السياسات الاجتماعية الحديثة نافذة المستقبل بدولة الإمارات العربية المتحدة

السياسات الاجتماعية الحديثة نافذة المستقبل بدولة الإمارات العربية المتحدة

Modern social policies

  The window to the future in the United Arab Emirates

مقرب خليفة السويدي MUQARRAB KHALIFA ALSUWAIDI

كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية –السويسي-

جامعة محمد الخامس –الرباط-

الإمارات العربية المتحدة

ملخص:

من المعروف جدا أن السياسات الاجتماعية تلعب دورا فعالا في تحقيق الرفاهية والرعاية الاجتماعية لأفراد المجتمع، الأمر الذي يتحقق معه ضمان مستقبل الأفراد ضمن سياسة الدول في استشراف المستقبل، إذ من خلال هذه السياسات نستطيع بناء الإنسان السوي المستقيم المتمتع بكافة حقوقه كإنسان وكمواطن داخل الدولة.

تهدف هذه الورقة إذا إلى البحث في السياسات الاجتماعية باعتبارها آلية لاستشراف المستقبل وضمان رفاهية الأفراد بدولة الإمارات العربية المتحدة، من خلال البحث في أسس ومبادئ هذه السياسات واتجاهاتها الكبرى، والعمل على إبراز الهدف من وراء تحقيقها.

الكلمات المفاتيح: السياسات الاجتماعية- الرعاية الاجتماعية- الرفاهية

Abstract :

It is very well known that social policies play an effective role in achieving welfare and social care for members of society, which ensures the future of individuals within the policy of states in anticipating the future, as through these policies we can build the upright human being who enjoys all his rights as a human being and as a citizen within the state.

This paper then aims to research social policies as a mechanism for anticipating the future and ensuring the well-being of individuals in the United Arab Emirates, by researching the foundations and principles of these policies and their major trends, and working to highlight the goal behind their achievement.

Key words: social policies, social care, welfare

تمهيد:

تلعب السياسة الاجتماعية دورا بارزا في المجتمع من خلال الحفاظ على تماسك أفراده إضافة إلى تأسيس مجتمع وتحقيق رفاهيته وضمان الرعاية الاجتماعية لأفراده سواءً المواطنين أو المقيمين فيه، كما أن تلك السياسة تهدف إلى تحقيق العــدالة والمساواة والحرية والديمقراطية والمواطنة وتحسين جميع مناحي الحــياة لكافة سكان المجتمع، وكذلك تمكين الفئات المستهدفة بهذه السياسات من تحقيق ما يأملونه من منافع وفوائد من جراء تلك السياسات المتبعة من قبل الدولة.

إن الأهداف التي تحققها السياسة الاجتماعية باتت ضرورة ملحة تفرضها المسؤولية الاجتماعية بغية تقديم رؤية شمولية لفهم مشكلات المجتمع وتأثيرها علي أنماط الحياة الاجتماعية والعمل علي مواجهتها والحد من تأثيرها وتوفير مستوي معيشي مناسب لتحقيق الرفاهية الاجتماعية لكل أفراد المجتمع[1]، وذلك للدور الإيجابي الذي تلعبه هذه السياسات من خلال الدور البارز وإسهاماتها الفعالة في جميع مجالات الحياة.

تمكنت السياسات الاجتماعية بدولة الإمارات من لعب دور هام وكبير في تحقيق الترابط بين أفراد المجتمع وإزالة ما قد يكون قد وجد من فوارق بسبب بعض الخلافات أو نتيجة لعوامل الصراع الاقتصادي بين الإمارات قبل الوحدة وتحقيق الرفاهية لأفراده وهو ما سنحاول إلقاء الضوء عليه بهذه الدراسة، وتسعى المجتمعات الإنسانية إلى تحقيق التنمية باعتبارها طريقاً إلى التقدم الحضاري ويعتبر الإنسان هو وسيلة هذه التنمية.

  • فما هي إذا الأسس والمبادئ العامة للسياسيات الاجتماعية الإماراتية؟
  • وما الهدف من تحقيق هذه السياسات؟
  • وما هي اتجاهاتها الكبرى؟

هذه الأسئلة وغيرها سنحاول الإجابة عنها في هذه الورقة العلمية، محاولين اقتفاء أثر السياسات العمومية بدولة الإمارات العربية المتحدة، والأثر التي تستعى لتحقيقه في المستقبل.

