Site icon مجلة المنارة

تنازع القوانين في أحكام المسؤولية التقصيرية المترتبة على التصادم البحري

المقدمة:

لم يحظَموضوع التصادم البحري قديماً بالأهمية التي يحظى بها في أيامنا، فقد كان التصادم حادثاً قليل الوقوع أيام السفن الشراعية نظراً لبطء سرعتها وقلة مناورتها، فهو لم يكن يحدث إلا في الموانئ ونادراً ما كان يقع في أعالي البحار، على أنّ الأمر اختلف بعد ذلك تبعاً لتطور صناعة السفن وتقدم التكنولوجيا في مجال النقل البحري، إذ ترتب على زيادة سرعة السفن البخارية وغيرها أن زادت نسبة حوادث التصادم البحري عمّا كانت عليه، خاصةً في منطقة أعالي البحار.

وقد كانت هذه الاعتبارات المستحدثة هي السبب الرئيس الكامن وراء الاهتمام المتزايد بتقنين الأعراف البحرية الدولية بشأن التصادم البحري وسلامة الأرواح في البحار، وقد تمثل هذا الاهتمام فيما بعد في المحاولات المتكررة لتوحيد الأحكام القانونية للتصادم البحري، وهي المحاولات التي أسفرت عن توقيع اتفاقية بروكسل لعام 1910 بخصوص التصادم البحري، التي شكلت الأساس الذي استندت إليه العديد من التشريعات الوطنية، ومنها التشريع الأردني.

ورغم أنّ توحيد بعض الأحكام الموضوعية المتعلقة بالتصادم البحري بمقتضى اتفاقية بروكسل لعام  1910 قد ضيّق من نطاق التنازع المحتمل حدوثه بين القوانين الوطنية في هذا المجال – وهو ما أدى من حيث النتيجة إلى قلة اهتمام الفقه بدراسة مشكلة التنازع في هذا الموضوع – إلا أنّ الأمر الذي لا شك فيه هو أنّ اتفاقية بروكسل لعام 1910 لم تحل مع ذلك دون قيام ظاهرة تنازع القوانين في مسائل المسؤولية التقصيرية المترتبة على التصادم البحري.

ويرجع ذلك إلى أنّ اتفاقية بروكسل لعام 1910 الخاصة بالتصادم البحري، شأنها في ذلك شأن أي اتفاقية دولية أخرى، قد حددت نطاقاً لتطبيق أحكامها، ومن هنا يمكن تصوّر قيام التنازع في شأن علاقات المسؤولية التقصيرية المترتبة على التصادم البحري الذي يخرج عن مفهوم التصادم البحري كما حددته الاتفاقية، بل إنّ خضوع علاقة المسؤولية محل النزاع للأحكام الموضوعية الموّحدة التي تضمنتها اتفاقية بروكسل لا يستبعد قيام التنازع في بعض الحالات، ويحدث ذلك بصفة خاصة بالنسبة للمسائل التي لم تتصدّ الاتفاقية لوضع حلول موضوعية لها، وهو ما يقتضي منا تحديد القانون الواجب التطبيق في شأن المسائل المسكوت عنها، وبالتالي لا بدّ لنا من الرجوع إلى المبادئ العامة في تنازع القوانين.

أهمية البحث: تكمن أهمية البحث في مجال القانون الدولي الخاص فيما يثيره من إشكاليات قانونية عديدة كانت سبباً في اختيارنا لهذا البحث، أضف إلى ذلك، غياب الاهتمام الفقهي في الدول العربية بمسألة تنازع القوانين وتحديد القانون الواجب التطبيق فيما يتعلق بالمسؤولية التقصيرية المترتبة على التصادم البحري، ولا سيما في المسائل التي تخرج عن نطاق تطبيق الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، خاصة اتفاقية بروكسل لعام 1910، وذلك بخلاف الفقه الفرنسي الذي أسهب في شرح هذا الموضوع بشكل مستفيض.

إشكالية البحث:يثير هذا الموضوع العديد من الإشكاليات القانونية، وهي إشكاليات لا تخرج في الحقيقة عن تلك التي تترتب عن العلاقات الدولية الخاصة، وتتمثل التساؤلات التي يثيرها البحث فيما يلي:

– ما هي شروط انطباق اتفاقية بروكسل لعام 1910 وما هي المسائل التي تخرج عنها لتخضع لمسألة تنازع القوانين؟

– ما هي المسائل التي سكتت عنها اتفاقية بروكسل لعام 1910 فكانت محلاً للتنازع بينها وبين غيرها من الاتفاقيات الدولية؟

– ما القانون المنطبق على المسؤولية التقصيرية المترتبة على التصادم البحري سواء في المياه الإقليمية أو منطقة أعالي البحار؟

– هل كان الفقه والقضاء الأجنبي موّفقاً في اختيار المعيار الأنسب لحكم هذه المسألة؟ وما مبررات كل اتجاه وعيوبه؟

منهج البحث: اتبع الباحث في دراسته المناهج التالية:

– المنهج الوصفي: في التعريف بالمفاهيم الواردة في الدراسة، وبيان الإجراءات والأحكام الخاصة بموضوع البحث.

– المنهج القانوني التحليلي: من خلال تحليل النصوص القانونية لاتفاقية بروكسل والقانون الأردني، إضافة إلىدراسة أحكام الاجتهاد المقارن.

– المنهج المقارن: وبموجبه تتم المقارنة بين مواقف الفقه والقضاء المقارن المتباينة، وبيان كيفية نشوء التنازع في تفسير النصوص التشريعية والعمل على حلّها، مع الإشارة في هذا المجال إلى القانون الأردني.

– تقسيم البحث: تمّ تقسيم هذا البحث إلى مبحثين رئيسين، نتناول في المبحث الأول منهما نطاق تطبيق اتفاقية بروكسل لعام 1910 الخاصة بالتصادم البحري وما يخرج عنها، ومن ثمّ نبحث في الثاني تحديد القانون الواجب التطبيق على المسؤولية التقصيرية المترتبة على التصادم البحري في المياه الإقليمية أو في منطقة أعالي البحار.

المبحث الأول-نطاق تطبيق اتفاقية بروكسل لعام 1910([1]):

نعرض في هذا المبحث لنطاق تطبيق اتفاقية بروكسل لعام 1910 في شان توحيد بعض القواعد المتعلقة بالتصادم البحري، حتى يمكننا الكشف عن علاقات المسؤولية التي تخضع للأحكام الموضوعية الموّحدة التي تتضمنها الاتفاقية المذكورة.

على أنّ دخول علاقة المسؤولية محل النزاع في إطار تطبيق الاتفاقية لا يعني بالضرورة خضوع جميع المسائل المتعلقة بهذه العلاقة للأحكام المقررة في هذه الاتفاقية، ذلك أنّ اتفاقية بروكسل قد سكتت عن بيان الأحكام الموضوعية الواجبة التطبيق في شأن بعض مسائل المسؤولية المترتبة على التصادم البحري، فتركت على هذا النحو المجال مفتوحاً لتنازع القوانين في شأن هذه المسائل.

وبناء عليه، سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين: يُعنى الأول منهما بشروط تطبيق أحكام اتفاقية بروكسل لعام 1910، وأما الآخر فيبحث في تنازع القوانين المثار لدى المسائل التي تخرج عن نطاق تطبيق هذه الاتفاقية.

المطلب الأول- شروط تطبيق اتفاقية بروكسل لعام 1910:

        يمكننا القول أنّ اتفاقية بروكسل لعام 1910 قد اكتفت بالتنظيم الموضوعي الموّحد لبعض أحكام المسؤولية المترتبة على التصادم البحري الذي يتضمن عنصراً أجنبياً دون أن تتطلب من الدول المتعاقدة تطبيق هذه الأحكام في إطار علاقات المسؤولية بين الوطنيين، فهذه الأخيرة تظلّ محكومة بالتشريعات الداخلية للدول المتعاقدة، وهو ما يُبرر اعتبارها جزءاً من القانون الدولي الخاص المادي، على حدّ تعبير جانب من شرّاح هذا الفرع من فروع القانون)[2](.

وإنّ تطبيق الأحكام الخاصة بالتصادم البحري يقتضي توافر جملة من الشروط التي جاءت بها اتفاقية بروكسل لعام 1910، وهذه الشروط هي:

أولاً- شرط انتماء السفن المتصادمة إلى الدول المتعاقدة: اشترطت الاتفاقية لتطبيق أحكامها أن تكون جميع السفن المتصادمة تابعة لدول مختلفة موقعة على الاتفاقية أو منضمة إليها، أي سفن ترفع كلّ منها علم دولة متعاقدة.

فإذا ما تحقّق هذا الشرط، الذي نصت عليه المادة (12) من اتفاقية بروكسل لعام 1910، تعيّن تطبيق الأحكام الموّحدة التي تتضمنها على جميع أصحاب الشأن، أي على كلّ من المدعين والمدعى عليهم في دعوى المسؤولية التقصيرية المترتبة على التصادم، أيّاً كانت جنسياتهم، طالما أنّ السفن المتصادمة تابعة لدول مختلفة موّقعة على الاتفاقية أو منضمة إليها، فالنص لا يشترط أن يكون مالك السفينة أو مجهزها أو أي من المسافرين أو الشاحنين أو غيرهم من ذوي الشأن في الدعوى متمتعاً بجنسية إحدى الدول الأطراف حتى تنطبق أحكام الاتفاقية([3]).

ومع ذلك، فقد وضعت الفقرة الثانية من المادة (12) من اتفاقية بروكسل لعام 1910 تحفظين مهمين على مبدأ تطبيق الأحكام الموّحدة في حالة التصادم الواقع بين سفن تابعة لدول متعاقدة، وهما:

1- التحفظ الأول الوارد بالبند الأول ومفاده: “إذا كان أصحاب الشأن تابعين لدول غير متعاقدة فإنه يمكن تعليق تطبيق أحكام الاتفاقية بالنسبة لكلّ دولة على شرط التبادل”.

والتفسير الصحيح لهذا التحفظ هو أنه لو وقع التصادم بين سفن تابعة لدول متعاقدة ورفع النزاع أمام محاكم إحدى هذه الدول، فإنه يجوز لهذه المحاكم أن تعلّق تطبيق أحكام الاتفاقية رغم ذلك على شرط التبادل، ما دام أنّ ذوي الشأن (الدائن المضرور والمدين المسؤول) يتمتعون بجنسية دولة غير متعاقدة.

2- التحفظ الثاني الذي تضمنه البند الثاني ومفاده: “عندما يكون جميع أصحاب الشأن تابعين لنفس الدولة التي ترفع الدعوى أمام محكمتها فإنّ القانون الوطني (لهذه الدولة) هو الذي يطبّق وليست الاتفاقية”.

ومؤدى ذلك، ألا تنطبق أحكام الاتفاقية ولو كانت السفن المتصادمة ترفع علم دولة من الدول الأعضاء، وذلك فيما لو كان جميع أصحاب الشأن يتمتعون بجنسية نفس الدولة التي ترفع الدعوى أمام محاكمها، وإنما يطبّق في هذه الحالة قانونهم الوطني المشترك، وهو قانون القاضي المطروح أمامه النزاع في الوقت نفسه([4]).

ولعلّ أول ما تجب الإشارة إليه بخصوص هذا التحفظ، هو أنّ تطبيق القانون الوطني المشترك بدلاً من الأحكام الموّحدة التي تتضمنها الاتفاقية مشروط بوحدة الجنسية “جميع أصحاب الشأن”، فلا يكفي في هذا المجال اتحاد علم السفن المتصادمة مثلاً، وإنما يجب أيضاً أن يتمتّع جميع أصحاب الشأن بجنسية الدولة التي تتبعها السفن المتصادمة، والتي رُفعَ النزاع أمام محاكمها.

ويثور التساؤل هنا عمّا إذا كان المقصود بتطبيق قانون الجنسية المشتركة على هذا النحو هو تطبيق الأحكام الموضوعية في هذا القانون، وفي الواقع هذا ما رآه بعض الشرّاح الذين ظنّوا أنّ البند الثاني من الفقرة الثانية من المادة (12) من اتفاقية بروكسل لعام 1910 قد تضمن بذلك قاعدة إسناد موّحدة تقضي بتطبيق قانون العلم المشترك للسفن المتصادمة على دعوى المسؤولية المترتبة على التصادم([5]).

ونحن نخالف هذا الرأي فيما انتهى إليه ونرى أنّ المادة (12) من اتفاقية بروكسل لعام 1910 لا تتضمن أي قاعدة إسناد تقضي بتطبيق قانون الجنسية المشتركة أو العلم المشترك، فيما لو كان هذا القانون هو قانون القاضي في الوقت نفسه حتى يُقال بوجوب تطبيق الأحكام الموضوعية في هذا القانون، إعمالاً لقاعدة التنازع المدعى بوجودها، فالبند الثاني من الفقرة الثاني من المادة (12) قد اكتفى بتقرير عدم انطباق الاتفاقية والإحالة في هذا الشأن إلى قانون الجنسية المشتركة لذوي الشأن، وهو قانون العلم المشترك وقانون القاضي في الوقت نفسه.

والغالب أن يؤدي الرجوع إلى قواعد الإسناد في دولة القاضي في كثير من الأحيان إلى تطبيق الأحكام الموضوعية في القانون ذاته على المسؤولية المترتبة على التصادم البحري، إما باعتبارها الأحكام الموضوعية السائدة في القانون المحلي، أو بوصفها الأحكام المقررة في قانون العلم المشترك أو قانون القاضي، وذلك عملاً بالمبادئ العامة في تنازع القوانين([6]).

ثانياً- تطبيق الاتفاقية غير مرتبط بالمياه التي وقع فيها التصادم:ويكفي لتطبيق الأحكام الموّحدة على جميع أصحاب الشأن أن تكون السفن المتصادمة تابعة لدول موقّعة على الاتفاقية، وذلك “بصرف النظر عن المياه التي حصل فيها التصادم” (وذلك استناداً لنص المادة الأولى من اتفاقية بروكسل لعام 1910، ويقابلها نص المادة 236 من قانون التجارة البحرية الأردني رقم 12 لعام 1972).

وعلى ذلك تطبّق الأحكام الموّحدة في الاتفاقية سواء وقع التصادم في منطقة أعالي البحار أو في المياه الإقليمية التابعة لإحدى الدول المتعاقدة أو التابعة لدولة غير طرف في الاتفاقية([7]).

على أنّ الآثار العملية للخلاف بين الحلّ الذي اعتنقته الاتفاقية والحلول المقررة في المبادئ العامة لا تظهر في الحالات التي يقع فيها التصادم في المياه الإقليمية لدولة متعاقدة استقت أحكام تشريعها الداخلي في شأن التصادم البحري من الأحكام الموّحدة المقررة في اتفاقية بروكسل لعام 1910، كما هو الحال في الأردن، إذ تكاد لا توجد آثار عملية في هذه الحالة للتمييز بين تطبيق أحكام الاتفاقية على التصادم البحري الذي وقع في المياه الإقليمية الأردنية مثلاً وبين تطبيق القانون البحري الأردني بوصفه القانون المحلي (أي قانون محل وقوع الفعل المنشئ للالتزام)، ما دام الفرض أنّ هذا القانون يتطابق في أحكامه مع الأحكام الموّحدة التي قررتها اتفاقية بروكسل.

ثالثاً- الوصف المتطلب للسفن الأطراف في التصادم البحري: تنص المادة الأولى من اتفاقية بروكسل لعام 1910 على أنه: “عند حصول تصادم بين سفن بحرية أو بين سفن بحرية وسفن ملاحة داخلية تسوّى التعويضات المستحقة عن الخسائر اللاحقة بالسفن وكذلك الأشياء والأشخاص الذين يكونون على ظهرها طبقاً للنصوص الآتية بصرف النظر عن المياه التي حصل فيها التصادم”([8]).

ومن خلال استقراء النص السابق يتضح لنا أنّ الاتفاقية قد اعتدّت بصفة المنشآت أو السفن أطراف التصادم البحري ولو وقع هذا التصادم في المياه الإقليمية أو الداخلية، ولهذا فهي اشترطت لتطبيق أحكامها أن تكون إحدى السفن المتصادمة على الأقل من السفن البحرية، وعليه فالتصادم الذي يقع بين سفينة بحرية وإحدى مراكب الملاحة النهرية يُعدّ تصادماً بحرياً وفقاً للمفهوم الذي حددته الاتفاقية.

ولقد اهتمّ الفقه في مجمله بتعريف السفينة، حيث يرى الفقهاء أنّ أية منشأة تقوم بالملاحة البحرية بصفة معتادة فهي سفينة، وصفتها المذكورة تثبت لها من تخصيصها لمباشرة دورها في الملاحة، فشروط وجود السفينة هي: أن تكون عائمة، وأن تكون مخصصة وصالحة للملاحة البحرية، وأن تقوم بهذه الملاحة على وجه الاعتياد([9])، وهي شروط نصت عليها العديد من التشريعات الوطنية التي اهتمت بوضع تعريف للسفينة، ومن بينها قانون التجارة البحرية الأردني رقم /12/ لعام 1972، حيث عرّفت المادة الثالثة منه السفينة بأنها: “كلّ مركب صالح للملاحة أياً كان محموله وتسميته، سواء أكانت هذه الملاحة تستهدف الربح أم لم تكن، وتعتبر جزءاً من السفينة جميع التفرعات الضرورية لاستثمارها”.

ويتضح من التعريف السابق أنّ المشرع الأردني لم يحدد ماهية الملاحة، وفيما إذا كانت الملاحة التي تستخدم بها القوارب مشمولة بمفهوم الملاحة أم لا، وكان الأجدر بالمشرع تخصيص مصطلح “الملاحة” بوصفه ملاحة بحرية، وبذلك يخرج عن هذا المفهوم الملاحة النهرية وملاحة العائمات التي لا تعدّ سفناً بحرية، والمحكمة هي التي تقرر ما إذا كانت المنشأة قادرة على الملاحة البحرية لإعطائها وصف السفينة([10])، كما اكتفى المشرع الأردني بأن تكون السفينة صالحة للملاحة، وكان من المستحسن الإشارة إلى أن تكون صالحة للملاحة البحرية ومخصصة على وجه الاعتياد لذلك([11])، وهذا ما أقرّته محكمة التمييز الأردنية بأنّ ما يميّز السفينة عن غيرها من الأجسام العائمة هو أنها مركب قابل للملاحة البحرية وتستعمل كوسيلة انتقال([12]).

ويرى الباحث أنّ وصف السفينة ينطبق على كلّ منشأة تستخدم للملاحة البحرية، بغض النظر عن شكلها أو حمولتها أو حجمها، ويدخل في ذلك سفن الصيد والنزهة – سواء أبحرت بقوّة الريّاح أو الشراع أو بقوّة البخار أو الديزل أو بالطاقة النووية، ويلحق بتعريف السفينة كمنشأة كلّ ملحقاتها سواء أكانت متصلة بجسمها أم منفصلة عنها، مثل القوارب وأجهزة الإنذار والكشف والراديو وكلّ التفرعات اللازمة لخدمة السفينة وما يُباع معها([13]).

ولقد ثار الكثير من الجدل حول بعض الحالات الخاصة بتحديد وصف السفينة ومدى خضوع مركباتها لأحكام اتفاقية بروكسل لعام 1910 ومنها:

1- المنزلقات الهوائية “Hover craft”: وهي منشآت تسير على الأرض وعلى سطح الماء بصورة منزلقة على وسائد هوائية نتيجة ردّ فعل الهواء من دون أن يحصل احتكاك فعلي بالأرض أو بالماء، ولا زال الخلاف قائماً بشأنها فيما إذا كانت هذه تعدّ من السفن أم من الطائرات أم أنّ لها وصفاً آخر([14]).

        وإننا نميل إلى الرأي الذي يُسبغ على المنزلقات الهوائية صفة السفينة متى كانت تزاول نشاطها الرئيس فوق سطح البحر على اعتبار أنها تقوم في هذه الحالة بالملاحة البحرية وتتعرّض لمخاطر البحر كالتصادم والغرق([15]).

2- السفن الحربية([16]) والسفن المخصصة لخدمة عامة([17]):لا تنطبق أحكام التصادم البحري إذا وقع بين سفينة خاصة وسفينة حكومية، سواء كانت حربية أو مخصصة لخدمة عامة، وهذا ما ورد في المادة (11) من اتفاقية بروكسل لعام 1910 حيث جاء فيها: “لا تطبق أحكام الاتفاقية الحالية على السفن الحربية وسفن الحكومة المخصصة كلية لخدمة عامة”.

ويبدو أنّ سبب عدم إخضاع التصادم التي تتورط فيه السفن الحربية والسفن المخصصة لخدمة عامة لأحكام اتفاقية بروكسل لعام 1910 أنّ مثل هذه السفن تتمتّع وفقاً للعرف الدولي بالحصانة القضائية أمام محاكم الدول الأجنبية، وبصفة خاصة الحصانة في مواجهة إجراءات الحجز والتنفيذ([18])، ويرى الباحث أنه استناد خاطئ لكونه يتضمن خلطاً بين تنظيم المسؤولية المدنية المترتبة على التصادم البحري من ناحية، وإجراءات الحجز والتنفيذ التي يمكن أن تتعرّض لها هذه السفن بعد القضاء بمسؤوليتها من ناحية أخرى.

ولهذا فقد أخذ المشرع الأردني بخلاف هذا الرأي حين نصّ في المادة (244) من قانون التجارة البحرية الأردني رقم /12/ لعام 1972 على ما يلي: “تطبق أحكام هذا الباب على السفن الحربية وسفن الدولة المخصصة بدائرة رسمية”.

3- السفن الشقيقة: قد يحدث أن يقع تصادم بين سفينتين، ويتضح أنهما مملوكتان للمجهز نفسه، وهذا ما يُعرف بحالة التصادم بين السفن الشقيقة، فهل يخضع مثل هذا التصادم للقواعد المقررة في القانون البحري؟

يذهب جانب من الفقه الغربي إلى رفض إخضاع مثل هذه السفن لأحكام اتفاقية بروكسل لعام 1910 لسبب بسيط وهو أنّ السفن لا تعتبر شخص من أشخاص القانون، وبالتالي لا يمكن لشخص أن يكون مسؤولاً تجاه نفسه([19]).

وإننا نميل للرأي الآخر الذي يرى ضرورة تطبيق أحكام التصادم حتى ولو حدث بين سفينتين مملوكتين للمجهز نفسه، ومبرر ذلك هو أنّ كلاً من السفينتين تعتبر “ثروة بحرية مستقلة”، وغالباً ما يُؤمّن عليها لدى مؤمّنين مختلفين)[20](.

رابعاً- ألا يقتصر التصادم البحري على مفهومه المادي:لقد كان المعنى اللغوي السائد للتصادم يقتضي وجوب حصول احتكاك أو التحام فعلي بين المنشأتين العائمتين، إلا أنّ واضعي اتفاقية بروكسل لعام 1910 الخاصة بالتصادم ارتأوا عدم الوقوف عند المعنى الضيّق لمفهوم التصادم، حيث جاء في المادة (13) منها ما يلي: “تطبّق الاتفاقية الحالية على تعويض الخسائر التي تسبّبها سفينة لأخرى أو للأشياء أو الأشخاص الذين يكونون على متنها من جرّاء عمل مناورة أو إغفال أو عدم إتباع اللوائح ولو لم يكن هناك تصادم”، وهذا التوّسع نجده معتمداً في قانون التجارة البحرية الأردني رقم /12/ لعام 1972، إذ جاء في المادة (241) منه ما يلي: “تطبّق الأحكام السابقة في غير وقوع التصادم على التعويض من الأضرار التي تسببها سفينة لسفينة غيرها أو لما على متنها من أشياء أو أشخاص بقيامها بحركة أو بإغفالها حركة أو بعدم مراعاتها الأنظمة”.

وعليه، فإنه وفقاً لاتفاقية بروكسل لعام 1910 وقانون التجارة البحرية الأردني رقم /12/ لعام 1972 يمكن النظر للتصادم البحري من ناحيتين: الأولى يأخذ فيها التصادم صورته التقليدية التي تفيد وقوع ارتطام مادي مباشر أو احتكاك فعلي بين المنشأتين العائمتين، وهنا يتطابق المعنى اللغوي مع المعنى القانوني لمصطلح “التصادم”، أما الناحية الثانية فينظر فيها للتصادم بمفهوم أوسع بحيث يحدث التصادم ولو لم يقع احتكاك مادي بين المنشأتين العائمتين، ولقد بيّنت اتفاقية بروكسل لعام 1910 وكذلك القانون البحري الأردني حالات التوسّع بمفهوم التصادم البحري، وهي حالتين اثنتين: الأولى تقنية: سببتها المناورة في الملاحة وذلك إما بالخطأ في تنفيذ المناورة، وإما بإهمالها لها ممّا يؤدي إلى وقوع أضرار بسفينة أخرى، ومثال ذلك إلحاق أضرار بسفينة صغيرة سببتها دوّامة خلّفتها سفينة كبيرة نتيجة اندفاعها بسرعة وشقّ الأمواج خلفها بقوّة، أما الحالة الثانية فهي قانونية: تتمثل في عدم احترام السفينة ومخالفتها لقواعد الملاحة البحرية، سواء أكان مصدر هذه القواعد اتفاقيات دولية أو قوانين وطنية([21]).

على أنه إذا وقع التصادم في صورة الارتطام المادي فإنه لا يهم أن يكون هذا الارتطام قد تمّ بين السفينتين أطراف دعوى التصادم، إذ قد ترتطم سفينة معينة بأخرى فتدفعها للارتطام بسفينة ثالثة، فإذا كان الارتطام قد تمّ بخطأ السفينة الأولى لا الثانية ممّا ترتب عليه أضرار بالسفينة الثالثة، فإنّ لمالك السفينة الأخيرة أن يرفع دعواه على السفينة التي لم ترتطم ارتطاماً مادياً بالسفينة المضرورة، ويقال حينئذٍ أنّ “التصادم البحري قد وقع بالواسطة”([22]).

خامساً- شرط انتفاء العلاقة التعاقدية السابقة بين كلّ من المسؤول والمضرور: لمّا كان من المقرر أنّ قواعد التصادم البحري لا تطبّق إلا على المسؤولية التقصيرية المترتبة على التصادم الواقع بين منشأتين عائمتين، فيبدو من البديهي أن تخرج الحالات التي لا تشكّل مسؤولية تقصيرية من هذه الحالات، وعليه لا مجال لتطبيق قواعد التصادم البحري وفقاً لأحكام اتفاقية بروكسل لعام 1910 إذا كان هذا التصادم يندرج ضمن نطاق المسؤولية العقدية، أي عندما تكون هناك علاقة عقدية مسبقة تربط بين المنشأتين العائمتين، ومثالها عقد نقل البضائع أو الأشخاص المبرم بين الناقل وأي من المسافرين أو الشاحنين، حيث يخضع العقد برمته لقانون الإرادة الصريحة أو الضمنية، فإذا انتفى هذا الضابط، فإننا نلجأ لقانون علم السفينة([23])، أو عند وجود عقد قطر أو إرشاد بين السفينتين المتصادمتين، فعندئذٍ تخضع دعوى المسؤولية في هذا الفرض إلى القانون الواجب التطبيق على العقد المبرم بين السفينتين([24]).

المطلب الثاني- تنازع القوانين في المسائل المستثناة من تطبيق اتفاقية بروكسل لعام 1910:

        رغم أنّ اتفاقية بروكسل لعام 1910 الخاصة بالتصادم البحري تعتبر من الاتفاقيات التي لم تكتفِ بتوحيد ضابط الإسناد، وإنما ذهبت إلى حدّ توحيد القواعد الموضوعية، فإنه يُلاحَظ مع ذلك سكوت هذه الأخيرة كلية عن بعض المسائل التي تهمّ التصادم، وهذا أمر طبيعي، إذ أنّ واضعو الاتفاقيات الدولية، ومهما بلغوا من الدقّة، فإنه ليس بإمكانهم الإلمام بجميع الإشكاليات نظراً لعدم إمكانية التنبؤ بما قد يقع مستقبلاً من حوادث ولتغيّر طبيعة العلاقات الدولية والمسائل التي تحكمها من وقتٍ لآخر، عدا عن تعمّد واضعي الاتفاقية في عدم التعرّض لبعض المسائل الخلافية.

وبالنظر إلى اتفاقية بروكسل لعام 1910 الخاصة بالتصادم فإننا سنجدها خالية من أي تنظيم موضوعي بخصوص ثلاث مسائل أساسية، تتعلق بتحديد مسؤولية مالك السفينة، ومسألة التعارض بين قواعد المسؤولية التضامنية عن الأضرار البدنية وبين أحكام المسؤولية المحدودة لمالكي السفن البحرية، وأخيراً مسألة وقف تقادم دعوى المسؤولية وانقطاعه، وهو ما سنعنى بإيضاحه وفق التفصيل الآتي:

أولاً- تحديد مسؤولية مالك السفينة: لم تتعرّض اتفاقية بروكسل لعام 1910 لمسألة من أكثر المسائل حساسية في القانون البحري، وهي مسألة تحديد مسؤولية مالك السفينة التي ارتكبت الخطأ، وقد نصت المادة العاشرة من الاتفاقية على أنّ الأحكام التي تتضمنها لا تؤثر “على القواعد المقررة لتحديد مسؤولية مالكي السفينة كما هي مفروضة في كلّ بلد”.

وإنّ مسؤولية مالك السفينة عن أعمال تابعيه البحريين هي مسؤولية تقصيرية لا تنشغل إلا إذا ثَبُتَ فعله الضار (خطؤه)([25])، فقد استقرّ اجتهاد محكمة التمييز الأردنية على أنّ مسؤولية مالك السفينة الذي لم يتخذ مركز الناقل هي مسؤولية تقصيرية([26])، ويُفترض تطبيقاً للقواعد العامة أن تكون مسؤولية مالك السفينة مطلقة، فتكون كلّ أمواله ضامنة للوفاء بديونه، ومع ذلك نجد في القانون البحري ما يفيد الخروج عن هذه القاعدة، حيث يُعترَف للمالك بحقّ تحديد مسؤوليته([27]).

ويعود مبدأ تحديد المسؤولية بأنماطه المختلفة إلى القرن السادس عشر، وكانت الفكرة الأساسية وراء تقرير هذا المبدأ وجوب تقديم كلّ تشجيع ودعم لمالكي السفن ومجهزيها والناقلين بغية الاستمرار في عملهم المحفوف بالمخاطر، فالدخول إلى البحر بالسفينة عبارة عن مهنة فيها طابع المغامرة، لذلك يجب تشجيعها وتنميتها بغية ازدهار التجارة البحرية، وبذلك يتوافر للدولة أسطول تجاري قوّي يحقق حاجياتها الاقتصادية، فضلاً عمّا يؤدي إليه ذلك من خفض أجور الشحن ونمو التجارة الدولية)[28](.

ولم يكن مبدأ تحديد مسؤولية مالك السفينة معروفاً في الحقوق الرومانية، ولم يظهر إلا في القرون الوسطى عندما لجأ التجار إلى إيجاد “عقد توصية” للتخلص من الأحكام المانعة للقرض بفائدة والتي كان رجال الكنيسة يدافعون عنها بقوّة، وبذلك صارت التجارة البحرية تقوم على نوع من الشركة يقدّم فيه المجهز حصة معينة من رأس المال، وهي سفينته، وتنحصر مسؤوليته عن التزامات الشركة بمقدار هذه الحصة، فلما أباحت القوانين الوطنية الإقراض بفائدة ولم تعد هناك حاجة للالتجاء إلى عقود التوصية لم يستتبع ذلك إطلاق مسؤولية مالك السفينة، بل أصبح تحديد المسؤولية هدفاً مقصوداً بذاته، له مبرراته ودواعيه من طبيعة الاستغلال البحري ذاته، فكان لا بدّ من الاحتفاظ به في حقوقنا المعاصرة، وتنظيم أحكامه بطريقة تتوافق مع الأساليب الحديثة في المجال البحري([29]).

وقد ساد العالم أسلوبين مختلفين لتحديد مسؤولية مالك السفينة، الأول يعتمد نظام الترك، والآخر يعتمد مبدأ التحديد الجزافي، وذلك وفق التفصيل الآتي:

1- نظام الترك القديم (النظم اللاتينية والجرمانية): في الماضي، كانت معظم النظم القانونية البحرية تأخذ بنظام الترك والتخلي عن السفينة وأجرتها وتفرعاتهما مقابل الديون البحرية التي تنشأ عن استغلالها التجاري، وكانت مستقرة آنذاك على أنّ الترك يتعلق بالرحلة التي نشأ فيها الالتزام وأنّ الرحلة هي الوحدة التي يحصل على أساسها التعويض وتصفية العناصر الإيجابية والسلبية للثروة البحرية، وتتحدد الرحلة البحرية من الوقت الذي تبحر فيه السفينة من مرفأ الاستغلال لحين عودتها إليه وفضّ تجهيزها([30]).

        ويعدّ نظام الترك أقدم نظام لتحديد مسؤولية مالك السفينة، وقد أخذت به اتفاقية بروكسل المتعلقة بتحديد مسؤولية مالكي السفن البحرية لعام 1924، إذا تعتبر هذه الاتفاقية أنّ السفينة وأجرتها وتفرعاتهما ضمانة عينية لوفاء الديون الناجمة عن استغلال السفينة، فتتمثل الضمانة العينية بالقيمة الفعلية للسفينة وإذا هلكت زالت أصلاً وتعذّر على الدائنين التنفيذ بالفائض على ما لمالك السفينة من أموال أخرى([31]).

2- نظام التقدير الجزافي للتعويض (النظام الأنجلوسكسوني): ويقوم هذا النظام القانوني على أساس تحديد مسؤولية مالكي السفن البحرية بمبلغ جزافي يُقدّر وفق حمولة السفينة، وبحسب الضرر الحاصل (مادي، بدني)، إذ يُعتد بوحدة الحادث الذي نشأ عنه الدين كأساس لتحديد مسؤولية مالك السفينة، بحيث يجب تكوين صندوق للتعويضات عن كلّ حادث مستقل نجمت عنه الديون في معرض استغلال السفينة تجارياً ولو تعدّدت هذه الحوادث في الرحلة الواحدة، فتتعدد التعويضات بتعدد الحوادث، وتستقلّ كلّ مجموعة من الدائنين بالتعويضات المستحقة للحادث الذي نجمت عنه حقوق تلك المجموعة([32]).

ويأخذ بهذا الاتجاه اتفاقية بروكسل بشأن تحديد مسؤولية مالكي السفن البحرية لعام 1957، حيث تقضي بمبلغ يعادل (3100) فرنك ذهبي (بوانكاريه) عن كلّ طن من حمولة السفينة بالنسبة للأضرار البدنية، ومبلغ (1000) فرنك ذهبي (بوانكاريه) عن كلّ طن من حمولة السفينة بالنسبة للأضرار المادية، وذلك استناداً لنص المادة الثانية منها.

ثمّ جاءت اتفاقية لندن بشأن تحديد مسؤولية مالكي السفن بالنسبة للمطالبات البحرية لتحلّ محل سابقاتها، بحيث قسّمت المبالغ المستحقة للتعويض إلى مجموعتين، تختصّ الأولى بالدعاوى الناشئة عن الوفاة والإصابات البدنية، بينما تختصّ الثانية بالأضرار المادية التي تحدثها السفينة لمنشآت المرفأ أو التي تقع على متن السفينة أو ما يتعلق منها مباشرةً بالملاحة البحرية أو بتشغيل السفينة، كما فرّقت في حدود المسؤولية بين السفن التي تقلّ حمولتها عن 500 طن وما يزيد على ذلك وفق نسب معينة تتناسب عكساً مع حمولة السفينة([33]).

أما فيما يتعلق بتحديد القانون الواجب التطبيق على مسألة تحديد مسؤولية السفينة التي تخرج بدورها عن نطاق تطبيق اتفاقية بروكسل لعام 1910 الخاصة بالتصادم البحري، فقد اختلف الفقه بشأنها إلى عدّة آراء، يمكننا ردّها إلى نظريتين، الأولى تُعرَف بنظرية الارتباط أو الخضوع، والثانية هي نظرية الاستغلال.

1- نظرية الارتباط أو الخضوع: يرى أنصار هذا الرأي إخضاع مسألة تحديد مسؤولية مالك السفينة للقانون نفسه الذي يحكم المسؤولية من حيث شروطها وآثارها على اعتبار أنّ تحديد المسؤولية هو من آثار هذه المسؤولية، وهذا يعني أنه في مجال التصادم البحري، وباعتبار مسؤولية مالك السفينة المتولدة هي ذات طابع تقصيري، فإنّ تحديدها سيخضع للقانون الذي يحكم المسؤولية التقصيرية (أي قانون محل وقوع الفعل المنشئ للالتزام)، ويستند أصحاب هذا الرأي لفكرة وحدة الأحكام القانونية المطبقة من أجل تبرير رأيهم، إذ أنّ في إسناد آثار المسؤولية ومن ضمنها المسؤولية المحدودة لمالك السفينة إلى قانون آخر مختلف عن ذلك الذي يحكم شروط المسؤولية وعناصرها سيكون بمثابة تجزئة لا مبرر لها للأحكام الواجبة التطبيق على الدعوى الخاصة بهذه المسؤولية، ومن شأن ذلك الإخلال بالوحدة المتطلبة في الأحكام([34]).

وقد انتقد البعض هذا الاتجاه لجهة أنّ مسألة تحديد مسؤولية مالك السفينة تعدّ خارجة عن مضمون الفكرة المسندة لقاعدة التنازع التي تقضي بخضوع المسؤولية التقصيرية بصفة عامة للقانون المحلي، وبذلك تشكّل مسألة تحديد مسؤولية مالك السفينة فكرة مسندة أخرى تستقل بالقانون الواجب التطبيق بشأنها، ولا غرابة في الأمر، فالقانون الدولي الخاص يتضمن الكثير من المسائل التي ينطبق في شأن كل منها أكثر من قانون واحد، بحيث يختلف القانون المطبق على الشروط والأركان عن القانون الذي تخضع له الآثار، ومثال ذلك عقد الزواج حيث تخضع شروطه الشكلية لقانون يختلف عن القانون الواجب التطبيق من شأن شروطه الموضوعية، بل أنّ آثار الزواج تخضع لقانون ثالث يختلف عن كلّ من القانونين المتقدمين([35]).

2- نظرية الاستقلال: يرى أنصار هذا الرأي أنّ مسؤولية مالكي السفن عبارة عن مسؤولية ذات طابع خاص تتميّز عن القواعد العامة في المسؤولية المدنية، ويدعم ذلك التعديلات التي طرأت على نظام هذه المسؤولية، والتي أهمها الانتقال من نظام التخلي إلى نظام التحديد الجزافي، سواء كان ذلك في التشريعات الوطنية أم في الاتفاقيات الدولية، دون أن يصحب ذلك تعديل في نظام المسؤولية التقصيرية([36]).

وطالما أنّ مسؤولية مالكي السفن هي مختلفة عن المسؤولية المقررة في القواعد العامة، فهذا يعني أيضاً اختلاف القانون المطبّق، إذ ستخضع المسؤولية في الحالة الأولى لقانون يختلف عن القانون المقرّر في الحالة الثانية، ولكن الاتفاق حول المبدأ لا يعني حتماً الاتفاق حول التفاصيل، فقد طُرِحَ التساؤل حول معيار القانون الواجب التطبيق، ولعلّ أبرز المقترحات كانت حول تطبيق قانون العلم، أو قانون العقد، أو قانون القاضي، وذلك وفق التفصيل الآتي:

آ- تطبيق قانون العلم: يشبّه الفقه الألماني ذمة مالك السفينة بذمة الشخص الاعتباري، والذي لا يتحمّل أعضاؤه أو الشركاء فيه إلا مسؤولية تتحدد بقدر حصصهم في رأسماله، ويستعين هذا الفقه بفكرة ذمة التخصيص التي تعدّ من الأفكار الأساسية في القانون الألماني، ليؤكد أنّ السفينة تشكّل ذمة مستقلة لمالكها أسوة بذمة الشخص الاعتباري أو بالتركة، ممّا يقتضي استقلالها هي الأخرى بإسناد مستقل في مجال القانون الدولي الخاص، فكما ينطبق في شان التركة أو الشخص الاعتباري قانون موّحد بصرف النظر عن وجود عناصر ذمته المالية في أكثر من دولة، فإنّ السفينة تخضع هي الأخرى لقانون واحد بوصفها ثروة مستقلة، ولا يتصور أن يكون هذا القانون إلا قانون العلم الذي تتحدد في ظله مسؤولية مالكها، مع ملاحظة أنّ الذمة المستقلة لمالك السفينة هي بطبيعتها ذات أجل قصير يتحدد بالرحلة البحرية الواحدة([37])، وبما أنّ المالك سيخضع لقواعد مستقلة فهذا يعني وجوب استبعاد القانون المحلي الذي يحكم كمبدأ عام المسؤولية التقصيرية، ولأسباب عملية منها سهولة التعرّف على القانون وكونه هو الذي تمّ اختياره من قبل المالك، فإنّ إسناد مسؤولية المالك لقانون العلم وبالضبط علم السفينة الصادمة باعتبارها هي التي أخطأت وانعقدت بذلك مسؤولية مالكها، سيكون من الأنسب برأي أنصار هذا الاتجاه([38]).

ولعلّ النقد المؤثر في تطبيق قانون العلم هو ظاهرة أعلام المجاملة “Flag of Convenience”، ذلك أنّه بعد الحرب العالمية الثانية أخذت بعض الدول مثل بنما وليبيريا وجزر القمر في السماح لشركات الملاحة الأجنبية برفع أعلامها، وهو ما يحقق لهذه الدول فوائد اقتصادية مجزية من ضرائب ورسوم وعائدات، أما شركات الملاحة الأجنبية فتستفيد من تساهل قوانين هذه الدول في شأن المعاملة الضريبية وفي شأن قيود استخدام البحارة، ممّا يجعل تطبيق قانون العلم في هذه الحالة غير ذي صلة حقيقية بالعقد، وقد ارتأى البعض أنّ هذا لا يشكّل في الواقع عائقاً ومبرراً وجيهاً على اعتبار أنه يمكن التصدّي لهذا الأمر عن طريق إعمال نظرية الغش نحو القانون([39])، ولكن من جهتنا نرى أنّ الأمر لا يخلو من صعوبة في التطبيق العملي.

كما انتُقد هذا الاتجاه لجهة إمكانية الوصول إلى اختلاف أحكام القانون المطبقة على مسؤولية مالك السفينة، وذلك في الفرضية التي يقع فيها التصادم بسبب خطأ مشترك إذ سيتم إخضاع كل سفينة لقانون علمها، ممّا ينتج عنه اختلاف في القوانين المطبقة رغم أنّ الأمر يتعلق بحادث واحد، وهو ما يؤدي في النهاية إلى معاملة غير متكافئة لكلّ من السفن([40]).

ب- تطبيق قانون العقد: يتجه بعض الشرّاح إلى القول بإخضاع مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه للقانون الذي يحكم العقد الذي تقوم عليه رابطة التبعية، وهو ما يترتب عليه في مجال تحديد مسؤولية مالك السفينة خضوع هذه المسؤولية للقانون الذي يحكم العقد المبرم بين الربان الذي ارتكب الخطأ ومالك السفينة المتعاقد معه، وهو قانون يتحدّد عادةً بمحل الإبرام كما قد يكون أيضاً قانون علم السفينة([41]).

غير أنّ الكثير من الفقه انتقد هذا الاتجاه لجهة أنه إذا كان الغالب أن تثبت صفة التابع عن طريق عقد، فإنه مع ذلك لا يعتبر عمل هذا الأخير أثراً من آثار هذا العقد، وإنما هو عنصر من عناصر المسؤولية التقصيرية، بالإضافة إلى ذلك، فإنه من غير المنطقي أن ترتبط حقوق المضرور المترتبة عن التصادم الذي يعتبر ذو طبيعة تقصيرية كأصل عام إلى عقد تمّ إبرامه بين المالك والربان([42])، إذ من الواضح أنّ المضرور لا علاقة له بهذا العقد، ثمّ أنّ هناك حالات يمكن أن نتصور فيها قيام علاقة تبعية دون وجود عقد سابق، فقوام علاقة التبعية هو الرقابة والتوجيه، وهي حقوق يمكن ممارستها دون أن تخضع لأي عقد، كما لو كان هذا الاستخدام باطلاً على سبيل المثال([43]).

ت- تطبيق قانون القاضي: يلجأ قضاة بعض الدول عادةً في ألمانيا وإنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية إلى تطبيق قانون القاضي على المسؤولية المحدودة لمالك السفينة، ولو وقع التصادم في مياه أجنبية أو كان المسؤول أجنبياً، ففي قضية “The Shell Spirit”([44])تمّ تطبيق القانون الإنجليزي رغم وقوع التصادم فيبحر المانش الفرنسي بالاستناد إلى أنه قانون القاضي، حيث اعتبرت المحكمة آنذاك أنّ القانون الخاص بتحديد المسؤولية هو قانون إجرائي يخضع تطبيقاً للقواعد العامة في مجال تنازع القوانين لقانون القاضي.

ويبدو لنا أنّ الاتجاه نحو تطبيق قانون القاضي يستجيب إلى ميل القضاة الطبيعي نحو تطبيق قانونهم باعتباره القانون الذي يعرفون أحكامه أكثر من غيره، وهو اعتبار عملي يجب ألا يقف مع ذلك عقبة في سبيل تطبيق القانون الملائم بالنسبة للمسألة المطروحة، حتى لا يترتب على ذلك إهدار لقواعد التنازع وما تقوم عليه من اعتبارات خاصة تحتّم إفساح المجال لتطبيق القوانين الأجنبية([45]).

كما ينتقد البعض هذا الاتجاه لجهة أنه يتضمن خلطاً واضحاً بين مسائل الإجراءات التي تخضع لقانون القاضي والمسائل الموضوعية التي ينطبق في شأنها القانون المحلي، بالإضافة إلى ما يؤدي إليه هذا الاتجاه من فتح الباب أمام الغش والتحايل على القانون([46]).

ومن جهتنا نرى أنّ استناد القضاء إلى تقرير الاختصاص لقانون القاضي بصفة أصلية هو تنازل لاعتبارات الضرورة العملية، وليس استناداً لسلامة الحلّ وملاءمته، ولكنه يؤدي في النهاية إلى تطبيق قانون القاضي الناظر بالنزاع، فيوفر عليه بذلك عناء البحث عن مضمون القانون الأجنبي، كما أنه يتيح لأطراف العلاقة القانونية العلم المسبق بالقانون الواجب التطبيق في حال التنازع المحتمل حدوثه مستقبلاً.

ثانياً- التعارض بين قواعد المسؤولية التضامنية عن الأضرار البدنية والقواعد الخاصة بالمسؤولية المحدودة لمالكي السفن البحرية: خرجت اتفاقية بروكسل لعام 1910 عن المبادئ العامة في المسؤولية المدنية التي تقضي بالتضامن بين المدينين المسؤولين وذلك بالنسبة للأضرار المادية التي قد تلحق بالسفن المتصادمة، فقد أكدّت الفقرة الثانية من المادة الرابعة من الاتفاقية المذكورة على أنّ الأضرار التي تصيب السفن أو شحنتها أو أمتعة طاقمها أو ركابها أو غيرهم من الأشخاص الذين يوجدون على متنها تقع على عاتق السفن التي ارتكبت الخطأ بنسبة خطأ كل منها ودون تضامن فيما بينها في مواجهة الدائن المضرور، وفي هذه الحالة يلتزم المضرور بتوجيه المطالبة إلى كل من المسؤولين في حدود القدر الذي يسأل عنه.

وبخلاف ذلك، فقد أعملت اتفاقية بروكسل لعام 1910 المبادئ العامة في شأن التضامن بين المدينين المسؤولين في حالة الأضرار البدنية الناشئة عن الوفاة أو الجروح، وعليه يجوز للدائن المضرور مطالبة أي من المدينين المسؤولين بمبلغ التعويض كاملاً، مع ملاحظة أنّ حقّ المدين الذي أوفى بأكثر من نصيبه من التعويض في الرجوع بالفرق على المسؤولين الآخرين، وذلك استناداً لنص الفقرة الثالثة من المادة الرابعة من هذه الاتفاقية.

وقد سار المشرع الأردني على ذات النهج الذي اتبعته اتفاقية بروكسل لعام 1910، إذ لم يأخذ بمبدأ التضامن على إطلاقه، وإنما ميّز بين نوعين من الأضرار، الأضرار المادية، والأضرار الجسدية، فقضى في المادة (239) من قانون التجارة البحرية الأردني رقم /12/ لعام 1972 بما يلي: “… وإنّ الأضرار الملحقة بالسفن أو بحمولتها أو بأمتعة البحارة أو الركاب وبسائر أموالهم أو أي شخص آخر وجد على متن السفينة تتحملها السفن المخطئة وبدون تكافل تجاه الغير، وتلزم السفينة المخطئة متكافلة تجاه الغير بالأضرار الناشئة عن وفاة أو جرح مع حفظ حقّ الادعاء للسفينة التي تدفع حصة تفوق الحصة التي تترتب عليها نهائياً …”.

وإنّ الأحكام التي تضمنتها اتفاقية بروكسل لعام 1910 بشأن التضامن بين المسؤولين عن الأضرار البدنية قد تصطدم بالقواعد الخاصة بالمسؤولية المحدودة لمالكي السفن البحرية، إذ من المتصور أن يؤدي المدين المسؤول بالتضامن مبلغ التعويض كاملاً للدائنين الذين أصابهم ضرراً بدنياً وفقاً لاتفاقية بروكسل لعام 1910، فإذا رجع المدين المسؤول على المسؤولين الآخرين المتضامنين معه، فقد يصطدم بالقواعد الخاصة بتحديد المسؤولية والتي يمكن لشركائه في المسؤولية أن يدفعوا بها في مواجهته، وذلك وفقاً لاتفاقية بروكسل لعام 1924 أو اتفاقية بروكسل لعام 1957 بشأن تحديد مسؤولية مالكي السفن، أو حتى اتفاقية لندن لعام 1976، ممّا يترتب عليه أن يصبح التوزيع الفعلي لمبلغ التعويض غير متفق مع أنصبة كلّ من المسؤولين في نهاية المطاف([47]).

ولم تتضمن اتفاقية بروكسل لعام 1910 حلاً لهذه المشكلة، وإنما اكتفت بالإحالة في شأنها إلى التشريعات الداخلية، ويرى الباحث أنه لا مفر حينها من الرجوع إلى المبادئ العامة في تنازع القوانين في دولة القاضي للكشف عن القانون الواجب التطبيق، وهو غالباً القانون المختص بحكم المسؤولية التقصيرية المترتبة على التصادم البحري.

ثالثاً- وقف([48])تقادم دعوى المسؤولية وانقطاعه([49]):تصدت اتفاقية بروكسل لعام 1910 لتنظيم تقادم دعوى المسؤولية، فقررت في الفقرة الأولى من المادة السابعة سقوط الدعوى بعد مضي سنتين من تاريخ الحادث، وإذا كان التصادم بخطأ مشترك بين السفينتين المتصادمتين ونتج عنه وفاة أو جروح وقام مجهز إحدى السفينتين بالوفاء بجميع التعويضات للمصاب أو لورثته فإنّ دعوى الرجوع التي يرفعها أحد المجهزين على الآخر لمطالبته بنصيبه في التعويضات تسقط بمضي سنة واحدة تبدأ من يوم الوفاء، وذلك استناداً لنص الفقرة الثانية من المادة السابعة من الاتفاقية المذكورة.

كما نصت المادة (247) من قانون التجارة البحرية الأردني رقم /12/ لعام 1972 على ما يلي: “يسقط بحكم مرور الزمن حق كل دعاوى التعويض من الأضرار الناجمة عن التصادم بانقضاء مهلة سنتين بعد الحادث، غير أنّ حق الادعاء المنصوص عليه في المادة 239 يسقط بحكم مرور الزمن بعد مرور سنة على يوم الدفع”.

ولم تتضمن اتفاقية بروكسل لعام 1910 أسباب وقف التقادم وانقطاعه وإنما اكتفت بالقول بأنّ هذه الأسباب “يقررها قانون المحكمة التي ترفع أمامها الدعوى”، وذلك استناداً لنص الفقرة الثالثة من المادة السابعة من الاتفاقية المذكورة.

ومن خلال استقراء نص المادة (7/3) من اتفاقية بروكسل لعام 1910 نجد أنها تضمنت قاعدة تنازع موّحدة تقضي بتطبيق قانون القاضي الذي ينظر دعوى المسؤولية المترتبة على التصادم البحري في شأن تحديد أسباب وقف تقادم هذه الدعوى وانقطاعه.

وبذلك تكون اتفاقية بروكسل لعام 1910 قد حسمت الخلاف الفقهي حول التقادم في الدول المتعاقدة، وهل يعدّ من المسائل الموضوعية كما هو الشأن في دول القانون المكتوب مثل فرنسا والأردن، أم أنها من مسائل الإجراءات كما هو الحال في إنجلترا، معلنة تفضيلها لهذا التكييف الأخير([50]).

وعليه نكون قد أنهينا البحث في نطاق تطبيق اتفاقية بروكسل لعام 1910 الخاصة بالتصادم البحري والمجال الذي تركته مفتوحاً لتنازع القوانين، وننتقل الآن إلى تحديد القانون الواجب التطبيق على المسؤولية التقصيرية المترتبة على التصادم البحري وذلك من خلال ما يلي.

المبحثالثاني-القانون الواجب التطبيق على المسؤولية التقصيرية المترتبة على التصادم البحري:

رغم أنّ توحيد الأحكام الموضوعية المتعلقة بالمسؤولية عن التصادم البحري بمقتضى اتفاقية بروكسل لعام 1910 قد ضيّق من نطاق التنازع المحتمل حدوثه بين القوانين في هذا المجال، إلا أنّ الأمر الذي لا شك فيه هو أنّ اتفاقية بروكسل لم تحل مع ذلك دون قيام ظاهرة تنازع القوانين في مسائل المسؤولية التقصيرية المترتبة على التصادم البحري.

وفي هذا المجال، فإنه لا يكفي فيما يتعلق بالمسؤولية المترتبة على التصادم البحري أن نقرر ببساطة أنّ هذه المسؤولية تخضع للأحكام الموضوعية التي تضمنتها اتفاقية بروكسل لعام 1910، بل إنه يتعيّن بصفة خاصة البحث عن القانون المختص بحكم علاقات المسؤولية المترتبة على التصادم البحري في الحالات التي تخرج فيها هذه العلاقات أصلاً من نطاق تطبيق الاتفاقية، وكذلك القانون المختص بحكم المسائل التي سكتت الاتفاقية عن تقديم أي حلول في شأنها.

وعليه، فإنّ الكشف عن القانون الواجب التطبيق على المسؤولية التقصيرية المترتبة عليه يقتضي التفرقة بين فرضين: أولهما هو الفرض الخاص بوقوع التصادم في المياه الإقليمية أو الداخلية، وهو ما سنتطرق إليه بالدراسة من خلالالمطلب الأول، وثانيهما هو الفرض الذي يقع فيه التصادم في البحار العامة، وذلك من خلالالمطلب الثاني.

المطلب الأول-القانون الواجب التطبيق على المسؤولية التقصيرية المترتبة على التصادم في المياه الإقليمية:

        تعرف المياه الإقليمية بأنها القسم من البحر الملاصق لليابسة، فهي ليست بالبحر العام، وتمتد لمسافة اثني عشرة ميلاً بحرياً، والنظرية السائدة الآن هي أنّ سيادة الدولة على إقليمها تمتد على مياهها الإقليمية([51]).

وخضوع هذه المنطقة لسيادة الدولة من شأنه أن يخضع جميع الالتزامات الناشئة فيها إلى قانون تلك الدولة، وبالتالي فإنّ التصادم البحري الحاصل بالمياه الإقليمية يخضع بحسب الأصل للقانون المحلي، إلا أنّ هناك اتجاهات فقهية وقضائية تنادي بتطبيق قانون العلم المشترك وقانون القاضي على التصادم البحري في المياه الإقليمية، فما هو ضابط الإسناد الأنسب في هذه الحالة؟ وما هو موقف المشرع الأردني من هذه المسألة؟ هذا ما سنعنى بإيضاحه وفق التفصيل الآتي:

أولاً- تطبيق القانون المحلي: لا تثور مشكلة خاصة فيما لو وقع التصادم في المياه الإقليمية، إذ تقضي القواعد العامة في التنازع بتطبيق القانون المحلي، أي قانون الدولة التي وقع التصادم في مياهها الإقليمية، فالمياه الإقليمية تعتبر جزءاً من إقليم الدولة ووقوع فعل ضار في هذه المياه يعني وقوع هذا الفعل فوق إقليم الدولة الساحلية، وبالتالي اختصاص قانونها في حكم العلاقة محل النزاع([52]).

ويرجع أصحاب هذا الرأي في تبرير اختصاص قانون وقوع الفعل إلى اعتبارات مختلفة، منها ما هو منوط بممارسة تلك الدولة لسلطة ضبط على هذه المنطقة([53])، ومنها ما يتعلق بنظرية سيادة الدولة على إقليمها وما تقتضيه من خضوع المسؤولية عن الفعل الضار الذي يقع بإقليم دولة ما لقانون تلك الدولة([54])، ومنهم من يرى أنّ اختيار مكان حصول الفعل الضار كظرف إسناد لتحديد القانون الواجب التطبيق يعدّ اختياراً موضوعياً إذ لا علاقة له بجنسية محدث الضرر ولا بجنسية المضرور ولا بمحل إقامة أحد منهما، كما أنه يسمح بمعرفة القانون المنطبق سلفاً ويسهل الإثبات والتحقيق في الفعل الضار لأنه غالباً ما تكون محكمة وقوع الفعل الضار هي المختصة فيتوّحد الاختصاص القضائي والتشريعي وفي توحدهما جدوى لا تُنكر([55]).

ويميل القضاء الفرنسي بدوره، مؤيداً في ذلك من قبل الفقه([56])، إلى تطبيق القانون المحلي على التصادم الواقع في المياه الإقليمية، حيث يتمّ تطبيق القانون الفرنسي على كل تصادم يحدث في الموانئ أو المياه الداخلية أو الإقليمية سواء كانت السفن المعنية فرنسية أم أجنبية، وحتى ولو كانت تحمل تلك السفن أعلاماً مشتركة، وفي المقابل يتم تطبيق القانون الأجنبي على كل تصادم يقع في المياه الإقليمية الأجنبية، حتى ولو تعلّق الأمر بسفن فرنسية([57]).

كما ينطبق القانون المحلي سواء كانت السفن المتصادمة ترفع علم الدولة صاحبة الإقليم الذي وقع فيه التصادم بحيث يصبح القانون المحلي هو قانون العلم المشترك في الوقت نفسه، أو كانت إحدى السفن المتصادمة ترفع علم الدولة صاحبة الإقليم بينما تنتمي الأخرى إلى دولة أجنبية، أو كانت السفينتان تتبعان دول أجنبية مختلفة، بل ينطبق القانون المحلي ولو كانت السفن المتصادمة تنتمي جميعها إلى دولة أجنبية واحدة([58]).

وقد أكّد القضاء في معظم دول العالم سلامة الحلول السابقة فيما لو رفعت الدعوى أمام محكمة الدولة التي وقع التصادم في مياهها الإقليمية، بحيث يصبح القانون المحلي في جميع الأمثلة المتقدمة هو قانون القاضي في الوقت نفسه([59]).

ورغم أنّ تطبيق القانون المحلي هو الاتجاه الغالب فقهاً وقضاءً في كثير من دول العالم، إلا أننا نرى ميلاً في بعض الحالات إلى التخلي عن تطبيق هذا القانون، وتفضيل قوانين أخرى لاعتبارات معينة.

ثانياً- تطبيق قانون العلم المشترك: يميل قضاة بعض الدول البحرية إلى الخروج عن قاعدة القانون المحلي في كل مرة تتحد فيها أعلام السفن المتصادمة، حيث يتم تطبيق قانون الدولة التي تحمل السفينة علمها([60])، ويسود هذا الاتجاه في القضاء الألماني بصفة خاصة، فقد طبقت المحكمة الفيدرالية الألمانية القانون الألماني على تصادم وقع بين سفينتين ألمانيتين في المياه البلجيكية([61])، مبررة موقفها بأنه لا مجال للبحث فيالمسؤولية طبقاً للقانون المحلي عندما يتعلق الأمر بتصادم بين سفينتين مملوكتين لألمان ومتوطنين في ألمانيا، إذ أنّ تطبيق القانون الأجنبي في هذه الحالة ليس له مبرر كافٍ على اعتبار أنّ الأطراف لا دراية لهم بقواعد القانون، وأنّ حقوقهم والتزاماتهم تخضع للقانون الوطني([62]).

ومهما تكن التبريرات فإنّ أهم ما يمكن ملاحظته حول هذا الحكم هو أنه وإن كان قد طبّق قانون العلم المشترك، فإنّ ذلك في الحقيقة يقترن في الوقت نفسه بقانون القاضي، وهو ما يجعلنا نتساءل بحق هل تطبيق قانون العلم المشترك هو الغاية أم أنه مجرد وسيلة للوصول إلى تطبيق القانون الوطني؟ ولا سيما أنه لا توجد سابقة قضائية واحدة تمّ فيها تطبيق قانون أجنبي بوصفه قانون العلم المشترك.

وإذا كان هذا هو الوضع في القضاء، فإنّ غالبية الفقه يرفض فكرة التخلي عن القانون المحلي وتطبيق قانون العلم المشترك بصفة مجرّدة، إذ ليس في ذلك أي أسس قانونية ثابتة وإنما فقط استجابة لاعتبارات عارضة، وهي تصادف كون كلّ من السفن المتصادمة تحمل العلم نفسه، ومنه يبقى الحل الأفضل هو تطبيق قانون العلم المشترك فقط في كونه هو أيضاً قانون القاضي([63]).

وأياً كان الأمر، فقد استند القضاء الألماني في نظريته إلى رغبته بتطبيق قانون القاضي الذي يراه بالفعل أنه القانون الذي يتعيّن الرجوع إليه لحكم دعوى المسؤولية التقصيرية المترتبة على التصادم البحري في المياه الإقليمية.

ثالثاً- تطبيق قانون القاضي: لقد وجد الاتجاه المنادي بتطبيق قانون القاضي في مجال المسؤولية التقصيرية صدىً له في بعض المحاكم وذلك بخصوص المسؤولية المترتبة عن التصادم البحري الواقع في المياه الإقليمية.

ففي ألمانيا، قررت المحكمة العليا بخصوص تصادم وقع بين سفينة ألمانية وأخرى إنجليزية في المياه الهولندية، أنّ القانون الألماني هو الواجب التطبيق ولا مجال للبحث عن الحل وفقاً للقانون الهولندي، معللة قرارها بأنّ نية المشرع الألماني تنصرف إلى تطبيق القانون الألماني دون أن يضع في الاعتبار الظروف العارضة والمرور المؤقت في مياه إقليمية أجنبية، وبالتالي يكون من غير المقبول استبعاد القانون الألماني لمصلحة قانون أجنبي أحكامه مختلفة([64]).

وفي إنجلترا، ورغم أنّ المبدأ هو تطبيق القانون المحلي، فإنه مع ذلك نجد ميلاً لهذا القضاء نحو تطبيق القانون الإنجليزي، ففي قضية “The Orlik”([65]) أخضعت المحكمة العليا التصادم الواقع بين سفينة سويدية وأخرى تشيكوسلوفاكية في المياه الألمانية للقانون الإنجليزي ليس فقط بخصوص المسؤولية المترتبة على التصادم، وإنما فيما يتعلق بقواعد مرور السفن أيضاً، رغم أنه كانت هناك قواعد خاصة بالملاحة في النهر الألماني.

أما في فرنسا، ورغم استقرار القضاء الفرنسي على تطبيق القانون المحلي في كل الأحوال، نجد بعض الاستثناءات التي تشذ عن تطبيق هذا الأصل العام، فقد حكمت محكمة ‘Rouen’ بخصوص تصادم وقع في لشبونة بأنّ الأجنبي الذي يقاضي فرنسياً أمام محكمة فرنسية ليس له أن يطالب هذه المحكمة سوى بتطبيق القانون الفرنسي([66]).

ومن خلال استقراء الأحكام القضائية السابقة التي فضلّت تطبيق قانون القاضي، نجد أنّ تطبيق هذا القانون يرجع إلى ثلاثة مبررات أساسية، الأول هو وجود طرف وطني في النزاع والرغبة في حمايته وعدم تعريضه لالتزامات تفوق تلك المقررة في قانونه الوطني، وأما المبرر الثاني فهو فكرة النظام العام حيث يتم تطبيق قانون القاضي بحجة أنّ أحكامه هي من صميم النظام العام، وأما المبرر الأخير فهو الضرورة العملية، حيث يصعب الوقوف على مضمون القانون الأجنبي فيفضل القاضي تطبيق قانونه الوطني الذي هو على علم بأحكامه ويسهل التوصل إلى مضمونه.

وعليه نخلص إلى نتيجة مفادها أنه رغم أنّ الأصل يبقى في أغلب التشريعات الوطنية وعند قضاء الكثير من الدول هو تطبيق القواعد العامة في تنازع القوانين بخصوص المسؤولية التقصيرية، أي تطبيق القانون المحلي، فإنه مع ذلك تبقى الرغبة في تطبيق قانون القاضي تحرّك الكثيرين من القضاة بحيث يميلون إلى تطبيقه في كل مرة تسمح الفرصة بذلك، فتطبيق القانون المحلي يرتبط في الكثير من القضايا المعروضة بقانون القاضي، وهو اتجاه يفتقر إلى السند السليم لتجاوزه الحدود المرسومة لتطبيق هذا القانون في حالة اصطدام تطبيق القانون الأجنبي الذي تشير قواعد الإسناد باختصاصه باعتبارات النظام العام، فتطبيق قانون القاضي ينبغي أن ينحصر في موضعه كما تعرفه المبادئ العامة، إما كأداة لسد الفراغ التشريعي المترتب على استبعاد القانون الأجنبي المخالف لاعتبارات النظام العام، أو فيما لو كان هو أكثر القوانين ملائمة للمسألة المطروحة([67]).

ولهذه الاعتبارات لم يتردد أغلبية الفقهاء في رفض الاتجاه نحو تطبيق قانون القاضي على التصادم البحري الواقع في المياه الإقليمية، مؤكدين ضرورة الرجوع في هذا الفرض للمبادئ العامة في تنازع القوانين، والتي تقضي في هذه الحالة بتطبيق قانون محل وقوع الفعل المنشأ للالتزام([68]).

فإذا كان هذا هو الحل في القوانين الأجنبية، فما هو الحل المتبع لدى القانون الأردني؟

رابعاً- موقف القانون الأردني:تقضي المادة (22) من القانون المدني الأردني رقم /43/ لعام 1976 على ما يلي: “1- يسري على الالتزامات غير التعاقدية قانون البلد الذي وقع فيه الفعل المنشئ للالتزام.

2- ولا تسري أحكام الفقرة السابقة بالنسبة إلى الالتزامات الناشئة عن الفعل الضار على الوقائع التي تحدث في الخارج وتكون مشروعة في المملكة الأردنية الهاشمية وإن كانت تعدّ غير مشروعة في البلد الذي وقعت فيه”.

يتضح لنا من خلال استقراء النص السابق أنّ المشرع الأردني قد اعتمد في مجال المسؤولية التقصيرية ضابطاً واحداً هو مكان وقوع الفعل الضار، غير أنه قيّده بشرط واحد هو وجوب أن يكون الفعل إضافة إلى كونه غير مشروع في الخارج، غير مشروع أيضاً في الأردن، وبما أنّ قاعدة القانون المحلي لم يرد عليها أي استثناء ولم يرد ذكر لإمكانية ربط النزاع بقانون هو أكثر ارتباطاً، فإنه يعني في مجال التصادم البحري خضوع كل تصادم يقع في المياه الإقليمية لقانون الدولة التي تتبعها تلك المياه في جميع الأحوال سواء اتحدت أعلام السفن المتصادمة أم لا، وسواء أكان من بين السفن المتصادمة سفينة أردنية أم لا، بل حتى لو وقع التصادم بين سفينتين أردنيتين في مياه أجنبية، على أنّ هذا الاستنتاج المستخلص من نص المادة (22) من القانون المدني الأردني لا محل له في ظلّ أحكام القانون البحري الأردني، إذ أفرد الأخير نصاً خاصاً بخصوص القانون الواجب التطبيق على المسؤولية التقصيرية المترتبة على التصادم البحري وهو نص المادة (246) من قانون التجارة البحرية الأردني رقم /12/ لعام 1972، والتي جاء فيها ما يلي: “إذا وقع تصادم فللمدعي الخيار في أن يقيم الدعوى أمام محكمة المدعى عليه أو أمام محكمة مربط السفينة الصادمة، وإن المحكمة التابع لها ميناء العقبة، عندما تدخله إحدى السفينتين بعد تصادمهما تكون صالحة للقيام بكل تحقيق أو كشف فني، وتعود الصلاحية في المياه الإقليمية الأردنية إلى المحكمة البدائية التابع لها الميناء”.

ومن خلال استقراء النص السابق نستنتج أنّ المادة (246) الآنفة الذكر تتكلم عن اختصاص القانون الأردني، حيث يطبق هذا القانون متى وقع التصادم في المياه الإقليمية الأردنية لأنه تعود للمحكمة البدائية التابع لها الميناء صلاحية النظر بدعوى المسؤولية المترتبة على التصادم البحري، ويمكننا أن نستنتج بمفهوم المخالفة أنه طالما أنّ كل تصادم يقع في المياه الإقليمية الأردنية سيخضع للقانون الأردني، فإنّ كل تصادم في المياه الإقليمية الأجنبية سيخضع لقانون الدولة التي تتبعها تلك المياه، وهذا ما يجعلنا نقرّ بأنّ المشرع الأردني، وكما هو الشأن في المادة (22) من القانون المدني الأردني، اعتمد قاعدة تطبيق القانون المحلي في مجال التصادم البحري الواقع في المياه الإقليمية.

ومن ناحية أخرى، يوجد استثناء لقاعدة القانون المحلي بمقتضى نص المادة (246) السابقة، حيث يتم التخلي عن هذا القانون لصالح قانون موطن المدعى عليه أو قانون مربط السفينة الصادمة (أي التي ارتكبت الخطأ)، وذلك سواء وقع التصادم في المياه الإقليمية أم في أعالي البحار.

ومن جهتنا نرى أنه طبقاً للقانون الأردني يوجد مبدأ واستثناء في مجال القانون الواجب التطبيق على المسؤولية التقصيرية المترتبة على التصادم البحري الواقع في المياه الإقليمية، فالمبدأ هو تطبيق القانون المحلي والاستثناء هو قانون موطن المدعى عليه أو قانون مربط السفينة الصادمة.

المطلب الثاني- القانون الواجب التطبيق على المسؤولية المترتبة على التصادم البحري الواقع في أعالي البحار:

        تعرف منطقة أعالي البحار بأنها جميع أجزاء البحر التي لا تشملها المنطقة الاقتصادية الخالصة أو البحر الإقليمي أو المياه الداخلية لمياه دولة ما أو المياه الأرخبيلية لإحدى الدول([69]).

وتعتبر منطقة أعالي البحار ملكاً مشاعاً بمعنى أنّ هذا الجزء ليس على ملك أحد وهي منطقة لا تخضع لسيادة أية دولة، لذلك يتعذر التمسك بقاعدة القانون المحلي في مثل هذا الفرض أي مكان وقوع الفعل المنشئ للالتزام، ولكن مع ذلك حاول الفقه الانطلاق منها في تحديد القانون الواجب التطبيق على الالتزامات المتولدة من هذه الأفعال، فقال البعض بوجوب تطبيق قانون علم السفينة مع اختلاف في التفصيلات، في حين اتجه البعض الآخر نحو تطبيق قانون القاضي الناظر بالنزاع وفقاً لما تقتضيه الضرورات العملية، وسنعنى بإيضاح كل رأي على حدة وذلك وفق التفصيل الآتي:

أولاً- تطبيق قانون العلم: يكاد يتفق الفقه على أنّ تطبيق قانون العلم هو الحل الواجب الإتباع بخصوص تصادم وقع في أعالي البحار متى كانت السفن تحمل أعلاماً مشتركة، إذ لا شك أنه لن تعترض أي من السفن في هذه الحالة على اختصاص هذا القانون([70])، ولقد ذهب بعض الشرّاح([71]) إلى القول بإمكانية اعتماد هذا الحل حتى بخصوص تصادم يقع بين سفينتين لا تحملان العلم نفسه غير أنّ قوانينها تتضمن نصوصاً متشابهة، إذ أن تشابه النصوص يعني غياب تنازع القوانين ويكون هنا الحل المناسب هو تطبيق القواعد المشتركة في هذين القانونين.

ولكن للأسف لا يقع التصادم دائماً بين سفن تحمل أعلاماً مشتركة، بل إنّ واقع الحال يثبت أنّ أغلب حالات التصادم تتورط فيها سفن تنتمي لدول مختلفة، ونبقى بالتالي دائماً نتساءل ومن جديد أي علم سيأخذ بعين الاعتبار؟ وأي قانون سيطبّق؟ وللإجابة على هذه التساؤلات فقد نادى البعض بتفضيل قانون واحد دون الآخر، وذهب البعض الآخر إلى القول بفكرة الجمع بين القوانين.

1- تطبيق قانون علم السفينة التي ارتكبت الخطأ: يرى هذا الاتجاه أنّ أكثر الحلول ملاءمة لطبيعة المسؤولية المترتبة على التصادم البحري الواقع في البحار العامة عند اختلاف علم السفينتين المتصادمتين هو تطبيق قانون علم السفينة التي ارتكبت الخطأ)[72](.

        ومعظم أنصار هذا الاتجاه من الشرّاح الذين يفضلون استقلال مسألة تحديد مسؤولية مالك السفينة بقاعدة إسناد منفصلة عن القاعدة العامة في شأن باقي مسائل المسؤولية التقصيرية المترتبة على التصادم البحري، والتي تقضي بتطبيق القانون المحلي([73]).

ولئن كان هذا هو اتجاه أنصار هذا الرأي فيما لو وقع التصادم في المياه الإقليمية لدولة معينة، حيث يمكن القول بوجود قانون محلي ينطبق في شأن مسائل المسؤولية التقصيرية المترتبة على التصادم البحري باستثناء مسألة تحديد مسؤولية مالك السفينة والتي تخضع في رأيهم لقانون علم السفينة التي ارتكبت الخطأ، فيبدو من الطبيعي أن يتجه هؤلاء الشرّاح إلى تطبيق هذا القانون الأخير على جميع مسائل المسؤولية المترتبة على التصادم الواقع في البحار العامة، حيث يتعذر إعمال قاعدة الإسناد التي تقضي بتطبيق القانون المحلي، على الأقل خارج حدود الأحكام الخاصة بتنظيم المرور البحري([74]).

وعليه تتحقق الوحدة والانسجام في الحلول التي يقول بها أنصار هذا الرأي، فينطبق قانون علم السفينة التي ارتكبت الخطأ على جميع مسائل المسؤولية التقصيرية المترتبة على التصادم البحري الواقع في البحار العامة، بما في ذلك مسألة تحديد مسؤولية مالك السفينة([75]).

ويستند تطبيق قانون علم السفينة التي ارتكبت الخطأ على أساس أنّ تطبيق هذا القانون يتيح لمالك السفينة فرصة العلم المسبق بحدود مسؤوليته، وحتى لا يتحمّل الالتزامات المفروضة في قانون آخر لا يتيسر له العلم المسبق بأحكامه([76]).

وقد قيل في الرد على هذا الاتجاه إنّ قواعد المسؤولية في نطاق القانون التجاري والبحري بصفة خاصة ترمي أساساً إلى حماية الدائن أي المضرور([77]).

ولعلّ تمسك بعض الشرّاح بهذا الاعتبار الأخير هو ما دفعهم إلى تفضيل القول بتطبيق قانون علم السفينة التي لحقها الضرر.

2- تطبيق قانون علم السفينة التي لحقها الضرر: على عكس الاتجاه السابق يتجه بعض الشرّاح إلى تطبيق قانون علم السفينة التي لحقها الضرر في شأن المسؤولية التقصيرية المترتبة على التصادم البحري الواقع في البحار العامة، حيث يستند هذا الاتجاه إلى كون أحكام المسؤولية التقصيرية بصفة عامة ترمي أساساً إلى حماية الدائن المضرور([78]).

وقد قيل في الرد على هذا الاتجاه أنّ أحكام علم السفينة التي ارتكبت الخطأ قد تكون أكثر رعاية لمصالح المضرور([79]).

بل وقد لاحظ بعض الشرّاح أنّ هذا الاتجاه، أسوةً بسابقه، يفترض أنّ هناك سفينة قد ارتكبت الخطأ وأخرى قد لحق بها الضرر، في حين أنه قد يتبين بعد الرجوع إلى الأحكام الخاصة بمنع التصادم في البحار العامة، أو بعد الرجوع إلى قانون القاضي بوصفه المرجع في التكييف، أنّ التصادم قد وقع بخطأ مشترك أو نتيجة لقوة قاهرة، أو تعذر تحديد السبب الفعلي للتصادم (تصادم مشتبه في أسبابه)، ممّا يصعب معه في النهاية إعمال أي من الاتجاهين السابقين نحو تفضيل تطبيق قانون علم السفينة التي ارتكبت الخطأ أو السفينة التي لحقها الضرر، ولا سيما في حالة الخطأ المشترك([80]).

3- التطبيق الجامع أو الموزع لكل من القانونين: نقطة البداية لدى هذا الاتجاه أنّ القول بتفضيل قانون علم السفينة التي ارتكبت الخطأ أو السفينة التي لحق بها الضرر، كما هو شأن كل من الاتجاهين السابقين، هو قول يقوم على أساس خاطئ، ذلك أنّ الطبيعة الخاصة للمسؤولية التقصيرية تقتضي مراعاة كل من قانون السفينة التي ارتكبت الخطأ والسفينة التي لحق بها الضرر([81]).

وعليه يرى أنصار هذا الاتجاه أنّ المسؤولية لا تقوم في الفرض الذي نحن بصدده إلا إذا توافرت شروطها وفقاً لكل من القانونين([82]).

ولا يخفى ما قد يثيره هذا الرأي من صعوبات في التطبيق، بالإضافة إلى ما يؤدي إليه هذا التطبيق الجامع لكل من القانونين في النهاية من رعاية لمصلحة مالك السفينة التي ارتكبت الخطأ على نحوٍ غير مقبول، ذلك أنّ تحقق أركان المسؤولية في أحد القانونين دون الآخر يحول وفقاً لهذا الرأي دون إمكان المطالبة بالتعويض([83]).

ولهذا فقد فضّل جانب آخر من الشرّاح تطبيق قانون كلّ من العلمين تطبيقاً موزعاً بحيث تتحدد مسؤولية مالك كل سفينة وفقاً لقانون الدولة التي ترفع سفينته علمها، وذلك فيما لو وقع التصادم بخطأ مشترك([84]).

على أنّ هذا الرأي بدوره لم يسلم من النقد، فبالإضافة إلى ما يترتب عليه من تجزئة لأحكام المسؤولية وهو ما يثير صعوبات عملية من العسير تلافيها، فقد أكّد البعض أنّ التطبيق الموزع لكل من قانون علم السفينة التي أخطأت وقانون علم السفينة التي لحقها الضرر يخلّ بالمساواة المتطلبة في معاملة كل من السفينتين المتصادمتين بخطأ مشترك، ولا تتحقق هذه المساواة في المعاملة إلا عن طريق تطبيق قانون واحد([85]).

4- تطبيق القانون الأصلح للمضرور: أخذت بهذا الاتجاه بصفة خاصة بعض أحكام القضاء الألماني التي خوّلت للمضرور حق اختيار القانون الأكثر تحقيقاً لمصالحه، وقد أيدّها بعض الفقه الغربي في ذلك([86]).

ويؤكّد أنصار هذا الاتجاه أنهم بهذا المنحى قد تلافوا الصعوبات المتعددة المترتبة على تطبيق كل من قانون علم السفينتين المتصادمتين، بالإضافة إلى أنّ تطبيق القانون الأصلح للمضرور يحقق الحكمة البعيدة للقواعد التي تحكم المسؤولية التقصيرية، فقد اعتنق القضاء الألماني اتجاهاً مماثلاً في حالة تفرّق عناصر الواقعة المنشئة للالتزام في أكثر من دولة واحدة([87]).

وقد أكّد البعض مع ذلك أنّ قياس حالة التصادم بين سفينتين تنتمي كل منهما إلى دولة مختلفة على حالة وقوع الخطأ في دولة وتحقق الضرر في أخرى هو قياس مع الفارق، فبالإضافة إلى خطأ تشبيه السفينة التي ارتكبت الخطأ بمحب وقوع الفعل الضار والسفينة التي لحقها الضرر بالمكان الذي تحقق فيه الضرر، فقد لاحظ أصحاب هذا الرأي أنّ مرتكب الخطأ في الحالة الأولى ليس له أن يتضرر من تخويل المضرور حق اختيار القانون الواجب التطبيق لأنه مفروض فيه أن يعلم بكل من قانون الدولة التي ارتكب فيها الفعل الضار وقانون الدولة التي تحقق فيها الضرر، في حين أنّ حق المضرور في الاختيار في الحالة الثانية سوف يؤدي بالفعل إلى أضرار بمالك السفينة التي ارتكبت الخطأ، لأنّ هذا الأخير لا يفترض فيه العلم المسبق بقانون علم السفينة التي لحقها الضرر([88]).

ومن جهتنا نرى أنّ موقف القضاء الألماني في شأن تخويل المضرور حق اختيار القانون الواجب التطبيق هو موقف خاطئ حتى في حالة تفرّق عناصر الواقعة في أكثر من دولة واحدة، لما يتضمنه ذلك من إخلال بالمصالح المشروعة لمرتكب الخطأ، والذي قد يصعب عليه في هذا الفرض بدوره العلم المسبق بقانون الدولة التي تحقق فيها الضرر، ولهذا فقد اشترط جانب من الفقه الحديث في حالة اختيار المضرور لقانون الدولة التي تحقق فيها الضرر أن يكون قانون الدولة الأخرى التي وقع فيها الخطأ يعتبر بدوره العمل المرتكب غير مشروع، أي أنّ هذا الفقه قد اشترط في النهاية وجوب تقدير مدى مشروعية الفعل المرتكب وفقاً لكل من القانون المختار وقانون الدولة التي وقع فيها الفعل في الوقت نفسه، وذلك رعاية للتوازن المتطلب بين مصالح كل من المسؤول والمضرور.

وتحقيق التوازن بين المصالح المتعارضة على النحو المذكور في حالة التصادم الواقع في منطقة أعالي البحار بين سفينتين تنتمي كل منهما إلى دولة مختلفة قد يبدو متعذراً، إذ لو قلنا بأنّ للمضرور حق اختيار القانون الواجب التطبيق فاختار بناء على ذلك قانون علم سفينته، فإنّ تحقيق التوازن في هذا الفرض عن طريق القياس على حالة تفرّق عناصر الواقعة في أكثر من دولة يقتضي أن يكون الفعل الذي ارتكبته السفينة الأخرى غير مشروع أيضاً وفقاً لقانون علمها رعاية لمصلحة مالكها، ومثل هذا القول يخلو، حتى في حالة التصادم الواقع في أعالي البحار، من أي معنى، إذ لا يصح لمالك السفينة التي ارتكبت الخطأ أن يدعي مثلاً مشروعية المسلك الذي اتخذته سفينته وفقاً لقانون علمها ما دام أنّ هذا المسلك يعدّ مخالفاً للقواعد العرفية والدولية لمنع التصادم التي تسري في منطقة أعالي البحار([89]).

كما ينتقد الاتجاه نحو تطبيق القانون الأصلح للمضرور في أنه يعجز عن مواجهة الفرض الذي يقع فيه التصادم بخطأ مشترك وترفع فيه دعوى المسؤولية من مالك إحدى السفينتين المتصادمتين على مالك السفينة الأخرى، فكيف نخوّل للمدعي في هذا الفرض اختيار القانون الأصلح والحال أنّ المدعى عليه بدوره قد يعدّ مضروراً من الحادث نفسه؟ وهل يصح أن تكون مجرد الأسبقية في رفع الدعوى سبباً في تخويل أحد أطراف التصادم اختيار القانون الأصلح له؟ وإذا منحنا للطرف الآخر اختياراً مماثلاً فهل يعني ذلك إمكان تطبيق قانونين مختلفين على التصادم نفسه؟ إنّ التسليم بهذه النتيجة يتنافى مع الأساس الذي يقوم عليه هذا الاتجاه منذ البداية، وهو تلافي تطبيق أكثر من قانون واحد على مسائل المسؤولية المترتبة على التصادم البحري الحادث بخطأ مشترك([90]).

وأياً ما كان من أمر هذا الاتجاه الأخير أو غيره ممّا سبق عرضها في شأن تحديد القانون الواجب التطبيق على التصادم البحري الواقع في منطقة أعالي البحار في غير الأحوال التي تدخل في نطاق تطبيق اتفاقية بروكسل لعام 1910، فإنّ الملاحظ على جميع الحلول المقترحة في هذا الشأن أنها تعبر عن المعاناة التي واجهها الفقه حينما حاول أن يتصدى لوضع الحل المناسب عند وقوع التصادم في منطقة أعالي البحار بين سفينتين تنتمي كل منهما إلى دولة مختلفة([91]).

ولعلّ صعوبة التوصل إلى حل مرضي من جميع الوجوه يخلو من المآخذ هو ما دفع الفقه والقضاء الغالب إلى الاستسلام في النهاية، مفضلاً ببساطة الرجوع إلى قانون القاضي عند تخلف العلم المشترك.

ثانياً- تطبيق قانون القاضي:يذهب الكثير من الشرّاح إلى القول بتطبيق قانون القاضي على التصادم البحري الواقع في منطقة أعالي البحار، ونشير هنا إلى أنه إذا كانت غالبية هؤلاء ترى أنّ تطبيق هذا القانون لا يكون إلا في حالة عدم وجود أعلام مشتركة، فإنّ قلّة من الشرّاح ذهبت إلى مخالفة هذا الموقف وارتأت تطبيق قانون القاضي في كل الأحوال على أساس أنه القانون المختص في مسائل المسؤولية التقصيرية([92]).

على أنه يبدو أنّ اتفاق غالبية الشرّاح على تطبيق قانون القاضي في حال اختلاف أعلام السفن لم يحل دون اختلافهم في التبريرات.

فالبعض تكلّم عن الرضا الضمني على الأقل بالنسبة للمدعي، إذ باختياره الالتجاء إلى محكمة معينة يكون قد ارتضى ضمناً الخضوع لقانون تلك الدولة([93]).

كما رأى البعض في تسهيل مهمة القاضي تبريراً آخر، إذ سيطبّق هذا الأخير قانوناً هو على علم تام به، كما أنّ هناك من اعتبر أنّ التصادم ينشئ نوعاً من شبه العقد الرضائي يلتزم بمقتضاه المدعى عليه بقبوله في نفس الوقت الاختصاص القضائي والتشريعي للدولة المرفوع أمام محاكمها النزاع([94]).

غير أنّ كلّ هذه التبريرات تعرّضت لانتقادات، فقد قيل أنّ تسهيل عمل القاضي ليس بالمبرر الكافي والاستناد عليه سيؤدي إلى القضاء أصلاً على منهج تنازع القوانين، إذ سيطبّق القاضي دائماً قانونه الوطني بحجة علمه به، وبالتالي لن نكون بحاجة إلى البحث ومحاولة تطبيق القوانين الأجنبية، كما أنّ القول بوجود العقد الرضائي يبقى مجرد افتراض وهمي لا أساس له من الصحة، على أنّ أهمّ ما يؤخذ على تطبيق قانون القاضي هو فتحه باب التحايل على القانون، إذ بالالتجاء المضرور إلى محكمة دولة معينة خاصة في الأحوال التي تكون له فيها إمكانية الاختيار بين محاكم عدّة دول، يكون هذا الأخير قد اختار سلفاً القانون الذي سيخضع له النزاع، وما دام الأمر كذلك فإنّ المؤكّد أنه سيختار قضاء دولة قانونها يخدم مصالحه، وهذه النتيجة هي التي جعلت بعض الشرّاح ينبذون صراحةً فكرة تطبيق قانون القاضي في حال التصادم الواقع في منطقة أعالي البحار([95]).

ورغم كلّ الانتقادات الموجهة إلى ضابط الإسناد المتعلق بتطبيق قانون القاضي، فقد أصرّ غالبية الشرّاح على تطبيقه في منطقة أعالي البحار مستندين هذه المرة على فكرة الاختصاص الاحتياطي لهذا القانون، فمع اعترافهم بأنّ تطبيق قانون القاضي لا يخلو من نقائص أبرزها فتح باب التحايل والغش وإمكانية ألا يكون لهذا القانون علاقة بالنزاع، فإنه يبقى مع ذلك قانون تفرضه الضرورات العملية نتيجة تعذّر التوصل إلى حلّ مرضٍ من جميع الوجوه([96]).

ونخلص من ذلك كله إلى أنه بذلت العديد من المحاولات الفقهية الخاصة بالقانون الواجب التطبيق على التصادم الواقع في أعالي البحار، وهي اتجاهات متشعبة ومتعدّدة إلى حدٍ كبير، ورغم أنّ كلاً منها لم تنقصه التبريرات إلا أنه كان لديه من النقائص ما ينسف أساس الفكرة بحد ذاتها، ولعلّ الحل الأمثل في رأي الباحث ضرورة وضع مشروع اتفاقية دولية أشمل من اتفاقية بروكسل لعام 1910 الخاصة بالتصادم البحري بغية حلّ جميع أحكام المسؤولية التقصيرية المترتبة على التصادم البحري، سواء في المياه الإقليمية أو في منطقة أعالي البحار التي لا تخضع لسيادة أي دولة.

– الخاتمة:

بعد استعراض موضوع البحث لا بدّ لنا من إيجاز أبرز النتائج التي تمّ التوصل إليها، كما يكون من المفيد إبداء بعض التوصيات في هذا المجال، وذلك على النحو التالي:

أولاً- النتائج:

1-لم تستطع اتفاقية بروكسل لعام 1910 الخاصة بتوحيد بعض القواعد المتعلقة بالتصادم البحري، ورغم ما تضمنته من أحكام، القضاء على ظاهرة تنازع القوانين، وذلك يرجع أساساً إلى عدم اعتمادها وتبنيها من قبل جميع الدول، كما أنها لم تتعرّض للعديد من المسائل المتعلقة بالمسؤولية المترتبة على التصادم البحري، لذلك كان لا بدّ من الرجوع إلى القواعد العامة في تنازع القوانين.

2- تعدّ اتفاقية بروكسل لعام 1910 من فئة الاتفاقيات الدولية التي تصدّت للتنظيم الموضوعي الموّحد للمسائل التي تناولتها، على أن يتحدد نطاق تطبيقها في إطار العلاقات المتضمنة عنصراً أجنبياً، وضمن شروط معينة كأن تكون السفن المتصادمة تابعة لدول متعاقدة، دون حصر لمجال التصادم سواء في المياه الإقليمية أو منطقة أعالي البحار، والتكييف القانوني السليم للمنشآت المتدخلة في الحادث (السفينة البحرية)، مع عدم اشتراط حصول ارتطام مادي بينها، وأخيراً وجوب كون العلاقة الناتجة عن التصادم تقصيرية لا عقدية.

3- إنّ أهم المسائل التي تخرج عن نطاق تطبيق اتفاقية بروكسل لعام 1910، بل وتتعارض مع نصوصها في بعض الأحيان، ممّا يخضعها لتنازع القوانين: مسألة تحديد مسؤولية مالك السفينة البحرية، ومسألة التعارض المحتمل حدوثه بين قواعد المسؤولية التضامنية عن الأضرار البدنية والقواعد الخاصة بتحديد مسؤولية مالكي السفن، وأخيراً مسألة وقف تقادم دعوى المسؤولية الناتجة عن التصادم البحري وانقطاعه.

4- إنّ التصادم البحري الواقع في المياه الإقليمية لا يثير الكثير من الإشكالات لخضوعه في أغلب دول العالم للمبدأ العام وهو القانون المحلي (أي قانون محل وقوع الفعل المنشئ للالتزام)، رغم ظهور اتجاهات تنادي بتطبيق قانون العلم المشترك، أو قانون القاضي على المسؤولية التقصيرية المترتبة على التصادم في المياه الإقليمية، إلا أنها أثبتت فشلها جميعها باستثناء القانون المحلي.

5- إذا كان التصادم في منطقة أعالي البحار حيث لا تخضع لسيادة أي دولة، فلا يمكن التكلّم عن القانون المحلي، وإنما يمكننا تطبيق قانون العلم المشترك لجنسية السفن المتدخلة في الحادث (قانون العلم المشترك)، أما إذا كان التصادم بين سفن من جنسيات مختلفة، فلا نستطيع تطبيق قانون العلم المشترك، ولهذا فقد حاول الفقه بدوره البحث عن الحل لهذه المشكلة، وهو ما نتج عنه تعدّد المواقف، حيث وجد كل اتجاه تطبيقاً له في تشريع أو قضاء إحدى الدول، فقد حاول بعض الفقهاء الانطلاق من فكرة تطبيق قانون علم السفينة سواء المخطئة أو المضرورة، والبعض الآخر نادى بتطبيق أي من القانونين تطبيقاً جامعاً أو موزعاً، والبعض نادى أيضاً بتطبيق القانون الأصلح للمضرور، ولعلّ الحل المتبنى لدى غالبية الشرّاح والقضاء هو تطبيق قانون القاضي الناظر بالنزاع عند تخلف العلم المشترك، لا استناداً لسلامة الحل وملاءمته، وإنما نزولاً على اعتبارات الضرورة العملية، ولا تزال الحاجة قائمة إلى ضابط إسناد أنسب أو مشروع اتفاقية دولية يقدم حلولاً لمسألة المسؤولية التقصيرية المترتبة على التصادم البحري، ولا سيما في منطقة أعالي البحار.

ثانياً- التوصيات:

1- ضرورة المبادأة بوضع مشروع لاتفاقية دولية تتضمن قواعد موضوعية وقواعد إسناد تضع حلولاً ملائمة لمسألة تنازع القوانين في المسؤولية التقصيرية المترتبة على التصادم البحري، تكون أشمل من اتفاقية بروكسل لعام 1910 وأحدث منها.

2- العمل على الحدّ من انتشار ظاهرة أعلام المجاملة وتطبيق عقوبات رادعة على السفن الوطنية التي تحمل مثل هذه الأعلام، لما لذلك من أثر بالغ على الاقتصاد الوطني، ولا بدّ من اتفاق دولي ملزم لتنظيم هذه المسألة.

3- إنشاء محاكم بحرية متخصصة في الأردن، تحتوي على قضاة متخصصين وخبراء، على دراية بأحكام النقل البحريوملّمينبضوابط الإسنادوبكيفية التعامل مع الإشكالات التي يطرحها التصادم البحري لضمان سرعة الفصل في القضايا والمنازعات على أكمل وجه.

4- إنشاء لجنة وطنية تختصّبدراسة الإشكاليات القانونية المترتبة على تنازع القوانين في مسألة المسؤولية التقصيرية الناتجة عن التصادم البحري، سواء في المياه الإقليمية أو في منطقة أعالي البحار.

 

 

المراجع

أولاً- باللغة العربية:

1- إخلاص مخلص إبراهيم الألوسي، تنازع القوانين في سندات الشحن الإلكترونية، دار الكتب القانونية، المحلّة الكبرى، 2015

2- بن عصمان جمال، المسؤولية التقصيرية المترتبة على التصادم البحري في القانون الدولي الخاص، رسالة دكتوراه، جامعة تلمسان، الجزائر، 2009

3- جابر جاد عبد الرحمن، تنازع القوانين، دار النهضة العربية، القاهرة، 1996

4- جاك يوسف الحكيم، الحقوق التجارية، ط4، منشورات جامعة دمشق، 1996

5- رمزي سعدي، التصادم البحري، رسالة أستذة، الهيئة الوطنية للمحامين، تونس، 2011

6- صلاح الدين عبد اللطيف الناهي، الوجيز في القانون البحري، دار المهد، عمّان، 1982

7- صلاح محمّد المقدم، تنازع القوانين في سندات الشحن ومشارطات إيجار السفينة، الدار الجامعية، بيروت، 1981

8- طالب حسن موسى، القانون البحري، دار الثقافة، عمّان، 2012

9- عبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، مج2، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2009

10- عبد القادر الفار، مصادر الالتزام، دار الثقافة، عمّان، 2016

11- عزّ الدين عبد الله، القانون الدولي الخاص، الجزء الثاني، دار النهضة العربية، القاهرة، 1977

12- عكاشة محمّد عبد العال، القانون الدولي الخاص، دار المطبوعات الجامعية، 2006

13- علي حسن يونس، القانون البحري، دار الفكر العربي، القاهرة، 1955

14- فاضل صالح، تحديد مسؤولية مالك السفينة في القانون البحريني والاتفاقيات الدولية، مقالة، منشورة في مجلة الحقوق، المجلد الرابع، العدد الثاني، جامعة البحرين، 2010

15- فؤاد ديب، تنازع القوانين في القانون الدولي الخاص، ط10، منشورات جامعة دمشق، 2008

16- فؤاد عبد المنعم رياض، الوجيز في تنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضائي الدولي، دار النهضة العربية، القاهرة، 1981

17- كمال حمدي، أشخاص الملاحة البحرية، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1993

18- ماجد حلواني، القانون الدولي الخاص وأحكامه، منشورات جامعة الكويت، 1999

19- محمّد القذافي عبد الله سلطان، الحجز التحفظي على السفينة في القانون الليبي والاتفاقيات الدولية، رسالة ماجستير، الأكاديمية البحرية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، 2015

20- محمّد المبروك اللافي، تنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضائي، منشورات الجامعة المفتوحة، بنغازي، 1996

21- محمّد بهجت عبد الله قايد، الخطأ في التصادم البحري، دار النهضة العربية، القاهرة، 1992

22- محمّدزهدور، المسؤولية عن فعل الأشياء غير الحية ومسؤولية مالك السفينة في القانون البحري الجزائري، دار الحداثة، بيروت، 1990

23- محمّد عزيز شكري، القانون الدولي العام، ط10، منشورات جامعة دمشق، 2006

24- محمّد غسان الصابوني، القضايا البحرية، منشورات نقابة المحامين، دمشق، 1979

25- محمّد ماجد محمود أحمد، المسؤولية عن التصادم البحري في القانون الدولي الخاص، رسالة دكتوراه، جامعة عين شمس، القاهرة، 1987

26- محمود علي الشرقاوي، القانون البحري، دار النهضة العربية، القاهرة، 1993

27- محمود محمّد عبابنه، عقد النقل، دار الثقافة، عمّان، 2015

28- نفنسطاس: آ- مسؤولية مالك السفينة ومجهزها، رسالة ماجستير، جامعة دمشق، 2014

ب- مخاطر النقل البحري، رسالة أستذة، نقابة المحامين، فرع ريف دمشق، 2012

29- هاشم الجزائري وعبد العزيز الشامسي، الوسيط في شرح القانون التجاري، عالم الكتب الحديث، 2009

30- هشام علي صادق، تنازع القوانين في مسائل المسؤولية التقصيرية المترتبة على التصادم البحري والحوادث الواقعة على ظهر السفينة ، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2002

31- هشام فرعون، القانون التجاري البحري، منشورات جامعة حلب، 1985

ثانياً- باللغة الأجنبية:

1- Abdulla Hassan Mohamed, Limitation of maritime liability- A study of 1976 convention and Kuwait Maritime Law, Journal of Law, No.3, Vol.35, Kuwait, September 2011

2- Beitzke (G.), Les obligations délictuelles en droit international privé, Recueil des coure de l’académie de droit international, T III, 1965

3- Bonassies (P .), Le droit maritime français, 1990⁄2000, évolution et perspective, R .D.C.M.A.T., 2002

4- Bourel (P.), Les confits de lois matiére d’obligations extracontractuelles, L.G.D.J.1996

5- Briere (C .), La convention dite C.M.R. prime sur la convention de Bruxelles, Rép, D.2007

6- Burea (D.), Droit international privé, T II, P.V.F.2007

7- Christopher Hill, Maritime Law, Pitman books limited, London, 1981

8- Kegel (G.), l’abordage en haute mer en droit international privé, R.C.D.I.P.,1968

9- Moreau (B.), Arbitrage international, Rép.Com.Dalloz, avril, 2004

10- René Rodière, Droit maritime, 12e édition, Dalloz, Paris, 1997

11- Ripert (G.), Les conventions de Bruxelles du 10⁄5⁄1952 sur’unification du droit maritime, D.M.F.1952

12- Robertson (S.), Admiralty and maritime in United Stated, New York, 2011

([1]) وقّعت اتفاقية بروكسل الخاصة بالتصادم البحري بتاريخ 23 أيلول لعام 1910 ودخلت حيّز النفاذ الدولي بتاريخ 1 آذار لعام 1913

([2]) Christopher Hill, Maritime Law, Pitman Books Limited, London, 1981, p135

([3]) Ripert (G.), Les conventions de Bruxelles du 10⁄5⁄1952 sur L’unification du droit maritime, D. M.F ; 1952, n°2064

([4]) Moreau (B.), Arbitrage international, Rép. Com. Dalloz, avril, 2004, n°9

([5]) René Rodière, Droit maritime, 12eédition, Dalloz, Paris, 1997, n°108

([6]) إخلاص مخلص إبراهيم الألوسي، تنازع القوانين في سندات الشحن الإلكترونية، دار الكتب القانونية، المحلة الكبرى، 2015، ص143

([7]) Bonassies (P.), Le droit maritime français, 1950⁄2000, évolution et perspective, R.D.C.M.A.T., 2002, n°52

([8]) تنص المادة (236) من قانون التجارة البحرية الأردني رقم /12/ لعام 1972 على ما يلي: “إذا وقع تصادم بين السفن البحرية أو بين السفن البحرية وسفن الملاحة الداخلية فإنّ التعويض من الضرر اللاحق بالسفن وما على متنها من أشياء وأشخاص بدفع وفقاً للأحكام التالية ولا عبرة للمياه التي حدث فيها التصادم”.

([9]) محمّد زهدور، المسؤولية عن فعل الأشياء غير الحيّة ومسؤولية مالك السفينة في القانون البحري الجزائري، دار الحداثة، بيروت، 1990، ص183

([10]) هاشم الجزائري وعبد العزيز الشامسي، الوسيط في شرح القانون التجاري، عالم الكتب الحديث، دبي، 2009، ص207

([11]) طالب حسن موسى، القانون البحري، دار الثقافة، عمّان، 2012، ص44

([12]) قرار محكمة التمييز الأردنية، الهيئة الخماسية، رقم 889/90، منشور في مجلة نقابة المحامين لعام 1993، ص207

([13]) محمود محمّد عبابنه، أحكام عقد النقل (البحري، البرّي، الجوّي)، دار الثقافة، عمّان، 2015، ص32

([14]) محمّد القذافي عبد الله سلطان، الحجز التحفظي على السفينة في القانون الليبي والاتفاقيات الدولية، رسالة ماجستير، الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، الإسكندرية، 2015، ص21

([15]) نفن سطاس، مسؤولية مالك السفينة ومجهزها، رسالة ماجستير، جامعة دمشق، 2014، ص171

([16]) تعرّف المادة (29) من اتفاقية أعالي البحار لعام 1982 السفينة الحربية بأنها: “السفينة التابعة للقوات المسلحة لدولة ما تحمل العلامات الخارجية المميزة للسفن الحربية التي لها جنسية هذه الدولة، وتكون تحت أمرة ضابط معين رسمياً من حكومة تلك الدولة ويظهر اسمه في قائمة الخدمة المناسبة أو ما يعادلها، ويشغلها طاقم من الأشخاص خاضع لقواعد الانضباط في القوّات المسلحة النظامية”.

([17]) ويقصد بالسفن المخصصة لخدمة عامة تلك السفن التي تكون مملوكة لدولة أو إحدى الهيئات العامة، وتكون في الوقت نفسه مخصصة لمصلحة عامة.

([18]) بن عصمان جمال، المسؤولية التقصيرية المترتبة على التصادم البحري في القانون الدولي الخاص، رسالة دكتوراه، جامعة تلمسان، الجزائر، 2009، ص37

([19]) René Rodière, Op.Cit., n°18

([20])Ripert, (G.), Op.Cit., n°2072

([21]) محمّد بهجت عبد الله قايد، الخطأ في التصادم البحري، دار النهضة العربية، القاهرة، 1992، ص26

([22]) هشام فرعون، القانون التجاري البحري، منشورات جامعة حلب، 1985، ص214

([23]) إخلاص مخلص إبراهيم الألوسي، مرجع سابق، ص71

([24]) كمال حمدي، أشخاص الملاحة البحرية، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1993، ص264

([25]) عبد القادر الفار، مصادر الالتزام، دار الثقافة، عمّان، 2016، ص186

([26]) محكمة التمييز الأردنية، الهيئة الخماسية، رقم القضية 128/1985، تاريخ 22/6/1985، منشور في مجلة نقابة المحامين، تاريخ 1/1/1986، ص1669

([27]) فاضل صالح، تحديد مسؤولية مالك السفينة وفقاً للقانون البحريني والاتفاقيات الدولية، (مقالة)، منشورة في مجلة الحقوق، المجلد الرابع، العدد الثاني، منشورات جامعة البحرين لعام 2010، ص24

([28]) Robertson (S.) and Others, Admiralty and maritime in United States, New York. 2011, p511

([29]) جاك يوسف الحكيم، الحقوق التجارية، ط4، منشورات جامعة دمشق، 1996، ص121

([30]) علي حسن يونس، القانون البحري، دار الفكر العربي، القاهرة، 1955، ص303

([31]) محمود علي الشرقاوي، القانون البحري، دار النهضة العربية، القاهرة، 1993، ص189

([32]) صلاح الدين عبد اللطيف الناهي، الوجيز في مبادئ القانون البحري، دار المهد، عمّان، 1982، ص169

([33]) Abdulla Hassan Mohamed, Limitation of maritime liability- A study of 1976 Convention and Kuwait Maritime Law, Journal of Law, No.3, Vol.35, Kuwait, September 2011, 30

([34])Ripert, (G.), Op.Cit,. n°1291

([35]) هشام علي صادق، تنازع القوانين في مسائل المسؤولية التقصيرية المترتبة على التصادم البحري والحوادث الواقعة على ظهر السفن، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2002، ص104

([36]) Kegel, (G.), L’abordage en haute mer n droit international privé, R.C.D.I.P., 1968, n°404

([37])Kegel, (G.), Ibid,. n°407

([38]) محمّد ماجد محمود أحمد، المسؤولية عن التصادم البحري في القانون الدولي الخاص، رسالة دكتوراه، جامعة عين شمس، القاهرة، 1987، ص312

([39]) صلاح محمّد المقدم، تنازع القوانين في سندات الشحن ومشارطات إيجار السفينة، الدار الجامعية، بيروت، 1981، ص72

([40]) هشام علي صادق، مرجع سابق، ص110

([41]) Bureau, (D.), Droit international privé, T II, P.V.F. 2007, n°66

([42]) محمّد ماجد محمود أحمد، مرجع سابق، ص309

([43]) عبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد /مصادر الالتزام/، مج/2/، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2009، ص1147

([44]) [1962] 2 Lloyd’s Rep 252

([45]) بن عصمان جمال، مرجع سابق، ص216

([46]) هشام علي صادق، مرجع سابق، ص110

([47]) نفن سطاس، مخاطر النقل البحري، رسالة أستذة، نقابة المحامين، فرع ريف دمشق، 2012، ص44

([48]) قد يعرض من الأسباب ما يوقف سريان التقادم بعد أن يكون قد بدأ، وعند ذلك لا تحسب المدة التي وقف فيها سريان التقادم، وتحسب المدة التي سبقت والمدة التي تلت الوقف، فوقف سريان التقادم يفترض أنّ التقادم قد بدأ سريانه، ثمّ وقف لسبب معين، ومثاله المانع الأدبي من المطالبة مثلاً.

([49]) يمكن أن ينقطع التقادم بسبب من أسباب الانقطاع، فتكون المدة التي انقضت قبل انقطاع التقادم كأنها لم تكن ولا تدخل في حساب مدة التقادم، حتى إذا بدأ سريان التقادم من جديد بعد انقطاعه، يعقب التقادم الذي زال بالانقطاع تقادم جديد تسري عليه الأحكام العامة للتقادم، ومثاله المطالبة القضائية أو التنبيه أو الحجز وما إلى ذلك.

([50]) للتوسع في هذه الآراء انظر: بن عصمان جمال، مرجع سابق، ص220

([51]) محمّد عزيز شكري، القانون الدولي العام، ط10، منشورات جامعة دمشق، 2006، ص216

([52]) فؤاد ديب، تنازع القوانين في القانون الدولي الخاص، ط10، منشورات جامعة دمشق، 2008، ص345

([53]) محمّد غسان الصابوني، القضايا البحرية، منشورات نقابة المحامين، دمشق، 1979، ص158

([54]) محمّد المبروك اللافي، تنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضائي، منشورات الجامعة المفتوحة، بنغازي، 1996، ص99

([55]) رمزي سعدي، التصادم البحري، رسالة أستذة، الهيئة الوطنية للمحامين، تونس، 2011، ص18

([56]) Ripert, (G.), Op.Cit., n°2074

([57])C. App. Caen 12/09/1991, D. M. F., 1993, pp. 50 et s

([58]) هشام علي صادق، مرجع سابق، ص123

([59])Kegel, (G.), Op.Cit,. n°412

([60]) عكاشة محمّد عبد العال، القانون الدولي الخاص، دار المطبوعات الجامعية، 2006، ص179

([61])R.C.D.I.P, 1961, p. 728, note AN. MAKAROV

([62]) Beitzke, (G.), Les obligations délictuelles en droit international privé, recueil des coure de l’académie de droit international, T III, 1965, n°633

([63]) René Rodière, Op.Cit,. n°107

([64])Beitzke, (G.), Ibid, n°84

([65]) [1970] 1 Lloyd’s Rep355

([66]) Com. 28 février 1985 ; DMF, p755

([67]) هشام علي صادق، مرجع سابق، ص131

([68])Beitzke, (G.), Ibid, n°96

([69]) عزيز شكري، مرجع سابق، ص229

([70])Ripert, (G.), Op.Cit., n°2076

([71]) René Rodière, Op.Cit., n°108

([72])Briere, (C.), La convention dite C.M.R. prime sur la convention de Bruxelles, Rép, D.2007 , n°574

([73])Kegel, (G.), Op.Cit,. n°410

([74]) جابر جاد عبد الرحمن، تنازع القوانين، دار النهضة العربية، القاهرة، 1966، ص48

([75]) المرجع السابق، ص50

([76]) عزّ الدين عبد الله، القانون الدولي الخاص، الجزء الثاني، دار النهضة العربية، القاهرة، 1977، ص39

([77]) المرجع السابق، ص40

([78]) Kegel, (G.), Op.Cit,. n°412

([79]) محمّد ماجد محمود أحمد، مرجع سابق، ص452

([80])Beitzke, (G.), Op.Cit., n°136

([81]) فؤاد عبد المنعم رياض، الوجيز في تنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضائي الدولي، دار النهضة العربيةـ القاهرة، 1981، ص59

([82]) المرجع السابق، ص61

([83]) صلاح الدين المقدم، مرجع سابق، 231

([84])Ripert, (G.), Op.Cit., n°2077

([85]) هشام علي صادق، مرجع سابق، ص160

([86]) René Rodière, Op.Cit,. n°97

([87]) Beitzke, (G.), Op.Cit,. n°62

([88]) Kegel, (G.), Op.Cit,. n°415

([89]) بن عصمان جمال، مرجع سابق، ص238

([90]) المرجع السابق، ص241

([91]) ماجد حلواني، القانون الدولي الخاص وأحكامه، مطبوعات جامعة الكويت، 1999، ص37

([92]) Bourel, (P.), Les conflits de lois en matière d’obligations extracontractuelles, L.G.D.J.1996, n°230

([93]) محمّد ماجد محمود أحمد، مرجع سابق، ص455

([94]) هشام علي صادق، مرجع سابق، ص172

([95]) فؤاد ديب، مرجع سابق، ص352

([96])Ripert, (G.), Op.Cit., n°88

Exit mobile version