Site icon مجلة المنارة

القانون الجنائي الإداري – نحو توجه جديد في اعتماد العقوبات الإدارية –

القانون الجنائي الإداري

نحو توجه جديد في اعتماد العقوبات الإدارية –

 

                                                                                               نورالدين الوناني

                                                                                              دكتور في الحقوق

                                                                            باحث في القانون الجنائي والعلوم الجنائية

 

إن الجريمة باعتبارها ظاهرة اجتماعية موجودة في كل المجتمعات المتقدمة منها والمتخلفة و نظرا لما تحدثه من اضطراب اجتماعي حاول الإنسان منذ الأزل إيجاد التفسيرات الضرورية للتصدي لها، كما أنه وانطلاقا من القواعد الأساسية لعلم الإجرام يمكن السير وراء مسلمة مفادها أن الجريمة هي في حد ذاتها ظاهرة طبيعية بل وصحية تشيع في كل المجتمعات.

لكل هذا ظهرت العقوبة كآلية لمواجهة معضلة الجريمة غير أن هذه الآلية كانت ولا تزال محل نقاش فقهي عميق يختلف باختلاف الاتجاهات الفلسفية و المدارس الفكرية المهتمة بها أو بالجريمة على حد سواء. هكذا تمت الاستعانة بالأدوات العقابية ولاسيما العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة – باعتبارها الغالبة على مستوى النص الجنائي[1]– كرد فعل عن ارتكاب الجريمة الشيء الذي تمخض عنه ظهور أزمة على مستوى العدالة الجنائية تجلت مظاهرها في زيادة نسب الإجرام وتكدس القضايا في المحاكم مما أدى إلى زيادة أعباء جهاز العدالة الجنائية بمختلف مكوناتها وأثر على جودة الأحكام وتسبب في تأخير الفصل في القضايا والإسراف كذلك في اعتقال الأشخاص كل هذه العناصر أبانت عن فشل في السياسة الجنائية المتبعة ولو ظاهريا في مواجهة الارتفاع المهول في قضايا الجنوح البسيط الشيء الذي أدى إلى زيادة النقاش حول مدى فعالية النظم والأنماط العقابية التي اختارتها الدولة لمجابهة هذا النوع من الإجرام.

انطلاقا من كل هذه الاعتبارات جاءت فكرة التحول عن العقوبة الجنائية لصالح نظام عقابي آخر[2] إذ يتم بموجبه رفع صفة التجريم عن فعل غير مشروع طبقا للقانون الجنائي ويصبح من ثم مشروعا من الناحية الجنائية و لكن يظل غير مشروع طبقا لقانون آخر يقرر له جزاءات قانونية غير تلك المعهود العمل بها في القانون الجنائي و خاصة العقوبة السالبة لحرية[3].

كل هذا دفع إلى النظر نحو العقوبات الإدارية[4] كبديل محتمل للتنصيصات الزجرية التي أقرها المشرع لمعالجة هذا النوع من الإجرام، في إطار توجه يهدف إلى تبني آليات جديدة لهذه المعالجة. وهو اختيار يمكن تبريره على الأقل جزئيا بكونه نابع من الرغبة في تجاوز عدم فعالية سياسة العقاب الجنائي في مواجهة هذا النمط من الإجرام.

وقد حظيت العقوبات الإدارية باهتمام كبير من التشريعات المقارنة، حيث عملت هذه الأخيرة على صياغة هذه العقوبة في منظومة قانونية متكاملة في إطار ما يعرف بالقانون الإداري الجنائي[5] (المطلب الأول)، أما في المغرب وأمام عدم اتضاح معالم هذا القانون، فإن ذلك لا يمنع من إمكانية اعتماد تصور جديد بمقتضاه يمكن تحويل طبيعة الجرائم المعاقب عليها بعقوبات سالبة للحرية قصيرة المدة من جرائم جنائية، تطبق عليها نصوص القانون الجنائي، إلى جرائم إدارية يمنح من خلالها لهيئات إدارية سلطة توقيع عقوبات ذات طبيعة إدارية، وبإجراءات إدارية (المطلب الثاني).

 

 

المطلب الأول: الضمانات الموضوعية والإجرائية لتوقيع العقوبات الإدارية

لابد من التأكيد بداية على أن هذا التوجه لا يهدف إلى التحول عن نصوص القانون الجنائي لصالح نظام آخر بل ينطلق من فكرة أن هناك أفعال قد تشكل مساسا جوهريا  بمصالح الأفراد داخل المجتمع، وأن ردعها يتطلب حتما تدخل النصوص الزجرية (القانون الجنائي) عن طريق فرض جزاءات تتناسب وخطورة الفعل المرتكب، و بالتالي فإن ما يشمله هذا التوجه يرتبط بتلك الجرائم المعاقب عليها بعقوبات قصيرة المدة بحيث يمكن نقلها إلى حيز القانون الجنائي الإداري[6].  لذا كان من المفروض في هذا الإطار إخضاع سلطة العقاب التي تتمتع بها الهيئات الإدارية إلى مجموعة من القواعد الدستورية التي تطبق على أي جزاء عقابي، ومن ثم على كل الجزاءات الإدارية. فسلطة العقاب للهيئات الإدارية المستقلة تنشأ في ظل التناقض بين طبيعة القرار الإداري والطابع القضائي، إذ أنها تمثل ” تقاضيا بعيدا عن القضاء ”  (Justice hors le juge)  لكن ما يبرر الطابع غير المألوف لسلطة العقاب هو خضوعها لقواعد حمائية موضوعية، وكذلك إجرائية مستمدة من القانون الجنائي، كل هذا مع احتفاظها ببعض الخصائص المميزة.