المبحث الأول: الأسس والمبادئ العامة للسياسات الاجتماعية الإماراتية.

يرى علماء الاجتماع على أن حالة التطور السريع لأي مجتمع في مجالاته المختلفة قــد يواجهه في المستقبل بعض المشكلات التي تنبثق عن هذا التطـور أو قد تكون هــذه المشكلات مــن الأمــور التي تحدث عادة نتيجة لهذا التطــور، وهنا يكون مطلوباً منهم في الدولة الاستعداد لحدوث لمثل هذه المشكلات باتخاذ العديد من السياسات الوقائية بغيه مواجهه مثل هذه المخاطر، والتي تتفاوت آثارها من حيث الخطورة مما يتطلب تعدد السياسات التي توضع لمواجهتها.

تهدف هذه السياسات إلى تهيئة الإنسان عملياً وفكرياً وجسمانياً لكي يكون مؤهلاً للقيام بما ينوط به من واجبات وما يفرض عليه من التزامات اتجاه المجتمع مما يجعله عنصراً منتجاً به.

فالسياسة الاجتماعية يمكنها تحقيق عدة أهداف للإمكانيات والموارد البشرية والمادية والتنظيمية المتاحة في المجتمع او التي يمكن اتاحتها او يكون من المطلوب توافرها او تنميتها، مع المساهمة في تحديد السياسة الاجتماعية بالإضافة الى تنظيم العلاقات المتبادلة بين انساق المجتمع القائمة، ذلك انها مجموعة من المبادئ والمناهج التي تحدد طبيعة العلاقات المجتمعية الداخلية بين هذه الأنساق.

فالمتتبع لتاريخ الرعاية الاجتماعية في دولة الإمارات يستطيع ملاحظة أن مفهوم الرعاية الاجتماعية قد بدأ ينتقل من المفهوم التقليدي، الذي كان يقتصر على تقديم مساعدات عينية ومادية وعلاجية لبعض فئات المجتمع، إلى الأخذ بالأساليب الوقائية والتنموية إلى جانب الأسلوب العلاجي.[2]

تهدف الدولة من وراء تطبيق سياسات اجتماعية معينة في مجال ما تحقيق درجة معينة من التقدم، ولكن قد يكون ما تحقق ليس بالقدر المقبول لواضعي هذه السياسات الاجتماعية أو تكون السياسة توقفت عند حد معين ولم تستطع تحقيق أية نتائج إضافية لأسباب تعود إلي ضعف هذه السياسات، أو عدم مواكبة التطور السريع الذي يشهده المجتمع وقت تطبيق هذه السياسات، أو لم تستطيع أن تجاري المجتمع في تطوره ويكون استمرارها غير ذي جدوي أو أن تكون حدثت تغييرات في المجتمع لم يدرك واضع السياسة الاجتماعية عند وضعها إمكانية حدوثها فعرقلت تحقيق النتائج المرجوة من السياسة الاجتماعية المتبعة.

وعليه فدولة الإمارات تتبنى مفهوم دولة الرفاه أو الرعاية إطلاقاً من اعتبارات إنسانية واجتماعية واقتصادية ودينية، وتعمل باستمرار نحو تطوير نظم الرعاية الاجتماعية من خلال تقديم خدمات جديدة وبشكل مستمر، وتحس الخدمات القائمة لزيادة كفاءتها وفعاليتها.[3]

تلعب السياسة الاجتماعية دورا هاما في بنية المجتمع من خلال النظر في تشكيل نوعية الحياة أو عملية توزيع الموارد أو مستوى معيشة أعضاء المجتمع وتعديل المكانات والأدوار والحدود والجزئيات بين الأفراد والوحدات الاجتماعية داخل المجتمع.

عملت دولة الامارات من خلال السياسة الاجتماعية على تحديد مجموعة من الأسس للعمل بها في هذا الاتجاه تمثلت من خلال رصدها للمشاكل التي يعاني منها المجتمع الإماراتي وبحثها وتحليلها وتقديم الحلول لهذه المشاكل وإصدار التشريعات والقرارات والتوصيات التي تتولى حلها، إضافة إلى اعتماد الدولة برامج الرعاية للكيانات الفئوية التي تختص بصفات معينة تتميز به عن باقي أفراد المجتمع كما أشــرنا إلى ذلك مثل ذوي الاحتياجات الخاصــة والطفل والمرأة والمسنين والشباب وغير ذلك.

