القرض الحسن كآداة للتمويل في البنوك الاسلامية التشاركية

القرض الحسن كآداة للتمويل في البنوك الاسلامية التشاركية

 

سهام أزين

طالبة باحثة في سلك الدكتوراه في القانون الخاص

 

مقدمة :

قد أدى التطور الاقتصادي في الحياة المعاصرة الى نمو هائل لاستخدام القروض في البنوك كما انها تعتبر عنصرا رئيسيا وعاملا مهما وحيويا في علاقة البنك بالزبون ، وأصبح التلازم بين العمليات الإقراضية والبنوك التجارية من البديهيات، و أضحت بذلك القروض تمثل جزءا من كيان الأنظمة البنكية،غير أن هذه القروض لم تكن مؤمنة من المخاطر ، كما أثبتت التجربة قصور القانون البنكي عن مسايرة ومواكبة المستجدات سواء على الصعيد البيئة المالية والقانونية أو ما نجم عن الأزمة المالية العالمية ،مما دفع بالمشرع المغربي لإصدار القانون البنكي الجديد 103.12[1] المتعلق بالمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها ،ومن بين أهم مستجداته أحداث  إطار قانوني للبنوك التشاركية في المواد من 54 الى 70 .

غير أن الإقراض لا يجد صدى في البنوك الإسلامية التشاركية، حيث أنها سلكت منهجا خاصا على مستوى التعامل بالقروض، ينطلق بالأساس من تحريمها للزيادة على أصل القرض حيث تبقى الفوائد خارج عن دائرة تعاملها على مستوى القروض وبالرجوع الى قانون البنوك التشاركية نجد المشرع المغربي لم ينظم القروض بشكل مباشر إلا أنه أعطها الحق في مزاولة بعض العمليات التي تقوم بها البنوك التقليدية وأحال عليها في المادة 57[2] من قانون البنوك التشاركية، ومن بينها التعامل بالقروض شريطة عدم تحصيلها بالفائدة أخدا أو عطاء وذلك وفق شروط الواردة في المادة 54[3] من نفس القانون.

ويطلق على القروض في البنوك الإسلامية عند المشارقة بالقروض الحسنة، ويعتبر هذا الاخير من أكثر الصور الائتمان الذي تمنحه البنوك الإسلامية حيث يقام مقام القرض الربوي في مد المقترض بما يلزمه من مال لتنفيذ مشروعاته، والوفاء بحاجاته الإستهلاكية والإنتاجية .

من هنا يمكن لنا طرح الإشكالية التالية : مدى قابلية تحقيق القرض الحسن في البنوك الإسلامية التشاركية، وكيف يمكن إعتماده في الواقع المغربي ؟

من هذه الإشكالية نتساءل عن المقصود بعقد القرض الحسن ؟ و ما هي مميزاته ؟ و ما هو الاساس القانوني لهذا العقد ؟ وهل يشكل القرض الحسن بديل للقرض التقليدي ؟ وما حجم تطبيق هذا الأسلوب التمويلي على المستوى العملي ؟

كلها اسئلة ونقط سنحاول الإجابة عنها من خلال مبحثين:

المبحث الأول : الإطار القانوني للقرض الحسن .

المبحث الثاني : الجانب التطبيقي للقروض الحسنة في البنوك الإسلامية .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الأول : الإطار القانوني للقرض الحسن

يعد القرض الحسن مهمة إنسانية تباشرها البنوك الإسلامية لتحقيق وإعلاء قيم التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد وبالشكل الذي يعمق معنى ومضمون التعاون الايجابي والمشاركة الفعالة .

وهذا ما يجعلنا نتساءل عن ماهية القرض الحسن (المطلب الأول) وعن أركان وشروط القرض الحسن(المطلب الثاني).

المطلب الأول : ماهية القروض الحسنة .

للوقوف عند حقيقة عقد القرض لابد من تحديد مفهوم هذا العقد (الفقرة الأولى) قبل الحديث عن أنواع القروض الحسنة (فقرة ثانية).

الفقرة الأولى: مفهوم القرض الحسن.

أولا : تعريف القرض الحسن .

القرض لغة: هو القطع، وهو ما نعطيه من المال لتقضاه، أي لتسترده وكأنه شيء قد قطع من مالك[4]

القرض اصطلاحا :

  • عند الحنفية : هو كل ما نعطيه من مال مثلي لتتقضاه بمثله أو عقد مخصوص يرد على دفع مال مثلي لأخر ليرد مثله .
  • عند الشافعية : هو تمليك الشيء على أن يرد مثله
  • عند الحنابلة : هو رفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله .
  • عند المالكية : هو فعل معروف سواء كان بالحلول أو مؤخرا إلى أجل معلوم.

