Site icon مجلة المنارة

القضاء الاستعجالي في المادة الجبائية

 

القضاء الاستعجالي في المادة الجبائية

 

 

أحمد الرفاعي

باحث بسلك الدكتوراه

-كلية الحقوق-سلا، جامعة محمد الخامس بالرباط

 

 

 

مقدمة:

تحتاج الدولة للقيام بوظائفها إلى موارد مالية وبشرية كفيلة بضمان سير دواليب الحكم فيها، وتحقيق مطالب المجتمع المختلفة والتزايد بشكل مستمر، ولذلك فان تلك الموارد –خصوص المالية منها – والتي تعتبر بمثابة الشريان الذي يبعث الحياة في هياكلها ويضمن بقائها واستمراريتها.

وتشكل الضرائب والرسوم التي في حكمها أهم مورد مالي لميزانية الدولة والجماعات المحلية، وتساهم بشكل فعال في تمويل النفقات العمومية، وإنعاش الحياة الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد.

وقد عهد المشرع لإدارة الضرائب والخزينة العامة، أمر فرضها وتحصيلها وزودها من السلطات والامتيازات العامة بما يكفي لأداء وظيفتها تلك وفي مقابل هذه الضمانات والامتيازات التي خولها المشرع لإدارة الضرائب والخزينة العامة فقد كفل للملزمين المدينين مجموعة من الحقوق والضمانات الموازية وذلك لخلق نوع من التوازن النسبي بين الطرفين. إلا أن الواقع العلمي أبان عن قصور بعض الآليات القانونية في حماية المدينين من تعسف الإدارة الجبائية.

لذلك وأمام هذا القصور والفراغ التشريعي ابتكر القضاء الإداري مجموعة من الآليات والحلول القانونية ، ليستجيب بذلك لتطلعات المدينين بالديون العمومية ولعل من أهم هده الآليات المسطرة أمام القضاء ألاستعجالي والتي ترمي إلى الحد من الآثار السلبية التي يمكن أن تلحق المدين الممتنع عن الأداء بسبب وجود مانع قانوني أو واقعي يثيره في المنازعة المقدمة أمام القضاء الاستعجالي.

فالمنازعة في القضاء  الإداري تعد ضمانة قانونية مكفولة لمديني الإدارة الجبائية، ويمثل جوهر هذه الآلية في حيلولة القضاء دون تنفيذ بعض الديون الضريبية  أو عدم توفر عنصر الخطر من نتيجة فهمه للوقائع والتي تحوم حول قانونيتها شكوك جدية، لكن دون أن يؤدي الحكم بإيقاف التنفيذ إلى تأكيد أو نفي وجود الدين المنازع فيه أو إنما إلى الحكم بإيقاف إجراءات استخلاص ذلك الدين إلى غاية البث في قانونيته عموما  فان آلية اللجوء إلى القضاء الاستعجالي إجراء وقائي لإيقاف تنفيذ الدين العمومي والحد من أثار قاعدة انعدام الأثر الموقف للطعون التي تؤطر المنازعات الإدارية بصفة عامة والتي يمكن القول عنها أنها قاعدة الأداء الفوري للدين أو  ذلك تطبيقا للقاعدة” أد ثم اشك” المنصوص عليها في م 117 من قانون تحصيل الديون العمومية.

وهكذا فإن هذا الموضوع يطرح الإشكال التالي:

ما هي خصوصيات المسطرة الإستعجالية في المنازعة الضريبية ,وكيف يتم تفعيل نظام إيقاف تحصيل الديون العمومية أمام القضاء؟

لمعالجة هذه الإشكالية سيتم معالجة الموضوع وفق الشكل التالي:

المبحث الأول: مسطرة القضاء الاستعجالي في المنازعات الضريبية

المبحث الثاني: إيقاف إجراءات تحصيل الدين الضريبي أمام القضاء ألاستعجال

المبحث الأول: مسطرة القضاء الاستعجالي في المنازعات الضريبية

إن القضاء الاستعجالي الضريبي صورة من صور الحماية القضائية والتي تتم بإجراءات تختصر فيها المواعيد ليحقق هذا القضاء الحماية السريعة للمراكز القانونية حيث ينظر القاضي في الطلبات المستعجلة ويبحث في الشروط المطلوبة في الطلب المستعجل ويتثبث من وجودها وهو في ذلك مقيد بألا يمس أصل الحق المتنازع فيه، ويقتصر على ظاهر الأمر.

