Site icon مجلة المنارة

الرقابة القضائية على المالية المحلية: دراسة تحليلية على ضوء تقارير المجلس الأعلى للحسابات

 

الرقابة  القضائية على المالية المحلية:

دراسة تحليلية على ضوء تقارير المجلس الأعلى للحسابات

 

المحجوب الدربالي: باحث في الشأن المحلي 

 

يمكن تعريف الرقابة القضائية على المالية المحلية على أنها المراقبة التي تمارسها أجهزة قضائية على أعمال وقرارات الجماعات المحلية والأجهزة العمومية المحلية الأخرى وذلك بكيفية لاحقة، وتهدف هذه المراقبة ليس فقط إلى التأكد من مدى احترام القوانين والأنظمة، ولكن أيضا إلى قياس النتائج والتكاليف. كما لا تهدف هذه المراقبة إلى إلغاء قرارات تم تنفيذها، بل إلى تحديد مسؤوليات مختلف المتدخلين في تدبير الشأن العام المحلي، وذلك من أجل حماية الأموال العمومية وتقديم التوصيات والاقتراحات التي من شأنها تطوير هذا التدبير[1].

وقد شكل إحداث المجالس الجهوية للحسابات كمحاكم مالية، إلى جانب المجلس الأعلى للحسابات، محطة مهمة في رقابة تدبير المالية العمومية بشكل عام، ومجال المالية المحلية بشكل خاص.

فإصدار القانون 62.99 بمثابة مدونة المحاكم المالية[2].  والمؤسس للمحاكم المالية الجهوية يندرج في إطار محاولة مسايرة التطورات التي عرفتها التجارب المقارنة في مجال الرقابة القضائية، إذ يعتبر الأخذ بمبدأ لامركزية الرقابة المالية القضائية أحد أهم المبادئ في التنظيم الرقابي للتشريعات المقارنة، سواء في ذلك التشريع الأنجلوسكسوني ونموذجه الولايات المتحدة الأمريكية، أم اللاتيني كالتشريع الفرنسي الذي يتميز بالقدم والأصالة، ويعتمد الغرف الجهوية للحسابات في تنظيمه الرقابي[3].

لذلك تعد رقابة المجالس الجهوية للحسابات على المالية المحلية من بين أهم أشكال الرقابة الممارسة على المالية المحلية[4]،  فاستقلاليها و السلطات المهمة الممنوحة لها، تجعلها من بين أهم الأجهزة المحدثة لضمان تدبير جيد للمالية المحلية.

و تستمد المجالس الجهوية للحسابات رقابتها على المالية المحلية أساسا من الدستور، حيث نص الفصل 149 من دستور 2011[5] ” تتولى المجالس الجهوية للحسابات مراقبة حسابات الجهات و الجماعات الترابية الأخرى و هيئتها، وكيفية قيامها بتدبير شؤونها. وتعاقب عند الاقتضاء، عن كل إخلال بالقواعد السارية على العمليات المذكورة “.  و التنصيص عليها ضمن فصول الدستور يجعلها في مصاف المؤسسات الرقابية الأساسية لمراقبة المالية المحلية.

بالإضافة إلى المقتضيات الدستورية السالفة، نجد مدونة المحاكم المالية، والتي يعد إصدارها محطة أساسية، لكونها أتت كاستجابة للعديد من المطالبات التي تدعوا إلى ضرورة  دعم المجلس الأعلى للحسابات، بمجالس جهوية  في إطار لامركزة الرقابة المالية.

و أكد أيضا على هذا النوع من الرقابة على المالية المحلية، القانون رقم 45.08 المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات المحلية ومجموعتها[6] و المرسوم الصادر في 3 يناير 2010 المتعلق بالمحاسبة العمومية للجماعات المحلية ومجموعاتها[7].

وقد دأب المجلس الأعلى للحسابات منذ دخول مدونة المحاكم المالية حيز التنفيذ على إصدار تقرير سنوي يقدم بيانا عن جميع أنشطة المجلس والمجالس الجهوية للحسابات، كان آخرها التقرير السنوي لسنة 2012.

