Site icon مجلة المنارة

تمويل المشاريع المحلية بالمغرب: أية مساهمة لصندوق تجهيز الجماعات المحلية؟

يشكل موضوع تمويل التنمية المحلية وتنويع مصادره، محط اهتمام جميع الدول التي ارتأت في خيار التنظيم اللامركزي فلسفة و ضرورة سياسية لاستكمال بناء الديمقراطية التمثيلية الذي لا يتوقف نجاحه على تخويل الجماعات الترابية اختصاصات متعددة، بل يتطلب أساسا توسيع نطاق مواردها المالية اللازمة لتمويل مشاريعها التنموية في مواجهة تزايد متطلباتها و حاجيات سكانها.

و قد حرص المشرع المغربي، في إطار تفعيل الدور التنموي للجماعات الترابية، على منحها جملة من الموارد المالية، منها الذاتية و المحولة من قبل الدولة إلى جانب موارد استثنائية أخرى تعتبر القروض التي يمنحها صندوق تجهيز الجماعات المحلية واحدة منها.

وقد بدأ الاهتمام بالقروض المحلية منذ السنوات الأولى للاستقلال، باعتبارها مصدرا من مصادر الإيرادات الجماعية الاستثنائية التي تلجأ إليها الجماعات الترابية لتمويل بعض التجهيزات والمشاريع التنموية، والتي غالبا ما تفوق نفقاتها إيرادات هذه الجماعات وتستغرق وقتا طويلا ولا يعود نفعها العام في الغالب على السكان في الحال بل في المستقبل(1)، ولهذا الغرض تم إحداث هيأة خاصة أنيطت بها مهمة منح قروض مخصصة لتمويل البرامج والمشاريع التنموية المحلية، وهي صندوق التجهيز الجماعي(2)– صندوق تجهيز الجماعات المحلية حاليا – الذي يعتبر المؤسسة المالية الوحيدة المحتكرة لعملية إقراض الجماعات الترابية بالمغرب، وإن كان بإمكان هذه الأخيرة أن تستفيد من قروض وسلفات من بعض المؤسسات الاقتراضية التابعة لبعض المنظمات الدولية والإقليمية(3).

فالغرض الأساسي الذي أنشئ من أجله هذا الصندوق يكمن في إشراكه وإسهامه في تمويل التنمية المحلية من خلال دعمه لمالية الجماعات الترابية التي تعرف نقصا في مواردها بالنظر إلى أهمية الاعتمادات المالية التي يتطلبها تمويل المشاريع المحلية في ظل الارتفاع المستمر لتكاليف الإنتاج، وعدم قدرتها على تغطية نفقاتها بمواردها الخاصة الذاتية، وعدم إقبال القطاع البنكي الخاص(4) على منح قروضه لفائدة هذه الوحدات الترابية، وهو ما حدا بالمشرع إلى إخضاع هذا الصندوق لمجموعة من الإصلاحات بغرض تعزيز دوره كوسيط مالي وكبنك في خدمة التنمية المحلية  لا يقتصر نشاطه على التمويل فحسب، بل يتعداه إلى مواكبة الجماعات في صياغة رؤيتها التنموية على المديين المتوسط والبعيد. فإلى أي مدى ساهم تطوير الوضعية القانونية للصندوق في تقوية مهمة تمويله للمشاريع المحلية؟ ثم ما هي معيقات و آفاق السياسة الاقتراضية التي تنهجها هذه المؤسسة؟.

المبحث الأول: الإطار التنظيمي لصندوق تجهيز الجماعات المحلية

المطلب الأول: تطور الوضعية القانونية للصندوق:

عرفت الوضعية القانونية لصندوق تجهيز الجماعات المحلية، مند تأسيسه بصفة رسمية بموجب ظهير 13 يونيه 1959، جملة من التعديلات، تحول على إثرها الصندوق من مؤسسة عمومية تابعة لصندوق الإيداع والتدبير، إلى مؤسسة عمومية مستقلة عنه قانونيا وإداريا إلى أن اكتسب صفة مؤسسة بنكية بموجب إصلاح 1996.

الفرع الأول: تسيير صندوق التجهيز الجماعي من قبل صندوق الإيداع والتدبير:

رغم الطبيعة القانونية لصندوق التجهيز الجماعي كمؤسسة عمومية متمتعة بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، فقد ظل تسييره مرتبطا بصندوق الإيداع والتدبير على المستويين الإداري و المالي، إذ كان مجرد مصلحة من المصالح التابعة لهذا الأخير، يدخل في نطاق رؤيته الشمولية واختياراته العامة(5)،كما أن القروض الممنوحة لم تكن إلا نشاطا مشتقا من مهامه المالية.

و قد شكلت تبعيته لصندوق الإيداع والتدبير، وافتقاره للأجهزة الإدارية والتقنية الخاصة به والموارد المالية الكافية، وهشاشة نظامه القانوني، عوامل حالت دون قيامه بدور وسيط مالي بين الجماعات المحلية والمؤسسات المالية، ودور مؤسسة للإيداع على خلاف نظيره الفرنسي(6) و فرضت تدخل الدولة لاتخاذ مجموعة من التدابير استهدفت من خلالها توعية الجماعات الترابية بأهمية الاقتراض في تمويل التنمية المحلية وتوسيع قاعدة المستفيدين من القروض، وتأهيل الصندوق من خلال إعادة تنظيمه وتمكينه من وسائل التدخل الذاتي للاستجابة لشروط الاستثمار المحلي مع تقوية إمكانياته البشرية والمالية في اتجاه تكريس استقلاليته النسبية.

الفرع الثاني: تقوية الاستقلال الإداري والمالي للصندوق:

تكرست إعادة هيكلة صندوق التجهيز الجماعي بموجب القانون رقم 90-31 7المعدل للقانون المؤسس له و الذي بمقتضاه أصبح هذا الأخير يحمل اسم “صندوق تجهيز الجماعات المحلية”، ويتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري، خاضعا لوصاية الدولة ومراقبتها المالية، و يتوفر على:

– هيكلة تنظيمية جديدة وهيئات تقريرية خاصة به تتمثل في مجلس إدارة، مدير عام ولجنة القرض تختص بدراسة ومنح القروض والسلفات وفق الشروط التي يحددها مجلس الإدارة الذي ضمنت الجماعات الترابية تمثيليتها على مستواه من خلال تواجد منتخبين محليين معينين وفق ما هو محدد قانونا.

– موارد مالية متنوعة (الموارد الذاتية و القروض المحلية و الخارجية )

– اختصاصات واسعة شملت مواكبة الجماعات الترابية خلال صياغة رؤيتها التنموية على المديين المتوسط والبعيد،إلى جانب منحها قروض و تسبيقات لتمويل الدراسات الأساسية للمشاريع التي تدخل في نطاق الميادين الممولة من طرف الصندوق.

– وسائل التدبير و التسيير الحديثة المعمول بها من طرف المؤسسات المالية في ميادين التقييم والتدبير وتحديد معدلات الفائدة.

الفرع الثالث: اعتماد صندوق تجهيز الجماعات المحلية كبنك في خدمة التنمية المحلية

في إطار يشهد فيه القطاع المحلي تحولات جذرية تتزامن مع دينامية متزايدة للقطاع البنكي، سيتم إدخال إصلاح آخر على النظام القانوني للصندوق تجسد في اعتماده كمؤسسة بنكية، بموجب الظهير الصادر في 2 غشت 1996(8) الذي بمقتضاه أصبح بإمكانه القيام بجميع العمليات البنكية، و بالتالي تعزيز دوره كوسيط مالي بين الجماعات الترابية والمؤسسات البنكية الوطنية وخاصة الدولية، توسيع وتنويع مصادر تمويله، وذلك باللجوء إلى مختلف أسواق الرساميل، بهدف تخفيض كلفة موارده وبالتالي تخفيض معدلات الفائدة المطبقة على قروض الجماعات الترابية من خلال تقوية رأسماله.كما مكن إصلاح 1996 الصندوق من اعتماد نظام خبرة داخلية طبقا لما هو متعارف عليه دوليا لدى المؤسسات المالية، ويتولى خبراء مستقلون فحص ومراقبة البيانات المالية السنوية للصندوق، في إطار العمل بالمبادئ المحاسبية وفق قواعد المراقبة المقبولة في المجتمع الدولي.

  المطلب الثاني: معايير وشروط الاستفادة من تمويل الصندوق:

تنقسم شروط الاستفادة من قروض ص.ت.ج.م إلى تلك التي يتطلب توفرها أولا في الجهة الراغبة في الحصول على القرض، وأخرى مرتبطة بالمشروع موضوع طلب القرض ثانيا.

الفرع الأول: الشروط المتعلقة بالجماعة المقترضة:

التوفر على نسبة مديونية تقل عن 40%: إضافة إلى توفرها على الإمكانيات البشرية، التنظيمية والمعدات اللازمة والضرورية لإنجاز مشاريعها، يتعين على الجماعة الترابية الراغبة في الحصول على قرض من ص.ت.ج.م، احترام سقف مديونية يتحدد في أقل من 40% من مجموع الموارد العادية للجماعة.

المساهمة في تمويل المشروع في حدود 20% من كلفته: و يدخل في قائمة التمويل الذاتي للجماعة: الفائض المخصص للمشروع، المساهمات العينية و الهبات أو المساهمات المحصل عليها من طرف المؤسسات العمومية أو الخاصة، وطنية كانت أم أجنبية.

وبالنسبة للمشاريع في طور الإنجاز، يمكن للصندوق أن يقبل تمويل النفقات التي تم صرفها في الستة أشهر التي تسبق الموافقة على القرض، كما يمكنه أن يمول المشاريع بنسبة 100%، خاصة تلك التي تتعلق بالبرامج القطاعية على المستوى الوطني مثل الكهربة القروية، التزود بالماء الصالح للشرب.

الخضوع لنسبة الفائدة المحددة من قبل الصندوق: يطبق الصندوق على القروض التي يمنحها للجماعات الترابية نسب فوائد يستخلصها سنويا على جاري القروض. وقد عرفت نسب الفائدة المطبقة ارتفاعا كبيرا إذ وصل معدل الفائدة الثابت 12% سنة 1998 لينتقل إلى 10,5% سنة 2002، كما عرف معدل الفائدة المتغير انخفاضات متتالية لينتقل من 10,5% سنة 1998 إلى 9% سنة 2002، وتطبق حاليا على القروض نسب فوائد تبتدئ من 6.5% وتتغير حسب مدة القروض التي يمكنها أن تصل إلى 15 سنة، وكذلك حسب طبيعة الضمانات المقدمة.

الفرع الثاني: الشروط المرتبطة بالمشروع:

تتجلى هذه الشروط في ضرورة انتماء المشروع إلى أحد القطاعات المؤهلة لتمويل الصندوق، أن يلبي حاجة حقيقية ومبررة اقتصاديا واجتماعيا وأن يتميز بالنجاعة المالية.

الانتماء إلى أحد القطاعات المؤهلة لتمويل الصندوق: أي الانتماء إلى أحد القطاعات الأساسية و كذا القطاعات المتفرعة عنها التي حددت قائمتها التوصية الصادرة عن مجلس إدارة الصندوق في مجالات الماء الصالح للشرب، الكهرباء، التطهير السائل، الطرق الجماعية، التجهيزات الخاصة، التهيئة الحضرية، التجهيزات التجارية، النقل الحضري، التجهيزات الرياضية، السياحية والترفيهية ثم التطهير الصلب.

تلبية حاجة حقيقية وملحة وقابلة للإنجاز بأقل كلفة ومبررة اقتصاديا واجتماعيا: أي أن يندرج المشروع ضمن قائمة المشاريع ذات الأولوية بالنسبة للجماعة، والتي لا تستطيع تمويلها بواسطة موارد أخرى كالموارد الذاتية، لذلك وقبل اللجوء إلى طلب القرض، يتعين عليها أن تعرف بأهم مكونات المشروع، وبالتالي إخضاعه لدراسة مفصلة تشمل التبريرات الاقتصادية، والاجتماعية والتقنية، وكذا سبل إنجازه، ويجب أن تعكس هذه الدراسة أهمية المشروع بالنسبة للجماعة ومدى تلبيته لحاجة حقيقية وذات أولوية بالنسبة لها، وألا تنتج عنه أية آثار سلبية على البيئة، أو أن يحرص المقترض على اتخاذ التدابير الوقائية الضرورية للحد من هذه الآثار بصفة مرضية وفق ما حددته السياسة العامة للصندوق.

 

 

المبحث الثاني: منجزات الصندوق في مجال تمويل المشاريع المحلية

المطلب الأول: التطور الكمي لقروض ص.ت.ج.م:

الفرع الأول: محدودية الحجم السنوي للقروض الممنوحة ما بين 1959-1976:

منذ إحداثه سنة 1959 إلى حدود سنة 1976، استطاع ص.ت.ج أن يضع رهن إشارة الجماعات المحلية ما يفوق 500 مليون درهم، ورغم ذلك فقد تميزت هذه الفترة بمحدودية حجم القروض الممنوحة للبلديات، وهذا يعود بالطبع إلى الدور المحدود الذي كانت تلعبه البلديات في ميدان تمويل المرافق والخدمات، والذي كان منظما بالقانون الجماعي لسنة 1960.(9)

وقد وصل مبلغ القروض التي التزم الصندوق بمنحها لفائدة الجماعات المحلية سنة 1960 ما مجموعه 18.080.000.00 درهما، لتسجل سنة 1976 ما يقارب 107.790.000 درهما بمعدل ارتفاع بلغ 73.16 % مقارنة مع سنة 1975 التي لم تتجاوز فيها قروض الصندوق الممنوحة 62.250.000 درهما.

ورغم أن نشاط الصندوق قد عرف منذ سنة 1972 تطورا مستمرا، حيث بلغ في سنة 1974 درجة استثنائية بالخصوص من ناحية القروض المنجزة(10)، إلا أن المبالغ الممنوحة من قبل المؤسسة ظلت ضعيفة، ويبرز ذلك من خلال قياس حجم القروض المخصصة مع الموارد التجهيزية الأخرى، ومع الحاجيات التجهيزية المحلية وكذا من حيث اللاستقرار الذي تتسم به قروض صندوق التجهيز الجماعي.

من جانب آخر يظهر ضعف حجم القروض بكيفية واضحة عند النظر إلى المعدل المتوسط لقروض الصندوق خلال المخططين الخماسيين 68/ 1972 و 73/ 1977 ففي المخطط الأول الذي كان فيه للدولة دور مهم في تمويل المشاريع الضخمة لاسيما التجهيزات الأساسية كالسدود والطرق والموانئ،(11) فقد كان المعدل المتوسط للقروض الممنوحة هو 23.58 م.د و 21.62 م.د بالنسبة للقروض المنجزة، ووصل هذا المعدل في المخطط الخماسي الثاني إلى 70.3 م.د بالنسبة للقروض الممنوحة و 68.5 م.د للقروض المنجزة،(12) وكذلك فإن القروض لم تساهم بما فيه الكفاية في تمويل التجهيزات المحلية حيث إنه خلال الفترة الممتدة ما بين 1973 إلى 1977 لم تتجاوز هذه النسبة 7.84 % في الوقت الذي بلغت فيه مساهمة الدولة في هذا التمويل 73.6%(13).

وبذلك فإن نسبة تدخل الصندوق في تمويل التجهيزات المحلية خلال الفترة المدروسة لم تتجاوز 10% وهي نسبة ضعيفة، ولم تستجب للمتطلبات التنموية للجماعات المحلية آنذاك، في حين وعلى سبيل المقارنة نجد أن القروض في فرنسا مولت 50% من الاستثمارات المحلية(14).

الفرع الثاني: التطور النسبي للقروض خلال مرحلة 1977 -1992:

خلال هذه الفترة، عرفت مساهمة ص.ت.ج تحولا إيجابيا ترجمه تطور حجم القروض الممنوحة من قبله لفائدة الجماعات المحلية. إذ استطاع أن يوفر ما مجموعه 5.558.061.509 درهما خلال الفترة المتراوحة ما بين 1977 و1992، وقد عرفت سنة 1978، زيادة مهمة في حجم القروض الممنوحة إذ وصلت إلى 106.960.000 درهما مقابل 35.400.000 درهما سنة 1977، لترتفع بعد ذلك إلى 166.390.000 درهما خلال سنة 1979 أي بنسبة زيادة وصلت إلى 55.56 % مقارنة مع سنة 1978 وتجد هذه الزيادة تفسيرها في الإصلاح الذي خضع له الصندوق سنة 1979.

وبحلول سنة 1985، سترتفع مجددا القروض الممنوحة من قبل الصندوق، لتصل إلى 961.765.000 درهما سنة 1990 أي بمعدل ارتفاع بلغ 85.10% مقابل 519.590.294 درهما سنة 1989، مستفيدا من انفتاحه على بعض المؤسسات المالية الدولية كالبنك الدولي، بينما ستسجل القروض المنجزة أقصى قيمة لها خلال هذه الفترة بمبلغ 751.550.387 درهما سنة 1992.

وإذا كانت الفترة الممتدة ما بين 1977 إلى 1992 قد عرفت فيها القروض الممنوحة من قبل ص.ت.ج تطورا ملحوظا مقارنة مع المرحلة السابقة، فإن مساهمة هذا الأخير في تمويل التنمية المحلية لم ترق إلى المستوى المطلوب، وذلك مقارنة مع حجم إمدادات التجهيز الذي وصل إلى 6824 م.د(15) خلال المدة المتراوحة ما بين 1977 و 1987، في حين لم تتجاوز القروض ما مجموعه 2.170.927.000 درهما خلال نفس الفترة.

من جهة أخرى، إذا كانت الموارد المالية للجماعات المحلية قد واصلت نموها خلال هذه المرحلة، بانتقالها من 950.69 م.د سنة 1977 إلى 6.3 مليار درهم في 1989 ثم إلى 9.86 مليار درهم سنة 1992، وهو ما انعكس على حجم الاستثمارات المنجزة من قبل هذه الوحدات، الذي وصل إلى 31.631 مليار درهم، فإن مساهمة صندوق التجهيز الجماعي في تمويل هذه الأخيرة لم يتجاوز معدل 14%(16)، وهو ما يؤكد أن التمويل عن طريق القروض ظل مجرد مورد استثنائي خلال هذه الفترة كذلك.

الفرع الثالث: ارتفاع حجم قروض الصندوق بعد إعادة هيكلته

شكلت سنة 1992 محطة رئيسية في تاريخ ص.ت.ج.م، إذ تم خلالها إعادة هيكلته بصفة جذرية، مكنته من رفع مستوى مساهماته المالية وإحداث قفزة نوعية على مستوى التقييم والدعم التقني، كما عملت وبشكل ملموس على تحسين النتائج المالية للمؤسسة. وهكذا وخلال الفترة الممتدة ما بين 1992 و 2002، منح ص.ت.ج.م حجما من القروض بلغ 10.7 مليار درهم أي بمعدل مليار درهم سنويا همت جميع القطاعات المؤهلة للتمويل وجميع أصناف الجماعات، وقد ساهم في زيادة قروض الصندوق انطلاقا من سنة 1993 استفادته من خطوط اعتماد مهمة من لدن المؤسسات المالية الدولية.

