Site icon مجلة المنارة

تطبيقات المعايير الدولية للمحاكمة العادلة وإشكالية التعارض مع نصوص القانون الأردني والمغربي.

تطبيقات المعايير الدولية للمحاكمة العادلة
وإشكالية التعارض مع نصوص القانون
الأردني والمغربي.

القاضي: علي أحمد يوسف الشبول

قاضي لدى محكمة الجنايات الكبرى الأردنية

 

تطبيقات المعايير الدولية للمحاكمة العادلة وإشكالية التعارض مع نصوص
القانون الأردني والمغربي.

المعاهدة وفقاً لما جاءت به اتفاقية فينا لقانون المعاهدات (يقصد بالمعاهدة الاتفاق الدولي المعقود بين الدول في صيغة مكتوبة والذي ينظمه القانون الدولي سواء تضمنته وثيقة واحدة أو وثيقتان منفصلتان أو أكثر، ومهما كانت تسميته الخاصة وبالتالي فهي معاهدة ملزمة قانوناً للدول التي وافقت أن تلتزم بأحكامها، ويتضمن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تنظيم الحقوق الفردية التي تتيح للأفراد المشاركة في الحياة العامة للدولة، ويرتكز هذا العهد على الكرامة الإنسانية والمساواة وعدم التمييز، ومن أهم الحقوق التي أقرها هو الحق بالمحاكمة العادلة، ويعد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بالإضافة إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالإضافة إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من الركائز الأساسية للحماية الدولية لحقوق الإنسان، فقد حرصت الأمم المتحدة بعد إقرارها للإعلان العالمي لحقوق الإنسان بتاريخ 10/10/1948، على اعتماد اتفاقيات دولية ملزمة تتناول الحقوق المعترف بها في الإعلان ، ومن هذه الاتفاقيات التي جاءت مكملة ومؤكدة على الحقوق في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (الملحق1)([1]).

عندما يمثل المرء أمام القاضي متهماً بارتكاب فعل جنائي، فهو يواجه آلية الدولة بعينها، ومن ثم فالطريقة التي يعامل بها عندما يتهم بارتكاب جريمة تدل بدقة على مدى احترام تلك الدولة لحقوق الإنسان الفرد ولحكم القانون، وهو ما يجسد بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان بقوله (الإقرار بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم، ومن حقوق متساوية وثابتة، بشكل أساسي الحرية والعدل والسلام في العالم).

تمثل المعايير الدولية للمحاكمة العادلة ضرباً من ضروب إجماع الرأي بين الأمم بشأن المعايير اللازمة لتقييم الطريقة التي تعامل بها الحكومات من يشتبه بارتكابهم، ومن يوجه إليهم الاتهام بارتكابها، ومن يدانون بذلك.

‌المبحث الأول: الإطار الدولي المتعلق بالمحاكمة العادلة.

وضع القاضي الجزائي عند تطبيقه النص القانوني المنبثق عن معاهدة او اتفاقية دولية ملزمة على المحك، ومع بروز نصوص قانونية تحمل الصفة الدولية وغير مألوفة أو معهود للقضاء بتطبيقها أحياناً، وتستمد مرجعيتها من المعايير الدولية، مثال ذلك حق المتهم بالصمت أثناء تلاوة التهمة عليه، ومثال آخر إجراء المحاكمة سراً حفاظاً على النظام والأمن العام.

وإذا انتقلنا إلى سير إجراءات المحاكمة الجزائية وإلى القضاء في المغرب والأردن باعتباره المجسد لحركة القانون، لرأينا التطبيقات تعكس واقعه.

إذاً ستتناول في هذا المبحث مرجعية المعايير الدولية في خصوصية المحاكمة العادلة وقابلية تطبيقها في القانون المغربي والأردني في مطلب أول، ثم نتناول الرقابة على تطبيق المعايير الدولية في المحاكمة الجزائية في (مطلب ثاني).

المطلب الأول: مرجعية المعايير الدولية في خصوصية المحاكمة العادلة وقابلية تطبيقها في القوانين الأردنية والمغربية.

