Site icon مجلة المنارة

المرجعية التشريعية لمدونة الحقوق العينية، قانون رقم 39.08  

 

المرجعية التشريعية لمدونة الحقوق العينية، قانون رقم 39.08

 

                                                 هشــــــام نـــاشـــــي 

                 طالب باحث بسلك الدكتوراه بجامعة محمد الخامس بالرباط

                                               كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية / سلا.

 

مقدمة:

بتاريخ 24 نونبر 2011 صدر بالجريدة الرسمية عدد 5998 القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.1.178 بتاريخ 22 نونبر 2011 والتي أصبحت سارية التفعيل ستة أشهر بعد نشرها.

وقد أتى هذا المقتضى التشريعي في إطار تحديث المنظومة التشريعية المغربية، ولاسيما في مجال المعاملات العقارية، بهدف الخروج من الازدواجية التشريعية التي اصطبع بها التشريع  العقاري منذ مدة، ذلك أن التصرفات العقارية والحقوق العينية كانت خاضعة لقواعد الفقه الإسلامي ولاسيما للراجح والمشهور من المذهب المالكي إذا تعلق الأمر بعقار غير محفظ، في حيث كانت تخضع المعاملات المنصبة على العقارات المحفظة للمقتضيات التي كانت واردة ( قبل نسخها ) في ظهير 19 رجب 1333 الموافق ل 12 يونيو 1915 المحدد للتشريع المطبق على العقارات المحفظة.

كما أن هذا المقتضى التشريعي جاء في سياق سياسة الإصلاح التشريعي الذي تبنته وزارة العدل، والذي هم تنقيح العديد من النصوص القانونية، وإخراج أخرى جديدة، ومراجعة العديد من النصوص الأخرى، وتدوين العديد من المقتضيات الجديدة، والتي نجد على رأسها تدوين المقتضيات المتعلقة بالعقارات المحفظة وغير المحفظة ضمن مدونة واحدة بالرغم من الاختلاف الموجود بين النظامين.

هذا، ولما كانت مدونة الحقوق العينية المتضمنة للقواعد المنظمة للحقوق العينية أحد أهم أقسام القانون المدني، فقد احتفظت بما سبق أن اشتمل عليه التشريع المتعلق بالعقارات المحفظة من الأحكام الخاصة بالعقود المنشئة لحق عيني على عقار محفظ كالكراء الطويل الأمد، والارتفاق والرهن بنوعيه الرسمي والحيازي، وأضافت إليها عدة عقود وتصرفات استقرت عليها الممارسة المغربية وجرى العمل بها، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإذا كان واضعو مدونة الحقوق العينية قد راموا من وراء  سنها  وضع حد للتمييز الذي عرفه العقار على مستوى القواعد المطبقة، فانه عند التمحيص في مقتضياتها سندرك أن الازدواجية لا زالت قائمة حتى في أمور لا تتسم بأية خصوصية معتبرة، الأمر الذي يفضي بنا إلى القول بأن ثنائية الإسناد أي الرجوع إلى الفقه وخاصة الفقه المالكي، والقانون المتمثل في التشريع العقاري المغربي لا زالت قائمة، وهو الأمر الذي نستشفه من القراءة الأولية لفحوى المادة الأولى من المدونة التي جاء فيها ” تسري مقتضيات هذا القانون على الملكية العقارية والحقوق العينية ما لم تتعارض مع تشريعات خاصة بالعقار ” ونصت الفقرة الثانية منها على أنه ” تطبق مقتضيات الظهير الشريف الصادر في 9  رمضان 1331 (12 غشت 1913 ) بمثابة قانون الالتزامات والعقود في ما لم يرد به نص في هذا القانون، فإن لم يوجد نص يرجع إلى الراجح والمشهور، وما جرى به العمل من الفقه المالكي “.

هذا، ولعل الباحث في مادة مرجعيات مدونة الحقوق العينية سيجدها متعددة ومتنوعة، وهو الأمر الذي يعكس غنى المنظومة العقارية الوطنية، وتنوع وتعدد تجلياتها القانونية والميدانية المسطرية الإدارية والقضائية، وكذا على مستوى الأجهزة أو الجهات الإدارية والقضائية، مما يجعل من بلدنا المغرب أو يفترض فيه على الأقل أن يكون مؤهلا لأن يقدم نموذجا أو تجربة عقارية مكتملة ومتكاملة المواصفات، بحكم تعدد المرجعيات والتراكمات، هذا بالنسبة لمن ينظر لهذا التعدد في جانبه الإيجابي، أما بالنسبة لمن ينظر إليه على العكس من ذلك فقد يرى فيه عاملا مؤثرا بشكل سلبي على تحقيق الأمن القانوني والقضائي، ويِؤدي إلى تضارب في العمل القضائي بسبب عدم وجود مرجعية ملزمة يعود إليها القاضي فيما يصدره من أحكام وقرارات قضائية .

إن الدارس الموضوعي لمقتضيات مدونة الحقوق العينية، سواء من حيث المصطلح أو الصيغ التعبيرية التي عرضت بها مختلف الأحكام، سيكتشف أن المرجعية التي استمد منها المشرع أحكام هذا القانون تتجاذبها مرجعيات مختلفة ( مرجعية فقهية، ومرجعية تشريعية قانونية، ومرجعية قضائية، ومرجعية عرفية مستمدة مما جرى به العمل )، وعليه فإذا كان الفقه الإسلامي المستمد من أحكام الفقه المالكي قد شكل مصدرا رسميا ومركزيا في بلورة قواعد وأحكام مدونة الحقوق العينية، فإن هذا لا ينقص من قيمة التشريع المتمثل في مجموعة من النصوص القانونية التي ساهمت كذلك في بناء مدونة الحقوق العينية التي نجدها نصت في غير ما مقتضى منها، على أن لا يقع تعارض بين نصوصها ومقتضيات النصوص والتشريعات الخاصة، وعليه فإن الأمر يفرض علينا البحث والكشف عن أهم الصلات والروابط التي تربط بين مدونة الحقوق العينية، والعديد من النصوص القانونية المؤطرة للملكية العقارية أو للعلاقات القانونية  التي تنصب عليها، كما يفرض أيضا إبراز أثر تلك النصوص والتشريعات في مجموع مقتضيات المدونة.

فإلى أي مدى ساهم التشريع والقوانين الخاصة في بلورة أحكام مدونة الحقوق العينية، وهل كان للقواعد القانونية دور في صياغة مقتضياتها ؟ هاته الأسئلة وغيرها سنحاول الإجابة عنها في هده الدراسة وصولا لإجابة كافية ومقنعة عن الإشكال المحوري الذي يطرحه الموضوع والمتمثل في : أين تتمثل المرجعية التشريعية لمدونة الحقوق العينية، وما هي ملامح وتجليات تلك المرجعية من خلال النصوص والتشريعات الخاصة ؟؟ .

وعليه، فإذا كان جليا أن مشرع مدونة الحقوق العينية قد اعتمد على مجموعة من النصوص والقوانين الخاصة في صياغة بنود تلك المدونة، فان الأمر يفرض الكشف عن تلك النصوص وملامسة أهم الروابط التي تجمعها بالمدونة، ولعل هذا ما سنتولى استبانته في هذا المقال، وذلك في محورين اثنين:

المحور الأول : مركز قانون الالتزامات والعقود والتشريع العقاري في مدونة الحقوق العينية .

المحور الثاني : المرجعية التشريعية للمدونة من خلال القوانين الخاصة .

 

 المحور الأول: مركز ق .ل.ع والتشريع العقاري في مدونة الحقوق العينية.

تعتبر مسألة دراسة المرجعية التشريعية لمدونة الحقوق العينية من الأهمية بمكان، ذلك أن الدارس للأحكام والقواعد التي تضمنتها هذه المدونة سيتساءل عن مدى ارتباطها وانسجامها في الآن نفسه مع ثلة من المقتضيات التي اشتملت عليها الترسانة التشريعية بالمغرب، ولعل هذا ما عبر عنه الأستاذ أحمد ادريوش بقوله : ” وعموما فالتأمل في مقتضيات هذه المدونة عموما، يدعونا إلى التساؤل عن درجة انسجامها مع عدد غير قليل من المقتضيات التي تضمنها التشريع المغربي في قانون التحفيظ العقاري، وفي قانون الالتزامات والعقود، وفي مدونة الأسرة، وفي مدونة الأوقاف وهذا ورش كبير للبحث القانوني الأكاديمي ([1])” .

فإذا كان الوضع القانوني للملكية العقارية والحقوق العينية قبل صدور مدونة الحقوق العينية قد عرف اختلافا جوهريا على مستوى النص الواجب التطبيق مما أثر بشكل جلي على مستوى نتاج العمل القضائي المغربي، فإنه بعد صدورها لم يعد هناك مجال لذلك الاختلاف، ” إذ تم الحسم تشريعيا في أولوية الرجوع إلى قانون الالتزامات والعقود لسد أي فراغ قانوني بالأسبقية على قواعد الفقه الإسلامي، لهذا حدد المشرع القواعد التي تحكم الحقوق العينية العقارية والتي يجب الرجوع إليها في تنظيم هذه الحقوق، وذلك لتسهيل علم القاضي والمتقاضين بالنصوص القانونية التي أصبحت أكثر وضوحا وسلاسة شكلا وموضوعا ([2])”.

وفي هذا الإطار أيضا يقول الأستاذ محمد القدوري ” أخضعت مدونة الحقوق العينية المنازعات العقارية لنصوصها ( أي نصوص المدونة ) بالدرجة الأولى، ثم التشريعات الخاصة الأخرى، في الدرجة الثانية، ثم نصوص قانون الالتزامات والعقود، في الدرجة الثالثة، ثم المبادئ والقواعد المقررة في الراجح، والمشهور، وما جرى به العمل في مذهب الإمام مالك، في الدرجة الرابعة([3]).

فالمادة الأولى من المدونة صريحة في تحديد المرجع الاحتياطي لهذا القانون في حالة غياب نص واجب التطبيق، وهو قانون الالتزامات والعقود في الدرجة الأولى، ثم الفقه المالكي في الدرجة الثانية، وبذلك يكون المشرع قد نحى منحى التيار الفقهي الداعي إلى جعل المرجع الأساسي للعقار بعد المدونة هو قانون الالتزامات والعقود ثم الفقه المالكي في الرتبة الثانية ([4])” 

          كما يستفاد من نص المادة المذكورة، أن المشرع قد هدف من ورائها إلى توحيد القواعد القانونية المطبقة على العقار سواء كان محفظا أو غير محفظ، وبالتالي تكون مقتضيات مدونة الحقوق العينية هي الواجبة السريان على التصرفات العقارية، ما لم تتعارض مع نصوص خاصة تتعلق مثلا بالملك العام والأملاك المحبسة والأراضي الجماعية والتي يمكن أن تتضمن قواعد مخالفة.

