Site icon مجلة المنارة

المسؤولية السياسية للحكومة أمام الملك : جدلية الخضوع و الاستقلالية

المسؤولية السياسية للحكومة أمام الملك : جدلية الخضوع و الاستقلالية

زيدن المداحي

طالب بسلك الدكتوراه تخصص القانون الدستوري و العلوم السياسية: كلية الحقوق السويسي بالرباط

مقدمة:

إن ما عرفته المملكة المغربية من مستجدات دستورية و ما راكمته من إرث دستوري وتقاليد وفلسفة دستورية راسخة، تجعل موضوع المسؤولية السياسية للحكومة أمام الملك موضع طرح أسئلة قد تتيح فهما أحسن لطبيعة النظام السياسي المغربي وذلك عبر مقارنة نسخه السابقة مع النسخة التي يؤسس لها دستور المملكة الجديد لسنة 2011.

لكن  الدستور المغربي الذي يهدف إلى صياغة مجموعة من القواعد التي تضمن سير اللعبة السياسية، والذي وضع نظاما من الآليات لعمل المؤسسات، يبدو غير قادر على حل مجموعة من تناقضات الصراع السياسي والإجابة عن مجموعة من المعطيات التي لم يتوقعها الدستور نفسه.[1] وبالتالي فإن التأويل السياسي لهذه المواضيع يفرض نفسه بشدة.

كما أن الباحثين يجزمون بأنه لتوفير بعض شروط الفهم الصحيح للمسألة السياسية المغربية يتعين تجاوز إطارها الصوري والقانوني، لأن القراءة القانونية الخالصة غالبا ما تميل إلى الاختزال وتضيع فرص الفهم الحقيقي لطبيعة النظام السياسي، ومن ثم فإن كل مقاربة تلتزم الاعتبارات الصورية القانونية المحضة ستحيد عن التقاط الأسس التي تسند هذا النظام.[2]

ولعل أهم ما يمكن أن يعترضنا في هذا الموضوع من صعوبات هو كثرة الخوض السياسي والأكاديمي فيه، بحيث يختلط الاستنتاج الأكاديمي المحايد بالتكييف السياسي الموجه، مما يصعب معه الخروج بنتائج علمية تصف بدقة طبيعة المسؤولية السياسية للحكومة المغربية أمام الملك، كما تجعل أي إضافة في الموضوع  لا تنفلت من مصيدة التصنيف إما في خانة الاتجاه المساند أو الاتجاه المعارض، مع حذف أي تصنيف في خانة الحياد العلمي.

لذلك، فمن أجل فهم صحيح لهذا الموضوع علينا دراسة العوامل غير الدستورية [3] المساهمة في تشكيل نمط المسؤولية السياسية للحكومة أمام الملك، من خلال دراسة  تأثير أطراف النسق السياسي المغربي المتمثلة في خصوصية الملكية المغربية وفي طبيعة  السلوك السياسي للنخبة السياسية المغربية، تأثيرها  على تشكيل وتوجيه نمط المسؤولية السياسية للحكومة أمام الملك.

وسنحاول مناقشة هذا الموضوع من خلال الاستفسار عن مدى إمكانية الحديث عن تحول فعلي في نمط  المسؤولية السياسية للحكومة أمام الملك فيما بين دستوري 1996 و2011 وذلك على ضوء الفصول الدستورية الجديدة التي أصبحت تقيد هذه المسؤولية المطلقة أمامه، ثم  سنتساءل عن حدود الممكن في الاصلاح الدستوري المغربي ؟

لذلك سيتم تقسيم الموضوع لمطلبين أساسيين:

المطلب الأول: المسؤولية السياسية للحكومة أمام الملك في المتن الدستوري

       المطلب الثاني: حدود و آفاق المسؤولية السياسية للحكومة أمام الملك

المطلب الأول: المسؤولية السياسية للحكومة أمام الملك في المتن الدستوري

إن مفهوم المسؤولية السياسية للحكومات أمام رئيس الدولة (الفرع الأول) يحظى بتفسير خاص في التجربة الدستورية المغربية (الفرع الثاني) التي تتميز بخصوصية مزجها بين تقاليد دستورية و أخرى تتجاوز الدستور نفسه تتفاعل في إطار نسق سياسي مغربي متفرد تكرس باصطلاح “الخصوصية المغربية”.

الفرع الأول: في اصطلاح المسؤولية السياسية

يورد المعجم الوسيط في تعريف المسؤولية بأنها، بوجه عام، حال أو صفة من يسأل عن أمر تقع عليه تبعته[4]. كما يعرفها معجم الرائد بأنها ما يكون به الإنسان ملزما ومطالبا بعمل يقوم به، وفي معنى آخر هي أن يوجب الإنسان على نفسه الخضوع لما يشتمل عليه القانون من عقوبات ونحوها،  بينما تعني في الحكم أن يكون الحاكم مطالبا بما يقوم به من أعمال أمام الرئيس الأعلى للبلاد أو أمام المجلس النيابي أو نحو ذلك.[5]

أما في الاصطلاح السياسي، وباعتبار حديثنا عن مؤسسة الحكومة،  فتفترض المسؤولية السياسية للحكومة بأن تكون  مسؤولة عن جميع أعمالها وتصرفاتها القانونية أمام سلطة أخرى، بحيث يكون في إمكان هذه الأخيرة وضع حد لهذه الحكومة.[6] لكن هذه المسؤولية لا تحتمل أي فكرة خضوع مؤسسة لأخرى، وإنما هي تعتبر نتيجة طبيعية لغياب التفاهم والثقة بين هذه المؤسسات.[7]

ويمكن تقسيم أنواع المسؤولية السياسية إلى نوعين أساسيين وذلك حسب الجهة الموجهة إليها أو الجهة المعنية بها، فالمسؤولية السياسية قد تكون فردية حين توجه إلى وزير بشكل فردي بسبب تصرف نسب إليه، وقد تكون تضامنية حينما تعتبر الحكومة بكامل أعضاءها مسؤولة بشكل جماعي وتضامني، وهذه الصيغة الأخيرة هي التي تطبع الأنظمة البرلمانية بصفة “البرلمانية”.[8]

