Site icon مجلة المنارة

المغرب في السياسة الخارجية الأمريكية

المغرب في السياسة الخارجية الأمريكية

حنان هيشامي

كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك – الدار البيضاء

مقدمة

تكتسي السياسة الخارجية الأمريكية مكانة  مهمة على المستوى الدولي ، فكلما ظهرت أزمة في مكان ما في العالم حتى تتوجه شعوب الأرض نحو واشنطن  لمعرفة موقف الولايات المتحدة من هذه الأزمة ، لاسيما إذا كانت من النوع الذي تستخدم فيه وسائط الصراع المسلح ، والأهم هو مدى تأثيرها على المصالح العليا الأمريكية. وأفرزت هذه الأهمية إقبال  كثير من الباحثين ، والإعلاميين ، والمفكرين في شتى المجالات على الكتابة عنها بإعتبارها الموضوع الحاضر بقوة في الساحة الدولية حاليا ، ومستقبلا ، كما أن لها جذور تاريخية ممتدة زمنيا لقرون . ونتج ذلك عن  نهج الولايات المتحدة الأمريكية سياسة إنبنت على الإستراتيجية الدقيقة المعالم التي مكنتها من الوصول للنتائج المسطرة ساهم في تكوينها إلى حد كبير الفكر المعادي لمفهوم الدولة الذي إشترك فيه معظم الأمريكيين منذ القرن التاسع عشر ، وحتى العشرين حين أدركوا أنه إذا أصبحت الولايات المتحدة متورطة في الشؤون الخارجية فستنمو سلطة الدولة على حساب الولايات ، ودور الرئاسة على حساب الكونغرس.

وتثير دراسة السياسة الخارجية الأمريكية العديد من الإشكالات بإعتبارها مفهوما واسعا ، وشموليا حمل على أرض الواقع  مجموعة من التناقضات ظهرت بجلاء من خلال إستعمال وسائل الإعلام ، والوسائط المختلفة لإبراز سياسة معلنة  في مقابل أخرى مخفية تخالفها ، وتناقضها . ما دفع بالضرورة لطرح السؤال حول موقع المغرب داخل هذه المنظومة ؟ وإلى أي حد إستطاع الحضور في الأجندة الأمريكية ؟ وكيف يمكن تاريخيا تفسير سر إهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بالمغرب؟ وأيضا نتائجه بالنسبة للطرفين ؟ ومدى تأثيرها على العلاقات الثنائية بين البلدين ؟

أين تكمن أهمية السياسة الخارجية الأمريكية ؟

 

كانت السياسة الخارجية الأمريكية تقتضي وجود سلك دبلوماسي محترف ، وقوات مسلحة محترفة بهيئة أركان و أسرار، وهذا يعني الإحترافية ، والنخبوية ، ما جعل الولايات المتحدة  تعيش مستوى عاليا من الرفاهية ، وبالتالي قادرة على الحفاظ على سياستها الخارجية في حدها الأدنى ، يضاف إلى ذلك أن صيانة السيادة الأمريكية كان في مصلحة القوى الأوروبية لأنه كان يمنع أيا منها من تحقيق وضع أفضل بالنسبة للآخر في نصف الكرة الغربي[1].

وإنبعتث السياسة الخارجية من التقاليد الطويلة القائمة على معاداة الدولة ، وعلى تداخل مؤسسات السياسة الداخلية ، والخارجية من جهة ، ومن جهة أخرى الأحادية- تأهب الولايات المتحدة للتحرك بمفردها.فالأحادية وليس الإنعزالية سادت التوجه الأمريكي العام نحو العالم حتى منتصف القرن العشرين حين حدثت القفزة الضخمة في السياسة الخارجية بعد الحرب العالمية الثانية التي نتج عنها ضغوط من أجل وضع تقليد جديد في صراع مباشر مع القديم . [ وتطلب التقليد الجديد وجود تفاعلات خارجية ، وضرورة وجود دبلوماسية ، لذلك إتبعت الولايات المتحدة  سياسة متعددة الأطراف ، فدخلت في إتفاقيات مع دول أخرى لتحقيق أهداف سياستها الخارجية كمنظمة حلف شمال الأطلسي الناتو سنة 1949  فتحالفت بمقتضاها مع كندا ، وغرب أوروبا في سياسة تضمنت الإحتواء ، ثم الردع حتى لا يسيطر الإتحاد السوفيتي على العالم ، و طورت لأجل ذلك ترسانة نووية قيمتها عدة مليارات دولار قادرة على تدمير منافسيها عدة مرات }[2]. ووصلت الولايات المتحدة الأمريكية لهذه المكانة في ظروف تاريخية عاشت فيها تقدما صناعيا كبيرا ، وهيمنة إقتصادية ، وسياسية على العالم الغربي ، وبلدان العالم الثالث على حد سواء . و مكن هذان العنصران أي التقدم ،  والهيمنة النظام من موارد كافية من أجل الإستقرار الذي ساهم فيه أيضا المحيط الثقافي المتمسك بالقيم الدينية ، وإن لم يمارسها ، والذي إختار الإهتمام بالشؤون المحلية فأعطاها الأفضلية .

