداخل والخارج، يقول راشد الغنوشي: ((عندئذ فقط تنبهنا إلى المسألة الاجتماعية، مسألة الفقراء، وشعرنا أن هناك صراعا آخر في المجتمع غير الصراع العقائدي بين الشيوعية والاسلام، صراع آخر لا يقل أهمية عنه، هو الصراع بين فقراء معدمين مستغلين وبين فيئة قليلة متحالفة مع الدولة، بل هي الدولة)).[32] ورغم تتلمذ حركة النهضة على حركة الاخوان في مصر وتأثرها بالخطاب الاخواني وبالثورة الاسلامية في ايران والحركة الاسلامية في السودان وكذلك في الجزائر إلا أنها كثيرا ما تؤكد في بياناتها وفي خطابات قادتها على إعمال النقد الذاتي داخل الحركة وعلى المراجعة الفكرية لكل الادبيات المستوردة بل وإعلان التمرد والثورة أحيانا على بعض تلك الادبيات. ولعل الوعي بخطورة الصراع الثقافي والاجتماعي الذي عمقته دولة الاستقلال ولعبت فيه النخب الفكرية أدوارا أساسية كان الهاجس الكبير لدى مؤسس حركة النهضة السيد الشيخ راشد الغنوشي وهو يقول بالحرف معترفا، بأن: “النتاج الثقافي أهم مكون لهوية هذا القطر وخصوصياته”، أي تونس، وينتهي إلى نتيجة أن: “الصراع في العمق ليس بين تيار تحديثي وتيار تقليدي محافظ، بقدر ما كان صراعا بين مشروعين للتحديث، مشروع يقوده تيار التغريب ما كان منه معتدلا وهو الغالب ولكن من دون الوعي بعمق المعركة أو ما كان متطرفا وبوعي كامل بعمق المعركة، وبين تيار التعريب حيث لا يرى التيار الأول طريقا لدخول البلاد في العصر من دون تهميش الاسلام أو في الأقل تطويعه للقيم الغربية، ولا سيما لدى القسم المتطرف بقيادة بورقيبة الذي لم يكن يرى في الاسلام غير عقبة في طريق التطور لا مناص من إزاحتها بآلية من آليات الإزاحة: البتر، القطع، التفكيك.[33]

من هذا المنطلق فإن الخطاب الاخواني كما هو معلن، وإن شكل رافدا معرفيا بالنسبة لحركة النهضة فليس الخطاب الوحيد والأوحد وإنما تبدو هيمنة وقوة خطاب التونسة في تجاوز لما هو عقدي إخواني إلى ما هو سياسي واجتماعي ووطني أكثر اغراء خصوصا عندما يتعلق الأمر بهوية تونس العربية والاسلامية وبفرادة الخصوصية التي تتبدى “سياسيا” في افراغ الخطاب الاخواني من كل محتوى يفيد الاتباع والتقليد دون الخوض في تفاصيل ذلك أو بالمساس بالمرجعية الاسلامية.

ب : حركة النهضة وخطاب التونسة

كثيرا ما يتهم الاسلاميون بالسلبية في نظرتهم إلى فكرة المواطنة في فكرهم وأدبياتهم واهتماماتهم. وذلك نظرا لتماهيهم مع الفكر الشمولي ورابطة العقيدة انطلاقا من مقولة السيد قطب إن عقيدة المسلم هي جنسيته، ومن تقسيمه للمجتمع بين جماعته والباقي جهالة، وهو ما يسمح للبعض باتهامهم بالتقوقع في اطار الهوية التنظيمية الضيقة والعزلة عن باقي طوائف المجتمع وعدم الاعتراف بالهوية الوطنية لكونهم مسلمون أكثر من مواطنين،[34] وبشكل عام رفضهم لدولة الاستقلال شكلا ومضمونا. لكن هذا التحليل من وجهة نظر البعض الآخر يناقض بعضه البعض، فالملاحظ من متابعات الجماعات الاسلامية، هو الهوس بالهوية الوطنية على صعيد الخطاب والممارسات، وكذلك على صعيد التصريحات في وسائل الاعلام وخطابات المسؤولين كلها تدل على طغيان الهوية الوطنية.[35] وسبقت الاشارة إلى أن جل الجماعات الموسومة بالإسلامية تعلن عن خصوصيتها الخاصة، وكيف أنها تختلف عن بقية الجماعات الأخرى، وهذا ما يمكن ملاحظته في الحياة اليومية لهذه الجماعات وحتى داخل البلد الواحد الذي قد يحتضن أكثر من جماعة تطلق على نفسها إسم حركة إسلامية.

يرصد أحد الدارسين هذه الخاصية في ملاحظته أن أغلب الجماعات الاسلامية بما فيها الأكثر تشددا تعلن عن تمسكها بالقيم الكونية وأخوة الدين، وبهذا الخصوص قد يتهم بعضها البعض الآخر بالانحراف عن المنهج الصحيح للدين. يرى الباحث المختص عبد الوهاب الأفندي بأن الحركات الاسلامية رغم نشأتها تحت مظلة ((كونية)) لم تطور أي أجندة ذات بعد خارجي. ويقدم أمثلة على ذلك من خلال متابعته لتجارب في العالم العربي والاسلامي، مثل الحزب الاسلامي الماليزي، والجماعة الاسلامية في مصر، وجماعة العدل والإحسان في المغرب. وفي نظره حتى الجماعات القتالية العابرة للدول مثل تنظيم القاعدة، أو حركة الجهاد المصرية، أو القاعدة في اليمن، أو جزيرة العرب، أو المغرب العربي، كانت رغم تطرفها تكفيرية أم جهادية: ((تتحرك في معظم الأحيان من منطلقات وطنية)).[36] هذا الهوس بالهوية الوطنية حتى لدى الجماعات ذات التوجه الأممي لا شك أن جذوره تعود لسببين على أقل تقدير، السبب الأول هو تأثير مشاعر المقاومة والتحرر من اهل الكفر وأعوانهم. والسبب الثاني هو هيمنة ايديولوجيا الدولة الوطنية، فالدولة الوطنية لم تعد مرفوضة لكونها دولة ضد الأمة أو ليست دولة الأمة، وإنما لكونها دولة لا تحكم بما أنزل الله وتتعامل مع أهل الكفر وتطبق قوانينهم. وهكذا طيلة الفترة الاستعمارية ظل هاجس الخوف من طمس الهوية العربية والإسلامية في كل البلدان العربية واردا ومنها على وجه الخصوص تونس التي ظلت مستهدفة على امتداد الفترة (من العام 1881 وحتى الاستقلال في العام 1956) في انتمائها العربي والإسلامي؛ ويزداد الأمر تعقيدا في نظر البعض عندما يبحث في حقيقة أن الاستعمار في تونس ((قام على ارض لم تعرف مفهوم الوطن، كما بات متعارفا عليه لاحقا)) ذلك أن الدولة كانت عبارة عن ولاية عثمانية تتقاسم المنافع فيها العائلة الحاكمة باسم السلطان، وقد كانت الرابطة المشتركة هي رابطة الاخوة الدينية الاسلامية وهي رابطة بدت جنينية في البداية، قبل أن تتحول إلى نوع من الانتماء العربي الاسلامي.[37]