    وارتباطا باختصاصات المجالس الجهوية للحسابات، فإن التقرير السنوية للمجلس الأعلى يتضمن بالإضافة إلى أنشطة المجلس الأعلى للحسابات، أنشطة المجالس الجهوية التسعة للمملكة[8]، من خلال توضيحه لكيفية ممارستها لاختصاصات، و أجوبة الجماعات الترابية على ملاحظاتها في ما يخص مراقبة التسيير، و يضم أيضا الاختصاصات القضائية للمجالس الجهوية للحسابات.

و تجدر الإشارة إلى أنه، تطبيقا لمقتضيات الفصل 148 من الدستور الجديد، والأول مرة، تقدم الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات بعرض حول أعمال المحاكم المالية أمام البرلمان يوم 21 ماي2014. وقف في جانب منه عند بعض أوجه القصور بالتدبير المالي المحلي للجماعات لمواردها المالية، سواء على مستوى تحصيل المداخيل أو على مستوى الإنفاق، حيث تعاني الجماعات من ضعف على مستوى الحكامة، إذ وصل معدل المبالغ غير المستخلصة عند متم 2012 حوالي 10 ملايير درهم[9].

وحدد الباب الثاني من الكتاب الثاني المتعلق باختصاص المجالس الجهوية للحسابات من القانون رقم 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية، اختصاصات المجالس الجهوية للحسابات في التدقيق والبت في الحسابات و التأديب المتعلق بالميزانية و الشؤون المالية وكذلك مراقبة الإجراءات المتعلقة بتنفيذ الميزانية وأخيرا مراقبة التسيير و استخدام الأموال.

الفقرة الأولى: التدقيق و البت في الحسابات و في التسيير بحكم الواقع

سنقف أولا عند الاختصاص المتعلق بالتدقيق و البت في الحسابات تم بعد ذلك لمراقبة التسيير بكم الواقع.

أولا: التدقيق و البت في الحسابات

تتولى المجالس الجهوية للحسابات، طبقا لمدونة المحاكم المالية، اختصاصا قضائيا تتضح معالمه من خلال تدخل هذه الوحدات الرقابية في النظر في حسابات المحاسبين العموميين.[10] ويعد اختصاص الرقابة القضائية على المحاسبين العموميين بمثابة العمل التقليدي للهيئات المكلفة بالرقابة على الأموال العمومية والمحلية[11].

وفي هذا الإطار أكدت المادة 126 من القانون رقم 62.99  بمثابة بمدونة المحاكم المالية على أن المجالس الجهوية للحسابات تقوم بالتدقيق و البت في حسابات الجماعات المحلية وهيئاتها وكذا حسابات المؤسسات العمومية و المقاولات التي تملك رأسمالها كليا جماعات محلية وهيئاتها و مؤسسات عمومية تخضع لوصاية الجماعات المحلية و هيئاتها، و التي لا تتوفر على محاسب عمومي.

ولممارسة هذا النوع من الرقابة، ألزمت المادة السالفة الذكر، المحاسبون العموميون بتقديم حساباتهم سنويا إلى المجلس الجهوي المختص، إذ يجب عليهم تقديم بيانا محاسبيا عن عمليات المداخيل و النفقات و كذا عمليات الصندوق التي يتولون تنفيذها.

و ارتباطا بالوثائق المحاسبية المقدمة من طرف المحاسبون العموميون، فهناك وثائق عامة حددتها نصوص تنظيمية، كتلك المتعلقة بوضعية المحاسب و الميزانية و كذلك ممتلكات الجماعة و القيم غير النقدية[12]. ووثائق مثبتة لعمليات المداخيل و النفقات المسطرة في الجدول الرئيسي لحساب التسيير[13]، ويتعلق الأمر من جهة بأوامر المداخيل الصادرة من قبل الامر بالتحصيل و المؤداة فعليا من قبل الملزمين، وكذا مختلف المستندات المتعلقة بإلغاء جزئي أو كلي لأمر بالمداخيل، و من جهة ثانية مجموع الأوامر بدفع النفقات الصادرة عن الأمر بالصرف و المؤداة من قبل المحاسب الجماعي، وكذا شهادة إعادة الإدراج بالميزانية عند الاقتضاء[14].