يمكن الإطلاع على أهم الأحكام القانونية المتعلقة بالمحاكمة العادلة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمادة (7) من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب والمادة (8) من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان والمادة (6) من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.

أن جل المواثيق الدولية المتصلة بمسألة الحق في محاكمة جزائية عادلة قابلة للتطبيق في المغرب والأردن باعتبارها طرفاً فيها، حيث صادقت على أغلب الصكوك وأهمها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل والاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، وكذلك البروتوكولات المتعلقة باختصاص الهيئات الدولية والحق في التظلم الفردي، فالمشرع الجزائي المغربي والأردني أدخلها في التشريعات الوطنية، وهي جزء لا يتجزء منه عند التطبيق.

أن مدى إلزامية القاضي الجزائي المغربي والأردني لتطبيق المعايير الدولية خاصة في حالة تعارضها مع قاعدة قانونية وطنية ينطلق من علوية المعاهدات الدولية على القوانين الوطنية في حالة المصادقة عليها، وكذلك الاحتجاج المباشر بالمعايير الدولية من طرف من له مصلحة، فيمكن للمتقاضي أن يحتج بالمواثيق الدولية في إطار نزاع مباشر أمام القضاء المغربي والأردني([2]).

أن العاملون في المجال القضائي يترددون أحياناً في تفعيل القانون الدولي، أما لاعتقادهم خطأ في علوية القانون الوطني على المواثيق الدولية، وبكل بساطة لأنهم يتقنون قواعد القانون الوطني أكثر من غيره ويعتبرونه أكثر ضمانة وأيسر استعمالاً، وقد حمل هذا الأمر بعض رجال القانون على القول بأن توفير دورات تكوينية مخصوصة لمجموع العاملين في المجال القضائي يمثل مرحلة لازمة لتفعيل القانون الدولي أمام المحاكم الوطنية.

الفقرة الأولى: القيمة القانونية للمواثيق الدولية وموقف التشريعات المقارنة منها:

إن مسألة قابلية تطبيق المعايير الدولية في المغرب والأردن تطرح بشكل مخصوص وذلك بالنظر إلى التعديلات التي طرأت على دساتيرها عام 2011، وتختلف مكانة المواثيق الدولية ضمن التشريعات الوطنية باختلاف هذه التشريعات، فبعض الدول تجعل المواثيق الدولية أعلى درجة من دساتيرها، ومن الدول من تجعل المواثيق في درجة الدستور، ومنها من تجعل المواثيق في درجة قوانينها الوطنية، وبعض الدول تتعدد فيها درجات المواثيق الدولية ولا تكون من درجة واحدة، وذلك يقتضي بيان مكانة المعاهدة الدولية وتحديدها في النظام القانوني الفرنسي والمغربي والأردني([3]).

الفرع الأول: المواثيق الدولية في التشريع الفرنسي:

لم تنهج المدارس الفقهية مسلك موحد بشأن سمو المواثيق على جميع النظم القانونية الداخلية، لكن فقهاء القانون الدولي المعاصر أكدوا على أساس تمتع القانون بالصفة الإلزامية، وأن قواعده تسمو على جميع النظم القانونية الداخلية، وأساسه قائم على الرضا الصريح والضمني.

وفي فرنسا ورغم أن دستور 1958 وفي المادة (55) قد نص على أن (المعاهدات أو الاتفاقيات المصادق عليها أو الموافق عليها لها من حين نشرها سلطة أعلى من سلطة القوانين، ومع ذلك فإن القضاء الفرنسي لم يتفق على حل واحد في حال النزاع بين تشريع وطني لاحق ومعاهدة دولية سابقة، فحين ترجح محاكم القضاء العادي التزاماً منها بالدستور المعاهدة على كل تشريع مخالف سابق أو لاحق، ظل مجلس الدولة الفرنسي يرفض ذلك فيما يتعلق بالتشريعات اللاحقة، ثم عدل عن موقفه السابق في 20/10/1989 بمناسبة الفصل في الطعون الانتخابية التي قدمت إليه، في شأن انتخابات ممثلي البرلمان الأوروبي والتي أجريت في 10/6/1989([4]).