أما بخصوص الوسائل والأساليب التي تؤدي إلى إثارة هذه المسؤولية للحكومة أمام السلط الأخرى فيمكن تقسيمها إلى وسائل مباشرة لإثارتها وأخرى غير مباشرة. فمسألة إثارة المسؤولية السياسية للحكومة  قد خصها المشرع الدستوري بآليات وقواعد عدة، فإن  سواء تعلق الأمر بالمبادرة لمحاولة الإطاحة بها كوسيلة مباشرة لإثارة المسؤولية السياسية، أو على الأقل بالمبادرة لمحاولة إحراجها كوسيلة غير مباشرة.[9]

لقد ظهر مفهوم المسؤولية السياسية للحكومات أول ما ظهر في التجربة السياسية الإنجليزية، لكنها لم تظهر فجأة، وإنما مهدت لظهورها مراحل سابقة، فقد نشأت مسؤولية جنائية للوزراء ثم تطورت إلى مسؤولية جنائية/سياسية إلى أن وصلت إلى صفتها السياسية المحضة. [10]واقتداء بالنظام الإنجليزي، استنبط السياسيون الفرنسيون المسؤولية السياسية للوزراء من نص المادة 48 من دستور 1814 الذي أقر مسؤوليتهم الجنائية فقط،[11]  كما تأثروا بتجارب أخرى في هذا المجال خاصة التجربة الأمريكية.[12]

و بالحديث عن المسؤولية السياسية للحكومة أمام رئيس الدولة ، فإنه من المعلوم أن النظام الرئاسي يتميز بخاصية انفراد رئيس الدولة كأصل عام باختيار وزرائه بمحض إرادته وتقديره لكيفية تسيير شؤون الدولة، كما يملك الحق في عزلهم بناء على إرادته المنفردة.[13] أما في النظام البرلماني، حيث يتعين أن تحصل الحكومة على ثقة البرلمان، فإن التقليد يجري على أن يختار رئيس الدولة رئيس الحكومة، ثم يختار هذا الأخير باقي أعضاء الحكومة بالاتفاق مع رئيس الدولة.[14]

لذلك، فرئيس الحكومة في الدساتير البرلمانية يتمتع بشأن تشكيل الحكومة وانتقاء اعضائها بسلطة تقديرية واسعة، فهم أعوانه في تنفيذ سياسته، ولما كان المسؤول الأول عنهم اتجاه رئيس الدولة واتجاه البرلمان، فإنه يختار الوزراء الذين يمكن أن يتعاونوا معه لتشكيل حكومة متجانسة وليست متنافرة، وعليه بالمقابل أن يعرض أسماءهم على رئيس الدولة ليقر هذا الاختيار ويوافق على تأليف الحكومة.[15]

فدستور الجمهورية الخامسة الفرنسية، مثلا، أرسى مبدأ مهما مفاده أنه إذا كان اختيار وتعيين الوزير الأول يعود إلى صلاحية رئيس الدولة، فإن اختيار وتعيين أعضاء الحكومة يتطلب موافقة الوزير الأول ورئيس الدولة معا.[16]

لكن هذه التجربة الفرنسية نفسها تحظى ببعض الخصوصية في أمر حرية الرئيس في إعفاء الحكومة. فلقد أثبتت الممارسة في فرنسا قبل سنة 1986 أن رئيس الدولة له الحرية في عزل الوزير الأول،[17]  فغالبا ما كانت الحكومة حكومة للرئيس نظرا لتطابق الأغلبية الرئاسية مع الأغلبية البرلمانية، أما بعد 1986 وفي مرحلة التعايش السياسي فإن الرئيس كان يراعي في عزل الأخير وضعية الجمعية الوطنية التي تتحكم في الوزير الأول بشكل أكبر.[18]

الفرع الثاني: المسؤولية السياسية للحكومة أمام الملك في التجربة الدستورية المغربية

في التجربة السياسية المغربية كانت للسلطان “أمير المؤمنين”، قبل العهد الدستوري، وعلى مر التاريخ المغربي حكومة ونظاما تابعين له يعرف بالمخزن،[19] حيث كان السلطان هو المتحكم في الحكومة والسلطة التنفيذية، واستثناءا كان يفوض بعض سلطه للوزراء.[20] أما في العهد الدستوري، فتعتبر الحكومة جهازا يساعد الملك في تنفيذ السياسات العامة، ولذلك ظلت سلطة تكوينها وتشكيلها في يده من خلال مختلف مراحل الحياة السياسية لمغرب الاستقلال. لكن هذه السلطة خضعت لمجموعة من التطورات، تبعا للتحولات السياسية التي عرفها المغرب، وتبعا لميزان القوى بين الملك وأحزاب الحركة الوطنية.[21]

فرغم تنصيص دستور 1962 على وجود حكومة مسؤولة أمام البرلمان[22]، فإن الحكومة ظلت تابعة في تشكيلها ومسؤوليتها وسلطها للملك، وقد جاء دستور 1970 ليكرس هذه التبعية المطلقة[23]، تبعية حاول دستور سنة 1972 التخفيف من حدتها[24] بإدخال بعض التحسينات على وضعية الحكومة.[25] ورغم محاولة التعديل الدستوري لسنة 1992 التقليص نسبيا من الاختلالات التي شهدتها الوضعية الدستورية للحكومة[26]، والتي جاء دستور سنة 1996[27] ليتراجع عن بعضها، فإن الهندسة والفلسفة الدستورية العميقة لم تتغير.[28]

وتبعا لهذه الفلسفة الدستورية الثابتة، فإن اعتبار الحكومة من العناصر الأساسية في النظام السياسي المغربي، لكونها أقدم تاريخيا من البرلمان بالمفهوم الحديث، لم يخفي حقيقة  ارتباطها، نشأة ومآلا، برئيس الدولة سواء كان سلطانا أو ملكا، وليس بالمجالس الشورية التي عرفها المغرب، فهي من مشمولات السلطان ومن ضرورات الإمارة والملك، ولذا فإن تأكيد مسؤوليتها في قلب السلطة التنفيذية، يعتبر تكريسا لمراقبة الملك لها، إلى جانب مراقبته باقي السلطات.[29]

إن الحديث عن المسؤولية السياسية للحكومة أمام الملك يستمد أهميته في الوقت الحاضر من تواتر الجدال الأكاديمي والسياسي عن المدى الذي تصل إليه هذه المسؤولية في  النظام السياسي المغربي، وذلك على ضوء المستجدات الدستورية التي أتى بها دستور المملكة لسنة 2011 في هذا المجال، وذلك بالمقارنة مع الدساتير المغربية السابقة وخصوصا دستور 1996.