وفي تعريف أخر للمالكية هو دفع المال على وجه القربى لله تعالى لينتفع به أخذه ثم يرد له مثله أو عينه[5] .

القرض قانونا :

أما من الناحية القانونية فقد عرفه الفصل 856 من قانون الالتزامات والعقود حيث نص على انه “هو عقد بمقتضاه يسلم أحد طرفين للأخر أشياء مما يستهلك بالإستعمال أو أشياء منقولة أخرى لإستعمالها شرط أن يرد المستعير عند إنقضاء الأجل المتفق عليه أشياء أخرى مثلها في المقدار أوالنوع او الصفة “.

ومن خلال عرض التعريفات السابقة يمكن وضع تعريف للقرض الحسن باعتباره القرض الذي يدفع بدون فائدة[6]، حيث أن المقرض لا ينتظر من المقترض مقابلا ماديا أو معنويا أو عائدا من منح القرض .

والبنك الإسلامي يقدم القروض الحسنة على أساس ان له أهداف اجتماعية ودور في إرساء قواعد التكافل الاجتماعي وذلك في حدود ما يأذن به المساهمون والمودعون، ويكون ذلك عموما من خلال صندوق خاص بالقرض الحسن ، وذلك تماشيا مع الأهداف التي رسمتها البنوك الإسلامية للإلتزام بمبادئ الشريعة الإسلامية .

ثانيا: تمييز القرض الحسن عن القرض بفائدة

يعتبر القرض في البنوك التقليدية من أهم نشاطات المصرفية فهو يشكل مصدرا من أموال البنك التقليدي وهو مجال استخدام تلك الأموال ، ويقوم البنك التقليدي بدفع فائدة على مصادر الأموال المقترضة على شكل ودائع مثل توفير لأجل ويأخذ على مصادر الأموال المقرضة على شكل قروض وسلف وتسهيلات بنكية ، وجميع أشكال القروض التي يتعامل بها البنك التقليدي هي قروض ربوية مشروطة فيها الزيادة على الأصل ومربوطة فيها الزيادة بالأجل .

أما القرض الحسن : فهو مجرد عقد إرفاق وتعاون وإحسان مندوب إليه في حق المقرض ، مباح للمقترض[7]. ويفرق بين المدين المعسر والمدين الميسر ،فيمهل الأول دون إضافة زيادة عليه حتى وقت اليسر ،ويفضل مسامحته والعفو عنه ، لقوله تعالى :”وان كان ذو عسرة ونظرة الى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم ان كنتم تعلمون “[8].

وعليه فان القرض الحسن دليل واضح على أن الاقتصاد الإسلامي يعتمد على قيم الأخلاق التي في مقدمتها التراحم والتعاون والتقوى والمودة والمروءة ، والشهامة ، والنجدة ، وهو ما يميز الاقتصاد الإسلامي عن الإقتصاد الوضعي ، فالقرض بفائدة يتنافى مع مبادئ الإسلام وقيامه وتوجهاته .

 

 

 

الفقرة الثانية : أنواع القروض الحسنة

تنقسم القروض الحسنة من حيث الغرض الى قسمين :

أولا : قروض إجتماعية

والغاية منها سد الحاجة لمواجهة مطالب إجتماعية ملحه كحالة المرض والوفاة والكوارث والنكبات والتعليم والإسكان ونحوهما …

ثانيا : قروض إنتاجية

وتقدم هذه القروض لصغر الحرفيين والعمال والمحتاجين لمساعدتهم في الإعتماد على أنفسهم ، والتحول إلى طاقة إنتاجية لإنتاج ما يفي بحاجتهم ويحقق فائضا يسدد به ما حصلوا عليه من قرض حسن.[9]

وبذلك يختلف القرض الحسن إختلافا جدريا عن القرض الربوي، فالبنك التقليدي من خلال القرض يقوم بتحميل المقترض زيادة على مبلغ القرض هادفا من وراء ذلك تحقيق أرباح شخصية ولو على حساب المحتاجين والمكروبين ، بينما القرض الحسن يمثل قربى من القرب، يرد بمثله دون زيادة لما فيه من نفع وقضاء حاجته .

 

المطلب الثاني: أركان وشروط عقد القرض الحسن

بحكم ان القرض الحسن يعتبر عقدا فلا بد له من أركان (الفقرة الأولى ) وشروط لكي ينعقد ويتصف بصورته الإلزامية (الفقرة الثانية ).