وشكلت الولايات المتحدة الأمريكية بإمتداداتها الشاسعة ، وبمصادرها الطبيعية إمبراطورية لكونها مثلث نموذجا لمجموعة من الأمم في حالة من القوة بإمتدادها على مساحة جغرافية كبيرة ، فأمكن  مقارنة مساحة مناطقها بأوروبا كمقارنة ولاية كاليفورنيا مثلا بإسبانيا . [و فرض هذا التوسع أن تكون هذه الإمبراطورية الكبيرة مشتملة على مناطق متعددة لها خصائص جغرافية متباينة تختلف من حيث السياسة  ، والإقتصاد ، ولكل منطقة حاكم خاص بها ، وأيضا ممثلين على الصعيد الوطني. وتربط بين  مختلف الولايات الأمريكية علاقات تجارية ، وللتعرف عليها فمن الضروري وجود تحليل عميق للحياة الأمريكية ، ودراسة مكونات هذه الولايات من الناحية الداخلية كمعرفة كل مظاهر المعاملات التجارية لأخذ فكرة عن المقومات الإقتصادية المختلفة للولايات المتحدة ] [3] . فالمجتمع الأمريكي عبارة عن مجموعة من المكونات  ، و ليس مجرد كتلة واحدة ، ولكن إتجاها منه مع صدام الحضارات ، وآخر مع حوار الحضارات ، لكنهما يتفقان على أمور أساسية مفادها أن المنطق الأساسي هو مصلحة أمريكا العليا سواء في الحاضر أو المستقبل ، ثم الديمقراطية حيث يؤكدان معا على أهميتها في العالم ، وضرورة الإقتداء بالنموذج الأمريكي في هذا المجال [4].              و برز في تاريخ السياسة الأمريكية  إتجاهان الأول تمسك بضرورة الإلتزام  بالمبادئ الأخلاقية ، وتشجيع الشعوب الناشئة على تدعيم نظمها الديمقراطية ، وممارسة حريتها بالكامل في تصريف شؤونها ، وإختيار أنظمتها السياسية دون ضغط خارجي ، إذ مثل هذا التيار الإتجاه المثالي الذي تمسكت به الدبلوماسية الأمريكية ، في مقابل إتجاه آخر أكد أن الهدف هو مصالح الولايات المتحدة الأمريكية بالدرجة الأولى أيا كانت الوسائل ، وحتى لو تعارضت مع المبادئ الأخلاقية ، والديمقراطية [5] . وتعايش الإتجاهان في خطط السياسة الأمريكية التي تميزت بالإزدواجية ، ويلاحظ أنها في كثير من الأحيان إختزلت الإتجاه المكيافيلي الذي بقي باطنيا لا يعلن للرأي العام في أمريكا ، ولا خارجها بسبب الأصول الديمقراطية التي قام عليها النظام الأمريكي . ما أفضى لخلق سياسة خارجية تميزت بالأوجه المتعددة المتناقضة إستدعت إستعمال وسائل التمويه ، والتضليل ، أي وجود سياسة خفية ، وأخرى ظاهرة تخالفها ، وتناقضها ، غير أن هذه الإزدواجية لا تتعارض فقط مع الأخلاق ، والديمقراطية ، بل إنها تخدع الشعوب فتحرمها من معرفة حقيقة الأمور[6]. وهو ما يمكن قرائته من خلال :

الإستراتجية  والإمبريالية الأمريكية

نهجت الإدارة الأمريكية إستراتيجية التدخل الثابتة القائمة على مجموعة من المبادئ هي : أولا أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تسمح بوصول المد الشيوعي لأمريكا ، وثانيا فالسياسة الأمريكية تستطيع إنتحال الذرائع (ضد نظام ديكتاتوري ، أو شيوعي أو فاسد) ما يجعل التحريض على الإنقلاب ، أو العمل من أجل تغيير النظام يحضى بدعم أمريكي ،  فيكون التدخل في هذه الحالة لدعم الديمقراطية ، والحرية . وثالثا فالإتحاد السوفياتي سابقا مارس نفس الإستراتجية لذلك كان من الصعب – تجنب المواجهة –  بحجة التمسك بمبادئ عدم التدخل – فكان لزاما إستخدام مختلف الوسائل ، والأساليب التي ينهجها (الخصم) من أجل تحقيق النجاح  والتفوق ، وأيضا لإقناعه بعدم فعالية وسائله ، وأساليبه . وعمدت الإدارة الأمريكية لإبراز توجهاتها بشكل علني فمثلا ، جرت جل المناقشات بين مراكز القوى (الكونغرس، والبنتاغون) بصوت عال ، وتتناقلتها وسائل الإعلام بشكل جعل الأهداف السياسية ،  والعسكرية معروفة . لكن الحاصل هو أن ما تم تداوله في كثير من الأحيان كان فقط من أجل التضليل ، والتمويه ، وبالتالي إخفاء الأهداف الحقيقية ، والإعلان عن جانب منها لممارسة الضغط ، أو الحرب النفسية تحت غطاء (الضرورات الدفاعية) . وتحكم في هذه الإستراتجية عناصر منها المصلحة القومية العليا  ، ومحددات السياسة الخارجية ، إلى جانب طبيعة الحروب  والنزاعات ، أو حتى التهديدات المحتملة ، علاوة على القدرات المطلوبة لضمان إستعداد القوات المسلحة للحرب أي (الجاهزية القتالية )[7].

و حدد ” ماكسويل تايلور” مستشار الرئيس الأمريكي “كينيدي” المصلحة القومية في كونها تلك القيمة  الجوهرية لكسب الأمة  ، والمحافظة عليها ، وإستخدامها ، ومن تم تحقيق أفضل إستخدام للموارد القومية الكبيرة .  وتعني أيضا الهدف الخارجي ، والداخلي ، وقاعدة تحقيق الأمن القومي الذي يعتبر حماية ، وصيانة للقيم المادية ، والمصالح  ، وحتى مصادر القوة المستقبلية من التهديدات الداخلية  ، والخارجية . ما إقتضى تنسيق التعاون لضمان وجود قواسم مشتركة تضمن الحد الممكن من مصالح المجموع ، و هو ما حدث  في الواقع من خلال التنظيم الإقتصادي لحلف شمال الأطلسي .