وقد عملت التشريعات التي أخذت بالقانون الإداري الجنائي على تحديد العقوبة الإدارية بشكل دقيق، بحيث بينت مختلف الأحكام العامة لها، سواء ما تعلق منها بوضع إطار قانوني لها (الفقرة الأولى)، أو ما تعلق بتحديد نطاق اختصاص الهيئة المكلفة بتطبيقيها (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الضمانات الموضوعية ( أو الشرعية) لتوقيع العقوبات الإدارية

لما كان مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات في المادة الجنائية يجد سنده في قاعدة “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص”[7]، فإن هناك من الاعتبارات ما تقتضي إعمال هذه القاعدة حتى في حالة  العقوبة الإدارية، على اعتبار أن ذلك سيسمح باحترام نفس الالتزامات التي تخولها القاعدة في حالة العقوبة الجنائية، وهي التزامات تقع على عاتق كل من المشرع بالتزامه بإصدار قوانين زجرية تحدد نوعية الفعل المجرم، وكذا العقوبة المقررة له، وكذا على عاتق الجهة المصدرة للحكم بالتزامها باحترام القاعدة القانونية، وعدم الحكم إلا بمقتضاها، وبموجب نفس القاعدة يلتزم كذلك الأفراد بعدم التذرع بجهل النص الجنائي، والذي يعتبر نتيجة منطقية لمبدأ الشرعية الجنائية.

وبالتالي فإن ما سنحاول الحديث عنه يتمحور حول إمكانية إعمال قاعدة الشرعية في المادة الإدارية (أولا)، وفي حالة تحقق ذلك عن الكيفية التي تتحدد بها  طبيعة العقوبة الإدارية حين إعمال هذا المقتضى ( ثانيا).

أولا – مبدأ الشرعية أساس تحديد العقوبة الإدارية

يعني مبدأ الشرعية بكل بساطة وجود إطار قانوني يحدد النظام الشرعي للجرائم،[8] ولا ينحصر مجال إعمال هذا المبدأ فقط في المادة الجنائية، بل يمكن أن يمتد كذلك ليشمل العقوبات الإدارية، هذه الأخيرة تفرض في بعض الأحيان ضرورة الأخذ بهذا المبدأ، اعتبارا لأن العقوبة الإدارية قد تكون لها عواقب شديدة على حريات وحقوق الأفراد. ويجد هذا المبدأ تبريره في الغالب في كونه يساعد من ناحية على حماية مصالح الأفراد، لأن البداهة تفرض وجود نصوص قانونية تعرف الجرائم قبل ارتكابها، حتى يكون كل شخص على علم بالتصرفات التي لا يمكنه القيام بها، كما يساعد من ناحية أخرى على حماية مصالح المجتمع، لأنه يحقق ردعا عاما، فوجود النصوص يضمن احتراما أكبر لقيم المجتمع.[9]

نتيجة لكل هذا اعتنقت العديد من التشريعات المقارنة هذا المبدأ، كما هو الشأن للمشرع الألماني[10] الذي نص في المادة الثالثة من القانون الإداري الجنائي على أنه: “لا يمكن اتخاذ جزاء إداري إلا بناء على قانون نافذ قبل ارتكاب المخالفة”.[11]

وسار المشرع الإيطالي على نهج نظيره الألماني، فأكد بدوره على ضرورة خضوع أحكام قانون العقوبات الإداري لمبدأ الشرعية من خلال المادة الأولى والتي نصت على أنه : “لا يخضع أحد لجزاءات إدارية، إلا على الحالات التي تقع بعد صدورها”[12].

وحتى بالنسبة للتشريعات التي لم تأخذ بعد بالقانون الإداري الجنائي كنظام متكامل، فإنها تؤكد على مبدأ الشرعية الجنائية في جميع الحالات التي يكون فيها للإدارة سلطة فرض جزاءات إدارية، ومن هذه التشريعات نذكر التشريع المغربي الذي نص في المادة 90 من القانون المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة[13] في حالة مخالفة قواعد هذا القانون على أنه : “تصدر العقوبات الإدارية بقرار صادر عن الجهة المنصوص عليها في المادة 86 أعلاه بعد استطلاع رأي المصلحة الخارجية للإدارة الراجع إليها أمر البضاعة و المنتوج أو الخدمة المقصودة “.

لكن على الرغم من ذلك، يبقى مدلول مبدأ الشرعية الجنائية في نطاق القانون الإداري الجنائي أكثر مرونة، سواء في مغزاه أو في نتائجه  مما هو عليه الحال في القانون الجنائي[14]، ذلك أنه إذا كان هذا الأخير يتحرى الدقة والوضوح في تحديد شقي القاعدة الجنائية، فإن نصوص القانون الإداري الجنائي غالبا ما ترد في صيغ عامة، حيث يعمل المشرع على تحديد الفعل محل الجريمة الإدارية، ويترك للإدارة سلطة تحديد ركنيه المادي والمعنوي بكامل الحرية[15].

وفي حديث عن مبدأ الشرعية في تحديد العقوبة الإدارية، يطرح التساؤل عن الجهة الموكول  لها وضع العقوبة الإدارية ؟

بداية تفرض قاعدة الشرعية أن يكون النص المعرف للجريمة نصا تشريعيا، بأن يكون صادرا عن السلطة التشريعية، وحتما نفس الشيء يسري على الميدان الإداري كذلك، فوجود النصوص يضمن احتراما أكبر لقيم المجتمع، إذ أن طبيعة القاعدة القانونية لا تعدو أن تكون تعبيرا عن الإرادة العامة، وقواعدها تتسم بالعمومية والتجريد، وهو ما يعني أن ما تحمله نصوصه من قيود يمثل الحد الأدنى، وهو ما يسمح لنا بتحديد الجهة المختصة في وضع هذه النصوص في البرلمان وحده كمبدأ عام، إلا أن هناك من يرى أن إعداد العقوبة الإدارية لا يكون مصدره البرلمان وحده، بل إن ذلك يتحدد في أية قاعدة قانونية مكتوبة تصدر عن السلطة التشريعية أو التنفيذية، إذ يمكن تحديد الجرائم والعقوبات الإدارية بواسطة اللوائح التي تصدر من السلطات الإدارية أو المركزية،[16] “كما أن أغلبية الدول لا تطبق قاعدة المشروعية التشريعية سوى بشكل نسبي في ميدان العقوبات الإدارية، لأن التجريم التشريعي في الميدان الإداري يصطدم ببعض القيود التي تحد منه، لذلك فإن البرلمان ليس هو من يتولى دائما تحديد الجرائم الإدارية: أولا لأنه لا توجد قاعدة قانونية تفرض هذا الأمر، وثانيا لأنه من غير الممكن، ولا حتى من غير المتصور القيام بتشريع فني في ميدان الجرائم الإدارية. فحتى في الحالات التي يتولى فيها البرلمان القيام بتعريف الجرائم الإدارية، فإن التجريم لا يتم على سبيل الحصر، وإنما على سبيل المثال فقط ويمكن للسلطة الإدارية دائما إضافة أشياء لم ينص عليها المشرع”.[17]