لذلك، فالمجالس الجهوية للحسابات تمارس رقابتها على طبيعة العمليات المسجلة في الوثائق المالية لهؤلاء المحاسبين، قصد التأكد من عدم وجود مخالفات للقواعد المالية والمحاسبية، لتعاقب عند الضرورة على المخالفات للقوانين والقواعد الجاري بها العمل. وبمعنى آخر، فالمجالس الجهوية للحسابات تسعى، من خلال اختصاص النظر في الحسابات، إلى التحقق من مشروعية العمليات المالية للمحاسبين العموميين طبقا للمقتضيات القانونية والتنظيمية الجاري بها العمل.

وقد بلغ عدد الحسابات التي تم تدقيقها من طرف المجالس الجهوي للحسابات خلال سنة 2011 ما مجموعه 1157 حسابا منها 946 حسابا تتعلق بالجماعات القروية، وقد سجلت المجالس الجهوية للحسابات 128 حسابا[15].

وأيضا أصدرت المجالس الجهوية، في مايخص البت في الحسابات، خلال سنة 2011    ما مجموعه 1345 حكما، منها 1172 حكما نهائيا و 173 حكما تمهيديا[16] ، و 13 حكما تمهيديا ، و 807 حكما نهائيا سنة 2012[17].

ثانيا: التسيير بحكم الواقع

إن التسيير بحكم الواقع و إن كان يثير إشكالات بخصوص واقعه و تطبيقاته، فإن مضمونه لايثير أية إشكالات مفاهمية، فالمحاسب الفعلي أو المحاسب بحكم الواقع هو” كل شخص يباشر من غير أن يؤهل لذلك من لدن السلطة المختصة عمليات قبض الموارد ودفع النفقات و حيازة و استعمال أموال أو قيم في ملك أحد الاجهزة العمومية الخاضعة للقانون العام”[18].

و يحيل وكيل الملك إلى المجلس الجهوي في حدود اختصاصاته العملية التي قد تشكل تسييرا بحكم الواقع من تلقاء نفسه أو بطلب من وزير الداخلية أو الوالي أو العامل، وذلك في حدود الاختصاصات المخولة لهم تطبيقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، و للوزير المكلف بالمالية أو الخازن بالجهة أو العمالة أو الإقليم أو الممثل القانوني للجماعة المحلية أو الهيئات أو المحاسبين العموميين[19].

و إذا اعتبر المجلس الجهوي للحسابات شخصا ” محاسبا بحكم الواقع” ، فإنه يلزمه بتقديم حساباته،رغم عدم قانونية العمليات التي قام بها، داخل آجال محددة لا تتجاوز الشهرين[20] ، و في جميع الحالات وبغض النظر عن التكييف القانوني أو الجرمي لهذه العمليات فإن المجلس يحق له أن يحكم بأية غرامات على المعني بالأمر على ألا يتجاوز مبلغها مجموع المبالغ المعنية بالتسيير بحكم الواقع[21].

وفي إطار اختصاصاتها المتعلقة بالتدقيق و البت في حسابات الأشخاص المصرح بهم كمحاسبين بحكم الواقع، بلغ عدد القضايا الرائجة في هذا الإطار ثمان قضايا سنة 2010[22]، و ستة قضايا سنة 2011[23].

الفقرة الثانية: التأديب المتعلق بالميزانية و الشؤون المالية.

منح القانون رقم 62.99 المتعلق بالمحاكم المالية من خلال ما جاء في مادته 136 للمجالس الجهوية للحسابات مهمة قضائية في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية و الشؤون المالية بالنسبة إلى الأشخاص الوارد بيانهم في الفقرة الرابعة من المادة 118 منه، و الذين يرتكبون إحدى المخالفات المنصوص عليها في المواد 54 و55 و56 من نفس القانون.