ولا شك أن موقف بورقيبة من الهوية الاسلامية لتونس لم يكن واردا، وكذلك موقفه من العروبة الذي لم يكن في حدوده القصوى أكثر من تطبيع، فهو لا يتوانى عن الاعتراف بانتماء تونس إلى الامة العربية، وفي مقابل ذلك، فهو صاحب المقولة الشهيرة: ((إن ما يربطنا بالعرب ليس إلا من قبيل الذكريات التاريخية، وإن مصلحة تونس أن ترتبط بالغرب، وبفرانسا بصورة أخص، وإن مرسيليا أقرب لنا من بغداد ومن دمشق والقاهرة، وإن اجتياز البحر الأبيض المتوسط لأسهل من اجتياز الصحراء الليبية)). ولكي يؤكد بورقيبة على  هذا التوجه، يرى في الانتماء القطري لتونس هوية قائمة بذاتها: ((الوطن التونسي لا الوطن العربي، لأن تونس لها شخصيتها منذ آلاف السنين، منذ عهد قرطاجة، أما العرب فيشكلون عدة أمم، وهو ما يؤكد انقسامهم إلى عدة دول))، ويصب في هذا الاتجاه آراءه بخصوص اللغة العربية التي يضعها في المرتبة الثالثة بعد الفرنسية والعامية.[38] أما موقفه من الاسلام، فقد ظل متأرجحا بين التطبيع والمواجهه، فخلا الفترة الممتدة  من سنة 1934 إلى سنة 1956، لم يتصادم مع الاسلام، بل كان يوظف الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في نشاطه السياسي، حتى إنه كان من دعاة تحجب المرأة، ودأب على هذا النهج في الكثير من المناسبات الدينية مثل المولد النبوي الشريف، وفعل ذلك في استقباله للملك فيصل في تونس في سنة 1966 عندما صرح قائلا إن الاساس الذي قامت عليه الدولة التونسية بعد الاستقلال هو الاسلام. لكن مرحلة المواجهه ستبدأ مع الاستقلال، وفيها يسخر من الصلاة، ويدعو إلى التخلي عن الحج والصوم ونزع القدسية عن الانبياء والرسل ويشكك في القصص القرآني..إلخ. وفيها حل مؤسسة الأوقاف واعتبر عقارات الزوايا ملكا عاما للدولة بعد أن حول بعضا منها إلى مقرات للحزب الحاكم أو مستوصفات ونوادي.[39]

وهكذا كما كان لجامع الزيتونة وطلابه، وكذلك قادة الحركة الوطنية في تونس من مفكرين وسياسيين على تعدد توجهاتهم واختلاف مشاربهم الدور البارز في الدفاع عن الهوية العربية والاسلامية لتونس، و في دولة الاستقلال ظهرت الحركة الاسلامية (الاتجاه الاسلامي، النهضة) كمكون فاعل في حراك الهوية تندد بمزاعم الفرانكفونيين وتيار التغريب الذي يتزعمه بورقيبة ووريثه الشرعي بن علي وإن ظل توجه الحركة في بداية ظهورها يغيب الانتماء العربي بسبب الخلفية الاسلامية التي قادتها إلى النظر إلى العروبة على أنها نوع من “العصبية المقيتة” يجب الابتعاد عنها؛ ولعله من الأهمية بمكان التذكير بالصراع الذي كان دائرا في إبانه بين التيارات القومية والحركات الاسلامية، وبالأساس بين جمال عبد الناصر وحركة الاخوان المسلمين في مصر.

إن ميلاد فكرة التونسة كما هو واضح من تاريخ الحركة الاسلامية في تونس كان يتماهى مع مقتضيات الأسلمة ورد فعل مباشر على تيار التغريب الذي تتهمه بطمس أهم مكونات الهوية التونسية وهي الاسلام، فجاءت الدعوة إلى التونسة بهذا المعنى خالية من مضامين العروبة ومحافظة على الاسلامية.[40] بيد أن ما يشبه فقه المراجعة الذي ستتبناه الحركة الاسلامية مع التوجه ما بعد الاسلامي المشحون بالبرغماتية السياسية سيدفع بميلاد ثان لفكرة التونسة، وهذه المرة كمرادف للوطنية أو الوطن أو لما هو عقلاني وحداثي، وهذا ما تشدد عليه في خطابها السياسي منذ الترخيص لها كحزب سياسي يخضع لقانون الاحزاب التونسية في العام 2011 ويرفض وصفه بالحركة الاسلامية. كان ذلك واضحا في مؤتمر الحركة العاشر 2016 الذي أرادت من خلاله أن ترسم مستقبل الحزب وواقع البلاد السياسي والاجتماعي والأمني،[41] وهي المرة الأولى التي تعد فيها الحركة العدة وبشكل علني غير مسبوق وتسعى للاضاح والرد على الكثير من الاتهامات الموجهة لها وخصوصا فيما يتعلق بالدعوات إلى “التونسة” أو الاتهامات بشأن “الاخونة” لتعلن في وثيقتها المقترحة على المؤتمر العاشر تمسك الحزب، ب:

فضلا عن تبني مجموعة من القيم والمبادئ، مثل الحرية والكرامة والعمل والعدل والتسامح والشورى والتكافل والوسطية والاصلاح والامانة.[42] لكن دراسة حديثة ترى بأن خظاب “التونسة” كما هو معلن محكوم بضغوطات فكرية وملتبس جاء فيها ما مضمونه أن مجرد: (الحديث عن المُراجعات في باب البنية الفكرية والرّوافد والمرّجعيات والمبادئ حديثا عاما وفضفاضا، لا يطرح قضية بعينيها ولا يُورط نفسه في التفاصيل لذلك، فإن المُهيمن على الخطاب في خصوص المسائل المعنية هو الّلغة الفضفاضة، التي لا تعكس التزامات صريحة). وتضيف أن: (حركة النهضة لم تتخل عمّا هو مبدئي في فهم البدايات للإسلام ولكيفية تصورها الشمولي والأصولي للواقع). وتستدل الدراسة على ذلك بحادثة تسريب الفيديو الذي يظهر فيه رئيس الحركة الشيخ راشد الغنوشي مع عدد من السلفيين، وهو يدعوهم إلى ضرورة التعاون من أجل المشروع الإسلامي في تونس.[43]

هكذا تبدو مسألة التونسة في خطاب حركة النهضة (حزب حركة النهضة) خطابا ملتبسا لتجاذبه بين مشروعين، مشروع عام تمثله توجهات الحركة الاسلامية، وهو مشروع فوق الاحزاب والمنظمات والدول. ومشروع سياسي يتكئ على الواقعية السياسية ويتخذ من الممارسة منهجه ومنطلقاته وفقا لقاعدة “السياسة فن الممكن”، أو لقاعدة “الممارسة المنتجة للأفكار”.[44] هذه الازدواجية البارغماتية في الخطاب ((الأخونة والتونسة)) جعلت من خطاب التونسة خطابا محكوما بالمصلحة السياسية أولا، وثانيا، من توأمه الاخواني مصدر للشرعية الدينية، في زمن هيمنة السياسية.

ثالثا : حركة النهضة بين تجربة الحكم والمشاركة السياسية

في دراسة قيمة للباحث السعودي نواف بن عبد الرحمن القديمي معنونة: “الاسلاميون وربيع الثورات الممارسة المنتجة للأفكار”. يخلص إلى نتيجة مؤداها “أن الثورات العربية ستحدث تحولا كبيرا في المفاهيم والأفكار في الفضاء العربي، ابتداء من لغة رجل الشارع البسيط وحتى أكثر مراكز البحث العلمي جدية وتعمقا، ويتنبأ ب: “تفكيك مناطق التأزم في فكر الجماعات الاسلامية، والدفع باتجاه العلمانية.[45] وقد يكون من البديهي القول إنه لا يمكن الحديث عن كتلة واحدة اسمها “الاسلاميون” فالتباينات الفكرية والسياسية على الأقل لا تسمح بذلك، كما أن نسبية الاستعداد للتطور ومراجعة الأفكار تتفاوت من جماعة إلى أخرى رغم اشتراك الجميع في مرجعية واحدة، ويمكن ملاحظة ذلك بسهولة في تباين المواقف حول أغلب القضايا المصيرية. فكما يذهب أحد الدارسين فإن بعض الجماعات الاسلامية أثبت امتلاكه للقدرة الفائقة على استيعاب دروس المحنة وتجنب المخاطر، بينما ظل البعض الآخر في سبات عميق قابل لأن تجرفه عن آخره أول كارثة تحصل يقول: “بينما يستطيع بعض هذه التنظيمات مراجعة مواقفه لتجنب تراجع موقفه، وسعيا للحفاظ على حضوره، يفتقد بعضها الآخر هذه القدرة حتى حين يكون في أشد الحاجة إلى مراجعة محدودة لتجنب كارثة. في الاشارة إلى التجربتين المصرية والتونسية واصفا الأخيرة بعدم استيعاب الدرس لثلاث مرات على التوالي: عام 1948، وعام 1954، وفي المرة الأخيرة في العام 2013 ما يدل على جمود التنظيم وعدم قابليته للتطور.[46]

ومنذ وصول حركة النهضة إلى الحكم في العام 2011، وخلال السنوات الخمسة الماضية من عمر الثورة التونسية تميزت الحركة بمجموعة من الخصائص يمكن ملاحظتها من خلال، أولا، تصدر الحركة نتائج انتخابات 23 اكتوبر 2011 ((89 مقعدا)) بما أهلها لرئاسة حكومة “الترويكا” التي ضمت علمانيين واسلاميين، مع أن رئاسة الدولة كانت من نصيب منصف المرزوكي المستقل. وثانيا، عبرت نتائج انتخابات 2014 الرئاسية والبرلمانية عن عودة رموز العلمانيين إلى الدولة، وتراجع الحركة في البرلمان ((69 مقعدا)) ولم تشارك كذلك في الانتخابات الرئاسية واكتفت بإعطاء الحرية للمنتمين لها ودعوتهم لاختيار الشخصية المناسبة التي ستقود المسار الديمقراطي وتحقيق أهداف الثورة حسب تعبيرهم. بما يعيد النظر في مقولة (أ) صعود حركة النهضة والفشل العلماني، وهل (ب) تراجع حركة النهضة تراجع اسلامي؟.

أ : صعود حركة النهضة والفشل العلماني

منذ هزيمة 1967 والأوضاع العربية في تدهور، ولقد أثبتت تلك الهزيمة المرة بما لا يترك مجالا للشك فشل السرديات الكبرى: النهضوية والتحررية والقومية. ذلك أن مشروع النهضة على امتداده ظل مشروعا حالما بعيدا كل البعد عن الواقع على النحو الذي يصفه عبد الله العروي، بأنه ظل ينظر إلى المستقبل في الماضي، ولم يسلم المشروع التحرري والقومي والإسلامي من تلك الطوبى كما نلمس بجلاء في أدبيات الجابري. وإذا كان الخطاب النهضوي في حنينه إلى الماضي فشل في تحقيق النهضة المنشودة، فلا أحد ينكر أن الخطاب التحرري والقومي بعد الاستقلال وولادة الدولة الوطنية أثبت فشله في تحرير فلسطين والوحدة العربية؛ بيد أن ذلك لا يعني أن المشروع الاسلامي تحقق بالفعل كما نظر له رواده الأوائل بسبب المحنة. إن فشل هذه المشاريع في تحقيق آمال وتطلعات الشعوب العربية، بل وانقلاب تلك المشاريع ضد ارادة الشعوب في كثير من الأحيان، هو ما حول أزمة الدولة الوطنية إلى “محنة” شأنها شأن المحن الكثيرة التي ابتلي بها فقهاء وفلاسفة عرب ومسلمون على امتداد التاريخ العربي والاسلامي.[47]

ولقد خلقت هذه الأوضاع الدراماتيكية من وجهة نظر الدكتور عبد الاله بلقزيز ((حالة الفراغ القيادي))[48] وفقدان البوصة، وفي هذه الاثناء بدأت موجة الربيع العربي في العام 2011. والذي بدأ بإسقاط بعض الانظمة الاستبدادية وانتهى بحسب البعض إلى “ربيع الدم والأمل”،[49] مرورا بصعود غير مسبوق للحركات الاسلامية عبر صناديق الاقتراع ووصولها إلى السلطة.

هناك عدة تفسيرات لما حصل. فالبعض يقول بحالة الفراغ القيادي التاريخية (أربعين سنة من فقدان الشرعية)؛ وهناك من يرجع الأمر إلى فشل المشروع العلماني الذي ورث دولة ما بعد الاستعمار وسمح للجماعات ذات التوجه الديني (الاخوان والسلفية) بالخروج من القمقم؛ لكن التفسير الأبرز لصعود الحركات الاسلامية التي كان ينظر لها باعتبارها خطرا ظلاميا، هو ما يقوم على فلسفة المظلومية أو المحنة. لقد كان تاريخ الحركات الاسلامية ومنها حركة النهضة تاريخا من الاقصاء والتهميش والقمع والاستبعاد السياسي، بل ولعل كل القوى المعارضة كانت كذلك في العالم العربي، وهو ما كان له الأثر الكبير في التعاطف الشعبي والفوز الكاسح بعد أحداث العام 2011، وإن وجد من يرجع ذلك إلى الأمية والفقر واستغلال المشاعر الدينية من أجل التصويت وأن تلك الديمقراطية التي جاءت بالإسلاميين لا تعدو أن تكون انقلاب على الديمقراطية. من وجهة النظر هذه يكون الأداء الانتخابي للجماعات الاسلامية ومنها حركة النهضة التونسية في العام 2011 وما بعده: “لا يمثل صعودا للإسلاميين بقدر ما هو تعبير عن فشل النخب العلمانية في تقديم بديل سياسي واقتصادي وأخلاقي من الفكرة الاسلامية.[50] ولعل هذا ما قصده أحد الدارسين في تحميله لنخب ما بعد الاستعمار العلمانية مسؤولية صعود هذه الجماعات، التي يرى أنها تمت على خلفية تمرد المجتمع على النخب القديمة التي خبرها لعقود؛ أو ربما أملا في الخلاص الديني بحسب هذا التفسير؛ وأن هذا الصعود للجماعات الاسلامية: ((أثبت في الايام القليلة أنها هي الورثة الجشعة لنخب ما بعد الاستعمار. ويخلص إلى النتيجة التالية: ((إذا كانت نخب ما بعد الاستعمار قد توحدت مع الوطن وتصورت أنها تملكه، فإن النخب الوسيطة قد استباحت الوطن وحاولت استملاكه))،[51] وهذا ما عجل بسقوطها.  لكن مجمل هذه التفاسير المتعلقة بالعلمنة أو الأسلمة لا تبدو منسجمة مع التوجه ما بعد الاسلامي الذي يرى أن توظيف الدين لم يعد من اختصاص الجماعات الاسلامية لوحدها وإنما اصبح يشترك في ذلك الجميع.[52]

وهكذا منذ ثورة (17 ديسمبر 2010/ و14 يناير 2011) عرفت تونس فترة انتقالية صعبة، كان الطابع العام هو الشعور بالخوف من المستقبل بسبب الفراغ الذي خلفه الرئيس بن علي بعد رحيله. وفي هذه الظروف ترأست حركة النهضة حكومتين بناء على نتائج الانتخابات التي أفرزتها صناديق الاقتراع قبل أن تتخلى عن رئاسة الحكومة وتبقي على المشتركة. لقد كان انتخاب اعضاء المجلس التأسيسي 23 اكتوبر 2011 استحقاقا تاريخيا لتونس جسد أول تجربة في تاريخ تونس الحديث نحو الانتقال الديمقراطي، مارس فيها الشعب حقه في اختيار ممثليه بشكل عادل ونزيه وتصدر الاسلاميون لأول مرة المشهد السياسي بعد فوزهم بأغلبية المقاعد (89 من اصل 217 مقعدا) وانصرفوا إلى تشكيل حكومة ائتلافية جمعت علمانيين وإسلاميين في تحالف سياسي عرف بالترويكا. وقد أشاع هذا الفوز لحركة النهضة بالأغلبية نوع من الارتياح لدى البعض واعتبره بدايةً لعهد جديد من التداول على السلطة عبر تحكيم إرادة الشعب من جهة، وفرصة لاختبار الحركة من جهة اخرى. بيد أن البعض الاخر قلل من هذا الامر وذهب إلى أنه قد يشكل خطرا على الجمهورية ومكاسبها الحداثية (حرية المرأة، مذكرة الاحوال الشخصية، والتعددية الثقافية)، وخصوصا: ((أن النهضة ستسعى إلى أسلمة المجتمع بالقوة وإلى إعادة انتاج الديكتاتورية في لبس ديني موظفة الديمقراطية للانقلاب على الديمقراطية.[53]

ومن جهتها دأبت النهضة في الكثير من الاحيان، عبر بياناتها وخطب قادتها على التأكيد على توجهها ما بعد إسلامي. فقد أعلنت في برنامجها الانتخابي للعام 2011 عن رزمة من الوعود التي تعهدت بتنفيذها عند توليها إدارة الحكم منها على سبيل المثال تعهدها:

وجاء في بيان صادر عن الحركة 2012 بتوقيع راشد الغنوشي أن حركة النهضة: ((تجدد تمسكها بمبادئها المعلنة وإقرارها التنوع والحق في الاختلاف ورفضها للوصاية على الاسلام وتمسكها بالعمل المشترك على قاعدة النضال من اجل تحقيق الانتقال الديمقراطي وتجسيد مبادئ الثورة وتحقيق مطالبها)).[55]

يظهر هذا التوجه الما بعد الاسلامي الاقتراب مما يعرف بالعلمانية الاسلامية، والذي لا يجد حرجا في رفض الوصاية على الدين، ونفي أي مخاوف بشأن الحركة داخل الحكم أو خارجه وعن مدى تطلعها وإيمانها بالديمقراطية. ومهما يكن فإن صعود حركة النهضة التونسية لا يمكن فصله عن القراءة ما بعد الإسلامية والتي من ابرز معالمها الاحتكام الى صناديق الاقتراع، والنظام الديمقراطي رغم ما يثار بشأن المرجعية الدينية للحزب.

ب : تراجع حركة النهضة هل هو فشل اسلامي؟

منذ ما بات يعرف بتجمد تنظيم ((الاخوان)) في مصر،[56] ومن موقع السلطة، والحديث عن تراجع الحركات الاسلامية أو بعبارة اكثر راديكالية عن اجتثاثها. في ندوة حملت عنوان: “مستقبل الإسلام السياسي في الوطن العربي”، تطرقت إحدى الأوراق من بين الاربعة الواردة في متن الكتاب إلى ما اعتبرته: ((خسوف الإسلام السياسي: الإخوان المسلمون نموذجا)).[57] لكن هناك حقيقة يعترف بها الجميع، وهي أن الجماعات الإسلامية فاجأت الجميع، قوى علمانية وغيرها في صعودها إلى الحكم، كما فاجأ “ربيع العرب” النخب المثقفة في التنبؤ به حتى اقتحم عليها المكاتب والمنازل والشوارع. بل ولعله بحسب البعض كان: ((صادما للإسلاميين ولغيرهم أن يجدوا أنفسهم فجأة في حضن الدولة التي كانوا في مواجهة معها على مدى عقود، بل تشبعوا بثقافة مواجهتها والتصادم معها))،[58] لكن لا شك أن هذا الأمر موضوع آخر.