لقد نصت المادة (52) من الدستور الفرنسي لعام 1989 على أنه (يبرم رئيس الجمهورية المعاهدات ويصادق عليها ويطلع على جميع المفاوضات التي تستهدف عقد اتفاق دولي غير واضح للتصديق)، كما نصت المادة (55) من الدستور الفرنسي لعام 1958 على (أن المعاهدات المصادق عليها أو الموافق عليها تكون لها سلطة أعلى من القوانين وذلك بمجرد نشرها).

فكلمة القوانين هنا يمكن أن يقصد فيها الدستور والقوانين العادية، بالإضافة إلى ذلك يرى (Dupuy) أنها تطبق على الاتفاقيات الثنائيةـ وأشارت إلى المعاهدات ولم تشر إلى الأعراف الدولية، ويضيف وكأنه لا يمكن أن ينتج التزام على عاتق الدولة على الساحة الدولية إلا في إطار الاتفاقيات الدولية)([5]).

الفرع الثاني: المواثيق الدولية في النظام القانوني الأردني:

تمارس الأردن سيادتها وحقها في إبرام المعاهدات، باعتبارها تعبيراً عن إرادة دولية شارك والتزم الأردن فيها، فهل تقوم المحاكم في الأردن بتطبيق هذه المعاهدات كما تطبق القوانين الوطنية([6]).

أن الدستور الأردني أغفل النص على مبدأ سمو القانون الدولي على القانون الداخلي، والنص الوحيد الوارد في الدستور الذي ينظم العلاقة ما بين القانون الأردني والمعاهدات هو نص المادة (2/33) بقولها (المعاهدات والاتفاقيات التي يترتب عليها تحميل خزانة الدولة شيئاً من النفقات أو مساس في حقوق الأردنيين العامة أو الخاصة لا تكون نافذة إلا إذا وافق عليها مجلس الأمة ولا يجوز في أي حال أن تكون الشروط السرية في معاهدة أو اتفاق ما مناقضة للشروط العلنية).

والواضح من النص الدستوري السابق له أنه لم ينص صراحةً على أولوية تطبيق المعاهدات على التشريعات الداخلية الأردنية.

وقد تجسد موقف القضاء الأردني، بالاجتهادات القضائية لمحكمة التمييز التي استقرت على تطبيق قواعد القانون الدولي، حتى ولو قام التعارض بينها وبين قواعد القانون الوطني، ويدل ذلك بوضوح على الأخذ بسمو القانون الدولي ومن ضمنها المعاهدات على القانون الداخلي([7]).

ومن ذلك قرارات محكمة التمييز الأردنية في اجتهادات لها : (ولا يرد على ذلك أن من القوانين الداخلية ما لا يتفق مع هذا. فالاجتهاد مستقر على أنه في حالة تنازع القوانين الداخلية مع الاتفاقات الدولية تكون الأخيرة هي الأولى بالتطبيق).

(الاتفاقية هي أعلى مرتبة من القانون المحلي وأولى بالتطبيق).

إذاً فالاجتهاد القضائي الأردني استقر على تطبيق المعاهدات الدولية ولو تعارضت مع التشريع الداخلي، ولا شك أن ذلك تكريساً لمبدأ سمو المعاهدات الدولية على التشريعات الوطنية وأن المادة (123) من الدستور الأردني، قد اعتبرت الأحكام القضائية تفسيراً لأي نص قانوني تطبقه.

ويقول الأستاذ الدكتور عادل الحياري: (عملية التفسير من اللوازم الحتمية لتطبيق القانون ولا يمكن أن ينكر على القاضي حقه في ذلك، وعلى هذا يصبح اجتهاد القاضي بمثابة التفسير للقانون)([8]).