فإذا كان هناك من يرى أن تحمل الملك لمسؤوليات جسام يفرض أن تكون الحكومة مسؤولة أمامه، بالإضافة لمسؤوليتها أمام البرلمان الذي يمنحها الثقة،[30] فإن الملكية البرلمانية التي أصبحت من صفات النظام السياسي المغربي في دستور 2011 تفترض أن يصبح الملك يسود ولا يحكم، أي أن لا تكون هناك مسؤولية سياسية للحكومة إلا أمام البرلمان كنتيجة طبيعية لمبدأ سيادة الأمة.[31]

كما أن الدستور الجديد لم ينص صراحة على المسؤولية السياسية للحكومة أمام الملك[32] كما كان الأمر في الدساتير السابقة،   وفي المقابل، نص لأول مرة على دسترة مؤسسة دستورية جديدة هي الحكومة من خلال التنصيص على مصطلح ” المجلس الحكومي ” في الفصل 92 منه، مما  يمكنه أن يجعلنا أما مؤسسة قائمة الذات وليس مجرد جهاز تابع. إضافة إلى كون الملك لم تعد له الصلاحية المطلقة في تعيين الوزير الأول الذي أصبح “رئيسا للحكومة ” وذلك باشتراط الفصل 47 كون الأخير من الحزب الفائز بالمرتبة الأولى في الانتخابات.

لكنه، في المقابل،  فإن غياب هذا التنصيص الدستوري الصريح لا يفترض أن يكون محددا في بناء استنتاج حاسم يؤسس لحدوث تغيير معين في نمط هذه المسؤولية، فالفهم الصحيح للأسس الدستورية التي تأصل لمسؤولية الحكومة سياسيا أمام الملك في النظام السياسي المغربي، يفترض منا قراءة مركبة لفصوله المتعددة التي تشير إما تصريحا أو تلميحا إلى نمط هذه المسؤولية ودرجاتها وكذا الوسائل والأدوات الدستورية الكفيلة بإثارتها.

كما أن طبيعة المسؤولية الحكومية أمام الملك تتأثر بشكل كبير بطبيعة النسق[33] السياسي المغربي الذي يعتبر نسقا فريدا، إذ لا نتوقع فيه نفس المخرجات ولو تشابهت المدخلات، أي بمعنى آخر  فالنصوص الدستورية وحدها لا يمكن أن تفسر لنا طبيعة العلاقة التي تجمع بين مكوناته. وبالنتيجة فنمط مسؤولية الحكومة أمام الملك لا تؤطرها النصوص الدستورية فقط، إنما تتعداها لتتأثر بعوامل أخرى قد تكون هي الحاسمة في تحديد طبيعتها.

ولعل مكونات النسق السياسي المغربي من ملكية ونخبة سياسية قد يشملها بعض سمات التحليل النسقي. من تأثير وتأثر، لكنها لا تخضع بالكامل للمعايير النظرية والنماذج التجريبية التي ترسيها هذه النظرية كما يرى ذلك الأستاذ محمد ظريف.[34] فخصوصية النظام السياسي المغربي تجعل النسق السياسي المغربي ينفلت من هذه المعايير القياسية، ليصطبغ بمعايير متميزة.

المطلب الثاني: حدود و آفاق المسؤولية السياسية للحكومة أمام الملك

إن المعطيات الدستورية و السياسية و طبيعة السلوك السياسي للنخبة السياسية المغربية ، كلها تجعل معطى الاستقلال العضوي أو الوظيفي للحكومة عن الملك مقيدا (الفرع الأول). كما أن معطيات المحيط الإقليمي و معطيات الواقع السياسي المغربي يسائل جدوى هذه الاستقلالية (الفرع الثاني)

الفرع الأول: الاستقلالية المقيدة للحكومة عن الملك

إن الملكية الدستورية في إطار الدساتير المغربية المتعاقبة تتميز بذاتية خاصة يتعذر إدخالها في نطاق نموذج من نماذج الحكم سواء في إطار الدساتير العربية أو العالمية، ذلك أن الدساتير المغربية جعلت مؤسسة الملكية على قمة المؤسسات الدستورية، وأعطتها وضعية سامقة تجعل من القائم على أمرها محور النظام السياسي والمهيمن على باقي المؤسسات الدستورية.[35] مما يجعل هذه الأخيرة و خاصة مؤسسة الحكومة مسؤولة سياسيا أمام الملك نتيجة لهذه الهيمنة.

إن الإقرار بأن الدستور المغربي الجديد قد أتى بمستجدات هامة بشأن المسؤولية السياسية للحكومة أمام الملك مقارنة بسابقيه، و منح دورا أكبر للحكومة في رسم السياسة العامة للبلاد واستقلالية أكبر عن الملك في ممارسة بعض مهامها التنفيذية، لا يمنع من القول بأن النظام السياسي المغربي لا يزال يلجأ إلى وضع ” حواجز” و”مصافي” دستورية وسياسية تؤكد وترسخ المسؤولية السياسية للحكومة أمام الملك، مستفيدا في ذلك من خصوصية سياسية تشرعن  تفوق المؤسسة الملكية على مؤسسة الحكومة، ومن ثقافة سياسية حزبية تبارك هذا التفوق.

فتقييد الدستور الجديد لحرية الملك في اختيار رئيس الحكومة بربطه بنتائج الانتخابات[36] قابله ” حاجز” كون الملك حر في اختيار رئيس الحكومة من الحزب الفائز دون تقييد الاختيار بزعيم الحزب مما يوفر له هامشا للتحرك[37]. كما أن تحصين الحكومة في الدستور الجديد من الإقالة الملكية المباشرة[38] قابله ” حاجز” منح الملك حق إقالة عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة[39] كأداة تأثير مباشر على استقرارها، كما احتفظ بحقه في حل البرلمان كوسيلة غير مباشرة في إعفاء الحكومة[40].