أما حقيقة الفشل الاسلامي وإن كان البعض يرى أنه فشل محدود: في السلطة وليس الشعب.[59] يمكن ارجاعه إلى سوء إدارة الاسلاميين بعد التمكين لهم في الدولة الذي يبدو أنه احدث انقلابا في الرؤى والتصورات، فبعد أن ظلت الدولة ذلك العدو اللدود التي تجب مجابهته، نجد الشيخ راشد الغنوشي بعد فوز حركة النهضة يقول: ((لقد انتقلنا من التعبد بمواجهة الدولة إلى التعبد بالدولة وعبرها))، وهو ما يظهر نشوة الاحتفاء بالنجاح وعدم الاكتراث بما يخبؤه المستقبل.[60] ولعل ذلك ما تسعفنا به الخبرة التاريخية، فقد ظل حلم الاسلاميين عبر التاريخ هو اقامة “الدولة الاسلامية”: دولة مجتمع ايديولوجي تتحقق فيه مُثل الاسلام المتصور. على نحو ما يذهب مؤلف كتاب: “ازمة التنظيمات الاسلامية”، الذي يؤكد على أن تجارب الحركات الإسلامية أثبتت فشلها، وأن هذه الحركات مصرة على عدم تصويب اخطائها المتكررة، يقول: ((فيوما ما ارتفعت الامال بإقامة دولة الإسلام في القارة الهندية، فانفصلت باكستان عن الهند ثم تحولت إلى دولة فاشلة ثم انشقت على نفسها فولدت بنغلاديش، وهي دولة فاشلة او توشك، ثم جاءت تجربة افغانستان ووصل المجاهدون إلى الحكم ثم انهارت التجربة لتقوم تجربة طالبان ثم تنهار، ثم ولدت تجربة السودان وانتهت إلى فشل ذريع ثم جاءت الصومال وانتهت الى كارثة ومن قبلها الجزائر… شيء ما يقود إلى النتائج ذاتها)).[61] لقد دفعت الجماعات الإسلامية وغيرها ثمن الايديولوجية باهظا قبل الوصول إلى الحكم وبعده، والملاحظ أنه إذا كانت صناديق الاقتراع أو صلتها إلى سدة الحكم بعد العام 2011، فإن تلك الصناديق بدورها ما لبثت أن هندسة شكل تراجعها في السلطة. في تونس ومنذ الانقلاب العسكري في مصر والحرب الأهلية في ليبيا واليمن ..إلخ، كان ذلك هو القاعدة العامة ثمن الايدولوجيا الباهظ، بل إن هناك عودة قوية لخطاب المحنة والابتلاء وتحميل بعض هذه الجماعات مسؤولية عدم استيعاب درس المحنة وتجنب الكارثة.

وعلى الجانب الاخر أظهرت حركة النهضة التونسية قدرا من الواقعية السياسية من أجل الحفاظ على مكتسباتها، ومرونة في بعض المواقف تجاه الأخطاء والتهم الموجهة لها، والتي من أبرزها التعارض بين  الولاء للجماعة وبين الولاء للحزب السياسي الذي طرح كمأزق أمام الحركة وربما عرضها للحيرة بسبب معادلة الدين والسياسة الصعبة التي لا بد أن تجد طريقها إلى الحل، يقول جلال الورغي: ((ولعل هذه الحيرة جعلت التيار الاسلامي في تونس، لا هو قوة حزبية وطنية مفتوحة لكل التونسيين الراغبين في المشاركة والانخراط في العمل السياسي من خلال حزب النهضة، سواء التزموا بما يلتزم به كل عضو من التيار الاسلامي أم لم يلتزموا لا سيما لجهة التدين [..] فقد ظلت النهضة بعيدة وغير قادرة على استيعاب كفاءات كثيرة وفئات كان ينتظر أن تستوعبها داخلها، لكنها بقيت في وضع لا هي بالمنفتحة على كل التونسيين ولا هي بالمنغلقة أمام رغباتهم في الانضمام)).[62]

إن من أهم الأخطاء التي توجه للنهضة اكتساحها لصناديق الاقتراع في العام 2011 هو محاولتها الاستئثار بالدولة لتأمين الولاء لها وعدم الانقلاب عليها من خلال اعطاء الأولوية لأعضائها في شغل المناصب وتحمل المسؤوليات وإقصاء بعض الكفاءات الوطنية ومن ذوي الخبرة لخلفياتهم الفكرية.[63] فضلا عن خطاب الحركة السياسي الذي لا يتوانى عن التماهي بين الإسلام والحزب، وأن انتصار النهضة هو انتصار للإسلام وهو ما يقدم الحركة على أنها حركة شمولية فوق الأحزاب وحاضنة لها، يقول أحد الدارسين: ((وقد لا نبالغ إذا قلنا إن بعضا مما يفسر إخراج النهضة من السلطة هو هذه الحيرة والثنائية بين التصرف تارة كحزب سياسي وتارة أخرى كحركة شاملة تنزع إلى أن تكون فوق الأحزاب ومستوعبة لها، وليس منافسة ومزاحمة لها))،  يستبطن ذلك مسارعة الشيخ راشد الغنوشي إلى تبرير خروج النهضة من السلطة بعد استقالة حكومة الترويكا، بأن الحركة تقدم مصلحة البلاد على المصالح الحزبية الضيقة، وهو يوحي بأن النهضة فوق الجميع، ومظلة للجميع، وبالتالي لا يمكن أن تكون في صراع مع الأحزاب السياسية الأخرى على السلطة. وإن بقي هذا التفسير ليس هو التفسير الوحيد لأسباب تراجع النهضة. هناك تفسيرات عدة منها ما هو اقتصادي ومنها ما هو سياسي ومنها ما هو أمني. التفسير الاقتصادي، يرجع تراجع النهضة في الدولة إلى فشلها في الاقتصاد، بعد انخفاض الأداء الاقتصادي لتونس حيث وصلت نسبة النمو (2,2 تحت الصفر) ما فتح المجال لموجات الاحتجاج المطالبة بالتنمية والتشغيل وتوسيع مجالات الحرية. أما التفسير السياسي، فيظهر الفشل المبكر لتجربة النهضة في الحكم فخلال سنة واحدة تعاقبت على البلاد ثلاث حكومات انتقالية (حكومة محمد الغنوشي/ حكومة الباجي قائد السبسي/ وحكومة الائتلاف) فضلا عن عدم الوفاق السياسي حول قضيا كثيرة خلقت نوع من عدم الرضى لدى بعض المعارضين ومن أبرز هذه القضايا ما يعرف بمسألة مسودة الدستور التي توصلت إليها لجان المجلس التأسيسي (25 نيسان/ أبريل 2013) والتي لم تلق الموافقة من قسم واسع من الطبقة السياسية ومن الرأي العام؛ فكانت في تقدير البعض ((مخيبة لآمال التونسيين في بناء نظام ديمقراطي فعلي حري بثورة الكرامة والحرية والتأسيس لدولة مدنية تبنى على مكتسبات الشعب التونسي الحداثية وعلى المكتسبات الكونية الواردة في المواثيق الدولية لحقوق الانسان. فكان على بعض المعارضين تحميل الحزب الأغلبي (النهضة) مغبة هذا الارتداد واتهامه بمحاولة فرض نظام استبدادي لدولة تيوقراطية تحت شعار الحفاظ على هوية تونس العربية الاسلامية.[64] وبخصوص التفسير الامني، وهو الأخطر والذي يرتبط باستشراء العنف والإرهاب الذي وصل إلى حد اغتيال سياسيين بارزين (شكري بلعيد ومحمد البراهمي) وتهديد العشرات، واستهداف قوات الجيش والأمن بالقتل ووصفهم بالطاغوت (15 عسكريا وأمنيا قتلوا في شهري تشرين الاول/ اكتوبر وتشرين الثاني/ نوفمبر 2013) وتكوين مليشيات (رابطات حماية الثورة) لتخويف المعارضين واستهدافهم، كل هذا العنف والإرهاب حُمّلت النهضة المسؤولية عنه سواء باتهامها بالتواطؤ معه أو بالتساهل. ولا شك أن هذه الاحداث ألقت بظلالها على الاحتجاجات التي استهدفت حزب النهضة وحاصرته، وبدى اتهام المحتجين واضحا للجماعة بخصوص ضحيا العنف الذين كانوا جميعهم من معارضي النهضة. ما دفع باستمرار الاحتجاجات والاستياء الشعبي إلى أن قبلت النهضة يوم 24 من تشرين الثاني/ نوفمبر 2013 تقديم استقالة حكومتها والرضوخ لخارطة الطريق التي وضعها الرباعي (الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة الاعراف وهيئة المحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان).[65] وهكذا عبرت نتائج انتخابات 2014 الرئاسية التي لم تشارك فيها النهضة، والبرلمانية التي حلت فيها في المرتبة الثانية، عن عودة رموز العلمانيين إلى الدولة، وتراجع الحركة الذي بدى واضحا على مستوى الحكومة، وعلى مستوى البرلمان (69 مقعدا) وهو ما يدعم فرضية التراجع. يفسر البعض هذا التراجع بعجز الحركة عن ايجاد نموذج سياسي واقتصادي بديل، وهو من وجهة النظر ما بعد الاسلامية ما قد يؤدي عمليا إلى أن يكون مصير الحركة ((الذوبان في النموذج الحداثي للدولة القطرية بالمشاركة والاندماج في السياق الديمقراطي والنمط الاقتصادي الرأسمالي في النهاية.[66] وإن بقيت الخشية واردة من سلطة النموذج الاسلامي، والتي يرى أحد الدارسين أنها: ((تتمحور بصورة أساسية حول الخوف من الخروج من البرادغم الذي يشكل الإطار لسلطتهم، [..و] القلق بشأن فقدانهم ((لقوة البرادغم)).[67]

خاتمة:

ومهما يكن فإن حركة النهضة وضعت على محك الاختبار ولأول مرة في التاريخ، وإذ تبدو بمقياس الزمن في نظر منصفيها محدودة الفشل مقارنة مع القوى العلمانية التي ورثت الدولة أكثر من ستين سنة، فإن منتقدوها لا يجدون حرجا في القول بأن الايدولوجيا أعمتها ولا تزال تكبلها، إلا أنه لا يمكن إنكار حقيقة أن الحركة استفادت من وجودها في الدولة على الأقل فيما يتعلق بمراجعة الخطاب، وهو أسلوب دأبت عليه في أخذ الدروس والعبر من الواقع.

بناء على ذلك فإن القراءة ما بعد الاسلامية للنهضة أو لحزب النهضة، تؤكد التحول النسبي الذي يدفع إلى التأرجح بين ((ما للحركة للحركة وما للحزب للحزب)) وهو أمر فيه الكثير من الالتباس ويصعب الحسم فيه. ذلك أن الرهان على الاثنين يظل واردا، فالحركة يستمد منها الحزب الشرعية الدينية ومشروعية الخطاب الاخواني؛ والحزب تستمد منه الحركة شرعية الدولة العلمانية ومشروعية خطاب التونسة. وهكذا، فإن تراجع النهضة على مستوى الخطاب، وعلى مستوى الممارسة في السلطة لا يعني بحال من الأحوال فشل الانتشار الأفقي والمجتمعي بقدر ما هو فشل في تدبير المرحلة.

قائمة المراجع :

كتب:

الورغي، جلال: الاسلاميون في الدولة تجربة حركة النهضة التونسية في سياق الدولة الحديثة، المغرب، دار الامان، ط1، 2014.

الغنوشي، راشد : من تجربة الحركة الإسلامية في تونس، (لند، المركز المغاربي للبحوث والترجمة).

الجمعاوي، انور: الاسلاميون في تونس وتحديات البناء للسياسي والاقتصادي للدولة الجديدة قراءة في تجربة حركة النهضة، في : الاسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي اتجاهات وتجارب، بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ط1، 2013.

الجابري، محمد عابد : الخطاب  العربي المعاصر دراسة تحليلية نقدية، (بيروت مركز دراسات الوحدة العربية، ط5، 1994).

ـــ              : الدين والدولة وتطبيق الشريعة، (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 1996).

ـــ              : في نقد الحاجة إلى الاصلاح، (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 2005).

الحمودي، عبد الله : الشيخ والمريد النسق الثقافي للسلطة في المجتمعات العربية الحديثة، ترجمة: عبد المجيد جحفة، المغرب، دار توبقال للنشر، ط4، 2010.

الأفندي، عبد الوهاب :الحكم ((الاسلامي)) من دون اسلاميين جدلية الدولة والحركة في التجربة السودانية، في: الاسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي اتجاهات وتجارب، بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ط1، 2013.

بورجا، فرانسوا: الاسلام السياسي صوت الجنوب، ترجمة: د. لورين زكري، القاهرة، دار العالم الثالث، ط2، 2001.

بلقزيز، عبد الاله: نقد الخطاب القومي، (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 2010).

ــــ                : ثورات وخيبات في التغيير الذي لم يكتمل، بيروت، منتدى المعارف، ط1، 2012.

جبرون، امحمد : الاسلاميون في طور تحول: من الديمقراطية الأداتية إلى الديمقراطية الفلسفية (حالة حزب العدالة والتنمية المغربي)، في: الاسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي اتجاهات وتجارب، بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ط1، 2013.

غليون، برهان : نقد السياسة الدين والدولة، (المغرب، الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، ط4، 2007).

رءوف غزت، هبة: الخيال السياسي للاسلاميين ما قبل الدولة وما بعدها، (بيروت، الشبكة العربية للابحاث والنشر، ط1، 2015.

زغل، عبد القادر وموسى، آمال : حركة النهضة بين الإخوان والتونسة، (تونس، دار سراس للنشر،ط1، 2014).

سلطان، جاسم: أزمة التنظيمات الإسلامية الإخوان نموذجا، بيروت، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، ط1، 2015.

علية الصغير، عميرة: الثورة التونسية في عامها الثالث، في: الديمقراطية المتعثرة مسارات التحركات العربية الراهنة من أجل الديمقراطية، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 2014.

عبد الحكيم، أبو اللوز: إشكالية الدين والسياسة في تونس أزمة مشروع التحديث وظهور حركة النهضة، القاهرة، رؤية للتوزيع والنشر، ط1، 2011.

فكري، مروة: صعود إسلامي أم فشل علماني ؟ محاولة لفهم نتائج الانتخابات المصرية بعد ثورة 25 يناير، في : الاسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي اتجاهات وتجارب، بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ط1، 2013.

فوكو ياما، فرانسيس : نهاية التاريخ والإنسان الأخير، فريق الترجمة: د. فؤاد شاهين، د. جميل قاسم، رضا الشيبي، بيروت، مركز الإنماء القومي، 1993.

لبيض، سالم: الهوية : الاسلام، العروبة، التونسة، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 2009.

نظام الدين، عرفان: ربيع الدم والأمل، دار الساقي، ط1، 2014.

ناشيد، سعيد : الخيار العلماني واسطورة النموذج، بيروت، دار الطليعة، ط1، 2010.

ولد أباه، السيد: الثورات العربية الجديدة المسار والمصير يوميات من مشهد متواصل، جداول.

 

مجلات ودراسات:

بن عبد الرحمن القديمي، نواف: الاسلاميون وربيع الثورات الممارسة المنتجة للأفكار، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ابريل 2012.

بيات، آصف : الاسلاموية وسيسة اللهو، إضافات المجلة العربية لعلم الاجتماع، العدد7، صيف 2009.

زايد، أحمد: نخب ما بعد الاستعمار التشظي وموت المجال العام، مجلة الديمقراطية، ع 57 يناير 2015.

عمر، رضوى: الزاحفون: نموذج “اللاحركات الاجتماعية” في تحليل سياسات الشارع، ملحق السياسة الدولية عدد 187 يناير 2012.

عبد الحفيظ مهر، محمود صلاح: الحركات الاجتماعية والفرصة السياسية، المجلة العربية للعلوم السياسية، ع27، صيف 2010.

عبد المجيد، وحيد: الاسلام السياسي بين التراجع والمراجعة لماذا تجمد تنظيم ((الاخوان)) في مصر؟، مجلة الديمقراطية، ع 57، يناير 2015.

كوثراني، وجيه : أزمة الدولة في الوطن العربي، المستقبل العربي، ع 390، أغسطس، 2011.

 

الندوات :

ندوة : مستقبل الاسلام السياسي في الوطن العربي بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع المعهد السويدي بالاسكندرية، الطبعة 1 (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2014).

 

بيانات الحركة:

برنامج حركة النهضة الانتخابي، ايلول/ سبتمبر 2011، ص 14.

بيان بتوقيع راشد الغنوشي صادر عن حركة النهضة بتاريخ 1 آذار/ مارس 2012.

 

 

BOOKS

Olivier roy : the failure of political Islam : (Harvard university press, 1996)

 

ـ جلال الورغي: الاسلاميون في الدولة تجربة حركة النهضة التونسية في سياق الدولة الحديثة، الطبعة 1 (المغرب، دار الامان، 2014).[1]

[2]ـ مروة فكري : صعود اسلامي أم فشل علماني ؟ محاولة لفهم نتائج الانتخابات المصرية بعد ثورة 25 يناير، في : الاسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي اتجاهات وتجارب، الطبعة 1 (بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2013)، ص 78.

[3]ـ انور الجمعاوي : الاسلاميون في تونس وتحديات البناء السياسي والاقتصادي للدولة الجديدة قراءة في تجربة حركة النهضة، في : الاسلاميون ونظام الحكم، ص 464.

 أنظر المناقشة المميزة التي قدمتها مروة فكري حول الحالة المصرية والتي تنسحب في كثير من أطروحاتها على الدراسة، مرجع سابق: ص 81 وما بعدها.[4]

[5] يفضل بعض الابستمولوجيون تسمية هذا الاسلوب بأداة تحليل المضمون وهو يشبه في نظرهم الوسائل الأخرى لجمع البيانات وانتقائها، كالملاحظة والمقابلة والاستجواب، لكنه يتميز عن هذه الوسائل في كونه يتضمن جانب تفسيري وتأويلي لنتائج البحث، وهذا الجانب هو على نفس الدرجة من الأهمية التي تكتسيها مرحلة الوصف الظاهري والكمي للظاهرة محل الدراسة. انظر: أبو اللوز عبد الحكيم: اشكالية الدين والسياسة في تونس أزمة مشروع التحديث وظهور حركة النهضة، الطبعة 1 (القاهرة، رؤية للتوزيع والنشر، 2011)، ص 60 ـ 62.

[6]ـ أنظر: انور الجمعاوي: مرجع سابق، ص 469. وحول السيرة الذاتية لراشد الغنوشي (من القرية إلى الزيتونة)، وكذلك العوامل الفكرية التي أثرت في تكوينه وبالخصوص في مصر وسوريا وفرنسا ثم العودة إلى أرض الوطن، أنظر: راشد الغنوشي : من تجربة الحركة الإسلامية في تونس، (لندن، المركز المغاربي للبحوث والترجمة)، ص 15 وما بعدها.

[7] ـ راشد الغنوشي : من تجربة الحركة الإسلامية في تونس، (لندن، المركز المغاربي للبحوث والترجمة)، ص 41.

ـ انور الجمعاوي: مرجع سابق، ص 469.[8]

[9]ـ راشد الغنوشي : من تجربة الحركة، ص 60.

ـ نفس المرجع، ص 62ـ 63.[10]

[11] انظر : راشد الغنوشي : في تعقيب على ورقة (الاسلام الاحتجاجي في تونس) للدكتور محمد عبد الباقي الهرماسي تحت عنوان : تحليل للعناصر المكونة للظاهرة الاسلامية بتونس (حركة الاتجاه الاسلامي)، في الحركات الاسلامية في الوطن العربي، الطبعة 2 (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1989)، ص 307.

ـ انور الجمعاوي : مرجع سابق، ص 470.[12]

ـ السيد ولد أباه : الثورات العربية الجديدة المسار والمصير يوميات من مشهد متواصل، جداول، ص14.[13]

ـ  أنور الجمعاوي : مرجع سابق، ص 471ـ 472.[14]

[15]ـ أنظر : فرانسيس فوكوياما : نهاية التاريخ والانسان الأخير، فريق الترجمة: د. فؤاد شاهين، د. جميل قاسم، رضا الشيبي، (بيروت، مركز الانماء القومي، 1993).

ـ د. هبة رءوف غزت : الخيال السياسي للاسلاميين ما قبل الدولة وما بعدها، الطبعة 1 (بيروت، الشبكة العربية للابحاث والنشر، 2015)، ص 112[16]

ـ نفس المرجع، ص 113.[17]

[18]  Olivier roy : the failure of political Islam : (Harvard university press, 1996).

[19]ـ د. امحمد جبرون : الاسلاميون في طور تحول: من الديمقراطية الأداتية إلى الديمقراطية الفلسفية (حالة حزب العدالة والتنمية المغربي)، في: الاسلاميون ونظام الحكم، ص 73.

[20]ـ د. محمد عابد الجابري : الخطاب العربي المعاصر دراسة تحليلية نقدية، الطبعة 5 (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1994)، ص 10.

ـ د. عبد الاله بلقزيز : نقد الخطاب القومي، الطبعة 1 (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2010)، ص14.[21]

ـ د. برهان غليون : نقد السياسة الدين والدولة، الطبعة 4 (المغرب، الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، 2007)، ص 266ـ 269.[22]

ـ د. محمد عابد الجابري : الدين والدولة وتطبيق الشريعة، الطبعة 1 (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1996)، ص 7.[23]

ـ د. برهان غليون : مرجع سابق، ص 266.[24]

ـ د. محمد عابد الجابري : في نقد الحاجة إلى الاصلاح، الطبعة 1 (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2005)، ص 47.[25]

[26]ـ انظر: عبد الله الحمودي : الشيخ والمريد النسق الثقافي للسلطة في المجتمعات العربية الحديثة، ترجمة: عبد المجيد جحفة، الطبعة 4 (المغرب، دار توبقال للنشر، 2010).

ـ د. محمد عابد الجابري : في نقد الحاجة، ص 48.[27]

ـ راشد الغنوشي: من تجربة حركة النهضة، ص49[28]

ـ فرانسوا بورجا : الاسلام السياسي صوت الجنوب، ترجمة: د. لورين زكري، الطبعة 2 (القاهرة، دار العالم الثالث، 2001)، ص182ـ 183.[29]

[30]ـ أبو اللوز عبد الحكيم : مرجع سابق، ص 45.

ـ نفس المرجع، ص 48.[31]

ـ نفس المرجع، ص 58 وما بعدها[32]

ـ راشد الغنوشي : من تجربة الحركة الاسلامية، ص8.[33]

[34]ـ عبد الوهاب الأفندي :الحكم ((الاسلامي)) من دون اسلاميين جدلية الدولة والحركة في التجربة السودانية، في: الاسلاميون ونظام الحكم، ص 301.

ـ نفس المرجع، ص 302.[35]

ـ نفس المرجع، ص 303.[36]

ـ د. سالم لبيض : الهوية : الاسلام، العروبة، التونسة، الطبعة 1 (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2009).[37]

ـ نفس المرجع، ص 44.[38]

ـ نفس المرجع، ص 47.[39]

ـ نفس المرجع، ص 71.[40]

[41]ـ عبد الحق الزموري: المؤتمر العاشر لحركة النهضة والخيارات “المربكة”، ((تقيم حالة)، المركز العربي للأبحاث ودراست السياسات، 2016)، ص 1.

[42]ـ نفس المرجع، ص 6.

ـ عبد القادر زغل وآمال موسى : حركة النهضة بين الإخوان والتونسة، الطبعة 1 (تونس، دار سراس للنشر، 2014).[43]

[44]ـ نواف بن عبد الرحمن القديمي : الاسلاميون وربيع الثورات الممارسة المنتجة للأفكار، ((دراسة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ابريل 2012.

ـ نفس المرجع، ص 3.[45]

[46]ـ د. وحيد عبد المجيد : الاسلام السياسي بين التراجع والمراجعة لماذا تجمد تنظيم ((الاخوان)) في مصر؟، مجلة الديمقراطية، ع 57، يناير 2015، ص 28ـ 29.

ـ وجيه كوثراني : أزمة الدولة في الوطن العربي، المستقبل العربي، ع 390، أغسطس، 2011، ص 109.[47]

ـ د. عبد الاله بلقزيز : ثورات وخيبات في التغيير الذي لم يكتمل، الطبعة 1 (بيروت، منتدى المعارف، 2012)، ص 291.[48]

 عرفان نظام الدين: ربيع الدم والأمل، (دار الساقي، ط1، 2014).[49]

[50]ـ مروة فكري : مرجع سابق، ص77 وما بعدها.

ـ د. أحمد زايد : نخب ما بعد الاستعمار التشظي وموت المجال العام، مجلة الديمقراطية، ع 57 يناير 2015، ص 41.[51]

ـ انظر : سعيد ناشيد : الخيار العلماني واسطورة النموذج، الطبعة 1 (بيروت، دار الطليعة، 2010).[52]

[53]ـ أنور الجمعاوي : مرجع سابق، ص 464.

ـ برنامج حركة النهضة الانتخابي، ايلول/ سبتمبر 2011، ص 14.[54]

ـ بيان بتوقيع راشد الغنوشي صادر عن حركة النهضة بتاريخ 1 آذار/ مارس 2012.[55]

ـ د. وحيد عبد المجيد : مرجع سابق، ص 28.[56]

[57]ـ (ندوة) : مستقبل الاسلام السياسي في الوطن العربي بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع المعهد السويدي بالاسكندرية، الطبعة 1 (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2014).

ـ جلال الورغي : مرجع سابق، ص 44.[58]

[59]ـ أنظر : رضوان السيد : الاسلام السياسي مسألة ((الشرعية)) في المجتمع والدولة: الظهور والمآلات والمستقبل، في: (ندوة) : مستقبل الاسلام السياسي، ص 82.

ـ جلال الورغي : مرجع سابق، ص 44.[60]

ـ جاسم سلطان: أزمة التنظيمات الاسلامية الاخوان نموذجا، الطبعة 1 (بيروت، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2015)، ص 10.[61]

ـ جلال الورغي : مرجع سابق، ص 53ـ 54.[62]

ـ نفس المرجع، ص 54.[63]

[64]ـ عميرة علية الصغير : الثورة التونسية في عامها الثالث، في: الديمقراطية المتعثرة مسارات التحركات العربية الراهنة من أجل الديمقراطية، الطبعة 1 (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2014)، ص 97.

ـ نفس المرجع، ص 98ـ99.[65]

ـ هبة رؤوف عزت : مرجع سابق، ص 113.[66]

ـ آصف بيات : الاسلاموية وسياسة اللهو، إضافات المجلة العربية لعلم الاجتماع، العدد7، صيف 2009، ص 11.[67]

Exit mobile version