الفقرة الأولى : أركان عقد القرض الحسن

بما أن عقد القرض الحسن ينعقد بما ينعقد به القرض العادي ، وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن أركان عقد القرض ثلاثة : الصيغة ، العاقدان ، المحل ، فيما حددها قانون الالتزامات والعقود المغربي في أربع أركان استنادا للفصل 2 منه وهي الأهلية والتراضي والمحل والسبب.

أولا: العاقدان وهما المقرض والمقترض ويشترط فيهما:

أهلية التبرع في المقرض والمقترض فيما يقرضه فلا وجود للخلاف بين الفقهاء في أنه يشترط في المقرض أن يكون أهل للتبرع أي حرا عاقلا بالغا راشدا[10].

وبالرجوع الى مقتضيات الفصل 858 من ظهير الالتزامات والعقود يتضح أن المشرع المغربي قد اشترط بالمقرض أهليه التصرف اذا كان القرض بفائذة أما اذا كان قرضا بدون فائدة فيشترط في المقرض أهلية التبرع فقط[11] ، وذلك على إعتبار أن عقد القرض لا يعتبر من عقود التصرف إلا إذا كان بمقابل ، والعكس بالعكس .

الرشد والإختيار بالنسبة للمقرض والمقترض : والرشد هو الإتصال بالبلوغ والصلاح في الدين والمال لأن عقد القرض الحسن عقد معاوضة مالية.

كما يشترط المشرع المغربي في المتعاقدين سلامة الإرادة لديهما عند التعاقد من كل عيب وقف ما جاء في الفصول من 39 إلى 56 من قانون الالتزامات والعقود .

ثانيا: المحل وهو المال المقترض وذكر الفقهاء ثلاثة شروط تخصه:

  • أن يكون من المثليات : والمقصود بالمثليات الأموال التي لا تتفاوت احدها تفاوتا تختلف به قيمتها .[12]
  • أن يكون عينيا أي صحة اقراض المنافع
  • ان يكون معلوما :اشتراط قدر المال المقرض ضرورية لأجل صحة العقد ، فعلى هذا القول يشترط في محل القرض الحسن ان يكون معلوم القدر عند القرض.

أما بالنسبة لظهير الالتزامات والعقود نجد المشرع المغربي قد سوى بشأن محل القرض مابين المثليات وغيرها، إذ كما يجوز  أن ينصب عقد القرض على أشياء مثلية كالنقود وغيرها، يجوز قانونا أن ينصب على غيرها كالعقار والحيوان…فقد جاء في الفصل 859 من ظهير الإلتزامات والعقود أنه (يصح أن يرد القرض على :

أ : الأشياء المنقولة كالحيوان والملابس والأثاث .

ب : الأشياء التي تستهلك بالإستعمال كالأطعمة والنقود.)

ثالثا: السبب

يقصد بالسبب، ذلك الباعث الدافع للتعاقد أو بتعبير آخر هو ما يدفع كل طرف في الالتزام إلى إبرام هذا الأخير.

وقد اشترط الفقه الإسلامي في الباعث مجموعة من الشروط يمكن أن نستشفها من خلال بعض الآراء الفقهية التي تناولت موضوع المقابل في عقد القرض وهي تقريبا نفس الشروط التي اشترطها ظهير الالتزامات ولعقود المغربي ومن هذه الشروط:

يجب أن يكون السبب موجودا ومشروعا، فلا يصح القرض الذي لا سبب له، وفي ذلك ينص الفصل 62 الالتزام الذي لا سبب له أو المبني على سبب غير مشروع، يعد كأن لم يكن، على أنه يفترض في كل التزام طبقا للفصل 63 من نفس الظهير أن له سببا حقيقيا ومشروعا ولو لم يذكر، ويعتبر السبب غير مشروع لدى فقهاء الإسلام إذا كان قائما على أساس النفع للمقرض مثلا ( الربا)…ويعتبر السبب غير مشروع من الناحية القانونية إذا كان مخالفا للأخلاق الحميدة أو للنظام العام أو للقانون.

رابعا: الصيغة

وهي الإيجاب والقبول أي الإيجاب والقبول الدالان على اتفاق إرادتين على إنشاء هذا العقد.

 

الفقرة الثانية : الشروط الخاصة لعقد القرض الحسن

لا تمنح البنوك الإسلامية القرض عشوائيا بل لابد من توافر عدة شروط في من يريد الاستفادة من هذه القروض ، وهذه الشروط ذكرها الدكتور يوسف عاشور في كتابه ” [13]مقدمة في إدارة المصارف الإسلامية ” حيث قال : ” تحقق المصارف الإسلامية في منح القرض من الشروط الآتية :

ان يكون طالب القرض مسلما ملتزما بأمور دينه .