وشكلت التطورات التي حدثت خلال الحرب الباردة ، وحتى نهايتها قاعدة أساسية لإعادة تنظيم العلاقات الدولية ، والقارية على حد سواء في إطار المزيد من الأحكام لضمان المصالح القومية العليا ، وأيضا لإستعمال معطيات غير تلك التي رسمتها المنافسات بين المصالح العليا القومية للدول الاستعمارية في القرن الماضي [8].  فالواقع الأمريكي جعل أمريكا تتميز بروابط إمبريالية لا  إستعمارية لأن السياسة الخارجية الأمريكية بنيت على قوة العلاقات ، وليس على علاقات القوة بالطريقة الكلاسيكية ما ساعدها على  إحداث تغيير جذري ، وليس جزئي من أجل مصالح مؤقتة مع نظام ما ، وهذا التضمين منح إدارة الهيمنة من داخل العلاقات ، والأدوار التي يمكن أن تكون طموحات غير محدودة ، وهو سبب سقوط كل القوى ، والإمبراطوريات السابقة في حين [ أن أمريكا ، رغم قوتها لم يسبق لها في التاريخ مثيل ركزت على (الطموحات المحدودة ) ، والإستعمال البرغماتي للقوة ، وهذان العنصران جعلاها أكثر صمودا في زعامتها للعالم ، وأكثر عملا على إدارة تسعف قوتها أن تكون كوكبية لأول مرة في التاريخ ، وأن يصل إهتمامها للمناطق الإستراتجية العالمية ، وبينها المغرب الذي ظهر متشبتا  بصناعة أمنه الإستراتيجي ، والتموقعي] [9]. ويتحدد موقع المغرب في السياسة الخارجية الأمريكية من خلال طبيعتها القائمة على المزاوجة التي صنعها الرئيس الأمريكي روزفلت بين القيم ، والمصلحة الأمريكية في السياسة الخارجية ، وأصبحت بطريقة عملية هي سلوك هذه الإدارة بعد الحرب العالمية الثانية ، ولذلك فإستقلال المغرب ، وقمة “أنفا ” كانتا علامة على المزاوجة بين المصلحة الأمريكية الممثلة في التموقع في المغرب توازيها قيمة الإستقلال  . وهنا حضرت أهمية مكون أساسي من مكونات السياسة الخارجية الأمريكية هو الدبلوماسية التي تعد وسيلة تمثيل أي حكومة لدى الأجانب لإعلاء القيم ، أو المصالح القومية بالطرق السلمية . ووصف  المفكر “هانجز مورغانتو ” الدبلوماسية التي تنتهي بالحرب تكون قد أخفقت في تحقيق هدفها الأساسي”[10].  و كانت الجهود الأولى لإنشاء الدبلوماسية هي تلك التي أقرها قانون “روجرز” سنة 1964 الذي أسس الإطار المبدئي لهيئة العاملين في الخدمة الخارجية ،  وطغت على الدبلوماسية الأحداث الدولية المثيرة  ، والمبادرات بالغة الأهمية والإجتماعات التي تضم رؤساء الدول ، والحكومات فبقي هدفها الأساسي حماية المصالح القومية بالطرق السلمية . و تدرس ، وتطبق  هذه الدبلوماسية  من طرف واشنطن ، وسفارات الولايات المتحدة الأمريكية حول العالم  ، إذ تقوم  على ثلاث نقاط رئيسية هي البرامج الإعلامية ، ثم النشاطات التعليمية ، والثقافية ، وبرامج الإذاعة ، والتلفزيون حيث تستخدم البرامج الإعلامية لنشر القرارات ، والإجراءات الصادرة عن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بالخارج بما في ذلك إعلام الصحفيين ، والمسؤولين الحكوميين ، والأكاديميين ، وجميع الأشخاص الذين من شأنهم تشكيل الرأي العام ، بعد قيام القيادة العامة في واشنطن بجمع تقارير سياسات الولايات المتحدة من البيت الأبيض  ووزارة الخارجية ، والدفاع ، والتي تخدم مصالحها في الخارج . وترسلها للسفارات بالخارج بعد ترجمتها بلغات تلك الدول [11]. وإهتمت الولايات المتحدة الأمريكية بالمحطات الإذاعية وفيما بعد التلفزيونية نظرا لدورها الكبير في التأثير على الناس في الخارج . وبرزت إلى جانب تأثير الإعلام  في السياسة الخارجية الأمريكية “اللوبيات ” التي أضحت من بين أبرز العوامل المتحكمة فهي في الأصل عبارة عن مؤسسات أمريكية خصوصية معروفة بالجماعات الضاغطة  تمثل أشخاص مهمتهم إنتظار المقررين سواء (وزراء ، برلمانيين ، قادة…) في الردهات ، ومحاولة التأثير عليهم بواسطة الجماعة الضاغطة للحصول على قرار في صالحها  ، وهم نتاج العقلية الأمريكية التي تعتبر أن الصالح العام هو مجموع المصالح الفردية ، كما أن إستمرار النظام الأمريكي يفسر بإستجابته لمصالحها ، وتكيفه مع وسائل عملها ، وبخدمته لها . و يمثل اللوبي اليهودي في هذا الإتجاه جماعة ضغط ، ومصالح على غرار بقية جماعات الضغط في الحياة الإجتماعية ، والسياسية الأمريكية ، لكنه أكبر ثقلا ، وأهم دورا لكونه عاملا في سياق الآليات التي تشتغل في إطارها تلك الجماعات بشكل عام ، ومن أشهر اللوبيات الأمريكية تلك التي ظهرت في سبعينات القرن العشرين ، وهي “حركة أمريكيون من أجل السلام الآن ” ، و التي إمتلكت مصادر قوة إستمدتها من السيطرة على القطاع المالي ، والمصرفي الأمريكي بما في ذلك أسواق المال الكبرى بالعالم ، فهيمنت على وسائل الإعلام  الدولية الكبرى ، فالمستوى الأول منح المنظمات الأمريكية مصدر قوة مكن من فتح  ، وإغلاق باب الإغداق في الحملات الإنتخابية للمرشحين ، و أتاح  المستوى الثاني الدعاية في الإنتخابات ، وغيرها لصالح من يتواكب معهم ، وضد من تبنى مواقف مناهضة لهم . بالمقابل هناك قوة ممثلة في درجة متقدمة من الإندماج نجح اليهود الأمريكيون في تحقيقها في سياق حياتهم اليومية ، والدائمة في المجتمع الأمريكي[12].  وبرزت قوة اللوبي اليهودي أيضا في قدرته على مد الجسور ، وبناء شبكة من العلاقات  ، والمصالح مع جماعات أخرى ، إلى جانب الدعم المقدم من إسرائيل للمنظمات الأمريكية اليهودية خاصة تلك التي تتفق مواقفها مع الحكومة الإسرائيلية [13]. وعادة ما يميل صانعوا السياسة الأمريكية لإستيعاب هذه الجماعات ، وإرضائها ، بالمقابل فهي لا تختلف عن باقي اللوبيات سواء جماعات الزراعة أو النسيج أو غيرها من اللوبيات لكن العامل العرقي خاصة الإنتماء *للوبي اليهودي مثل قدرة غير عادية في التأثير ، والضغط على الكونغرس ، والحكومة من أجل المزيد من الدعم لإسرائيل إذ ناضل للتأثير على تصويرها لدى الرأي العام بشكل إيجابي عبر عدة وسائل منها إحتكار وسائل الإعلام من أجل إعادة تشكيل المفهوم ، والتصور حول إسرائيل [14].

و إمتلكت الولايات المتحدة الأمريكية عدة آليات  لتنفيذ سياستها الخارجية إتصفت كل أداة منها بالحياد ، والقدرة على خدمة العديد من الأهداف بقي من أهمها الدبلوماسية ، والمؤسسات الدولية كهيئة الأمم المتحدة التي تعد أداة مهمة في السياسة الخارجية الأمريكية ، فمنذ تأسيسها سنة 1945 كانت خادما مباشرا للمصالح الأمريكية ، وهو ما إتضح بجلاء حين رعايتها للتدخل في كوريا ب”قوات حفظ السلام ” سنة 1950 بل تمكنت الولايات المتحدة من إدارة الحرب عن طريق هيئة الأمم المتحدة ، وبذلك فهي ساعدت في دعم أهداف سياسة الولايات المتحدة الخارجية عبر السماح لها بالإعتماد على مؤسسة أخرى لحفظ السلام .

لكن ما هي المحددات السياسية المتحكمة في مدى فعالية السياسة الخارجية الأمريكية؟

تتعلق المحددات السياسية للمساعدات بطبيعة النظام السياسي الأمريكي  ، ونظيره في الدول التي تتعامل معها الولايات المتحدة الأمريكية  ما يقتضي وجود مؤشرات بينها ، مدى حرية ديمقراطية النظام السياسي ، هل هو ديمقراطي أم سلطوي ؟ أو فيه شبه بينهما؟ ، وبالنسبة للنموذج المغربي فهو كالأردن يمثل نظام (ملكية شبه مقيدة) ، ثم ثانيا مدى حرية النخبة الحاكمة في إختيار البدائل أي قدرتها على تغيير سياستها ، وتحمل ثمن ذلك . [ولا تتمتع النخب  المغربية بدرجة  كبيرة من الحرية لوجود أحزاب سياسية ،  ونقابات مهنية  . ما يفضي لتعدد في الرؤى يحد من قدرة النخبة الحاكمة على تغيير سياستها دون ثمن ، حالها في ذلك حال دول الجوار كتونس ، والجزائر ، ومصر ، وغيرها من البلدان العربية] [15].  ويتجلى العامل الآخر في مستوى قوة جماعات المعارضة التي تعمل خارج النظام القائم ، وهل تمثل تهديدا جديا للنظام ؟ ثم أيضا درجة الإستقرار السياسي في النظام  ، حيث يتمتع المغرب بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية ، والدول الغربية ، وبالتالي الدول المانحة للمساعدات ، ما يجعله أكثر ملائمة للحصول عليها [16]. وتتحدد المؤشرات الأخرى في مستوى العنف السياسي بين الحاكم ، والمحكومين ، و درجة الشرعية التي يتمتع بها النظام الحاكم لدى المحكومين . ويشترط كفاءة الجهاز الإداري الذي يضطلع بتنفيذ السياسات العامة ، وكذلك إستقلاله عن الحكومة . ويرتبط  هذا المؤشر بدوره بمستوى العناد السياسي فيما يتعلق بتطبيق السياسات العامة ، وبمدى إستقلاله عن الحكومة ، ثم العلاقة الإقليمية ،والدولية التي تتمتع بها الدولة ، وهل بإمكانها إيجاد بدائل غير الولايات المتحدة ، وأخيرا مدى إلتزامها بنصائح المؤسسات الدولية كالبنك الدولي ، وصندوق النقد الدولي.

فلماذا إهتمت الولايات المتحدة الأمريكية بالمغرب ؟

 

ينتمي المغرب  للقارة الإفريقية التي لم تكن قبل  فترة الحرب العالمية مجالا حيويا إستراتجيا بالنسبة للإدارة الأمريكية ، إلا أنها سرعان ما أعربت عن إهتمام كبير بالمنطقة يعزى لأسباب منها وجود مصالح كبرى لحلفائها الأوروبيين فرنسا ، وبريطانيا  بالمغرب ، ثم لرغبتها في وقف الزحف السوفيتي الذي لم يكن يهدد فقط مصالح حلفائها ، بل أساسا مصالحها هي في مناطق أخرى على مشارف إفريقيا ، أي البحر الأبيض المتوسط ، والبحر الأحمر ، و قناة السويس، وغيرها من النقاط المفصلية في الطريق التجاري نحو النفط. وأصبحت أمريكا بإنتهاء الحرب ذات جذور عميقة بمنطقة الشرق الأوسط ، وشمال إفريقيا في حين إحتلت بالتدريج محل بريطانيا ، بل بدأت تمارس دورها في التأثير على سياسات المنطقة ، وإحتواء النشاط الروسي التاريخي كي لا يزحف نحو المتوسط . و إحتفظت برغبتها التاريخية في الحصول على فرص تجارية جديدة  [17]. وعرف الإقتصاد الأمريكي  بضخامة الإنتاج ، و الإستهلاك ما كان يعني إتساع السوق ، لذلك إقتضت الحاجة تصريف فائض الإنتاج ، كنتيجة طبيعية لضخامة المشروعات الصناعية ، ولمزيد من التنظيم ، والإدارة المركزية . وبعد أن كانت الولايات المتحدة مصدرا للمواد الأولية التي تستخدمها الدول الأوربية الصناعية  ، أصبحت منافسا في الحصول عليها، وبالتالي السيطرة على الأسواق الخارجية حتى أضحت فيما بعد قوة  صناعية عظمى تصدر الإنتاج الصناعي ، و الزراعي 2. ويضاف لذلك أن الفائض الضخم الذي حققه الميزان التجاري الأمريكي استثمر في الخارج ، فقوة الإقتصاد الأمريكي أدت لزيادة المدخرات التي توجه جزء كبير منها للخارج سعيا للربح .  فأين تموقع المغرب في هذا الإتجاه ؟                                تنوعت أسباب ، وأهداف الإهتمام الأمريكي بالمغرب حيث شكل ما يزخر به هذا البلد  والقارة الإفريقية عموما من ثروات معدنية ، ومواد خام أولية ، وما توافر لها من أهمية جيوإستراتجية سببا في تعاظم مكانتها، وتزايد أهميتها وفق منظور، ورؤية القوى الطامعة فيها ، وصاحبة المصلحة ، والنفوذ ، حتى أضحت نقطة جذب محورية لحركة الإستعمار سواء في صورته التقليدية  أو في حالته الإمبريالية .

وبرز المغرب في هذا الإتجاه كبوابة إفريقيا ، وبلدا ذو أهمية إستراتجية . ما جعل التنافس الأجنبي عموما يحتدم حوله ، وهو ما أظهرته دراسة فرنسية جاء فيها : ” علمنا التاريخ ، والجغرافيا أن طنجة كانت دائما ذات موقع إستراتيجي مهم لولوج مضيق جبل طارق ، فهي نقطة لقاء بين واجهتين بحريتين ، هما البحر الأبيض المتوسط ، والمحيط الأطلسي . و إستطاعت بذلك أن تجمع بين قارتين ، وبالتالي حضارتين مختلفتين ، وهو ما يدل على أن الإقتصاد المغربي يمكن أن يتم إنطلاقا من طنجة ، وعبرها يمكن أن يحقق هذا الإقتصاد الإكتفاء الذاتي ، والإزدهار الدائم المتلازم مع مسألة الإستقلال السياسي ”  1 .

ووصفت وثيقة فرنسية الولايات المتحدة الأمريكية بكونها تمثل نموذجا للإستعمار الإقتصادي الجديد ،  فالإهتمام بالمغرب بالنسبة لها ليس مجرد إهتمام ببلد ذو قيمة إستراتجية ، وحسب، ولكن أساسا بدولة ذات أهمية إقتصادية ، ما إتضح من خلال وجود دراسات أمريكية حول ثروات المغرب ، ومصادره الطبيعية وإمكاناته المتعددة ، كغناه بالفوسفاط فهو من أهم البلدان المتوفرة على الفوسفاط على الصعيد العالمي ، بالإضافة لوجود العديد من المناجم  كمناجم الرصاص كما تحصل الولايات المتحدة نفسها على معادن كالمنغنيز من المغرب 2.  وساهمت كل تلك الأمور في توجيه إقتصاد شركات أمريكية كبرى بغية الإستثمار في المغرب ، وتصور ذات الوثيقة الفرنسية الأمر بأنه تحول لإستعمار حقيقي مر في جو من الهدوء ، وفي وقت تم فيه توجيه الأنظار نحو البضائع الأمريكية من مواد غذائية كالمشروبات الغازية ، وأخرى إستهلاكية كالسيارات الأمريكية . و إعتقد الأمريكيون أن التحديث السريع لظروف عيش المغاربة لن يتأخر، وسرعان ما يتحول المغرب لسوق مهمة مفتوحة أمام البضائع الأمريكية 3. لكن  كيف يمكن تفسير هذا الإهتمام بالمغرب ؟

حرصت الولايات المتحدة الأمريكية على إظهار المغرب على غرار باقي إفريقيا كمنطقة من العالم ذات أهمية ، رغم حالة الضعف التي تعانيه شعوبها  . لكن على الرغم من الجهود التي قامت بها لمناهضة الإستعمار بهذه القارة ، إلا أنها هي نفسها أصبحت شبه مستعمرة لأنها حكمت العالم عبر قيادتها لهيئة الأمم المتحدة لتحقيق أهداف ممثلة في متابعة مدى تطبيق الدول الإفريقية للميثاق الذي جاءت به الأمم المتحدة ، إلى جانب رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في إيجاد مكان لها داخل إفريقيا ، وبالتالي المساواة مع باقي البلدان في الإستفادة من الإمتيازات في العلاقات التجارية . ولم تتراجع الولايات المتحدة عن إهتمامها بالمغرب بإعتباره حليفا له قيمة  كبيرة ، و شريك أساسي  حضي بالأولوية مقارنة  مع باقي بلدان شمال إفريقيا ، بإستثناء مصر نظرا لأهميتها الجيوسياسية ، ولكونها ، والمغرب معا  يمتلكان أهمية بالنسبة للجانب الأمني ، وهو ما يصب في إتجاه المقاربة الأمريكية التي ترى فيها الولايات المتحدة الأمريكية  أن الإقتصاد الليبرالي مرتبط بالديمقراطية ، وبالجانب الأمني 1. ولم يقف الإهتمام الأمريكي عند النواحي الأمنية بل تعداه لإعطاء أهمية أيضا للجانب الإقتصادي في المغرب حيث مثل هذا الأخير بالنسبة للولايات المتحدة سوقا تستحق الولوج اليها ، وتتطلب أيضا تعزيز مكانة الصادرات الأمريكية ، وتشجيع المغاربة على تبني إقتصاد ليبرالي حر تتساوى فيه من حيث الإمتيازات كل البلدان الأجنبية2.                                                              و لعبت العوامل الإقتصادية محرك رئيسيا فسر سر الإهتمام بالمغرب الراجع لكونه عبارة عن مجال مهم على المستوى التجاري يسهل الوصول للمواد الأولية  الخام . ومثل بالنسبة للقوة الأمريكية إمتدادا لسياسة إقتصادية عالمية  ، فخلال النصف الثاني من القرن العشرين ، كان العالم يعرف ما يسمى بإقتصاد السوق  ، وهو عبارة عن منظومة إقتصادية كبرى تتحكم فيها على المستوى السياسي  ، والثقافي الولايات المتحدة الأمريكية كأكبر منتج ، ومستهلك ، ورمز للحضارة الصناعية  ، والتكنولوجيا المتقدمة3. وإرتكزت السياسة الإقتصادية الأمريكية في بلدان العالم الثالث عموما على  المنتجات الفلاحية المتنوعة ، و بيعها بأسعار مناسبة  ، وشكل المغرب في هذا الإتجاه سوقا للإستهلاك ، والإنتاج ، والإستيراد ، والتصدير4. وتبرير هذا الإهتمام لقي جوابا في السياسة الخارجية الأمريكية مفاده أن الإدارة الأمريكية بإمكانها مساعدة الشعوب على  الخروج من التراجع الإقتصادي ، فكثير من حكومات بلدان العالم العربي مثلا لا تتمتع بالقدرة على القيام بإصلاحات إقتصادية ، وإجتماعية بمفردها 1. وأظهرت الإدارة الأمريكية القدرة الكبيرة على تغيير الأنظمة القائمة رغم حداثتها . وسعت  بذلك لإقامة أنظمة خدمت مصالحها الإستراتجية ، فسايرت مقومات العولمة ، والإمبريالية ، ما فرض أن تتجاهل تواجد أمة عربية مثلا ، وفي نفس الوقت فهي أعطت أهمية كبيرة لمكامن القوة عند الغرب  ودوره في دعم بلدان العالم الثالث ، في حين ظلت تتغاضى عن ما تقوم به من حرية التقتيل  والإستعمار ، وإستخدام مختلف الأساليب لبسط الهيمنة الأمريكية 2.

وتعود جدور الإهتمام الأمريكي بالمغرب ، وبلدان العالم الثالث للقرن التاسع عشر ، فمنذ بداية العلاقة بين الطرفين تبين أنها موجهة لتأمين المصالح الإقتصادية ، والإستراتجية ، والسياسية  للرأسمال الإحتكاري في الشرق الأوسط ، وشمال إفريقيا . و إقتضت الإستراتجية الأمريكية أن تشكل هذه المنطقة جسرا مريحا للزيادة في التوسع الأمريكي في كل الأقاليم ، والبلدان المجاورة من أجل خلق خطر دائم على الحدود الجنوبية للمجموعة الإشتراكية . و أضحى المغرب وسيلة للحفاظ على المصالح الإقتصادية  الأجنبية ، و تسهيل الولوج إلى الأسواق المغربية في إطار الإقتصاد الحر، أي عدم إنفراد أي دولة بامتيازات تجارية ، وهي سياسة نهجتها الولايات المتحدة الأمريكية منذ القرن التاسع عشر، وسميت بالباب المفتوح3. وراهن الأمريكيون على الإقتصاد المغربي، وإتجهوا نحو جعله يخطو خطواته نحو التقدم ، والتنمية من خلال حضور العديد من الشركات الأمريكية بالمغرب ، وعبر سعيها المكثف لتقوية العلاقات التجارية بين المغرب ، والولايات المتحدة الأمريكية . فإنصب الإهتمام الأمريكي على تقديم مساعدات من أجل التنمية ، وتزويده أيضا بكل ما يحتاجه من إمكانات ، وتجهيزات من شأنها تدعيم ركائز إقتصاد هذا البلد  ، وأيضا تنمية الإستثمارات الأمريكية على هذا المستوى[18] . وظهر الإهتمام الأمريكي بجلاء من خلال مختلف أشكال التعاون الثنائي بين الشركات الأمريكية الخاصة ، والحكومة المغربية ، خاصة مع غنى البلاد بالموارد الطبيعية ، والبشرية على حد سواء ، ما هيأ المناخ المناسب للمقاولات ، والشركات الأمريكية من أجل الإستثمار في قطاعات متعددة كالتجارة ، والصناعة ، والمعادن[19]. وإستفاد المغرب على غرار بلدان عالمية أخرى من مكاسب التجارة ،  والتكنولوجيا المصاحبة للإستثمارات الممثلة في الحصول السنوي على حجم أكبر من المساعدات الإقتصادية الأمريكية. و نهج سياسة تشجيع الإستثمارات الأجنبية بشكل عام ، وبينها الأمريكية ، وسعى لتقديم مجموعة من التسهيلات لولوج المستثمرين الأمريكيين السوق المغربية من بينها : تقديم المعلومات المتعلقة بالإستثمارات ، وطلبات العروض باللغة الإنجليزية ، وإمكانية نشرها في صحف إقتصادية بنيويورك ، وهو ما كان بإمكانه فسح المجال أمام أكبر قدر من الإقتراحات  والطلبات الأمريكية من أجل إنجاز مشاريع بالمغرب[20]. وتم  تقديمها بناءا على دراسات ، وعلى كتابة لتقارير تهم المغرب ومن بينها تقرير جاء فيه : ” يتميز الشمال المغربي بتواجده على موقع إستراتجي جنوب مضيق جبل طارق ، ويتشكل من ثلاثة مدن مهمة هي طنجة ، وتطوان ، ومدينة سبتة الخاضعة للإحتلال الإسباني . وتتوفرالجهة الشمالية  على وسائل الإتصال ، والنقل ، والمراكز التجارية ، و تعتمد بشكل كبير على التجارة خاصة مع وجود ميناء  طنجة المشرف على مساحات لإنتاج الإسمنت ، وكتل خراسانية ، وأحجام صغيرة من الطوب إلى جانب وجود صناعات كتحويل الأغذية ، والنسيج ، والصابون ، و حوالي 108.000 برميل لتخزين منتجات تكرير البترول ، كما أن المدينة مقر مهم لمراكز الإتصالات على مستوى المغرب . أما بالنسبة لمدينة تطوان فهي أيضا تتميز بموقعها الإستراتيجي ، وبتوفرها على أنابيب خراسانية ، وكميائية “[21]. وأكدت وثائق أخرى الإهتمام الأمريكي بالمغرب ، ومن ذلك تقرير صدر سنة 1975 حول زيارة لمبعوث أمريكي للمغرب جاء فيه : “يتوفر المغرب على مناظر طبيعية خلابة من جبال ، وغابات ، وأنهار ، ووديان ، وصحراء ، إلى جانب مدن عتيقة في بلاد تقع في أقصى الشمال الغربي للقارة الافريقية ، وتربط المحيط الأطلسي بالبحر الأبيض المتوسط ، ولا يفصلها عن القارة الأووربية إلا مضيق جبل طارق ، ويحدها بلدان أخرى كالجزائر وموريتانيا ، وتتميز على المستوى الجغرافي بسهولها  الغنية بمنطقة الشمال الغربي ، وهضابها، وبالمرتفعات الجبلية الفقيرة على مستوى الجنوب ، والشرق ، وتضم جبال الأطلس التي عرفت  بمناخها الشبه إستوائي ، مع وجود سهوب جافة بإتجاه الصحراء ، في حين ميز المناطق الواقعة على المتوسط جوها المشمس . وتعد مدينة الدار البيضاء المركز الصناعي ، والإقتصادي النابض في البلاد . أما  الرباط فهي العاصمة الإدارية للمملكة المغربية ، وتمثل فاس ، ومراكش المدن المغربية العتيقة ، على غرار طنجة التي تجمع بين كونها مدينة عتيقة ، وساحلية في نفس الوقت. وتتوزع  أعراق المغاربة بين عرب وبربر ، وحوالي 30.000 من المغاربة اليهود ، و100.000 من المهاجرين الأجانب الذين إستقروا بشكل نهائي في المغرب منهم بالأساس فرنسيون ، وإسبان . ويدين سكانها بالإسلام ، و اللغة الرسمية هي العربية  ، وتتواجد على المستوى الحكومي اللغة الفرنسية ، والإسبانية ، وبقيت نسب الأمية مرتفعة [22]. وذكر التقرير أن الإقتصاد قائم على الفلاحة ، حيث يعيش70 بالمائة من المغاربة على ما تنتجه الأرض رغم ندرة المياه ، وإستخدام أساليب زراعية تقليدية بدائية ، وقلة دراية ، ومعرفة بإستعمال الأسمدة  والمبيدات ، مع وجود صعوبات في عصرنة أساليب الزراعة بسبب الفقر الشديد . ويتوفر المغرب على ثروات طبيعية أهمها الفوسفاط التي يعد مصدرا عالميا لها [23] . وساهمت كل هذه العوامل السالفة في جعل البلاد تكون على رأس بلدان الشمال الغربي للقارة الإفريقية التي تحضى بإهتمام الشركات الأمريكية المشجعة لدور القطاع الخاص في تطوير التجارة ، والإقتصاد بناءا على القاعدة الفلسفية المرتكزة على إقتصاد السوق الحر، وأساسا رعاية المصالح الذاتية عبر تشجيع الكفاءة ، والإنتاجية ، من خلال شق آخر ميز العلاقات الثنائية بين البلدين هو المقاولات الخاصة  التي استخدمت كوسيلة لنقل التكنولوجيا ، والخبرة الإدارية ،وحسن التدبير الأمريكي [24]. وغلف هذه السياسة الخارجية الأمريكية تجاه المغرب إظهار حرص على سد كل الحاجيات الغذائية لجيل المستقبل في وقت  شهدت فيه الإنسانية منعطفا تاريخيا جسد تظافر جهود البشرية من أجل غد أفضل للإنسان عبر السعي للقضاء على الجوع ، وتوفير الغذاء[25]. وتجلى في دراسة كل الإمكانيات المتاحة من أجل الرفع من الإنتاج الغذائي في المغرب ، وتطبيقه على أرض الواقع[26].

 

خاتمة

تمكن المقاربة التاريخية من الكشف عن خصوصية السياسة الخارجية الأمريكية التي تتميز بكونها غير جامدة ، بل تتبدل وتتكيف وفقا للظروف . ويستنتج من خلال كثير من الوثائق الأمريكية أنه على الرغم من ذلك فالعلاقات مع المغرب ظلت إيجابية ، وجيدة إذ جمعت بين البلدين روابط الصداقة المشتركة الممتدة على فترة زمنية وصلت لقرون ، تخللها كون المغرب أول دولة إعترفت بتحرير الولايات المتحدة  الأمريكية ، وأيضا دعم هذه الأخيرة في عدة مناسبات لمسألة الإستقلال ، و تقديمها لمساعدات من أجل هذا البلد الذي أكد تشبثه بمبادئ السلام ، والذي ساهم مناخ الإستقرار الذي عاشه في مواصلة سعيه نحو التنمية بشتى أشكالها. لكن من المنطقي ألا تكون الروابط التاريخية والإنسانية العامل الوحيد لإستمرار هذه العلاقة بل ثمة ظروف أخرى تحكم فيها الخيار الإستراتيجي بالدرجة الأولى ، فمنذ بداية أربعينات القرن العشرين تاريخ الإنزال الأمريكي فوق السواحل المغربية لدول الحلفاء أثناء الإستعداد للحرب العالمية الثانية ، إنتبهت الولايات المتحدة الأمريكية لموقع المغرب كجبهة مهمة سواء بالنسبة للدفاع أو الهجوم فهو نقطة اللقاء بين البحر الأبيض المتوسط ، والمحيط الأطلسي ، وبوابة إفريقيا ، وصلة وصل بأوروبا ، كما مثل طريقا نحو الشرق الأوسط ، وآسيا . ما يفسر أيضا سر إنشاء قواعد عسكرية أمريكية بداية الخمسينات فوق التراب المغربي ، وعلى الرغم من كونها وقعت إتفاقية إنشاءها مع سلطات الحماية الفرنسية إلا أن هذه القواعد إستمرت في الإشتغال حتى بعد إستقلال البلاد ، ولازالت موجودة حتى يومنا هذا.                      وحاولت الولايات المتحدة  بذلك الحفاظ على علاقات جيدة مع المغرب لم تعتريها أزمات ، وكل المشاكل التي واجهها الطرفان حلت بالطرق الودية ، وبشكل سريع ،  وحتى في موضوع القواعد العسكرية تم التفكير في حلول مناسبة ، ومعقولة ، تم فيه الأخذ بعين الإعتبار الصداقة التاريخية بين البلدين ،  والتي يعود فيها الفضل أيضا للمغرب الذي لطالما كان له تأثير مهم سواء في هذا النطاق ، أو على مستوى التدخل في القضايا الدولية ، وشريكا إستراتجيا في جميع المجالات .

البيبلوغرافيا

المراجع العربية والأجنبية

مصادر الأرشيف

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

.

 

 

 

 

 

 

 

[1]  ثيودور لووي وبنيامين جينسبرج ، الحكومة الأمريكية الحرية والسلطة ، ترجمة عبد السميع عمر زين الدين ورباب زين الدين ـ الشروق الدولية القاهرة ، 2006 ، ص.739.

[2] المرجع نفسه.

 

[3] Frederick .J. Turner, la frontière dans l’histoire des Etats Unies, traduit de l’anglais par Annie Rambert, presse universitaire de France, Paris, 1963, p.140.141.

[4]  معتز بالله عبد الفتاح ، الدبلوماسية العامة الأمريكية تجاه العالم العربي ، القاهرة ، 2007 ، ص.130.131.

 

[5] توفيق محمد الشاوي ، الدبلوماسية والمكيافيلية في العلاقات العربية الأمريكية ، اعترافات مايلزكوبلاند في كتاب لعبة الأمم ، جدة ، الدار السعودية للنشر والتوزيع ، الطبعة الثانية ، 2006 ، ص 19.22.23 .

[6]  المرجع نفسه ، ص.31   .

بسام العسلي ، الإستراتجية الأمريكية في القرن القادم ، مركز الدراسات العسكرية ، 1999 ، ص.96.106.107.[7]

[8]    المرجع نفسه ، ص.101.114.

[9] عبد الحميد العوني ، حرب البنتاغون على المغرب جذور الأزمة في العلاقات الأمريكية المغربية ، منشورات عربية ، فاس ، 2003 ، ص.28.

[10]  ثيودور لووي وبنيامين جينسبرج ، الحكومة الأمريكية الحرية والسلطة ، ص.743.

[11]  عامر زياد السبايلة ، الإدارة الأمريكية العامة ، عالم الكتاب الحديث ، اربد الأردن ، 2011 ، ص.45.46.

[12] محمد صفي الدين خربوش ، المحددات السياسية لفعالية المساعدات الخارجية للتنمية في العالم العربي ، المساعدات الخارجية والتنمية في العالم العربي ، المركز العلمي للدراسات السياسية ، الأردن ، 2001 ، ص.213.

[13] وليد محمود عبد الناصر ، المجنمع والسياسة في الولايات المتحدة الأمريكية ، مؤسسة الأهرام ، القاهرة ، 2010 ، ص.13.14.17.

* اللوبي كلمة تستعمل للدلالة على التحالف الحر بين الأفراد والمنظمات التي تعمل بنشاط مؤثر لتشكيل وتوجيه سياسة أمريكا الخارجية في الاتجاه الذي يخدم مصلحة اسرائيل عمله هو قيادة الأمريكيين اليهود ببذل جهود خلال حياتهم اليومية لتسخير سياسة أمريكا الخارجية لما يخدم اسرائيل ومن ذلك تقديم المساعدات والمساهمات المالية .المصدر ، ستيفن والت  و جون ميرز هايمر ، اللوبي الاسرائيلي والسياسة الأمريكية الخارجية، ص.31.

[14]  ستيفن والت  و جون ميرز هايمر ، اللوبي الاسرائيلي والسياسة الأمريكية الخارجية ، ترجمة محمد الحموي ، مكتبة مدبولي ، القاهرة ، 2007 ، ص.33.34.39.

[15] محمد صفي الدين خربوش ، المحددات السياسية لفعالية المساعدات الخارجية للتنمية في العالم العربي ، ص.203.205.

[16] وليد محمود عبد الناصر ، المجتمع والسياسة في الولايات المتحدة الأمريكية ، مؤسسة الأهرام ، القاهرة ، 2010 ، ص.18.19.

[17]  توماس. أ.بريسون ، العلاقات الدبلوماسية الأمريكية مع الشرق الأوسط من 1784 إلى 1975، دار طلاس ، دمشق ،1985، ص265.266.

2 عوض عثمان ، التدخل الأجنبي الأمريكي والفرنسي في شمال ووسط إفريقيا ، معهد الانماء العربي للدراسات الاستراتجية ، الطبعة الأولى ، 1989  ص.21.

1 Archive nationale de France, ministère des affaires étrangères, C.A.D.N, L’avenir du port de Tanger, Dossier TETOUAN, Série 689PO/B12 .

2 Archive nationale de France, ministère des affaires étrangères, C.A.D.N, Robert de louis, Maroc Monde, hebdomadaire catholique d’information Marocaine et Mondiale, article de titre l’invasion américaine au Maroc, dossier, Maroc, série  1MA/5/980,POUR LE JOURNAL LE 1ER DOCUMENTS DANS CE DOSSIER PUBLIE LE SAMEDI 24JANVIER 1953.

3 Ibid.

1 Francesco Cavatorta and Vincent Durac,The Foreign Policies of the European Union and the United States in North Africa Diverging or Converging Dynamics? Routledge, London and New York 2010,P.15.

2 William A.Hoisington, The American presence in Morocco during the second world war, the Atlantic connection 200 years of Moroccan –American relations 1786-1986, Rabat, Morocco, August1990 , p.153.

3 Alfredo Eric Calcagno et Jean Michel Jakobowicz, le Monologue Nord –sud du mythe de l’aide a la réalité du sous-développement, éditions Le Sycomore, Paris, 1981, p.16.17.

4 Ibid, p.32.33.

1 Mohamed el Mejdhub, le projet du grand moyen orient et l’Afrique du nord, acte du colloque international sur la problématique de la libération et défis mondiaux actuels , Centre nationale d’étude et de recherche sur le mouvement nationale et la révolution du 1er Novembre1954, Alger, 2005, p.57.

2 Ibid, p.58.

3 William A Hoisington, the American presence in Morocco during the second World War, the Atlantic Connection 200years of Moroccan American relations1786-1986, p.153.

 

[18]Archive Ford presidential library, Department of state n°2058, US security assistance in Morocco, 2 Mars 1978, , Morocco press file n ° 4, , Robert Anderson special assistant to secretary of state Henry Kissinger for press relations ,foreign service officer ,and ambassador papers(1946) 1965_1995,ambassador to Morocco subject file : Marrakech , Ourzazate , Zagora, September 26,1978,Box 20.

[19] Archive Ford presidential Library, speeches Black Binder  I (7) , Remarks by Ambassador Robert Anderson at the luncheon marking the sale of Esso Maroc assets to the national society”  des produits petroliers” ,Royal Golf of Dar Es Salam ,December17,1976, Gerald.R.Ford ,Robert Anderson special assistant to secretary of State Henry Kissinger for press relations ,foreign service officer , and ambassador papers(1946)1965-1995, Ambassador to Morocco subject file,p.2.3, Reference Villa Taylor and Dar Es- Saada ,Box22.

[20]Archive Ford presidential Library, speeches Black Binder  I (5) ,réunion  de l’association Maroco-Americane des hommes d’affaires, le 29 Avril 1976, Gerald.R.Ford ,Robert Anderson special assistant to secretary of State Henry Kissinger for press relations ,foreign service officer , and ambassador papers(1946)1965-1995, Ambassador to Morocco subject file, ,p.4 Reference Villa Taylor and Dar Es- Saada, Box22.

[21]Archive Ford presidential Library, Tangier trip, July8, 1974, (1), Military consideration, Northern Morocco, Gerald.R.Ford , Robert Anderson special assistant to secretary of State Henry Kissinger for press relations ,foreign service officer , and ambassador papers(1946)1965-1995, Ambassador to Morocco subject file, Stuttgart trip July 29-30,1976,Box23.

 

[22]Archive Ford presidential Library, Tangier American Legation Museum Society (TALMS),1995,The American school of Tanger , from Joseph .A.Mcphillipes III, October11,1995, Gerald R. Ford library , Robert Anderson special assistant to secretary of State Henry Kissinger for press relations ,foreign service officer , and ambassador papers(1946)1965-1995, Ambassador to Morocco subject file, p.1,Trophee Hassan II ,December 6.14,1975,Box24.

[23]Archive Ford presidential Library, Tangier American Legation Museum Society (TALMS),1995,The American school of Tanger , from Joseph .A.Mcphillipes III, October11,1995, Gerald R. Ford library , Robert Anderson special assistant to secretary of State Henry Kissinger for press relations ,foreign service officer , and ambassador papers(1946)1965-1995, Ambassador to Morocco subject file, p.2,Trophee Hassan II ,December 6.14,1975,Box24.

[24]Archive Ford presidential Library, speeches Black Binder  I (1) , ambassador  Anderson’s  welcoming remarks at the NEA regional Economic/Commercial Officers , conference in Tanger  at the  occasion of the ASMAR  international conference April4,1978, Gerald.R.Ford ,Robert Anderson special assistant to secretary of State Henry Kissinger for press relations ,p.2, foreign service officer , and ambassador papers(1946)1965-1995, Ambassador to Morocco subject file, Reference Villa Taylor and Dar Es- Saada ,Box22.

[25]Archive Ford presidential Library, speeches Black Binder  I (5) ,  séminaire  sur le développement  des  terres cultivées, Allocation de son excellence Robert Anderson ambassadeur des Etats Unis a Rabat ,le 9 Mai 1976, , Gerald.R.Ford ,Robert Anderson special assistant to secretary of State Henry Kissinger for press relations ,foreign service officer , and ambassador papers(1946)1965-1995, Ambassador to Morocco subject file,p.2.3.4.5 Reference Villa Taylor and Dar Es- Saada ,Box22.

[26]  Ibid, p.1.

Exit mobile version