أما منح رئيس الحكومة حق ترأس مجلس الوزراء كسابقة دستورية مهمة، نظرا لكون هذا الأخير يعتبر أهم مؤسسة لصناعة القرار السياسي المغربي، فقد قابله ” حاجز” كون هذا الحق يأتي بناءا على تفويض ملكي أولا، ثم أنه يأتي بناءا على جدول أعمال محدد ثانيا[41]، وهما شرطان كفيلان بإفراغ هذا الحق من محتواه. وفي مقابل دسترة مجلس الحكومة وتخصيصه باختصاصات وقضايا خاصة لا يتداول بشأنها في المجلس الوزاري[42]، نجد “حاجز ” ضرورة إخبار الملك بمداولاته عن طريق رئيس الحكومة[43].

وبالانتقال إلى الرئاسات والمهام المفوضة لرئيس الحكومة من طرف الملك، فإنها تصطدم دائما ب “حاجز” كونها ترتبط بإرادة ملكية لتفويضها في المقام الأول، ثم ربطها ب “حاجز” كونها تتم وفق جدول أعمال  محدد[44]، مما يجعلها أقرب إلى كونها مهاما رمزية بروتوكولية أكثر من كونها مشاركة فعالة في صنع القرار السياسي. أما تخصيص رئيس الحكومة بتقنية التوقيع بالعطف عن بعض القرارات الملكية فإن ” حاجز” استثناء مجالات استراتيجية من نطاقها كفيل بالحد من أهميتها[45].

إن احتمال عدم فعالية هذه الحزمة الأولى من ” الحواجز” الدستورية في تكريس المسؤولية السياسية للحكومة أمام الملك، جعل النظام السياسي المغربي يمر إلى وضع حزمة ثانية من الحواجز تكرس هيمنة المؤسسة الملكية على الحكومة وبالتالي فرض مسؤولية الأخيرة أمامها، تتجلى أساسا في خصوصية النظام الملكي الذي يوفر مشروعيات فوق دستورية للملكية، ثم في التحكم بالهندسة الدستورية من خلال دسترة هذه الخصوصية.

فإذا لم تكن الأسس الدستورية كافية لإثبات هذه المسؤولية، فإن المشروعيات الملكية المتعددة، والتي تعتبر سابقة على الدستور نفسه بل وحتى على الدولة المغربية نفسها، كفيلة بإثباتها. فإن اصطدمت هذه المشروعيات بصعوبة إثباتها القانوني، فإن دسترتها كفيل بحل هذا الإشكال، وذلك من خلال ضمان هندسة دستورية تترجم المكانة السامقة للمؤسسة الملكية، ثم من خلال فصول دستورية تتمتع بإمكانيات تأويلية هائلة تتيح للملك التدخل في الحياة السياسية بصفات متعددة[46].

لكن هذه “الحواجز” و”المصافي” الدستورية والسياسية التي وضعها النظام السياسي لم تكرس لوحدها المسؤولية السياسية للحكومة أمام الملك كواقع مغربي ثابت، بل إن الثقافة السياسية للنخبة السياسية المغربية ساهمت بشكل كبير في تشجيع هذه المسؤولية، بل والدفاع عنها في بعض الأحيان، فالحكومة والمعارضة أصبحتا تتنافسان على من يثبت ملكيته أكثر من الثاني.

فقول أحد الباحثين بأن ظاهرة سمو المؤسسة الملكية في المغرب، لا ترتكز على معطياتها الذاتية فحسب، وإنما تنضاف إليها المعطيات السوسيولوجية للشعب المغربي،[47] قد ينطبق على السلوك السياسي للنخبة السياسية المغربية. فسلوكها السياسي يعتبر عاملا محددا لتفسير نمط المسؤولية السياسية للحكومات المغربية المتعاقبة أمام الملك، فغالبا ما كان هذا السلوك معززا لهذه المسؤولية الحكومية أمام الملك بالأساس.

فالإغراء السلطوي الكثيف يعتبره أحد الباحثين أنه قد أنتج شعورا حادا في أوساط هذه النخب بالحاجة إلى استثمار فرصة الاشتراك في الحكم، وذلك بتقديم استجابات غير مشروطة على عروض المشاركة.[48] فهذه  النخب الحزبية استكانت إلى مدرسة سياسية تنظر إلى السياسة كمجال لتدبير العلاقة مع المؤسسة الملكية، وكمجال لالتقاط وتشفير الإشارات والرسائل والرموز الملقاة من أعلى، وتنظر إلى الصراع السياسي كتدافع للنخب المعزولة عن المجتمع من أجل من يقترب أكثر من الدولة / المؤسسة الملكية.[49]

إن المعطيات السالفة الذكر تجعل التساؤل الجوهري المرتبط بطبيعة الاصلاح الذي كرسه دستور المملكة المغربية الجديد لسنة 2011 ، و الذي مفاده “هل كان بالإمكان أفضل مما كان؟”، جديرا بالطرح.

الفرع الثاني: الآفاق المعقولة لاستقلالية الحكومة عن الملك

على طول التجربة السياسية-الدستورية المغربية الحديثة غلبت لغة التوافق السياسي بين الأحزاب والمؤسسة الملكية نظرا لانطباع هذه العلاقة  بقاموس سياسي ثنائي كالوفاء مقابل الخيانة والأصالة مقابل المعاصرة والوحدة مقابل التفكك والإجماع مقابل الاختلاف، وقد كان الانتصار دوما لقيم الوفاء والأصالة والوحدة والإجماع.[50]

فمبدأ الإجماع السابق كان قد انعكس على تصورات الأحزاب لطبيعة المسؤولية السياسية المفترضة للحكومة أمام الملك. وحتى في مذهبها السياسي، فإن هذه الأحزاب تبنت الدفاع عن ثقافة الإجماع ومقومات التقليدانية الدستورية، لدرجة جعلت أحد قياديي هذه الأحزاب يعبر عن مذهب حزبه ب “الحسنية” أو” الديمقراطية الحسنية”.[51]

إن المعطى السابق لا ينفي حقيقة كون مطلب الملكية البرلمانية، لدى بعض الأحزاب، قد ظهر إلى الوجود، حتى قبل كتابة أول دستور مغربي،  فلقد مثلت المطالبة بدستور يمنح الحكومة إمكانية تحمل مسؤولية جزء أساسي من سياسة البلاد، مطلبا استراتيجيا للأحزاب المنبثقة عن الحركة الوطنية.[52] فهذا التيار الحزبي  يعتبر الملكية البرلمانية هي الضمانة الأساسية للتوفيق بين المشروعية التقليدية والمشروعية الديمقراطية للنظام السياسي المغربي.[53]

و لا شك أن مظاهرات 20 فبراير التي رفعت شعارات سياسية من قبيل ” الشعب يريد دستورا جديدا” و” الشعب يريد ملكية برلمانية”[54]  دفعت بجميع الأحزاب إلى رفع سقف تصورها لطبيعة هذه المسؤولية في الدستور الجديد.

فرياح ما اصطلح عليه بـ” الربيع العربي ” والتطورات السياسية التي أتى بها، جعلت الكثير من الأحزاب المغربية يرفع شعار الملكية البرلمانية كخيار استراتيجي لتدبير المرحلة السياسية الراهنة، وكمدخل لإثبات ” الاستثناء المغربي ” القادر على ضمان انتقال سياسي سلس نحو مزيد من الديمقراطية وسط محيط إقليمي ودولي يشهد تغييرات عنيفة وجذرية غير معهودة.

لكن الإصلاح الدستوري الذي أتى به دستور 2011، الطارئ في سياق الضغوط التي مارسها “الربيع الديموقراطي المغربي”، خضع لتقييمات متباينة. ففي حين اعتبر بعض الفاعلين أنه أتى بتغييرات أساسية في كل المجالات و أكدوا على طابعه التاريخي و الديموقراطي و المجدد، رأى آخرون أن النص الدستوري جاء ليمتص الضغط الاحتجاجي و لم يضف إلا تعديلات محدودة على مستوى تنظيم السلطات و العلاقة بينها.[55]

فالاتجاه الأخير يرى بأنه إذا كان صحيحا أن فكرة الملكية التنفيذية لم تعد فكرة مهيكلة للهندسة الدستورية، كما في السابق، فإن دستور 2011 ليس دستور ملكية برلمانية ينقطع فيها أي تأثير للملك، بل هو بالأحرى نظام ثنائي برلماني حيث السلطة التنفيذية مقسمة بين مؤسستي الملكية و الحكومة، دون أن يعني ذلك انتفاء البعد التراتبي في العلاقة بين المؤسستين.[56]

ونحن بصدد، عرض هذه المستجدات الدستورية التي حاولت منح الحكومة مزيدا من الاستقلالية في مقابل الحواجز التي وضعت لكبحها، وكذا تطورات المحيط العربي، فإننا نتساءل: هل كان بالإمكان أحسن مما كان ؟ أم أن هذه الإصلاحات الدستورية هي أقصى ما يتحمله تطور الممارسة السياسية المغربية لكي تضمن انتقالا متدرجا إلى الديمقراطية الكاملة يجنبها تبعات التغيير الفجائي والغير المتحكم فيه؟

فألا تدفعنا ارتدادات “الربيع العربي” الذي نادى بالديمقراطية من خلال إسقاط الأنظمة القائمة والتغيير الجذري،  إلى إعادة التفكير في جدوى التغييرات الكبيرة والفجائية في طبيعة الانظمة السياسية القائمة ؟ خاصة ونحن نرى كيف أنه لم يستطع فرقاء السياسة  تدبير مرحلة ما بعد هذه التغييرات الجذرية، وكيف جعلوا بلدانهم عرضة لعدم الاستقرار وصعبوا من مهمة إعادة البناء بعد الهدم.

وبإسقاط الوضع العربي على الوضع المغربي، نطرح التساؤل التالي: هل نحن بالفعل في حاجة إلى إصلاحات دستورية أكبر من الحالية ؟ وهل الدولة المغربية على استعداد لتحمل انسحاب الملكية من الشأن السياسي لفائدة فرقاء سياسيين ما فتؤووا يتبادلون في كل يوم الاتهامات لبعضهم البعض، مع نزوع لتبني خطاب إقصائي اتجاه الآخر المختلف سياسيا وإيديولوجيا ؟

أم أن الإصلاح السياسي والدستوري المغربي يستلزم بالفعل، لكي يكون ملموسا، حلولا متكاملة تستطيع إحداث تغيير فعلي، عكس الحلول الجزئية والإصلاحات المحدودة التي يبقى تأثيرها محدودا وقابلا للزوال مع مرور الوقت . إذ أن امتداد طول مسار الإصلاح والانتقال الديمقراطي لفترات طويلة قد يعرضه للانتكاس وتضييعه للبوصلة المحددة لمساره الصحيح؟

وبين أطروحة التغيير الجذري الفجائي وما يمكن أن يواكبه من عدم استقرار، وأطروحة التغيير المتدرج الطويل المدى وما يمكن أن يتعرض له من فتور، ألن يستطيع  المغرب إيجاد توليفة إصلاح تناسب نسقه السياسي وتجنبه سلبيات نمطي التغيير السابقين، وتضمن انتقاله السلس، وفي إطار الاستقرار، إلى حظيرة الديمقراطيات ونادي الملكيات البرلمانية؟

 

خاتمة:

لا شك أن الاصلاح السياسي و الدستوري في الدول صيرورة لا تنتهي، و لذلك فإن ما يعتبر مهما في قياس مدى تقدم اصلاح عن آخر هو مدى دينامية هذا الاصلاح و عدم توقفه و انتكاسه مع مرور الوقت، و عدم فقده لزخمه الذي يكسبه قوة الانطلاق من جديد و تجاوز مراحل الفتور  التي تمر به.

و لعل المملكة المغربية تعتبر من طينة هذه الدول التي ابتدأت مسلسل الاصلاح الدستوري و السياسي منذ الاستقلال، إذ انتقلت تدريجيا من تبني نظام سياسي وراثي تقليدي إلى تبني نظام دستوري يشرك مشروعيات أخرى ديموقراطية في تدبير الحكم في تفاعل مع المشروعية التقليدية للحكم المتجلية في “إمارة المؤمنين”.

لذلك نجد أن تكريس المشرع لمبدأ إثارة المسؤولية السياسية للحكومة أمام البرلمان بوصفهما المؤسستين الأساسيتين في النظام السياسي البرلماني، والذي يتبناه المغرب، لم يمنع الإشارة، و لو ضمنيا، إلى استمرار خضوع الحكومة ، في نفس الآن، للمؤسسة الملكية كتكريس لتفاعل المشروعيتين السالفتي الذكر.

كما أن واقع المحيط الإقليمي و العربي للمغرب أثبت صحة اختيار المملكة المغربية لنهج الاصلاح في إطار الاستقرار، فإدخال آليات ديموقراطية حديثة في تدبير الحكم بالمملكة لا يعني بالضرورة القطع بالمرة مع إرثه القديم، فالديموقراطية ليست وصفة جاهزة قابلة للاستخدام في أي مكان و أي زمان، بل هي وصفات متعددة بتعدد أمكنة التطبيق و أزمنته، ما دامت في النهاية و سيلة و ليست غاية في حد ذاتها، و سيلة  الغاية منها الرفاه الاجتماعي.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

قائمة المراجع:

باللغة العربية :

أولا :الكتب

ثانيا: الأطاريح

ثالثا :المقالات

رابعا : الوثائق القانونية

خامسا: الندوات والمحاضرات :

باللغة الفرنسية :

 

[1]  عبد العلي حامي الدين ، المسألة الدستورية في الفكر السياسي المغربي المعاصر، بحث لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ، الرباط – أكدال ، 2001-2002 ، ص.252

[2]  محمد نورالدين أفاية ، التفاؤل المعلق : التسلط والتباسات الديمقراطية في الخطاب العربي الراهن ، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية ، الرباط ، ط 1 ، 2011 ، ص.45

[3]  نقصد بالعوامل غير الدستورية تلك العوامل التي هي خارج نطاق الدستور كالعوامل السياسية والثقافية وغيرها.

[4]  مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط، مكتبة الشروق الدولية، جمهورية مصر العربية، ط 4، 2004، ص.411

[5]  جبران مسعود ، معجم الرائد ، دار العلم للملايين ، بيروت ، ط 7 ، 1992 ، ص.736

[6]  Philippe SEGUR, La responsabilité politique, PUF, Paris, 1 Ed., 1998, P.13

[7] Pierre AVRIL et Jean GICQUEL, Droit parlementaire, Montchrestien, Paris, 1988, P.213

[8]  يمينة هكو، محاضرات حول الأنظمة الدستورية الكبرى ، جامعة محمد الأول ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ، وجدة ، 2011-2012 ، ص.23

[9]  عبد الكريم لزرك ، مؤسسة الحكومة بين الفعالية والمسؤولية السياسية ، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ، جامعة محمد الأول ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ، وجدة ، 2002-2003 ، ص.60

[10]  عبد الله ابراهيم ناصيف ، مدى توازن السلطة السياسية مع المسؤولية في الدولة الحديثة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1981 ، ص.46

[11]  نفسه ، ص. 74

[12]  موريس دوفرجيه ( ترجمة جورج سعد)، المؤسسات السياسية والقانون الدستوري : الأنظمة السياسية الكبرى ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، بيروت ، ط 1 ، 1992 ، ص.229

[13] مصطفى قلوش ، النظام الدستوري المغربي- الجزء 1 : المؤسسة الملكية ،مكتبة دار السلام ، الرباط ، 1996-1997،ص.32

[14]  نفسه

[15]  محمد كامل ليلة، النظم السياسية : الدولة والحكومة، دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 1969،ص. 236

[16]  François LUCHAIRE et G. CONAC , La constitution de la 5eme République Française , Commentaire des articles 8 et 11 , Tome I , Economica , Paris , 1979 , P.10

[17]  نحن هنا بصدد الحديث عن دفع رئيس الدولة لرئيس الحكومة للاستقالة أو ما يمكن أن نسميه بإعفاء رئيس الحكومة وبالتالي الحكومة بطريقة غير مباشرة ، وذلك كنتيجة مباشرة لحالة ارتباط الأغلبية الحزبية الرئاسية بالأغلبية الحزبية البرلمانية ، أما الفصل 8 من الدستور الفرنسي فلا ينص صراحة على إعفاء رئيس الدولة لرئيس الحكومة بمبادرة شخصية من الأول.

[18] Philippe ARDANT, les Institutions de la 5eme République, HACHETTE, Paris, , 4eme Ed, 1997,  P.68-69

[19] محمد معتصم ، النظام السياسي الدستوري المغربي ، مؤسسة ايزيس للنشر ، الدارالبيضاء، ط1 ، 1992 ، ص.43

[20]  محمد لحبابي ، الحكومة المغربية في بداية القرن العشرين ، المطابع المغربية ، الدارالبيضاء ، 1975 ، ص.112

[21]  محمد الرضواني ، التنمية السياسية في المغرب : تشكل السلطة التنفيذية وممارستها من سنة 1956 إلى سنة 2000 ، مطبعة المعارف الجديدة ، الرباط ، ط1 ،2011 ، ص.31

[22]  نص الفصل 65 من دستور المملكة المغربية لسنة 1962 على أن ” الحكومة مسؤولة أمام الملك وأمام مجلس النواب”, الدستور المغربي لسنة 1962 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف الصادر في 17 رجب 1382 ( 14 دجنبر 1962)، ج.ر عدد 2616 مكرر، بتاريخ 22 رجب 1382 ( 19 دجنبر 1962)

[23]  نص الفصل 59 من دستور المملكة المغربية لسنة 1970 على أن ” الحكومة مسؤولة أمام الملك وأمام مجلس النواب”, الدستور المغربي لسنة 1970 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 177-70-1  الصادر في 27 جمادى الأولى 1390،ج.ر عدد  3013 مكرر، بتاريخ 28 جمادى الأولى 1390 ( 1 غشت 1970).

[24]  على الرغم من أن الفصل 59 من هذا الدستور قد حافظ على نفس صيغة المسؤولية الحكومية: ” الحكومة مسؤولة أمام الملك وأمام مجلس النواب”، الدستور المغربي لسنة 1972 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 061-72-1  الصادر في 23 محرم1392 (10 مارس 1972)،ج.ر عدد  3098، بتاريخ 28 محرم  1392 ( 15 مارس 1972)

[25]  محمد معتصم ، مرجع سابق ، ص. 86 ، 87 ، 112 ، 116

[26]  استمرت نفس صيغة المسؤولية السياسية للحكومة في الفصل 59 من هذا الدستور : ” الحكومة مسؤولة أمام الملك وأمام مجلس النواب”، الدستور المغربي لسنة 1992 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 155-92-1  الصادر في 11 ربيع  الآخر 1413( 9 أكتوبر 1992)،ج.ر عدد  4172، بتاريخ 16 ربيع الآخر 1413 ( 14 أكتوبر 1992).