التحقق من مشروعية الأسباب المطلوب من اجلها هذا القرض.

ج- التحقق من الحاجة الفعلية للقرض وذلك بإجراء دراسة اجتماعية أو بتقرير مقدم من جهة رسمية عاملة في هذا الميدان .

ونضيف مع الكاتب شرط أساسي وهو ضرورة إضفاء الرقابة الشرعية على القرض الحسن .

المبحث الثاني: تجربة البنوك الإسلامية في مجال القروض الحسنة وأثارها.

يعتبر القرض الحسن من أكفأ الصيغ التمويلية وذلك لكون هذه الصيغة الغارمين الذي اعتبره الإسلام أحد الأوجه مستحقة للإنفاق ،إذن ما هي مصادر التمويل بالقروض الحسنة  وما هي التطبيقات الميدانية للقروض الحسنة في البنوك الإسلامية (المطلب الاول) وما هي الآثار المترتبة عليه (المطلب الثاني)

المطلب الأول : تجربة البنوك الإسلامية في مجال القروض الحسنة  

للوقوف عند تجربة البنوك الإسلامية في مجال القرض الحسن لابد بداية من تحديد مصادر التمويل بهذه القروض (الفقرة الأولى) قبل التطرق لتطبيقاته الميدانية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: مصادر التمويل بالقروض الحسنة

لقد ظهرت فكرة القرض الحسن في البنوك الإسلامية مع ميلاد بنك ناصر الاجتماعي في مصر بداية سبعينيات القرن الماضي ،حيث قام بتقديم قروض حسنة للمقبلين عن الزواج وكذلك للطلاب وأيضا للموظفين أصحاب الاسر لمساعدتهم في حياتهم المعيشية[14] .

وعلى هذا النهج سارة بنك دبي الإسلامي ،حيث نصت المادة 71 من نظامه الأساسي على ما يلي :”منح القروض الحسنة للمتعاملين مع البنك الذين يواجهون صعوبات طارئة أثناء معاملاتهم حتى لا يضطر للتعامل بالفائدة أو إعلان الإفلاس ومنح القروض الحسنة لأصحاب الضرورات ، كالعلاج والزواج وغيرها ،حتى لا يقع فريسة للمرابين “.

وتجدر الإشارة إلى أن بعض المصارف الإسلامية تأخذ رسم خدمة على القروض التي تمنحها تحت بند نفقات الإدارة الفعلية على القروض،أو تحت بند الأجر ،وهي نسبة تتراوح غالبا ما بين (2،5-3 في المائة ).

وقد رأى مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي أنه :” يجوز أخد أجور عن خدمات القروض على ان يكون ذلك في حدود نفقات الفعلية زيادة على الخدمات الفعلية…وان كل زيادة على الخدمات الفعلية محرمة ،لأنها من الربا محرمة شرعا [15].

أما فيما يخص اعتماد القروض الحسنة في البنوك الإسلامية التشاركية في المغرب فلم ينص عليها ضمن منتجاتها لكن أحال عليها من ضمن القروض البنكية شريطة احترامها لضوابط الشريعة الإسلامية وعلى الخصوص محاربتها للربا لشتى أنواعه وأشكاله ،وهو دعم في حد ذاته لروح التنمية الاجتماعية فما يرهق اغلب الأسر سواء الصغيرة أو المتوسطة أو حتى الكبيرة هو مشكل التمويل ،هذا الأخير الذي تستغله البنوك التقليدية باعتباره حاجة اقتصادية لتضع شروطها سواء بشكل اعتباطي أو عن طريق عقود الادعان حيث لا تملك الأسر سوى مجال هامشي لمناقشة بنود تلك العقود وهي اما بالقبول أو الرفض طالما ان ليس هناك بديل .

ومما لاشك فيه ان القروض الحسنة إذا ما طبقت في المغرب ستساعد على تنمية المجتمع المغربي باعتباره وسيلة لتحقيق التعاون على البر والتقوى وجعل المجتمع لحمة واحدة يشد بعضه بعضا ويقدر فيه المقرض للمقترض حسن صانعه ويتمنى له مزيدا من الخير والبركة حتى تستديم منافعه، كما أنه يمكن اعتماد القروض الحسنة من خلال القروض الإنتاجية في تمويل المشروعات صغيرة الحجم ويسهم في علاج مشكلة البطالة وهو ما يعود اثاره اجابا على تنمية المجتمع المغربي .

