تقييم السياسات العمومية في دستور 2011

تقييم السياسات العمومية في دستور 2011

إعداد الباحث: خالد محمود الشيخ

جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية -السويسي-.

تقديم:

يعتبر دستور 2011 أول دستور مغربي يخول للبرلمان صلاحية تقييم السياسات العمومية ، فالدساتير السابقة لم تتضمن أية إشارة لتقييم السياسات العمومية من قبل البرلمان. وقد نص الفصل 70 من الدستور المعدل لسنة 2011 على كون البرلمان يصوت على القوانين يراقب عمل الحكومة و يقيم السياسات العمومية.

إن ما كرسه الفصل 70 ، وكذا في الفصل 101، لا يعدو أن يكون سوى صياغة عامة لقاعدة التخصص البرلماني في مجال وظيفة تقييم السياسات العمومية، بيد أن عمومية هذه الصياغة لم تمنع البرلمان من أن يقوم بتنظيم وظيفة تقييم السياسات العمومية بموجب نظاميه الداخليين الخاصين بكل مجلس على حدة[1].

ويهدف تقييم السياسات العمومية كما جاء في النظام الداخلي لمجلس النواب إلى التعرف على نتائج السياسات العمومية  البرامج العمومية و قياس ثأثيراتها على الفئات المعنية  وعلى المجتمع ، ومدى تحقيقها للأهداف المتوقعة، وتحديد العوامل التي أدت إلى بلوغ هذه النتائج ، و يتم كل ذلك من خلال إجراء أبحاث وتحاليل . كما تهدف عملية التقييم إلى خدمة المواطن وتفعيل حقه في الحصول على المعلومات.

وقد عرفت مسألة تقييم السياسات العمومية، تطور تدريجي قبل أن تصبح ممارسة مهمة في الأنظمة السياسية والإدارية، حيث برزت لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية في الستينات القرن الماضي. ومع تضخم دور السلطة التنفيذية وتفاقم العمل الحكومي، برز دور البرلمان في تقييم السياسات العمومية نظرا لما تتمتع به هذه المؤسسة  من قدرة على التعبير عن مطالب، وأولويات الراي العام  ,حيث نجد العديد من الدول مؤخرا جندت اطرها  المؤسساتية لتقييم السياسات العمومية من خلال خلق مؤسسات جديدة .[2]

تقتضي منا دراسة الموضوع الوقوف عند المفاهيم المرتبطة به:

لا يختلف مفهوم السياسة العامة عن كثير من المفاهيم الأخرى، في العلوم الاجتماعية من حيث تعدد التعاريف، كما ربط الباحثون من علماء السياسة والإدارة العامة والاجتماع مفهوم السياسة العامة بقضايا الشؤون المجتمعية ومجالاتها، التي تتمثل بالمطالب والقضايا فضلا عن اختلاف آرائهم حول تعريف المجال العام”Public Realm” الذي رأى فيه الفيلسوف الأمريكي جان دوي J.Dewey ، بأن الأنشطة تصبح عامة، حين تتولد عنها نتائج يتعدى  تأثيرها نطاق الأفراد والجماعات المرتبطين فيها بصورة مباشرة[3].

تقوم الحكومة برسم السياسات العامة واتخاذ القرارات وتنفيذها، وتم وضع العديد من التعاريف للسياسة العامة ضمن هذا المنظور، فعرفها “توماس داي “Thomas Dye هي: ” تقدير أو اختيار حكومي للفعل أو عدم الفعل، إذ هي: توضيح لماهية أفكار الحكومة، وعملية لضبط الصراع بين المجتمع وأعضاء التنظيم، وهي عملية تضبط السلوك وبيروقراطيات التنظيم و توزيع المنافع وتحصيل الضرائب وغير ذلك[4]

جيمس أندرسون  :”J.Anderson » فيعرفها  بأنها “برنامج عمل هادف يعقبه أداء فردي أو جماعي في التصدي لمشكلة أو لمواجهة قضية أو موضوع[5]

عموما يمكن القول إن السياسات العمومية كمفهوم تطور في خضم سياق كل تجربة عن أخرى، بالرغم من كون الأطر التحليلية قد يتم استثمارها في مختلف التجارب، أما ولادة تحليل السياسات في الولايات المتحدة الأمريكية فقد تجسدت لأول مرة في سنوات ما قبل الحرب في أحد مؤلفات هارولد لاسويل سنة 1936، تحت عنوان معبر “السياسات العمومية: من يحصل على ماذا؟ ومتى؟ وكيف؟ . أما إذا أردنا فهم نشأة تحليل السياسات وتكوين عالمها الفكري فيمكن العودة إلى ثلاثة تيارات فكرية كبرى وشكلت بذلك الأساس الفكري لتحليل السياسات العمومية، ويتعلق الأمر بالتأملات المتعلقة بالبيروقراطية والنظرية التنظيمية والدراسات المتعلقة بعلم الإدارة العمومية.[6]

بشـكل غـر قابـل للتجـاوز، تبقـى الحالة الأمريكية، في مجـال التقييـم، متقدمة بقـوة علـى باقـي التجـارب، إذ أن الممارسة تعكـس تراكمـا مـن الإنجاز والسـبق، فقـد ظهـر التقييـم في مطلـع القـرن المنصرم، كمحاولـة لإخضاع القـرار العمومـي لنـوع مـن العقلانية العلميـة.[7]

وعملية تقييم السياسات العمومية ،غالبا ما نجد بعض التعريفات  المبسطة والتي تعتبر التقييم بمثابة محاولة لتحديد فعالية إحدى هذه  السياسات ،عبر مقاربة نتائجها بالأهداف المسطرة وبالوسائل الموضوعة رهن إشارتها [8]

فالتقييم هو آخر نقطة أو مرحلة تمر بها السياسات العامة، وهي مرحلة مهمة تظهر ما إذا كانت السياسة العامة بلغت أهدافها أم لا. تقييم سياسة عامة هو بالأساس معرفة وقياس تأثيرها وكذلك معرفة مدى فعاليتها وكفاءتها.