هذا وتتميز المسطرة الاستعجالية في المنازعات الضريبية بالسرعة والطابع الوقتي.

المطلب الأول: شروط القضاء االاستعجالي في المنازعات الضريبية

على أساس أن القضاء الاستعجالي يبث في ظاهر الحال ,لذا على القضاء الاستعجالي أن يقدر هل هناك حال استعجال أم لا مع تعليل حكمه الذي يكون له قوة الشيء المقضي به، ما دام يبث في إجراء وقتي فإن ذلك يحتاج إلى توافر مجموعة من الشروط الموضوعية التي تحيل على مجموع الشروط الواجب توفرها في موضوع الطلب الاستعجالي.

عنصر الاستعجال (الفقرة الأولى)، وعدم المساس بأصل الحق (فقرة ثانية).وشرط الجدية(فقرة ثالثة).

الفقرة الأولى: عنصر الاستعجال

يحيل هذا العنصر على الخطر الحقيقي الذي يهدد الحق المراد المحافظة عليه باتخاذ إجراءات سريعة لا تحتمل التأخير والانتظار ولا يمكن أن تحقق عن طريق قضاء المحاكم الإدارية([1])، أي تفادي ضرر مؤكد يصعب تداركه إذا حدث إثبات حالة يخشى من زوال معالمها مع مرور الوقت، فهو يتحدد بظروف كل دعوى وملاءمتها وظروف الحق المراد حمايته،وبالتالي يقصد بعنصر الاستعجال الخطر الحقيقي المحدق بالحق المراد المحافظة عليه والذي يلزم درئه عنه بسرعة لا تكون عادة في التقاضي ولو قصرت مواعيده.

فعنصر الاستعجال ينشأ من طبيعة الحق المطلوب صيانته ولم يحدد المشرع المغربي الحالات التي يتوفر فيها الاستعجال بل ترك ذلك لتقدير القاضي ليصل اليه عن طريق ظروف وقائع الدعوى الواردة في المقال الافتتاحي، وسيكتشفه من مناقشة الطرفين بالجلسة ويستنبطه من عناصر الملف، فلا يمكن أن يكون الاستعجال من مجرد رغبة أحد الطرفين في الحصول على حكم في الدعوى بأسرع ما يمكن.

ومن الخصائص الأساسية لعنصر الاستعجال أنه ظرف أني أي أن صفة الاستعجال يجب أن ينظر إليها وقت الحكم في النزاع كأن يكون عنصر الاستعجال غير ملازم لإقامة الدعوى، ثم تظهر وقائع جديدة أثناء نظر الدعوى يستلهم القاضي توافر الخطر المحدق المطلوب حمايته ,فإنه من واجب القاضي الحكم فيها، أما إن زالت صفة الاستعجال وتبددت مواطن الخطر أثناء نظر الدعوى وجب النطق بعدم الاختصاص.

إضافة إلى ذلك, فعنصر الاستعجال عنصر مدني يتغير بتغير الزمان والمكان والظروف، فما ليس استعجال في زمن ما قد يكون كذلك في زمن اخر، كما قد يتوفر في حالة محيطة بظروف خاصة دون أن يتوفر في الحالة ذاتها المحيطة بظروف مغايرة.

وتقدير عنصر الاستعجال أمر موكول للسلطة التقديرية للقاضي, لا يخضع فيه لرقابة  محكمة النقض، إلا أنه ملزم بتوضيح أسباب قراره بمدى توفر أو عدم توفر الخطر من نتيجة فهمه للوقائع.

الفقرة الثانية: عدم المساس بأصل الحق

كما هو معلوم أن الأوامر الاستعجالية غير حاسمة في الموضوع لكنها أوامر إسعاف تقوم أساسا بحماية مؤقتة للحق ووقايته بدفع الخطر عنه، بمعنى أن الأوامر الاستعجالية لا تبحث إلا في إجراءات وقتية ولا يمكن أن تمس الجوهر ذلك أنها تكون قائمة على وقائع قابلة للتغيير والتعديل, كون القرار الاستعجالي يمس مراكز الخصوم مؤقتا, دون المساس بأصل الحق كما أنه لا يحوز إلا حجية مؤقتة, في حدود ما لم يستجد من الوقائع والأسباب التي كانت معروضة على أنظار قاضي المستعجلات.

إن هذا الشرط يقع تحت رقابة محكمة النقض ,كون حسن تطبيق القانون من طرف قاضي المستعجلات مسألة قانونية محضة فحذف الفصل 152 سبب من أسباب النقض المنصوص عليها في الفصل 359 من قانون المسطرة المدنية([2]).

الفقرة الثالثة: عنصر الجدية

لقد دأب القضاء الاستعجالي للمحاكم الإدارية من أجل إيقاف تنفيذ الدين الضريبي على ضرورة توفر شرط المنازعة الجدية في الضريبة, أو الضرائب المتنازع بشأنها ,حتى يستجيب القاضي الاستعجالي لهذه الطلبات، وذلك وفق ما أكدته الغرفة الإدارية بمحكمة النقض, في مجموعة من القرارات الصادرة عنها في هذا المجال([3]).

حيث لا يكفي مجرد تقديم دعوى المنازعة في مشروعية الضريبة المفروضة لطلب إيقاف تنفيذ الأداء ,وإنما يجب أن تتوفر في الطلب إضافة إلى ذلك ركن الاستعجال ,وجود أسباب جدية تبرر طلب إيقاف التنفيذ من خلال المنازعة في الدين الضريبي ككل ,حيث يؤدي غياب هذا العنصر الى عدم قبول الطلب لانتفاء جدية المنازعة([4]).

 

 

المطلب الثاني: جهة الاختصاص في الدعوى الضريبية الاستعجالية.

يلعب القضاء الاستعجالي في المنازعة الضريبية دورا هاما في فض العديد من النزاعات التي تنشب بين الإدارة الضريبية والملزمين، وهذه الأهمية تزداد كلما توالى القاضي الإداري البث في هذا النوع من الدعاوي الإدارية, ويقاسم هذا الاختصاص كل من رئيس المحكمة الإدارية بصفة قاضيا للمستعجلات، ورئيس المحكمة الاستئنافية الإدارية كدرجة استئنافية.

الفقرة الأولى: رئيس المحكمة الإدارية قاضيا للمستعجلات.

يمارس رئيس المحكمة الإدارية أو من ينوب عنه مهام قاضي المستعجلات والأوامر بالنظر في الطلبات الوقتية والتحفظية([5]). كما أن المشرع لم يشترط الأقدمية في القضاة مباشرة القضاء المستعجل نيابة عن رئيس المحكمة الإدارية ,كما هو الحال في القضاء الاستعجالي العادي. ولكنه منحه صلاحية اختيار من يراه أقدر على مباشرة الاختصاص الاستعجالي نيابة عنه.

بناء على ذلك يختص رئيس المحكمة الإدارية أو من ينوب عنه باعتباره قاضيا للمستعجلات, بالنظر في جميع الطلبات الهادفة إلى الحصول على إجراء وقتي بشرط توفر عنصر الاستعجال,وعنصر الجدية, وعدم المساس بالموضوع([6]). غير أن القانون جعل قاضي المستعجلات. يختص بالنظر في بعض أنواع الطلبات بمقتضى نصوص خاصة ويعتبر ذات طابع استعجالي بقوة القانون ولا يلزم القاضي ببيان عنصر الاستعجال فيها، بل يقتصر على التحقق من توفر ما هو منصوص عليه في النص الخاص.

والجدير بالذكر أن رئيس المحكمة الإدارية جزء من هذه المحكمة واختصاصه مرتبط بالاختصاص الأصلي لهذه المحكمة,هكذا فإذا كان النزاع الأصلي يدخل ضمن اختصاصها فإن المطالبات الوقتية أو التحفظية تكون بالتبعية من اختصاص رئيسها.

الفقرة الثانية: رئيس المحكمة الاستئنافية الإدارية

الأصل أن رئيس المحكمة الابتدائية الإدارية هو المختص في المسطرة الاستعجالية المرتبطة بالقضايا الإدارية عموما وقضايا المنازعات الضريبية خصوصا، إلا أن المشرع خول لرئيس محكمة الاستئناف الإدارية أو من ينوب عنه صفة قاضي الأمور المستعجلة متى كان النزاع معروضا على أنظار محكمة الاستئناف الإدارية، وهو اختصاص يجد سنده في م 6من القانون المحدث لمحاكم الاستئناف الإدارية.

من ثم فإن المشرع قد سوى بهذا الخصوص بين الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الإدارية، وبين الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف العادية، وهو الاختصاص المنصوص عليه في الفقرة الثالثة من الفصل 149 من ق.م.م ,مع فارق بسيط وهو أن م6 المبينة أعلاه أتت بشيء جديد وهو أنها أعطت للرئيس الأول إمكانية إسناد مهام قاضي المستعجلات لنائبه, بينما الفقرة الثالثة من الفصل المذكور لم تمنح للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف العادية هذه الإمكانية.

فبإسناد المشرع مهام قاضي المستعجلات للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الإدارية أو نائبه, قد حدد على وجه الدقة الجهة القضائية التي يمكن اللجوء إليها استعجاليا عندما يكون النزاع معروضا أمام تلك المحكمة، لكن الاعتقاد السائد قبل إحداث محاكم الاستئناف الإدارية، أن رئيس الغرفة الإدارية بمحكمة النقض , يمارس مهام قاضي المستعجلات عندما يكون النزاع معروضا أمام هذه المحكمة استنادا م 46 من القانون رقم 41-90 المحدث للمحاكم الإدارية([7]).

المبحث الثاني: إيقاف إجراءات تحصيل الدين الضريبي أمام القضاء ألاستعجالي

من المعلوم أن المادة 19 من قانون المحاكم الإدارية تعطي صلاحيات واسعة لرؤساء هاته المحاكم قصد البت في الطلبات الوقتية والتحفظية شريطة أن تكون محكمتهم مختصة بأصل النزاع وأنه اعتبارا لكون منازعات التحصيل تدخل في إطار القضاء الشامل للمحكمة الإدارية فإنه لا وجود لما يمنع قاضي المستعجلات من إصدار أوامر وقتية للحفاظ على حقوق طرفين، ولعل أهم منازعات التي تعرض على رؤساء المحاكم الإدارية في هذا الميدان هي تلك المتعلقة بإيقاف مسطرة التحصيل.

علما أن هذه المسطرة تختلف عن مسطرة وقف الأداء التي تعني الحق المخول بمقتضى القانون لكل شخص مطالب بدين ضريبي أن يلتجأ للمحاسب من أجل أن يوقف إجراءات المتابعة إلى حين البت في شكايته المتعلقة بنفس الدين وذلك شريطة تقديم ضمانة تأمين أداء هذا الدين[8].

المطلب الأول: إيقاف إجراءات التحصيل الجبري العادية

لمعالجة هذا المطلب يقتضي منا الأمر تطرق إلى كل من إيقاف مسطرة الإنذار  (الفقرة الأولى) ثم تطرق بعد ذلك إلى إيقاف إجراءات الحجز و البيع (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: إيقاف مسطرة الإنذار

يعتبر الإنذار عبارة عن إشعار يتضمن مجموعة من البيانات التي تحتوي على مبلغ الدين المطالب به والجزاءات المترتبة عنه كما يشمل على ما يفيد إجبار المدين على الوفاء حالا بما في ذمته تجاه الخزينة[9].

ويبقى الهدف من الإنذار هو إعذار المدين على الوفاء بالتزامه، ثم تنبيهه إلى أنه سيتعرض إلى إجراءات أخرى أكثر تأثيرا إن لم يوف بديونه خلال أجل معين.

وإذا تبين لقاضي المستعجلات الإداري أن مباشرة الإنذار القانوني لم يتم وفق المقتضيات القانونية المنصوص عليها في مدونة تحصيل الديون العمومية وأنه لم يحترم فيه القابض الشروط المسبقة المتمثلة في إرسال إشعار بدون صائر والحصول على ترخيص مسبق من رئيس الإدارة التي ينتمي إليها، تتم الاستجابة  لطلب إيقاف الإنذار القانوني.

وقد سار القضاء الاستعجالي الإداري على قبول الطلبات الرامية إلى إيقاف الإنذار إلى حين البت في الموضوع، ويظهر ذلك من خلال أمر قاضي المستعجلات بالمحكمة الإدارية بفاس والذي جاء فيه أن ” إيقاف الإنذار الضريبي إلى حين البت في موضوعه، طلب وقتي لكونه محدد في الزمن وتستدعيه الضرورة الملحة لحل مؤقت يحافظ على مصالح الخصوم ولا تمس الموضوع، ولا تسعف فيه إجراءات التقاضي العادية، ويجنب أخطار مواصلة إجراءات التنفيذ التي قد تصيب أموال الطالب بحبسها وحجزها ويجنب بالتالي تأثيرها على مركزه المالي…وتلكم أضرار يصعب تداركها أو إزالة أثارها مما يرجع لقاضي المستعجلات اختصاص البت في الطلب”

الفقرة الثانية : إيقاف إجراءات الحجز والبيع

يعتبر الحجز إجراء من إجراءات التنفيذ الجبري للأحكام والسندات التنفيذية الأخرى، وهو وسيلة قانونية تخول للدائن حجز أموال مدينه ووضعها تحت رقابة القضاء تحوطا من التصرف فيها بما يضر مصلحة الدائن، ويضعف الضمان العام.

ورتبت المادة 39 من مدونة التحصيل الديون العمومية إجراءات التحصيل الجبري حسب واقعها الإكراهي فجعلت الحجز في الدرجة الثانية والبيع في المرتبة الثالثة.

ولمن يكن هدا الترتيب اعتباطيا، بل جاء عن وعي من المشرع بالواقع الإكراهي البليغ الذي يترتب عن تجريد المدين من ممتلكاته التي قد تبدأ بحجز وبيع المنقولات لتمتد إلى العقارات[10].

وإذا كان الحجز على المنقولات وبالتبعية طلبات إيقافه لا يثير إشكالا من حيث اختصاص القضاء الإداري بالنظر في دفوعات المدين المتعلقة بعدم مشروعية الحجز الضريبي ومن ثم طلب إيقافه بناء على منطوق المادة 141 من مدونة تحصيل الديون العمومية، المحال عليها بمقتضى المادة 45 من نفس القانون فالإشكال الحقيقي يثور بخصوص حجز العقار والأصل التجاري.

فقد تباين العمل القضائي بهذا الخصوص فقد ذهب أمر صادر عن المحكمة الإدارية بالدار البيضاء إلى الاستجابة لمطالبة القابض الرامية إلى إيقاع حجز تحفظيعلى العقار ذي الرسم العقاري عدد 31447 لضمان أداء دين عمومي بينما ذهب أمر رئيس المحكمة الإدارية لمدينة الرباط في أمر صادر عنها بتاريخ 2 يونيو 1999 [11] “أن طلب رفع الحجز يجب أن يقدم أمام نفس الجهة القضائية التي أمرت به، وأن تقديم المدعي طلبه أمام رئيس المحكمة الإدارية رغم أن الأمر بهذا الحجز صدر عن رئيس المحكمة الابتدائية بفاس يجعل الطلب قد قدم أمام جهة قضائية غير مختصة”.

ولقد سبق للغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى[12] بأن أقرت بأن الاختصاصات المخولة للمحكمة الإدارية نوعيا حسب مواد القانون رقم 41-90 لاسيما المادتين 8 و33 من القانون المذكور لا تضم النظر في المنازعة التي تثور بمناسبة الحجز الذي يقوم به موظفو إدارة الضرائب لاستخلاص دين ضريبي”.

وتضمنت مدونة تحصيل الديون العمومية إحالة أخرى إلى جوار سالفتها تتعلق هذه المرة بما ورد في المادة 68 التي نصت على ما يلي: “يتم تنفيذ حجز الأصول التجارية وبيعها وفق الشروط والأشكال المنصوص عليها في القانون رقم 17-95 المتعلق بمدونة التجارة”.

وإذا كان الأصل التجاري هو مجموعة من عناصر مادية ومعنوية فكما يجوز للقابض المالي أن يوقع حجزا على منقولات الأصل التجاري برمته تبعا لمقدار الدين العمومي يجوز له كذلك أن يوقع حجزا على الأصل التجاري برمته تبعا لمقدار الدين العمومي المعني بالتنفيذ غير أن الإشكال قد يطرح في الحالة التي يقوم فيها العون المكلف بالتحصيل على حجز بعض المنقولات الأصل التجاري ولما يعتبر المدين صاحب الأصل التجاري أن بيع هاته المنقولات بمعزل عن الأصل التجاري سوف يضر به وينقص من قيمة الأصل التجاري ليبادر برفع دعوى أمام المحكمة التجارية في إطار القانون 95-53 للمطالبة ببيع الأصل التجاري ككل ويتقدم بطلب إيقاف إجراءات بيع المحجوز أمام القضاء الإداري فهل يكون رئيس المحكمة الإدارية مختص بالبت في طلب إيقاف إجراءات تنفيذ بيع منقولات الأصل التجاري مع وجود دعوى أمام المحكمة التجارية تتعلق ببيع الأصل التجاري ككل أم أن المحكمة التجارية هي المختصة بذلك في إطار اختصاصها بالنزاع برمته.[13]

لقد اتفق القضاء ألاستعجالي في بعض المحاكم الإدارية على إسناد الاختصاص له للنظر في الطلبات الرامية إلى إيقاف بيع عناصر مادية للأصل التجاري وفي هذا الإطار صدر عن قاضي المستعجلات بالمحكمة الإدارية بالدار البيضاء بتاريخ 9/4/1996 أمر استعجالي جاء فيه أنه “يختص قاضي المستعجلات طبقا للمادة 19 من قانون 90-11 بشأن إحداث المحاكم الإدارية بالنظر في الإجراءات الوقتية والتحفظية وأن الطلب المتعلق بإيقاف إجراء حجز عناصر مادية لأصل تجاري التي يجريها القابض تعتبر من الإجراءات التي تتضمنها مقتضيات المادة المذكورة بأن الأساس المعتمد عليه في الطلب مبني على أساس”، [14].

أما الغرفة الإدارية للمجلس الأعلى ذهبت إلى خلع رداء الاختصاص المحاكم الإدارية كلما تعلق النزاع بحجز الأصل التجاري أو المطالبة بإيقاف تنفيذه، ونستشف ذلك من خلال قرار صادر عنها بتاريخ 30 نونبر 2000 مما جاء فيه[15] “إذا كان الطلب لا يتعلق في حقيقته بتحصيل دين مستحق للخزينة العامة حتى يكون النظر فيه من اختصاص المحاكم الإدارية وإنما يتعلق بطلب حجز أصل التجاري وإن كان استيفاء ضرائب فإن النظر في هذا الطلب تختص به محاكم التجارية”.[16]

المطلب الثاني: إيقاف إجراءات الاستثنائية للتحصيل الجبري للضرائب

إذا كانت إجراءات التحصيل الجبري تعتبر من أهم الضمانات التي منحها المشرع لإدارة التحصيل لاستخلاص الدين العمومي عموما والدين الضريبي على وجه الخصوص فهي تعطي للمحاسب المكلف بتحصيل سلطات واسعة لتمكينه من ضمان الحفاظ على حقوق الخزينة إلا أن المشرع المغربي نص على أن قبل اللجوء إلى إجراءات التحصيل الجبري لا بد من سلوك إجراءات مسبقة حيث إن عدم مباشرة تلك الإجراءات يترتب عنه بطلان الإجراءات اللاحقة.

الفقرة الأولى: إيقاف مسطرة الإشعار للغير الحائز

يعتبر الإشعار للغير الحائز من أنجع الوسائل الفعالة فيما يعود لاستخلاص الديون العالقة، ويتلخص في قيام محاسبي الإدارة بالتعرض على أموال الملزمين المودعة لدى الأغيار عن طريق إرسال إشعار للغير الحائز إلى هؤلاء المؤتمنين على الودائع لأجل تحصيل المبالغ المترتبة على المدينين المعنيين برسم الضرائب والرسوم وكافة الديون الأخرى المطلوب أداؤها، وهو إجراء خاص بالإدارة التي لها وحدها الحق الكامل في ممارسته دون غيرها من بقية الدائنين الآخرين سواء كانوا أشخاصا طبيعيين أو معنويين[17].

وهو ما عبر عنه المشرع صراحة في المادة 117 من مدونة تحصيل الديون العمومية  عندما نص  على أنه ” بصرف النظر عن أية مطالبة أو دعوى ينبغي على المدينين أن يؤدوا ما بذمتهم من ضرائب ورسوم وديون أخرى طبقا للشروط المحددة في هذا القانون  إلا أنه يمكن للمدين الذي ينازع كلا أو بعضا في المبالغ المطالب بها أن يوقف أداء الجزء المتنازع فيه شريطة أن يكون قد رفع مطالبته داخل الآجال المنصوص عليها في القوانين والأنظمة الجاري بها العمل ، وأن يكون ضمانات من شانها أن تؤمن تحصيل الديون المتنازع فيها”.

من المؤكد على أن الإشعار للغير الحائز هو وسيلة قانونية تمكن المحاسب المكلف بالتحصيل من تنفيذ الديون العمومية تنفيذا جبريا في مواجهة المدين بها، فهي بمثابة حجز تنفيذي على أموال هذا الأخير، والحجز هو من بين التابعات التي تدخل ضمن سلم إجراءات التحصيل، فإذا نازع الملزم في بطلان مسطرة “الإشعار للغير الحائز” فان القضاء لا يمكنه النظر إليها إلا بالتفحص والتدقيق والتقييم والمساس بالجوهر وهي بالتالي تكون من اختصاص قضاء الموضوع، جاء في قرار  لمحكمة النقض ما يلي “… حيث إن مناط انعقاد اختصاص قاضي المستعجلات هو توفر عنصر الاستعجال في النازلة وعدم المساس بما يمكن أن يقضى به في الجوهر، وحيث أن الطلب يهدف إلى رفع الإشعار للغير الحائز، وهو طلب يشكل منازعة جوهرية تقضي النظر في مشروعية إجراء التحصيل المتخذ وهو يخرج عن اختصاص قاضي المستعجلات ويكون الأمر لما قضى بخلاف ذلك واجب الإلغاء ”

وإذا كان العمل القضائي قد استقر على أنه كلما كان الأمر من شأنه أن يقضي إلى تقييم مشروعية إجراءات التحصيل للبت في المطالبة برفع الحجز فهو يخرج من اختصاص القضاء الإستعجالي لما من شأنه المساس بما يمكن أن يقضي به في الجوهر.

فان العمل القضائي قد استقر أيضا على أنه كلما كانت المراكز القانونية للأطراف واضحة إزاء الحجز يجوز لقاضي المستعجلات أن يتدخل لحماية تلك المراكز بالاستجابة لطلبات رفع الحجز المضروب على أموال المعني بالأمر في إطار مسطرة الإشعار للغير الحائز.

الفقرة الثانية: إيقاف تنفيذ الإكراه البدني

أثارت إشكالية الاختصاص بالبت في المنازعات المتعلقة بمسطرة الإكراه البدني، تضاربا في الآراء انعكست على المقررات القضائية حيث تمسكت بعض المحاكم الابتدائية باختصاصها للبت في النزاعات المتعلقة بمسطرة الإكراه، مبررة أوامرها إما بمقتضيات قانون المسطرة الجنائية وإما بأسباب مستخلصة من قواعد تحصيل الديون العمومية أو بمبررات لها علاقة بجوهر الموضوع أكثر مما ينسب للنزاع المعروض على قاضي الأمور المستعجلة  وفي هذا الإطار ذهبت قلة من المحاكم الإدارية إلى التصريح بعدم اختصاصها للبث في مسطرة الإكراه البدني لفائدة المحكمة الابتدائية وبالمقابل ذهبت أغلبية المحاكم الإدارية إلى القول بأن الاختصاص في إيقاف مسطرة الإكراه البدني يعود إلى رؤساء المحاكم الإدارية.

إذا كان المشرع الفرنسي قد ترك الاختصاص للمحاكم العادية للنظر في جميع المنازعات المتعلقة بتطبيق مسطرة الإكراه البدني، فان المشرع المغربي قد مكن المحاكم الإدارية من البث في منازعات التحصيل والمتابعات المنبنية عنها والإكراه البدني من بين المتابعات الواردة بمدونة التحصيل مما يبدو معه على هذا المستوى أن الاختصاص موكول للمحاكم الإدارية.

وهو ما ذهب إليه قرار عدد 141 صادر عن المجلس الأعلى سابقا حيث اعتبر “المنازعات المتعلقة بالتحصيل، طبقا للمادة 8 من قانون 41-90 ينعقد الاختصاص بشأنها للمحكمة الإدارية وبالتالي فان الطلبات الرامية إلى إيقاف إجراءات التحصيل على وجه الاستعجال ينظر فيها رئيس هذه المحكمة وان صدور قرار عن وكيل الملك بإيداع طالب الإيقاف في السجن لا ينزع عن رئيس المحكمة الإدارية هذا الاختصاص طالما أن النزاع لا ينصب على القرار الصادر عن النيابة العامة وإنما يرتبط بإيقاف إجراءات التحصيل.

 

 

[1]– للمزيد من التفاصيل انظر حسن صحيب، القضاء الإداري المغربي,المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية، العدد80،طبعة 2008.

[2]– كريم لحرش، “القضاء الاستعجالي”، مطبعة دار النشر المغربية، الدار البيضاء الطبعة الأولى، 1995 ص97.

[3]–  قرار رقم 72 صادر عن الغرفة الإدارية بتاريخ 24/4/2003، ملف إداري عدد 4190/4/2001، أشارت إليه مريم الخمليشي، في مقالها المنشور بالمجلة المغربية الإدارة المحلية عدد 115 مارس أبريل 2014، ص 200..

[4]– مريم الخمليشي، دور القضاء الاستعجالي في حماية المركز القانوني للمدين بالجبايات،مرجع سابق، ص200.

[5]–  الفصل 149 من المسطرة المدنية

[6]–  طبقا لما هو مقرر في الفصلين 149 152 من قانون المسطرة المدنية بمقتضى الإحالة الواردة في م 7 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية.

[7]– كريم لحرش، “شرح القانون الضريبي المغربي”، الطبعة الثانية، مطبعة طوب بريس، الرباط، سنة 2014 ص 288، 229،230.، 1995 ص 97.

[8]– سلوى الفاسي الفهري، ايقاف التنفيذ في استخلاص الدين الضريبي أمام القضاء المستعجل، الندوة الجهوية السادسة المنازعات الانتخابية والجبائية من خلال اجتهادات المجلس الأعلى الرباط 10-11 مايو2007 مطبعة الأمنية الرباط 2007 ص 351.

[9]– عبد الرحيم الكينداري : تحصيل الديون الضريبية منشورات جلة الحقوق المغربية سلسلة المعاريف القانونية و القضائية، الطبعة الأولى 2012 ص38

[10]– علوشي عبد الناصر، إيقاف إجراءات  التحصيل الديون العمومية أمام القضاء الاستعجالي، رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون المنازعات كلية العلوم القانونية الاقتصادية و الاجتماعية بمكناس السنة الجامعية 2009-2010.ص 100

[11]– أمر رقم 1314 المحكمة الإدارية بالرباط، بتاريخ 5-6-1999، الملف الاستعجالي عدد 322/99 ( غير منشور).

[12]– قرار رقم 328، المجلس الأعلىـ الغرفة الإدارية بتاريخ 27 يوليوز 1995ـ ورد في منشورات المجلس الأعلى في ذكراه الأربعين 1997، ص: 323.

[13]– محمد القصري محمد القصري، نماذج من الاشكاليات التي يثيرها تطبيق القانون المتعلق بتحصيل الدين العمومي أمام القضاء الاستعجالي دفاتر المجلس الأعلى الاشكالات القانونية والعملية في المجال الضريبي عدد 16.ص 201

[14]– سعيدة نازي، القضاء الاستعجالي بالمحاكم الادارية، رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون المنازعات جامعة مولاي اسماعيل كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مكناس السنة الجامعية 2009-2010.ص 109

[15]– قرار رقم 189، المجلس الأعلى الغرفة الإدارية بتاريخ 30/11/2000. الملف عدد 1116/96 (غير منشور).

[16]– عبد الله فال، القضاء الاستعجالي الاداري،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القوانين الاجرائية المدنية جامعة القاضي عياض كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش السنة الجامعية 2010/2011، ص

 

[17]– مراد الخروبي، التعرض على أموال المدين كوسيلة ناجعة لاستخلاص الديون العالقة،  المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية عدد مزدوج 44-45 ماي – غشت 2002 ص 61.

Exit mobile version