الفقرة الثانية : التطبيقات الميدانية للقروض الحسنة

إن الدراسة الميدانية التي قامت بها لجن من الأساتذة والخبراء والاقتصاديين والشرعيين والمصرفيين على مجموعة من البنوك الإسلامية وأثبتت هذه الدراسة تفاوت في نسب وحجم القروض الحسنة التي تقدمها في اطار أنشطتها الاجتماعية، ومن النماذج التي يمكن الاستشهاد بها في هذا الإطار :

البنوك الإسلامية في مصر وتشمل على أربع بنوك وهي : بنك ناصر الاجتماعي ،والمصرف الإسلامي الدولي للاستثمار والتنمية ، بنك تمويل

المصري السعودي، بنك فيصل الإسلامي المصري.

وأسفرت الدراسة الميدانية [16]أن بنك ناصر الإسلامي والبنك الإسلامي الدولي للاستثمار والتنمية تضمن قانونهما الأساسي إشارة واضحة الى اهتمامهما بالقروض الحسنة والمساعدات الاجتماعية ،كما خص البنكان معا إدارة مستقلة تهتم بشؤون القرض الحسن ، وقد بلغ متوسطهما السنوي عشرة أفراد لكل بنك. اما بنك التمويل المصري السعودي وبنك فيصل الإسلامي المصري لم يشر الى القرض الى القرض الحسن في قانونهما الأساسي ، ليبقى البنك الوحيد الذي حقق نسبا كبيرة على مستوى المستفيدين هو بنك ناصر الاجتماعي .

البنوك الإسلامية في الخليج [17]: أوضحت الدراسة التي أجريت على ثمانية بنوك بمنطقة الخليج ان 20 في المئة منها التي أفصحت في قانونها عن قيامها بنشاط القرض الحسن ويتعلق الأمر ببنك دبي الإسلامي الأردني للتمويل والاستثمار . وقد أسندت 50 في المئة من المصارف الإسلامية محل الدراسة أعطت مسؤولية نشاط القرض الحسن إلى : لجنة تعقد بصفة استثنائية أو شخص بجانب أعماله الأخرى آو إدارات أخرى بالبنك . أما عن عدد الأفراد المستفيدين من القروض الحسنة فقد تتراوح بين 693 حالة و642 حالة و 58 حالة و 20 حالة وحالة واحدة [18].

البنوك الإسلامية بالسودان [19]: أسفرت الدراسة الميدانية انه من أصل خمسة مصارف هناك مصرفان فقط  هما اللذان اشارا في قانونهما الأساسي  إلى إعطاء القروض الحسنة ويتعلق الأمر ببنك فيصل الإسلامي السوداني وبنك التضامن الإسلامي السوداني .

وفي إطار تقييم التجربة العملية للبنوك الإسلامية على مستوى التمويل بالقروض الحسنة ، يستنتج بناء على النتائج السابقة التي توصلت اليها الدراسة الميدانية ان نسبة صغيرة من البنوك الإسلامية محل الدراسة هي التي تهتم بنشاط القرض الحسن ، اما عن نسبة الإفصاح عن نشاط القرض الحسن في هده المصارف كانت ضعيفة بصفة عامة ، وعليه يمكن القول انه باستثناء بعض المصارف الإسلامية القليلة التي ساهمت بقسط  صغير من التمويل بالقرض الحسن فان باقي المصاريف لم ترقى إلى المستوى المنشود الذي كان منتظر منها بحكم طبيعتها وما تتطلبه من معاني والتكافل الاجتماعي.

المطلب الثاني: أثار التمويل بالقرض الحسن

عندما يتم عقد القرض  الحسن يترتب على ذلك التزامات على كاهل المقرض لصالح المقترض (الفقرة الأولى)، وبالمقابل تنشأ التزامات على كاهل المقترض لصالح المقرض (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: التزامات المقرض.

أولا : التزامات المقرض في الفقه الإسلامي.

يرى الإمامان مالك بن أنس والليث بن سعد: أن اشتراط مدة محدودة في صلب العقد جائز على خلاف ما يرى الإمامان الشافعي وأحمد وينشأ عن ذلك التزام بالمدة لقوله عز وجل: ﴿إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى﴾. ولقول الرسول عليه الصلاة والسلام «المسلمون عند شروطهم»([20])، وذلك إن اشتراط المدة الكافية للانتفاع لا يخالف مقتضى العقد، بل هو ما يؤكد عقد القرض، ويؤكد وصوله إلى الغاية التي وجد من أجلها([21]).

