Site icon مجلة المنارة

حجية الدليل الإلكتروني في إثبات الجرائم المعلوماتية

حجية الدليل الإلكتروني في إثبات الجرائم المعلوماتية
The legality of electronic evidence in the proof of cyber crime
محمد المناوي
– طالب باحث بسلك الدكتوراه،
– جامعة محمد الخامس بالرباط- كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سلا

ملخص المقال باللغة العربية
أصبح الاعتماد على تقنيات المعلوماتية من طرف الدول، والمؤسسات والأشخاص يكتسي أهمية بالغة بالنظر إلى الإمكانيات الهائلة التي يتيحها هذا المجال، خاصة سهولة وسرعة التواصل بين مستعمليها وإمكانية تخزين المعلومات ونقلها وتداولها في وقت آني، بالإضافة إلى سرعة تنقل الأموال من دولة إلى دولة أخرى،وأصبح الحديث اليوم عن العالم الرقمي دليلا على تطور الحضارة الإنسانية بمختلف تجلياتها.
لكن سرعان ما رافق هذا التطور بروز مجرمين جدد لم تعهدهم الإنسانية من قبل، يتمتعون بالخبرة والحرفية في تطويع هذه التقنية للقيام بمجموعة من الممارسات وأعمال إجرامية استغلت هذه الوسائل التقنية الحديثة لتستهدف مصالح محمية أخلاقيا وجنائيا فأحدثت اضطرابا اجتماعيا بعدما تمكنت من المس بمصالح الأفراد والمؤسسات بل أصبح في إمكانهم التسبب في خلق شلل كامل للأنظمة المدنية والعسكرية، وذلك دون أن يترك المجرم المعلوماتي أو الإلكتروني دليلا ملموسا لملاحقته ومعرفة مكانه،مما خلق صعوبة كبيرة في إثبات الجرائم المعلوماتية وذلك بالنظر إلى طبيعة الدليل الذي يتحصل منها، إذ قد يكون هذا الدليل غير مرئي وقد يسهل إخفائه أو تدميره، وقد يكون متصلا بدول أخرى فتكون هناك صعوبة في الحصول عليه نظرا لتمسك كل دولة بسيادتها، كما أن هذا الإثبات قد يحتاج إلى معرفة علمية وفنية قد لا تتوافر بالنسبة لرجال الشرطة والقضاة.

الكلمات المفتاحية :
الجريمة المعلوماتية – الأدلة الإلكترونية – الإثبات الجنائي – القاضي الجنائي – المجرم المعلوماتي.
summary
Dependence on information technologies by countries, institutions and individuals is of paramount importance in view of the enormous possibilities offered by this field, especially the ease and speed of communication between its users and the possibility of storing, transferring and circulating information in real time, in addition to the speed of transfer of funds from one country to another.Today’s talk about the digital world is evidence of the evolution of human civilization in all its manifestations.
However, this development was accompanied by the emergence of new criminals who were not committed to humanity before. They can cause complete paralysis of civilian and military systems without leaving the information or cybercriminal with any concrete evidence to prosecute him and his whereabouts, which has made it very difficult to prove cybercrime, given the nature of the evidence. This evidence may be invisible and may be easily concealed or destroyed, and may be related to other countries, which may be difficult to obtain because each State maintains its sovereignty. Such evidence may require scientific and technical knowledge that may not be available for police and judges.
Key words:
Cybercrime – Electronic evidence – Criminal Evidence – Restraining judiciary- Cyber criminal

مقدمة
يعد الإثبات من الأساسيات التي تقوم عليها قواعد الإجراءات الجنائية منذ لحظة وقوع الجريمة إلى حين صدور الحكم فيها من السلطة القضائية بموجب السلطات الممنوحة لها، والإثبات في المواد الجنائية هو النتيجة التي تتحقق باستعمال وسائله وطرقه المختلفة للوصول إلى الدليل الذي يستعين به القاضي لاستخلاص حقيقة الوقائع المعروضة عليه لتطبيق حكم القانون عليها.
والإثبات الجنائي قد طرأ عليه تطورات شاسعة بفضل الطفرة العلمية الهائلة في وسائل الإثبات والتي لم تكن معروفة من قبل، فهي طفرة قامت على نظريات وأصول علمية دقيقة واستطاعت أن تزود القاضي الجنائي بأدلة قاطعة وحاسمة تربط أو تنفي العلاقة بين المتهم والجريمة، وأصبح القضاء يعول عليها كأدلة فنية يؤسس عليها الأحكام بالإدانة أو البراءة، والأدلة الجنائية أنواع : منها ما هو دليل عام كاعتراف المتهم،أو شهادة الشهود، أو الخبرة، أو القرائن قضائية كانت أم قانونية.. إلخ، ومنها ماهو دليل علمي الذي تبقى له خصوصيته، كالدليل الإلكتروني وقد تعددت التعريفات بشأنه وتباينت بين التوسع والتضييق وذلك بسبب موضع العلم الذي ينتمي إليه هذا الدليل، فاختلفت بين أولئك الباحثين في مجال التقنية والباحثين في المجال القانوني نذكر منها :
• عرف البعض الدليل الإلكتروني بأنه ” الدليل الذي يجد له أساسا في العالم الإفتراضي ويقود الجريمة ”
• وهناك من يعرفه بأنه “المعلومات والبيانات ذات القيمة الاستقصائية، والمخزنة أو المنقولة عبر جهاز إلكتروني ” .