وقد عملت الدولة جاهدة البحث في كيان المجتمع الإماراتي للوقوف على أهم التغييرات التي تواجهه وكذلك احتياجاته علاوة على متابعة تنفيذ السياسات الاجتماعية وتطويرها.

كما عملت الإمارات دائما على مواكبة مستجدات السياسة الاجتماعية بالمجتمع الدولي وما يصدر عن المنظمات والهيئات الدولية المعنية بالسياسات الاجتماعية وإتباع التوصيات الصادرة عنها والمشاركة في كافة المحافل الدولية المعنية بهذه السياسات ونقل أية تجارب ناجحة لأي سياسة اجتماعية بعد دراستها على ضوء القوانين والأخلاقيات الإماراتية.

ومن هذا المنطلق فقد اعتمدت السياسة الاجتماعية الإماراتية سياسة التعامل الفئوي مع بعض المشكلات التي تمس كيان المجتمع، فعلي سبيل المثال وجود فئة معينة يواجهها عدد من المشكلات بسبب بعض الصفات الخاصة بها، أو مشكلات تواجهها في تعاملها مع باقي أفراد المجتمع، فرعاية تلك الفئات من أهم مجالات السياسة الاجتماعية، فلا تدخل فقط ضمن منظومة العمل المجتمعي، ولكن أيضاً ولأهميتها يوليها الساسة الاجتماعين بأعمال إضافية للحد من مشكلاتهم، ولعل من أهم هذه المشكلات كما سبق أن ذكرنا العنوسة علي سبيل المثال أو العنف الأسري إلي أخر ذلك من المشكلات التي يواجه قطاع عريض من المجتمع بكل فئاته وطوائفه.

تمكن السياسة الاجتماعية من تحقيق العديد من الأهداف التي تعود على الفرد والمجتمع بصيغة إيجابية، وتدفعه إلى طريق التقدم المستمر اجتماعيا واقتصاديا، بناء على العديد من الركائز والأسس العلمية التي تتحقق من خلال القدرة على التوقع والتنبؤ العلمي السليم والاستفادة من علم دراسة المستقبل، إضافة إلى القدرة على تحقيق التوازن الدينامي المستمر بين حاجات ومشكلات المجتمع من ناحية وموارده البشرية والمادية من ناحية اخرى.

ويُقصَد بأهداف سياسة الرعاية الاجتماعية حصيلة النتائج التي تسعى السياسة إلى تحقيقها من خلال نشاطاتِها وبرامجها المختلفة، وتعني التغيير المقصود أو المطلوب تحقيقه نتيجة لتنفيذ السياسة.

وتسعى الرعاية الاجتماعية تحقيق العديد من الأهداف الاستراتيجية التي تتمثل في الارتقاء بالإنسان والاهتمام به باعتباره هو الغاية والوسيلة، بغية إعطائه دورا بارزا في بناء مجتمعه، إضافة إلى العمل على تجديد وتطوير دعم النُّظم الاجتماعية القائمة؛ لزيادة كفاءتها بالنسبة لجهود إحداث التغيير المطلوب، وتحقيق الأداء في العمل الاجتماعي في شتى مجالات الرعاية.

كما تهدف الرعاية الاجتماعية إلى تحقيق أمثلِ استثمار ممكن للإمكانيات والموارد البشرية والمادية والتنظيمية المُتاحة في المجتمع، والتي يمكن إتاحتُها، وتحقيق التوازن في توزيع ناتِج التنمية على المواطنين على أساسٍ من العدالة في توزيع الحقوق والواجبات، وتوفير الخدمات والرفع من مستوى المعيشة لأفراد المجتمع بصفة عامة، وتوفير جميع الخدمات التي يحتاجها الفرد داخل المجتمع.