ثانيا :التزامات المقرض في إطار ظهير الالتزامات والعقود.

يقع على عاثق المقرض في إطار ظهير الالتزامات والعقود مجموعة من الالتزامات أهمها على الإطلاق، الإلتزام بضمان الاستحقاق والالتزام بضمان العيوب الخفية ([22]).

ب: الالتزام بضمان الاستحقاق.

بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 864 من ظهير الالتزامات والعقود المغربي نجدها تنص على أنه يضمن المقرض العيوب الخفية في الشيء المقترض واستحقاقه، وفق الأحكام المقررة في للبيع.

الالتزام بضمان العيوب الخفية.

إذا ثبت أن في الشيء المقترض عيب فهنا يجب التمييز بين وضعين:

1 – إذا كان القرض بأجر : جاز للمقترض الخيار بين :

المطالبة بإصلاح العيب إن أمكن.

أما إذا لم يكن ممكنا فآنذاك للمقرض حق التعويض.

2 : إذا كان القرض دون أجر: فهنا للمقترض الخيار أيضا :

فله أن يرجع الشيء المقترض على الحالة التي وجد عليها، وبه ينتهي عقد القرض

وله أن يحتفظ بالشيء المقترض رغم وجود العيب على أن يتم الإرجاع وفق الحالة التي هو عليها، أو القيمة التي يقوم بها بوجود العيب.

الفقرة الثانية: التزامات المقترض.

أولا  : التزامات المقترض في الفقه الإسلامي.

أما التزامات المقترض فهي كالتالي:

-أن يقدم الرهن، أو الكفيل، إذا طلب منه ذلك المقرض، فالرسول صلى الله عليه وسلم اقترض شعيرا من يهودي بالمدينة ورهن فيه درعه.

-أن يرد عند نهاية الأجل مثل الذي اقترض في المثليات، كالطعام واللباس والنقود… أو قيمة الشيء المقترض إذا لم يكن له مثيل ويجوز رد الأحسن، كما تقدم، لأن حسن القضاء أمر مندوب إليه.

ثانيا : التزامات المقترض في إطار ظهير الالتزامات والعقود المغربي.

بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 865 من قانون الالتزامات والعقود المغربي نجده ينص على ما يلي: «على المقترض أن يرد مثل ما تسلمه قدرا وصفة، ولا يلزمه غير ذلك»، فمن خلال هذا الفصل يضح أن أهم التزام يقع على عاتق المقترض عند حلول الأجل هو الالتزام بالرد، وإذا كان الفصل المذكور قد أشار إلى أن الرد يشمل فقط ما تسلمه المقترض إلى أنه بالرجوع إلى فصول أخرى في ظهير الالتزامات والعقود نجدها تنص على أن الإرجاع يشمل أشياء أخرى غير الشيء المقترض

أ: الالتزام برد الشيء المقترض :

الفصل 865 من قانون الالتزامات والعقود المغربي نجده ينص على ما يلي: «على المقترض أن يرد مثل ما تسلمه قدرا وصفة، ولا يلزمه غير ذلك» على أن رد الشيء المقترض يجب أن يقع داخل الأجل المتفق عليه، غير أنه وبمقتضى الفصل 866 من ظهير الالتزامات والعقود، إذا لم يحدد أجل للرد كان الرد واجبا عند المطالبة به من طرف المقترض، على أنه حتى في حالة ما إذا كان الرد محدد الأجل، فإن هذا الأجل يسقط في بعض الحالات :

كما هو الشأن بالحالة التي يشتهر فيها إفلاس المقترض أو عسره.

والحالة التي يضعف فيها المقترض ما أعطى للمقرض من تأمين.

كما يسقط الأجل إذا تنازل عنه المستفيد منه.

الالتزام برد المصروفات والفوائد :

فحسب الفصل 869 من ظهير الالتزامات والعقود تقع مصروفات تسليم الأشياء المقترضة على عاتق المقترض ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك.

وطبقا للفصل 871 من نفس الظهير  فإنه إذا تضمن العقد سعر الفائدة وتأخر المدين عن الوفاء أمكن احتساب الفائدة التأخيرية على أساس السعر المتفق عليه.

والملاحظ هنا أن المشرع المغربي قد تعامل بنوع من الازدواجية بشأن الفائدة في القروض فجعلها باطلة ومبطلة للقرض إذا جرت بين المسلمين طبقا للفصل 870 من ظهير الالتزامات والعقود، وفي نفس الوقت أجازها في المعاملات التجارية.