ثانيا : طبيعة العقوبة الإدارية

إن منح الاختصاص للإدارة لتطبيق العقوبات لا يعتبر قاصرا على الأنظمة التي أخذت بالقانون الإداري الجنائي، بل إن ذلك قد نجد له مثيلا حتى في التشريعات التي لا تتوفر على منظومة متكاملة للعقوبات الإدارية [18]، والتي منحت لبعض السلطات الإدارية إمكانية توقيع عقوبات في حق المخالفين حالة خرقهم للقوانين المنظمة لمجالات محددة. غير أنه لا يكفي القول بشرعية العقوبة الإدارية، أن تستند هذه الأخيرة إلى نص قانوني ينظمها، بل لا بد أن تحدد طبيعتها في نطاق يسمح بإمكانية تفعيلها متجاوزة بذلك سلبيات العقوبات الجنائية، وعليه لا يمكن أن تكون العقوبات الإدارية سالبة للحرية لأن القول بذلك سيفرغ الدعوة إلى اعتماد العقوبات الإدارية كبديل لبعض العقوبات الجنائية من محتواها، وهو ما سيجعل هذا التوجه عقيما وغير ذي أهمية، وهذا ما اتجه إليه بعض الفقه [19] حين أجاز إسناد العقوبات الجنائية للإدارة، باستثناء ما يرتبط منها بسلب الحرية، لأنه بذلك تكون قد اقتحمت مجالا يعد في الأصل حكرا على القضاء وهو ما سيشكل اعتداء على مبدأ فصل السلطات. بناء على كل هذا فالعقوبات الإدارية لا تخرج عن كونها إما عقوبات مالية، أو عقوبات مقيدة للحقوق.

تعتبر العقوبة الإدارية المالية[20] من أهم العقوبات التي تستعين بها الإدارة في مواجهة خرق القانون الإداري الجنائي، حيث تعمل التشريعات التي تأخذ بهذا النوع من العقوبات على منح الإدارة المختصة حق فرض غرامة إدارية مالية حسب طبيعة المخالفة وحسب نوعية الفعل المرتكب. ويعتمد في تحديد مقدار هذه العقوبة على مجموعة من الضوابط منها خطورة الفعل المرتكب والجهد المبذول لتفادي ارتكاب هذا الفعل من طرف الفاعل، ووضعيته المادية، وما إذا كان ارتكاب الفعل عمديا أو غير عمدي، إضافة إلى تقدير ما جناه المخالف من ربح غير مشروع نتيجة ارتكابه لهذا الفعل[21].

أخذت التشريعات التي تبنت القانون الإداري الجنائي بالعقوبات المقيدة للحقوق إلى جانب العقوبات المالية، وتعتبر المصادرة[22] من أهم هذه العقوبات بالرغم من كل الإشكالات التي تثيرها، حيث اعتبرها بعض الفقه[23] بكونها جزاءا لا يمكن الحكم به إلا من طرف القضاء، دون إمكانية منح الإدارة سلطة في تطبيقها نظرا في ذلك لطبعها إذ تأخذ في الأصل صورة الجزاء الجنائي. إلا أنه بالرغم من كل هذا فقد تبنتها مجموعة من التشريعات المقارنة وأدرجتها ضمن العقوبات المنصوص عليها في إطار القانون الإداري الجنائي، وأعطت إمكانية للإدارة لاتخاذ المصادرة كعقوبة إدارية لمواجهة نوع محدد من الجرائم، كما هو الشأن للمادة 66 من القانون الإداري الجنائي السويسري[24] والتي نصت على إمكانية تطبيق المصادرة كعقوبة أصلية لتشمل الفوائد الغير المشروعة المتحصلة من الجريمة، كما تنص المادة 22 من القانون الإداري الجنائي الألماني على المصادرة كجزاء إداري تبعي لحائز الأشياء التي يعد استعمالها أو حيازتها جريمة سواء طبقا لأحكام هذا القانون، أو لأحكام القانون الجنائي، كما نص المشرع الألماني في المادة 29 من نفس القانون على المصادرة  كعقوبة أصلية دون أن يتقرر معها غرامة مالية بالنسبة للفوائد غير المشروعة المتولدة عن الجريمة الإدارية إذا كان المخالف يتعامل لمصلحة طرف اَخر[25].

غير أنه إذا كانت المصادرة من الجزاءات المقررة في القانون الإداري الجنائي لدى العديد من التشريعات، فإن باقي العقوبات الإدارية الأخرى المقيدة للحقوق كسحب الترخيص وغلق المنشأة و الحرمان من مزاولة المهنة على من يخالف الأحكام المنصوص عليها لم تحظى باهتمام من هذه التشريعات، فمثلا لم يسمح المشرع الألماني للإدارة أن تقرر غلق المنشأة والحرمان من مزاولة المهنة[26]، حيث قد يكون لوقع العقوبات المالية دور في ذلك كونها أكثر فعالية عن باقي العقوبات الإدارية الأخرى.

الفقرة الثانية: الضمانات الإجرائية لتطبيق العقوبات الإدارية

اعتبارا للطبيعة الخاصة للجرائم الإدارية من حيث كونها في الأصل جرائم جنائية فرفعت عنها صفة التجريم، فأصبحت جرائم إدارية تخضع لمجرد عقوبات إدارية، فمن الضروري في هذا الإطار الحديث عن الضمانات التي تحمي حقوق الأفراد وحرياتهم، من مرحلة ضبط الجريمة والتحقيق فيها( أولا) ، وصولا إلى مرحلة اختيار العقوبة المناسبة وتنفيذها( ثانيا).

أولا – التحقيق في الجرائم الإدارية

تسند إلى الإدارة سلطة التحقيق في الجرائم الإدارية، فهي التي تتولى مهمة مراقبة مدى احترام الأفراد للقوانين وتتثبت من وقوعها وتعاقب عليها. وهذا ما هو معمول به في التشريعات التي أخذت بالقانون الإداري الجنائي، كما هو الشأن للتشريع السويسري والذي ينص في المادة 19 من نفس القانون[27] على أن أعضاء الإدارة الذين تحددهم النصوص القانونية هم من يتولون اختصاص ضبط الجرائم الإدارية، كما أن سلطة التحقيق منحت لسلطة الضبط العام التي تتولى مهام البحث في الجريمة، كما يمكن للحكومة الاتحادية وشرطة البلديات حق القيام بإجراءات التحقيق. وتتوفر سلطة البحث والتحقيق هاته على مجموعة من الصلاحيات إذ يحق لها طلب سماع الشهود أو القيام بإجراءات الحجز والتفتيش كما يحق لهم طلب مساعدة الشرطة إذا كانت هناك مقاومة من طرف المخالف.[28]

وإذا كان التحقيق في الجرائم الإدارية في بعض التشريعات التي أخذت بالقانون الإداري الجنائي (كما هو الشأن بالنسبة للمشرع السويسري) يعهد به إلى هيئة إدارية، فإن الوضع يختلف في تشريعات أخرى، كما هو الحال بالنسبة لكل من التشريعين الفرنسي والمغربي مثلا، والذين على الرغم من توفرهم على هيئات إدارية لها سلطة توقيع عقوبات إدارية، إلا أن سلطة البحث والتحقيق يعهد بها إلى الضابطة القضائية بالرغم من أن العقوبة تصدر عن الهيئة الإدارية المختصة، وهو ما يستنتج من القانون المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة الفرنسي والذي أوكل سلطة البحث عن المخالفات إلى أعضاء الضابطة القضائية كأن الأمر يتعلق بجريمة جنائية[29]، مع أن العقوبة تصدر عن مجلس المنافسة.

ثانيا – إعلان العقوبة الإدارية

بعد الانتهاء من عملية البحث والتحقيق في الفعل المرتكب والمعتبر جريمة إدارية، وثبوت المخالفة، يتم الانتقال إلى مرحلة إعلان العقوبة، وهنا تتوفر الإدارة على عدة صلاحيات تسمح لها بفرض عقوبة محددة حسب طبيعة الجريمة الإدارية المرتكبة، والتي غالبا ما تكون غرامة مالية. وفي الحالة التي يتعذر فيها دفع الغرامة المالية، يطلب من المخالف دفع كفالة على أن يسدد داخل أجل محدد قيمة الغرامة المالية، أما في حالة امتناعه عن ذلك فإنه يخضع لإجراءات المتابعة أمام القضاء الجنائي[30]، إضافة إلى عقوبة الغرامة المالية تتوفر الإدارة على صلاحية فرض عقوبات إضافية والتي قد تأخذ شكل مصادرة للأدوات التي استعملت في ارتكاب الجريمة.

ولأهمية هذه الجزاءات الإدارية يبقى المشرع المغربي مدعوا اليوم لمسايرة متطلبات السياسة الجنائية الحديثة والإقرار بنظام العقوبات الإدارية في نطاق قانون جنائي إداري متكامل الملامح على غرار القانون الإداري الجنائي الألماني، الذي أصبح اليوم مثالا يقتدى به في أغلب الدول الأروبية لأنه يحافظ على الوظائف الأساسية للعقوبة، ويساعد القضاء على مواجهة الإجرام خصوصا البسيط منه، ويلتزم باحترام حقوق الأفراد، وتحقيق المساواة بين الجناة.

  

 

 

 المطلب الثاني: رؤية جديدة في اعتماد العقوبات الإدارية

اعتبارا للأهمية التي أضحت تحتلها العقوبة الإدارية في جل التشريعات التي تبنتها. فقد توجه المشرع المغربي إلى الأخذ بهذا النوع من العقوبات في بعض القوانين الخاصة، وأنشأ لذلك هيئات إدارية تتولى توقيع هذه العقوبات (أولا)، كل هذا يؤسس لرغبة نحو توسيع العمل بهذه العقوبات لتشمل فروع قانونية متنوعة (ثانيا).

 الفقرة الأولى: اعتماد العقوبات الإدارية في التشريع المغربي

احتلت العقوبات الإدارية أهمية كبيرة وبالغة بفعل ازدياد الحاجة إليها، وهو ما جعل مجموعة من التشريعات المقارنة تخصص لها حيزا مهما ضمن فروعها القانونية، خصوصا في الميدان الجنائي، فيما اصطلح عليه بالقانون الإداري الجنائي، لكن ما هو موقع التشريع المغربي من نظام اسمه القانون الإداري الجنائي ؟

من الصعوبة بمكان في هذا الإطار الجزم بوجود نظام يطلق عليه القانون الإداري الجنائي في التشريع المغربي، اعتبارا لعدم اتضاح معالمه بشكل واضح، إلا أنه لا بد من الإقرار بحقيقة جوهرية وهي أن التشريع المغربي أقر نظاما زجريا يخصص قسما واسعا للجزاءات الإدارية[31] بالرغم من عدم اعتماد قانون خاص للجرائم الإدارية، هذا كله لا يمنع من القول بأن هناك سلطات إدارية تتولى ضبط وتوقيع العقوبات المعتبرة إدارية خصوصا في الميدانين الاقتصادي والإداري[32]، أما بخصوص الميدان الجنائي فالنظام العقابي في المغرب يقوم على أساس سلب الحرية ويتولى الجهاز القضائي سلطة توقيع هذه العقوبات، وبالتالي اعتبر الجزاء الجنائي رد فعل طبيعي عن ارتكاب الفعل الجرمي مهما قلت درجة خطورتها، بعد أن تكرس الاعتقاد بأن للعقوبة السالبة للحرية دور كبير في القضاء على السلوكات الإجرامية أو على الأقل التقليل منها، وأن لها فاعلية كذلك في إصلاح الجاني. بالرغم من المناداة نحو تضييق مجال تدخل القانون الجنائي، خصوصا على مستوى الجرائم البسيطة[33]، وأن لا يلجأ إليه إلا كحل أخير، وهذا ما سيسمح بإعطاء الصلاحية لقوانين أخرى في توقيع العقوبة بعيدا عن النصوص الزجرية للقانون الجنائي، وهو ما تجسد بالفعل من خلال مجموعة من القوانين التي تم فيها إعطاء الحق لبعض الهيئات الإدارية من أجل إمكانية توقيع عقوبات ذات طابع إداري.

ومن المجالات القانونية التي تدخلت فيها العقوبة الإدارية نذكر الميدان الجمركي الذي يجيز بموجبه الفصل 70 من مدونة الجمارك والضرائب الغير المباشرة[34] لوزير المالية سحب رخصة قبول المعشر أو الإذن الممنوح إليه في حالة عدم وفائه بالتزاماته تجاه الإدارة، كما يسمح نفس الفصل لوزير المالية ومدير إدارة الجمارك إيقاف المعشر عن مزاولته لمهامه لمدة لا يمكن أن تتعدى شهرين.[35]

أمام هذا التنوع في مجال العقوبات الإدارية والتطور الذي أضحت تعرفه، تتجسد رغبة المشرع المغربي في التوجه نحو إعطاء الإدارة سلطة إصدار عقوبات في حق المخالفين لأحكام القانون، قاصدا من وراء كل ذلك تخفيف العبء عن قضاء الحكم وإعطاء فعالية لتنفيذ القرارات الإدارية بعيدا عن التعقيدات الإجرائية التي تميز القضاء الجنائي.

وتبرز الدعوة من هنا إلى ضرورة تدخل المشرع للنص على إمكانية تمديد نطاق تطبيق هذه العقوبات الإدارية إلى نصوص القانون الجنائي والقوانين الجنائية الخاصة خصوصا على مستوى بعض الجرائم البسيطة والمعاقب عليها بعقوبات سالبة للحرية قصيرة المدة، والتي تغطي نصوص كثيرة في هذه القوانين. وكذا إمكانية إنشاء هيئة إدارية تتولى مهمة الزجر في هذا النوع من الجرائم كما هو الشأن بالنسبة للعديد من التشريعات المقارنة.

 

الفقرة الثانية: نحو إحداث هيئات إدارية مختصة للجرائم البسيطة

لا زال النظام العقابي المعمول به في المغرب يؤمن بدور العقوبات الحبسية في تحقيق الردع، بالرغم من التوجهات المعاصرة للسياسة الجنائية والتي تذهب في منحى اعتماد حلول بديلة لتجاوز هذا النمط العقابي، خصوصا على مستوى الجرائم البسيطة، والذي لم يولد إلا نتائج سلبية ومشاكل واقعية.

ومن التطبيقات التي طرحت في هذا الإطار فكرة الحد من العقاب، عن طريق العدول عن القانون الجنائي لصالح نظام آخر أكثر ملائمة وهو القانون الإداري الجنائي، على اعتبار أن هذا الأخير يمكن من ردع الجرائم البسيطة المعاقب عليها بعقوبات سالبة للحرية قصيرة المدة، ومن دون أن يرتب الآثار السلبية الناجمة عن هذا النوع من العقوبات، حسب ما توصلنا إليه في المبحث الأول من هذه الدراسة.

إلا أن اعتماد هذه الإمكانية يبقى رهينا باعتماد هيئات إدارية مختصة لذلك، بعد أن يكون المشرع قد تدخل بتغيير طبيعة الجرائم البسيطة من جرائم تدخل في إطار القانون الجنائي إلى جرائم إدارية.

أولا – اعتماد هيئات مختصة لتطبيق العقوبات الإدارية:

أمام عدم اكتمال معالم قانون جنائي إداري في التشريع المغربي يتولى تنظيم والتنصيص على الجرائم الإدارية، فإنه يمكن التفكير في إمكانية خلق هيئة مستقلة خاصة يعهد إليها بالنظر في الجرائم البسيطة، والمعاقب عليها بعقوبات سالبة للحرية قصيرة المدة.

وتنشأ السلطات الإدارية المستقلة عادة بإقرار من الهيئات الحاكمة (الدولة أو الهيئات الإقليمية أو الجهوية أو الجماعات)،حيث تتدخل بنفسها لإشباع حاجة من الحاجات العامة إذا رأت أن المصلحة العامة تقتضي ذلك، عن طريق استعمال وسائل القانون العام[36]. و ما يهم من هذه السلطات هي تلك التي تتبنى التوجه الإداري في طبيعة عملها والتي تتوفر على إمكانية توقيع عقوبات نظرا لامتيازها في فرض قرارات إدارية ذات طابع انفرادي موجه إلى أشخاص معينين بذواتهم لا بأوصافهم[37]، أما عن استقلالها فيتعين أن تتوفر على استقلال وظيفي، حيث لا تتلقى التعليمات من أية جهة كانت، لكنها مراقبة من طرف القضاء، والمقصود هنا القضاء الجنائي و ليس الإداري كما هو الحال بالنسبة للدول التي أخذت بنظام القانون الإداري الجنائي، لأن مدلول الرقابة في هذا الإطار ينصرف إلى الوقوف عند مستوى حماية حقوق و حريات الأفراد.

وليس ثمة اعتراض على تفويض هيئات إدارية سلطة النظر في الجرائم البسيطة ما دامت الضرورة تفرضه، ذلك أن متطلبات السياسة الجنائية المعاصرة أضحت في أمس الحاجة إلى إعطاء الإدارة إمكانية التدخل في تطبيق القانون الجنائي وفسح المجال أمام طرق غير جنائية لتسوية النزاعات، يقول بعض الفقه المغربي[38] ” لا بد من الاقتناع بأن الزمن الذي كان يعتبر فيه تخويل كل السلطات المتعلقة بتطبيق القانون الجنائي للقضاء ضروريا ولا غنى عنه قد ولى ومضى، وأن من شأن هذا المنطق أن يخنق الجهاز القضائي ويعجزه، و يؤدي إلى نتائج سلبية على مستوى ما يتطلبه تحقيق العدل،لا بد إذن من إعادة التفكير، ومن جديد في توزيع المهام والاختصاصات بين الجهاز القضائي والجهاز الإداري وحصر تدخل الأول في حماية القيم الأساسية بالنسبة للمجتمع أما فيما عدا ذلك فيمكن الاعتماد على طرق أخرى لتسوية النزاع”.

لكن، إذا كان إنشاء سلطة إدارية لتطبيق العقوبات الإدارية من الإمكانيات المتاحة، فكيف سيتم  تغيير طبيعة الجريمة الجنائية إلى جريمة إدارية ؟ لأنه قد يعتقد بأن هذا التحول يعني إزالة العقوبة، و هو ما معناه إباحة السلوك الذي كان مجرما فيما قبل، لذلك يتعين البحث عن وسيلة تمكن من ذلك دون فقدان الثقة في النظام الجنائي.

ثانياتغيير طبيعة الجريمة الجنائية إلى جريمة إدارية[39]

بالرغم من توفر مجموعة القانون الجنائي والقوانين الجنائية الخاصة على العديد من النصوص المعاقبة على جنح معتبرة بسيطة سواء بالغرامة فقط أو بالغرامة مع عقوبة سالبة للحرية، فمن الضروري أن تمر عملية نزع الصفة التجريمية عن بعض الأفعال من جرائم تدخل في نطاق مجموعة القانون الجنائي وتحويلها إلى مجرد أفعال تستلزم عقوبات إدارية بمجموعة من المراحل. لهذا يجب كمرحلة أولى الانتقال بجرائم المخالفات إلى جرائم إدارية[40]، ليتم بعدها كمرحلة ثانية الانتقال التدريجي إلى الجنح المعاقب عليها بعقوبات سالبة للحرية قصيرة المدة، والتي لا تحدث اضطرابا اجتماعيا.

إلا أنه تجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن هناك بعض الجنح المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي لا يمكن أن تتحول إلى مجرد جرائم إدارية، وبالتالي عدم إمكانية تطبيق عقوبات إدارية على مرتكبيها، بالرغم من توفرها على كل المقومات التي تسمح بنقلها إلى الزجر الإداري، ونذكر منها على سبيل المثال ما نص عليه الفصل 263 من مجموعة القانون الجنائي والذي جاء فيه: “يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وغرامة من مائتين وخمسين إلى خمسة آلاف درهم، من أهان أحدا من رجال القضاء، أو من الموظفين العموميين أو من رؤساء، أو رجال القوة العمومية أثناء قيامهم بوظائفهم أو بسبب قيامهم بها…”، كذلك ما نص عليه الفصل 400 من نفس القانون والذي جاء فيه: “من ارتكب عمدا ضد غيره جرحا أو ضربا أو أي نوع آخر من العنف أو الإيذاء سواء لم ينتج عنه مرض أو عجز عن الأشغال الشخصية أو نتج عنه مرض أو عجز لا تتجاوز مدته عشرين يوما، يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنة وغرامة من مائة وعشرين إلى خمسمائة درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط…”.

وعليه وبالرغم من إمكانية تحويل هذه الجنح إلى جرائم إدارية، وبالتالي إقرار   عقوبات إدارية لها، إلا أن مثل هذه الأفعال لا تصلح أن تعد جرائم إدارية، على اعتبار أن الإدارة ليست لها إمكانية لردع من اعتدى على موظف أو من اعتدى بالضرب، لأن الغرامة لوحدها لا تكفي لهذا الردع، إلا أن مثل هذه الأفعال تقبل بدائل أخرى تتناسب وطبيعة الفعل المرتكب.

 

 

 

خاتمة

لقد اكتسب موضوع العقوبات الإدارية أهميته، بسبب الحاجة إليه ولكونه يمتلك أهم الإيجابيات التي تساعد على تخطي سلبيات العقوبات السالبة للحرية خصوصا القصيرة المدة. مما جاءت معه الدعوة إلى ضرورة حصر نطاق الأفعال المعاقب عليها بعقوبات قصيرة المدة والمعتبرة جرائم بسيطة وإخضاعها لعقوبات وتدابير ذات طابع إداري[41]، مع ضرورة إيجاد هيئة إدارية تتولى مهمة ضبط هذه الجرائم وتوقيع العقوبات المقررة لها.

إن أهمية موضوع العقوبات الإدارية ناجم عن راهنيته، وعن التوجه الذي يسانده خصوصا بعد فشل أنماط الزجر التي وضعها المشرع لمواجهة الجرائم البسيطة، والتي عرفت مدا تصاعديا مهولا، كلها مبررات تستدعي محاولة بناء إطار تصوري لهذا الموضوع ينطلق من فكرة ليس فقط مناقشة الجريمة من منطق أن لها عقوبة، بل يمكن أن يكون فعل مخالف للقانون لكن له مجرد تدبير إداري. هذه الإمكانية بقدر ما هي ممكنة فهي ضرورية، بل وتتولد عنها مجموعة من الإيجابيات:

– أولها أن الأخذ بهذا التوجه سيساهم بشكل أكيد على تخطي المشاكل التي تثيرها الجرائم البسيطة.

– أما ثانيها فيتمحور حول أن هذه العقوبات الإدارية تندرج بشكل من الأشكال في إطار سياق عام هو البحث عن إصلاح وتجديد السياسة الجنائية المتبعة في معالجة ظاهرة الجريمة.[42]

 

 

[1] – يتضمن القانون الجنائي ما يزيد عن 147 فصلا ينطوي في شقه العقابي على عقوبات سالبة للحرية قصيرة المدة تتراوح مدتها في الغالب مابين شهر إلى تسعة أشهر، أو ما بين شهر واحد إلى سنة، أو ما بين ثلاثة أشهر إلى سنة، أو مابين ستة أشهر إلى سنتين، وكذلك الشأن بالنسبة للقوانين الجنائية الخاصة، حيث تحتل هذه العقوبات  حيزا مهما منها مقارنة مع باقي العقوبات الأخرى.

[2] – أحمد فتحي سرور، المشكلات المعاصرة للسياسة الجنائية. مجلة القانون والاقتصاد،1983، ص 22.

[3] -أمين مصطفى محمد: النظرية العامة لقانون العقوبات الإداري. دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 1996 ،ص 9.

للمزيد حول هذا الموضوع يراجع:

Michel degoff , Droit de la sanction non pénal, Paris, France, p 12 et suivantes .

[4] عرف الأستاذ  F.MODERNE العقوبة الإدارية بأنها:

« La dépénalisation est conçue d’avantage comme une méthodologie de substitution des peines que comme la suppression d’incriminations anciennes. La marche pénale engorgée par des délits mineurs, est ici relayée par l’appareil administratif jugé plus performant. S’est développée ainsi une branche du droit répressif dénommée par les pénalistes (droit admistratif pénal). MODERNE F, “ Répression administrative et protection des libertés devant le juge constitutionnel – Les leçons de droit comparé ». In Mélange, CHAPUS R , droit administratif, Montchrestien, 1992, paris, p412.

كما تم تعريف العقوبة الإدارية بأتها : ” تلك الجزاءات ذات الخاصية العقابية التي توقعها سلطات إدارية مستقلة أو غير مستقلة، وهي بصدد ممارستها – بشكل عام- لسلطتها العامة تجاه الأفراد، بغض النظر عن هويتهم الوظيفية، وذلك كطريق أصلي لردع خرق بعض القوانين واللوائح. أمين محمد مصطفى، مرجع سابق، ص 227.

وفي تعريف آخر اعتبرت العقوبة الإدارية بأنها : “قرار إداري انفرادي تصدره السلطة الإدارية في إطار ما هو معترف لها من امتيازات السلطة العامة، ومن ضمنها توقيع العقوبة على المدار بسبب إخلاله بالتزام قانوني معين”. إدريس بوزرزايت، الزجر الإداري. أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة، الموسم الجامعي 2004-2005، ص: 106.

[5]-Mireille Delmas Marty et catherine Teitgen – Colly, Punir sans Juger: de la répression administrative au droit administratif pénal. Edition économica., paris,1992.

[6] – لا بد من الإشارة في هذا الإطار إلى انه ليس هناك أي تداخل بين الجرائم الإدارية محل الدراسة و الجرائم التأديبية حيث أن الأولى قد يرتكبها أي فرد من أفراد المجتمع دون اعتبار لصفته عكس الثانية و التي غالبا ما يرتكبها مواطن عمومي نتيجة لإخلاله بواجباته الإدارية .

مليكة الصروخ: القانون الإداري دراسة مقارنة. مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة السادسة، نوفمبر2006، ص .435

[7] – ينص الفصل 3 من القانون الجنائي المغربي على أنه: “لا يسوغ مؤاخذة أحد على فعل لا يعد جربمة بصريح القانون ولا معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون “.

[8]– إدريس بوزرزايت، المرجع السابق، ص :72.

[9] -محمد ملياني، القانون الجنائي العام، دار الجسور، الطبعة الأولى، وجدة، 2005، ص: 25-26.

[10]– غنام محمد غنام، “القانون الإداري الجنائي والصعوبات التي تحول دون تطوره”. مجلة الحقوق، السنة الثامنة عشر، العدد الثاني، مجلس النشر العلمي جامعة الكويت، يونيو 1994، ص 348:.

[11] -نفس هذا المقتضى نص عليه المشرع الإسباني في المادة 3 من نفس القانون والتي جاء فيها أنه: “أي فعل لا يمكن المعاقبة عليه بوصفه جريمة إدارية، إلا إذا كان منصوصا عليه بموجب قانون صادر قبل ارتكابه”. إدريس بوزرزايت، المرجع السابق، ص: 73.

[12] : أمين مصطفى محمد، النظرية العامة لقانون العقوبات الإدارية (ظاهرة الحد من العقاب). دار الجامعة الجديدة للنشر، ، دون ذكر الطبعة، الإسكندرية 1996، ص:112.

[13]-ظهير شريف رقم 225-00-1 الصادر في 2 ربيع الأول  1421(5 يونيو2000) بتنفيذ القانون رقم 06.99 المتعلق بحرية الأسعار و المنافسة،المنشور بالجريدة الرسمية عدد4810 ،بتاريخ 3 ربيع الاَخر 1421 (6 بونبو 2000)،ص:1941.

[14] – Meireille Delmas marty et Catherine teitgen colly, op cit,p: 63.

[15]– من الأمثلة على ذلك جريمة تلويث الهواء في القانون المغربي و التي تتحقق حسب المادة 18 من القانون المتعلق بمكافحة تلويث الهواء بمجرد عدم احترام شرط أو تقييد أو منع مفروض من لدن الإدارة أو برفض الامتثال للتعليمات الصادرة من الإدارة أو بعرقلة أو منع بأي شكل من الأشكال تنفيذ الإجراءات الإستعجالبة التي تأمر بها الإدارة.ظهير شريف رقم 61-013-1 صادر في 10 ربيع الأول 1424 (12 ماي 2003) بتنفيذ القانون رقم 13.03 المتعلق بمكافحة تلوث الهواء، منشور بالجريدة الرسمية عدد 5118 بتاريخ 18 ربيع الاَخر 1424 (19 يونبو 2003)،ص:1912.

[16]– أمين مصطفى محمد، المرجع السابق، ص :111.

[17]– إدريس بوزرزايت، المرجع السابق، ص: 73-74.

 [18]- كما هو الشأن بالنسبة للتشريعين الفرنسي والمغربي.

[19] Mireille Delmas Marty et catherine Teitgen colly، op cit، p: 52.

[20]– يعرف بعض الفقه الغرامة الإدارية بأنها: “مبلغ من النقود تفرضه الإدارة على المخالف بدلا من متابعته جنائيا عن الفعل”.غنام محمد غنام،القانون الإداري الجزائي.دار النهضة العربية، القاهرة،دون ذكر الطبعة و السنة،ص:39.

[21] – أمين مصطفى محمد: المرجع السابق، ص 276.

[22] -عرف القانون الجنائي المغربي المصادرة في المادة 42 بأنها: “تمليك الدولة جزءا من أملاك المحكوم عليه أو بعض أملاك له معينة”.

[23]-Meireille Delmas marty et Catherine teitgen colly, op cit, p: 52.

[24]– L’article 66 dispose que: “lorsque la procédure pénale n’aboutit pas à un mandat de répression ou au renvoi de l’inculpé devant le tribunal, mais que, d’après la loi, des objets ou valeurs doivent être confisqués, des dons ou autres avantages dévolus à l’Etat, ou qu’il ya lieu de statuer sur une créance compensatrice à substituer à une telle mesure, une ordonnance spéciale de confiscation est rendue “.

http://www.admin.ch/ch/f/rs/313_0/a20.html  منشور على الموقع الالكتروني :

[25] – أمين مصطفى محمد، المرجع السابق، ص :246.

[26] –  أمين مصطفى محمد، المرجع السابق، ، ص :245.

[27]– L’article 19 dispose que: ” -1- les infraction  aux lois administratives de la confédération sont dénoncées à un fonctionnaire de l’administration fédérale compétent ou à un service de police

-2- l’administration fédérale et la police des cantons et des communes, dont les organes, dans l’exercice de leurs fonctions  constatent ou apprennent qu’une infraction a été commise sont tenues de la dénoncer à l’administration compétente

-3-les organes de l’administration fédérale et de la police qui sont les témoins d’une infraction ou surviennent immédiatement après ont le droit، s’il y a péril en la demeure ،d’arrêter provisoirement l’auteur ،des séquestrer provisoirement les objets qui sont habitations et autres locaux،ainsi que sur des fonds clos attenant à une maison “.

[28]– L’article 20 dispose que: “l’administration est compétente pour procéder à l’enquête. Les auditions, qui sont l’objet de procès – verbaux, les inspections locales et les mesures de contrainte sont confiées à des fonctionnaires formés spécialement à cet effet

. La police des cantons et des communes assiste l’administration dans ses enquêtes  ؛en particulier ، le fonctionnaire enquêteur peut demander à la police de lui prêter main forte s’il rencontre de la résistance lors d’un acte entrant dans les limites de ses fonctions “.

[29]– Roger Merle et André Vitu,Trait de droit criminel. Tome 2, lujas, Paris، p: 220.

[30] – أمين مصطفى محمد، المرجع السابق، ص :329.

[31] – محمد الادريسي العلمي، دراسة حول ملائمة مشروع القانون الجنائي مع المبادئ والقواعد المعتمدة في منظومة حقوق الإنسان. منشورات المجلس الوطني لحقوق الإنسان، سلسلة الدراسات، الرباط، ص 14.

[32]– إدريس بوزرزايت، المرجع السابق، ص: 21.

[33] – هذا المفهوم مرتبط أساسا بجرائم قليلة الخطورة، وغالبا ما يقر لها المشرع عقوبات سالبة للحرية قصيرة المدة.

[34]-ظهير شريف رقم 339-77-1 بتاريخ 25 شوال 1397 (9 أكتوبر1977) المتعلق بمدونة الجمارك و الضرائب الغير المباشرة، كما وقع تغييرها و تتميمها بمقتضى القانون رقم 99.02  المصادق عليه بالظهير الشريف رقم 222-00-1 بتاريخ 2 ربيع الأول 1421 (5 يونيو 2000)، ص:1652.

[35] -تنص المادة 70 من مدونة الجمارك والضرائب الغير المباشرة على أنه: “- 1- يمكن للوزير المكلف بالمالية سيرا مع نفس المسطرة المنصوص عليها في الفقرة 3 من الفصل 68 أعلاه أن يسحب بصفة مؤقتة أو نهائية رخصة قبول المعشر أو الإذن الممنوح إياه في حالة عدم وفاء المعشر أو الشخص المأذون له، بالتزاماته تجاه الإدارة أو في حالة الاخلال بقواعد ممارسة مهنة معشر أو عندما تثبت في حقه مخالفات مرتبطة بمزاولة مهامه تستوجب عقوبات حبسية.

غير أنه في حالة عدم الوفاء بالتزاماته تجاه الإدارة أو الاخلال بقواعد ممارسة مهنة معشر، يمكن للوزير المكلف بالمالية، إضافة إلي سحب رخصة التعشير بصفة نهائية أو مؤقتة، فرض عقوبة مالية يتراوح قدرها بين 2000 و20000 درهم مع تخفيض مدة السحب.

كما يمكن الاكتفاء فقط بالعقوبة المالية المشار إليها أعلاه.

=2 – يمكن للوزير المكلف بالمالية أو مدير الإدارة، وقبل استشارة الهيئات المشار إليها في الفصل 68 أعلاه أن يوقف معشرا عن مزاولة مهامه لمدة لا يمكن أن تتعدى شهرين.

ويجب أن يتخذ مقرر بسحب رخصة القبول أو إبقائها قبل انصرام هذا الأجل وفي حالة عدم صدور هذا المقرر يصبح تدبير التوقيف باطلا.

3- إن تدابير الرفض أو السحب المؤقت أو النهائي أو توقيف رخصة القبول أو الإذن في الاستخلاص الجمركي المتخذة وفق الشروط والكيفيات المنصوص عليها أعلاه، لا يمكن أن تخول الحق في تعويض أو تعويضات عن الضرر تتحملها الدولة”.

[36] -مليكة الصروخ،القانون الإداري،دراسة مقارنة.الشركة المغربية لتوزيع الكتاب،الدار البيضاء،،الطبعة السادسة، 2006ص:347.

[37] -يحيى حلوي وزهير جمال الدين ،”دور السلطات الإدارية المستقلة في اتخاذ قرارات إدارية انفرادية”.مجلة طنجيس للقانون والاقتصاد،العدد 2 ،2001،ص:76.

[38] – محي الدين أمزازي، العقوبة. منشورات جمعية تنمية البحوث والدراسات القضائية، مطبعة الأمنية، الرباط، 1993، ص:267.

[39] -عرف الدكتور أحمد رفعت خفاجي الجريمة الإدارية بكونها: “فعل معاقب عليه بجزاء إداري، وهي تتضمن مخالفة لقوانين وقرارات تنظيمية، ويعني ذلك أنها تختلف عن الجريمة الجنائية من حيث الجزاء، وكذلك من حيث الطبيعة”. أورده غنام محمد غنام، المرجع السابق، ص: 293.

[40] -راجع بخصوص ظاهرة الحد من العقاب: أمين مصطفى محمد، المرجع السابق.

[41]– كما فعلت العديد من التشريعات المقارنة، كالتشريع السويسري الذي حصر الأفعال المكونة لجرائم بسيطة وأخضعها لجزاءات إدارية توقعها هيئة إدارية وبإجراءات إدارية.

[42]– Tuot (T) : quel avenir pour le pouvoir de sanction des autorités administratives indépendantes? Les sanctions administratives: actualité et perspectives. Actualité juridique de  droit administratif.,N° spécial, 20 Octobre 2001,p:  138

Exit mobile version