[27]  استمرت نفس صيغة المسؤولية السياسية للحكومة في الفصل 60 من هذا الدستور مع استبدال لفظ مجلس النواب بالبرلمان نتيجة لدخول المغرب مع هذا الدستور تجربة الثنائية البرلمانية: ” الحكومة مسؤولة أمام الملك وأمام البرلمان”، الدستور المغربي المراجع لسنة 1996، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 157-96-1 بتاريخ 23 جمادى الأولى 1417 الموافق ل 7 أكتوبر 1996، ج.ر عدد 4420، بتاريخ 26 جمادى الأولى 1417 الموافق ل 10 أكتوبر 1996.

[28]  عبد العزيز النويضي ، الإصلاح الدستوري في المملكة المغربية : القضايا الأساسية ، مطبعة النجاح الجديدة ، الدارالبيضاء ، ط1 ، 2005 ، ص.8

[29]  الفحصي المهدي ، مدى تأثير الإصلاحات الدستورية والسياسية على التوازن بين السلط في المغرب، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ، جامعة محمد الخامس – أكدال ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ، الرباط ، 2001-2002 ، ص.71

[30]  نجيب الحجيوي ، سمو المؤسسة الملكية بالمغرب –دراسة قانونية- ، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، جامعة محمد الخامس – أكدال ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية  والاجتماعية ، الرباط ، 2000-2001 ، ص.91

[31]  محمد الساسي، “الأحزاب المغربية ومسلسل المراجعة الدستورية ل 2011” ، المجلة المغربية للعلوم السياسية والاجتماعية، مركز الأبحاث والدراسات للعلوم الاجتماعية ، الرباط ، عدد 3 ، يونيو2012 ، ص.20

[32]  خلت جميع نصوص الدستور المغربي لسنة 2011 من كل عبارة تنص صراحة على المسؤولية السياسية للحكومة أمام الملك في مقابل نصوص كثيرة تشير إلى مسؤوليتها أمام البرلمان و خاصة مجلس النواب. الدستور المغربي لسنة 2011 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 91-11-1 بتاريخ 23 جمادى الأولى 1432 الموافق ل 29 يوليوز 2011، ج.ر عدد 5964 مكرر  بتاريخ 28 شعبان 1432 الموافق ل 30 يوليوز 2011

[33] يعرف إدوارد ديمينغ النسق بكونه شبكة من المكونات المتبادلة التأثير والتأثر والتي تشتغل مجتمعة من أجل الوصول إلى هدف معين، حيث تخضع المدخلات لمجموعة من العمليات لتعطينا مخرجات توفر تغذية راجعة للمدخلات من جديد لضمان استمرار النسق. أنظر:

– Clermont  BARNABÉ, La gestion totale de la qualité en éducation, Les Éditions Logiques, Montréal ,1997, P.57

[34]  للمزيد حول مدى خضوع النسق السياسي المغربي لهذه المعايير القياسية  أنظر بهذا الصدد :

محمد ضريف، “قراءة أولية في النسق السياسي  المعاصر”، المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي، العدد2، مارس 1987، ص.95 وما بعدها

[35]  مصطفى قلوش ، النظام الدستوري المغربي ، مرجع سابق ، ص.12

[36]  تنص الفقرة الأولى من الفصل 47 من الدستور المغربي لسنة 2011 على أن : ” يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها”.

[37] إذ يعتبر البعض أن إعطاء الحرية المطلقة للملك في اختيار رئيس الحكومة من داخل الحزب المتصدر لنتائج الانتخابات، يطرح مشكلا يتعلق بالتدخل في الحياة الحزبية، وبالتالي إمكانية تهميش القرار الحزبي.  أنظر بهذا الصدد:

-أحمد بوز ،” رئيس الحكومة في الهندسة الدستورية الجديدة” ، المجلة المغربية للعلوم السياسية والاجتماعية، مركز الأبحاث والدراسات للعلوم الاجتماعية ، الرباط ، عدد 3 ، يونيو2012 ، ص.107

[38]  تنص الفقرة السادسة من الفصل 47 من الدستور المغربي لسنة 2011 على أنه : ” يترتب عن استقالة رئيس الحكومة إعفاء الحكومة بكاملها من لدن الملك.” دو ن أية إشارة إلى إمكانية المبادرة الذاتية للملك لإقالة رئيس الحكومة .

[39]  تنص الفقرة الثالثة من الفصل 47 من الدستور المغربي لسنة 2011 على أنه : ” للملك، بمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم ”

[40]  ينص الفصل 96 من الدستور المغربي لسنة 2011 على أنه : ” للملك، بعد استشارة رئيس المحكمة الدستورية وإخبار رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، أن يحل بظهير المجلسين معا أو أحدهما. يقع الحل بعد خطاب يوجهه الملك إلى الأمة ”

[41]  ينص الفصل 48 من الدستور المغربي لسنة 2011 على أنه : ” -يرأس الملك المجلس الوزاري، الذي يتألف من رئيس الحكومة والوزراء.

– ينعقد المجلس الوزاري بمبادرة من الملك، أو بطلب من رئيس الحكومة.

-للملك أن يفوض لرئيس الحكومة، بناء على جدول أعمال محدد، رئاسة مجلس وزاري.”

[42]  ينص الفصل 92 من الدستور المغربي لسنة 2011 في فقرته الأولى على أنه:” يتداول مجلس الحكومة، تحت رئاسة رئيس الحكومة، في القضايا والنصوص التالية:

–         السياسة العامة للدولة قبل عرضها على المجلس الوزاري؛

–         السياسات العمومية؛

–         السياسات القطاعية؛

–         طلب الثقة من مجلس النواب، قصد مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها؛

–         القضايا الراهنة المرتبطة بحقوق الإنسان وبالنظام العام؛

–         مشاريع القوانين، ومن بينها مشروع قانون المالية، قبل إيداعها بمكتب مجلس النواب، دون إخلال بالأحكام الواردة في الفصل 49 من هذا الدستور؛

–         مراسيم القوانين؛

–         مشاريع المراسيم التنظيمية؛

–         مشاريع المراسيم المشار إليها في الفصول 65 (الفقرة الثانية) و66 و70 (الفقرة الثالثة) من هذا الدستور؛

–         المعاهدات والاتفاقيات الدولية قبل عرضها على المجلس الوزاري؛

– تعيين الكتاب العامين، ومديري الإدارات المركزية بالإدارات العمومية، ورؤساء الجامعات والعمداء، ومديري المدارس والمؤسسات العليا. وللقانون التنظيمي المشار إليه في الفصل 49 من هذا الدستور، أن يتمم لائحة الوظائف التي يتم التعيين فيها في مجلس الحكومة. ويحدد هذا القانون التنظيمي، على وجه الخصوص، مبادئ ومعايير التعيين في هذه الوظائف، لاسيما منها مبادئ تكافؤ الفرص والاستحقاق والكفاءة والشفافية.”

[43]  ينص الفصل نفسه في فقرته الثانية على أن : ” يطلع رئيس الحكومة الملك على خلاصات مداولات مجلس الحكومة”.

[44]  ينص الفصل 53 على أن : ” الملك هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية. وله حق التعيين في الوظائف العسكرية، كما له أن يفوض لغيره ممارسة هذا الحق”.

و ينص الفصل 54 في فقرتيه الأولى و الثانية على أنه : “- يُحدث مجلس أعلى للأمن، بصفته هيئة للتشاور بشأن استراتيجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد، وتدبير حالات الأزمات، والسهر أيضا على مأسسة ضوابط الحكامة الأمنية الجيدة.

– يرأس الملك هذا المجلس، وله أن يفوض لرئيس الحكومة صلاحية رئاسة اجتماع لهذا المجلس، على أساس جدول أعمال محدد.”

[45]  ينص الفصل 42 في فقرته الرابعة على أن :” تُوقع الظهائر بالعطف من قبل رئيس الحكومة، ماعدا تلك المنصوص عليها في الفصول41 (المتعلقة بالمجال الديني أو مجال إمارة المؤمنين) و44 “الفقرة الثانية”( المتعلقة بتعيين أعضاء في مجلس الوصاية : و هو مجلس يمارس صلاحيات الملك إلى غاية بلوغه سن الرشد)و47 “الفقرتان الأولى والسادسة” (المتعلقة بتعيين رئيس الحكومة و إعفاء الحكومة)و51(المتعلقة بحل مجلسي البرلمان) و57(المتعلقة بتعيين القضاة) و59(المتعلقة بإعلان حالة الاستثناء: و هو ما يقابله في بعض البلدان بحالة الطوارئ) و130 “الفقرتان الأولى والرابعة”(المتعلقة بتعيين أعضاء في المحكمة الدستورية و تعيين رئيسها) و174(المتعلقة بمراجعة الدستور)”

[46]  المقصود هنا الفصلين 41 و 42 من الدستور اللذان صيغا بعبارات تحتمل عدة أوجه تفسيرية و يمكن استدعاءها لممارسة اختصاصات ملكية عدة غير منصوص عليها صراحة في الدستور:

ينص الفصل 41 على أن : ” -الملك، أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية.

-يرأس الملك، أمير المؤمنين، المجلس العلمي الأعلى، الذي يتولى دراسة القضايا التي يعرضها عليه.

-ويعتبر المجلس الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى التي تعتمد رسميا، في شأن المسائل المحالة إليه، استنادا إلى مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف، ومقاصده السمحة.

-تحدد اختصاصات المجلس وتأليفه وكيفيات سيره بظهير.

-يمارس الملك الصلاحيات الدينية المتعلقة بإمارة المؤمنين، والمخولة له حصريا، بمقتضى هذا الفصل، بواسطة ظهائر.”، فرغم تنصيص الفقرة الأخيرة من هذا الفصل على أن الملك يمارس الصلاحيات الدينية المذكورة حصريا في هذا الفصل، فإن ذلك متوقف على مدى التوسع أو التضييق في تفسير مفهوم “أمير المؤمنين”.

و ينص الفصل 42  على أن : ” -الملك رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة.

-الملك هو ضامن استقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة.

-يمارس الملك هذه المهام، بمقتضى ظهائر، من خلال السلطات المخولة له صراحة بنص الدستور.

-تُوقع الظهائر بالعطف من قبل رئيس الحكومة، ماعدا تلك المنصوص عليها في الفصول41 و44 (الفقرة الثانية) و47 (الفقرتان الأولى والسادسة) و51 و57 و59 و130 (الفقرتان الأولى والرابعة) و174″. فالمصطلحات المذكورة في الفقرة الأولى من هذا الفصل كلها تتمتع بإمكانيات واسعة لتفسيرات متعددة.

[47]  أنظر بهذا الصدد : عبد العزيز لوزي ،المسألة الدستورية والمسار الديمقراطي في المغرب ، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ، الرباط ،1996، ص.67

[48]  عبد الإله بلقزيز ،” المعارضة الديمقراطية في المغرب : جسامة التضحيات وخيبة الحصاد»، مجلة نوافذ ، أكتوبر 1998 ، ص.14

[49]  حسن طارق وعبد العالي حامي الدين ، دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية : قراءات متقاطعة، منشورات سلسلة الحوار العمومي، الرباط، ط1،  2011 ص.53

[50]  إدريس جنداري ، التجربة الحزبية في المغرب : غموض التصور وإعاقة الممارسة ، المركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية ، الدوحة، ص.8

[51]  أي نسبة إلى الملك الراحل الحسن الثاني، أنظر : محمد الرضواني ، مرجع سابق ، ص.233

[52]  محمد الساسي ،” سؤال المعارضة في مغرب اليوم”، مجلة نوافذ ، عدد 2  ، أكتوبر 1998  ، ص.24

[53]  أنظر مقال عمر بندور والمنشور في : جريدة أخبار اليوم  ، عدد 377 ، 11 مارس 2011 ، ص.9

[54]  حسن طارق وعبد العلي حامي الدين ، مرجع سابق ، ص.41-42

[55]الدستور المغربي الجديد على محك الممارسة، أعمال ندوة 18-19 أبريل 2013 (تنسيق: عمر بندورو، رقية المصدق، محمد مدني: 2014)، مجموعة البحث في القانون الدستوري و علم السياسة، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية السويسي،  الرباط، منشورات ملتقى الطرق بتعاون مع Friedrich Ebert Stiftung، ط 2، 2015، ص.7

[56]  حسن طارق، “في دستور السياسات العمومية” ، المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية  REMALD(سلسلة مواضيع الساعة)، عدد 82،مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، ط1، 2013ص.27

Exit mobile version