وقد حددت المواد السابقة الذكر من مدونة المحاكم المالية نوع المخالفات التي تعرض “صانعي القرار المالي” للعقوبات التأديبية، فهؤلاء الأشخاص، الآمرون بالصرف أو الآمرون المساعدون بالصرف أو المسؤولون، وكل من يعمل تحت سلطتهم أو لحسابهم، يمكن أن يشكلوا موضوع متابعة من طرف المجلس الجهوي للحسابات في ميدان التأديب المالي إذا ارتكبوا مخالفات.

وبإمعان النظر في هذه المخالفات والذي حددتها مدونة المحاكم المالية – البالغ عددها إحدى عشرة مخالفة – يتبين أنها تشمل بالخصوص مختلف العمليات التي يقوم بها الآمرون بالصرف ومساعدوهم (الالتزام بالنفقات العمومية وتصفيتها والأمر بصرفها، إبرام الصفقات العمومية، إثبات الديون العمومية، تحصيل هذه الديون…)، كما تهم، أيضا، بعض جوانب التدبير الإداري؛ كمخالفة النصوص التشريعية والتنظيمية الخاصة بتدبير شؤون الموظفين والأعوان، وكذا التدبير المحلي عموما؛ كمخالفة قواعد تدبير ممتلكات الأجهزة العمومية، بل تمتد كذلك إلى المسؤولية عن أي ضرر يلحقونه بالجهاز العمومي الذي يتحملون داخله مسؤوليات، وذلك “بسبب الإخلال الخطير في المراقبة التي هم ملزمون بممارستها أو من خلال الإغفال أو التقصير المتكرر في القيام بمهامهم الإشرافية”، وبذلك يكون التشريع المغربي قد خول لأول مرة المحاكم المالية صلاحية المعاقبة عن مخالفة تندرج في “أخطار التسيير”[24].

وقد أحيلت على أنظار المجالس الجهوية للحسابات في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية و الشؤون المالية، 40 قضية سنة 2008[25]، و 83 قضية سنة 2011[26]، و 41 ملفا سنة 2012 [27].

الفقرة الثالثة: مراقبة الإجراءات المتعلقة بتنفيذ الميزانية

تعتبر مراقبة الإجراءات المتعلقة بتنفيذ الميزانية من طرف الغرف الجهوية للحسابات، في التجربة الفرنسية، كبديل للوصاية الإدارية التي كانت تمارسها السلطات المركزية في مجال البت في الخلافات المتعلقة بالتأخر في التصويت على الميزانية، أو المصادقة على الحساب الإداري للجماعات المحلية.[28]

وقد منحت مدونة المحاكم المالية سلطة إحالة كل قضية تتعلق بالإجراءات المتعلقة بتنفيذ الميزانية  على المجالس الجهوية للحسابات، لوزير الداخلية أو الوالي أو العامل[29].

وبالرغم من أهمية هذا النوع من الرقابة، فإن حصرها على إجراءات التنفيذ وإعطاء سلطة الإحالة على المجالس الجهوية للحسابات، يطرح بعض الأسئلة وهي :

و المشرع الفرنسي كان أكثر تقدما فيما يخص هذه المسألة، عندما حدد الحالات التي تراقب فيها الغرف الجهوية للحسابات تنفيذ الميزانية وهي:

– التصويت على الميزانية خارج الأجل القانوني.

–  عدم توازن الميزانية.

– عدم تسجيل نفقة إجبارية أو عدم توفير الاعتمادات اللازمة لأدائها.

– وجود عجز في تنفيذ الميزانية عند اعتماد الحساب الإداري.

وقد سجلت المجالس الجهوية للحسابات سنة 2011 ارتفاعا في عدد القضايا المتعلقة بمراقبة تنفيذ ميزانيات الجماعات الترابية، في هذا الإطار توصلت المجالس الجهوية للحسابات بما مجموعه 88 طلبا مقابل 41 سنة 2010[31].

وكملاحظة أخيرة، أكدت تقارير المجالس الجهوية للحسابات على أن تنفيذ ميزانيات الجماعات الترابية وهيئاتها يعرف مجموعة من الإشكالات من بينها:

الفقرة الرابعة: مراقبة التسيير و استخدام الأموال العامة.

تمارس المجالس الجهوية للحسابات اختصاص مراقبة التسيير وكذا استخدام الأموال العامة، وقد نظم القانون رقم 62.99 هذين  الاختصاصين ضمن بنوده من الفصل 147 إلى 156 منه، حيث نضم الأول من المادة 147 إلى 153 ، و الثاني من 154 إلى 156.

أولا: مراقبة التسيير

يراد بمراقبة التسيير بصفة عامة:” تلك العملية التي تهدف إلى قياس النشاط المؤدى والوقوف على حقيقته، ومن ثمة بيان ما إذا كان النشاط متفقا في نتائجه مع الأهداف التي تسعى لتحقيقها، وما إذا كان هذا النشاط، ووسائل تحقيق نتائجه، تمثل أفضل وأكفأ ما أمكن إتباعه لتحقيق تلك النتائج والأهداف”.[32]

وفي هذا الإطار، تراقب المجالس الجهوية للحسابات نشاط الجماعات المحلية، من حيث الكيف وتدلي باقتراحات حول الوسائل الكفيلة بتحسين طرقه و الزيادة في فعاليته ومردوديته.وتشمل مراقبة المجالس الجهوية جميع أوجه التسيير، حيث يراقب مدى تحقق الأهداف و النتائج المحققة، وكذلك شروط اقتناء و استخدام الوسائل المستعملة.

وتشمل مراقبة المجالس الجهوية للحسابات كذلك مشروعية و صدق العمليات المنجزة وكذا حقيقة الخدمات المقدمة و التوريدات المسلمة و الأشغال المنجزة، و أيضا التأكد من أن الإجراءات المطبقة داخل الجماعات المحلية،تضمن التسيير الأمثل لمواردها و استخداماتها و حماية ممتلكاتها و تسجيل كافة العمليات المنجزة. وأن يقوم بتقييم مشاريع الأجهزة الخاضعة لمراقبته قصد التأكد من مدى تحقيق الأهداف المحددة لكل انطلاقا مما تم إنجازه و بالنظر إلى الوسائل المستعلمة.[33]

هكذا إذن، فالمجالس الجهوية للحسابات عند ممارساتها لهذا الاختصاص، يبدو أن لها مراقبة ذات طبيعة تحفيزية، وليست زجرية، ترتكز على البحث في الجوهر، مما يجعلها تختلف عن رقابة المشروعية التقليدية المسطرة في نظام المحاسبة العمومية.

و منذ تنصيب المجالس الجهوية للحسابات سنة 2004 ، أنجزت في مجال مراقبة التسيير 434 مهمة أي بمعدل 48 مهمة لكل مجلس جهوي، وقد وصل عدد المهام المنجزة في سنة 2011 ما مجموعه 54 مهمة لكل مجلس[34]، أما سنة 2012 أنجزت المجالس الجهوية للحسابات 96 مهمة في ميدان مراقبة التسيير من أصل 131 مهمة تمت برمجتها[35].

ثانيا: مراقبة استخدام الأموال العامة

تعتبر مراقبة المجالس الجهوية للحسابات لاستخدام الأموال العمومية من المستجدات الجديدة والمهمة التي جاء بها القانون رقم 62.99. ويندرج هذا الاختصاص في مجال مراقبة استعمال المال العام المحلي المقدم من مختلف أصناف الجماعات المحلية للجمعيات أو المقاولات  وذلك في شكل إعانات أو مساهمات.

وتهدف هذه الرقابة الى التأكد من استخدام الأموال العمومية التي تم تلقيها يطابق الأهداف المتوخاة من المساهمة أو المساعدة[36]. لذلك ألزم المشرع الهيئات التي تحصل على دعم مالي من طرف الجماعات الترابية، أن تقدم للمجالس الجهوية للحسابات، الحسابات المتعلقة باستخدام الأموال و المساعدات العمومية، وذلك حسب الكيفيات و الشروط المقررة في النصوص التشريعية و التنظيمية الجاري بها العمل[37].

وقد جعلت مدونة المحاكم المالية، اختصاص مراقبة المجالس الجهوية للحسابات استخدام الأموال العمومية اختصاصا عاما، إذ لم تحدد المدونة سقفا ماليا للمساهمة أو المساعدة التي تتلقاها الأجهزة المعينة من الجماعات المحلية، والتي على أساسها تخضع لمراقبة هذه الوحدات الرقابية. كما لم تحدد شكلها، بحيث تملك المجالس الجهوية للحسابات صلاحية التأكد من مطابقة استعمال الأموال العامة للأهداف المحددة كيفما كان شكل المساعدة أو المساهمة.

وقد قامت المجالس الجهوية للحسابات بمجموعة من المراقبات المتعلقة باستخدام الأموال العمومية، حيث راقبت سنة 2008 ما يقارب 11 جمعية استفادة من الدعم من طرف الجماعات الترابية[38]، و أيضا تمت مراقبة تسيير الممتلكات الجماعية همت ثلاث جماعات حضرية و ست جماعات قروية[39].

وختام، وبالرغم من أهمية الرقابة الممارسة على المالية المحلية، فإن وجود مجموعة من الاكراهات تتطلب اتخاذ جملة من التدبير لتحسين رقابة المجالس الجهوية للحسابات على المالية المحلية ومنها:

– إن انخراط المغرب في مسلسل الجهوية المتقدمة، وما سيصاحب ذلك من خلق اختصاصات جديدة للمجالس الجهوية خصوص تلك المتعلقة بالتسيير المالي، يتطلب الزيادة في عدد المجالس الجهوية أصبح أمرا إلزاميا، يواكب التوسع الذي سيعرفه مجال رقابة المجالس الجهوية.

– إعادة النظر في البعد الاستشاري للرقابة، فبالرغم من محاولة المشرع تأسيس نوع من الحوار والشفافية على مستوى تنفيذ الميزانية المحلية يساهم في الحد من النزاعات التي تثار على هذا المستوى، ويقوي علاقة الثقة بين سلطة الوصاية والمنتخبين المحليين من جهة ، وبين المنتخبين و المحاسبين العموميين والمجالس التداولية من جهة أخرى من خلال اللجوء إلى استشارة المجلس الجهوي للحسابات، والاستعانة بآراء قضاة ومستشارين على دراية بالواقع المحلي ومدركين أبعاد المشكلة محل النزاع. فإن ذلك لم يعد كافيا لوجود عوامل عدة تؤثر على فعالية الرقابة على تنفيذ الميزانية في بعدها الاستشاري.

–  تجاوز الصعوبات المسطرية التي تعترض عمل القاضي المالي،فإذا كان عمل هذا الأخير يتميز بالازدواج الوظيفي،أي ممارسة المهام الإدارية إلى جانب الاختصاصات القضائية، فإن ذلك يعني أن القاضي المالي يشتغل في نفس اللحظة بمساطر متعددة و متداخلة . أفلن يكون لذلك أي تأثير على جودة و فاعلية الرقابة المتعلقة بإجراءات تنفيذ الميزانية؟

–  توقف بسط المجلس الجهوي للحسابات رقابته على إجراءات تنفيذ ميزانيات الجماعات المحلية وهيئاتها ، على الإحالات التي تأتيه من سلطة الوصاية دون غيرها.ومن البديهي أن تعلق ممارسة هذه الرقابة ، وارتهان استشارة المجلس الجهوي بطرف واحد ، يدفع لتساؤلات عدة يمكن اختزالها في تساؤلين مباشرين :

ألا يمكن للمجلس الجهوي للحسابات أن ينظر في إجراءات تنفيذ ميزانيات الجماعات المحلية وهيئاتها ، إلا إذا طلب منه ذلك أو بالأحرى إذا أرادت سلطة الوصاية ؟ وما معنى حصر تحريك الرقابة على جهة محددة دون غيرها ؟

– تشكل الموارد البشرية والمادية الدعامة الأساسية المحركة لنشاط أي مؤسسة ، فالقيام بالوظائف والمهام رهين بتوفر هذين الموردين . لذلك لابد  فدعم المجالس الجهوية للحسابات بموارد بشرية إضافية، سواء بموظفين بكتابة الضبط أو قضاة، نظرا لقلة عدد المجالس الجهوية للحسابا مقارنة مع المجال الجغرافي للاختصاصاتها.

 

 

 

 

 

 

[1]   محمد مجيدي: “دور المجالس الجهوية للحسابات في تطوير أداء الجماعات المحلية”، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الرباط- أكدال، السنة الجامعية 2006-2007، ص 2-3.

[2]  الظهير الشريف رقم 1.02.124 الصادر في فاتح ربيع الآخر 1423 (13 يونيو2002) بتنفيذ القانون رقم 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية، ج.ر عدد 5030 بتاريخ 6 جمادى الآخرة 1423 ( 15 غشت 2002)، ص 2294 . وقد دخل هذا القانون حيز التنفيذ في الجزء الخاص بالمجالس الجهوية للحسابات ابتداء من سنة 2004.

[3]  احميدوش مدني: “نحو إرساء لامركزية الرقابة العليا على الأموال العمومية من خلال محاكم جهوية”، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة”مواضيع الساعة”، عدد 52، 2006، ص 83.

[4]  بالإضافة الى الرقابة القضائية هناك الرقابة الإدارية و الرقابة السياسية، للتوسع أكثر أنظر:

عبد اللطيف بروحو، مالية الجماعات المحلية بين واقع الرقابة و متطلبات التنمية، المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية، سلسلة مواضيع الساعة، العدد 70، 2011،ص  51-188.

[5]  ظهير شريف رقم 1.11.91 صادر في 27 من شعبان 1432 (29 يوليو 2011)، الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر الصادرة بتاريخ 28 شعبان 1432 (30 يوليو 2011).

[6]  المادة 57 من القانون رقم 45.08 الصادر بتنفيذه  الظهير الشريف رقم 1.09.02 صادر في 22 من صفر1430 الموافق ل 18 فبراير2009 نصت على أن” المراقبة المالية للجماعات المحلية و مجموعاتها ضمن اختصاص المجالس الجهوية للحسابات طبقا للقانون رقم 62.99 بمثابة مدونة المحاكم المالية”.

[7]  المادة 151 من المرسوم رقم 2.09.441 صادر في 17 من محرم 1431 ( 3 يناير 2010) المتعلق بسن نظام للمحاسبة العمومية للجماعات المحلية و مجموعاتها نصت على أنه” تمارس المجالس الجهوية للحسابات،اختصاصاتها على الأعمال التي يقوم بها ويؤشر عليها وينفذها، على التوالي، الآمرون بالصرف و المحاسبون العموميون للجماعات المحلية ومجموعاتها، طبقا لأحكام القانون المشار إليه أعلاه رقم62.99 بمثابة مدونة للمحاكم المالية. و يتم تقديم حسابات الجماعات المحلية ومجموعاتها للمجالس الجهوية للحسابات المختص وفق الإجراءات و الآجال المنصوص عليها في القانون السالف الذكر رقم62.99 بمثابة مدونة للمحاكم المالية  والباب الثاني من الجزاء الرابع من هذا المرسوم والإجراءات المتخذة لتطبيقه”

[8]   حسب المرسوم رقم 202.701 المحدد لعدد المجالس الجهوية للحسابات بتاريخ 29 يناير 2003 تم تنصيب حتى الآن 9 مجالس توجد مقارها بكل من العيون، أكادير، مراكش، سطات، الدار البيضاء، الرباط، فاس، طنجة، وجدة..

[9] عرض السيد الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات أمام مجلس النواب يوم 21 ماي 2014،ص24، أنظر الموقع الالكتروني للمجلس الأعلى للحسابات www.courdescomptes.ma

[10]  محمد حيمود: “إشكالية  تقييم التدبير المحلي: مقاربة نقدية على ضوء التوجهات الرقابية الحديثة”، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، جامعة الحسن الثاني- عين الشق، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الدار البيضاء، السنة الجامعية 2001- 2002، ص 203.

[11]  احميدوش مدني: ” المحاكم المالية في المغرب: دراسة نظرية وتطبيقية مقارنة”، مطبعة فضالة، المحمدية، الطبعة الأولى 2003 ص 251.

 [12] Note de service du TGR N° 860/DCGAC du 22/03/1991 citant «  les pièces générales des comptes du gestion des collectivités locales et leurs groupements ».

[13]  Note de service du TGR N° 126/DCGAC du 20/1/92 fixant les modalité de «  mise en état d’examen des comptes de gestion des communes ».

  عبد اللطيف بروحو، مالية الجماعات المحلية ..، مرجع سابق، ص 214. [14]

[15]  تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2010، الكتاب الثاني المتعلق بالمجالس الجهوية للحسابات، منشورات المجلس الأعلى للحسابات، ص609.

[16] تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2011، الكتاب الثاني المتعلق بالمجالس الجهوية للحسابات، منشورات المجلس الأعلى للحسابات، ص 652.

[17] تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2012، الكتاب الثاني المتعلق بالمجالس الجهوية للحسابات، منشورات المجلس الأعلى للحسابات، ص 597.

[18]  المادة 41 من القانون رقم 62.99  بمثابة مدونة للمحاكم المالية,

 [19]  المادة 132 من القانون رقم 62.99  بمثابة مدونة للمحاكم المالية,

[20]  المادة 43 من نفس القانون.

[21]  المادة 44 من نفس القانون

[22]  تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2010، مرجع سابق، ص 611.

 تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2011، مرجع سابق، ص 654. [23]

[24]   محمد أشركي: “المحاكم المالية وديوان المظالم: الضمير المالي والضمير الإنساني”، مجلة ديوان المظالم، العدد الثاني، يونيو 2005.، ص 22.

[25]  تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2008، الكتاب الثاني المتعلق بالمجالس الجهوية للحسابات، منشورات المجلس الأعلى للحسابات، ص 513

 تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2011، مرجع سابق، ص 654.[26]

 تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2012، مرجع سابق، ص 599.[27]

[28] Jean Raynaud : « les contrôles des chambres régionales des comptes, guide pratique des finances locales », Ed Sormon, 8éme édition, 1997, pp 22-23.

أورده  احميدوش مدني :” المحاكم المالية….،” م .س، ص  298.

 المادة 142 من القانون رقم 62.99 بمثابة مدونة للمحاكم المالية,[29]

[30]  عبد اللطيف بروحو، مالية الجماعات المحلية ..، مرجع سابق، ص 230,

[31]  تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2011، مرجع سابق، ص 656.

[32]  غسان قلعاوي: “رقابة الأداء “،دار كنعان للدراسات والنشر ، دمشق، الطبعة الأولى، 1998، ص 13.

[33]  المادة 147 من القانون رقم 62.99  بمثابة  مدونة  للمحاكم المالية.

 تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2011، مرجع سابق، ص 655.[34]

[35]  تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2011، مرجع سابق، ص 600.

[36]  الفقرة الثانية من المادة 153 من القانون رقم 62.99 بمثابة مدونة للمحاكم للمالية.

[37]  المادة 154 من  القانون رقم 62.99 بمثابة مدونة للمحاكم للمالية.

[38]  تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2008، مرجع سابق، ص 517.

 تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2012، مرجع سابق، ص 600. [39]

Exit mobile version