ومن هنا جاءت أهمية الأدلة العلمية الحديثة التي تعتمد على الأصول والحقائق العلمية التي لم تكن معروفة في الأزمنة والعصور السابقة، وقد بدأت تحتل مركزها المناسب في مجال الإثبات الجنائي وذلك بما تمثله من عناصر القوة وبما تتميز به من أصول الثبات والاستقرار والثقة في مصادرها العلمية.
ولاشك أنه من الضروري أن تواكب التشريعات المختلفة هذا التطور الملحوظ في وسائل الإثبات، فالمواجهة التشريعية ضرورية للتعامل من خلال نظم قانونية غير تقليدية تواكب الطفرة النوعية التي حدثت على مستوى الإجرام.
وقد تصدى المشرع المغربي للجريمة المعلوماتية بالتأطير والتنظيم من خلال إضافة مقتضيات جديدة إلى مجموعة القانون الجنائي كالقانون رقم 07.03 المتعلق بالإخلال بسير نظام المعالجة الآلية للمعطيات، والقانون 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب، والقانون 24.03 المتعلق بتعزيز الحماية الجنائية للطفل والمرأة، كما سن مقتضايات زجرية متفرقة في تشريعات خاصة لها علاقة بهذا المجال كالقانون رقم 08.09 المتعلق بحماية الأشخاص الداتين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، والقانون المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة و قانون حماية المستهلك وغيرها.
ومن دواعي دراستنا لهذا المقال باعتباره من الموضوعات المهمة التي لا غنى عنها في القانون الجنائي على وجه الخصوص، ولجدية وحداثة المسألة التي يتناولها ( مدى قبول الأدلة الإلكترونية في اثبات الجريمة المعلوماتية) والتي فرضت نفسها على رجال القانون، خاصة الفقه والقضاء الجنائي، حيث يؤكد المختصون على مدى القوة الإثباتية الدامغة للدليل الإلكتروني وغيره من الأدلة العلمية الحديثة.
ويبدو جليا أن المشكلة الحقيقة في مجال استخدام الطرق المعلوماتية كصيغة أعم تنطلق من الإشكالية التالية : إلى أي حد يمكن القول بحجية الدليل الإلكتروني في اثبات الجريمة المعلوماتية ومدى تأثيرها على قناعة القاضي الجنائي؟
هذا وتلعب الإشكالية المطروحة دوراً رئيساً في اختيار التصميم الذي سيتم اتباعه ،ومن هذا المنطلق سوف نقوم بتقسيم الموضوع الى المبحثين و ذلك على النحو التالي:

المبحث الأول: حجية الدليل الإلكتروني في التشريع الجنائي المغربي والتشريع المقارن
المبحث الثاني : القوة الإثباتية للدليل الإلكتروني على ضوء العمل القضائي الجنائي

المبحث الأول: حجية الدليل الإلكتروني في التشريع الجنائي المغربي والتشريع المقارن
إن الدليل المعلوماتي من الأدلة التقنية الحديثة التي فرضها ظهور نوع جديد من الجرائم وهي الجرائم المعلوماتية .
ويطرح هذا الدليل المعلوماتي خلافا على مستوى التشريع في جميع الأنظمة القانونية، فكان لابد من الوقوف على هذا الخلاف لتحديد حجية الدليل المعلوماتي في التشريعات المقارنة، خصوصا في القوانين ذات التوجه الأنجلوسكسوني والقوانين ذات التوجه اللاتيني (المطلب الأول)، وكذلك في القانون الجنائي المغربي (المطلب الثاني)
المطلب الأول: حجية الدليل الإلكتروني في التشريعات الجنائية المقارنة
سنتطرق في هذا المطلب إلى الحديث عن حجية الدليل الإلكتروني في الإثبات الجنائي على ضوء القوانين ذات التوجه الأنجلوسكسوني حيث يسود نظام الإثبات المقيد(الفقرة الأولى ) ،ثم في القوانين ذات التوجه اللاتيني حيث يسود نظام الإثبات الحر (الفقرة الأولى )
الفقرة أولى: حجية الدليل الإلكتروني في القوانين الجنائية ذات التوجه الأنجلوسكسوني:
لقد تناولت عدد من التشريعات الأنجلوسكسونية التي تأخذ بنظام الإثبات المقيد الأدلة الإلكترونية وحددت حجيتها في الإثبات الجنائي ، ففي الولايات المتحدة الأمريكية نجد أن المشرع قد نظم حجية الدليل الإلكتروني في القانون الفيدرالي الأمريكي للأدلة بقوله ” إذا
كانت البيانات المستخرجة من الحاسوب أو جهاز مشابه كمخرجات الطابعة أو أية مخرجات أخرى تمكن قراءتها وقراءة البيانات التي تحويها فإن هذه المخرجات بيانات الحاسوب تفي بقاعدة الدليل الأفضل ويقصد بقاعدة الدليل الأفضل أنه عند إثبات مضمون كتابات أو سجلات أو صور فإن أصل هذه الكتابات أو السجلات أو الصور يجب أن يكون متوفرا وتقديمه إلى المحكمة ، ذلك أن قاعدة الدليل الأفضل هي التي تعطي الحق للقاضي في قبول صورة الدليل الأصلي في حالة عدم توافر هذا الأخير أو فقدانه .