وتقييم السياسات العمومية أداة عصرية لتقويم وتطوير الأداء العمومي. ويعتبر التقييم عنصرا حاسما وجوهريا وفاعلا ضمن عناصر الحكامة الرشيدة، وهو لا ينحصر في مجال مجرد إبداء الرأي أو النقد أو الحكم، وإنما هو صيرورة دائمة ومستمرة تستهدف تحسين الأداء في جو من الشفافية الكاملة والنجاعة والفعالية.[9]

كما أن تقييم السياسات العمومية يقوم على مجموعة من المبادئ كالشفافية، الدقة العلمية والاستقلالية[10]  فالتقييم هو مرحلة من أهم المراحل التي تمر منها السياسات العمومية، يتم من خلالها قياس مدى فعالية السياسات المعتمدة عن طريق مقارنة النتائج بالأهداف و الوسائل[11].  فهل نجح البرلمان في ممارسة وظيفته الجديدة تكريسا لحكامة برلمانية، والحكامة الرشيدة عموما في التدبير العمومي ومراقبته لآثار السياسات العمومية. ولمعالجة الموضوع سوف نتناوله وفق مقاربة منهجية على ضوء الخطة التالية:

المحور الأول: آليات ومراحل تقييم البرلمان للسياسات العمومية

المحور الثاني: الممارسة العملية لتقييم  مجلس النواب للسياسات العمومية

المحور الأول: آليات ومراحل تقييم البرلمان للسياسات العمومية

يقول الملك محمد السادس في خطاب افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية الحالي ” … وتعميقا لدور البرلمان في مجال مراقبة الحكومة، فقد تم تدعيمه دستوريا، ليتولى مهمة تقويم السياسات العمومية. وهو ما يفتح آفاقا واعدة أمام إمكانية إدخال التعديلات الملائمة والضرورية على البرامج، في الوقت المناسب، وذلك من أجل ضمان حسن سيرها وإنجاحها”.[12] هذا وقد نص الدستور على آليات تمكن البرلمان من تقييم الفعل العمومي ومساءلة الحكومة ( أولا)، ثم تناولت القوانين الداخلية للبرلمان مراحل تقييم السياسات العمومية (ثانيا).

أولا: الآليات البرلمانية لتقييم السياسات العمومية

تعتبر المراقبة والتشريع  التي  يتوفر عليها البرلمان لا تكفي لقياس  مدى  فعالية السياسات العمومية الموضوعة ، ولهذا تم إضافة  دور جديد ألا وهو تقييم السياسات العمومية ودلك لمسايرة التحولات المعاصرة التي أنتجت مشروعية يسميها بعض الباحثين مشروعية معاصرة تقوم على مبادئ  الفعالية والكفاية[13].

وتهدف هذه المبادرة إلى تحديد الآليات والمساطر الواجب اتباعها والوسائل التي يتعين تعبئتها للقيام بهذه المهمة .وينصب تقييم السياسات  العمومية على إجراء تحليلات وبحوث في أعلى مستوى من الموضوعية والجدية. للتعرف على  نتائج السياسات والبرامج العمومية وعلى آثارها الايجابية أو السلبية على المجتمع، وعلى مدى تحقيقها  للأهداف المسطرة وأسباب هذه النتائج .كما يهدف هذا التقييم إلى التقويم التدريج لهذه السياسات العمومية بغية تحسين راهنيتها شيئا فشيئا لجعلها تبلغ الأهداف المرجوة[14].

الأسئلة الشفوية والكتابية:

تعتبر الأسئلة البرلمانية الموجهة لأعضاء الحكومة من أجل الاستفسار حول موضوع معين أو مشكل مثار من قبل الرأي العام، من أهم الوسائل الرقابية التي يملكها البرلمان.

وتستأثر الأسئلة الشفوية باهتمام واسع من طرف البرلمانين، في محاولة منهم متابعة الأداء الحكومي و تقييمه، وعليه إذا تعلق السؤال بالسياسة العمومية للحكومة فان رئيس الحكومة هو الذي يجيب،[15] وحيث تخصص بالأسبقية جلسة في كل أسبوع لأسئلة أعضاء مجلسي البرلمان وأجوبة الحكومة،  أما إذا كان السؤال قطاعيا فان الوزير المسؤول عن القطاع  هو الذي يجيب، و تنص الأنظمة الداخلية على ضرورة الالتزام بمسطرة محددة في طرح الأسئلة حيث يقوم النائب أو المستشار  الذي يريد إلقاء سؤال شفوي بتقديم عرض مكتوب إلى رئيس المجلس، ويحال السؤال إلى الحكومة بالجواب عليه في اجل لا يتعدى عشرين يوما من تاريخ التوصل به ، و ينبغي أن يتميز هذا السؤال بوحدة الموضوع و بعدم التكرار.

وقد أشار الدستور في غير ما موضع إلى هذا الإختصاص الجديد الذي أناطه بالبرلمان، ففي فصله 101 نص على أن “تخصص جلسة سنوية من قبل البرلمان لمناقشة السياسات العمومية وتقييمها”، كما نص نفس الفصل في فقرته الأولى على أن “يعرض رئيس الحكومة أمام البرلمان الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، إما بمبادرة منه أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس المستشارين”، كذلك الفصل 70 نص على أن ” يصوت البرلمان على القوانين، ويراقب عمل الحكومة، ويقيم السياسات العمومية” . ويضيف الفصل 100 من الدستور أنه “تخصص بالأسبقية جلسة كل أسبوع لأسئلة أعضاء مجلسي البرلمان وأجوبة الحكومة، تدلي الحكومة بجوابها خلال العشرين يوما الموالية لإحالة السؤال عليها. وتقدم الأجوبة على الأسئلة المتعلقة بالسياسات العامة من قبل رئيس الحكومة، وتخصص جلسة واحدة كل شهر، وتقدم الأجوبة عنها أمام المجلس الذي يعنيه الأمر خلال الثلاثين يوما الموالية لإحالة الأسئلة إلى رئيس الحكومة”.

اللجان البرلمانية:

تدخل اللجان البرلمانية الدائمة في مسطرة  تقييم السياسات العمومية له ما يبرره، فاللجان الدائمة هي من الأجهزة الأساسية التي يتكون منها البرلمان ولها من الاختصاصات  ما يمكنها من قياس فعالية السياسات العمومية. فاللجان البرلمانية  تعد الجهاز الأمثل  لتفعيل وظيفة السياسات العمومية ، فوظيفتها لا تنحصر فقط في دراسة المشاريع والمقترحات لكنها تقوم كدلك بوظيفة الاستعلام من خلال جمع المعلومات والوصول إلى مصادرها فهي بمثابة مختبرات للتحليل والتشخيص[16].  فإذا كان دستور 2011 نص على وظيفة تقييم السياسات العمومية فليس من الغريب أن يكون للجان الدائمة دور في هذه الوظيفة الجديدة  .

عمل المشرع البرلماني أثناء إقراره للنظام الداخلي لمجلس النواب، على التوسيع من تأويل هذا الاختصاص المتعلق بتقييم السياسات العمومية، فإذا كان المشرع الدستوري قد حصر دور اللجان الدائمة في نطاق ما ضمنه الفصل 102 عندما نص على أن” يمكن للجان المعنية في كلا المجلسين أن تطلب الاستماع إلى مسؤولي الإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية، بحضور الوزراء المعنيين وتحت مسؤوليتهم”، إلا أن  المشرع البرلماني وسع من نطاق اللجان البرلمانية على نحو يمكنها من تخصيص اجتماعات لتقييم السياسات العمومية، حيث نصت المادة 48 من النظام الداخلي لمجلس النواب على أن ” يمكن للجان الدائمة أن تطلب الاستماع إلى مسؤولي الإدارات والمقاولات العمومية بحضور الوزراء المعنيين وتحت مسؤوليتهم، تطبيقا للفصل الثاني بعد المائة من الدستور، كما يمكن لها أن تخصص اجتماعات لتقييم السياسات العمومية للقطاعات التي تدخل ضمن اختصاصاتها”.

          إن خطوة المشرع البرلماني نحو تمكين اللجان الدائمة من ممارسة دور الرقيب على السياسات العمومية، تتماشى في غايتها مع كل الوثيقة الدستورية التي نصت – كما تم الإشارة إلى ذلك- في غير ما مقتضى على دور البرلمان في تقييم السياسات العمومية، فهذا التأويل التوسعي لا يتوخى التعدِّي على اختصاص البرلمان في التقييم الوارد دستوريا على سبيل الحصر لمجلسيه، بقدر ما يفهم منه تقوية المراقبة وفرضها على نطاق حيوي  يدخل ضمن المجال الحصري لرئيس الحكومة، – السياسات العمومية-، سيما وأن تفعيل المراقبة وتقويتها على مختلف الأنشطة الحكومية شكل إحدى الرهانات والركائز الأساسية التي إنبنى عليها التطور الدستوري الأخير.

       وبالرجوع إلى موقف المجلس الدستوري في قراره 829-12، اعتبر أن هذه الإضافة التي جاءت بها المادة 48 والمتعلقة بمنح الصلاحية للجان الدائمة في التقييم مخالفة للدستور مما جاء في قراره ” حيث إن هذه المادة تنص على أنه يمكن للجان الدائمة بمجلس النواب أن تخصص اجتماعات لتقييم السياسات العمومية للقطاعات التي تدخل ضمن اختصاصاتها، وحيث إن الفقرة الثانية تنص من الفصل 101 تنص على تخصيص جلسة سنوية من قبل البرلمان (…) مما يستفاد منه أن منا قشة السياسات العمومية وتقييمها يتم من قبل مجلسي البرلمان في جلسات عمومية (…) وليس في نطاق اللجان البرلمانية الدائمة، مما يكون معه ما تضمنته هذه المادة …مخالفا للدستور”[17]

     إن هذه القراءة التي قدمها المجلس الدستوري بخصوص هذه المادة توضح بشكل جلي حدود الانتقال من منظومة برلمانية رقابية تقليدية إلى منظومة رقابية تقييمية وحديثة،[18]  ذلك أن المجلس الدستوري لا زال يعكس تحفظه على هذا التوجه الذي بدى يعكسه التطور الدستوري الأخير .

لجنة تقصي الحقائق:

نص الفصل 67 من الدستور،  أنه يستعين البرلمانيون بلجن تقصي الحقائق التي تسمح لهم بتجميع المعلومات اللازمة عن مختلف القطاعات الوزارية، أو الوصول إلى وقائع معينة، أو بالوقوف على طرق تسيير المرافق العمومية والمؤسسات العمومية، وعلى أساليب استعمالها للمال العام. ومن مستجدات الفصل 67   تتعلق بإحالة تقريرها على القضاء من رئيس المجلس المعني، وتخصص جلسة عمومية داخل المجلس المعني لمناقشة تقارير لجان تقصي الحقائق. .

ثانيا: مراحل تقييم البرلمان للسياسات العمومية

تتمثل مراحل تقييم السياسات العمومية في ما يلي:

  • مرحلة الاقتراح واختيار مواضيع التقييم:

يتولى رؤساء الفرق والمجموعات النيابية اقتراح السياسات العمومية المراد مناقشتها وتقييمها (المادة 213 من النظام الداخلي لمجلس النواب) ذلك في مستهل دورة أكتوبر من كل سنة.

يتكلف مكتب المجلس، بصفتــه الجهاز التنفيــذي للمؤسســة البرلمانية، يضطلــع مكتــب مجلــس النــواب بــدور الضامــن للقيــام بوظيفــة تقييــم السياســات العموميــة المخولة دســتوريا لهــذه المؤسسة التشــريعية، وذلــك مــن خــال وضــع برنامــج ســنوي للتقييــم وتتبــع تنفيــذه والحرص علــى اســتنفاذ مختلــف التدابــر والإجراءات المرتبطة بــه، ســواء علــى مســتوى اللجــان البرلمانية أو علــى مســتوى الجلسة العموميــة الــي تتــم في إطارهــا مناقشــة وتقييــم السياســات العموميــة. وبالتالي يعني مكتـب المجلس بكافـة مراحـل عمليـة التقييـم مـن بدايتهـا إلى نهايتهــا، فهــو المختص بتحديــد المبادرة لتحديــد نوعيــة السياســات العموميــة موضوع التقييم، كما أنه يقرر نوعيـة الإجراءات والتدابـر إلـي تمكن المؤسسة البرلمانية مـن القيـام بهـذه الوظيفـة خلال مختلـف مراحلهـا.[19]

ويقوم بتحديد السياسات العمومية وفق مقتضيات المادة 289 من نظام مجلس النواب لسنة 2013 على كون مكتب المجلس هو الذي يحدد السياسات العمومية المقترحة للتقييم بناء على اقتراحات الفرق والمجموعات النيابية في بداية السنة التشريعية

يقترح أعضاء المكتب مواضيع ذات اهتمام برلماني والتي يتعين نظريا أن تكون قابلة للتقييم، وبالتالي يمكن أن تكون في شكل سياسة عمومية متكاملة، أو برنامج محدد و/ أو تدابير اتخذتها بعض المؤسسات أو الإدارات العمومية. ويجب أن تتسم هذه العملية بالواقعية والبراغماتية، على اعتبار أن أعضاء المكتب يسهرون في اختياراتهم على إعطاء الأفضلية لمواضيع التقييم التي تتضمن الخصوصيات التالية:[20]

  • التناغم بين مختلف المكونات السياسية أو البرامج التي ستخضع للتقييم؛
  • المدة الزمنية واضحة المعالم بالنسبة للتفعيل مع تاريخ يهم بدايته، وآخر يهم نهايته؛
  • موارد مخصصة للتفعيل والتنفيذ؛
  • الآثار المتوقعة أو المستهدفة التي تم تحديدها بوضوح والتي يمكن نسبها للموضوع الخاضع للتقييم.
  • مرحلة التحضير:

     لقد نصت المادة 48 من النظام الداخلي لمجلس النواب لسنة 2012 [21] على تخصيص اللجان الدائمة لاجتماعات لتقييم السياسات العمومية بالنسبة للقطاعات التي تدخل ضمن اختصاصاتها[22] ، كما أن اللجان الدائمة هي الجهاز الأمثل لتفعيل وظيفة تقييم السياسات العمومية ، فمهامها لا تنحصر فقط في دراسة المشاريع و المقترحات لكنها تقوم كذلك بوظيفة الاستعلام من خلال جمع المعلومات والوصول إلى مصادرها فهي بمثابة مختبرات للتحليل و التشخيص[23].

إضافة إلى المهام الاستطلاعية ، يمكن للجان الدائمة أن تعقد اجتماعات من أجل دراسة موضوع يرتبط بالقطاعات التي تدخل في نطاق اختصاصاتها.

إعداد مذكرة التقييم: يتمثل هدف مذكرة التقييم في تحديد الخطوط العريضة والأهداف بالنسبة لمهمة التقييم، ويتعين أن تأتي هذه المذكرة في شكل رسالة تتضمن البواب الخمسة التالية:[24]

  • تذكير مقتضب بالرهانات التي أدت إلى إطلاق السياسة العمومية موضوع التقييم؛
  • إعطاء الطابع الرسمي لأسباب واستعمالات التقييم؛
  • نطاق عملية التقييم؛
  • صياغة الأسئلة الجوهرية المتعلقة بالتقييم؛
  • الآجال المحددة لإنجاز التقييم.

وتهدف الشروط المرجعية إلى العرض بالتفصيل لعناصر المذكرة وتوضيح أنماط تفعيل التقييم، وتتكلف اللجنة المختصة بالتقييم بإعدادها تحت إشراف مكتب المجلس، ويتعين أن تتضمن وثيقة الشروط المرجعية النقاط التالية:[25]

  • السياق والإطار القانوني المتعلق بالسياسة العمومية؛
  • أهداف التقييم واستعمالاته؛
  • نطاق التقييم: أي النشطة المعنية بالتقييم والمستفيدون منه، إضافة للمدة الزمنية التي سيستغرقها ، والمجال الجغرافي الذي يمكن ن يحدد ضمن عملية التقييم؛
  • الأسئلة التقييمية التي تم تقسيمها إلى معايير التقدير؛
  • التأطير والتوجهات المنهجية؛
  • أنماط الإشراك القبلي للمواطنين ومختلف المعنيين بالسياسة موضوع التقييم ضمن مراحل الصياغة والإعداد؛
  • وصف للخدمات التي سيتم توفيرها والإنجازات المتوقعة؛
  • الجدول الزمني لإنجاز الأشغال والتواريخ الرئيسية؛
  • المؤهلات والمهارات الرئيسية الخاصة والمطلوبة؛
  • جهاز توجيه ومتابعة سير الأعمال.

تجميع و تحليل البيانات: تركز هذه المرحلة على العديد من الإجراءات ، نذكر منها على وجه الخصوص:[26]

  • تحديد البيانات والمعطيات ومصادرها؛
  • تجميع البيانات مع الأخذ بعين الاعتبار للوثائق المتوفرة، وكذا من خلال الدراسات الاستقصائية المنجزة على أرض الواقع؛
  • معالجة وتحليل البيانات التي تم تجميعها.

مرحلة المناقشة خلال جلسات التقييم: إن الجلسات العامة هي آخر حلقة يمر منها العمل البرلماني لجعله قابلا للتطبيق ، و تتميز هذه الجلسات بطابعها العمومي و اعتبرها بعض الباحثين كفضاء للمواجهة العمومية [27]  وهي فرصة مهمة  للحصول على معلومات قد تستخدم في تقييم السياسات العمومية.

إن دستور 2011 لم يحدد طريقة ممارسة البرلمان لوظيفة تقييم السياسات العمومية، حيث اكتفى بالإشارة إلى تخصيص جلسة سنوية لتقييم السياسات العمومية[28] و جلسات شهرية للأسئلة المتعلقة بالسياسات العامة[29] ، و يتولى المجلس الأعلى للحسابات تقديم المساعدة للبرلمان في المجالات المتعلقة بمراقبة المالية و يجيب عن الأسئلة و الاستشارات المرتبطة بوظائف البرلمان في التشريع و المراقبة و التقييم المتعلق بالمالية العامة[30]. إضافة إلى المجلس الأعلى للحسابات يمكن لمجلس النواب أو المستشارين طبقا للفصل 152 من الدستور استشارة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في جميع القضايا المندرجة في المجالات السالفة الذكر. و بالتالي ستمكن هذه الأجهزة من توفير المعلومات التي قد تساعد البرلمان في التقييم .

يعد تقييم السياسات العمومية اختصاص رقابي ووسيلة مهمة تمكن البرلمان بغرفتيه من الاطلاع على عمل الحكومة في مختلف السياسات العمومية المنجزة، كما تسمح لنواب الأمة تتبعها وإعدادها ومراقبة تنفيذها في جلسة عمومية تخصص لهذا الغرض. ثم تقييمها والوقوف عند مكامن الخلل في العمل الحكومي، ومدى نجاعة السياسة الحكومية المتبعة.

 وهكذا أصبحت الحكومة وفق أحكام الدستور ملزمة سنويا ابتداء من تاريخ المصادقة على برنامجها من طرف مجلس النواب أن تتقدم أمام البرلمان بمجلسيه لعقد جلسة قصد مناقشة السياسات العمومية، بموجب عرض حول الحصيلة المرحلية لعمل للحكومة، حيث يتولى كل وزير عرض حصيلة ومنجزات القطاع الذي يشرف عليه[31].

 نص دستور 2011 على نوع آخر من الجلسات العامة يتعلق الأمر بالجلسة السنوية المخصصة لتقييم السياسات العمومية التي نص عليها الدستور تماشيا مع الدور الجديد للبرلمان و المتمثل في تقييم السياسات العمومية. و تأتي هذه الجلسة بعد الاجتماعات و الدراسات التي تقوم بها اللجان الدائمة فهذه الأخيرة تقوم بدور التحضير للجلسة السنوية، و من أجل تقوية النقاش العمومي حول السياسات العمومية في إطار الجلسة السنوية  فإن تقارير التقييم المنبثقة عن اللجن يجب تعميمها على أعضاء المجلس أسبوعين على الأقل قبل انعقاد الجلسة العامة[32] .

إن الجلسة السنوية المتعلقة بمناقشة و تقييم السياسات العمومية المنصوص عليها في الفصل 101 من الدستور تعكس رغبة المشرع الدستوري في إدراج مناقشة السياسات العمومية في صلب العمل البرلماني.

كما نص المشرع الدستوري في الفصل 100 على جلسات شهرية للأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة و التي تقدم أجوبتها من قبل رئيس الحكومة، وهي فرصة مهمة  للحصول على معلومات قد تستخدم في تقييم السياسات العمومية.

المحور الثاني: الممارسة العملية لتقييم  مجلس النواب للسياسات العمومية

إن استيراد مفهوم السياسات العمومية وإنزاله من حقل السوسيولوجيا والسياسة والاقتصاد إلى حقل القانون الدستوري بصفة عامة وحقل القانون البرلماني بشكل خاص، لم يكن الشغل الشاغل لأغلب علماء السياسة، كما فقهاء القانون الدستوري، ولم يدخل مفهوم السياسات العمومية إلى حقل النقاش القانوني إلا مع بدايات الثمانينات ولم تشكل مأسسته الدستورية إلا ظاهرة جديدة على أزمة التحديث. ويمكن القول إن منح البرلمان مهمة تقييم السياسات تشكل حسب Duprat امتدادا لوظائفه التقليدية،  كما أن الابتكارات والتجديدات المرتبطة بالتقييم البرلماني تشكل إجابة على فشل وعجز مزدوج يتصل أولا وقبل كل شيء بوسائل الإخبار والمعلومات التي تحوزها المجالس البرلمانية، وبالتالي ثنيا بقدرتها على التأثير في المشاريع الحكومية. [33]

 تقييم السياسات العمومية وما ينتج عنها من تقارير وتوصيات وتشخيص لكيفية إنجاز السياسات والبرامج العمومية، كلها عمليات وأدوات لوضع السلطات العمومية والفاعلين السياسيين والرأي العام في صورة هذا الإنجاز وجوانب قوته وجوانب ضعفه أو اختلالاته إن وجدت.[34]

قام مجلس النواب بتقييم برنامج الكهربة القروية الشمولي (PERG) والبرنامج المندمج لتزويد العالم القروي بالماء الصالح للشرب (PAGER). وكان القصد من هذا التقييم تفعيل مقتضيات الدستور في ما يتصل بمهمة التقييم ووضع الإطار المرجعي لتقييم السياسات العمومية من قبل مجلس النواب على المحك وتقدير آثار التدخلات المختلفة لكلا البرنامجين على تنمية المناطق القروية (الريفية) وتقديم توصيات للحكومة واقتراح إجراءات للتحسين واقعية وقابلة للتحقيق في المناطق القروية. ووفقا للمناهج المذكورة، قامت مجموعة العمل الموضوعاتية المسؤولة عن تقييم البرنامجين المذكورين بصياغة ثلاثة أسئلة تقييمية،  كما قامت بتحديد المعايير المستخدمة في كل منهما لتقييم النجاحات أو صعوبات التنفيذ.[35]

أولا: البرنامج المندمج لتزويد العالم القروي بالماء الصالح للشرب.

البرنامج الوطني لتزويد العالم القروي بالماء الشروب من ضمن الأوراش الكبرى التي منحها المغرب الأولوية على المستوى الوطني للأهمية البالغة التي يكتسيها. وقد أعطيت انطلاقته سنة 1995 وعرف اختصارا بـ PAGER  .

تقييم السياسات العمومية ينطوي على توضيح التأثيرات التي يمكن أن تترتب عن اختيار أحد الاختيارات سواء إن كانت تأثيرات متوقعة الحصول قبل أو بعد تنفيذ السياسة.

يعتبر هذا التقييم الأول بمثابة اختبار للإطار المرجعي لعمليات التقييم البرلمانية الجاري تنفيذها. وقد أنجز هذا التقييم في ظروف صعبة للغاية ( أجل قصيرة جدا، غياب المسوحات الميدانية…) وكان الهدف منه في المقام الأول تحديد عوامل النجاح الأساسية لعمليات التقييم التي سينجزها مجلس النواب في المستقبل.[36]

واقتصرت المنهجية المعتمدة نظرا لضيق الوقت على تحليل الوثائق والبيانات المقدمة من قبل المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، وعلى مقابلات مع الموظفين بهذا المكتب.  لذلك يلاحظ في التقييم المنجز محدودية في بعض الجوانب، نظرا لعدم توفر بيانات متعلقة بالموضوع لدى الإدارات الوطنية والمحلية الأخرى أو مسوحات ميدانية أجريت على ممثلين عن الساكنة المعنية، ولدى الجمعيات القروية والمنتخبين المحليين.[37]

أعدت لجنة تقييم السياسات العمومية بمجلس النواب ثلاثة  أسئلة تقييمية تساعد في فهم الإشكاليات المرتبطة لهذين البرنامجين بشكل شمولي. وقد تم في ما بعد توزيع هذه الأسئلة إلى معايير للتقييم خاصة بكل برنامج على حدة.[38]

وخلصت نتائج التقييم إلى ما يلي:[39]

  • عدم انسجام المعايير المطبقة مع أهداف تعميم العالم القروي بالماء الشروب، مادامت لم تأخذ بعين الاعتبار تأهيل منظومات التزويد بالماء الشروب التي تعتريها اختلالات؛
  • ساعد التمويل المالي المتعمد في البرنامج على إنجاحه؛
  • تعميم التزويد بالماء الصالح للشرب بشكل ملحوظ في تحسين شروط النظافة وفي تجويد مستوى عيش الساكنة القروية؛
  • ارتفاع في منسوب المياه العادمة التي يتم تصريفها مباشرة في الطبيعة وتشكل، تبعا لذلك مصادر إضرار بالبيئة؛
  • سعر بيع الماء المطبق على مستوى النافورات العمومية، لا يأخذ بعين الاعتبار القدرة الشرائية للساكنة القروية ويقف حائلا دون استهلاك الماء بمعدلات معقولة؛
  • ظلت مسألة استدامة وتوفر التزويد بالماء الشروب من خلال النافروات العمومية غير مضمونة بسبب الاختلالات التي يتم تسجيلها على مستوى منظومات التزويد بهذه المادة الحيوية؛
  • غياب إشكالية التطهير والرهانات التي يقتضيها الحفاظ على البيئة، ضمن أهداف البرنامج.

ثانيا: برنامج الكهربة القروية الشمولي

شكلت المنهجية المعتمدة للإجابة على هذه الأسئلة الثلاثة، وعلى تحليل الوثائق والبيانات المقدمة من قبل المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب وعلى مقابلات مع الموظفين بهذا المكتب. لذلك، يلاحظ في هذا التقييم محدودية في بعض الجوانب نظرا لعدم توفر بيانات متعلقة بالموضوع لدى مختلف المتدخلين والساكنة المحلية.[40]

وضعت اللجنة الموضوعاتية ثلاثة أسئلة تقييمية ، وحددت معايير لكل سؤال ينبغي استعماله من أجل تقدير النجاحات والصعوبات التي اعترضت تنفيذ برنامج الكهربة القروية الشمولي، وتتعلق هذه الأسئلة التقييمية  على التوالي:[41]

  • الانسجام الداخلي للبرنامج مع الهدف العام: الوقوف على مدى انسجام الداخلي في التحقق من ملائمته للأهداف العملياتية وظروف التنفيذ للهدف العام المتوخى، باعتبار تعميم الولوج إلى الكهربة خدمة أساسية للساكنة؛
  • جدواه على المستوى الاقتصادي والاجتماعي؛
  • نجاعة أهدافه بالنظر لتطور السياق.

اعتمدت اللجنة الموضوعاتية المكلفة بتقييم السياسات العمومية في قياس جدوى برنامج الكهربة القروية الشمولي. من خلال الوقوف على أنواع المجالات الترابية التي ساهم برنامج الكهربة القروية الشمولي أكثر في النهوض بالأنشطة الاقتصادية والاجتماعية القروية بها.

وقفت خلاصات التقييم على ما يلي:[42]

  • مدى ملائمة الخيارات العملية للبرنامج الشامل للكهربة القروية مع الهدف العام
  • يتم التمييز بين آثار الكهربة حسب ما إذا كانت المنطقة المزودة بالكهرباء تتوفر على التجهيزات الأساسية وحسب مستوى ثروتها (موارد طبيعية، فلاحة متنوعة).؛
  • أحدثت الخيارات العملية التي اعتمدها برنامج الكهربة القروية الشمولي، مبدأ التكلفة الأقل في التخطيط وحزمة التمويل التشاركي والحكامة المحلية، تأثيرا إيجابيا لتسريع مسلسل كهربة القرى المستحقة؛
  • أخرت المقاربة القائمة على عتبة التأهيل، إن لم تكن استبعدت، كهربة بعض المناطق التي لا تستجيب للمعايير المحددة في إطار برنامج الكهربة القروية الشمولي؛
  • لقد كانت لكهربة المناطق القروية، بفضل البرنامج، آثار إجابية على تنمية الأنشطة المدرة للدخل، وخدمات القرب الاجتماعية والإدارية وكذا على الاندماج السوسيوثقافي لساكنة المناطق المعنية.
  • لم يعد خيار تعميم الكهربة، كهدف وحيد للبرنامج، ملائما للإشكاليات الراهنة للكهربة القروية التي أصحبت نوعية أكثر : استمرارية الخدمة، وضمان القوة وضعف موارد الأسر القروية على الخصوص؛
  • لم تأخذ أهداف البرنامج بعين الاعتبار بما فيه الكفاية الرهانات الجديدة للانتقال الطاقي بالمغرب.

ثالثا: ضعف وظيفة التقييم أمام البرلمان

منذ دخول البرلمان تجربته الأولى من الولاية التشريعية التاسعة، ظل تقييم السياسات العمومية غائبا عن برامج عمله كوظيفة مستقلة عن التشريع والرقابة، ووظيفة دورية يمارسها وفقا للدستور كل سنة،[43]

تظل مواكبة أدوات تقييم السياسات العمومية ضعيفة، ويبقى التقييم منحصرا في جزء يسير من بعض السياسات العمومية، ويظل في كثير من الأحيان ذا طابع داخلي ومحدود. والأدهى من هذا كله، هو غياب ثقافة وتقاليد النشر الواسع للمعطيات حول السياسات العمومية وضعف تداول المعلومة والتمكن من وسائل الوصول إليها.[44]

يتضح من خلال التقريرين أن محاولة التقييم هذه، كانت مجرد محاولة أولية وتجريبية بالنسبة لمجلس النواب من أجل إنجاح الممارسة المستقبلية لهذه الوظيفة، ذلك أن المجموعة الموضوعاتية اعترفت بكون قيامها بهذه المهمة طرحت أمامها مجموع من المعيقات، وعلى وجه الخصوص تلك المتعلقة بضيق الحيز الزمني وغياب المسوحات الميدانية ونقص البيانات والمعلومات.[45]

كما أن التركيز على الجانب الشكلي الاجرائي للتقييم الذي تم القيام به، فيبدو أن مجلس النواب عمد إلى إحداث مجموعة موضوعاتية في هذا الصدد وأوكل إليها هذه المهمة بيد أن تأسيس هذه المجموعة الموضوعاتية لا تنسجم مع ما نص عليه النظام الداخلي لسنة 2013 والذي جاء خاليا من أي إشارة  إلى هذه المجموعة في المادة  213 التي تمت الإحالة إليها في محضر جلسة المناقشة، بيد أن ما يستفاد من هذا النظام الداخلي لمجلس النواب الذي على أساسه تم التقييم، كون مهمة التحضير لهذه الجلسة يتم من طرف اللجن الدائمة المختصة وفقا لمضمون المادة 214 ، الأمر الذي أدى بمجلس النواب في نظامه الداخلي لسنة 2017 إلى أن يعيد صياغة المواد المتعلقة بتنظيم مهمة التقييم.[46]

وخلاصة القول يتضح أن الدستور لما جعل من تقييم السياسات العمومية إحدى الوظائف الجديدة التي يقوم بها البرلمان، والتي تخفف من الرقابة الكلاسيكية قبل دستور 2011، لأنها تمنح للبرلمان الحصول على المعلومة والبيانات المتعلقة بالسياسات المراد تقييمها .  ويتبين أن البرلمان لم يتوفق بعد في تفعيل هذه الآلية الحديثة في أرض الواقع، نظرا لوجوده في مرحلة التجربة.


[1]  جابر لبوع، البرلمان في ضوء أحكام دستور 2011، أطروحة لنيل الدكتوراه  في القانون العام والعلوم السياسية، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سلا، رقم الأطروحة 164/2018، السنة الجامعية 2019/2018 ص 471.

[2]  Nadia Antonin, le parlement et l’evaluation des politiques  publiques , ANDES : http://www.andese.org/chronique-de-nadia-antonin/239-le-parlement-et-levaluation-des-politiques-publiques.html

[3]   فهمي خليفة الفهداوي، السياسة العامة:  منظور كلي في البنية والتحليل، عمان ،  دار المسيرة، 2001 ، ص 31

[4]  عامر الكبيسي، صنع السياسات العامة عمان ،  دار المسيرة، 1999 ، ص 15

[5]   تامر كامل محمد الخزرجي، النظم السياسية الحديثة والسياسات العامة ،عمان، دار مجدلاوي، 2004 ، ص. 28

[6]  أورده جابر لبوع، البرلمان في ضوء أحكام دستور 2011، م.س، ص 431.

[7]  الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الانسان: مبادئ ومقاربات في تقييم السياسيات العمومية، أبريل 2014، ص 19.

[8]  حسن طارق “مبادئ ومقاربات في تقييم السياسات العمومية” منشورات الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان “أبريل 2014 . ، ص 15

[9]   مجلس المستشارين: فريق التحالف الاشتراكي، تقرير حول المشاركة في الرحلة الدراسية إلى جهتي كاطلانيا باسبانيا وباكا PACA بفرنسا،  من 24 إلى 28 مارس 2013،، الجمعية المغربية لتقييم ، حول موضوع : ” التجربة الكاطلانية والفرنسية في مجال تقييم السياسات العمومية،  عبد اللطيف أعمو، مارس 2013، ص 2

[10]   Harakat  Mohamed  , les finances publiques à l’épreuve de la transparence et de la performance , El Maarif Al Jadida , Rabat , 2013. P 239.

[11] Bernard Perret , l’évaluation des politiques publiques , collection repères ,3éme édition la découverte , 2014 p3.

[12]  الخطاب السامي الذي ألقاه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية التاسعة، الرباط، 12 أكتوبر 2012.

[13]  محمد الغالي ، التدخل البرلماني في مجال السياسات العامة في المغرب1984/2002، مطبعة الوراقة الوطنية مراكش  طبعة 2006  ، ص 127

[14]  البرلمان مجلس النواب: خطة استراتيجية لتأهيل وتطوير عمل مجلس النواب،  25 دجنبر 2012،ص 42.

[15]    الفقرة الثالثة من الفصل 100 من الدستور المغربي ، الصادر بتنفيذه ظهير شريف رقم1.11.91 صادر في 27 شعبان 1432 (29 يوليو  2011) ، ج.ر عدد 5964،  30 يوليو 2011،ص 3600.

[16]  محمد الغالي ، التدخل البرلماني في مجال السياسات العامة في المغرب1984/2002، مطبعة الوراقة الوطنية مراكش  طبعة2006  ، ص 133

[17]  قرار المجلس الدستوري رقم 12-829، الصادر في 11 ربيع الأول 1433 (04 فبراير 2012)، ج ر، عدد 6014 بتاريخ 25 صفر 1433 ( 19 يناير 2012).

[18]  حسن طارق، السياسات العمومية في الدستور المغربي الجديد، المرجع السابق، ص: 37

[19]  مجلس النواب: الإطار المرجعي لتقييم السياسات العمومية ، منشورات مجلس النواب، ص 71 ما بعدها.

[20]  مجلس النواب: الإطار المرجعي لتقييم السياسات العمومية ، م.س، ص 82

[21]  النظام الداخلي لمجلس النواب كما صادق عليه المجلس بتاريخ 12/01/2012و قضى به المجلس الدستوري في قراره رقم 12/829 بتاريخ 04/02/2012 و قراره رقم 12/838 بتاريخ 16/02/2012 .

[22]  هذه المادة كانت موضوع إحدى قرارات المجلس الدستوري و سيتم تناول ذلك بالتحليل في المبحث الثاني من هذه الدراسة .

[23]  محمد الغالي ، التدخل البرلماني في مجال السياسات العامة في المغرب ، سلسلة الدراسات السياسية  القانونية و الإجتماعية ، المطبعة  والوراقة الوطنية ، مراكش ، الطبعة الأولى ، يناير 2006 ، ص 133 .

[24]  مجلس النواب: الإطار المرجعي لتقييم السياسات العمومية ،م.س، ص 79.

[25]  نفسه، ص 80.

[26]  مجلس النواب: الإطار المرجعي لتقييم السياسات العمومية ، م.س، ص  81.

[27] Olivier Nay , pour une sociologie des pratiques d’assemblé : note sur un champ de recherche quelque peu délaissé , sociologie de travail , n° 45 ,2003 , p 40 .

[28]  الفصل 70 من الدستور .

[29]  الفصل 100 من الدستور .

[30]  الفصل 148 من الدستور .

[31] –  المادة 151 (الفقرة الثانية)، من النظام الداخلي لمجلي النواب 2012.

[32]  المادة 217 من النظام الداخلي لمجلس النواب  لسنة 2013 .

[33]   جابر لبوع، البرلمان في ضوء أحكام دستور 2011، م.س، ص 427

[34] www.pjdgroupe.ma

[35]  نجيب الخدي، تقييم السياسات العمومية من طرف البرلمانات حالة مجلس النواب بالمملكة المغربية، منشور على موقع: www.asgp.co

[36]   مجلس النواب، تقرير المجموعة الموضوعاتية حول:  تقييم البرنامج المندمج لتزويد العالم القروي بالماء الصالح للشرب،  ص 2.

[37]  نفسه، ص 3.

[38]  نفسه، ص 2.

[39]  مجلس النواب، تقرير المجموعة الموضوعاتية حول:  تقييم البرنامج المندمج لتزويد العالم القروي بالماء الصالح للشرب،  ص 71 وما بعدها

[40]  تقرير حول تقييم برنامج الكهربة القروية الشمولي،  ص 3

[41]  نفسه، ص 4 وما بعدها

[42]  نفسه، ص 85 وما بعدها.

[43]  جابر لبوع، البرلمان في ضوء أحكام دستور 2011، م.س، ص 478.

[44]  مجلس المستشارين: فريق التحالف الاشتراكي، تقرير حول المشاركة في الرحلة الدراسية إلى جهتي كاطلانيا باسبانيا وباكا PACA بفرنسا،  من 24 إلى 28 مارس 2013،، الجمعية المغربية لتقييم ، حول موضوع : ” التجربة الكاطلانية والفرنسية في مجال تقييم السياسات العمومية،  عبد اللطيف أعمو، مارس 2013، ص 3.

[45]  جابر لبوع، البرلمان في ضوء أحكام دستور 2011، م.س، ص 480

[46]  جابر لبوع، البرلمان في ضوء أحكام دستور 2011، م.س، ص 481.

إقرأ أيضاً

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي Constitutional control and …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *