Site icon مجلة المنارة

تأملات في أرقام الهجرة الوافدة على ضوء نتائج الإحصاء العام ل2014 : التحديات واستشراف المستقبل

 

 عرف المغرب خلال العشر سنوات الأخيرة تدفق المهاجرين من بلدان جنوب الصحراء وبعض بلدان جنوب شرق آسيا، وبالموازاة مع ارتفاع الحركة الهجروية إلى المغرب، تغيرت الظروف والعوامل الجاذبة في أوربا التي كانت بمثابة الدافع الأساسي للعديد من المهاجرين الأفارقة، مما أدى بنسبة كبيرة منهم إلى العدول  عن فكرة الانتقال إلى الضفة الأخرى  والاستقرار بالمغرب بشكل  مؤقت أونهائي ،علاوة على أن الأثر الإيجابيللإصلاحات والتحولات المهمة التي عرفتها الدولة المغربية خلال السنوات الأخيرة، والتي شملت مختلف المجالات ، الحقوقية، الإقتصادية والإجتماعية ثم الثقافية، أدت إلى تفضيل الإستقرار من قبل العديد من المهاجرين عوضا عن المجازفة بحياتهم في عرض المحيط الأطلنتي.

وشكل استمرار الصراع والحروب الإثنية والعرقية في معظم البلدان الافريقية جنوب الصحراء أهم عوامل الطرد الحقيقية والواقعية بغض النظر عن الأوضاع الاقتصادية والبيئية بدورها والتي جعلت من التنقلات البشرية بشكل فردي أو جماعي  مسألة حتمية ، أضف إلى ذلك انعكاسات “الربيع العربي” الذي ألقى بثقله  على ظاهرة الهجرة الإقليمية والدولية مما أدى إلى تغيير خريطة الهجرة بالمنطقة المغاربية برمتها، حيث أصبحت بعض بلدان الإستقبال والجدب بمثابة نقط الإنطلاق والطرد (ليبيا ،مصر).

لقد اتسمت الهجرة في المناطق المغاربية بعد “الربيع العربي” بمجموعة من الخصائص ،كالكم والنوع حيث تتم الهجرة  في الغالب بشكل جماعي (هجرة الحشود والأفواج…) وتشمل النساء والفتيات من مختلف الأعمار ،مما يطرح  تحديات غير مسبوقة على المنطقة المغاربية  عموما وعلى المغرب على وجه الخصوص، باعتباره نقطة التقاء الهجرة الوافدة من جنوب الصحراء وشمالها، أضف إلى ذلك استمرار حالة الفوضى والعنف واللااستقرار في بلدان “الربيع العربي”.

إن الأرقام الخاصة بالأجانب في المغرب تشير إلى  ارتفاع عدد المهاجرين ما بين 2004 [1]و [2]2014 ، حيث كان عدد المهاجرين 51.435  حسب إحصاء 2004 ، بينما في الإحصاء العام للسكان والسكنى ل 2014 ارتفع العدد إلى 86.206 أجنبي، أي بزيادة 34.771  مهاجر خلال عشر سنوات، مما يفيد أن المغرب يستقبل سنويا 3477.1  مهاجر،بمعدل 289.75 مهاجر شهريا أي حوالي 9 مهاجرين يوميا .

مما لاشك فيه أن دراسة الهجرة يقتضي أولاالتحديد المفاهيمي والابستمولوجي للمصطلح، ففي اللغة العربية  كلمة الهجرة  مشتقة من “هجر” أي تباعد وكلمة “هاجر” تعنيانتقل وترك وطنه إلى وطن آخر، كما تفيد أيضا انتقال الناس من موطن إلى آخر.[3]وفي القرآن الكريم ورد لفظ الهجرة في مواضيع كثيرة، حيث يقول عزوجل :” أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ“.[4]  وهذا ما يدل على مشروعية الانتقال من موطن لآخر خصوصا في حالة وجود ما يوجب الانتقال، وفي موضع آخر يقول عز وجل :” قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض”[5]، أي السير دون تحديد الوجهة والمقصد على الأرض.

ويقابل لفظ “الهجرة” في اللغة الإنجليزية “migration ” أي التنقل من موطن لآخر، ثم “ the migrant ” ويعني الشخص الذي يغير محل سكناه من حين لآخر،[6] وتترجم الهجرة الجماعية في اللغة الانجليزية بكلمة “ exodus ” وهو الاسم الذي أطلق سنة 1947  على الباخرة التي أقلت المهاجرين اليهود الناجين من الهولوكوست في اتجاه فلسطين والتي كانت آنذاك تحت الانتداب البريطاني.[7]

 وبالرجوع إلى الجذور التاريخية لكلمة “immigration“نجدها مشتقة من اللفظ اليوناني « Emmigrar » الذي يعني “تعمق في وتغلغل”[8].

تؤكد التعاريف  السالف ذكرها أن الهجرة تقوم على التنقل والحركة سواء من داخل الوطن الواحد أو من وطن لآخر، ويشير ابن خلدون إلى أن تمة العديد من  أسباب الهجرة كالسبب الديني الذي دفع  المسلمين إلى الهجرة  مع الرسول عليه السلام، ويضيف دوافع أخرى في قوله :” اعلم أن اختلاف الأجيال في أحوالهم إنما هو باختلاف نحلهم من المعاش فإن اجتماعهم إنما هو للتعاون على تحصيله والابتداء بما هو ضروري منه ونشيط قبل الحاجي والكمالي”[9]، وهناك من الباحثين من ربط بين الهجرة وظهور الإنسان واعتبرها بذلك ظاهرة إنسانية وطبيعية انتظمت مع انتظام حياة الإنسان واتسعت دائرتها بتنوع الأسباب الداعية إليها.[10]

مما لاشك فيه  أن  الإحاطة ولو جزئيا بالجانب النظري للهجرة خصوصا في شقها الإبستملوجي والمفاهيمي يشكل مدخلالتحليل الظاهرة لكنه لا يكفيلمعرفة واقعها وتداعياتها على المغرب حاضرا ومستقبلا إذ لابد من اعتماد أرقام ومؤشرات لرصد حجم الظاهرة وسيرورتها التاريخية كميا ونوعيا.

 وهو ما نسعى  إليه من خلال هذه الورقة  والمعنونة ب ” تأملات في أرقام الهجرة الوافدة على ضوء نتائج الإحصاء 2014 : التحديات والفرص.

إن القراءة الأولية لأعداد المهاجرين بالمغرب حسب الإحصاء العام للسكان والسكنى ل 2014، تفيد في استمرارتدفق”الهجرة الوافدة” من جنوب الصحراء و شمالها،خصوصا في بلدان ما يسمى “الربيع العربي”،لقد تلعب الأرقام والإحصائيات حول  الهجرة دورا مهما في فهم وتحديد حجم  هذه الظاهرة وتبعاتها وانعكاساتها المباشرة أو غير المباشرة على المجتمع  المغربي، اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.

ومما لاشك فيه أن الإحاطة بحجم “الهجرة الوافدة”  يساهم في وضع استراتيجية  وسياسة للحيلولة دون تداعياتها السلبية مستقبلا، فعلى سبيل المثال لا الحصر الاستجابة للطلب على السكن من خلال توفير العقار المخصص  لإيواء هؤلاء المهاجرين،وتسهيل ولوج الخدمات العمومية الأساسية من صحة ونقل وتعليم، فضلا على الحفاظ على توزيعهم العادل على الجهات تجنبا للضغط على الجهات الواقعة في محور الدارالبيضاء القنيطرة، وهو ما تعكسه الأرقام الواردة في الإحصاء .

إن انخراط  المغرب في بلورة سياسة جديدة للهجرة مبنية على المقاربة الإنسانية، دليل واضح على فشل المقاربات الأمنية التي تنهجها البلدان الأوروبية فيما مضى، كما يعكس رغبة المغرب في الانخراط  الجدي والمسؤول في الحد من ظاهرة الهجرة السرية، خصوصا على ضوء التحولات والحراك الذي تعرفه المنطقة المغاربية.

إن الهجرة الوافدة بالمغرب واعتبارا لتنوعها وتمركزها في المدن والحواضر الكبرى تطرح إشكالية الإندماج مؤقتا  في المجتمع المغربي  كتحدي قائم الذات من جهة ، ومن جهة ثانية   إمكانية تحويلها إلى فرص تنموية على اعتبار الهجرة مدخلا لتحقيق التنمية جهويا ووطنيا . 

أولا : خصائص الهجرة الوافدة بالمغرب

تتألف الهجرة الوافدة على المغرب من مهاجرين من البلدان الإفريقية جنوب الصحراء (نيجيريا، الكونغو،السنغال ،مالي،غانا، سيراليون،غامبيا،ليبيريا،السودان،جمهورية إفريقيا الوسطى،الكونغو برازافيل،الكامرون،ساحل العاج)[11]، إضافة إلى مهاجرين من سوريا وليبيا وتونس أضف إلى ذلك مهاجرين من  آسيا وأوربا، إن هذا التنوع والتعدد الهجروي مؤشر على كون محور الهجرة الدولية لم يعد جنوب – شمال، بل أصبح جنوب –جنوب وبشكل أقوى ، وقد أشارت التقارير الصادرة عن البنك الدولي إلى كون تأثير الهجرة جنوب – جنوب يفوق تأثير الهجرة جنوب – شمال في ثلاثة مناطق من العالم ويتعلق الأمر بالبلدان الإفريقية جنوب الصحراء بمعدل (72% ) ثم أوروبا وآسيا الوسطى في حدود (64% ) وأخيرا جنوب آسيا بمعدل (54% ).[12]

  1. التمركز في المدن الكبرى

توضح القراءة الأولية لأرقام الأجانب  بالمغرب خلال الإحصاء العام للسكان والسكنى ل 2014 ، تمركز نسبة كبيرة من المهاجرين في  خمس جهات وهي (الدار البيضاء الكبرى سطات ،الرباط –سلا –القنيطرة، ثم مراكش آسفي، و طنجة تطوان الحسيمة، وأخيرا فاس مكناس) مما يشكل تحدي أكبر للمنتخبين والسلطات المحلية والجهوية في تدبير الاختلالات، التي تعاني منها المدن الكبرى،في ظل انتقال ساكنة المغرب من الطابع القروي إلى الحضري ،على خلاف ما هو عليه الوضع في العالم القروي الذي  يعاني هجرة داخلية  أدت إلى إحداث خلل في بنيته ووظيفته .

مما لاشك فيه أن عدم التوازن التنموي بين العالمين الحضري والقروي في المغرب، جاء نتيجة لفشل النماذج التنموية الموجهة للقرية المغربية، مما يعيد التساؤل حول ما مدى إمكانية استيعاب الهجرة الوافدة واستثمارها كفرصة للنهوض بالعالم القروي في ظل الإختلالات السالف ذكرها؟

 

عدد الأجانب حسب الجهات وفق التقسيم الجديد للجهات [13]

 

إن عدم وضع استراتيجية  واضحة لتدبير خريطة الهجرة في المغرب مند بداياتها الأولى، سيكون له انعكاسات سلبية على المدن المغربية ، وذلك بارتفاع الضغوط على المجال الحضري مما يؤدي إلى إعادة إنتاج نفس المشاكل والظواهر الاقتصادية والاجتماعية والبيئية،(تسول،باعة متجولون،دور الصفيح،تلوث…) مع العلم أن بوادر أو ملامح هذه المتغيرات قد بدأت تتشكل، فعلى سبيل المثال العديد من المهاجر الأفارقة  يعيشون في وضعية جد مزرية ويعيشون على التسول كمصدر عيشهم اليومي، وبشكل اقل في العالم القروي  حيث تنخفض نسبة المهاجرين مما يسهل عملية حصولهم على بعض فرص الشغل خصوصا في مجال الفلاحة والبناء.

 

عدد الأجانب خلال إحصاء 2004 حسب الجهات عدد الأجانب خلال إحصاء 2014 حسب الجهات
العدد الجهة العدد الجهة
17711 الدار البيضاء الكبرى 28161 الدار البيضاء الكبرى
10208 الرباط – سلا – زمور – زعير 18210 الرباط – سلا – زمور – زعير
4816 الشرق 8167 مراكش تانسيفت الحوز
4141 مراكش تانسيفت الحوز 7217 طنجة تطوان
4014 طنجة تطوان 5498 سوس ماسة درعة
2715 سوس ماسة درعة 3879 الشرق
1845 فاس بولمان 3841 فاس بولمان
1485 مكناس تافيلالت 2066 مكناس تافيلالت
1253 الغرب الشراردة بني حسين 2002 الغرب الشراردة بني حسين
817 الشاوية ورديغة 2003 الشاوية ورديغة
767 دكالة عبدة 1961 دكالة عبدة
537 العيون الساقية الحمراء 888 وادي الدهب الكويرة
528 تازة الحسيمة تاونات 743 العيون الساقية الحمراء
293 تادلة أزيلال 729 تادلة أزيلال
171 وادي الدهب الكويرة 530 تازة الحسيمة تاونات
134 كلميم السمارة 311 كلميم السمارة
51435 المجموع 86206 المجموع