وقد حسم المشرع الأمريكي في هذه المسألة في المادة 1001 من قانون الفيدرالي الأمريكي والتي نصت على ما يلي : ” إذا كانت البيانات مخزنة في حاسوب أو آلة مشابهة فإن أي مخرجات مطبوعة منها أو مخرجات يمكن قراءتها بالنظر إليها وتعكس دقة البيانات تعد بيانات أصلية”.
ووفقا لهذه المادة، فإن البيانات والمعلومات التي تم الحصول عليها من شبكة الأنترنيت، والتي تم استخراجها بواسطة الطابعة، أو التصوير أو التسجيل الميكانيكي والتسجيل الإلكتروني تعد دليلا أصليا كاملا .
وبالإضافة إلى القانون الفيدرالي الأمريكي للأدلة، فقد تناولت بعض قوانين الولايات الأمريكية حجية الدليل الإلكتروني، ومن بين هذه القوانين قانون الحاسوب لسنة 1984 الصادر في ولاية إيوا إذ نص في المادة 716 أن أدلة الحاسوب تكون مقبولة بوصفها أدلة إثبات بالنسبة لبرامج والبيانات المخزنة فيه.
أما في قانون الإثبات الصادر عام 1983 في ولاية كاليفورنيا فقد نص هو الآخر على أن النسخ المستخرجة من البيانات التي يحتويها الحاسوب تكون مقبولة بوصفها أفضل الأدلة المتاحة
لإثبات هذه البيانات .
أما على مستوى الفقه الأمريكي فيرى بأنه حتى يكون الدليل الإلكتروني حجية أمام القضاء يجب أن تتوفر فيه الشروط التالية :
1- أن يكون الدليل المقدم إلى المحكمة هو نفس الدليل الذي تم جمعه وبمعنى آخر أن لا يطرأ على محتويات السجل الإلكتروني أي تغيير .
2- أن تكون المعلومات الموجودة في السجل قد صدرت فعلا عن المصدر المزعوم ، سواء كان هذا المصدر الإنسان أو الآلة .
3- أن تكون المعلومات الموجودة في السجل معلومات دقيقة محددة بالوقت والتاريخ .
ومن خلال ما تقدم نستنتج أن الدليل الإلكتروني له حجية قانونية في القانون الأمريكي،إذ أن القواعد العامة لقانون الأدلة الفيدرالي الأمريكي تطبق على الأدلة المعلوماتية أو ما تسمى بسجلات الحاسوب في هذا القانون .
أما في بريطانيا فقد أصدرت سنة 1984 قانون الشرطة والإثبات الجنائي الذي ركز بصفة أساسية على قبول الأدلة الإلكترونية المستخرجة من الحاسوب الآلي كأداة إثبات في المواد الجنائية، وقد تم تعديل هذا القانون سنة 2002.
وقد وضع هذا القانون الضوابط والشروط الواجب توفرها في الدليل الإلكتروني لقبوله أمام القضاء الجنائي وهذه الشروط هي :
– عدم وجود أساس معقول يدعو إلى الاعتقاد بأن البيانات المعلوماتية المستخرجة من الحاسوب غير صحيحة بسبب الاستخدام الخاطئ أو غير المناسب للحاسوب .
– أن يعمل الحاسوب بشكل سليم،أما في حالة العكس فإن أي جزء لم يكن يعمل فيه بصورة سليمة لا يؤثر في إخراج المستند .
– الوفاء بأية شروط متعلقة بالمستند محددة طبقا لقواعد المحاكمة .
وتجدر الإشارة إلى أن قانون الشرطة والإثبات الجنائي لسنة 1984 لم يكتف بتحديد الشروط الواجب توفرها في الأدلة الإلكترونية الناتجة عن الحاسب الآلي كي تكون أدلة مقبولة أمام القضاء،بل تضمن توجيهات بكيفية تقدير قيمة البيان المستخرج عن الحاسب الآلي،فقد أوصت المادة 11 من الجزء الثاني من الملحق 3 من القانون المذكور،بمراعاة كل الظروف عند تقديم البيانات الصادرة عن الحاسب المقبولة في الإثبات طبقا للمادة 69 من قانون الشرطة والإثبات الجنائي .
أما على مستوى الفقه البريطاني فقد دارت مناقشات عديدة بين فقهاء وطرحت آراء مهمة حول حجية الأدلة الإلكترونية في إثبات الجريمة المعلوماتية ،فقد عارض جانب من الفقهاء ما جاء في نص المادة 69 من قانون الشرطة والإثبات الجنائي البريطاني لسنة 1984 ودعوا إلى ضرورة تعديل هذه المادة نظرا لفشلها في تحديد الأسباب الرئيسية لعدم دقة الحاسب الآلي أو أنها ناتجة عن أخطاء في المعلومات التي أدخلت إلى الحاسوب، بالإضافة إلى أن الثورة التكنولوجيا جعلت عدم جدوى هذه المادة .

الفقرة الثانية: حجية الدليل الإلكتروني في القوانين الجنائية ذات التوجه اللاتيني الجرماني.
لا تثير حجية الأدلة الإلكترونية في إثبات الجرائم المعلوماتية أي صعوبات في التشريعات
المنتمية إلى المدرسة اللاتينية الجرمانية مثل فرنسا ومصر والجزائر ولبنان والمغرب … وذلك على أساس أن هذه الدول تستند على مبدأ حرية الإثبات في المجال الجنائي ، هذا المبدأ يمثل قلب نظام الإثبات الحر.
ففي فرنسا فقد أقر المشرع في قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي على مبدأ حرية الإثبات الجنائي صراحة بمقتضى المادة 427 التي تنص : ” ما لم يرد نص مخالف،يجوز إثبات الجرائم بجميع طرق الإثبات ويحكم القاضي بناء على اقتناعه الشخصي ” .
وتأييدا لذلك فقد فرضت محكمة النقض الفرنسية على محاكم الموضوع تطبيقا صارما لهذا المبدأ بحيث تفرض في النهاية حرية كاملة للإثبات بل ذهبت الغرفة الجنائية لمحكمة النقض إلى أكثر من ذلك في احترام مبدأ حرية الإثبات،حيث ترى أنه طالما لا يوجد نص قانوني يستعيد صراحة دليلا ما فلا يجوز للمحكمة عدم قبول هذا الدليل ولو كان ذلك الدليل غير مشروع بل لو كان عدم المشروعية ناتجة عن ارتكاب جريمة ، إذا كان هذا الدليل قد خضع للشروط المحاكمة العادلة .
ولذلك يمكن القول بأن المخرجات المتحصلة من الوسائل الإلكترونية لا تمثل مشكلة في الإثبات الجنائي الفرنسي حيث يسود مبدأ حرية القاضي الجنائي في الاقتناع .
أما الفقه الجنائي الفرنسي فيتناول حجية الدليل الإلكتروني في الإثبات الجنائي ضمن مسألة قبول الأدلة المتحصلة عن الأدلة أو ما يسمى بالأدلة العلمية والتي يجب ألا تقبل كطرق إثبات إلا إذا توفرت الشروط المقررة لذلك وأهمها أن يتم الحصول عليها بطريقة مشروعة وأن يتم مناقشتها حضوريا واحترام حقوق الدفاع .
وكذلك أقر المشرع المصري مبدأ حرية الإثبات الجنائي في المادة 291 من قانون الإجراءات الجنائية المصري حيث تنص على أن ” للمحكمة أن تأمر ولو من تلقاء نفسها أثناء نظر الدعوى بتقديم أي دليل تراه لازما لظهور الحقيقة “.
ويتبين من خلال ذلك أن القاضي له مطلق الحرية في أن يستعين بكافة طرق الإثبات بما فيها من الأدلة الإلكترونية ، للبحث عن الحقيقة وله أن يستمدها من أي مصدر يطمئن إليه ، دون أن يملي عليه المشرع حجية محددة أو يلزمه باتباع طرق محددة للكشف عن الحقيقة مادام كانت هذه الطرق تتسم بالشرعية .
أما الفقه المصري فهو يرى أن الأدلة الإلكترونية ما هي في الحقيقة إلا تطبيق من تطبيقات الأدلة العلمية بما تتسم به من موضوعية وكفاءة في اقتناع القاضي الجنائي .
أما بالنسبة للمشرع الجزائري فقد كرس هو الآخر مبدأ حرية الإثبات في المادة 212 من قانون الإجراءات الجنائية الجزائري حيث نصت على أنه ” يجوز إثبات الجرائم بأي طريق من طرق الإثبات ما عدا الأحوال التي ينص فيها القانون على غير ذلك وللقاضي أن يصدر حكمه تبعا لاقتناعه الشخصي”
ونشير إلى أن المشرع الجزائري أدرج نص المادة 212 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري ضمن الأحكام المشتركة والمتعلقة بطرق الإثبات أمام جهات الحكم مما لا يدع أي شك في تطبيقها أمام كل الجهات القضائية الجزائية
ومن خلال ما سبق نلاحظ أن الدليل الإلكتروني في الإثبات الجنائي بصفة عامة والإثبات في مجال الجرائم المعلوماتية بصفة خاصة يكون مقبول شأنه في ذلك شأن الأدلة الأخرى التي
تم ذكرها في القانون على سبيل المثال وذلك إذا ما تم الإحترام فيه شروط المشروعية .
المطلب الثاني: حجية الدليل الإلكتروني في التشريع الجنائي المغربي
سنحاول في هذا المطلب الحديث عن حجية الدليل الإلكتروني في التشريع الجنائي المغربي حيث يسود مبدأ حرية الإثبات وذلك وفق الفقرتين التاليتين:
الفقرة الأولى: مبدأ حرية الإثبات الجنائي في التشريع المغربي
إتخذ التشريع الجنائي المغربي نهج التشريعات اللاتينية الجرمانية المتمثلة في القانون الفرنسي والقوانين التي تأثرت على أساس أن القانون الفرنسي هو المصدر التاريخي للقانون المغربي.
وقد أقر المشرع المغربي مبدأ حرية الإثبات الجنائي صراحة في المادة 286 من قانون المسطرة الجنائية والتي تنص ” يمكن إثبات الجرائم بأي وسيلة من وسائل الإثبات ، ما عدا في الأحوال التي يقضي القانون فيها بخلاف ذلك ، ويحكم القاضي حسب اقتناعه الصميم …”
وانطلاقا من هذه المادة نجد أنها تؤكد أن لأطراف الدعوى سواء جهة الإدعاء أو المتهم كامل الحرية في أن يقدموا ما يتوفرون عليه من وسائل الإثبات أمام المحكمة وأن هذه الوسائل يجب أن تخضع للمناقشة الحضورية حتى يحصل الاقتناع الوجداني للقاضي الذي ينظر في النزاع الجنائي.