ختاما ان فكرة تقديم القروض الحسنة بدون فوائد في البنوك التشاركية بالمغرب ستجعل منه يقدم خدمات اجتماعية مهمة تجعل الأشخاص يضعون ثقتهم قي البنوك التشاركية ولا يعتبرونها فقط مؤسسات تجارية تهدف الى جلب أرباح ،وهدا مما لا شك فيه انه سيؤدي الى خلق عمليات ناجحة في العمل البنكي المغربي ويعطي قيمة مضافة لكسب ثقة المغاربة،هو ما يجعل البنك التشاركي ينطلق انطلاقة صحيحة بدون معيقات،ويقوم بمسؤوليته في تقديم القرض الغير الربوي الذي يسترجعه بدون ان يكون هناك أي إضرار به، وبهذا يسير المغرب بنفس النهج الذي سارت عليه باقي الدول التي استخدمت القروض الحسنة في نضامها البنكي الإسلامي.

وبناءا عليه فقد توصلت في إطار هذا المقال إلى مجموعة من النتائج التي أصدرت بناء عليها عدة توصيات ومن أهمها:

على البنوك الإسلامية التشاركية أن تأخذ بعقد القرض الحسن نظرا بالمزايا التي يحققها على المستوى الاجتماعي .

القرض الحسن يدخل ضمن نطاق الخدمات الاجتماعية للبنوك الإسلامية التي تشكل ما يسمى بصندوق القرض الحسن تقوم كم خلاله بتوفير نوعين من القروض الحسنة الاستهلاكية والإنتاجية .

القرض الحسن له أكبر الاثار في تنمية المجتمع الإسلامي وكذلك من خلال تمويل المشروعات الصغيرة التي ترفع المجتمع وتشجع شأن الاقتصاد المحلي .

احترام آداب القرض الحسن لكل من المقرض والمقترض خاصة من جانب المقرض من خلال إنذار المعسر وحسن التقاضي، أما من جانب المقترض يتعين عليه عدم المماطلة والاهتمام بوفاء الدين وحسن التقاضي .

 

 

 

 

 

 

قائمة المراجع :

_   محمد الحبيب التجكاني، نظام التبرعات في الشريعة الإسلامية، دار النشر المغربية، ط 1983.

_  عاشور يوسف حسن محمود،”مقدمة في إدارة المصارف الإسلامية ” الجامعة الإسلامية ،غزة فلسطين ، 2002

_ عبد السلام أحمد فيغو (العقود المدنية الخاصة في القانون المغربي- الوديعة –العرية- القرض – الوكالة – عقود الغرر – الصلح  الكفالة – الرهن الحيازي…)، الطبعة الأولى 2008، مطبعة الأمنية/الرباط، منشورات دار الأمان للطباعة والنشر والتوزيع /الرباط.

_ حماد نزيه ،”عقد القرض في الشريعة الإسلامية “،مطبعة دار القلم – دمشق ،الطبعة الأولى 1991.

_ اشرف محمد دوابة ،”اساسيات العمل المصرفي الإسلامي “، مطبعة دار السلام –القاهرة ،طبعة الأولى 1433 ه/2012 م .

_ الرملي، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة 1938، ج 4.

_  سيدى محمد الوردي ،”اساسيات الاقتصاد الإسلامي وتطبيقاته المعاصرة “، مطبعة طوب بريس – الرباط، طبعة 2011 .

وهبة الزحيلي ، “المصاريف الإسلامية ” ، مطبعة دمشق –الروضة،الطبعة الأولى 1428 ه /2007م  .

_ تاج العروس –الزبيدي ،تحقيق على شيري ،دار الفكر ،بيروت ،1414 ،مادة القرض.

_ محمد نبيل طريفي و ايميل يعقوب،  الصحاح –الجوهري ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،طبعة 1 ،1420 ه ،مادة قرض.

 

 

 

 

 

[1]–  قانون رقم 103.12 يتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها ،صادر في 24 دجنبر 2014 جريدة رسمية عدد 63.28 بتاريخ 22 يناير 2015 .

[2]–  تنص المادة 57 من قانون بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها “يمكن للبنوك التشاركية مزاولة العمليات المشار اليها في المواد  7و8و9و16 من هذا القانون مع مراعاة احكام النصوص التشريعية والتنظيمية المطبقة في هذا المجال ووفق نفس الشروط الواردة في المادة 54 اعلاه ” .