وعن دور القاضي الوطني في تفسير المعاهدات الدولية، وبما أن المعاهدات تعامل في النظام القانوني الداخلي الأردني معاملة التشريع الوطني، وحيث أن تفسير القانون هو من صميم عمل القضاء، فإن المحاكم تقوم بتفسير المعاهدات في القضايا المعروضة أمامها، طالما كان تطبيقها يستلزم تفسير ما غمض من نصوصها، وقد قام القضاء الأردني بتفسير العديد من نصوص المعاهدات الغامضة التي بحاجة إلى تفسير، فقد جاء بقرار لمحكمة التمييز الأردنية: (من الرجوع لأحكام المادتين الخامسة والسادسة من اتفاقية التعاون الاقتصادي ما بين المملكة الأردنية الهاشمية والجمهورية العربية السورية لعام 1975 يتبين أن الإعفاء من الرسوم الجمركية والرسوم والضرائب الأخرى قد جاء مطلقاً غير مقيد بنوع معين من الرسوم، وأن مستوردات احد البلدين للآخر ما تنطبق عليه شروط الاتفاقية معفاة من الرسوم الجمركية والرسوم والضرائب الأخرى وحتى إجازات الاستيراد والتصدير).

(حيث أن الدولتين الأردنية والأمريكية وقعتا معاهدة بينهما على تسليم المجرمين الفارين لديهما، وأن هذه المعاهدة بالرغم من توقيعها لم يتم المصادقة عليها من قبل مجلس الأمة الأردني استكمالاً لمراحلها الدستورية فإنها لا تكون نافذة، وبالتالي فإن شروط التسليم تكون غير متوافرة بحق المواطن الأردني وفق ما استقر عليه القضاء).

قرار محكمة التمييز الأردنية بصفها الجزائية رقم 202/1999 تاريخ 29/4/1999 المنشور على الصفحة 640 من عدد المجلة القضائية رقم 4 تاريخ 1/1/1999.

(تقضي المادة 33/2 من الدستور الأردني بأن معاهدات الصلح والتحالف والتجارة والملاحقة والمعاهدات الأخرى التي يترتب عليها تعديل في أراضي الدولة أو نقص في حقوق سيادتها أو تحميل خزانتها شيئاً من النفقات أو المساس بحقوق الأردنيين الخاصة لا تكون نافذة إلا إذا وافق عليها مجلس الأمة).

قرار محكمة التمييز الأردنية بصفتها الجزائية رقم 203/1997 تاريخ 21/6/1997 منشورات مركز عدالة.

(عند تعارض الاتفاقية أو المعاهدة مع نص قانوني داخلي تطبق الاتفاقية أو المعاهدة).

قرار محكمة التمييز الأردنية بصفتها الجزائية رقم 69/1978 المنشور على الصفحة 761 من عدد مجلة نقابة المحامين بتاريخ 1/1/1978.

الفرع الثالث: المواثيق الدولية في النظام القانوني المغربي([9]).

بالرجوع إلى التشريعات المغربية نجد أن الفصل 6، من الدستور المغربي قد نص على (… تعتبر دستورية القواعد القانونية وتراتيبها ووجوب نشرها مبادئ ملزمة).

كما نص الفصل (110) من الدستور المغربي على (لا يلزم قضاة الأحكام إلا بتطبيق القانون ولا تصدر أحكام القضاء إلا على أساس التطبيق العادل للقانون).

كما نص الفصل (133) منه (تختص المحكمة الدستورية بالنظر في كل دفع يتعلق بعدم دستورية قانون، أثير أثناء النظر في قضية، وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون الذي سيطبق في النزاع يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور).

كما نص الفصل (10) من مجموعة القانون الجنائي المغربي على (يسري التشريع الجنائي المغربي على كل من يوجد بإقليم المملكة من وطنين وأجانب وعديمي الجنسية، مع مراعاة الاستثناءات المقررة في القانون العام الداخلي والقانون الدولي).

كما نصت المادة (288) من قانون المسطرة الجنائية المغربي على (إذا كان ثبوت الجريمة يتوقف على دليل تسري عليه أحكام القانون المدني أو أحكام خاصة تراعي المحكمة في ذلك الأحكام المذكورة).

كما نصت المادة (713) من قانون المسطرة الجنائية المغربي على (تكون الأولوية للاتفاقيات الدولية على القوانين الوطنية فيما يخص التعاون القضائي مع الدول الأجنبية، لا تطبق مقتضيات هذا الباب، إلا في حالة عدم وجود اتفاقيات أو في حالة خلو تلك الاتفاقيات من الأحكام الواردة به).

أن مشروعية الدول على ملائمة القوانين الدولية بشكل لا يتعارض مع الثوابت الوطنية والدينية والسيادة للدولة والمنصوص عليها في دستورها، ومن هذا التوجه كل القوانين والمواثيق الدولية مقبولة ما دامت لا تتعارض معه، وقد بين الفصل (55) من الدستور المغربي كيفية ولوج القاعدة الدولية إلى حيز النفاذ بالمغرب، بالإضافة إلى الفصل (132) من الدستور المغربي الذي يعالج بشكل ضمني إمكانية مراجعة القضاء الدستوري بالنسبة للمعاهدة الدولية التي يتم المصادقة عليها([10]).

وقد سار المشرع المغربي في اتجاه ترجيح الاتفاقيات الدولية على القانون الداخلي، ويمكن لنا استظهار ذلك في التشريع المغربي من خلال تشريعات عديدة، منها ما ورد في المادة (1) من قانون الجنسية والتي جاءت (ان الأحكام المتعلقة بالجنسية المغربية تحدد بموجب القانون، وعند الاقتضاء بمقتضى المعاهدات أو الأوفاق الدولية المتعلقة بالجنسية المصادق عليها والموافق على نشرها والتي ترجح على أحكام القانون الداخلي، كذلك ما ورد في الفصل (741) من قانون المسطرة الجنائية المغربي والذي جاء فيه (يكون التسليم الذي تحصل عليه السلطات المغربية باطلاً إذا تم إجراؤه في غير الأحوال المنصوص عليها في هذا القانون، ما عدا إذا نصت اتفاقيات دولية نافذة المفعول على مقتضيات مخالفة.

كذلك ما ورد في نص المادة (5) من قانون المحاماة على (أنه يستفاد من الحماية رعايا البلدان المشتركة في كل معاهدة مبرمة في مجال الملكية الصناعية يكون المغرب طرفاً فيها وينص في أحكامها بالنسبة لرعاياه على معاملة لا تقل عن المعاملة التي يستفيد منها بالبلدان المعينة).

وأمام غموض موقف الدستور المغربي من إشكالية أولوية التطبيق، رغم أن المشرع المغربي قد نص صراحة في بعض الحالات على مبدأ ترجيح الاتفاقيات الدولية على القوانين الوطنية، فقد تضارب الاجتهاد القضائي المغربي بين اتجاه يرجح القانون الوطني على القوانين والمواثيق الدولية واتجاه آخر مغاير يجعل القوانين والمواثيق الدولية أسمى من القانون الوطني.

لقد جاء بقرار محكمة النقض المغربية رقم (2162) الصادر بتاريخ 9/4/1997 (إذا كان الفصل 11 من ميثاق الأمم المتحدة المؤرخ بـ16/12/1966 المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية والمصادق عليه في المغرب بتاريخ 18/11/1979 يقضي بعدم جواز سجن إنسان بسبب عدم قدرته على الوفاء بالتزام تعاقدي فإن القرار لم يحدد مدة الإكراه البدني في حالة امتناع المدين ولم يحدده في حالة عدم استطاعته الأداء وعدم قدرته عليه يكون غير خارق للفصل المذكور).

كما جاء بالحكم الجنائي الصادر عن محكمة النقض المغربية رقم 552 (س12) الصادر بتاريخ 8/مايو/1969 (بمقتضى الفصل 33 من المعاهدة الجزائية المغربية المصادق عليها بتاريخ 14 إبريل 1969 بشأن تسليم المجرمين والتعاون القضائي يمكن تسليم الأشخاص من أجل جنايات أو جنح معاقب عليها بقوانين الطرفين المتعاقدين لسنتين حبساً على الأقل…).

كما جاء بقرار محكمة النقض المغربية عدد 1534 المؤرخ في 18/4/2001 الملف الجنحي عدد (17335) (تكون المحكمة قد عللت قرارها بانعدام الضمان على أساس صحيح، لما صرحت بأن اتفاقية جنيف المؤرخة في 19/9/1949 تحدد مدة صلاحية شهادة السياحة الدولية في سنة واحدة فقط وأنه على فرض أن المتهم كان يتوفر على شهادة دولية فإن مدة صلاحيتها قد انتهت قبل ارتكاب الحادثة([11]).

([1]) د. محمد خليل الموسى/ العهدان الدوليين الخاصان لحقوق الإنسان – دليل تدريبي- منشورات عدالة- الأردن/الطبعة الأولى / 2009 ص11.

([2]) المبادئ الدولية المتعلقة باستغلال ومسؤولية القضاء والمحامين وممثلي النيابة العامة، دليل المحامين، الطبعة الأولى، جنيف 2007.

([3]) د. علي يوسف الشكري/ الرقابة على دستورية المعاهدات الدولية/ دراسة مقارنة في الدساتير العربية/ مؤسسة الشباب الجامعة/ الإسكندرية 1990 ص17-19.

([4]) د. محمد يوسف علوان – القانون الدولي العام (المقدمة والمصادر) – عمان – الأردن 1996 ص115.

([5]) بدر الدين محمد شبل، الحماية الدولية الجنالئية لحقوق الإنسان، دار الثقافة للنشر، عمان، سنة 2011، ص103 وما بعدها.

([6]) محمد يوسف علوان/ القانون الدولي العام/ المقدمة والصادر/ دار وائل/ عمان ط2/ 2000/ ص113.

([7]) الشيكلشي حمس، مجموعة محاضرات ألقيت على طلبة الدراسات العليا، كلية الحقوق، الجامعة الأردنية 1999/2000.

([8]) د. عادل الحياري، القانون الدستوري والنظام الدستوري،ـ دراسة مقارنة، 1972 الحقوق محفوظة للمؤلف.

([9]) لقد جاء في تحفظ المغرب على أحد الإتفاقيات الدولية أن ((المملكة المغربية لا تعتبر نفسها ملزمة بما ورد بالمادة 22 بشأن تسوية النزاعات بين الدول الأطراف بشأن تفسير الإتفاقية أو تطبيقها)). ينظر في هذا المجال: الصكوك الدولية، منشورات مركز التوثيق والإعلام والتكوين في مجال حقوق الإنسان بمصلحة المعارف الجديدة/ الرباط 2010/ ص30.

(1محمد مالكي/ الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية/ المطبقة والوارقة الوطنية/ مراكش/ 2010/ ص88-89.

ينظر أيضاً إلى محمد الإدريسي العلمي المشيشي/ المسطرة الجنائية والجزء الأول القضائية/ الرباط/ مطبعة المعارف الجديدة/ منشورات المؤسسات جمعية تنمية البحوث والدراسات القضائية 1991/ ص20.

([11]) هناك العديد من الحالات سار فيها القضاء المغربي على ترجيح القانون الوطني على الإتفاقيات الدولية حتى لو كانت البلاد مصادقة أو موقعة أو منظمة إلى تلك المعاهدة ونذكر منها قضية اكربر، حيث جنح المجلس الأعلى إلى ترجيح القانون الوطني على الإتفاقية الدولية بقوله (لكن حيث أن ظهير 20 فبراير 1961، الذي ينظم تحديد الإكراه البدني لا زال ساري المفعول ولم يصدر أي قانون يأمر بإلغائه والمحكمة ملزمة بتطبيق القانون وليس من اختصاصها تعديل للقرار المطعون فيه مرتكز على أساس قانون) قرار غير منشور للمجلس الأعلى صادر بتاريخ 10 يونيو 1997.

Exit mobile version