الفقرة الثانية: سلطة القاضي الجنائي في تقييم الأدلة
خول المشرع الجنائي المغربي للقاضي سلطة تقييم الأدلة ، دون أن يفرض عليه قيدا أو شرطا،فالقاضي حر في أن يستعين بكل طرق الإثبات للبحث عن الحقيقة، وهو حر في تقدير كل دليل وفي التنسيق بين الأدلة التي تتمثل في الحكم بالإدانة أو البراءة وهكذا فإنه يجوز للقاضي الجنائي المغربي الاستناد إلى الدليل الإلكتروني للإثبات الجنائي بصفة عامة وإثبات الجرائم المعلوماتية على وجه الخصوص، وذلك مع مراعاة ضوابط الشرعية لأن المشرع المغربي لا يقصد بالحرية في الإثبات إمكان اللجوء إلى الوسائل غير مقبولة قانونا، فحرية أطراف في مجال الإثبات الجنائي يجب أن تمارس في إطار ما تفرضه عليه ضوابط المشروعية من قيود يستحيل مخالفتها و إلا ترتبت على ذلك عدم المشروعية ذلك الدليل ومن تم عدم قبوله بناء على قاعدة ” ما بني على باطل فهو باطل “.
وإذا كان نظام الإثبات الحر ركيزة أساسية من ركائز التي يقوم عليها الإثبات في القانون الجنائي المغربي إلا أنه أصبح يعرف تراجعا نتيجة إكراهات تقنية ومادية جعلت من الصعب على الأفراد العاديين التعامل مع مزودي الخدمات الإلكترونية مباشرة من أجل الحصول على المعلومات والبيانات المقيدة في البحث والإثبات في المجال الجنائي، بل جعلت هذا التعامل حكرا على الأجهزة الخاصة بالبحث والتحري عن الجرائم كالنيابة العامة وقضاة التحقيق والشرطة القضائية وهذا ما نستنتجه من المادة 288 من قانون المسطرة الجنائية التي تنص على أنه ” إذا كان ثبوت الجريمة يتوقف على دليل تسري عليه أحكام القانون المدني أو أحكام خاصة، تراعي المحكمة في ذلك الأحكام المذكورة.
وهكذا فإن الحصول على المعلومات أو البيانات من طرف الأطراف العاديين مستحيلا بوجود هذا المقتضى القانوني وهو ما يجعل الحصول على الدليل المستعمل في إثبات الجريمة المعلوماتية يخضع لشكليات وقيود قانونية خاصة مستقلة عن قواعد قانون المسطرة الجنائية، وإنما تخضع في تنظيمها إلى قوانين أخرى تدخل في نطاق مفهوم “الأحكام الخاصة ” الواردة في المادة 288 ق.م.ج .
المبحث الثاني : القيمة الإثباتية للدليل الإلكتروني على ضوء العمل القضائي الجنائي
تعد مرحلة المحاكمة هي المرحلة الحاسمة التي تمر منها الخصومة الجنائية، بعد كل من مرحلتي البحث التمهيدي والتحقيق الإعدادي، ذلك أن هدف الدعوى هو الوصول إلى حكم حاسم لها، ولذلك فإن الحكم يعتبر أهم إجراءات الدعوى لأنه يمثل غايتها، وعملية تقدير
الأدلة تشكل جوهر هذا الحكم، حيث لا يمكن الوصول إليه وإدراكه ما لم يمارس القاضي
سلطته التقديرية على الأدلة محل الوقائع، وفي مجال الجريمة المعلوماتية يكون الدليل الإلكتروني هو الأوفر خصوصا إذا اعتبرنا الحكم هو الكلمة النهائية للقضاء وهو غاية التنظيم القضائي برمته.
والدليل الإلكتروني مثله مثل باقي وسائل الإثبات الأخرى يخضع لنفس القواعد المحددة لباقي الأدلة كما سبق أن أشرنا إليه أنفا، سواء كانت هذه القواعد تتعلق بسلطة القاضي الجنائي في قبول الدليل الإلكتروني أو تتعلق بسلطته في تقدير هذا النوع من الأدلة، ذلك أن القاضي لا يقدر إلا الأدلة المشروعة والتي لا يمكن من دونها أن يرتب الدليل الإلكتروني أي آثار قانونية .
وقبول القاضي الجنائي الدليل الإلكتروني في الإثبات لا بد أن يستند على أساس، وهذا الأخير يختلف من نظام إلى آخر وعلى ضوء ما سبق سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين التاليين:
المطلب الأول : قيمة الدليل الإلكتروني أمام القضاء الجنائي المقارن
لقد حاول القضاء في مختلف التشريعات المقارنة التعرض لمسألة حجية الدليل الإلكتروني في الإثبات الجنائي ومدى اعتبار هذه الأدلة أساسا في أحكامه متى توفرت فيها مجموعة من الشروط التي سبق أن تطرقنا لها أنفا كأن يتم الحصول على الدليل الإلكتروني بطريقة مشروعة وأن تكون هذه الأدلة يقينية وأن يتم مناقشتها بمعية الأطراف.
وسنتولى في هذه المطلب الحديث عن موقف القضاء الجنائي الفرنسي من قبول الأدلة الإلكترونية (الفقرة الأولى) وموقف القضاء الإنجليزي (الفقرة الثانية )
الفقرة الأولى: موقف القضاء الجنائي الفرنسي .