 -[3]تنص المادة 54 من قانون بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمه “تعتبر بنوكا تشاركية الاشخاص الاعتبارية الخاضعة لأحكام هذا القانون والمؤهلة لمزاولة الانشطة المشار اليها في المادة الاولى والمادتين 55 و 58 من هذا القانون وكذا العمليات التجارية والمالية والاستثمارية بصفة اعتيادية بعد الرأي بالمطابقة الصادر عن المجلس العلمي الاعلى وفقا لمقتضيات المادة 62 ادناه .

يجب ان لا تؤدي هذه الانشطة والعمليات المشار اليها اعلاه الى تحصيل او دفع فائدة او هما معا “.

-[4] تاج العروس –الزبيدي ،تحقيق على شيري ،دار الفكر ،بيروت ،1414 ،مادة القرض، ص 2/522

[5] – محمد نبيل طريفي و ايميل يعقوب،  الصحاح –الجوهري ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،طبعة 1 ،1420 ه ،مادة قرض 326/3– 327

– [6]سيدى محمد الوردي ،”اساسيات الاقتصاد الإسلامي وتطبيقاته المعاصرة “، مطبعة طوب بريس – الرباط، طبعة 2011،  ص:252 .

 [7]  – وهبة الزحيلي ، “المصاريف الإسلامية ” ، مطبعة دمشق –الروضة،الطبعة الأولى 1428 ه /2007م

[8] – سورة البقرة : الاية 280

[9] – اشرف محمد دوابة ،”اساسيات العمل المصرفي الإسلامي “، مطبعة دار السلام –القاهرة ،طبعة الأولى 1433 ه/2012 م ،ص: 152 .

[10] – الرملي، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة 1938، ج 4، ص: 219.

[11]– عبد السلام أحمد فيغو (العقود المدنية الخاصة في القانون المغربي- الوديعة –العرية- القرض – الوكالة – عقود الغرر – الصلح – الكفالة – الرهن الحيازي…)، الطبعة الأولى 2008، مطبعة الأمنية/الرباط، منشورات دار الأمان للطباعة والنشر والتوزيع /الرباط، ص 105.

[12] – حماد نزيه ،”عقد القرض في الشريعة الإسلامية “،مطبعة دار القلم – دمشق ،الطبعة الأولى 1991 ، ص :33 .

[13] – عاشور يوسف حسن محمود،”مقدمة في إدارة المصارف الإسلامية ” الجامعة الإسلامية ،غزة فلسطين ، 2002، ص123 .

[14] – اشرف محمد دوابه ، م .س، ص:157

[15] – انظر قرارت وتوصيات “مجمع الفقه الإسلامي” ، منظمة المؤتمر الإسلامي ، دار القلم- دمشق ،مطبوعات مجمع الفقه الإسلامي ، جدة ،طبعة ثانية 1418 ه قرار رقم 13 .

[16] – تقويم دور الجتماعي للمصارف الإسلامية ، من اعداد، لجنة من الأساتذة والخبراء الاقتصاديين والشرعيين والمصرفيين ، الجزء الثالث ، ص 48/47 .

– تشمل هذه المصاريف بنك البحرين الإسلامي _ بنك التمويل الكويتي- بنك دبي الإسلامي- بنك البركة الإسلامي للاستثمار- بنك قطر الإسلامي-   الشركة الراجحي – بنك فيصل الإسلامي البحريني – شركة الإسلامية للاستثمار.[17]

[18]– تقويم الدور الاجتماعي للمصاريف الإسلامية  ، من اعداد، لجنة من الأساتذة والخبراء الاقتصاديين والشرعيين والمصرفيين ، جزء 3 ، ص:106/107 . انظر محمد الوردي ، م.س ،ص 259 .

[19] – تشمل هذه البنوك : – بنك فيصل الإسلامي السوداني – بنك التضامن الإسلامي السوداني-البنك الإسلامي السوداني- بنك التنمية التعاوني السوداني – بنك الإسلامي لغرب السوداني .

[20] – البخاري، بشرح الفتح، ج، 4، ص: 451.

[21] – محمد الحبيب التجكاني، نظام التبرعات في الشريعة الإسلامية، دار النشر المغربية، ط 1983، ص: 79.

[22] – هناك التزامات أخرى تقع على عاثق المقرض مثل الإلتزام بتسليم المحل للمقرض… غير أن أهم الإلتزامات التي طرح بعض الإشكالات العملية تبقى منحصرة في الضمان، ولذلك آثرنا أن نخصص هذ الفقرة فقط للإلتزام بالضمان.

إقرأ أيضاً

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي Constitutional control and …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *