Site icon مجلة المنارة

جريمة افشاء السر المهني للطبيب فيالقانون المغربي

 

 

جريمة افشاء السر المهني للطبيب فيالقانون المغربي

إكرام الداكي

باحثة في سلك الدكتوراه

تخصص القانون الجنائي والعلوم الجنائية

مقدمة:

لاشك أن طبيعة عمل الطبيب تبيح له الاطلاع على الكثير من المعلومات والأسرار التي تتعلق بالمرض الذي ألم بالشخص، كما أن الثقة التي تنشأ بين المريض وطبيبه تدفعه إلى أن يفضي إليه بأدق اسراره ([1])، لذلك جرم المشرع فعل   إفشاء الطبيب لأسراره المهنية في القانون الجنائي المغربي. وعليه سأتعرض لأركان جريمة إفشاء السر المهني الطبي (أولا) ثم اتعرض الى عقوبة هذه الجريمة(ثانيا).

أولا  :أركان جريمة إفشاء السر الطبـي

تتكون جريمة إفشاء السر الطبي من ثلاثة أركان أو عناصر أساسية سأتطرق إلى كل ركن منها على حدة وذلك وفق النحو التالي: فعل الإفشاء (أ) ، أن يكون ما تم إفشاؤه سرا (ب)، أن يقع الإفشاء من الطبيب أو من في حكمه (ج)، توافر القصد الجنائي (د).

أ- الركن الأول: فعل الإفشاء

الإفشاء هو كشف السر واطلاع الغير عليه مع تحديد الشخص صاحب المصلحة في كتمانه، ويعني ذلك أن جوهر الإفشاء هو الإفضاء بمعلومات كافية ومحددة للغير، ويتحقق الإفشاء إذا أعلن السر بأية وسيلة، دون تحديد الشخص الذي يهمه كتمانه([2]).

ولم يحدد المشرع المغربي وسيلة معينة من شأنها أن تحقق الإفشاء، إذ يتحقق هذا الأخير إذا أعلن السر بأية طريقة كانت، فسواء تم الإفشاء بطريق مباشر أو غير مباشر، وشفويا أو كتابيا أو عن طريق إعطاء الغير شهادة بما يعاني منه شخص ما، أما إعطاء المريض ذاته تقريرا عن حالته الصحية أو الغير بناء على طلبه فلا يعد إفشاء لسر المهنة([3]).

ويذهب مأمون الكزبري في هذا الباب إلى أن الحكمة من كتمان سر المهنة في الطب هي ستر عيوب المريض التي تكون ناشئة عن ارتكاب الخطايا والتي لابد للطبيب أن يطلع عليها، فالمريض يلجؤه المرض إلى الطبيب وتقتضيه الضرورة التي ألجأته أن يبوح له بسر نفسه، فلا يجوز للطبيب أن يستغل هذه الضرورة ويفشي هاته الأسرار التي أئتمن عليها، وإنما يجب عليه أن يرعاها([4]).

ويعتبر الطبيب من الأمناء على السر الخاص بالمريض، وبالتالي فهو مسؤول من الناحيتين المهنية والجنائية اتجاه المريض والمجتمع على حد سواء، فالطبيب ملزم باقتحام الحياة الخاصة للمريض في سبيل علاجه على نحو جيد، وهو حق استثنائي ومخالف للقانون. غير أنه إذا كان المجتمع بصفة عامة والمريض بصفة خاصة يأذنان للطبيب بالتدخل في الحياة الخاصة للمريض، إلا أنهما يمنعانه في المقابل من إفشاء أسراره، وعملية المنع تلك هي التي تمنح الثقة من أجل البوح باعترافات وبالتالي تحقيق علاج جيد[5].

ب – الركن الثاني: أن يكون ما تم إفشاؤه سرا

ويعني ذلك أن تكون هناك واقعة أوامر أو صفة تأخذ معنى السر، حيث يعتبر السر موجودا، إذا انحصر العلم به في أشخاص محددين، أما إذا كان هذا العلم لدى أشخاص غير محددين زالت صفة السر عن هذا الأمر، ومن ثمة تنتفي مسؤولية الطبيب عن إفشاءه لهذا السر([6]).

وعليه فإن الطبيب ليس هو صاحب السر حتى يناط به تقرير آثار إفشائه أو إمساكه، وإنما المريض نفسه هو صاحب السر، وهو الذي يمكنه تقدير ذلك، ولاسيما أن القانون فرض حماية مطلقة للسر الطبي دون تحديد نطاقه([7]).

وقد اختلف الفقه في فرنسا حول أحقية الطبيب في الامتناع عن أداء الشهادة إذا تعلق الأمر بالسر المهني، فالبعض يرى([8]) أن أداء الشهادة واجب على الطبيب ولو تعلق الأمر بسر من أسراره المهنية، لأن الالتزام بالشهادة واجب ولا يجوز إعفاء أحد منه، في حين يذهب آخرون([9]) إلى أن الخيار بيد الطبيب فله إفشاء السر أو كتمانه، كما يمكن له أن يجب أو يمتنع عن الإجابة عن أي سؤال موجه له من طرف المحكمة بهذا الخصوص، على أنه ليس من حق  الطبيب أن يمتنع عن الامتثال أمام المحكمة متذرعا بالسر المهني.

وقد ذهب القانون والقضاء الفرنسي إلى أن السر يجب تأويله بمفهومه الواسع بحيث لا يقتصر على ما يمكن أن يفصح عنه المرضى أو محيطهم، بل يشمل كل ما يمكن للطبيب معاينته وسماعه بمناسبة مزاولته لمهنته[10]. وفي هذا الصدد ذهبت محكمة الاستئناف بباريس في قرارها المؤيد لحكم المحكمة الابتدائية في 18 يناير1996[11] إلى : “أن السر الطبي الذي يعاقب على عدم احترامه سواء جنائيا أو تأديبيا، يندرج في إطاره كل ما اطلع عليه الطبيب أثناء مزاولته لمهنته، أي ليس ما اعترف به المريض أمامه فحسب، ولكن  أيضا كل ما شاهد أو سمع أو أدرك”.

وقد فرض المشرع المغربي من خلال الفصل 446([12]) من القانون الجنائي التزاما بالمحافظة على السر المهني للطبيب، وفي نفس الوقت فرض المشرع على الطبيب التزاما آخر يتعلق بالتبليغ([13]).

أما بالنسبة للقضاء المغربي فإنه خلافا للقضاء الفرنسي يتسم بفراغ تام حول المسألة[14]، وعلى العموم فإن القضاء المغربي في تطبيقه للقواعد القانونية على قضايا المسؤولية الطبية ظل تابعا للقانون الفرنسي بصفة عامة، فعلى أساس اجتهاد قضاته وتفسير فقهائه اعتمد القاضي المغربي للبث في قضايا المسؤولية الطبية التي عرضت عليه([15]).

وهكذا يعاقب على كل افشاء للسر الطبي تم خارج الحالات التي يجيزها القانون بعقوبات جنائية وتأديبية وهو ما يستنتج من الفصل  446 من القانون الجنائي الذي ينص على حالة الاستثناء التي يجيزها القانون للفرد أو يوجب عليه فيها إفشاء السر، فبعض حالات الإفشاء لا تترتب عنها أية مخالفة وتعفي الفاعل من أية مسؤولية، وقد تكون لهذه الاستثناءات صلة بالمريض ذاته، الذي يحق له أن يكون على علم بمرضه، وذلك بتزويده بمعلومات واضحة وصادقة، سواء عن حالته أو عن التشخيص أو العلاج أو عن المخاطر التي تحدق به([16]). بالإضافة إلى استثناءات أخرى نص عليها القانون، من ذلك التصريحات بالولادة والوفاة والأمراض المعدية والمتنقلة جنسيا وبمدمني الكحول، الذين يشكلون خطورة على الغير والإجهاض… كل تلك الحالات تعفي الطبيب قانونا من التزامه بحفظ السر المهني([17]).

ج- الركن الثالث: أن يقع الإفشاء من الطبيب أو من في حكمه

تعتبر جريمة إفشاء السر الطبي من الجرائم التي تتطلب صفة خاصة في الجاني، بمعنى أن هذه الجريمة لا يقترفها أي شخص بل يقترفها شخص يتصف بصفة معينة، وهذه الصفة مستمدة من المهنة التي يزاولها، والعبرة في اشتراط هذا الركن أن أساس الجريمة هو الإخلال بالتزام ناشئ عن المهنة، وما تتطلبه من واجبات، وهذه الصفة يجب توافرها وقت العلم بالسر دون إفشائه([18]). وقد توسع المشرع الفرنسي في مفهوم الملتزمين بالسر، فلم يقصره على الأطباء الذين يقومون بالعلاج أو الجراحة وإنما جعله يشمل جميع الأطباء بما فيهم أطباء التخدير والأسنان والتحاليل والعيون وكذلك جميع العاملين في المهن الطبية والصحية ([19]).

أما المشرع المغربي فقد سار بدوره في هذا الاتجاه، حيث نص على مجموعة من الأشخاص الذين لهم اتصال بالأطباء، بحكم مهنتهم أو وظيفتهم الدائمة أو المؤقتة بحكم الضرورة، حيث تتاح لهم فرصة للاطلاع على السر كمساعدي الأطباء والمعاونين فنيين كانوا أو غير فنيين كالممرضين مثلا، وكذا طلبة الطب الذين يتدربون في المستشفيات والمراكز الاستشفائية([20]).

 

د- الركن الرابع: القصد الجنائي

تعد جريمة إفشاء السر الطبي من الجرائم العمدية التي يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد الجنائي، وهو يتحقق بمجرد أن يعلم الطبيب بأن للواقعة صفة السرية، وأن لهذا السر طابعا مهنيا. ويعلم كذلك بأن مهنته هي أساس كونه مؤتمنا على السر، كما ينبغي أن يعلم كذلك بأن المريض لم يصرح له بإذاعة سره، وأن تنصرف إرادة الطبيب إلى فعل الإفشاء وغلى النتيجة التي تترتب عليه، أي أن يعلم الغير بالواقعة التي لها صفة السر([21]).

وعليه فإن الطبيب لا يسأل إذا كان إفشاء السر نتيجة الإهمال أو عدم الاحتياط في المحافظة عليه، وكما لو كتب ورقة تتضمن بيانات وأسرار عن مريضه، وترك هذه الورقة على مكتبة إهمالا منه، فاطلع عليها آخرون ولا عبرة بالبواعث الدافعة إلى إفشاء السر الطبي. فالجريمة تتحقق سواء كان الدافع مشروعا أو مرذولا([22]).

ثانيا – عقوبة جريمة إفشاء السر الطبـي

إذا توافرت جريمة إفشاء السر بعناصرها الأساسية، وجب تطبيق العقوبة المقررة لها، وهي طبقا للمادة 446 من القانون المغربي عقوبة الحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من مائة وعشرين إلى ألف درهم.

والخلاصة أن أسرار المرضى تعتبر أمانة وإفشائها يعتبر خيانة وقد نهى الله تعالى عن خيانة الأمانة وقرر رسوله أن خيانة الأمانة من النفاق وعلاقة المرضى بالطبيب والمستشفى مبنية على عقد، ومن أسس هذا العقد المحافظة على أسرارهم لأن من واجب المستشفى حكما عدم الإقرار بهم وإلا وجبت مسؤوليته عن ذلك([23])..

 

قائمة المصادر والمراجع:

 

– أسامة عبد الله قايد، المسؤولية الجنائية للأطباء- دراسة مقارنة -، الطبعة الثانية  1990، دار النهضة العربية القاهرة.

– أسامة عبد الله قايد، المسؤولية الجنائية للطبيب عن إفشاء سر المهنة، الطبعة الثانية 1989، دار النهضة العربية، القاهرة.

– خالد خالص: “السر المهني للطبيب”، مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية، عدد 97 – نونبر – دجنبر 2002.

– مأمون الكزبري، شرح المسطرة المدنية الجزء الثاني، 1973، مطابع دار القلم، بيروت، ص: 291، مشار إليه لدى نور الدين الناصري، “الالتزام بالسر المهني (الأطباء، المحامون، الموظفون العموميون) “، مقال منشور بمجلة الملف، العدد 5، يناير 2005، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء.

– محمد أوغريس،  مسؤولية الطبيب في التشريع الجنائي، دراسة مقارنة، الطبعة الأولى 1994، مطبعة دار قرطبة، الدار البيضاء.

– محمود القبلاوي،  المسؤولية الجنائية للطبيب، طبعة 2005، دار الفكر الجامعي الإسكندرية.

– مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، السنة السادسة العدد الحادي والعشرون، أبريل- ماي- يوينو سنة 1994.

–  La cas (Marie- jeanne) « Les Obligations du médecin », thèse, Paris librairie générale de droit et de jurisprudence, 1938, n°312 et s.

–  Garraud (R) , « Traité théorique et pratique de droit pénal Français », Tomme 5 n° 2069, p : 353 et S

-georges boyer chammard-poul monzein , la responsabilité médicale, 1er édition 1974 presses universitaires français.

 

الفهرس:

 

مقدمة: 1

اولا  :أركان جريمة إفشاء السر الطبـي. 1

أ- الركن الأول: فعل الإفشاء. 1

ب – الركن الثاني: أن يكون ما تم إفشاؤه سرا 3

ج- الركن الثالث: أن يقع الإفشاء من الطبيب أو من في حكمه. 5

د- الركن الرابع: القصد الجنائي. 6

ثانيا – عقوبة جريمة إفشاء السر الطبـي. 7

قائمة المصادر والمراجع: 8

الفهرس: 10

 

 

 

[1] – محمود القبلاوي،  المسؤولية الجنائية للطبيب، طبعة 2005، دار الفكر الجامعي الإسكندرية، ص57.

[2]  أسامة عبد الله قايد، المسؤولية الجنائية للأطباء-دراسة مقارنة -، الطبعة الثانية  1990، دار النهضة العربية القاهرة، ص36.

[3] – أسامة عبد الله قايد، ، مرجع سابق، ص36.

[4]  مأمون الكزبري، شرح المسطرة المدنية الجزء الثاني، 1973، مطابع دار القلم، بيروت، ص: 291، مشار إليه لدى نور الدين الناصري، “الالتزام بالسر المهني (الأطباء، المحامون، الموظفون العموميون) “، مقال منشور بمجلة الملف، العدد 5، يناير 2005، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ص: 103.

[5] – خالد خالص: “السر المهني للطبيب”، مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية، عدد 97 – نونبر – دجنبر 2002، ص98.

[6] – محمود القبلاوي، المرجع السابق، ص57.

[7] – أسامة عبد الله قايد، المرجع السابق، ص35.

[8]  La cas (Marie- jeanne) « Les Obligations du médecin », thèse, Paris librairie générale de droit et de jurisprudence, 1938, n°312 et s.

مشار إليه لدى نور الدين الناصري، مرجع سابق، ص: 103.

[9]  Garraud (R) , « Traité théorique et pratique de droit pénal Français », Tomme 5 n° 2069, p : 353 et S

مشار إليه لدى نور الدين الناصري، المكان نفسه.

[10] -georges boyer chammard-poul monzein , la responsabilité médicale, 1er édition 1974 presses universitaires français. P 218.

[11] -حكم صادر عن محكمة الاستئناف بباريس، بتاريخ 18 يناير1996، مشار إليه لدى خالد خالص، المرجع السابق، ص 99.

[12]  – ينص الفصل 446 من القانون الجنائي المغربي في فقرته ا لثانية على: “… غير أن الأشخاص المذكورين أعلاه لا يعاقبون بالعقوبات المقررة في الفقرة السابقة:

1-إذا بلغوا عن إجهاض، علموا به بمناسبة ممارستهم مهنتهم أو وظيفتهم، وإن كانوا غير ملزمين بهذا التبليغ.

2-إذا بلغوا السلطات القضائية أو الإدارية المختصة أو الإدارية المختصة عن ارتكاب الأفعال الإجرامية أو سوء المعاملة أو الحرمان في حق الأطفال دون سن الثانية عشر علموا بها بمناسبة ممارستهم أو وظيفتهم.

3-إذا استدعي الأشخاص المذكورين للشهادة أمام القضاء في قضية متعلقة بالجرائم المشار إليها في الفقرة أعلاه، فإنهم أحرار في الإدلاء بشهادتهم أو عدم الإدلاء بها”.

[13]  – نور الدين الناصري، المرجع السابق، ص: 107.

[14] -خالد خالص، المرجع السابق، ص: 101.

[15]  نور الدين الناصري، المرجع ا لسابق، ص: 109.

[16]  خالد خالص، المرجع السابق، ص: 101

[17] – خالد خالص، المرجع السابق، ص: 102

[18] – محمود القبلاوي، المرجع السابق، ص63.

[19] – أسامة عبد الله قايد، المسؤولية الجنائية للطبيب عن إفشاء سر المهنة، الطبعة الثانية 1989، دار النهضة العربية، القاهرة، ص 745.

[20] – محمد أوغريس،  مسؤولية الطبيب في التشريع الجنائي، دراسة مقارنة، الطبعة الأولى 1994، مطبعة دار قرطبة، الدار البيضاء،  ص116.

[21]  محمد القبلاوي، المرجع السابق، ص: 64

[22] – محمود القبلاوي، المكان نفسه.

[23]  مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، السنة السادسة العدد الحادي والعشرون، أبريل- ماي- يوينو سنة 1994، ص: 248.

Exit mobile version