وقد لاحظ بعض أعضاء مجلس النواب في معرض مناقشتهم لهذه المادة داخل قبة البرلمان أن واضعها لم يكن موفقا في إعدادها، ذلك أنه بعد أن أكد في الفقرة الأولى على أن المدونة هي صاحبة الولاية العامة في تنظيم المعاملات العقارية والحقوق العينية، تراجع في الفقرة الثانية، وأحال بداية على ق.ل.ع عند خلو المدونة من مقتضيات تنظم بعض التصرفات، وفي حالة خلو هذا القانون من مقتضيات يعول على الراجح والمشهور وما جرى به العمل في الفقه المالكي، وفي هذا تناقض مع تصريحات وزير العدل في كلمته التقديمية لمشروع المدونة التي أكد فيها على القطع على وجه الدوام مع ازدواجية القوانين، وكان من الأجدى أن يأتي الراجح والمشهور في نص تشريعي ما دام الأمر يتعلق بمدونة .

وقد كان جواب الحكومة على هذه الانتقادات أن العقار غير المحفظ كان خاضعا على وجه الدوام لأحكام الفقه الإسلامي، ولاسيما الفقه المالكي والاجتهاد القضائي، وأنه رغم ما بذل من جهد فلا يمكنه أن يعالج كل الحالات، لذا جاءت هذه المادة بالإحالة على الشكل المذكور([5]).

وفي جميع الأحوال ” فإن المصدر الأول لتنظيم الحقوق العينية هي مقتضيات مدونة الحقوق العينية، وإذا لم يجد القاضي ما يسعفه فيها أمكنه الرجوع إلى ق.ل.ع، وفي حالة خلو هذا الأخير يمكنه التماس القاعدة التي تحكم النزاع بالرجوع إلى الراجح والمشهور وما جرى به العمل من الفقه المالكي، وعلى القاضي اختيار الأنسب “([6]).

وهكذا، فإذا كانت الإحالة في المادة الأولى من المدونة صريحة في جعل ق.ل.ع هو المصدر الاحتياطي الرسمي الأول في التماس الحلول القانونية في حالة عدمها في المدونة، فما هو مركز هذا المصدر بالنسبة لمقتضيات المدونة ؟ وما هي المكانة التي حضيت بها أحكام التشريع العقاري داخل نفس المقتضيات ؟

  أولا : مركز ق .ل.ع بالنسبة لمدونة الحقوق العينية .

من المتعارف عليه في الساحة القانونية والقضائية ببلدنا، أن ق.ل.ع يعتبر الشريعة العامة لباقي القوانين، ذلك أن القاضي في حال لم تسعفه القوانين الخاصة في إيجاد الحل القانوني الملائم يمكنه الركن إليه لإيجاد الحل المناسب، وتماشيا مع ذلك فإن القاضي سواء قبل صدور المدونة أو بعده حينما يتعلق الأمر بعقارات محفظة أو عادية يمكنه – إذا لم تلبي غايته نصوص المدونة – أو القواعد المنصوص عليها في القوانين الخاصة إن وجدت، الالتفات إلى القواعد العامة المضمنة في ق.ل.ع، خاصة وأنه تعرض للعديد من الموضوعات التي لها ارتباط بالحقوق العينية العقارية.

ولعل لسائل أن يسأل عن السر وراء صمود ق.ل.ع لمدة من الزمن دون أن تطاله يد التغيير والتعديل، وإجابة عن هذا السؤال يقول أحد الأساتذة الأجلاء ” … يجمع الكثير من المهتمين بهذه المدونة على أنها تمتاز بالوسطية والاعتدال سواء في الجانب المتعلق بالالتزامات أو بالجانب الخاص بالعقود المسماة، ويرجع أصل هذا الاعتدال إلى الحذر الشديد الذي توخاه واضعوا هذه المدونة، بنهجهم لسياسة التوفيق بين مختلف النظريات التابتة في مجال الفقه والتشريع بما في ذلك تلك المستمدة من المدرستين اللاتينيتين والجرمانية أو تلك المستقاة من مبادئ الفقه الإسلامي والأعراف التي كانت سائدة آنذاك في المجتمع التونسي باعتبار أن ق.ل.ع ما هو إلا صورة طبق الأصل للمجلة التونسية التي وضعت في بداية القرن العشرين 1906، أي قبل بسط الحماية على المغرب بسنوات ” ويضيف قائلا ” …ومن جهتنا فإننا لن نبالغ في القول بأن السر وراء صمود هذه المدونة في وجه رياح التغيير إنما يكمن في عناصر القوة الذاتية التي تشمل عليها كبنيان تشريعي متناسق المحاور فيه من الاعتدال والوسطية ما كان كافيا لتقبله من جميع الأطياف المشكلة للمجتمع المغربي أثناء الحماية وبعدها([7]).

من هذا المنطلق يمكن القول بأن إحالة مشرع مدونة الحقوق العينية على نصوص ظ.ل.ع، واعتباره المصدر الرسمي التكميلي الأول لنصوص المدونة قد عد فعلا مستحسنا من لدن جل الباحثين والمهتمين بالشأن العقاري ببلدنا، وفي نفس الوقت انتصارا للرأي الذي كان يرى في الرجوع لأحكامه الأسبقية على نصوص وقواعد الفقه المالكي، ذلك أن إحالة المشرع على ضرورة الرجوع لقواعد ق.ل.ع، قد اعتبر من النقاط الهامة التي حسبت للمدونة، إذ صرحت دون غموض أو لبس، بإلزام القاضي باللجوء إلى القواعد العامة لقانون الالتزامات والعقود فيما لم يرد فيه نص في مقتضياتها، وبذلك تكون قد حسمت النزاع الذي كان سائدا في الوسط الفقهي والقضائي قبل صدورها، فيما يخص القانون الواجب التطبيق على العقارات المحفظة .

وغنى عن البيان أنه من مميزات قانون الالتزامات والعقود التي ينفرد بها دون غيره من القوانين، شمول نصوصه على أحكام عديدة تنتمي إلى مجالات قانونية متعددة، كالميدان التجاري، ومجال الأسرة،  وكذلك ما يتعلق بالعقارات والحقوق العينية والتصرفات المتعلقة بها، ومن الطبيعي أن يتقرر ذلك مادام ظهير الالتزامات والعقود يعد الشريعة العامة التي تحكم سائر المسائل المدنية غير المحكومة بنص خاص، وكذلك باعتباره مصدرا مكملا عندما يعوز القاضي الحكم في النصوص الخاصة .

وتأسيسا على هذا، فإن بين مدونة الحقوق العينية وقانون الالتزامات والعقود تقاطعا كبيرا على عدة مستويات، مثل قواعد رفع الضرر وإزالته وضمانه، وما يخص التصرفات القانونية الواقعة على العقارات، وما يتعلق بالشفعة والقسمة وكل ما يهم إدارة الملكية الشائعة وما يهم الرهون والامتيازات الواقعة على العقارات، إضافة إلى مقتضيات أخرى متفرقة .

فعلى مستوى قواعد رفع الضرر مثلا، نجد أن ق.ل.ع قد شكل الأساس القانوني لالتزامات الجوار في كل من الفصلين 91 و92، إذ نص الأول على أنه ” للجيران الحق في إقامة دعوى على أصحاب المحلات المضرة بالصحة أو المقلقة للراحة بطلب، إما إزالة هذه المحلات، وإما إجراء ما يلزم فيها من التغيير لرفع الأضرار التي يتظلمون منها، ولا يحول الترخيص الصادر من السلطات المختصة دون مباشرة هذه الدعوى “، كما نص الفصل 92 على أنه ” ومع ذلك يحق للجيران أن يطلبوا إزالة الأضرار الناتجة عن الالتزامات العادية للجوار، كالدخان الذي يتسرب من المداخن، وغيره من المضار التي يمكن تجنبها والتي لا تتجاوز الحد المألوف ” .

ويقابل هذه المقتضيات المادة 71 من مدونة الحقوق العينية التي نصت على أنه ” ليس للجيران أن يطالبوا بإزالة مضار الجوار المألوفة التي لا يمكن تجنبها وإنما لهم أن يطالبوا بإزالة المضار التي تتجاوز الحد المألوف على أن يراعى في ذلك العرف وطبيعة العقارات وموقع كل منها بالنسبة للآخر والغرض الذي خصصت له .

ونصت في فقرتها الثانية على أنه ” لا يحول الترخيص الصادر من السلطات المختصة دون استعمال الحق في المطالبة بإزالة الضرر.

وتبقى المادة الحاكمة في مجال رفع الضرر، هي القاعدة الفقهية التي قننها مشرع مدونة الحقوق العينية في إطار المادة 21 منها التي نصت على أنه “لا يسوغ لمالك العقار أن يستعمله استعمالا مضرا بجاره ضررا بليغا، والضرر البليغ يزال.

أما على مستوى الشياع، الذي يعتبر مظهرا من مظاهر الممارسة العقارية بالمغرب، فقد تم تنظيمه في إطار القانون المغربي من خلال الفصول 960 إلى 981 من ظهير الالتزامات والعقود، بموازاة مع المواد 24 إلى 27 من مدونة الحقوق العينية، كما نظم أيضا وخصوصا منه الشياع الإجباري، من خلال مجموعة من النصوص المتفرقة، خاصة في إطار ميثاق الاستثمارات الفلاحية بموجب ظهير رقم 30-69-1 بتاريخ 25 يوليوز 1969 المتعلق بالأراضي الجماعية الواقعة بدوائر الري([8])، وظهير 30/06/1962 المتعلق بضم الأراضي([9]).

كما أنه منظم بنصوص خاصة في إطار المرسوم رقم 267.66 بتاريخ 04 يوليوز 1966 المتعلق بقانون الإصلاح الزراعي الذي عوض بظهير 1.72.277 بتاريخ 29 نونبر 1972 المتعلق بمنح بعض الفلاحين أرضا فلاحية أو قابلة للفلاحة من ملك الدولة الخاص([10]).

هذا بالإضافة إلى الأحكام الخاصة التي تضمنها ظهير 1.95.152 بتاريخ 11 غشت 1995 بتنفيذ القانون رقم 34.03 المتعلق بالحد من تقسيم الأراضي الفلاحية الواقعة داخل دوائر الري، ودوائر الاستثمار بالأراضي الفلاحية غير المسقية “.

وهكذا إذا تمعنا جيدا في مختلف الأحكام المضمنة في قانون الالتزامات والعقود لوجدناها تشمل العديد من القواعد الكفيلة بحل النزاعات العقارية المختلفة، التي نذكر منها على سبيل المثال، قواعد الإتباث والبيع والمقايضة والكراء والعارية، والحراسة والحوالة والشركة والقسمة والصلح والشفعة والرهن الحيازي … وهكذا، وهي قواعد لا تتعارض في مجملها مع قواعد الشريعة الإسلامية([11]).