يذهب القضاء الجنائي المقارن إلى قبول الأدلة الإلكترونية في الإثبات الجنائي بصفة عامة وإثبات الجريمة الإلكترونية بصفة خاصة .
ولقد أشرنا سابقا أن القانون الجنائي الفرنسي يستند على مبدأ حرية الإثبات في المسائل الجنائية وبمقتضاه يحكم القاضي في الخصومة الجنائية حسب الاقتناع الذي تكون لديه بكامل حريته ولا سلطان عليه إلا ضميره.
فالمشرع الفرنسي قد خول للقاضي الجنائي سلطة وزن وتقدير كل دليل تقديرا منطقيا مسببا، وأن هذا الاقتناع يجب أن يكون منطقيا وليس مبنيا على محض التصورات الشخصية للقاضي، وتأييدا لذلك نجد أن محكمة النقض بفرنسا قد فرضت على محاكم الموضوع تطبيق هذا المبدأ، فهي تشدد في العديد من أحكامها على حرية قضاة الموضوع في الاستعانة بأي دليل يكون لازم لتكوين عقيدتهم، بل نجد أن الغرفة الجنائية بمحكمة النقض الفرنسية قد ذهبت إلى أكثر من ذلك في احترام مبدأ حرية الإثبات فهي ترى أنه طالما لا يوجد نص قانوني يستبعد صراحة دليلا ما فلا يجوز للمحكمة عدم قبول هذا الدليل ولو كان ذلك الدليل غير مشروع بل لو كان عدم المشروعية ناتج عن ارتكاب الجريمة .
وقد تعرض القضاء الجنائي الفرنسي إلى حجية الدليل الإلكتروني في الإثبات الجنائي وهو ما أكدته محكمة النقض الفرنسية بقولها “أن أشرطة التسجيل الممغنطة التي تكون لها قيمة دلائل الإثبات يمكن أن تكون صالحة في الإثبات أمام القضاء الجنائي “، وفي قضية أخرى عرضت على المحكمة الجنائية الفرنسية بمدينة لومان حيث أدانت المتهم بعرقلة نظام المعالجة الآلية المسير لخدمات الرسائل الإلكترونية للشركة ضحية الفعل الجرمي،على أساس أن الجاني قام بإرسال مجموعة من الرسائل إلى صناديق البريد الإلكتروني الخاصة بأعضاء الشركة مما جعل الشركة غير قادرة على استقبال رسائل أخرى جديدة وهو ما رتب
للشركة ضررا تجاريا هاما .
وفي حكم آخر أدانت المحكمة الجنائية بمدينة منس الفرنسية المتهم بإخفاء صور إباحية داخل جهاز الحاسوب الشركة التي يعمل بها عن طريق تفتيشها لجهاز الحاسوب، واقتنعت المحكمة بالأدلة التي تم ضبطها وعلى أساسها بنت حكمها بإدانة المتهم .
وهكذا نخلص إلى أن القضاء الجنائي الفرنسي له الحرية في تقدير وسائل الإثبات المعروضة أمامه، وأن الدليل الإلكتروني مجرد دليل لا تختلف قيمته ولا تزيد حجته عن سواه من الأدلة و على هذا الأساس فالقاضي له سلطة مطلقة لقبول أو رفض الدليل الإلكتروني تبعا لاقتناعه اليقيني، ولا يمكن إلزامه بالأخذ به حتى لو كان هو الدليل الوحيد الموجود في الدعوى.
الفقرة الثانية : موقف القضاء الجنائي الإنجليزي في قبول الدليل الإلكتروني .
إن الإثبات في القوانين ذات الأصل الأنجلوسكسوني يختلف عن غيره في القوانين التي تأخذ بالنظام اللاتيني، حيث أن النظام الأول تحكمه قواعد خاصة لقبوله أمام المحاكم سواء تعلقت هذه القواعد بمضمون أو فحوى الأدلة أو بكيفية تقديم الأدلة .
وقد قبل القضاء الجنائي في إنجلترا الدليل الإلكتروني وغيره على أساس أنه شهادة مباشرة، ويظهر ذلك في الكثير من أحكامه حيث ذهبت المحكمة الجنائية إلى اعتبار أن الورقة الناتجة عن الحاسوب مقبولة وفقا للشريعة العامة، وتصلح للإثبات الجريمة وفي نفس الاتجاه أيضا قبلت محكمة الاستئناف في انجلترا الدليل الإلكتروني في قضية مشهورة R.V.Pettigrew عام 1983 والتي تتلخص وقائعها حول قيام المتهم بالسطو على البنك غير أن سلطات البحث والتحقيق ألقت عليه القبض وقبضت في حيازته أموال تحمل أرقام النقود المسروقة والتي كانت مسجلة في حاسوب البنك في إنجلترا، وقد بنت المحكمة حكمها بإدانة المتهم على أساس أن المخرجات الحاسوب الورقية دليل مباشر في إثبات الجريمة للمتهم.
كما قبل القضاء الإنجليزي الدليل المستخرج من جهاز قياس الكحول في قضية ماكوين سنة 1992 والتي تتلخص وقائعها في كون فتاة كانت تقود سيارتها في ساعة متأخرة من الليل بصورة خطيرة في أحد شوراع مدينة ليفربول وتم اعتقالها من طرف الشرطة فتبين أنها في حالة سكر من خلال أخذ عينتين من التنفس لتحليلهما باستخدام جهاز قياس درجة السكر الذي أوضح أن نسبة الكحول في دمها أعلى من نسبة المسموح بها،وقد أدانت المحكمة الفتاة بتهمة قيادة السيارة تحت تأثير المسكر بالاعتماد على هذا الدليل الإلكتروني .
المطلب الثاني : حجية الدليل الإلكتروني على ضوء العمل القضائي الجنائي المغربي
ساهم التطور الذي عرفه العالم على مستوى آليات الاتصال وتقنية المعلومات في تمكين ملايين الأشخاص من التواصل فيما بينهم على مدار الساعة،وخلفت هذه الثورة التقنية عالما جديدا لا يعترف بالحدود الجغرافية والسياسة للدول ولا سيادتها،وترتب على ذلك ظهور مجموعة من الممارسات والأفعال،التي استغلت الوسائل التقنية الحديثة لتستهدف مصالح محمية جنائيا وأحدثت اضطرابا اجتماعيا بعدما تمكنت من المس بمصالح الأفراد بل وتهديد الاستقرار والأمن السياسي والإقتصادي لدول برمتها،حيث نمت الجريمة المنظمة وترعرعت باستغلال هذه الوسائل التقنية، وبالتالي أصبحنا أمام جرائم عابرة للحدود تتم في الفضاء الإلكتروني معقد غير مرئي،مما خلف صعوبات وإشكالات قانونية لا تقتصر على ضبط هذه الجرائم فحسب وإنما أثارت أيضا تحديات أكثر تعقيدا مرتبطة بإثباتها .
لكن الإشكال المطروح بهذا الخصوص يرتبط بمدى حجية الدليل الإلكتروني على ضوء العمل القضائي المغربي؟ إن الإجابة على هذا الإشكال لن تتم إلا بالاستعانة بمجموعة من الأحكام والقرارات الصادرة بهذا الشأن سواء قبل صدور القانون الجنائي المعلوماتي الجنائي (الفقرة الأولى ) أو بعد صدوره (الفقرة الثانية ).

الفقرة الأولى:حجية الدليل الإلكتروني أمام القضاء في غياب التشريع
لا يوجد شك في أنه مع مطلع القرن الواحد والعشرين قد شهد العالم ثورة تكنولوجية مهمة قدمت للدول وأجهزتها الأمنية الكثير من التسهيلات والإمكانات التي تساهم في مكافحتها أو تطوير قدرتها على التحدي للجريمة .
إلا أن التطور التكنولوجي أدى ويؤدي في الوقت نفسه إلى تطوير الجريمة من حيث الأساليب والمضامين وأصبح الدعامة الأساسية التي تعتمدها المنظمات الإجرامية وذلك لما توفره من إمكانيات وسرعة في الأداء الإجرامي
وكما هو الحال في كل دول العالم استفحلت الجريمة المعلوماتية في المملكة المغربية خلال العقود الأخيرة وأصبح القضاء في محك حقيقي عندما وضعت أمامه قضايا تتعلق بالجرائم المعلوماتية وخصوصا أمام الفراغ التشريعي الذي كان يعرفه القانون الجنائي في هذا الإطار والذي جعل القضاء في مجموعة من النوازل يصرح ببراءة المتابعين استنادا على مبدأ الشرعية لغياب سند قانوني للوصف الجنائي المتابع من أجله المتهمين ومن هذه القضايا التي عرضت على القضاء قبل صدور نصوص خاصة لتجريم هذا النوع من الجرائم كانت في بداية الثمانينات فقد أدانت المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء وقتئذ مستخدمي المكتب الوطني للبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية بجريمة السرقة على إثر ما قاموا به من تسهيل تحويلات هاتفية لفائدة بعض المشتركين بصورة غير مشروعة،غير أن محكمة الاستئناف ومن منظور شرعية التجريم والعقاب،لم ترى وجوب تطبيق هذه المقتضيات العامة وألغت بالتالي الحكم الإبتدائي وصرحت ببراءة المتهمين .
وفي قضية أخرى صادرة عن المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء والتي أدانت حائز بطاقة ائتمان استعملها بصورة تدليسية،وذلك استنادا للفصول 540 و 547 من القانون الجنائي غير أن محكمة الاستئناف ألغت الحكم الابتدائي وقضت ببرائته استنادا إلى منظور الشرعية . وهكذا يلاحظ أن القضاء الجنائي كان لا يأخذ بالدليل الإلكتروني في إثبات الجرائم بصفة عامة، ذلك أن تطور الأساليب الإجرامية الموجودة لا يتناسب والنصوص الجنائية الموجودة للتطبيق عليها وهو ما جعل العمل القضائي يتضارب بشأن إيجاد تكييف قانوني مناسب في ظل غياب نص منظم مما جعله في العديد من المرات التصريح ببراءة المتابعين استنادا إلى مبدأ شرعية التجريم والعقاب.