عدد الأجانب حسب الجهات ما بين 2004 و 2014

 

يبين الجدول استمرار تدفق “الهجرة الوافدة” على المغرب بشكل ملحوظ ، وهو ما يعكس المكانة التي يحتلها المغرب إقليميا وجهويا ودوليا، فضلا عن الموقع الجيوستراتيجي الذي جعل منه ممرا قريبا إلى أوربا وبوابة افريقيا.

ومما لاشك فيه أن حركية المهاجرين داخل المغرب خصوصا مع انتقاله من بلد مصدر للهجرة إلى بلد مستقبل، ستحمل  العديد من المتغيرات البنيوية  والشكلية على ضوء طبيعة التفاعل بين المهاجرين القادمين والسكان الأصليين،علاوة أن المغرب من بين البلدان ذات تاريخ هجروي عريق،مما سيسهل إدماج الاجانب في المجتمع وهذا ما نلمسه في سوق الشغل المغربي حيث تفيد إحصائيات وزارة التشغيل والإقتصاد الإجتماعي والتضامن  أن عدد عقود العمل خلال سنة 2012 بلغت 5193 عقد عمل  وفي سنة 2013 سجلت 5670 عقد عمل أي بزيادة 477 عقد عمل خلال سنة ، وهو من مؤشرات الاندماج  إلى جانب مؤشرات أخرى كمستوى الدخل،ومستوى التعليم،والسكن .

كما يشير تقرير للوكالة الوطنية لإنعاش وتشغيل الكفاءات « ANAPEC » لسنة 2007عن تسليم ما مجموعه 1947 شهادة للمهاجرين الأجانب ، من أجل ممارسة  النشاط الاقتصادي في المغرب .

  1. المشترك بين المهاجرين

تتكون الحركة الهجروية الوافدة على المغرب  خلال العشر سنوات الماضية ،بكونها تنتمي إلى بلدان افريقيا جنوب الصحراء وإلى حدود 2011  خلال اندلاع ما سمي “الربيع العربي” توافدت وبشكل كبير فئات من المهاجرين من بلدان مغاربية، ميزتها التنوع العرقي والإثني وهو نفس الميزة التي يتسم بها المجتمع المغربي ،كما جاء في ديباجة دستور 2011 .

  1. وحدة ظروف الطرد : يشكل النزاع المسلح أحد عوامل الطرد التي دفعت العديد من المهاجرين إلى مغادرة أوطانهم،بشكل اكبر مقارنة مع باقي العوامل الأخرى كالعامل الاقتصادي والبيئي،
  2. وحدة اللغة : تشكل اللغة العربية لسان نسبة مهمة كبيرة من المهاجرين بالمغرب خصوصا الوافدين من منطقة الحراك العربي،ثم اللغة الفرنسية التي تمثل هي الأخرى نسبة مهمة في الحركة الهجروية بالمغرب ويمثلها المهاجرين الأفارقة مع وجود اللغة الإنجليزية بنسبة أقل .
  3. وحدة التاريخ الإستعماري : تتقاطع بلدان مصدر الهجرة سواء في جنوب افريقيا أو شمالها بكونها مستعمرات أوروبية (فرنسا،اسبانيا…).

مما لاشك  فيه أن القواسم المشتركة بين مكونات الهجرة الوافدة  حديثا على المغرب مؤشر قويعلى بلوغ مسار اندماجي كامل  وايجابي لفائدة المجتمع المغربي، في  إطار حوكمة الهجرة الوافدة.

ثانيا : حكامة الهجرة

لقد لعبت الهجرة باعتبارها ظاهرة إنسانية عابرة للحدود دورا مهما في قيام حضارات وبلدان عبر مر التاريخ، وارتبط اسمها بتأسيس أمصار مختلفة، وغير بعيد فبعد الحرب العالمية الثانية، كانت الهجرة بمثابة الحل الأنسب للإعادة بناء وإصلاح ما دمرته الحرب العالمية آنذاك.  وباستقراء السيرورة التاريخية للهجرة نقف عند معطيي الجمود والمرونة كمحددات لسياسة الهجرة الدولية التي تنهجهها الدول الأوربية باعتبارها المقصد المثالي لدى غالبية المهاجرين خصوصا من إفريقيا.

لا يمكن تجاهل ايجابيات الهجرة في تحقيق تنمية  بعض البلدان الأوربية والأمريكية لردح من الزمن،علاوة على مساهمتها (الهجرة) في تحقيق اندماج وتبادل ثقافي بين الشعوب وذلك بغض النظر عن انعكاساتها السلبية التي بدأت تطفو إلى السطح في السنوات الأخيرة كرد فعلعلى تشديد الإجراءات القانونية والأمنية المعمول بها في السنوات الأخيرة، اضف إلى ذلك  غياب حكامة الهجرة دوليا ووطنيا ومحليا.

 

 

 

تعتبر حكامة الهجرة من المفاهيم والآليات التي تهدف إلى نهج سياسات الهجرة باعتماد مقاربة إنسانية شمولية، سواء على المستوى المحلي أوالجهوي،وذلك من خلال تكوين موارد بشرية متخصصة وإقامة بنى إدارية والعمل على  إشراك جميع الفاعلين في مجال الهجرة جهويا ومحليا.

 إن الأرقام الواردة في الإحصاء العام للسكان والسكنى ل 2014 والخاصة بالأجانب  في المغرب، وبعد تسوية وضعيات العديد منهم، أصبح لزاما ترتيب الحقوق السياسية لهؤلاء باعتبارهم مواطنين بمعيار المواطنة العالمية الذي اعتمده المغرب بعد دستور 2011 ،وذلك تماشيا مع المنظومة العالمية لحقوق الإنسان، علاوة على أن منح حق التصويت للأجانب تجسيد فعلي لممارسة الحقوق السياسية  على المستوى المحلي ، وفق ما نص عليه الفصل 30 من الدستور”يتمتع الأجانب بالحريات الأساسية المعترف بها للمواطنات والمواطنين المغاربة، وفق القانون. ويمكن للأجانب المقيمين بالمغرب المشاركة في الانتخابات المحلية، بمقتضى القانون أو تطبيقا لاتفاقيات دولية أو ممارسات المعاملة بالمثل”.[14]

إن حكامة الهجرة على المستوى الوطني تنطلق من وضع سياسة ومقاربة شمولية للتعاطي مع الظاهرة ، وذلك بوضع قوانين تنظيمية تضع مصلحة المهاجرين في إطارها الإنساني والقانوني، سواء فيما يتعلق بإجراءات  الدخول إلى التراب المغربي  من جهة ،وقوانين الإقامة في إطار القانون الدولي من جهة ثانية، ولتحقيق هذا الإجراء لابد من خلق نوع من التناغم في السياسات الخاصة بالهجرة بين المستوى الوطني والجهوي، على اعتبار الجهات بمثابة نقط الجدب للمهاجرين الوافدين داخل المغرب ، كما تشير إلى ذلك المعطيات السالف ذكرها.

ومما لاشك فيه أن نجاح الحكامة الوطنية للهجرة يقتضي ضرورة التنسيق بين مختلف الوزارات والمؤسسات المعنية بقضايا الهجرة والمهاجرين الوافدين بالمغرب، على سبيل المثال، مديرية شؤونالهجرةومراقبة الحدود علىمستوى وزارة الداخلية ومرصدالهجرة، حيث ستمكن من مراقبة نقط التسرب التي يلجأإليها المهاجرون السريون على طول الحدود(مبياني جهة الشرق وجهة طنجة  تطوان الحسيمة).

[15]عدد الأجانب بجهة طنجة تطوان الحسيمة

عدد الأجانب بجهة الشرق

يوضح  المبيان أن جهتي الشرق وطنجة تطوان الحسيمة تعرف تمركز كبيرللمهاجرين، وذلك لقربهما الجغرافي من المنافذ البحرية التي غالبا ما يسلكها المهاجرون في اتجاه أوروبا، وهذا مؤشر على أن نسبة كبيرة من هؤلاء الأجانب بمثابة ” مهاجرون عابرون” اتخذوا من المغرب  معبرا وجسرا نحو وجهات أخرى.

لقد أصبح جليا في السنوات الأخيرة الأدوار المنوطة للجماعات الترابية في المجالات التنموية، باعتبارها شريك أساسي إلى جانب باقي الشركاء الآخرين من مجتمع مدني وخواص ومنظمات غير حكومية، علاوة على تزايد متطلبات التنمية في شموليتها، إذ انتقلت الحاجيات المجتمعية من الطابع التقليدي إلى حاجيات مواكبة للجيل الثالث للمنظومة العالمية لحقوق الإنسان خصوصا في ما يرتبط بحقوق التنمية المستدامة.

في بداية الثمانينات شهدت مجموعة من الدول الغربية كالولايات المتحدة الأمريكية والأوربية تدفق كبير للمهاجرين في ظرف وجيز، وقد أدت هذه المعدلات المرتفعة من المهاجرين إلى تحولات بالغة في العديد من المدن بهذه البلدان، إلا ان عجز الحكومات المركزية في هذه البلدان على إدارة تدفقات الهجرة ، تمت الإستعانة بالسلطات المحلية والجهوية من خلال السماح لها بسن ووضع قوانين محلية وجهوية في مجال الهجرة ،كتنظيم  إدماج المهاجرين في جميع المجالات على المستوى المحلي، ومما لاشك فيه أن هذه المقاربة التشاركية بين مختلف مكونات  هذه الدول ساهم في وضع رؤية واستراتيجية شمولية للهجرة .

وفي المغرب نص دستور2011 على الجهوية المتقدمة كمحرك للازدهار الاقتصادي والرفاه الاجتماعي والثقافي وكركيزة لتنمية جهوية مندمجة ومتنوعة، مما يدفع إلى القول بأهمية  مساهمة الجهات في تدبير تدفقات المهاجرين كل جهة حلى حدة، خصوصا وأن الإحصاء العام للسكان والسكنى ل 2014 يشير إلى نصيب كل جهة من المهاجرين، مع اختلاف تركيبة  فئات هؤلاء المهاجرين  على مستوى كل جهة، فعلى سبيل المثال أن التركيبة الفئوية للمهاجرين بجهة مراكش آسفي تتكون في مجملها من الأجانب السياح المستقرين في بهذه الجهة ( المبيان أسفله).

تحتل جهة الدارالبيضاء الكبرى سطات الرتبة الأولى من حيث عدد المهاجرين، وذلك بالنظر إلى الدور الإقتصادي الذي تلعبه هذه الجهة على الصعيد الوطني، أضف إلى ذلك تمركز المعامل والشركات خصوصا في العشر سنوات الأخيرة، مما هيأ عوامل الجدب وطنيا ودوليا، وعلى هذا الأساس تتسم  الفئة الوافدة من المهاجرين على الجهة بكونها الفئة النشيطة والمؤهلة نسبيا (المبيان أسفله).

عدد الأجانب بجهة الدارالبيضاء الكبرى سطات حسب إحصاء2014 

 

إن اختلاف مميزات وخصائص كل فئة من المهاجرين  من جهة لأخرى، يعتبر بمثابة فرصة وتحدي في نفس الوقت ، وذلك حسب قدرة السلطات المحلية والمنتخبين على  استثمار نقط القوة لكل فئة من المهاجرين للدفع بعجلة التنمية الجهوية قدما،إلا أن الفشل في تبني مقاربة شمولية في تدبير “الهجرة الوافدة” على المستوى المحلي والجهوي يطرح مع مرور الزمن تحديات بنيوية كبيرة على المجتمع المغربي برمته، والتي بدأت ملامحه الأولية تتشكل من خلال رصد مجموعة من الظواهر التي رافقت الحركية الهجروية سواء القادمة من بلدان جنوب الصحراء أو من بلدان “الربيع العربي”، فعلى سبيل المثال لا الحصر ، التسول الجماعي والأسري في الشوارع وفي المقاهي وأمام المساجد، والأكثر من ذلك توظيف الأطفال الصغار في الظاهرة مما يشكل خرقا سافرا لحقوق الطفل المهاجر،أضف إلى ذلك المتاجرة في المهاجرين في بعض الأحياء الشعبية من طرف أصحاب المحلات السكنية ، حيث يتم اعتماد ” أسلوب الكراء الجماعي”[16]، مما يدفع إلى احتراف التسول كمصدر لتغطية نفقات هذا الكراء في انتظار إن يحسم المهاجر في بقائه في المغرب أو مغادرته نحو أوروبا أو وجهة أخرى مع أول فرصة تتاح له ،(المبيان أسفله).

 

عدد الأجانب بجهة الرباط سلا القنيطرة  حسب إحصاء2014 

  إن استعراض أرقام المهاجرين حسب كل جهة  يفيد في  رسم صورة عن حجم الهجرة  الوافدة ، وبالتالي اتخاذ مجموعة من الإجراءات العملية التي تهدف إلى تدبير جيد للهجرة من خلال تحقيق اندماج  المهاجرين وأبنائهم في المجتمع المغربي عموما وفي الجهات خصوصا،وذلك بإنشاء مدارس ومؤسسات تعليمية تستحضر ، حقوق المهاجرين من تمدرس وصحة ونقل، أضف إلى ذلك المبادرات والطموحات الإقتصادية للمهاجرين من خلال تسهيل خلق مقاولات جهوية ومحلية وهو ما يطلق عليه بالمقاولات الإثنية [17]Ethnic Entrepreneurship في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يجعل المهاجر يساهم في التنمية الجهوية ، وتحقيق انسجام بين الثقافات والإثنيات المختلفة سواء بين المهاجرين أنفسهم او بينهم وبين المواطنين المغاربة، وهو ما يسمى ” برنامج التعاون العرقي” The race Collaboration programme[18] .

وفي الختام تفيد الأرقام حول “الهجرة الوافدة” على أن المغرب يعرف مرحلة انتقالية من بلد عبور للهجرة إلى بلد المقصد والاستقرار،مما يطرح مجموعة من التحديات على مختلف مكونات المجتمع المغربي، ومن أبرزها تحدي تحقيق الإندماج باعتباره عامل أساسي ومهم في تحقيق الإستقرار والإنسجام ،ونركز في هذا المقام على المقاربة الجهوية  كمدخل لتحقيق اندماج تدريجي وفعال في نفس الوقت، على اعتبار التمركز الكبير للمهاجرين في بعض الجهات والأقاليم بالمغرب  دون غيرها.

 

 

 

 

 

 

 

لائحة المراجع :

 

 

[1]– المندوبية السامية للتخطيط، الإحصاء العام للسكان والسكنى،2004، ص 12 .

[2]– الجريدة الرسمية، عدد 6354، أبريل 2015، ص 49 .

[3]-المعجم الوجيز ، مجمع اللغة العربية جمهورية مصر العربية  الهيئة العامة لشؤون المطابع الآميرية ، القاهرة ،2005م ، ص ص644ـ 645 .

[4]–  سورة النساء، الآية 97 .

[5]– سورة المائدة، الآية 26.

[6]– Frans Willekens,James Rayner :  «  International Migration in Euroup data model and estimates »,University of South Hampton,2008 Uk,p24.

[7]– http://fr.wikipedia.org/wiki/Exodus_1947#Histoire

[8]– Vincent Fromentin : «  les conséquences économiques de l’immigration sur le marché du travail des pays d’accueil », thèse pour l’obtention du grade de docteur es sciences économiques,Université Nancy2, Decembre 2010,p31..

[9]– عبد الرحمان ابن خلدون: مقدمة ، دار الرائد العربي، ط5،1982،ص120 .

[10]– عبد الكريم غلاب، ندوة هجرة المغترب إلى الخارج، أكاديمية المملكة المغربية، الرباط.

[11]– Mehdi  LAHLOU : « l’immigration irrégulière subsaharienne à travers et vers le Maroc» programme des migrations internationales, Genève, Aout 2002.

[12]– Cf. international Organisation for Migration (IOM),Elustive protection  Uncertainlands : Migrants access to Humain Rights, publication of (IOM),Genève,2003,p4.

[13] – الجريدة الرسمية، عدد 6354، أبريل 2015، ص 49

[14]– دستور المملكة المغربية ،الفصل،30، (ظهير شريف رقم ) 1.11.91 ) صادر في 27 شعبان 1432 (9 يوليوز 2011) الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر الصادرة بتاريخ 28 شعبان 1432 (30 يوليوز 2011) ص 3600 .

[16]– في بعض الأحياء الشعبية يتم كراء الغرف للمهاجرين في شكل مجموعات دون مراعاة لأبسط الشروط والحقوق.

[17]– Franklin J.James and others, «  The Effects of Immigration on Urban Communities », City Scape, a journal of policy developement and research,Volume3n°3,1998,p181.

[18]-Ayse ôzbabacan , « immigration integration at the local leval »,comparaison between stutt gart and selected united cities,T.a paper series,2009,U.S.A ,p23.

Exit mobile version