فمن خلال ما تقدم يتضح أن تأثر المدونة بمقتضيات ظهير الالتزامات والعقود قد بدا واضحا سواء من خلال الشواهد التي أوردناها، أومن خلال شواهد أخرى لا يتسع المقام لإيرادها جملة، الأمر الذي يفرض ضرورة التوفيق بينهما بهدف استقرار المعاملات وحماية الملكية العقارية وعدم الترجيح بينهما، ذلك أن تطبيق المقتضيات العامة الواردة في ظ .ل.ع وتغليبها على المقتضيات الخاصة الواردة في المدونة المعتبرة عامة في موضوعها اتباعا للأهواء والأغراض الخاصة من شأنه أن يحدث خللا في المنظومة التشريعية العقارية، بل يتوجب السير وفق نية المشرع وما قرره في هذا الإطار، تطبيقا لقاعدة الخاص يقدم على العام عند التعارض والمستفادة من فحوى المادة الأولى من المدونة.

ثانيا : تجليات تأثر المدونة بقواعد التشريع العقاري.

لعله من الثابت تاريخيا أن العقار في المغرب ومعه شتى مناحي حياة المغاربة المالية والشخصية كان يخضع لقواعد الفقه الإسلامي المستمدة من المذهب المالكي بناءا على قاعدة الراجح والمشهور وما جرى به العمل في إطاره، مع الاحتفاظ للأعراف بمكانتها البارزة، والتي لم تكن تتعارض في أغلبها مع الشريعة الإسلامية، لكن بعد خضوع المغرب لنظام الحماية ودخول الاستعمار الأجنبي بعد إبرام معاهدة الحماية سنة 1912، ثم مسخ تلك الوضعية لجعلها تتوافق وقصد المستعمر، وتأسيسا على هذا قام الاستعمار الذي كان محملا بأهداف وغايات أراد تحقيقها من الحماية، بإدخال مختلف الآليات الضرورية لتسهيل تحقيق تلك الأهداف التي من ضمنها السيطرة على الأراضي وانتزاعها من أيدي ملاكها الأصليين، ووضعها تحت تصرف المعمرين الأجانب، قصد استغلالها لصالح الدولة المستعمرة.

هذا، ولقد عدت الآلية التشريعية إحدى الوسائل الهامة التي وظفت لأجل تحقيق أهداف المستعمر، إذ عمد من ورائها إلى وضع ترسانة تشريعية مكثفة، شكلت تحولا جذريا في بنية المنظومة القانونية المغربية التي كانت تعتمد أساسا على أحكام الفقه المالكي بالنسبة لأغلبية الشعب المسلم، مما نتج عنه ظهور قوانين عصرية من حيث الشكل والمضمون.

وقد اعتبر ظهير رمضان 1331 الموافق ل 12 غشت 1913 بمثابة ظهير التحفيظ العقاري([12])، الذي أدخل بموجبه المعمر نظام التحفيظ العقاري إلى المغرب، أحد أبرز وأهم القوانين التي خدمت مصالح المستعمر، وقد تميز بكونه يطهر العقار من كل التصرفات السابقة بعد تأسيس الرسم العقاري الذي يكتسي حجية مطلقة لا يمكن إخراج العقار منها، وكانت تكمن خطورته كذلك في الجهل بحيثياته ومختلف مراحله نظرا للأمية التي كانت مستفحلة بين أفراد الشعب المغربي، خاصة فيما يتعلق بالتعرض وآجاله، وأهمية التحفيظ في حماية الملكية العقارية مما نتج عنه فقدان مجموعة من الملاك الأصليين لأراضيهم لصالح الفرنسيين والأجانب، وكما سبق بيانه فالتحفيظ لا يعدو أن يكون في بداياته سوى آلية معتمدة لغايات استعمارية، خصوصا أمام رفض المغاربة تفويت أراضيهم للمعمرين رغم الإغراءات التي كانت تقدم لهم.

وهكذا ترتب عن إدخال نظام التحفيظ إلى المغرب ظهور نوع جديد من العقارات سميت بالعقارات المحفظة، مما كان معه لزاما إحاطتها بإطار قانوني ينظهما اعتبارا للخصوصية التي تتميز بها و كون جميع التصرفات والحقوق الجارية عليها لا يعتد بها ما لم تقيد في الرسم العقاري، فتم إصدار ظهير 02 يونيو 1915 والموافق ل 19 رجب 1933 الذي نظم العقارات المحفظة والحقوق المتفرعة عنها.

ونظرا لتقادم نصوص هذين الظهيرين المذكورين وعدم قدرتهما على مواكبة التطورات الحاصلة وفضهما للمنازعات المطروحة، عمد المشرع لتجاوز كل هاته الإكراهات إلى سن مدونة الحقوق العينية التي وضعت بالأساس لتنظيم العقارات المحفظة وغير المحفظة والتي في طور التحفيظ، والحقوق الواقعة عليها، وإنهاء الازدواجية التي ميزت التنظيم القانوني للعقارات، كما أن المشرع المغربي هدف من خلال هذا القانون إلى سد الثغرة الحاصلة في النظام القانوني المغربي بسبب غياب تشريع يطبق على الحقوق العينية الواردة على العقارات غير المحفظة وبعض المعاملات الجارية عليها.

فإلى أي مدى تأثر المشرع بالمقتضيات التي كان منصوصا عليها في كل من ظهير 1913 بمثابة ظهير التحفيظ العقاري، وظهير 19 رجب 1933 بمثابة التشريع المطبق على العقارات المحفظة؟

      أ – تأثر المشرع بمقتضيات ظهير 19 رجب 1933 المنسوخ.

لعله بالدراسة التفصيلية والمدققة لكل من مقتضيات الظهير بمثابة التشريع المطبق على العقارات المحفظة، ولمقتضيات مدونة الحقوق العينية التي نسخت مقتضيات الظهير المذكور، يتحصل لدينا أنه لا يوجد أي اختلاف جوهري بينهما، اللهم بعض المستجدات على مستوى البناء العام لكلا القانونين، وأيضا على مستوى معالجة بعض المقتضيات بنوع من الوضوح الذي يعكس الاختصار المخل الذي كانت عليه في ظل ظهير 1915، في حين ظلت مقتضيات أخرى على حالها دون أن تشهد تنظيما متميزا عن ما سبق تقريره في ظهير 1915.

إن المستقرئ لآراء الفقه المغربي الواردة في هذا الصدد سيجدها لم تخرج عن إفصاحها وتقريرها بكون مقتضيات مدونة الحقوق العينية لا تعدوا أن تكون سوى نسخا لمقتضيات ظهير 1915، الأمر الذي يفيد بأن المشرع المغربي ظل وفيا لأحكام الظهير المذكور، وفي هذا الإطار يقول الأستاذ أحمد ادريوش “وقد احتفظت المدونة بما سبق أن اشتمل عليه التشريع المتعلق بالعقارات المحفظة من الأحكام الخاصة بالعقود المنشئة لحق عيني على عقار محفظ كالكراء الطويل الأمد، والارتفاق والرهن بنوعيه الرسمي والحيازي، وأضافت إليها، عدة عقود استقرت عليها الممارسة المغربية”([13])، وهو القول والتوجه نفسه الذي نجده للأستاذ عادل حاميدي الذي صرح في هذا الإطار قائلا “…وهكذا لا يسعنا ونحن نقرأ نصوص مدونة الحقوق العينية قراءة أولى عرضية وظاهرية إلا أن نصدع بالملاحظات التالية، أبرزها: تبني مشرع مدونة الحقوق العينية عند صياغتها لأكثر مقتضيات القانون العقاري المنسوخ…”([14]).

وفي نفس الإطار نجد الأستاذ محمد الشيلح يفيد قائلا : ” إذا غضضنا الطرف عما أقدمت عليه المدونة من إعادة للصياغة قصد إجمال ما كان في ظهير 2 يونيو 1915 أو تفصيل ما كان مجملا في هذا الظهير… جاز لنا القول إن أهم هذه الإضافات بالمقارنة مع ظهير 2 يونيو 1915 تكمن في وقائع وتصرفات قانونية تتصل اتصالا وثيقا كأدوات باقتصاد السويقة، وكان من المستحسن أن تصاغ هذه الأدوات على نحو يجعلها من أدوات اقتصاد السوق التي تظهر نجاعتها في تحقيق التنمية المرجوة”([15]).

وأضاف قائلا: ومن الأمثلة على إجمال المفصل أو تفصيل المجمل نذكر الأمثلة التالية:

– ما يقع عليه الرهن الرسمي: أجملت المادة 165 من المدونة ما كان مفصلا في الفصلين 157 و 158 من ظهير 2 يونيو 1915.

– الرهن الإجباري في الحالات التي يقررها القانون، أجملت المادة 171 من المدونة ما كان مفصلا في الفصل 163 من ظهير 2 يونيو 1915.

– الإجمال في المادة 64 من المدونة بالاقتصار على ” منفذ غير كاف لاستغلاله” بدل تفصيل أنواع هذا الاستغلال في الفصل 142 من ظهير 2 يونيو 1915.

– الإنقاص والإضافة: مثلا ما صيغ في المادة 81 من المدونة  إذ أسقطت من الفصل 37 من ظهير 2 يونيو 1915 الكراء الطويل الأمد والرهن الحيازي، وفصلت الحقوق العرفية في حق الزينة وحق الهواء أو التعلية.

– تفصيل ما يظهر أنه مجمل في ظهير 2 يونيو 1915: لقد كان ظهير 2 يونيو 1915 يحيل في شأن الحقوق العرفية الإسلامية على أحكامها التي جرى بها العمل من الفقه المالكي ( الفصل 197) مع تفصيل بعض الأحكام الخاصة بتقييد ريعها ومقداره ومدة تقادم المطالبة به، وإمكانية الدائن بالريع من طلب بيع العقار المثقل بهذه الحقوق لاستيفاء دينه، كما أن الفصل 483 من ق.ل.ع قد نظم هذه الحقوق العرفية على نحو مجمل بذكر حق من هذه الحقوق هو الفضاء الطليق أي الهواء والهواء العمودي أي التعلية، فجاءت مدونة الحقوق العينية لتفصل تنظيم نوعين من هذه الحقوق، هما حق الزينة وحق الهواء أو التعلية([16]).

بالإضافة لما ذكر فإنه بالمقاربة الموضوعية لظهير 1915 ومدونة الحقوق العينية على مستوى الحقوق العينية والوقائع والتصرفات المكسبة لها، فقد حاولت المدونة في خضم هذا الأمر توحيد المفاهيم المتعلقة بالعقار المحفظ وغير المحفظ، حتى لا تفسر الحقوق العينية تفسيرا معينا حين تتعلق بعقارات خاضعة للتحفيظ وتفسر بمعنى مغاير عندما تتعلق بعقار غير محفظ، وحتى لا تتعمق الازدواجية في ميدان يطالب فيه الجميع بالتوحيد والتبسيط”([17])، غير أن التوحيد محصور في القواعد المشتركة بين العقارات المحفظة وغير المحفظة مع وجود تمايز فيما استعصى على التوفيق.

فالمتحصل مما سبق إذن، أن المرجعية التشريعية لمدونة الحقوق العينية خصوصا من خلال ظهير 1915 ثابتة ومتحققة سواء على مستوى النماذج التي أوردناها، أو على مستوى باقي المقتضيات التي تضمنتها المدونة بين دفتيها، لكن هذا الأمر لا ينقص من قيمة المدونة كنص جديد تضمن العديد من المقتضيات التي لم تكن منظمة من قبل، ومن بينها:

وخلافا لما سبق ذكره فقد أعاد المشرع صياغة مجموعة من المقتضيات التي سبق له أن تناولها في الظهير السابق، لتتلاءم مع الحاجات العملية وما تقرر عن طريق الاجتهاد والعمل القضائي، مع ما تتطلبه خصوصية العقار غير المحفظ، ويتعلق الأمر هنا بالالتصاق والشفعة والقسمة…،

كما قام المشرع بالإحالة فيما يخص القواعد والأحكام المتعلقة بالأوقاف على مقتضيات مدونة الأوقاف([19])، وفيما يخص الأحكام المتعلقة بالميراث والوصية على مدونة الأسرة([20]).

 

 

بعد أن تبث لدينا في النقطة السابقة تأثر المدونة أو بالأحرى مشرع المدونة إلى حد بعيد بمقتضيات المرسوم الملكي الصادر في 02 يونيو 1915، وأنه لم ينطلق من فراغ بل استند إلى أرضية تتمثل في القواعد والأحكام التي كان يشتمل عليها المرسوم المذكور الذي وضعت نصوصه أساسا لتطبق على الحقوق العينية المتعلقة بالعقارات المحفظة، ونتيجة لذلك استقر المشرع – وبعد أن تبينت له وحدة القواعد الموضوعية التي تنظم العقار بنوعيه – على إخضاع العقارات غير المحفظة للقواعد القانونية المنصوص عليها في التشريع المطبق على العقارات المحفظة، مع تحديد ما كان يسمى بالحقوق العينية العرفية الإسلامية ووضع قواعد قانونية تنظمها حتى يمكن تطبيق هذا التشريع على العقار المحفظ وغير المحفظ، مع الإبقاء على مسألة الازدواجية في ما استعصى على التوحيد.

فإذا كان هذا حال المدونة مع مقتضيات ظهير 1915، فما هو حالها مع مقتضيات ظهير التحفيظ العقاري؟

إن المتأمل في مقتضيات مدونة الحقوق العينية، ومقتضيات ظهير التحفيظ العقاري الذي خرج تزامنا مع صدور مدونة الحقوق العينية([21])، سيظهر له أن المشرع تأثر إلى حد كبير بمقتضيات هذا الأخير، إذ نجده قد ضمن المدونة العديد من المقتضيات التي يرجع أصلها ومكانها الطبيعي إلى ظهير التحفيظ العقاري، ومن الدلائل على ذلك ما يلي:

– الحث على مبدأ التحفيظ إما بمقتضيات صريحة (المواد 263 و 274)، أو من خلال تسهيل مهمة الفصل في التعرضات بقواعد موضوعة معروفة مسبقا ضمانا لمبدأ الاستقرار القانوني.

– التوفيق بين كل من القوة التبوتية للرسوم العقارية واستقرار المعاملات من جهة، وبين الحماية الواجبة للملكية العقارية من جهة أخرى (المادة 2).

– تحديد طبيعة ومفهوم التقييد بالسجلات العقارية، هل هو شكلية نفاذ أم شكلية صحة وانعقاد (المادة 274 بخصوص شرط الحوز في الهبة والصدقة).

– إقرار أدوار جديدة للتقييد الاحتياطي أهمها أنه أضحى شكلية نفاذ الدعوى في مواجهة الغير إذا كانت ترمي إلى استحقاق عقار محفظ أو إسقاط عقد منشئ أو مغير لحق عيني عليه (المادة 13)، كما أضحى شكلية لقبول الدعوى من لدن المحكمة إذا كانت ترمي إلى قسمة عقار محفظ (المادة 316) ، هذا فضلا عن النظام الخاص بالتقييد الاحتياطي للرهن ( المواد 173 و 185 و 186)([22]).

وإذا كان بعض هذه المقتضيات منصوصا عليه في ظهير 1915، فإن القاسم المشترك بينها هو أن مصدرها المادي هو الاجتهاد القضائي، وهي بذلك دليل جديد على مدى مساهمة هذا الأخير في تطوير نظام التحفيظ.

ومن جهة أخرى كثيرة هي المستجدات التي جاءت خارج ظهير التحفيظ العقاري كما تم تغييره و تتميمه بالقانون رقم 07/14، بعضها سابق على هذا القانون، والبعض الآخر معاصر له، وبعضها تطبيق لمبادئ وقواعد نظام التحفيظ العقاري([23])، وهكذا فعلى مستوى سن مبدأ التشجيع على التحفيظ والتسجيل، وبهدف درء المخاطر الناتجة عن عدم التحفيظ سواء على مستوى الأمن القانوني أو استقرار المراكز القانونية ودعم الثقة والأمان وقرينة السلامة في المعاملات العقارية سواء بالنسبة للأطراف أو الغير، استوجب المشرع لزومية إجراء التحفيظ أو التسجيل لحفظ الحقوق وفك المنازعات والمشاحنات وتوقيفها قبل وقوعها والتأكيد على عدم التراخي في تسجيلها([24]).

وفي هذا الإطار نصت المادة 263 من المدونة على أنه ” من أثبت أنه يحوز ملكا حيازة مستوفية لشروطها وأدرج مطلبا لتحفيظه يعتبر حائزا حيازة قانونية إلى أن يثبت العكس”.

كما نصت المادة 305 من المدونة على أنه ” إذا كان العقار في طور التحفيظ فلا يعتد بطلب الشفعة إلا إذا ضمن الشفيع تعرضه بمطلب التحفيظ المتعلق به”.

ولإعطاء القوة والمصداقية للرسم العقاري وتفادي إشكالية تعديل وتحيين الرسوم العقارية وإبطال التسجيلات وزرع الطمأنينة، تم فرض إجبارية التقييد الاحتياطي باعتباره الإجراء الوحيد لضمان الحقوق العينية والتحملات العقارية على الرسم العقاري، لكون نشأة الحقوق ونقلها وتعديلها وإسقاطها مرتبط بإجراء التقييد، وهذا يضفي على البيانات الواردة به القوة الثبوتية المطلقة في مواجهة الكافة.

ولذلك يعتبر التقييد الاحتياطي بالرسم العقاري شرطا جوهريا لحفظ الحق والإعلان عنه بالرسم العقاري تطبيقا لمبدأ الأثر الإنشائي للتسجيل وفق مقتضيات القانون العقاري مما يخول الاحتجاج به في مواجهة الغير، لضمان الأمن القانوني للمعاملات العقارية، فمن خلال التقييد الاحتياطي تبقى الحقوق مضمونة وفي منأى من الضياع طالما أن المشرع خول أصحابها حق الاستفادة من رتبة التقييد من تاريخ إجرائه، وذلك في مواجهة أصحاب التقييدات اللاحقة سواء أكانت نهائية أم مؤقتة، لذلك يعتبر كل تقييد عقاري قابل للتحول إلى تقييد نهائي للحق في المستقبل بأثر رجعي، فدوره يتمثل في حفظ التقييدات المؤقتة للمراكز القانونية وضمان الاحتجاج بها في مواجهة الأغيار([25]).

ثم إن التقييد الاحتياطي يهدف إلى حماية حق عيني على العقار المطلوب إجراء القيد عليه لحفظ حق الطالب لا المحافظة على حق شخصي كما نصت على ذلك المادة 13 من المدونة بقولها ” إن الدعاوى الرامية إلى استحقاق عقار محفظ أو إسقاط عقد منشئ أو مغير لحق عيني لا مفعول لها اتجاه الغير إلا من تاريخ تقييدها بالرسم العقاري تقييدا احتياطيا”.

ونصت أيضا المادة 316 من المدونة على أنه ” لا تقبل دعوى القسمة إلا إذا وجهت ضد جميع الشركاء وتم تقييدها احتياطيا إذا تعلقت بعقار محفظ”.

أما على مستوى الحجية النهائية للرسم العقاري، فإذا كان الفصل الأول من قانون رقم 07/14 المتعلق بنظام التحفيظ العقاري قد نص في فقرته الثانية على أن “تحفيظ العقار بعد إجراء مسطرة للتطهير يترتب عنها تأسيس رسم عقاري وبطلان ما عداه من الرسوم، وتطهير الملك من جميع الحقوق السالفة غير المضمنة به”، و نص في الفصل 62 منه على أن ” الرسم العقاري نهائي ولا يقبل الطعن، ويعتبر نقطة الانطلاق الوحيدة للحقوق غير المقيدة”، فإن مشرع مدونة الحقوق العينية لم يفته التأكيد على نفس المبدأ، ولكن بشكل ملطف سيرا على اجتهاد مبدئي لمحكمة النقض حيث جاء في المادة الثانية من المدونة على أن ” الرسوم العقارية وما تتضمنه من تقييدات تابعة لإنشائها تحفظ الحق الذي تنص عليه وتكون حجة في مواجهة الغير على أن الشخص المعين بها هو فعلا صاحب الحقوق المبينة فيها”، ونصت في فقرتها الثانية على أن ” ما يقع على التقييدات من إبطال أو تغيير أو تشطيب من الرسم العقاري لا يمكن التمسك به في مواجهة الغير المقيد عن حسن نية، ولا يمكن أن يلحق به أي ضرر، إلا إذا كان صاحب الحق قد تضرر بسبب تدليس أو زور أو استعماله شريطة أن يرفع الدعوى للمطالبة به داخل أجل أربع سنوات من تاريخ التقييد المطلوب إبطاله أو تغييره أو التشطيب عليه”.

وقد أكد العمل القضائي لمحكمة النقض على أن الرسم العقاري ذو طابع نهائي غير قابل للطعن، وهكذا جاء في قرار للمجلس الأعلى أنه ” … بمقتضى الفصلين 2 و 62 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن التحفيظ العقاري، يترتب عن إقامة رسم الملكية تطهير الملك من جميع الحقوق السالفة غير المضمنة بالكناش العقاري، وهو يكشف نقطة الانطلاق الوحيدة للحقوق العينية الكائنة على العقار وقت تحفيظه دون ما عداها من الحقوق غير المسجلة، ولذلك فإن القرار حين علل قضائه بأنه لا يمكن الاحتجاج بالشراء الذي أبرم قبل التحفيظ ولم يقع الإدلاء به أثناء مسطرة التحفيظ لأن التحفيظ يطهر العقار من كل تكليف سابق…([26]).

كما جاء في قرار آخر له على أن ” إقامة الرسم العقاري له صفة نهائية لا تقبل الطعن ويحسم كل نزاع يتعلق بالعقار ولا يمكن الاحتجاج بأي حق عيني سابق على التحفيظ لم يسجل على الرسم العقاري([27]).

وهكذا يبدو أن مدونة الحقوق العينية قد تأثرت بقواعد ظهير التحفيظ العقاري، إذ أن علاقة التأثير والتأثر واضحة وبشكل جلي، سواء من خلال ما أوردناه من أدلة في هذا الباب، أو من خلال مقتضيات أخرى، الأمر الذي يفضي بنا إلى القول أنه وإن اختلف النص المؤطر لتلك المقتضيات، فإنها كلها تهدف إلى استقرار المعاملات القانونية المنصبة على العقارات على اختلاف طبيعتها القانونية ونظامها القانوني، لكن ما يتوجب الإشارة إليه في هذا الموضع هو أن مدونة الحقوق العينية تضمنت حقيقة بعض المقتضيات التي يرجع مجالها لقانون التحفيظ العقاري، إذ نصت على قواعد وأحكام لا تجمعها أي صلة بموضوع الحقوق العينية وفي هذا الإطار يقول أستاذنا أحمد ادريوش متسائلا عن موقع المادة الثانية ضمن مقتضيات مدونة الحقوق العينية “… السؤال الثاني: ويتعلق بموقع هذه المادة (قاصدا المادة الثانية) ضمن “الأحكام العامة” من مدونة الحقوق العينية المخصصة عادة للمقتضيات المتعلقة بنطاق القانون ومصادره، إذ لا علاقة للمقتضيات الواردة في هذه المادة الثانية بموضوع النطاق أو بموضوع المصادر، وإنما أقحمت هناك دون وجود رابط أو وحدة في الموضوع، ويظل هذا السؤال كذلك محتفظا براهنيته، وهو يتعلق بالبناء العام للمدونة”([28]).

       المحور الثاني: المرجعية التشريعية للمدونة من خلال القوانين الخاصة.

إن المشرع المغربي، ومن خلال ما أتبثناه في المحور الأول، قد اعتمد في صياغة أحكام مدونة الحقوق العينية، على مجموعة من المراجع التشريعية، والتي أتى على رأسها ظهير الالتزامات والعقود، والتشريع المطبق على العقارات، بالإضافة إلى أحكام الفقه المالكي، بل لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تعداه كما تجلى ذلك، إلى اعتبار القانون المرجع الرسمي الاحتياطي الأول للمدونة في حال غياب نص واجب التطبيق، والقانون المتحدث عنه هنا هو قانون الالتزامات و العقود.

وهكذا فالتأمل في مقتضيات مدونة الحقوق العينية يدعو إلى التساؤل عن درجة انسجامها مع عدد غير قليل من المقتضيات التي تضمنها التشريعي المغربي، خصوصا على مستوى بعض النصوص الخاصة التي أحالت عليها المدونة غير ما مرة، ليس فقط في الميدان العقاري، بل في مجالات أخرى، ومن تم فالإشكال الرئيسي الذي يثير الانتباه في هذا الصدد، هو درجة الانسجام بين مقتضيات المدونة ومختلف المقتضيات التي تضمنتها القوانين الخاصة ذات الصلة بالمدونة، وما تضمنته هاته الأخيرة من مقتضيات مخالفة أو مشابهة، سواء منها التي صدرت في نفس التاريخ أو الصادرة في تواريخ سابقة أو لاحقة.

من هذا المنطلق فإن دراسة المرجعية التشريعية لمدونة الحقوق العينية من خلال القوانين الخاصة والبحث عن درجة الانسجام بين مقتضياتها ومقتضيات تلك القوانين، تقتضي أولا حصر لائحة القوانين ذات الصلة بالمدونة والتي أحالت عليها، ثم ثانيا البحث عن درجة الانسجام الحاصل بين مجمل تلك المقتضيات.

أولا: القوانين ذات الصلة بالمدونة:

نصت الفقرة الأولى من المادة الأولى من مدونة الحقوق العينية على نطاق تطبيقها، إذ ورد فيها “تسري مقتضيات هذا القانون على الملكية العقارية والحقوق العينية ما لم تتعارض مع تشريعات خاصة بالعقار”، وقد أثار حصر هذا النطاق عدة نقاشات فقهية حول المقصود بالتشريعات الخاصة بالعقار، والتي من الممكن أن تتعارض مقتضياتها مع أحكام المدونة، وفي خضم هذا النقاش نجد بعض الباحثين من اعتبر أن المشرع خطى خطوة مهمة نحو توحيد التشريع العقاري بمقتضى ما نصت عليه المادة الأولى من المدونة، وفي هذا الصدد يقول الأستاذ عبد المجيد بوكير ” … خطى المشرع خطوة جبارة بموجب المادة الأولى من مدونة الحقوق العينية الجديدة وذلك في اتجاهين:

الاتجاه الأول: ومناطه ابتغاء توحيد القانون الواجب التطبيق على العقار بما يرفع تلكم الازدواجية التي عابت القانون المغربي لعقود خلت دون أن يكون بالإمكان تجاوزها، وهو ما كان يضر بقاعدتي التوقع والاستقرار القانونيين اللتين تطمئنان الأطراف على مراكزهم المكتسبة وحقوقهم الثابتة.

الاتجاه الثاني: القطع مع بعض الرأي الفقهي القانوني الذي كان يرى الرجوع للقانون الفرنسي كمصدر احتياطي عند عدم القاعدة في التشريع المغربي وهو ما كان يضرب الاستقلال التشريعي لبلادنا في صميمه.

غير أن مبادرة المشرع لاعتناق مبدأ التوحيد المار بنا تفصيله سوف يصطدم بجدار سميك من الخصوصيات التي تعود أصولها و جذور نشأتها لسياق النظريات الفقهية الإسلامية المالكية، أو تلك التي تبلورت في سياق القانون المقارن”([29]).

وفي اتجاه آخر نجد من رأى أن مقتضيات المدونة لن تغني عن الرجوع إلى المقتضيات القانونية التي لها صلة بالملكية العقارية، وفي هذا الصدد ورد على لسان الأستاذ عبد الرزاق الصبيحي في تعليق له على مضمون المادة الأولى من المدونة([30]) “… ويفهم من هذه المادة أن مدونة الحقوق العينية ليست بديلا عن التشريعات الخاصة بمختلف الأنظمة العقارية، بل يمكن اعتبارها بمثابة الشريعة العامة لمختلف هذه الأنظمة وبالتالي فإن مرجعية الأحكام المنظمة للعقار تصبح كالتالي: التشريعات الخاصة، فمدونة الحقوق العينية، فظهير الالتزامات والعقود، فالأحكام الفقهية وفق الراجح والمشهور وما جرى به العمل من مذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى: ” و ينبغي أن نستثني من هذه التراتبية من هذه المرجعية العقارات الوقفية، لأنها تخضع لتراتبية مرجعية أخرى نصت عليها مدونة الأوقاف في المادة 169″([31]).

وخلافا لهذا الرأي، الذي قدم النصوص الخاصة في التطبيق على أحكام مدونة الحقوق العينية، نجد من رأى عكس ذلك، وفي هذا الصدد ذهب الأستاذ محمد القدوري إلى اعتبار نصوص المدونة هي الأحق بالتقديم على باقي التشريعات الأخرى، إذ قال “فيما يخص النصوص المطبقة على المنازعات العقارية، أخضعت مدونة الحقوق العينية المنازعات العقارية، لنصوصها (أي نصوص المدونة)، بالدرجة الأولى، ثم التشريعات الخاصة الأخرى في الدرجة الثانية، ثم نصوص قانون الالتزامات والعقود في الدرجة الثالثة، ثم المبادئ المقررة في الراجح، فالمشهور، وما جرى به العمل في مذهب الإمام مالك في الدرجة الرابعة([32]).

ونعتقد من جهتنا أن مدونة الحقوق العينية كنص عام جاء ليطبق على الملكية العقارية وما تعلق بها من حقوق عينية أصلية وتبعية، وليضع حدا لتعدد وتشتت القوانين التي كانت تسري عليها، لا يمكن الحسم في مدى سبقيتها من عدمه على النصوص الخاصة لأن ذلك من اختصاص القضاء، وإنما يمكن القول بأن مقتضياتها ” ملزمة للجميع مع التقيد بمبدأ ” لا اجتهاد مع وجود نص” و احترام التراتبية التي تقضي بتقديم النص التشريعي الخاص على النص التشريعي العام، و هما معا على القاعدة الفقهية التي تعتبر مصدرا للتشريع، والتي لا يلجأ إليها إلا عند انعدام النص كما جاء في إحالة المدونة عليها”([33]).

وهكذا فإحالة مدونة الحقوق العينية على القواعد المضمنة في بعض القوانين الخاصة لا يمكن قراءته في أنه يحمل أي تعارض أو تضاد مع قواعدها، وإنما يمكن أن ينظر إليه على أنه تكامل و تجانس تشريعي غايته توضيح الإطار القانوني للملكية العقارية من جهة، ومن جهة أخرى الإقرار على أن المدونة لم تحط بنصوصها جميع متعلقات العقار بنصوص محددة.

فما هي أهم التشريعات والنصوص الخاصة، التي لها صلة وطيدة بمدونة الحقوق العينية؟

يمكن حصر لائحة تلك النصوص في ما يلي:

وهكذا، فنص المدونة في أكثر من مادة منها على أن لا يقع تعارض بين نصوصها، و بعض النصوص الخاصة، وتأكيدها أيضا في غير ما مادة قانونية على ضرورة التقيد بالضوابط والإجراءات المنصوص عليها في بعض القوانين الخاصة، هو تأكيد من المشرع على أن المدونة كنص عام في موضوعه لا يمكن أن ينظر إليه بمعزل عن التشريعات الخاصة سواء منها المؤطرة للملكية العقارية أو المؤطرة لمجالات وموضوعات أخرى لها صلة من قريب أو من بعيد بموضوع العقار، وهو إقرار منه أيضا على أن للتشريعات الخاصة بصمات واضحة ضمن موضوعات المدونة، و شكلت إلى جانب غيرها من المرجيات العامة للمدونة، مرجعية قائمة الذات.

وتأسيسا على ذلك، فما هي أهم الروابط و الصلات بين نصوص المدونة، والمقتضيات المنصوص عليها في بعض القوانين والتشريعات الخاصة؟

لعل هذا ما سوف نحاول استبانته في النقطة الموالية، مركزين في ذلك على بعض النماذج فقط، وذلك لكون إحاطة الكل بالدراسة لن يكفيه الحيز والزمان.

 

ثانيا: تجليات تأثر المدونة بمقتضيات بعض النصوص الخاصة:

الثابت نظريا، ومن خلال ما ضمناه في الأسطر أعلاه من هذا المحور، أن مدونة الحقوق العينية تأثرت إلى حد بعيد بمقتضيات بعض النصوص والتشريعات الخاصة، إذ تأثرت على مستوى توثيق التصرفات العقارية بمقتضيات القوانين العقارية الصادرة قبل، وعلى مستوى بعض الحقوق العينية الأصيلة، كحق الارتفاق من قبيل حق الشرب وحق المجرى بمقتضيات قانون الماء الواردة في هذا الباب، وعلى مستوى إقرار قاعدة عدم جواز حيازة الأجانب مهما طال أمدها، بالضوابط القانونية الواردة في هذا الإطار، والتأثر على مستويات عدة ببعض المقتضيات الخاصة، و هذه أمثلة فقط نتناولها بالدراسة تباعا.

إن توثيق التصرفات العقارية، أمر فرضه المشرع من خلال الفصل 489 من قانون الالتزامات والعقود، والذي ينص على أنه “إذا كان المبيع عقارا أو حقوق عقارية أو أشياء أخرى يمكن رهنها رهنا رسميا وجب أن يجري البيع كتابة في محرر ثابت التاريخ، ولا يكون له أثر في مواجهة الغير إلا إذا سجل في الشكل المحدد بمقتضى القانون “.

فالمشرع وانطلاقا من النص أعلاه، فرض وأوجب ضرورة كتابة عقد البيع المنصب على عقار أو حقوق عينية عقارية أو أشياء يمكن رهنها رهنا رسميا في محرر تابت التاريخ ويجب تسجيل هذا المحرر وفق الشكل المحدد بمقتضى القانون، غير أن هذا الفرض، أو ضرورة الكتابة التي سعى وحاول المشرع من خلالها تنظيم مسألة توثيق المعاملات العقارية تبقى عاجزة عن تحقيق المبتغى، ذلك أنه اقتصر في الفصل 489 من ق.ل.ع على البيع فقط دون أن يعرض لباقي التصرفات  العقارية المهمة، كما أن حديثه عن المحرر الثابت التاريخ يعتبر موجها للمحررات العرفية دون المحررات الرسمية، على اعتبار أن هذه الأخيرة تصبح ثابتة التاريخ منذ تاريخ التأشير عليها من الجهات المختصة بتحريرها، كما أنه أكد على ضرورة تسجيل العقود، إذ لا يكون لهذه الأخيرة أثر في مواجهة الغير إلا إذا سجلت تبعا للشكل المحدد قانونا([50]).

ووعيا وإدراكا من المشرع المغربي لأهمية التوثيق، لم يقتصر على تنظيمه بالقواعد العامة التي ذكرنا، بل تدخل عبر مجموعة من النصوص القانونية الخاصة، لتدارك النقص والثغرات التي شابت الفصل 489 من ق.ل.ع، وهو ما يستنتج من خلال القانون رقم 44.00، والقانون رقم 5100، فالقانون رقم 18.00([51]).

هذه القوانين سعت إلى تنظيم وإلزام وحصر وتوثيق التصرفات التي تدخل في إطارها في المحررات الرسمية أو الثابتة التاريخ والتي يتم تحريرها من طرف محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض.

وقد أشار المشرع في النصوص القانونية المشكلة للقوانين المتعلقة ببيع العقار في طور الإنجاز ( القانون رقم 44.00 )، والمتعلقة بالإيجار المفضي إلى تملك العقار ( القانون رقم 51.00 )، والقانون المتعلق بنظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية ( القانون رقم 18.00 )، إلا أنه ستصدر لائحة تتضمن المهنيين الذين لهم الحق في توثيق التصرفات العقارية إلى جانب من سبقت الإشارة إليهم أعلاه – أي ذوي الاختصاص في كتابة المحررات الرسمية – وإن كان مشروع اللائحة قد اقتصر فقط على وكلاء الأعمال، وهو ما يؤكد نية المشرع في تضييق الخناق أكثر ما يمكن على المحررات العرفية، إذ لا يجب أن تحرر إلا من طرف الأشخاص المؤهلين وفقا لضوابط وأحكام يحددها قانون مهنتهم، ليبقى السؤال مطروحا حول مدى نجاح المشرع في تدارك الهفوات والنقائص المذكورة؟ وهل نملك من الأجهزة والهياكل التوثيقية ما يجعلنا مستعدين ومهيئين لتعميم الرسمية في الميدان العقاري؟ وهل الأهمية التي تحتلها المحررات الرسمية باعتبارها ضمانة قوية متى احترمت فيها الضوابط والأحكام القانونية المتعلقة بها، كاف لإنهاء أو لإلغاء العمل بالمحررات العرفية ؟

هذه الأسئلة حاولت مدونة الحقوق العينية الإجابة عليها من خلال تأكيدها في المادة الرابعة رغبة المشرع في التوجه نحو الرسمية في توثيق التصرفات العقارية، ولرغبته من خلالها في تعزيز الضمانات التي من شأنها أن تمنح للمتعاملين في الميدان العقاري نوعا من الأمن والثقة والاطمئنان في النصوص المؤطرة لتوثيق تصرفاتهم، إذ حصرت إمكانية توثيق المعاملات العقارية فقط في المحرر الرسمي الذي يختص بتحريره الموثقون والعدول، أو في المحرر الثابت التاريخ الذي يتولى تحريره المحامي المقبول للترافع أمام محكمة النقض، وكل ذلك ما لم ينص قانون خاص على خلاف ذلك.

كما حسمت النقاش الفقهي والقضائي، حول طبيعة الكتابة المشترطة والمفروضة في البيوع العقارية خاصة، ومختلف المعاملات المنصبة على العقار عامة، هل هي للإثبات أم للانعقاد، حيث أن هذا النقاش لم يعد له مبرر بعد أن أكدت المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية على كون الكتابة في المعاملات الواردة على العقار هي للانعقاد، فهذه المادة رتبت على تخلف الكتابة جزاء البطلان، وهو جزاء يتقرر في حالة تخلف الركن([52]).

وقد قصد المشرع من وراء كل ذلك، حماية المتعاملين في الميدان العقاري وجعلهم يقدمون على إبرام تصرفاتهم وتوثيقها بطريقة آمنة تهدف إلى استقرار معاملاتهم وتعزز اطمئنانهم وثقتهم في النصوص القانونية المؤطرة لهذه المعاملات، ومن المعاملات والتصرفات العقارية التي أوجب المشرع ضرورة توثيقها في محرر رسمي فقط تأثرا بمقتضيات القوانين الخاصة نجد، عقد العمري ( م 105 )، الرهن الحيازي (147 )، عقد المغارسة ( م 268 )، عقد الهبة (م 274)، وغيرهما .

 

 

ب – التأثر على مستوى إقرار قاعدة عدم جواز حيازة الأجانب :

         من المعلوم لدى جل الدارسين والباحثين في المادة العقارية، أنه لأول مرة تم تنظيم الأحكام المتعلقة بالحيازة في نصوص خاصة ضمن مدونة الحقوق العينية، وهي الأحكام المضمنة بالمواد ( من المادة 239 إلى المادة 263 )، وهو الأمر الذي استحسنه جل المهتمين والممارسين لكون هاته الأحكام ستساهم بشكل كبير في حل المنازعات المطروحة على هذا المستوى، ولعل المدقق لتلك الأحكام سيجدها أنها قررت مجموعة من القواعد الهامة، لعل من بينها إقرار قاعدة عدم جواز تملك الأجانب للعقارات عن طريق الحيازة، إذ نصت الفقرة الثانية من المادة 239 على أنه ” ولا تقوم هذه الحيازة لغير المغاربة مهما طال أمدها “.

ولعل مصدر هاته المادة يرجع إلى القوانين المؤطرة لمسطرة تملك العقارات من قبل الأجانب في المغرب، وإلى ما قرره الاجتهاد القضائي على هذا الصعيد، وخصوصا قرار المجلس الأعلى ( سابقا محكمة النقض حاليا ) عدد 1917 الصادر بتاريخ 24/06/2003 في الملف المدني عدد 1950 بتاريخ 01 أبريل 2001 الذي جاء فيه أن” حق تملك الأجنبي غير المواطن المغربي للعقار بالمغرب، إنما يكون بطريق الشراء فقط وبإذن من الدولة المغربية، لذلك فإن حيازته للعقار داخل المغرب لا تكسبه ملكيته ولو طالت ما دامت غير مقرونة بالشراء والترخيص من الجهة المختصة “.

وهكذا، فأصل قاعدة عدم جواز تملك الأجانب للعقارات عن طريق الحيازة بالمغرب يرجع إلى الاجتهاد القضائي، ولعل منعهم من هذا التصرف لا يعني منعهم من باقي التصرفات القانونية الأخرى من قبيل البيع والشراء …، وإنما لهم نفس الإمكانية المتاحة للمواطن المغربي في تملك العقارات فوق التراب المغربي، وذلك وفق شروط ومسطرة محددة بالقانون([53])، ذلك أن شروط وإجراءات نقل الملكية العقارية للأجانب بالمغرب تتم بحسب الغرض من هذه الملكية، أي بحسب ما إذا تعلق الأمر بتملك عقارات بالمجال الحضري بغرض السكنى أو الاستعمال المهني أو التجاري، أو الصناعي أو الحرفي أو بتملكها بالمجال القروي بغرض الفلاحة.

وعلى هذا الأساس، فإذا كان للأجانب نفس صلاحيات المواطنين المغاربة فيما يخص اقتناء وتملك عقارات  في المجال الحضري المغربي، فإن الأمر خلاف ذلك بالنسبة للأراضي الفلاحية، وذلك وفقا لأحكام الظهير الشريف رقم 645/73/1 المؤرخ في 23 أبريل 1975 المتعلق باقتناء العقارات الفلاحية أو القابلة للفلاحة خارج الدوائر الحضرية، والذي أكد في فصله الأول على أن اقتناء العقارات الفلاحية أو القابلة للفلاحة الكائنة كلا أو بعضا خارج الدوائر الحضرية يحتفظ به للأشخاص الذاتيين أو المعنويين المغاربة المحددة وفقا لهذا الظهير، والذي أقصى الأجانب سواء أكانوا في شكل أشخاص طبيعيين أو معنويين من إمكانية تملك تلك العقارات.

إذن فإقرار المشرع المغربي لقاعدة عدم جواز حيازة الأجانب يعد تأثر منه بالنصوص القانونية المنظمة لتصرفاتهم خصوصا منها العقارية بالمغرب، هذا من جهة، و من جهة ثانية بغية تحقيق تكامل تشريعي وقانوني على هذا المستوى.

ج- التأثر بمقتضيات قانون الماء:

يعتبر الماء موردا طبيعيا أساسيا للحياة، ومادة ضرورية يرتكز عليها الجزء الأكبر من الأنشطة الاقتصادية  للإنسان، كما أنه مورد نادر يتميز توفره بعدم الوفرة والانتظام في الزمان والمكان، وهو أخيرا شديد التأثر بالانعكاسات السلبية للأنشطة البشرية، من أجل ذلك فإن ضرورات التنمية الاقتصادية والاجتماعية تفرض اللجوء إلى تهيئة الماء لتلبية حاجيات السكان التي تعرف تزايدا مستمرا، وغالبا ما تكون هذه الحاجيات متنافسة، بل وحتى متناقضة، الأمر الذي يجعل عملية تدبير الماء جد معقدة وتنفيذها صعبا، ولمواجهة هذه الوضعية كان التوفر على أدوات قانونية ناجعة قصد تنظيم توزيع الموارد المائية ومراقبة استعمالها، وكذا ضمان حمايتها والحفاظ عليها أمرا ضروريا وأكدا.

و لعل هاته الأهداف هي ما سعى المشرع المغربي إلى تحقيقها من خلال القانون رقم (10.95) (الذي أحلنا على مراجعه سابقا)، بالإضافة إلى نصوص قانونية أخرى، نجد من بينها القانون رقم 39.08 بمثابة مدونة الحقوق العينية، هذا الأخير الذي تأثرت مقتضياته، بمقتضيات القانون السابق على عدة مستويات، من بينها، التأثر على مستوى المقتضيات المنظمة للارتفاقات العقارية، خصوصا تلك المتعلقة بحق الشرب (المواد من المادة 50 إلى المادة 55)، وحق المجرى (المواد من المادة 56 إلى المادة 59)، وحق المسيل أو الصرف (المواد 60 إلى المادة 65)، بحيث أن هذه المقتضيات تأثرت إلى حد بعيد بمقتضيات المادة 28 و 25 من القانون رقم 10.95.

ومما يؤكد وبشكل جلي تأثر المدونة بمقتضيات قانون الماء باعتباره من النصوص الخاصة التي أحالت عليها المادة الأولى من المدونة، ما ورد في المادة 228 والتي أحالت بشكل صريح على مقتضيات القانون رقم 10.95، والتي نصت على أنه ” إذا وقع تغيير في مجرى النهر أو اتخذ النهر مجرى جديدا فإنه تسري في شأنهما الأحكام المنصوص عليها في المادتين 3 و 4 من قانون 10.95 المتعلق بنظام المياه”.

وبالرجوع إلى مقتضيات المادتين اللتين أحالت عليها المدونة نجدها نصت على مجموعة من الضوابط المؤطرة لحدود الملك العام المائي، ونطاق هذا الأخير، وإجراءات الاستفادة من حق المسيل في حالة وقوع تغيير في مجاري المياه والأمطار([54]).

بالإضافة إلى التشريعات الخاصة المذكورة، فإن المدونة تأثرت إلى جانب ذلك بمقتضيات قانون التعمير (قانون رقم 90/12) خصوصا على مستوى المواد 68 و78، و بمقتضيات القانون المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة (قانون رقم 81/7)، وبالقانون رقم 90/25 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات، وبمقتضيات قانون المقالع وغير ذلك.

هذا، وقد لخصت المادة 234 من المدونة التي نصت على أنه “يجوز لمالك الأرض أن يقيم عليها جميع أنواع المغروسات والبناءات التي يرتئيها مع التقيد بالقوانين والأنظمة، كما يمكنه أن يحدث تحتها كل بناء، وله أن يقوم بكل تنقيب يرتئيه، وأن يستخرج جميع المواد التي يمكن أن يحصل عليها ما عدا الاستثناءات الناتجة عن القوانين والضوابط الجاري بها العمل”، المرجعية التشريعية العامة للمدونة من خلال القوانين والتشريعات الخاصة خصوصا على مستوى قانون التعمير والمقالع، وتفسير ذلك أن مالك العقار يتوجب عليه في حالة التصرف في عقاره:

– بالبناء: أن يخضع للقواعد والضوابط المنصوص عليها في قانون التعمير والتجزئات العقارية والنصوص الخاصة الأخرى.

–  بالتنقيب أو باستخراج مواد معينة: بالخضوع للضوابط والشروط المنصوص عليها في قانون المقالع.

كما تأثرت أيضا بالمقتضيات المنظمة لأملاك الدولة والجماعات المحلية..، و ذلك من خلال تنصيصها فيما يخص إحياء الأراضي المواد بضرورة التقيد بالقانون، إذ نصت على أن “الأراضي الموات التي لا مالك لها تكون ملكا للدولة، و لا يجوز وضع اليد عليها إلا بإذن صريح من السلطة المختصة طبقا للقانون”، إذ يتوجب الرجوع في هذا الإطار إلى القوانين والمراسيم وكذا المناشير والدوريات الوزارية المنظمة لكيفية استغلال أراضي الدولة من أملاك عامة أو خاصة…،

كما تأثرت بمقتضيات مدونة الأسرة من خلال إحالتها في المادة 264 عليها، و التي نصت على ضرورة الرجوع لمدونة الأسرة فيما يتعلق بأحكام الميراث والوصية، ونصت على أنه ” تنتقل ملكية الحقوق العينية العقارية عن طريق الإرث والوصية وتسري عليهما أحكام مدونة الأسرة”.

و هكذا يبدو من خلال الأمثلة التي أوردناها، أن مدونة الحقوق العينية اتخذت من التشريع المتمثل في مقتضيات بعض النصوص الخاصة مرجعا هاما في بلورة أحكامها، كما يبدو أيضا أن هناك انسجاما شبه تام بين مقتضياتها ومقتضيات تلك النصوص والتشريعات، اللهم بعض الاستثناءات([55]).

 

 

 

 

 

 

      خــــــاتمة:

         يبدو من خلال هاته الدراسة أن مدونة الحقوق العينية كنص تشريعي جيء به لتوحيد القواعد المطبقة على الملكية العقارية والحقوق العينية، وهو المعنى المفهوم من مضامين الفقرة الأولى من المادة الأولى من المدونة، فإنه لا يغني عن ضرورة الرجوع إلى التشريعات والنصوص الخاصة، وهو المعنى المستفاد من نفس المقتضى، ذلك أن القانون يكمل بعضه بعضا ليحصل الانسجام التشريعي الذي تغياه المشرع .

كما نخلص إلى أن المرجعية التشريعية للمدونة ثابتة ومحققة،  وقد بدا ذلك جليا من خلال الشواهد التي أوردناها سواء على المستوى الموضوعي أو الإجرائي لبعض النصوص الخاصة، أو من خلال شواهد أخرى لم يسعها المقام، إذ البحث على هذا المستوى لا تكفيه هذه الأسطر وإنما يفتح بابا واسعا ورحبا للبحث والمناقشة على المستوى القانوني.

وختاما نقول بأن مدونة الحقوق العينية في عمومها خطوة في الاتجاه الصحيح، ولبنة هامة وأساسية في درب الإصلاح التشريعي في الميدان العقاري، وهي جهد عظيم تم فيها جمع العديد من القواعد الفقهية المستمدة من الفقه المالكي، والقواعد القانونية المستمدة من التشريع الخاص في قالب تشريعي حديث وموحد، إلا أنها في النهاية هي ككل اجتهاد تشريعي لا يعدوا أن يكون جهدا بشريا يرد عليه اختلاف وجهات النظر كما يرد عليه التطوير والإضافة//.

[1] – ذ . أحمد ادريوش، تأملات نظرية حول مدونة الحقوق العينية، الكراسة الثانية، مطبعة الأمنية – الرباط – الطبعة الأولى 2014-2015،  الصفحة 9.

[2] – ذ . محمد الهيني،  دور المرتكزات الأساسية لمدونة الحقوق العينية في ضمان الأمن القانوني والقضائي العقاري مقال منشور بمجلة الحقوق –العدد6، سنة 2012، الصفحة 19 .

[3] – ذ. محمد القدوري “مستجدات المادة العقارية – قراءة الشكل والمضمون – “، مقال منشور ضمن مجلة الحقوق العدد 8، الجزء 2، مطبعة المعارف -2014، الصفحة 46-47 .

[4] – ذ . محمد البوشواري ” قانون مدونة الحقوق العينية – قراءة في الأصول والمرجعيات، مقال منشور ضمن مجلة المنبر القانوني، العدد 7- 8- 2015، الصفحة 20 .

 

 [5]  – أنظر في هذا الإطار: تقرير لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان حول مشروع قانون رقم 39.08 يتعلق بمدونة الحقوق العينية – دورة أبريل 2011، السنة التشريعية الرابعة، الولاية التشريعية الثامنة، الجزء الأول، ص 20-21.

[6] – ذ. العربي محمد مياد – تأملات في مدونة الحقوق العينية – الجزء الأول – مطبعة الأمنية – الرباط، الطبعة الأولى، سنة 2015، الصفحة 8.

 

[7]ذ، عبدالقادر العرعاري، وجهة نظر خاصة في مادة القانون المدني المعمق بين الفقه والقضاء، مطبعة الأمنية – الرباط – الطبعة الأولى 2010 – الصفحة 13 .

 

[8]  – جاء في بيان أسباب هذا الظهير ” الكيفية الحالية المتبعة في تعيين ذوي الحقوق لا تساعد إلا على مضاعفة مؤسسات الاستغلال الصغير التي لا تتلاءم مساحتها مع أعمال استثمار معقول , وبهذا يتعين القيام في دوائر الذي يتححد الكيفيات التي يتأتى بها استقرار العقارات الجماعية التي ستتخذ أساسا لتحقيق استثماراتهم، وتعتبر العقارات المذكورة لبلوغ هذه الغاية مشاعة بين ذوي الحقوق … وسيعمل من جهة أخرى على اتباع طريقة خاصة بنقل الإرث من ذوي الحقوق حتى يتجنب تكاثر عدد الملاكين على الشياع …”.

كما جاء في الفصل 7 منه ” لا يمكن أن يباشر التخلي على الحصص المشاعة إلا لفائدة ملاك على الشياع …”.

[9] – الذي أقر بشكل ضمني التملك على الشياع من خلال الفصل 22 الذي جاء فيه ” إن كل تقسيم للقطع الموجودة بقسم وقع ضم أراضيه بعضها إلى بعض يتوقف سعيا في جعل حد لتجزئة الأراضي الفلاحية المضمونة على سابق إذن من اللجنة المحلية …”.

[10] – ومما جاء في الفصل الثالث منه في الفقرة الأولى بأن حق الملكية المخول للمستفيدين من التجزئات الجماعية يتكون من حصص مشاعة فيما بينهم “, ونص في الفصل 14 منه “إن القطع الموزعة بموجب ظهيرنا هذا غير قابلة للقسمة …”.