الفقرة الثانية :تفاعل العمل القضائي مع الدليل الإلكتروني بعد صدور التشريع الجنائي المعلوماتي
لقد سبق لنا الإشارة إلى أن المشرع المغربي قد أقر حرية القاضي في الأخذ بأي وسيلة من وسائل الإثبات لبناء قناعته منها ما عدا في الأحوال التي يقضي فيها القانون بخلاف ذلك، ونفس الأمر أكدته محكمة النقض بقولها ” لمحكمة الموضوع الصلاحية لتكوين قناعتها من جميع وسائل الإثبات”
وقد تعرض القضاء الجنائي المغربي في العديد من القضايا إلى مسألة الأخذ بالدليل الإلكتروني كدليل للإدانة، حيث جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالرباط ” حيث الثابت من تصريحات الضنينين (ي.ل) و (هـ .م ) في محضر الضابطة القضائية إقرارهما أنهما وعن طريق مشغلهما اطلعا على تطبيق فك شفرات الهاتف النقال التابع لشركة بويكيس واستخدما هذا التطبيق خارج مهامهما ولحساب الغير الذي كان يمدهما بالأرقام التسلسلية لهذه الهواتف ويقومان باستغلال التطبيق الذي اطلعا عليه ويفكان شفرات هذه الهواتف مقابل الحصول على مبالغ مالية وأفادا الظنين (ن.غ) من جهته أنه لعب دور الوسيط بين (هـ.م) وشخص من مدينة طنجة للقيام بنفس الفعل، وتحصل من وراء ذلك على مبالغ مالية.
و حيث جدد الأضناء تصريحاتهما هذه عند مثولهما أمام المحكمة، ليكون الثابت أن الأضناء استغلوا منصبهم في الدخول إلى نظام المعطيات الآلية لمشغلهم ليس في إطار المهام الموكولة لهم، وهو ما يمثل احتيالا .
ويستجمع فعلهم هذا العناصر التكوينية للجنحة المنصوص عليها في المادة 607 الفقرة 3 من ق.ج و أن المحكمة اعتبارا لذلك ارتأت مؤاخذتهم طبقا لمقتضيات هذه المادة ” وحكمت عليهما بشهرين اثنين حبسا نافذا وغرامة نافذة قدرها 3000 درهم مع تحميلهم الصائر تضامنا والإجبار في الأدنى”.
وجاء أيضا في حكم آخر صادر عن المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء بتاريخ 11/10/2012 ” حيث قام بعض مستخدمي و أطر شركة كوماناف فواياج وشركة كوماناف فيري،باصطناع أذونات سفر مزورة عن طريق تغيير المعطيات المضمنة بنظام المعالجة الآلية الخاص بالشركة واختلاس المبالغ المترتبة عن ذلك، وتمت متابعة اثنين منهم من أجل تزوير وثائق المعلومات إضرار بالغير وتغيير معطيات في نظام المعالجة،وتوبع اثنان آخران بالمشاركة في ذلك، وأدانت المحكمة المتهمين بعد أن اقتنعت بثبوت الوقائع أعلاه في حقهم وقضت في الدعوى العمومية بعقوبات حبسية على المتهمين تتراوح بين ثلاثة سنوات وثمانية أشهر .
أيضا جاء في قرار آخر صادر عن الغرفة الجنائية لمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء ” أن الناظمة الآلية الممسوكة من طرف إدارة الجمارك تعتبر بمثابة سجل رسمي للإدارة وأن إحداث أي تغيير عن قصد في المعلومات المسجلة بها وجعلها مخالفة للحقيقة يعتبر تزويرا في
وثيقة إدارية .
وفي حكم آخر صادر عن المحكمة الابتدائية بسلا بتاريخ 17/04/2006 الذي جاء فيه ” حيث أن إنكاره هذا يفنده المحجوز الذي وجد بمنزله المتمثل في أربعة أقراص أصلية وسبعة أقراص مدمجة وبالتالي يشكل قرينة على مشاركة المتهم (ع.ص) في المنسوبة إليه،مما يتعين التصريح بمؤاخذته من أجلها ” وجاء في نفس الحكم أن إنكار المتهم تفنده المحجوزات التي وجت بحوزته المتمثلة في بطاقتين مزيفتين عليهما رقمين حسابيين بنكيين مقرصنيين ووحدات مركزية تضم الحسابات البنكية التي يقوم بقرصنتها وعلى أساس ذلك صرحت المحكمة بإدانة المتهم .
وفي ختام هذه الموضوع نصل إلى القول أن الإثبات باستخدام الدليل الإلكتروني من الإجراءات التي أقرت اغلب القوانين المقارنة والوطنية شرعيتها مادام أنها لا تمس الحريات الشخصية والحياة الخاصة للأفراد، ان القاضي الجنائي يملك سلطة واسعة في تقدير الأدلة الإلكترونية، وفقا لاقتناعه الشخصي ،دون أن يتقيد في تكوين قناعته بدليل معين ،فله أن يأخذ بالدليل الذي يطمئن إليه وجدانه ويطرح الدليل الذي لا يطمئن إليه،غير أنه مقيد بأن تكون هذه الأدلة مشروعة وخضعت للمناقشة من قبل أطرافها، وأن يكون هذا الاقتناع مبنيا على الجزم واليقين لا على الشك والترجيح بحيث يصل القاضي إلى مرحلة من التيقن يصبح على إثرها مقتنعا بالحقيقة وأن يكون مبنيا من الأدلة مجتمعة دون تناقض أو تخاذل فيما بينها.
مجلة المنارة للدراسات القانونية والإدارية عدد خاص حول الثورة الرقمية وإشكالاتها ـــــــــــــــــــ أبريل 2020

Exit mobile version