وبالنسبة لسنة 2003، ورغم تعزيز الأموال الذاتية للصندوق التي بلغ حجمها 894.17 م.د نهاية سنة 2003، إلا أن حجم القروض الممنوحة لم يتجاوز مبلغ 742 م.د مقابل 1363 م.د سنة 2002 مسجلا بذلك انخفاضا بنسبة 46%، بينما لم تتجاوز موارد اقتراض الجماعات المحلية في أقصى نسبها 7% خلال الفترة الممتدة ما بين 2006 و 2010 في حين بلغت نسبة تحويلات الدولة %57 برسم سنة  2010و هو ما يوضحه الجدول أسفله:

موارد الجماعات المحلية:2006-2010 بم.د

2006 2007 2008 2009 2010
تحويلات الدولة 11137 12521 15550 16538 16947
الجبايات المحلية 7594 8131 8400 8890 10423
موارد الاقتراض 980 1731 2049 1801 1929

 

المطلب الثاني: التوزيع الجغرافي لنشاط الصندوق

إن دراسة تطور حجم القروض الممنوحة لفائدة جهات المملكة، يبين أنها عرفت تطورا ملموسا، استفادت منه هذه الجهات في تمويل مشاريعها التنموية، غير أن طريقة توزيعها تعكس مدى التباين الجهوي في الاستفادة من هذه الموارد، ويتجلى ذلك بوجه خاص في استئثار بعض الجهات بالنصيب الأوفر من مجموع القروض الممنوحة على حساب جهات أخرى و هو ما يوضحه الجدول أسفله.

 

توزيع القروض حسب الجهات بملايين الدراهم (1996 – 2002)

الجهات 1996 1997 1998 1999 2000 2001 2002
واد الذهب – لكويرة 15 0
العيون – بوجدور – الساقية الحمراء 2 0 6
كلميم – السمارة 29 15 6.5 74 51 53 7
سوس – ماسة – درعة 96 157 42 185 127 123 190
الغرب – الشراردة – بني احسن 81 12 30 44 44 42 46
الشاوية – ورديغة 34 88 70 16 76 60 50
مراكش – تانسيفت – الحوز 20 31 120 31 243 54 92
الشرق 167 101 42 91 58 36 99
الدار البيضاء الكبرى 326 40 175 77 38 31 429
الرباط – سلا – زمور – زعير 59 102 78 166 70 64 110
دكالة – عبدة 47 2 64 88 12 78 38
تادلة – أزيلال 16 16 46 13 70 40 4
مكناس – تافيلالت 147 175 28 79 85 78 69
فاس – بولمان 45 79 92 168 68 35 69
تازة – الحسيمة – تاونات 41 18 47 33 109 121 37
طنجة – تطوان 71 204 110 18 58 35 117

المصدر: تقارير الصندوق

إذا كانت معطيات الجدول تبين تعدد الجهات المستفيدة من القروض التي يمنحها ص.ت.ج.م، فإن حجم استفادة هذه الأخيرة خلال المدة المتراوحة ما بين 1996 و2002 يختلف بشكل كبير من جهة إلى أخرى، ومن سنة إلى أخرى بالنسبة لنفس الجهة، و هي خاصية تميز كذلك توزيع القروض بين الجماعات الحضرية و القروية.

فالجماعات المحلية التابعة للجهات الثلاث: الدار البيضاء الكبرى، طنجة – تطوان ومراكش تانسيفت – الحوز، حصلت لوحدها على 67% من القروض الممنوحة سنة 2003، بينما استحودت ثلات جهات على حوالي نصف السحوبات المنجزة برسم سنة 2010 و يتعلق الأمر بالجهات التالية: الدارالبيضاء، سوس – ماسة – درعة و جهة فاس بولمان من مجموع سحوبات المجالس الجهوية التي استقرت في 282 مليون درهم.

 

المطلب الثالث: توزيع القروض حسب القطاعات التجهيزية

في إطار تمويله للقطاع المحلي، يتدخل ص.ت.ج.م لتمويل المشاريع التنموية التي ترغب الجماعات الترابية بإنجازها والتي تستوفي الشروط والمعايير المطلوبة لذلك. وقد تم تمديد قائمة المشاريع المؤهلة للاستفادة من التمويل بواسطة القروض منذ إعادة هيكلة الصندوق سنة 1992، إلا أن تتبع كيفية توزيع القروض حسب القطاعات المستفيدة يؤكد مرة أخرى خصوصية القرض المحلي بالمغرب.

 

توزيع القروض الممنوحة حسب القطاعات (2000 – 2005) بم.د

القطــــاع 2000 2001 2002 2003 2004 2005
الماء الصالح للشرب 56 28 36 0 3 13
الكهرباء 82 62 61 44 113 50
التجهيزات التجارية 69 113 74 87 14 36
لتجهيزات الخاصة 16 7 27 14 3 4
التهيئة الحضرية 325 375 365 566 166 663
التجهيزات الرياضية والسياحية 145 55 33 3 0 14
التطهير السائل 34 37 26 8 21 37
التطهير الصلب 24 21 30 14 9 27
خارج القائمة 34 78 176 6 670 3
النقل الحضري 2 28 7

المصدر: صندوق تجهيز الجماعات المحلية

يتضح من خلال هذا التوزيع، أن قطاع التهيئة الحضرية يهيمن في تركيبة القروض الممنوحة برسم سنة 2005 بنسبة 78%، مقابل 76,3% سنة 2003 و 66 % من مجموع سحوبات 2010 و هو ما يؤكد أنه بالإضافة إلى ما يعرفه توزيع القروض من تباين واختلاف في نسب الاستفادة منها بين الجماعات، وجود تفاوت كذلك فيما يخص توزيع حجم هذه القروض حسب القطاعات المستفيدة.

المبحث الثالث: معيقات و آفاق مساهمة الصندوق في تمويل المشاريع المحلية

المطلب الأول: الصعوبات التي تعترض تمويل المشاريع المحلية بواسطة القروض:

الفرع الأول: الصعوبات المرتبطة بصندوق تجهيز الجماعات المحلية:

تتمحور هذه الصعوبات أساسا في ضعف الموارد المالية للصندوق، إلى جانب القيود التي يفرضها على عملية الاقتراض الناتجة عن احتكاره لهذه المهمة.

ضعف الموارد المالية للصندوق: على الرغم من المجهودات المبذولة منذ إعادة هيكلة الصندوق بهدف توسيع مصادر تمويله، فإن تنويعها ليس بالشكل الكافي، بحيث أن أغلب أصول هذه المؤسسة عبارة عن منح وتسبيقات وقروض، إمكانية الحصول عليها تبقى مرتبطة بإرادة أطراف خارجية، مما يؤثر على ضمان الاستقرار المطلوب لتغطية أنشطة الصندوق في تمويل مشاريع التجهيز المحلية(17)، فالأموال الذاتية للصندوق لا تزال ضعيفة مقارنة مع باقي الموارد الأخرى، واعتماده بشكل كبير على موارد خارجية لسد الطلبات المتزايدة للجماعات المحلية من القروض، و هو ما نسجله من خلال انتقال معدل الاستقلال المالي للصندوق من 84,71 % سنة 1965 إلى 18,66 % سنة 1976 ثم إلى 14,8 % سنة 1996  و6,97 % سنة 2000 وأخيرا 5,16 % في 2002(18).

و من البديهي أن الصندوق باعتباره مؤسسة مالية، كلما توفر على موارد مالية ذاتية، إلا وساعده ذلك على استقلال مالي، واستقلال في القرار عن تحكم الممولين الماليين، لكن واقع الأرقام والإحصائيات يبين أن الصندوق لازال يرزخ تحت تبعية المؤسسات المالية الدولية، والسلطات المركزية، لا فقط بسبب خضوعه لوصاية الدولة ومراقبتها المالية، ولكن أيضا بسبب عدم اكتفاء موارده الذاتية واعتماده شبه الكلي على موارد خارجية لا يتحكم في نوعها وقدرها و هو ما يؤكده الجدول أسفله

أموال الصندوق الذاتية وديونه خلال فترة 2001-2005 بملايين الدراهم

2001 2002 2003 2004 2005
الأموال الذاتية 630,82 745,53 894,17 1064 1223
الديون 3739 3463 4404 4264 4203

المصدر: التقارير السنوية للصندوق

و هو الوضع الذي لم يتغير برسم سنة 2010 إذ بلغت موارد الصندوق ما مجموعه 5370 مليون درهم، تتكون أساسا من موارد الاقتراضات الداخلية في حدود 3062 مليون درهم (57%) و استيفاء أقساط سنوية في حدود 1498 مليون درهم (27.9%).

فالوسائل المالية المتوفرة و المتاحة للصندوق، تظل دون مستوى متطلبات وأهداف التنمية المحلية و الحاجيات الاستثمارية التي ما تزال تفوق بكثير المنجزات. فبالرغم من الارتفاع النسبي والرقمي لإمكاناته المالية، نلاحظ تواضع موارده الذاتية مقارنة مع باقي مصادره المالية، التي تبقى في مجملها غير كافية بالنظر إلى المهمة المنوطة بالصندوق والمتمثلة في إشراكه في التخفيف من الأعباء التمويلية للعملية التنموية على المستوى المحلي، وبالتالي تحقيق التنمية الشمولية المندمجة على المستوى الوطني.

عراقيل مرتبطة بشروط الحصول على القروض:

إن ص.ت.ج.م لا يمنح قروضه لفائدة الجماعات الترابية إلا في حالة احترامها لمجموعة من الشروط، وإتباعها لكافة الإجراءات المطلوبة، وقام على أساس ذلك بإجراء دراسة معمقة لملف طلب القرض، تسمح له بالتأكد من توفر الضمانات التي فرضها كأساس لموافقته، وهي شروط ليست في متناول جميع أصناف الجماعات الراغبة في الحصول على قرض لتمويل مشاريعها التنموية وتساهم في تركيز التباين بين مختلف الجهات والجماعات الترابية، ما دام أن أغلب الجماعات التي تعتمد على موارد الصندوق في تمويل مشاريعها، هي الجماعات التي تتوفر على قدرة تسديد الدين، وما يترتب عنه من فوائد تظل نسبتها مرتفعة رغم التدابير المتخذة للتخفيض منها.

فتقديم الملفات والدراسات التقنية للمشاريع المراد تمويلها بواسطة قروض الصندوق والتوفر على نسبة مديونية تقل عن 40 % من مجموع الموارد العادية للجماعة، وعلى ادخار تقديري يمكن رصده لتغطية الأقساط السنوية للقروض التي يمكن الاستفادة منها مستقبلا، إلى جانب المساهمة في تمويل المشاريع بنسبة 20 %، ونسب الفوائد المرتفعة المستخلصة سنويا على جاري القروض الممنوحة من قبل الصندوق، هي شروط تتطلب توفر إمكانيات مالية مهمة وأطر تقنية كفأة وقادرة على تهيئ التصاميم والدراسات المطلوبة، وهو ما لا تتوفر عليه غالبية الجماعات الترابية، خصوصا القروية منها التي يصعب عليها الاستفادة من تمويل الصندوق لعدم توفرها على شروط التسديد المطلوبة، رغم قلة مواردها وافتقارها إلى التجهيزات الأساسية.

وكنتيجة لهذا الوضع، فإن المعايير المؤهلة لحصول الجماعات الترابية على قروض ص.ت.ج.م لا تفيد على حد سواء:

– الجماعات الترابية المفتقرة إلى كل سبل التنمية، والتي ترى في صرامة هذه الشروط إحدى المعيقات الأساسية أمام ضمان استفادتها من هذا المصدر التمويلي، وبالتالي عدم توسعها في الاقتراض، خشية أن تعجز عن تسديد ما عليها من ديون، وتتعرض ماليتها للأزمة، وهو وضع يضر بالجماعات الترابية، حيث تضعف الثقة في ماليتها وبالتالي يعرضها لعدة صعوبات في مجال الاقتراض مستقبلا(19).

– ثم ص.ت.ج.م نفسه، الذي يتأثر وضعه ودوره في تعميم استفادة الجماعات من قروضه، بسبب تركيز نشاطه على الجماعات الغنية القادرة على احترام الشروط والشكليات التي يتطلبها، مطبقا بذلك سياسة تفضيلية تجاه الزبناء بمنحه الأسبقية للجماعات الغنية(20)، وهو ما يجعل الالتجاء إلى إمكانيات الصندوق يظل محدودا، وبالتالي فإن افتراض إشراكه في تمويل الاستثمار المحلي، ودعم المجهود الاستثماري للجماعات الترابية يصطدم بجملة من الصعوبات تعود بنا إلى البحث النظري في تفضيل أو عدم تفضيل الالتجاء إلى القروض كموارد مالية(21).

 

الفرع الثاني: الصعوبات المرتبطة بالجماعات الترابية

محدودية تأطير العنصر البشري: محدودية مسجلة على مستوى كل من الموظف و المنتخب الجماعيين

أولا: على صعيد الموظف الجماعي:

أمام تعدد وتوسع اختصاصات الجماعات في المجالات الإدارية، الاقتصادية والاجتماعية، نجد أن تسيير الإدارة المحلية بمختلف فروعها وأنشطتها تتطلب بالضرورة توفر أطر وافرة ومؤهلة. ومن زاوية تعامل ص.ت.ج.م مع الجماعات الترابية، يتعين على هذه الأخيرة التوفر على الأطر الكفؤة التي تتولى الإشراف على دراسة المشاريع المرغوب تمويلها عن طريق القروض التي يمنحها. فمساهمة القروض في تحقيق التنمية المحلية المنشودة يتطلب ترشيد إنفاقها وحسن استغلالها بتخصيصها لتمويل المشاريع ذات الأولوية والتي تلبي الحاجيات الحقيقية للسكان ولن يتأتى ذلك إلا بتوفر الجماعة المحلية على أطر مؤهلة للقيام بالدراسات اللازمة لمختلف الأوضاع والقطاعات والمشاكل المطروحة وترتيب الحاجيات الجماعية بحسب أولويتها بهدف جعل القروض المحلية أداة ناجعة للاستجابة لها.

إلا أنه ورغم التطور الذي عرفه تأطير الموارد البشرية للجماعات الترابية، فإن هذه الأخيرة لا تزال ضعيفة التكوين والخبرة على مستوى تسيير المشاريع وتدبير الموارد، التحليل المالي، الضريبة المحلية، تحليل الظرفية…(22) وهو ما يتطلب إعداد استراتيجية بعيدة المدى لإعداد الأطر والأعوان وتأطيرهم بما فيه الكفاية من أجل تأهيل الجماعات المحلية لاستغلال طاقاتها البشرية لتهييء ملفات مشاريعها قصد الاستغناء عن بعض مكاتب الدراسات التي تكلفها غاليا(23)، إلى جانب ما تكلفها تبعات القروض المحلية.

ثانيا: على صعيد المنتخب الجماعي

أثبتت الممارسة المالية الجماعية ضعف تكوين المنتخب الجماعي وضآلة تجربته في الميدان المالي والمحاسبي، الأمر الذي كانت له نتائج سلبية على حسن تدبير الشؤون المالية بصفة خاصة والشؤون الجماعية بصفة عامة(24).

ويزيد الأمر استفحالا عندما يتعلق بجهل للتقنيات الحديثة للتدبير المالي الجماعي، غياب رؤية شمولية للقروض وتصور للهندسة المالية المحلية لدى المنتخب الجماعي المفروض فيه الإلمام بمختلف جوانب المالية المحلية، خاصة منها القروض المحلية باعتبارها موردا استثنائيا يتطلب قبل الإقدام على طلبه من الجهة المقرضة، الوعي بأهميته وبآثاره على الوضعية المالية للجماعة، ما دام يرتب فوائد قد تشكل عبئا فيما بعد على التحملات المالية للجماعة، خاصة إذا لم يتم توجيهها لتمويل مشاريع ذات أولوية التي هي في حاجة ماسة إلى التمويل عن طريق القروض.

فالواقع يبين أن تعامل بعض المنتخبين الجماعيين مع القروض التي يمنحها ص.ت.ج.م، في الغالب، لا يأخذ بعين الاعتبار خصوصيتها، ومدى قدرة الجماعة على تسديد فوائدها إلى جانب الرأسمال المستهلك، وهو ما يترجم القدر الكبير من الديون المعلقة الأداء المسجلة على زبناء الصندوق مع العلم أن عدم أداء الأقساط السنوية للقروض الممنوحة في الآجال المحددة لها تترتب عليه فائدة التأخير محسوبة على فائدة القرض.

تحكم السلطة الوصية في قرارات الاقتراض:

مقابل ما تتمتع به الجماعات الترابية في الدول الأجنبية، من حرية اللجوء إلى القروض فإن إمكانية الاعتماد على هذه الموارد من لدن الجماعات بالمغرب يبقى ضيقا، بسبب تحكم السلطة الوصية في قرارات الاقتراض. فإذا كان المشرع قد أتاح للجماعات المحلية بمختلف أصنافها حق الاستفادة من القروض لتمويل مشاريعها التنموية، فإن تطور حجمها يبقى رهين موافقة الوزارة الوصية التي تتدخل في مختلف مراحل عملية الاقتراض، من خلال المصادقة والإذن بالتعاقد من أجل الحصول على القروض ثم عند دراسة المشاريع المقدمة إليها للموافقة فضلا عن تدخلها بشكل تلقائي لتسجيل نفقات الديون التي تحصل عليها الجماعة في حال امتناع هذه الأخيرة عن تسجيل الأقساط السنوية للقروض التي التزمت بها تجاه الصندوق. و هو ما يجعل من الوصاية أسلوب أو أداة للمراقبة وتوجيه نشاط الجماعات في ميدان الاستثمار، وفق رغبات وطموحات السلطة المركزية، التي قد تكون في أغلب الأحيان متعارضة مع توجهات وأهداف ممثلي  السكان على المستوى المحلي(25).

المطلب الثاني: آفاق سياسة التمويل بواسطة القروض:

إن تعزيز الموارد الاقتراضية للمجالس الجماعية بات يفرض، إعادة النظر في السياسة الاقتراضية المعمول بها حاليا، بشكل يتناسب والتحديات التي تفرضها الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وما يتطلبه ذلك من تعزيز الموارد المالية للجماعات الترابية لمواجهة المتطلبات المحلية على جميع المستويات.

أ- تأهيل ص.ت.ج.م لمواجهة متطلبات التنمية المحلية: من خلال إخضاع هذه المؤسسة لعملية تطوير وإصلاح، بشكل يجعل نشاطها أكثر مرونة واستجابة لطلبات القروض التي تتقدم بها الجماعات، بانسلاخه من منطق الضمانات والقدرة على الوفاء والمرور إلى منطق التشجيع(26)، ومساعدة الجماعات الترابية على التخفيف من أزمتها المالية، خاصة القروية منها.ومن أسس هذا الإصلاح:

توسيع طاقات الصندوق(27)وموارده المالية: لضمان تمويل الطلبات المتزايدة عليه ولتسديد ديونه وبالتالي إيجاد الموارد الضرورية لتحقيق توازنه المالي، الذي لا يمكن أن يتم إلا عندما تكون النتائج المنجزة والموارد الخاصة بالصندوق قادرة كل لحظة على تحمل ومواجهة طلبات القروض.

تبسيط شروط وإجراءات الولوج إلى القروض: قصد تمكين الصندوق من القيام بدوره في ميدان تقديم القروض للجماعات الترابية بطريقة عادلة تتفادى السياسة التفضيلية اتجاه الزبناء، على اعتبار القدرة التسديدية، والاستجابة للشروط المعقدة المتطلبة، و من التدابير الكفيلة بضمان و لوج أوسع للقروض نقترح:

– مراجعة نسبة سقف المديونية بالنسبة للجماعات وضمان عدم عرقلة هذا الشرط للمجهودات الإنمائية للجماعات الفقيرة حتى يتسنى توظيف القروض كمورد  لضمان التوازنات الاقتصادية على المستوى المحلي والجهوي.

– عدم مراعاة شرط التمويل الذاتي للمشروع المزمع إنجازه من قبل الجماعات الفقيرة التي تفتقر إلى البنيات التحتية الضرورية والتجهيزات الكفيلة بتنمية إمكانياتها الذاتية مع إعطائها الأولوية للاستفادة من القروض.

– منح تسهيلات خاصة فيما يتعلق بملفات طلبات القروض المقدمة في إطار التشارك بين الجماعات.

ب- شروط تطوير سياسة الاقتراض الجماعي

توسيع نطاق مصادر إقراض الجماعات الترابية: عن طريق إشراك القطاع البنكي في تمويل برامجها ومشاريعها التنموية. فإتاحة إمكانية انفتاحها على السوق المالية، سيمكنها من الخروج من دائرة القرض الإداري الضيق، إلى التعامل مع القروض البنكية بحرية مع إمكانية لجوء الجماعات الكبيرة إلى طلب قروض وسلفات خارجية ودولية، وهو ما يفرض على الصندوق مواجهة منافسة باقي الأبناك التجارية(28)، كما يفرض من جهة أخرى على مؤسسات الاقتراض الخاصة مراجعة قواعد و شروط الاقتراض واتخاذ التدابير الكفيلة للحد من التعقيدات والمشاكل التي ترتبط بالقروض ومساطرها مع التركيز على الإمكانيات المتاحة للجهة فيما يتعلق بمجالات الاستثمار، والذي أصبح يلعب دورا استراتيجيا في التنمية الاقتصادية الحديثة، لكونه عاملا منتجا للثروة وأداة للاندماج الاجتماعي(29)، بدل اعتماد القدرة التسديدية للجهة و باقي أصناف الجماعات.

التخفيف من الوصاية المفروضة على عملية الاقتراض: لتمكين الجماعات الترابية من القدر الكافي من الحرية في تحديد سياستها الاقتراضية، وتجاوز الوصاية المشددة المفروضة على عملية الاقتراض “القائمة على النمطية والتعقيد الإجرائي والشكلية على مستوى المراقبة المسبقة أو المراقبة المواكبة للمقرر الجماعي(30)“، يدفع للمطالبة على الأقل، بحذف الوصاية المسبقة المطبقة بهذا الخصوص (أي المصادقة على مداولة المجلس)، وإعطاء الأهمية لمراقبة التسيير للتأكد من الاستعمال الشرعي للقروض على نحو ما هو معمول به في فرنسا(31)، على اعتبار أن هذه المراقبة تختلف عن مراقبة الملاءمة في ظل نظام الوصاية من خلال بحثها عن مدى تلاؤم النفقة والتنمية ، الوسيلة والأهداف المنشودة(32).

اعتماد البرمجة والتخطيط الجماعي لإنجاح الدور التنموي للقروض: من خلال توجيه القروض المحلية لتمويل مشاريع محددة بمقتضى الدراسات الدقيقة تستجيب أولا وقبل كل شيء، للحاجيات المحلية للساكنة المحلية ولضروريات عيشها، دون إهدار أو ضياع للطاقات والجهود والموارد.        

خاتمـة:

رغم ما لموارد  الصندوق من أهمية في تمويل المشاريع المحلية، فإن مساهمته وخاصة في السنوات الأولى من إحداثه، بقيت انتقائية ومحدودة: انتقائية فيما يخص المقترضين ومحدودة فيما يخص الحجم السنوي للقروض الممنوحة لفائدة الجماعات المستفيدة(33) مقارنة أولا بمستوى المهام الموكولة لها في مجالات تتطلب مجهودات قوية وموارد مالية ضخمة وثانيا من خلال نسبة تغطيتها للتجهيزات المحلية مقارنة بالموارد التجهيزية الأخرى وثالثا مقارنة بحجم مساهمات القروض في دعم مالية الجماعات بدول الاتحاد الأوربي، مثالها فرنسا التي انتقلت فيها قروض الجماعات الترابية من 78,36 مليار أورو سنة 2000 إلى 81,62 مليار أورو سنة 2005(34).

كما أن السياسة المتبعة على مستوى القروض الممنوحة من قبل هذه المؤسسة لم تتغير بشكل كبير منذ تأسيسها، مرورا بالمحطات الإصلاحية التي استفادت منها، مادامت هذه القروض تتميز بضعف حجم الموزع منها، عدم انتظام نموها، عدم التوازن في التوزيع والتركز في أصناف معينة من الجماعات والقطاعات المؤهلة للتمويل.

1 – كمال لمكيلي: “التمويل الغير جبائي للتنمية المحلية بالمغرب – الجماعة المقاولة رهان القرن 21-“، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، جامعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الدار البيضاء، 2000-2001، ص: 42.

2– أحدث صندوق التجهيز الجماعي بمقتضى الظهير الشريف رقم 169-59-1 الصادر في 6 ذي الحجة 1378 الموافق لـ 13 يونيه 1959، ج ر عدد: 2435 بتاريخ 19 ذي الحجة 1378 الموافق لـ 26 يونيه 1959.

3 – إلا أن حجم القروض الممنوحة من طرفها لا يكتسي أهمية بالغة إذا ما قورن مع حجم القروض التي يمنحها صندوق تجهيز الجماعات المحلية.

4 – تجدر الإشارة إلى أنه في سنة 1992، تم تسجيل نموذج لتعاون حقيقي بين الأبناك الخاصة وبلدية الجديدة، ويتعلق الأمر بمشروع إنجاز المركز التجاري القلعة، أنظر:حورية المرضي: “موارد الجماعات المحلية ودورها في التنمية – الجماعات المحلية بالجهة الشرقية كنموذج-“، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، فاس، 2003-2004، ص: 326.

5 – محمد السنوسي معني:“مالية الجماعات المحلية بالمغرب، التنظيم المالي المحلي”، دار النشر المغربية، الدار البيضاء، 1993، ص:  219.

6 – ويتعلق الأمر بصندوق المساعدة لتجهيز الجماعات المحلية الفرنسية، المؤسس سنة 1966، الذي يعتبر بمثابة بنك فعلي بالنظر إلى مهامه كمقرض، ووسيط بين الجماعات والمؤسسات المالية الكبرى وكمؤسسة إيداع.

7– القانون رقم 90-31 المتعلق بإعادة تنظيم صندوق تجهيز الجماعات المحلية، ج ر عدد 4164، بتاريخ 19 صفر 1413 ( 19 أغسطس 1992).

8 – ظهير شريف رقم 100- 96-1، الصادر في 16 ربيع الأول 1417 (2 غشت 1996)، الذي حمل إصدار القانون رقم 96-11، المتعلق بإعادة تنظيم صندوق تجهيز الجماعات المحلية والمتمم للقانون رقم 90-31.

9 –  نشرات صندوق الإيداع والتدبير (ص ت  ج)، يونية 1989.

10 –  تدخل السيد فاروق بنيس الكاتب العام لصندوق الإيداع والتدبير سابقا حول: “صندوق التجهيز الجماعي في خدمة الجماعات المحلية”،

بمناسبة المناظرة الوطنية الأولى للجماعات المحلية، 1977، المنظمة تحت شعار “من الوصاية إلى التعايش”

11 – عبد الله حداد: “الوجيز في قانون المرافق العمومية الكبرى”، منشورات عكاظ، الرباط ، 2001 ، ص: 17.

12 – لحسن السائل، مرجع سابق، ص: 259.

13 – المرجاني عبد الحق، “دور الأداة الجبائية المحلية في التنمية المحلية”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، جامعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الدار البيضاء، 1990، ص: 289.

14 – Ministère français de l’intérieur, Octobre, 1976, voir : Fikri EL KBIR: « le régime financier de la commune marocaine » les éditions magrébines, Casablanca, 1980, p : 44.

15 – وزارة الداخلية، الموارد المالية والبشرية للجماعات المحلية، 1989، ص: 25

16 – El ASSALI Mohammed: « le système de crédit aux collectivités locales au Maroc » imprimerie Beni Snassen, Salé, première édition,  2005 p : 249

17 – الشريف الغيوبي: “الأسس القانونية والمقومات المالية للتنمية الجهوية”، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكدال، الرباط، 2002-2003، ص: 163.

18 – El Assali Mohammed : op. cité, page :262.

19 – بنمير المهدي: “الجماعات المحلية والممارسة المالية بالمغرب”، سلسلة اللامركزية والجماعات المحلية، المطبعة الوراقة الوطنية، مراكش، 1994، ص: 23.

20 – SAID BELBACHIR : « le plan et la régionalisation économique l’expérience Marocaine », in CAAP Juillet 1974, N° 12, p : 54, voir :

جفري سعيد: “التجهيزات الجماعية بالوسط القروي، حالة جماعة سيدي عبد الرزاق”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام، جامعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الدار البيضاء، 1989-1990، ص: 89.

21 – جفري سعيد، مرجع سابق، ص: 89.

22 – El Assali Mohammed, op cit, p : 277.

23 – المناظرة الوطنية السادسة للجماعات المحلية تحت شعار تكوين وإعلام المنتخبين، تطوان من 28 إلى 30 يونيو 1994، ص: 150.

24 -بنمير المهدي: “الجماعات المحلية والممارسة المالية بالمغرب”، مرجع سابق، ص: 210.

25 – أحمد الخمليشي: “وسائل تنمية الجماعات المحلية قي المغرب”، بحث إنهاء الدراسة بالسلك العادي للمدرسة الوطنية للإدارة، الرباط، 1986-1987، ص: 68-69.

26 – حليمة ستوت: “المناظرات الوطنية للجماعات المحلية: الأهداف والنتائج”، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الرباط، أكدال، أكتوبر 1998، ص: 234.

27 – تقرير اللجنة الاستشارية للجهوية حول الجهوية المتقدمة.

28 – رضوان أمديز، “تمويل المشاريع المحلية بواسطة القروض، نموذج جماعة المحمدية”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، جامعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، عين الشق، الدار البيضاء، 1998-1999.ص: 85.

29 – علي أمجد: “الموارد المالية والبشرية مقومات أساسية للامركزية الجهوية ووسيلة لتطويرها”، مقال منشور بـ م.م.إ.م.ت، سلسلة دراسات، عدد 74، ماي-يونيو 2007. ص: 113.

30 – محمد بنطلحة الدكالي، “محاولة لتشخيص ومعالجة الجوانب المالية والجبائية في التنظيم المالي الجماعي”، مقال منشور ب م.م..إ.م.ت، سلسلة مواضيع الساعة، عدد 84، 2003، ص: 159.

31 – Art : 93 de la loi 5-1-1988, « s’assure de l’emploi régulier des crédits, fonds et valeurs ». Voir :

جمال المصباحي”الرقابة الإدارية على مالية الجماعات المحلية بالمغرب”، رسالة لنيل دبلوم السلك العالي في التدبير الإداري للمدرسة الوطنية للإدارة، الرباط، 2003،  ص:139

32 – جمال المصباحي، مرجع سابق، ص: 139.

33 –  محمد السنوسي معني، مرجع سابق، ص: 214.

34 – voir : www.dgcl.interieur.gouv.fr.

 

Exit mobile version