 

[11] – ذ. محمد الكشبور، بيع العقار بين الرضائية والشكل، دراسة في أحكام الفقه الإسلامي وفي القانون الوضعي وفي مواقف القضاء، مطبعة النجاح الجديدة، الدارالبيضاء، الطبعة الأولى سنة 1997 ص 28 .

[12] – تجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي قام بتعديل مقتضيات هذا الظهير بمقتضى القانون رقم 07/14 بمثابة قانون التحفيظ العقاري و الذي خرج تزامنا مع قانون رقم 08/39 بمثابة مدونة الحقوق العينية.

 

[13] – ذ. أحمد ادريوش،  تأملات عامة حول إصلاح القوانين العقارية، مجلة الحقوق المغربية، العدد 7، ص 21.

[14] – ذ،عادل حاميدي، القواعد الفقهية و تطبيقاتها القضائية في المادة العقارية و المدنية – مطبعة النجاح الجديدة – الطبعة الأولى- سنة 2013 ، ص 31.

[15] – ذ. محمد شيلح – محاولة في استنطاق لسان مدونة الحقوق العينية المغربية ” مفاهيم الحقوق العينية العقارية بين اقتصاد السويقة و اقتصاد السوق”، المجلة المغربية للقانون الاقتصادي- عدد مزدوج 5-6 2012/2013، مطبعة البلابل – فاس – ص 85 – 86.

[16] – نفسه ص 80.

[17] – المذكرة التقديمية لمشروع القانون رقم 39.08، انظر تقرير لجنة العدل و التشريع، مرجع سابق، ص 4.

[18]  – راجع في هذا الإطار ما قاله الدكتور محمد شيلح عن هذين التصرفين، و الذي تساءل في ختام تعليقه عنهما قائلا: هل هذه الإضافات هي التي في مقدورها أن تجعل الملكية العقارية غير المحفظة بالأساس قادرة على المساهمة في التنمية؟ انظر في هذا الإطار مقالته المعنونة: محاولة في استنطاق لسان مدونة الحقوق العينية المغربية، مرجع سابق، ص 89-92.

[19]  – نصت المادة 130 من مدونة الحقوق العينية على أنه ” تطبق على حق الحبس الأحكام الواردة في مدونة الأوقاف”.

[20]  – نصت المادة 264 من مدونة الحقوق العينية على أنه ” تنتقل ملكية الحقوق العينية العقارية عن طريق الإرث والوصية وتسري عليهما أحكام مدونة الأسرة”.

[21]  – الجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 24 نونبر 2011، القانون رقم 07/14 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.177 بتاريخ 22 نونبر 2011، المغير و المتمم بمقتضاه الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 (12 غشت 1913) المتعلق بالتحفيظ العقاري.

[22]  – ذ. أحمد ادريوش، تأملات نظرية حول مدونة الحقوق العينية – الكراسة الثانية- مرجع سابق- ص9-10.

[23]  – نفسه ص 10.

[24]  – دور المرتكزات الأساسية لمدونة الحقوق العينية في ضمان الأمن القانوني و القضائي العقاري، مرجع سابق ص 28.

[25] – نفسه ، ص 29.

[26]  – قرار المجلس الأعلى رقم 61، الصادر بتاريخ 4 يناير 2006 في الملف المدني عدد 4229/1/1/2004، منشور بمجلة محاكمة، العدد الأول، شتنبر 2006، ص 122.

[27]  – قرار المجلس الأعلى في الملف الإداري رقم 187271، الصادر بتاريخ 21 أبريل 1972، منشور ضمن مجموعة قرارات المجلس الأعلى – المادة المدنية –  1966/1986، منشورات جمعية تنمية البحوث و الدراسات القضائية 1985، ص 84.

[28]  – أحمد ادريوش، تأملات نظرية حول مدونة الحقوق العينية – الكراسة الثانية – مرجع سابق – ص 18.

 

[29]  – ذ. عبد المجيد بوكير- توحيد الأحكام في المادة لعقارية- أي حل لإشكالية تنازع الاختصاص الموضوعي ارتضته مدونة الحقوق العينية الجديدة، مقال منشور ضمن مجلة الحقوق،  العدد 7- ص 39.

[30]  – ذ. عبد الرزاق اصبيحي “مدونة الحقوق العينية بين ضرورة التوحيد وإكراهات الخصوصية، مقال منشور ضمن مجلة الحقوق، العدد 7، مرجع سابق، ص 80.

[31]  – التي نصت على أن “كل ما لم يرد فيه نص في هذه المدونة يرجع فيه إلى أحكام المذهب المالكي فقها و اجتهادا بما يراعي فيه تحقيق مصلحة الوقف”.

[32] – ذ محمد القدوري – مستجدات المادة العقارية – قراءة في الشكل و المضمون – مجلة الحقوق – العدد 8 مرجع سالف ص 46 – 47.

[33]  – ذ محمادي لمعكشاوي – المختصر في شرح مدونة الحقوق العينية الجديدة – على ضوء التشريع و الفقه و القضاء ( قانون رقم 08 .39) مطبعة النجاح الجديدة – الدار البيضاء- الطبعة الأولى-2013 –ص- 8

[34] – منشور بالجريدة الرسمية عدد 5054 بتاريخ 7 نونبر 2002 ، ص 3183.

[35] – منشور بالجريدة الرسمية عدد 6465 بتاريخ 9 شعبان 1437 (16 ماي 2016) ص3781.

[36]  – منشور بالجريدة الرسمية عدد 5172، بتاريخ 1 ذي القعدة 1424 (25 دجنبر 2003) ص 4375.

[37]  – منشور بالجريدة الرسمية عدد 4159 بتاريخ 14 محرم 1413 (15 يوليوز 1992) ص 880.

[38] – منشور بالجريدة الرسمية عدد 4159 بتاريخ 14 محرم 1413 (15 يوليوز 1992)، ص 887.

[39] – الجريدة الرسمية عدد 3685 بتاريخ 3 رمضان 1403 (15 يونيو 1983)، ص 980

[40] – منشور بالجريدة الرسمية عدد 6374 بتاريخ 15 رمضان 1436 (2 يوليوز 2015) ، ص 6082.

[41]  – القانون رقم 10.95 المتعلق بالماء الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.95.154 صادر في 18 ربيع الأول 1416 (16 غشت 1995) ، الجريدة الرسمية عدد 4325 بتاريخ 24 ربيع الثاني 1416 20 شتنبر 1995)، ص 2520.

[42]  – الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.06.56، الصادر في 14 فبراير 2006، الجريدة الرسمية عدد 5400 المؤرخة في 02 مارس 2006، ص 566.

[43]  – الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.179 الصادر في 22 نونبر 2011، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5998، المؤرخة في 24 نونبر 2011، ص 5611.

[44] – الجريدة الرسمية عدد 6208 بتاريخ 28 نونبر 2013، ص 7328.

[45]  – الجريدة الرسمية عدد 5184، بتاريخ 3 فبراير 2004.

[46]  – الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.03 الصادر في 18 فبراير 2011، ج.ر عدد 5932، بتاريخ 7 أبريل 2011، ص 1072.

 [47]- الجريدة الرسمية عدد 5680 بتاريخ 06 نونبر 2008، ص 4044.

[48]  – الجريدة الرسمية عدد 5847، بتاريخ 14 يونيو 2010 ص، 3154.

[49] – الجريدة الرسمية عدد 4418 الصادرة بتاريخ 19 جمادى الأولى 1417 (3 أكتوبر 1996) ص 2187.

 

 

[50] – عبدالحق صافي – عقد البيع، دراسة في قانون الالتزامات والعقود وفي القوانين الخاصة، مطبعة النجاح الجديدة الطبعة الأولى 1998،ص 173 وما بعدها .

[51] – قد سبقت الإشارة إلى أرقام وتاريخ الجريدة الرسمية الصادرة بها القوانين المذكورة .

[52]  – نصت المادة الرابعة من المدونة على أنه ” يجب أن تحرر – تحت طائلة البطلان – جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية أو بإنشاء الحقوق العينية الأخرى أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها بموجب محرر رسمي، أو بمحرر ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض ما لم ينص قانون خاص على خلاف ذلك”.

– يجب أن يتم توقيع العقد المحرر من طرف المحامي والتأشير على صفحاته من الأطراف ومن الجهة التي حررته.

– تصحح إمضاءات الأطراف من لدن السلطات المحلية المختصة ويتم التعريف بإمضاء المحامي المحرر للعقد من لدن رئيس كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية التي يمارس بدائرتها.

[53]  – و من تلك النصوص القانونية: ظهير الالتزامات و العقود، والقانون رقم 51.00 المتعلق بالإيجار المفضي إلى تملك العقار، والقانون رقم 18.00 المتعلق بنظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية، والقانون رقم 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات، والقانون الإطار رقم 18.95 بمثابة ميثاق للاستثمارات، والظهير الشريف رقم 171/59/1 المؤرخ في 12 ماي 1959 بشأن العمليات العقارية التي تحققها دولة أجنبية أو مؤسسة عمومية أجنبية، والظهير الشريف بمثابة قانون رقم 645/73/1 المؤرخ في أبريل 1975 المتعلق باقتناء العقارات الفلاحية أو القابلة للفلاحة خارج الدوائر الحضرية، والظهير الشريف رقم 613/73/1 المؤرخ في 2 مارس 1973 المتعلق باسترجاع الأراضي الفلاحية من الأجانب، والظهير الشريف رقم 1/63/345  المؤرخ في 13 نونبر 1963 المنظم لتملك الأجانب والأشخاص المعنوية للأراضي الفلاحية، والظهير الشريف رقم 289/63/1 الصادر في 7 جمادى الأولى 1383 ( 26 شتنبر 1963 )  بتحديد الشروط التي تسترجع الدولة بموجبها أراضي الاستعمار، والظهير الشريف رقم 288/63/1 المؤرخ في 26 شتنبر 1963 الخاص بمراقبة العمليات العقارية الواجب إنجازها من طرف بعض الأشخاص والمتعلقة بالأملاك الفلاحية القروية.

 

[54]  – أنظر في هذا الإطار مقتضيات المادة 3 و4 من القانون رقم 10.95 المتعلق بالماء.

[55] – قلنا انسجام شبه تام، لأن هناك مقتضيات وردت في المدونة لم تنسجم مع مقتضيات بعض النصوص الخاصة، ومن أمثلة ذلك التقاطعات الحاصلة بين كل من مدونة الحقوق العينية ومدونة الأوقاف على مستوى بعض المقتضيات المنظمة للحقوق العينية العرفية، أنظر في هذا الصدد : عبدالمجيد الكتاني [الحقوق العينية العرفية بين مدونة الأوقاف ومدونة الحقوق العينية وأحكام الفقه المالكي] مقال منشور بمجلة القبس المغربية للدراسات القانونية والقضائية ]، العدد 4 ، يناير 2013، الصفحة (241- 263).

 

Exit mobile version