Site icon مجلة المنارة

الضمانات المؤسساتية لاستقلالية المجلس الأعلى للحسابات

 

الضمانات المؤسساتية لاستقلالية المجلس الأعلى للحسابات

 

العربي بجيجة

باحث في جامعة محمد الخامس

الرباط

 

 

 

 

إلى جانب الاختصاصات التي يتولى ممارستها بمقتضى القانون 99/62 بمثابة مدونة المحاكم المالية، عزز دستور 2011[1] من مكانة المجلس الأعلى للحسابات بتكريس استقلاليته ومنحه اختصاصات لم يتضمنها الدستور السابق (1996)[2]، حسب مقتضيات الفصول (من 147 إلى 150) من الدستور الحالي. ذلك أنها تمثل نقلة في مجال منظومة الرقابة المالية العليا، إذا ما قورنت بما سبقها من دساتير، أو بما يمثله مستوى التأطير الدستوري للمحاكم المالية في المحيط الإقليمي والدولي، وهو ما يمثل بحق ارتقاء بالمجلس الأعلى للحسابات، بالنظر لنوعية الاختصاصات التي أصبح يزاولها، باعتباره أعلى هيئة للرقابة أو.

يقضي المبدأ العام بأن تمنح أجهزة الرقابة العليا القدر اللازم من الاستقلال، تظهر من خلاله كسلطة رابعة في كيان الدولة، وذلك نظرا لأهميتها ودورها الكبير في تنظيم سير وتنفيذ الكثير من النشاطات وقرارات السلطة العامة في الدولة. لأجل ذلك ينبغي على أجهزة الرقابة العليا ذات الاستقلال الضعيف، أن تسعى وبصفة مستمرة لدى حكوماتها والجهات المختصة من أجل منحها الاستقلال الكافي الذي يساعدها على القيام بواجباتها بصورة مناسبة وعلى أحسن حال، وأن يضمن لها ذلك تمييزا تنفرد به عن غيرها من الأجهزة العامة في الدولة، ومبرر ذلك أن جل أجهزة الدولة تخضع للرقابة المالية الممارسة من طرف المحاكم المالية.[3]

وقد دعت المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة، ومنظماتها الإقليمية إلى دعم استقلالية الأجهزة العليا للرقابة، من خلال التوصيات التي تصدرها بالمؤتمرات التي تعقدها هذه المنظمات، كلا على حدا.[4] إذ أنه لا يمكن للأجهزة العليا للرقابة أن تضطلع بمهامها بصورة شفافة وموضوعية، إلا إذا كانت مستقلة عن الوحدة الخاضعة للرقابة، وتوفرت ضمانات تلك الاستقلالية.[5]

تمثل الضمانات المؤسساتية مؤيدات أساسية لمنح الاستقلالية اللازمة للمجلس الأعلى للحسابات للقيام بواجباته الرقابية بمهنية وتجرد، بالإضافة إلى تحصينه من المؤثرات الخارجية التي تعمدها بعض السلطات الإدارية. وترتبط الضمانات المؤسساتية أساسا بما يمنحه القانون من أسس ضابطة للعلاقة بين المجلس الأعلى للحسابات ومؤسسات الدولة (الفرع الأول)، ثم بما يتضمنه المتن التشريعي من مبادئ تعزز التعاون بين الأجهزة الرقابية في الدولة بشقيّها الإدارية والقضائية (الفرع الثاني).

الفرع الأول: ضبط العلاقة بين المجلس وباقي مؤسسات الدولة

إن قدرة المحاكم المالية على العمل بمهنية وفعالية، رهين باستقلالها عن أي سلطة يمكن أن تؤثر على عملها وتوجهاتها، وهذا لا يعني أنه لا تربطها علاقة بمؤسسات الدولة، لكن في إطار نص قانوني ينظم شؤونها ويحدد طبيعة علاقاتها.

وعلى هذا الأساس، يمارس المجلس الأعلى للحسابات اختصاصاته ومهامه في إطار محيط متنوع ومتداخل سياسيا وإداريا، تحكمه علاقات مباشرة وغير مباشرة بمختلف هذه الأجهزة، وبذلك يتوفر المجلس على علاقات قانونية بالسلطات العامة في الدولة (السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية). وفي هذا الإطار، لا يستطيع المجلس تحقيق مهامه وأهدافه دون بناء علاقات مؤسساتية مع باقي السلطات العامة من جهة، ومشاركة القوى والطاقات الوطنية في تقديم المساعدة له، حتى يتسنى له تحديد مجالات التبذير والاختلالات التي يعرفها تدبير المال العام من جهة أخرى.

وبهذا الصدد، سنحاول دراسة علاقة المجلس بالفاعلين المؤسساتيين في النسق السياسي، وذلك بتحديد طبيعة علاقته بالسلطة التشريعية (الفقرة الأولى)، ثم ننتقل بعد ذلك لتحليل علاقته مع السلطة التنفيذية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: علاقة المجلس بالسلطة التشريعية: تعاون أم انحصار

إن العلاقة بين المجلس الأعلى للحسابات والمؤسسة التشريعية أصبحت من ركائز التدبير الجيد للمال العام، وهي تقليد تعمل به العديد من الدول إلى درجة اعتبر البعض أن كلاهما مكمل للأخر،[6] حيث يعمل المجلس في التجارب المقارنة على مساعدة البرلمان في الرقابة على تنفيذ قوانين المالية، والقيام بالتحقيقات والدراسات المتعلقة بتنفيذ الإيرادات والنفقات العامة، وفي إعادة النظر في الاعتمادات المخصصة للإيرادات في الميزانية العامة، كما تقوم بإعداد التصريح العام بالمطابقة. وهذه الاختصاصات تعد ولا شك بمثابة نقطة تحول هامة في ماهية عمل الأجهزة العليا للرقابة، بالشكل الذي جعلها تخرج عن حدود الرقابة التقليدية لتشمل مجالات جديدة أهمها تقديم المساعدة والاستشارة.[7]

وقد حدد القانون 99/62 بمثابة مدونة المحاكم المالية في الفصل الرابع (المواد 92 – 93 – 94 – 95) من الكتاب الأول منه، طبيعة العلاقة بين المؤسسة التشريعية والمجلس الأعلى للحسابات تحت عنوان “المساعدة المقدمة إلى البرلمان”.

ويتضح من خلال هذه المواد المنظمة للعلاقة بين السلطة التشريعية والمجلس الأعلى للحسابات، أن هذا الأخير يمكن له أن يرد على طلبات التوضيح المعروضة عليه من طرف رئيس مجلس النواب، أومن رئيس مجلس المستشارين، بمناسبة دراسة التقرير عن تنفيذ قانون المالية والتصريح العام بالمطابقة.

وقد خضعت هذه العلاقة للتحيين بما يتناسب والغايات المرجوة من إحداث المحاكم المالية، وبما يتماشى مع توجهاته في الحفاظ على تدبير الأموال العمومية بشكل سليم وفعال. حيث نص دستور 2011 في الفصل (148) على أن:

“يقدم المجلس الأعلى للحسابات مساعدته للبرلمان في المجالات المتعلقة بمراقبة المالية العامة، ويجيب عن الأسئلة والاستشارات المرتبطة بوظائف البرلمان في التشريع والمراقبة والتقييم المتعلق بالمالية العامة.

ويوجه المجلس الأعلى للحسابات تقريرا سنويا إلى رئيسي مجلسي البرلمان ويقدم الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات عرضا عن أعمال المجلس أمام البرلمان يكون متبوعا بمناقشة”.

ينطوي هذا النص بكل المقاييس على معان ودلالات جوهرية من شأنها أن تشكل نقلة نوعية حقيقية لنظام الرقابة والمحاسبة على المال العام بالمغرب، على غرار الديمقراطيات الراسخة في عالمنا المعاصر، إذ يؤسس نص الدستور صراحة لجسور العلاقة التفاعلية التي يجب أن تسود وتترسخ بين المؤسستين الأهم في مجال الرقابة والمحاسبة “المجلس الأعلى للحسابات – السلطة التشريعية”، وينقل إيقاع العلاقة وعمقها من مستوى محدود نظريا ومعدوم عمليا، إلى مستوى متحرك و منهجي.[8]

وإذا كانت العلاقة بين المؤسستين قد عرفت مرحلة من الانحصار والجفاء في السنوات الماضية، بالنظر لضعف التنسيق بينهما في مجال رقابة العمل الحكومي، خصوصا في إطار التدبير المالي، ينضاف إلى ذلك غياب التأطير القانوني للآليات التي من شأنها ضمان النجاعة لمثل هذه التدخلات. فإن دستور 2011 قد قطع مع هذه المرحلة عبر ما كرسه من أدوات ووظائف للتعاون والتعاضد في المجال المالي (الفصل 148)، ترجمها الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات خلال سنتي 2014 و 2015، بتقديمه لعرض أمام مجلسي البرلمان، حول أهم ملاحظات وتوصيات المجلس الأعلى للحسابات المضمنة بتقاريره الرقابية لسنتي 2012 و2013 كانت متبوعة بمناقشة.

وهكذا، فإن تفعيل الفقرة الأولى من الفصل (148) من دستور 2011، وتعزيزها ببرلمان مؤهل وجريء، وبمحاكم مالية فعالة ومنفتحة، له ضمانة لصياغة تجربة مغربية متميّزة في مراقبة وتوازن السلط، تقوي البرلمان بذراع رقابي موضوعي ومستقل، وتقوي المجلس الأعلى للحسابات بإضفاء المزيد من الأهمية والحيوية على ملاحظاته واستنتاجاته من جهة، مع تأمين المتابعة والمحاسبة والمساءلة ذات الطابع السياسي لأعماله ومجهوداته من جهة ثانية.

ويمثل عرض أعمال المجلس الأعلى للحسابات أمام البرلمان بمجلسيه، أحد أبرز تجليات علاقة التعاون والتجسيد الفعلي للارتباط الوظيفي بين المؤسستين، التي من شأنها أن تذكي مضامين أعمال المجلس بما يقدمه أعضاء البرلمان من ملاحظات.

وإن كان المشرع المغربي لم يحدد لا بمقتضى النص الدستوري أو التشريعي التاريخ الذي يعرض خلاله الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات تقريره على أنظار البرلمان، ما يعني ترك ذلك لاتفاق بين المؤسستين لتحديد تاريخ عرض التقرير ومناقشته. وبخلاف ذلك فإن بعض التجارب المقارنة خاصة منها المصرية قد حددت ضمن تشريعاتها (الفصل 176 من دستور 2013) تاريخ عرض تقرير رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، الذي يأتي مباشرة بعض توصل رئاسة مجلس الشعب بالتقرير، حيث يتولى “مجلس الشعب” دراسته واتخاذ التدابير والإجراءات المناسبة حياله، في مدة لا تتجاوز أربعة أشهر من عرض التقرير على أنظار المجلس.

وبصفة عامة، فمن المعايير والممارسات الفضلى لفعالية و شفافية الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة، وجود علاقات وثيقة تترجم على شكل أواصر مهنية تفاعلية مع البرلمان،[9] تقطع مع القراءات الضيقة للنص الدستوري أو التشريعي المنظم لتلك العلاقة، وتتطلب فتح قنوات عملية مستدامة في هذا الشأن انسجاما مع المعايير الدولية، ولو في غياب الترسيم القانوني الصريح.

الفقرة الثانية: علاقة المجلس بالسلطة التنفيذية: تقاطع أم تجاذب

تشكل السلطة التنفيذية أحد الشركاء الرئيسيين في العملية الرقابية، والتي من شأن ربط علاقات قوية ومستمرة معها الحد من سوء تدبير المال العام، وتقييم السياسات العمومية لتكون أكثر فعالية ونجاعة. خصوصا أن تحقيق الجودة في أعمال المحاكم المالية التي تتميز عن باقي الأجهزة القضائية الأخرى، بعدم خضوعها لوزير العدل والحريات، يظل مشروطا بضمان استقلاليتها وممارستها لاختصاصاتها في إطار من الشفافية التامة، اتجاه الأشخاص الخاضعة لسلطتها، واتجاه المواطنين على حد سواء، بعيدا عن أي تأثيرات أو اعتبارات كيفما كان نوعها أو مصدرها.

إلا أن هذه الاستقلالية لا تمنع من وجود آليات للتنسيق والتعاون بين مكونات المنظومة الرقابية القضائية و بين السلطة التنفيذية، من خلال وضع وسائل لتسهيل هذا التنسيق، وذلك بغية تفادي هدر الإمكانيات وكذا تفادي حصول تناقض في النتائج المتوصل إليها أثناء إجراء عملية المراقبة المالية والتدقيق. ويمكن تحقيق هذا التعاون والتنسيق من خلال استفادة المحاكم المالية من أعمال التفتيش والتدقيق التابعة مثلا لوزارة الاقتصاد والمالية، وذلك بالنظر للخبرة التي راكمتها هذه الأجهزة عبر مسارها المهني مقارنة بحداثة تجربة المجلس الأعلى للحسابات، كما يمكن أن يكون هذا التعاون والتنسيق من خلال تبادل المعلومات والمعطيات المتعلقة بالمالية العمومية.[10] وفي هذا الإطار أكدت المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة والمالية والمحاسبة (الأنتوساي) عبر توصيات مؤتمر “ليما”،[11]: “أن الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة يمكن أن تضع معلوماتها الدقيقة المتخصصة رهن إشارة البرلمان والإدارة في شكل خبرات، بما في ذلك مواقفها من مشاريع قوانين المالية وغيرها، على أن تكون السلطات الإدارية وحدها مسؤولة عن رفض أو قبول هذه الآراء”.

وفي إطار المساعدة التي يقدمها المجلس للحكومة، نجد أن دستور 1996 قد أكد في الفصل (97) منه على: “ترتبط بجواز إدراج مهام تقييم البرامج والمشاريع العمومية أو لمراقبة تسيير أحد الأجهزة الخاضعة لرقابته بطلب من رئيس الحكومة”، وهو الأمر الذي عمل الفصل (148) من دستور 2011 على تكريسه، عبر تقديم المجلس الأعلى للحسابات مساعدته للحكومة في الميادين التي تدخل في نطاق اختصاصاته بمقتضى القانون. وهو ما يحيل على أن القانون يتضمن عدة حالات من للمساعدة منها إمكانية إدراج قضايا من اقتراح رئيس الحكومة ضمن البرنامج السنوي للرقابة وتقييم المشاريع العمومية وغيرها،[12] ولا يحتاج الأمر إلى تجديد أو إضافة، على اعتبار أن فلسفة الدستور الجديد هي ترتكز على إعادة النظر في توزيع السلطات في اتجاه تقوية المراقبة الديمقراطية، وذلك وفق منظور المراقبة في إطار توازن السلط.[13]

وعلى الرغم مما يتمتع به المجلس من صلاحيات وسلطات لمراقبة تدبير الأموال العمومية من قبل الأجهزة العمومية الخاضعة لرقابته، إلا أن المجلس يصادف بعض الحالات التي يتفاوت حجمها مع طبيعة المؤسسة والثقافة التي تطبع المشرفين عليها. وترتبط هذه الحالات بعدم التعاون الجدي مع قضاة المحاكم المالية أو عدم تقديم الوثائق والمستندات التي تبرأ ذمة المحاسبين العموميين تفاديا لإدانتهم.

لأجل ذلك، تجب الإشارة إلى ضرورة تدعيم عمل المجلس الأعلى للحسابات، وتعزيز الصلاحيات والأدوات التي تمكنه من ممارسة رقابة فعالة على تدبير المال العام، وتحصيله وإنفاقه أيا كانت الجهة القائمة على ذلك، من خلال التحيين الذي تخضع له مدونة المحاكم المالية لتتلاءم مع مقتضيات دستور 2011. وهو توجيه لا ينتقص من استقلال الأجهزة الحكومية، ولا يعتبر تدخلا في شؤونها إنما يكفل احترام الدستور والقانون، الذي ينبغي أن يخضع لهما كل أفراد المجتمع ومؤسساته، باختلاف مواقعهم (حكام ومحكومين) على حد سواء، وهي القاعدة التي تستمد سموها من المبدأ الدستوري القائم على “المساواة أمام القانون”.

ولأجل إضفاء دينامية على عمل المحاكم المالية و تمتين آليات التعاون والتنسيق مع السلطة التنفيذية، نجد أن التجربة الفرنسية عملت على إحداث آليات موازية تساعد محكمة الحسابات في تأدية مهامها. من خلال تأسيس اللجنة المركزية للتقصي، التي تتكفل بمراقبة تكاليف ومردودية المصالح العمومية العمومية، وتهدف اللجنة بالدرجة الأولى إلى حفظ المال العمومي من التبذير و الإسراف وسوء الاستخدام، وتقوم لأجل ذلك بإجراء الدراسات المتعلقة بمختلف مجالات الهياكل الإدارية والتدخلات الاقتصادية والاجتماعية للدولة، وقد لعبت هذه الهيئة دورا هاما في إصلاح الإدارة الفرنسية خاصة المالية منها.[14]

كما تم إحداث مجلس الضرائب الذي يعتبر مؤسسة مرتبطة بمحكمة الحسابات الفرنسية، ويتلخص دوره في المجال الجبائي ويعتمد في إنجاز تقاريره على كفاءات عالية، التي تحظى باهتمام خاص على مستوى البحث الجامعي والأكاديمي.[15]

لقد تميزت التجربة الفرنسية لمحكمة الحسابات الفرنسية بعلاقة تعاون عرضي ثانوي خلال مرحلة الجمهورية الرابعة، سرعان ما توطدت و تعززت في ظل الجمهورية الخامسة، بخلاف ما تعرفه بعض الأنظمة الغربية، من تعاون محدود وضيق بين جهاز الرقابة العليا والسلطتين التشريعية التنفيذية، كما هو الحال بالنسبة للمملكة المتحدة وألمانيا الاتحادية، وتعاون وثيق إلى حد الشراكة الحقيقية، كما هو الشأن في الولايات المتحدة الأمريكية والنمسا والمملكتين البلجيكية والهولندية.[16]

أما بالنسبة لعلاقة الجهاز المركزي للمحاسبات بمصر مع الحكومة، فيمكن القول أن التعديل الذي أجري على قانون الجهاز رقم 144 لسنة 1988[17] بالقانون رقم 157 لسنة 1998[18]، غير وضعه من هيئة ملحقة بمجلس الشعب إلى جهاز تابع لرئيس الجمهوية، نجم عنه إخلال بالتوازن بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية. حيث يتوافر للأولى من الأجهزة ما يوفر لها معلومات هائلة تساعدها في اتخاذ القرارات، وهو ما لا يتوفر للسلطة التشريعية، ويشكل إتباع الجهاز المركزي للمحاسبات الذي هو مصدر رئيسي للبيانات والمعلومات بالنسبة لمجلس الشعب برئيس السلطة التنفيذية، أمرا قد يؤثر سلبا على أداء مجلس الشعب في دوره الرقابي على أعمال السلطة التنفيذية، ويتناقض مع الهدف الرئيسي من وجود الجهاز.[19]

الفرع الثاني: تعزيز التعاون مع الأجهزة الرقابية

يرتبط المجلس الأعلى للحسابات بعلاقة تنظيمية مع العديد من الهيئات التي تتوافق معه في نفس الهدف الرقابي، منها ما هو ذا ارتباط ببنيات وزارية كالمفتشيات الوزارية (الفقرة الثانية) وأخرى متعلقة بالمفتشية العامة للمالية (الفقرة الأولى). ويرجع هذا الارتباط التنظيمي بين الأجهزة الرقابية والمجلس الأعلى للحسابات، لأجل العمل على خلق ديناميكية فعالة للحرص على ضمان حماية أفضل للمال العام، وتحصينه من التبذير وسوء الاستخدام.

الفقرة الأولى: تقوية التنسيق بين المجلس و المفتشية العامة للمالية

أحدثت المفتشية العامة للمالية بموجب ظهير 1.59.269،[20] التي تعتبر أحد أهم العناصر المكونة للرقابة المالية بالمغرب، وتناط بها مهمة ممارسة الرقابة على جميع أوجه التصرف في المال العام، ويتعلق الأمر برقابة دورية تكتسي طابع المباغتة والتفتيش في عين المكان، مما يجعل المحاسبين العموميين والأمرين بالصرف في ترقب مستمر لزيارة المفتشين.[21]

والغاية من هذه الرقابة هي التأكد من صحة الحسابات الجارية خلال السنة المالية، والتي تنصب مراقبتها بصفة أساسية على أعمال المحاسبين العموميين، ولا تجري على الأمرين بالصرف سوى بكيفية غير مباشرة عن طريق مراقبة أعمال المحاسبين العموميين، عندما يتعلق الأمر بالتحقق من صحة العمليات المقيدة في حسابات النفقات والمداخيل التي ينجزها الآمر بالصرف.[22]

وتنتهي مهمة التفتيش بإعداد تقرير يبرز الجوانب التنظيمية للهيئة التي شملتها مهمة التفتيش، ويتعرض بعد ذلك إلى نتائج التفتيش، وفي حالة اكتشاف مخالفات تدخل في مجال التأديب المالي، تحيل ذلك على المجلس الأعلى للحسابات لاتخاذ التدابير اللازمة.[23]

لكن بسبب المشاكل التي تعرفها هذه الهيئة، بقيت مساهمتها في حماية المال العام جد محدودة، وبالتالي لم ترقى إلى تحقيق الأهداف المتوخاة منها، حيث ظل دورها يقتصر على القيام ببعض عمليات التفتيش للمصالح التابعة لوزارة المالية وبعض المؤسسات العمومية، دون أن يمتد نشاطها لمراقبة كافة مجالات النشاط المالي الحكومي.[24]

إن حصيلة تجارب التفتيش والرقابة التي قامت بها المفتشية في القطاع العمومي وشبه العمومي أبانت عن محدوديتها، مما يستوجب اتخاذ مبادرات إصلاحية أو تعديلات تشريعية، حتى يستطيع هذا الجهاز المساهمة من جانبه في حماية المال العام وإنجاح مبادرة الإصلاح. وهي عملية مجتمعية شاملة ليست المنظومة الرقابية سوى جزء منها، تتبناها الدولة على أكثر من صعيد، تحتاج في مجملها إلى تبني إستراتيجية متكاملة لتطوير نظام الرقابة المالية.[25]

وبالنظر للإكراهات التي تعرفها كل من المفتشية العامة للمالية، والمجلس الأعلى للحسابات على حد سواء، فإن هذا لم يسمح بخلق نوع من التنسيق وتقوية جسور التواصل والتعاون بينها بالكيفية المطلوبة، خاصة وأنهما يتقاطعان في مراقبة الأموال العمومية والحرص على تدبيرها بكيفية عقلانية.[26]

لأجل ذلك يتعين ربط قنوات التواصل بين الهيئتين، بغية تعزيز التعاون والتنسيق بينهما، لكونه يشكل مدخلا رئيسيا في ضمان تدبير شفاف للمال العام، ويحد من كافة مظاهر سوء تدبيره. ومن أوجه هذا التنسيق تأمين كل الشروط والضمانات الكفيلة برد الاعتبار لتقارير الرقابة والتفتيش، عبر تفعيل الجزاءات لمرتكبي الجرائم المالية، حتى يكتسب العمل الرقابي مصداقيته ومكانته.[27]

إن رقابة المفتشية العامة للمالية لا يمكن أن تحقق الغايات المتوخاة منها، سوى بتوفير مقومات التنسيق مع كافة الأجهزة الرقابية، وخاصة منها المجلس الأعلى للحسابات والعمل على إنجاحها، وهذا لن يتأتى إلا بعد القيام بإصلاح شامل للأجهزة الرقابية وجعلها مكملة لبعضها البعض، بفعالية وديناميكية بدل الوضعية الحالية التي تتميز بغياب التنسيق. فتعدد أجهزة الرقابة وتنوعها ليس بهدف التفريق، بقدر ما يجب أن يكون عاملا فاعلا للتماسك والوحدة بغية توفير حماية أفضل للمال العام، إضافة إلى اختيار وسائل وتقنيات حديثة وأساليب ناجعة من أجل تفعيل الرقابة، مع ما يتطلب ذلك من السرعة في التنفيذ والانجاز، والاقتصاد في التكاليف، و تحقيق النجاعة في حماية المال العام.

الفقرة الثانية: ضبط العلاقة بين المجلس والمفتشيات العامة للوزارات

يقصد بالمفتشية العامة في الفقه الفرنسي، بنية إدارية دائمة ملحقة مباشرة بوزير ما، وتتموضع خارج التراتبية بالمقارنة مع فروع وزارية أخرى، فضلا عن ذلك، تتوفر على وسائل التحقق الممارسة باسم الوزير في كل ميادين اختصاصها.[28] ويرتبط وجود المفتشيات العامة ارتباطا مباشرا بالوزارات ومصالحها الخارجية، حيث تمارس نوعا من المراقبة الداخلية بهدف تقييم عمل مصالح الوزارة التي تنتمي إليها أو المؤسسات التابعة لها.

وتناط بالمفتشيات العامة مهام تفتيش، مراقبة، تدقيق، وتقييم تدبير الإدارات المركزية ومصالحها اللاممركزة، كما تناط بها مهمة التنسيق والتواصل مع مؤسسة الوسيط، والتعاون مع كل من المجلس والمفتشية العامة للمالية والهيئة المركزية للوقاية من الرشوة. ففي مجال المراقبة والتفتيش، تسهر المفتشيات الوزارية على سلامة تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية، وعلى حسن تدبير الأموال العمومية، وكذا إجراء المراقبات والتدقيقات الداخلية المتعلقة بتهيئ وإبرام وتنفيذ الصفقات العمومية. أما في مجال التدقيق والتقييم، فتقوم المفتشيات الوزارية بعمليات التدقيق وتقديم الاقتراحات لتحسين المردودية والفعالية، فهي تدقق في مسك سجلات جرد العقارات والمعدات والمخازن، فضلا عن تقييم نتائج أنشطة الإدارات المركزية و المصالح اللاممركزة للوزارة.[29]

وتجدر الإشارة إلى أن الصنف المتبع من هذه المراقبة هي مراقبة سابقة و مواكبة لتنفيذ الميزانية، بخلاف الرقابة اللاحقة الممارسة من قبل المجلس الأعلى للحسابات، الذي يتدخل بعد الصرف، أي بعد تنفيذ الميزانية. وبما أن الرقابة السابقة أو الموازية لتنفيذ الميزانية لا يمكن لها أن تعمل على ضبط وتتبع مختلف العمليات في شموليتها، بل تعمد إلى تتبع أجزاء أو أقسام منها فقط، فإن رقابة المحاكم المالية تتمثل مهمتها في تتبع هذه العمليات في كليتها وشموليتها، والتي تسمح بتقريبها إلى حد التطابق بينها.[30]

وفي إطار مراقبة المجلس للتدبير العمومي، فقد قام بافتحاص العديد من المفتشيات الوزارية، كان من نتائجها توقفه مثلا عند عدم استشارة وزارة الثقافة للمفتشة التابعة لها، وعدم إشراكها في انجاز الصفقات العمومية، علما بأن المفتشية تعتبر المصلحة المؤهلة فنيا على الصعيد الجهوي لتحديد وتوصيف الأشغال المزمع انجازها، وقد تسببت تلك الوضعية في عدة مشاكل أثناء تنفيذ بعض الصفقات. كما لاحظ المجلس صعوبة تبادل المعلومات بين المصالح الإدارية والمفتشية الجهوية، الأمر الذي يحتاج إلى وضع نظام فعال للمعلومات، لتسهيل وتحسين جودة تبادل المعلومات بين مديرية التراث الثقافي و المفتشيات الجهوية.[31]

كما يشكل غياب الاستقلالية لهيئة التفتيش عاملا يحد من فعاليتها، ومن ذلك مثلا أن المصلحة المكلفة بتنسيق التفتيش بوزارة الصحة تابعة لمديرية الأدوية والصيدلة، حيث ينتمي أغلبية الصيادلة الذين يقومون بالتفتيش لهذه المديرية. هذه الوضعية لا تضمن استقلال المهام الرقابية المنجزة، على اعتبار أن نفس الأشخاص الذين يُقيِمون ملفات الإذن بالعرض في السوق وتحيينها، يتكلفون كذلك بتفتيش المؤسسات الصيدلية.[32]

وتبعا لذلك، يلزم دعم تأهيل المفتشيات العامة للوزارات للقيام بدورها في الرقابة الداخلية بفعالية، فإن كان دورها قد ظل محدودا لفترة طويلة، فهذه الأجهزة يمكنها القيام بدور هام في إطار المقاربة الجديدة التي تهدف إلى تدبير الميزانية على أساس النتائج، والتي تمنح الأمرين بالصرف مسؤولية أكبر بخصوص التحمل التدرجي لتنفيذ مراقبة المشروعية للنفقات، عبر إحداث هيئات داخلية فعالة للتفتيش والمراقبة والافتحاص، كما يمكن أن تشكل المفتشيات الوزارية دعامة لعمل المحاكم المالية، باعتبارها هيئات للمراقبة الداخلية.

في نفس السياق، وجب العمل على تدعيم التنسيق بين المفتشيات الوزارية و بين المجلس الأعلى للحسابات، وجعله أكثر فعالية على مستوى التعاون وإرساء قواعد تبادل الخبرات المهنية والمعطيات الرقابية، خاصة أن العديد من المخالفات المالية قد تتجاوزها أحيانا رقابة المفتشيات الوزارية فيتصدى لها المجلس أثناء ممارسته لمهامه، مما يفرض على كلى الجهازين الحرص على تحصين مؤهلاتهم وتدعيمها، حتى يتحقق الهدف من خلق هذه الأجهزة، والمرتبط أساسا بحماية المال العام و صيانة تدبيره.

[1] – ظهير شريف رقم 1.11.91 صادر في (27 شعبان 1432) الموافق 29 يوليوز 2011 المتعلق بتنفيذ الدستور، جريدة رسمية عدد 5964 مكرر الصادرة بتاريخ (30 يوليوز 2011).

[2] – ظهير شريف رقم 1.96.157 الصادر بتاريخ 07 أكتوبر 1996، جريدة رسمية عدد 4420، الصادرة بتاريخ 10 أكتوبر 1996.

[3] – نادر مصطفى المقانلة، بحث لنيل السلك العالي، المدرسة الوطنية للإدارة، الرباط، السنة الجامعية 1993/1994، ص: 68/69.

[4] – محمد رسول العموري، الرقابة المالية العليا، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2005، ص: 57.

[5] – محمد سكلى، التدبير المالي ومتطلبات الحكامة المالية، أطروحة لنيل الدكتوراه، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكدال، السنة الجامعية 2011-2012، ص: 444.

[6] – (G) Carcassone, la cour des compte et le parlement, R.F.F.P, N 59, 1997,  P : 130 .

[7] – أحمد حاسون، المجلس الأعلى للحسابات بالمغرب: مقاربة سوسيو- قانونية، منشورات مجلة حوارات للدراسات السياسية والاجتماعية، سلسلة أطروحات وأبحاث، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، عدد 01، 2013.، ص: 218.

[8] – محمد براو، الوسيط في شرح مدونة المحاكم المالية على ضوء القانون والفقه والاجتهاد القضائي المالي المغربي والمقارن ومعايير الرقابة والمحاسبة المتعارف عليها عالميا، مع شرح لجميع مقتضيات الباب العاشر من دستور 2011، منشورات مركز الدراسات والأبحاث حول الرقابة والمحاسبة ومكافحة الفساد، الطبعة الأولى، سنة 2012، مرجع سابق، ص: 486.

[9] – محمد براو، الشفافية والمساءلة والرقابة العليا على المال العام في سياق الحكامة الرشيدة، سلسلة الرقابة على المال العام والمنازعات المالية، العدد الرابع، مطبعة دار العلم، الطبعة الأولى سنة 2010، ص: 101.

[10] – أحمد طويل، المحاكم المالية بالمغرب: آليات الاشتغال ومعيقات التنفيذ، رسالة لنيل الماستر، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة عبد المالك السعدي، طنجة، السنة الجامعية 2009-2010، ص: 153.

[11] – المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة (أنتوساي)، إعلان ليما، مرجع سابق.

[12] – المادة (96) من مدونة المحاكم المالية.

[13] – مصطفى حمينا، رقابة المجلس الأعلى للحسابات على ضوء دستور 2011، رسالة لنيل دبلوم الماستر، جامعة محمد الخامس -السويسي-، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية -سلا-، السنة الجامعية 2012/2013، ص: 85.

[14] – (J) Magnet, La cour des compte –les institution assagées et les chambres  régionales des comptes-, 4eme edition, Bega- Levrault, paris, 1996, p: 29.

[15] – (P) Moinot, La cour des comptes, Edition, C.N.R.S, Paris, 1984, P: 42.

[16] – ibidem, p: 53.

[17] – القانون رقم 144 لسنة 1988، بشأن إصدار قانون الجهاز المركزي للمحاسبات، الجريدة الرسمية عدد 23، الصادرة بتاريخ 09 يونيو 1988.

[18] – القانون رقم 157 لسنة 1998 بشأن تعديل بعض أحكام قانون الجهاز المركزي للمحاسبات رقم 144 لسنة 1988، الجريدة الرسمية عدد 24 الصادرة بتاريخ 11 يونيو 1998.

[19] – إبراهيم أبو جبل، الجهاز المركزي للمحاسبات – جهاز الرقابة والمحاسبة الأعلى في مصر-، المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، سلسلة الأبحاث والدراسات، عدد الثاني، 2012، ص: 30.

[20] – ظهير شريف رقم 1.59.269 صادر في 17 شوال 1379 (14 أبريل 1960) بشأن المفتشية العامة للمالية، جريدة رسمية عدد 2478، بتاريخ  22 أبريل 1960.

[21] – عبد العزيز الفركاني، آليات حماية المال العام في عمل المجلس الأعلى للحسابات بالمغرب: دراسة قانونية تطبيقية (2002/2009)، رسالة لنيل الماستر بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال -الرباط-، الموسم الجامعي، 2010/2011، ص: 106.

[22] – أمل أزرو، الرقابة بين وزارة المالية والمجلس الأعلى للحسابات، رسالة لنيل دبلوم الماستر المتخصص، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي، الرباط، السنة الجامعية، 2010/2011، ص: 16.

[23] – سعيد المرضي، عقلنة التدبير المالي في المغرب، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، جامعة عبد الملك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، السنة الجامعية 2007/2008، ص: 52.

[24] – أمل أزرو، مرجع سابق، ص: 17.

[25] – يوسف ولد محمد ولد أحمد سالم، الرقابة على المال العام بين واقع الأجهزة الرقابية ورهان الحكامة المالية (دراسة مقارنة بين المغرب وموريتانيا)، جامعة عبد الملك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، السنة الجامعية 2010/2011، ص: 138.

[26] – أمل أزرو، مرجع سابق، ص: 18.

[27] – نجيب جيري، الرقابة المالية بالمغرب، بين الحكومة المالية ومتطلبات التنمية، مطبعة المعارف الجديدة، سلسلة المعرف  القانونية والقضائية الطبعة الأولى، الرباط، 2012، ص: 131.

[28] – (F) Renaudin, les inspections générales dans le systéme administratif francais, thése de doctorat, univérsité paris II, panthéon assas, U.F.R, de droit, 2003, les inspections, opuscitatum.com/ thése_renaudin, (2003).pdf, p : 13-14.

[29] – المادة (2) من المرسوم رقم 2.11.112 صادر في 23 يونيو 2011 في شأن المفتشيات العامة للوزارات، جريدة رسمية عدد 5960، الصادرة بتاريخ 14 يوليوز 2011، ص: 3386.

[30] – (M) Harakat, le droit du contrôle supérieure des finance publique au Maroc, ESSAI sur les structures d’austit, à l’heure de l’ajustement structrel, Ed.BABEL Tome I, 1992., p: 247.

[31] – التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات لسنة 2006، ص: 26/27.

[32] – التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات لسنة 2012، ص: 64.

Exit mobile version