ولعل الاهتمام بالقطاعات النشيطة في المجتمع من بين اهتمامات الرعاية الاجتماعية، التي تهدف إلى تحقيق نمو متوازن بين كافة القطاعات، وتقوية الروابط بين المواطنين، وتدعيم العلاقات بينهم على أساسٍ من التعاون والإخاء، وتحقيق التكافُل الاجتماعي بين جميع أفراد المجتمع.[4]

ويرى الكاتب مصطفى السروجي أن أهداف سياسات الرعاية الاجتماعية تتجلى من خلال مواجهة المشكلات الاجتماعية، وإشباع الحاجات الإنسانية؛ من خلال مقابلة الخدمات بالحاجات، وتوجيه العمل الاجتماعي في المجتمع، وتوجيه الخُطط والبرامج والمشروعات الاجتماعية، وتحقيق الأهداف المجتمعية، لنقْل المجتمع من صورة إلى أخرى أفضل، وتحقيق الرفاهية الاجتماعية لأفراده من خلال تعاون وتنسيق الجهود المختلَفة لتحقيق الأهداف.

ويعتبر الكاتب أن الإصلاح الاجتماعي، وتحقيق المساواة والعدالة في توزيع المواردِ والخدمات بين الأفراد في المجتمع، من بين أهداف هذه السياسة، إضافة إلى تزويد الأفراد والفئات الأكثر احتياجا للخدمات اللازمة لمقابَلة حاجاتِهم المتزايدة، وبناء وتنمية الإنسان في المجتمع وتحقيق الاستقرار وإحداث التغيير والتنمية الاجتماعية كعائد لتحسين نوعيَّة الحياة في المجتمع.

لا يمكن أن تُحقِّق الرعاية الاجتماعية خدماتها بالكفاءة والفعالية المنشودة لتحقيق أهدافها في غياب سياسات واضحة ومحَددة للرعاية الاجتماعية، والتي تتمركز حولها الجهود والأنشطة المختلفة لتحقيقِ الأهداف، وبيان أولويات الرعاية الاجتماعية فئويًّا ومجتمعياً في كل مرحلة من مراحلِ العمل الاجتماعي بما يُسهِم في تحقيق الأهداف.

فمن خلال ما سبق يتضح لنا أن أهدافَ الرعاية الاجتماعية تتركّز حول رفع مستوى الإنسان وتحقيق أقصى قدر ممكن من إشباع الاحتياجات الضرورية للأفراد داخل المجتمع[5].

         إن العمل على تنفيذ خطط السياسة الاجتماعية يتطلب إرادة سياسية من طرف الدولة في رسم وتنفيذ هذه السياسة، حيث تتمكن الدولة عن طريق القواعد القانونية التي تقرها السلطة التشريعية، أن تضفي صفة الإلزام على الخطط والبرامج والعمليات التي تؤلف بمجموعها السياسة الاجتماعية التي تتبناها.[6]

وتعتبر المرجعية القانونية والتشريعية مكون أساسي للسياسة الاجتماعية، فلا تكتسب أي سياسة كانت اجتماعية أو غيرها، صفتها القانونية المعترف بها من المستفيدين والمتأثرين بها سواء أكانوا أفراداً أو مؤسسات مجتمعية، بدون أن تسندها نصوص قانونية وتشريعات رسمية والتزامات وقرارات سياسية معلنه وموثقه تبين بشفافية محتوى السياسة والإجراءات والمسؤولية التنفيذية بشأنها، ومما لاشك فيه أن هذه المرجعية القانونية تقوي مركز السياسة الاجتماعية وأهميتها في نظر الجهات المشرفة والراعية لها كما في نظر المواطنين المستفيدين منه[7].

ويـرى “فريمان وشيروود” إلى أن السياسة الاجتماعية تهدف أساسا إلى تحسين الظروف العامة للمجتمع، والنهوض بحياته الاجتماعية، وتقليل الانحراف والتفكك الأسري قدر الإمكان[8].

كما يعتبر مارشــال أن الحكومـات تمــارِس السـياسةَ الاجتماعية لصالح مواطنيها، عن طريق توفير مجموعة من الخدمـات تساعد على رفعِ مستوى معيشتهم، تتمثل في التأمينات الاجتماعية، والرعاية الاجتماعية والسياسة السكانية.[9]

المبحث الثاني: اتجاهات السياسة الاجتماعية بدولة الإمارات العربية المتحدة

         يمكن القول إن السياسة الاجتماعية لدولة الإمارات المتحدة تتجلى في خمس اتجاهات كبرى وهي: الاتجاه السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعلمي والأخلاقي، وسنعرض لكل اتجاه على حدة في هذا الفصل.

  1. الاتجاه السياسي:

ويتمثل الاتجاه السياسي في السياسات الاجتماعية الإماراتية في المحافظة علي كيان الاتحاد وحمايته، والمقصود هنا ليس المحافظة علي الاتحاد ككيان سياسي فقط وإنما المحافظة عليه ككيان اجتماعي، من خلال العمل علي المشاريع الاجتماعية الاتحادية التي تقوم علي أسس المساواة والعدل، بين كافة أفراد الشعب دونما النظر إلي انتمائه الإقليمي وتهدف إلي اندماجهم وذوبانهم في تشكيل اجتماعي واحد، وذلك من خلال النظر إلي المشاكل الاجتماعية كأنها مشاكل اتحادية يجب أن تسعى كافة الحكومات المحلية بالتضامن مع الحكومة الاتحادية علي دراستها والمشاركة في وضع سياسات ومراقبة تطبيقها للتمكن من القضاء عليها ومعالجتها.

وقد نص الدستور الإماراتي على هذا الأمر في ابه الأول من خلال القول “أهداف الاتحاد هي الحفاظ على استقلاله وسيادته وعلى أمنه واستقراره، ودفع كل عدوان على كيانه أو كيان الإمارات الأعضاء فيه، وحماية حقوق وحريات شعب الاتحاد وتحقيق التعاون الوثيق فيما بين إماراته لصالحها المشترك من أجل هذه الأغراض، ومن أجل ازدهارها وتقدمها في كافة المجالات وتوفير الحياة الأفضل لجميع المواطنين من احترام كل إمارة عضو لاستقلال وسيادة الإمارات الأخرى في شؤونها الداخلية في نطاق هذا الدستور.”[10]

2. الاتجاه الاقتصادي:

تظهر معالم هذا الاتجاه في ضرورة تحقيق أعلى معدلات الدخل لأفراد المجتمع، فأي قرارات أو قوانين أو لوائح تصدر للعمل بها يكون هدفها رقي المجتمع، فالدراسات الاجتماعية والاقتصادية تهتم أولا بالبحث عما إذا كانت هناك أضرار قد تنجم من جراء التطبيق وتضر بأفراد المجتمع الإماراتي وكذلك قياس مدي الجدوى والفائدة، بالإضافة إلى دراسة المقترحات اللازمة والمطلوب اتخاذها من الدولة للقضاء على تلك الأضرار، وأخيراً رصد وقياس نسبة نجاح هذه السياسات على المردود الاقتصادي.

3. الاتجاه الاجتماعي:

إن نظرة سريعة للدستور الإماراتي ستوضح هذا الجانب الاجتماعي في الدستور الذي أكد على ضرورة ضمان وحدة المجتمع وسلامته وتحقيق أقصى قدر ممكن من الرفاهية المجتمعية للشعب، وهذا أسمى وأهم الأهداف التي تسعى إليها السياسات الاجتماعية التي تمارسها الدولة.المساواة والعدالة الاجتماعية وتوفير الأمن والطمأنينة، وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين من دعامات المجتمع والتعاضد والتراحم صلة وثقي بينهم”.[11]

كما يجب أن تتسم كافة السياسات الاجتماعية وكذلك النشاطات الاجتماعية، بما تتصف به القاعدة القانونية من العموم والتجريد، بمعني أنها تكون متاحة لكل فرد من أفراد المجتمع داخل الدولة فلا يجوز أن يستفيد أحد من المواطنين بهذه السياسات ويحرم منها آخر يمر بذات الظروف والمشاكل فيجب أن يكون الهدف من هذه السياسات تحقيق وحدة اجتماعية واحدة متكاملة لكافة أفراد المجتمع وذلك لتعزيز الانتماء الوطني.

4. الاتجاه العلمي:

إن التطوير المستمر للمنهج العلمي والتعليمي بهدف خلق جيل جديد من أفراد المجتمع قائم على التحصيل العلمي وأن يكون متمتعاً بالقدرة على الابتكار والإبداع وذلك من خلال منظومة تعليمية متطورة تنتهج الأساليب العلمية الحديثة في بناء النشء، وتمكين أفراد المجتمع من الحصول على الخدمات التعليمية المجانية وعدم التمييز بين المواطنين في فرص التعليم.

وكذلك دراسة احتياجات المجتمع من التعليم النوعي وتحقيق السياسات الاجتماعية التي تعمل على توفير الخبرات من هذا النوع من الخبرات المطلوبة داخل المجتمع.

5. الاتجاه الأخلاقي:

تعتبر الأخلاق ضرورة أساسية في الدستور الإماراتي أو السياسة الاجتماعية التي تنهجها الدولة، فكل سياسة اجتماعية يجب ألا تحوي بين طياتها سواء بسلوك صريح أو ضمني أي مساس بمنظومة الأخلاق الإسلامية، التي تنبثق أساساً من التشريع الإسلامي من القرآن والسنة النبوية واتجاهات الرأي الفقهي في مذهب الإمام مالك أو المذاهب الفقهية الأخرى فلا يجوز الخروج عليها أو المساس بها من قبل السياسة الاجتماعية فأي مساس بتلك المنظومة الأخلاقية (الإسلامية) تصبح معه هذه السياسات مخالفة للدستور والقوانين المعمول بها، مما يجعلها باطلة دستورياً وقانونياً.

فالدستور الإماراتي تضمنت نصوصه وضع معيار أخلاقي لكافة السلوكيات الاجتماعية وعليه يتم تحديد الإطار الأخلاقي والقيمي للمجتمع الإماراتي وللسياسات الاجتماعية والتي يجب ألا تخرج عن هذا الإطار، وذلك باتخاذ الإطار الأخلاقي لنهج الشريعة الإسلامية نطاقا للعمل الاجتماعي.

كما أن هذه السياسة الاجتماعية تحمل بين طياتها ايديولوجيات مختلفة داخل المجتمع الاماراتي إذ تعتبر الأيديولوجيا أو العقيدة السياسية أو الفكرية مجموعة منظمة من المبادئ تشكل رؤية متماسكة، وطريقة لرؤية القضايا التي تتعلق بالأمور اليومية أو تتعلق بمناحي فلسفية معينة أو سياسية بشكل خاص، فالإيديولوجيا ترتبط بكل من الفلسفة والدين واللغة والعلم، وتزود الأفراد والجماعات بخريطة فكرية توضح لهم كيف تدور آلة المجتمع، وتزودهم برؤية للحياة والعالم وبذلك تلعب دورا هاما في دمج الأفراد والجماعات عبر هذا الفهم في بيئة اجتماعية معينة.[12]

كما تساهم في تعزيز الانتماء والوحدة لأفراد الجماعة التي تعتنق ذات الإيديولوجيا نفسها، فيحل مفهوم “نحن” بدلا من مفهوم “الأنا”، مما يترتب على هذا الانتماء من قوة، وما يعد به من امتيازات. أضف إلى ذلك ما تلعبه الايديولوجيا من دور في تجسيد الوعي الطبقي، أو الديني، أو المهني لفئات المجتمع المختلفة، وتمثيل إرادتها في شكل برامج وتنظيمات سياسية وحزبية تميزها عمن سواها، كما تقوم الإيديولوجيا بمهمة اللُحمة الرابطة للمجتمع.

وتتحدد بموجب هذه الأيدولوجيات الأسس العلمية والواقعية للعمل المجتمعي والسياسة الاجتماعية خلال فترة زمنية مقبلة داخل الدولة.

الخاتمة:

عموما يمكن القول إن واقع السياسات الاجتماعية بدولة الإمارات العربية المتحدة يبعث على التفاؤل، خاصة وأن الدولة تعتمد إشراك القطاعين الأهلي والخاص في البرامج الاجتماعية، وتحديد التحديات التي تواجه عملية التطوير وإعادة بناء تلك السياسات.

إن العمل الذي تقوم به الإمارات العربية المتحدة في هذا الاتجاه يتناسب تماما وحجم التطور الذي أحرزته الدولة في شتى المجالات، والذي يتطلب أن يقابله تطور نوعي في المجال الاجتماعي، الأمر الذي تحققه السياسات الاجتماعية حاليا.

إن اعتماد الدولة على السياسات الاجتماعية كبديل لتحقيق الرفاه للأفراد ما هو إلا خيار استراتيجي واجتماعي ينشد تأسيس قيم راسخة ومتينة، تهدف تحقيق العدالة والحياة الكريمة لجميع المواطنين.

المصادر والمراجع:

– عبد الحليم رضا عبدالعال، الرعاية الاجتماعية في الخدمة الاجتماعية ، دار الحكيم للطباعة والنشر، 2000.

– عثمان سراج الدين، الرعاية الاجتماعية بين الاتفاقيات والمواثيق الدولية والقوانين المحلية دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجا، قسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا.

– ماهر أبو المعاطي، مقدمة الرعاية الاجتماعية: أسس نظرية ونماذج عربية.

– أحمــد عبــد الله زايــد وخلــف أحمـد خلــف: تطــوير السياســات الاجتماعيــة القطاعيــة فــي ظــل العولمــة – مشار إليه – يوسف إلياس– الإطار القانوني لدول مجلس التعاون الخليجي – سلسة الدراسات الاجتماعية الصادرة عن المكتب التنفيذي لجلس وزراء الشئون الاجتماعية بمجلس التعاون الخليجي –.

– أحمد عبد الرحمن حمودة – مفهوم السياسات الاجتماعية ومكوناتها – سلسة الدراسات الاجتماعية الصادرة عن المكتب التنفيذي لجلس وزراء الشئون الاجتماعية بمجلس التعاون الخليجي –.

– مصطفى عبد العظيم الفرماوي: السياسة الاجتماعية وإدارة المؤسسات – مشار إليه –أهداف سياسات الرعاية الاجتماعية ومراحلها – د. سامية عطية نبيوة منشور بموقع الألوكة بتاريخ 10-2-2013.

– دستور الإمارات العربية المتحدة، الباب الثاني، الدعامات الاجتماعية والاقتصادية الأساسية للاتحاد.


[1]-د. طلعت مصطفى السروجي السياسة الاجتماعية في إطار المتغيرات العالمية الجديدة – مشار إليه – أهداف سياسات الرعاية الاجتماعية ومراحلها – د. سامية عطية نبيوة منشور بموقع الألوكة بتاريخ 10-2-2013.

[2]– الرعاية الاجتماعية بين الاتفاقيات والمواثيق الدولية والقوانين المحلية دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجا د. عثمان سراج الدين فتح الرحمن أستاذ مساعد، قسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا.

[3]– ماهر أبو المعاطي، مقدمة الرعاية الاجتماعية: أسس نظرية ونماذج عربية، ص:55. د. عثمان سراج الدين فتح الرحمن المرجع السابق، ص: 59.

[4]– عبد الحليم رضا عبدالعال، الرعاية الاجتماعية في الخدمة الاجتماعية ، مرجع سابق.

[5]– طلعت مصطفى السروجي، السياسة الاجتماعية في إطار المتغيرات العالمية الجديدة – مشار إليه –أهداف سياسات الرعاية الاجتماعية ومراحلها – د.سامية عطية نبيوة منشور بموقع الألوكة بتاريخ 10-2-2013.

[6]– د. أحمــد عبــد الله زايــد وخلــف أحمـد خلــف: تطــوير السياســات الاجتماعيــة القطاعيــة فــي ظــل العولمــة – مشار إليه – يوسف إلياس– الإطار القانوني لدول مجلس التعاون الخليجي – سلسة الدراسات الاجتماعية الصادرة عن المكتب التنفيذي لجلس وزراء الشئون الاجتماعية بمجلس التعاون الخليجي – ص13.

[7]– د. أحمد عبد الرحمن حمودة – مفهوم السياسات الاجتماعية ومكوناتها – سلسة الدراسات الاجتماعية الصادرة عن المكتب التنفيذي لجلس وزراء الشئون الاجتماعية بمجلس التعاون الخليجي – ص71.

[8]– مصطفى عبد العظيم الفرماوي، مرجع سابق.

[9]– مصطفى عبد العظيم الفرماوي: السياسة الاجتماعية وإدارة المؤسسات – مشار إليه –أهداف سياسات الرعاية الاجتماعية ومراحلها – د. سامية عطية نبيوة منشور بموقع الألوكة بتاريخ 10-2-2013.

[10]– دستور الإمارات العربية المتحدة، الباب الأول، الاتحاد ومقوماته وأهدافه الأساسية، المادة: 10.

[11]– دستور الإمارات العربية المتحدة، الباب الثاني، الدعامات الاجتماعية والاقتصادية الأساسية للاتحاد، المادة: 14.

[12]– علم الاجتماع بين العلوم والإيديولوجيا رسالة ماجستير بجامعة منتوري الجزائر من الباحث / يعيش حمخزار وسيلة ص59.

إقرأ أيضاً

التأطير الدستوري لمقتضيات  الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011

التأطير الدستوري لمقتضيات  الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011 الوعبان لرباس  باحث في سلك الدكتوراه …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *