Site icon مجلة المنارة

الحوار الاجتماعي أساس الإتفاقية الجماعية:

الكلمات المفاتيـح :

الحوار الاجتماعـي – النقابـة الاكثـر تمثيلا – مفتشية الشغل – مندوبو الاجراء – المفاوضة الجماعية – اتفاقية الشغل الجماعية – الفرقاء الاجتماعيون – المقاوة – الحرية النقابـيـة – المصالـحة و التحكيـم – لجنة الخبراء – الاتفاقيات الدولية للشغل .

الـمـلـخـص : 

يعتبر تبني المشرع نظاما قاونيا للحوار الاجتماعي في مدونة الشغل خطوة ايجابية في اطار تشجيـع ابرام اتفاقيات الشغل الجماعية ، و بالتالية تحقيق السلم الاجتماعي ، الذي يرنو كل مـجتمع الى تحقيقـه كبداية في اطار مسلسل التنمية الاقتصادية و الاجتماعية .

و لا شك أن هذا التنظيـم التشريعي للمفاوضة الجماعية – بعد تطويره – سيساهـم لا محالة في دمقرطـة العلاقات المهنية سواء داخل المقاولة أو على المستوى الوطني بين أطراف الانتاج ، كما سيخفف من حدة حركات الاضراب ، التي تعرفـها الساحـة العمالية ، بل سيكون من شأن الدخول في الحوار الاجتماعي تفاديـا للعديد من حركات الاضراب المحتملـة ، كما سيساهـم في انعاش و ثيرة ابرام اتفاقيات الشغل الجماعيـة.

 

تقديـم:

لقد أتى صدور مدونة الشغل في صيغتها الأخيرة[1]، في ظل أوضاع اجتماعية واقتصادية وسياسية متفاعلة ومتجددة، تميزت أساسا بتوجهات نحو آفاق إيجابية على مستوى جميع الأصعدة:

إن هذه المؤشرات الإيجابية لم يكن بإمكانها أن تتعايش مع أوضاع موروثة سلبية تعيق المسيرة الصحيحة لحركة الإصلاحات والتغيرات التي تم تدشينها في الكثير من القطاعات خاصة على مستوى الحوار الاجتماعي:

إذن في ظل هذه الأوضاع المشتبكة عناصرها، يأتي صدور مدونة الشغل التي ستحاول أن تجيب على إشكالات عدة طرحتها الصيغ السالفة وأن تتكيف مع البيئة الحالية وأن تستشرف واقع ومستقبل العلاقات المهنية في مغرب القرن 21.

على ضوء هذه الملاحظات الأولية سنحاول معالجة ومساءلة المدونة حول الحيز الذي خصصته للحوار الاجتماعي وذلك من خلال المبحثين التاليين:

المبحث الأول : هيـآت الحـوار الاجتماعي المحدثة بمقتضى المدونة.

المبحث الثاني : مدى حضور مقتضيات الاتفاقيات الدولية للشغل في مدونة الشغل في مجال الحوار الاجتماعي.

المبحث الأول : هيـآت الحـوار الاجتماعي المحدثـة بمقتضـى المدونـة:

قبل أن نستعرض أهم الهيئات والمؤسسات التي أحدثها مدونة الشغل، نتساءل عن مصير المؤسسات القائمة وخاصة منها تلك المجمدة لعقود من الزمن.

إن المدونة خصصت كتابا برمته من كتبها السبعة للنصوص التي ألغيت بمجرد دخول مقتضيات القانون الجديد حيز النفاذ.

ومن جملة النصوص الملغاة، بعض القوانين المحدثة والمنظمة لهيئات استشارية وطنية، وهي على التوالي:

فيما غظ الطرف عن بعض الهيئات التي هي عمليا مشلولة لكنه عوضها بهيئات أخرى سحبت منها اختصاصاتها والأمر هنا يتعلق بالمجلس الأعلى لطب الشغل الذي أنشئ بدلا منه مجلس طب الشغل والوقاية من المخاطر المهنية، الشيء الذي يدعو إلى الاستغراب لسلوك المشرع هذه الطريقة الانتقائية في إلغاء بعض الهيئات والإبقاء على أخرى.

من جهة ثانية، فقد تجاهلت المدونة مصير اللجنة المركزية للأسعار والأجور العاطلة أصلا عن أي نشاط، ونصت على إجراء كل أربع سنوات, مفاوضات بين الحكومة والمنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات المهنية للعمال بهدف الرفع من أجور كافة الأجراء، بناءا على نسبة التضخم، مع إمكانية زيادة نسبة معينة لتحسين القدرة الشرائية، بمعنى أن تطبيق السلم المتحرك للأسعار والأجور سيتم من خلال التفاوض الجماعي. وجدير بالذكر أن المهمة الأساسية للجنة المذكورة أعلاه, هي مراقبة تقلبات معدلات الأسعار المعيشية والسعي لملائمة الأجور مع هذه الزيادة.

إذن يلاحظ أن المدونة واقتناعا منها بعدم جدوائية هذه اللجنة, أوكلت مهمة تطبيق السلم المتحرك للأجور للفرقاء الاجتماعيين في إطار المفاوضة الجماعية، غير أن ما يثير الاستغراب، لماذا لم يكن المشرع حاسما ويضم اللجنة المركزية للأسعار والأجور إلى قائمة الهيئات الاستشارية الملغاة قانونا بعد أن ظلت ردحا من الزمن غائبة عملا ؟

ألا يرمي المشرع من إبقائه على هذه اللجنة، رغبته في تفعيلها لأجل أن يتكامل دورها مع ميكانيزم الزيادة في الأجور في إطار المفاوضة الجماعية مرة كل أربع سنوات.

المطلب الأول : على مستوى المقاولة :

من أجل تمثيل أنجع للأجراء وقصد تمكين ممثلي الأجراء من الاضطلاع بأدوار مهمة على صعيد إدارة المؤسسة وإبداء الرأي في القضايا ذات الطابع الاقتصادي والتدبيري والاجتماعي، وتقديم اقتراحات وتتبع خطة العمل المعتمدة بالمقاولة للحفاظ على الصحة والسلامة المهنية للأجراء، أنشأ المشرع ثلاث هيئات على صعيد المؤسسة:

مندوبو العمال ـ لجنة المقاولة ـ لجنة السلامة وحفظ الصحة.

الفقرة الأولى : مندوبو الأجراء :

جدير بالذكر, أن هيأة مندوبي العمال، ليست مؤسسة تمثيلية جديدة على مستوى المقاولة، فقد أنشأت ونظمت بمقتضى ظهير 29 أكتوبر 1962 الذي ظل يعتبر نظاما نموذجيا لتمثيل الأجراء، غير أن المدونة أحدثت تغيرات جذرية على مستوى انتخاب واختصاصات مندوبي العمال.

فإذا كان النص القديم قد اشترط 10 عمال يعملون بصفة اعتيادية في المؤسسات الصناعية والتجارية والفلاحية والمهن الحرة، وفي جميع النقابات المهنية والجمعيات والشركات المدنية أيا كان نوعها، فإن المادة 430 ألغت التحديد واشترطت فقط اشتغال 10 أجراء اعتياديا في أي مؤسسة كانت، وبذلك أدمجت في هذا النظام الاستغلالات الفلاحية والغابوية وتوابعها.

وفي إطار توسيع تمثيل الأجراء عن طريق مندوبي العمال، فقد استدركت المادة 431، ومنحت الإمكانية للمؤسسات التي تشغل أقل من 10 أجراء دائمين في اتباع نظام مندوبي الأجراء، وذلك بمقتضى اتفاق مكتوب.

غير أن القانون الجديد لم يحدد طبيعة هذا الاتفاق وبين من يبرم وهل يجب تقديم نظير منه إلى مفتش الشغل الذي يشرف على تنظيم انتخابات مندوبي العمال ؟

وعلى مستوى وظيفة مندوبي الأجراء، فيظهر من مقتضيات المادة 432 أنها تنحصر في:

1) تقديم جميع الشكايات الفردية والجماعية المتعلقة بظروف الشغل الناتجة عن تطبيق تشريع الشغل أو عقد الشغل، أو اتفاقية الشغل الجماعية أو النظام الداخلي، إلى المشغل إذا لم تقع الاستجابة لها مباشرة؛

2) إحالة تلك الشكايات إلى العون المكلف بتفتيش الشغل، إذ استمر الخلاف بشأنها .

أما على مستوى مدة الانتداب فقد أحالت المادة 434 مسألة تحديد مدة الانتداب على نص تنظيمي عوض تحديدها في أربع سنوات برسم النظام السابق، فيما ينتخب أجراء المؤسسات ذات النشاط الموسمي لمدة الموسم ويجري انتخاباتهم فيما بين اليوم السادس والخمسين واليوم الستين من افتتاح الموسم، مما يفهم منه ضمنا أن الموسم يجب أن يزيد عن مدة الشهرين حتى ينبغي على المشغل إجراء انتخابات مندوبي العمال.

وتنتهي مهمة مندوب العمال بوفاته أو استقالته، أو بلوغه السن القانوني للتقاعد أو إنهاء عقد شغله أو صدور حكم نهائي عليه بعقوبة جنائية أو حبسية نافذة لجنحة أو جناية عمدية، ما لم يرد اعتباره، وأضافت المادة 435 بأنه يمكن إنهاء مهمة مندوب الأجراء بسحب الثقة منه بقرار مصادق على إمضائه يتخذه ثلثا الأجراء الناخبين.

أما على مستوى حماية مندوبي العمال والتسهيلات الممنوحة لهم فقد احتفظت المدونة بجل الآليات القانونية الجاري بها العمل في إطار النظام القديم، مع فسح إمكانية إبرام اتفاق بين المشغل ومندوبي الأجراء تنظيم استعمال الوقت المخصص للمندوبين للقيام بمهامهم.

وعلى كل فيمكن تلخيص أهم التعديلات التي جاءت بها المدونة فيما يخص مندوبي الأجراء فيما يلي :

إذن بالرغم من الحماية التي سعت المدونة إلى ضمانها لفائدة ممثلي الأجراء والتسهيلات الممنوحة لهم، فيمكن القول بأن المقتضيات الواردة في المدونة بخصوص مندوبي العمال، شكلت تراجعا حقيقيا على ما هو وارد في ظهير 29 أكتوبر 1962، الذي كان يعطي الحق لهؤلاء المندوبين بتقديم المطالب الشخصية والجماعية المتعلقة بالأجور وبالتصنيف المهني وبتطبيق تشريع الشغل عموما، بينما يظهر من منطوق المادة 432 من المدونة أن دور مندوب الأجراء ظرفي وضيق جدا إذ ينحصر في تقديم الشكايات فردية أو جماعية المتعلقة بظروف الشغل والتي يكون مصدرها إما التشريع أو الاتفاقيات الجماعية، أو النظام الداخلي، فهو لا يقدم مطالب إنما شكايات وتتعلق تحديدا بشروط العمل، إذ لم تقع الاستجابة إليها مباشرة، وهنا يحق لنا أن نتساءل عن موضوع الاجتماع المنصوص على ضرورة عقده شهريا بمقتضى المادة 460 من المدونة، إذا كان المشغل ينفذ الالتزامات المترتبة عن تشريع الشغل أو الاتفاقيات الجماعية أو عقد الشغل، وإذ لم يكن لدى مندوب العمال أي شكاية يقدمها للمشغل.

ويبدو من جهة ثانية أن المشرع عندما قلص من اختصاصات مندوب العمال كان يقصد توزيعها بين ممثلي الأجراء في إطار الهيئات المحدثة على صعيد المقاولة وهي لجنة المقاولة ولجنة السلامة وحفظ الصحة.

ولم تشر المدونة إلى حالة معتادة وبشكل شاسع هي التي يكون فيها مندوبو العمال هم الممثلون النقابيون، فكيف يمكن التوفيق بين المهمتين والاستفادة من التسهيلات والحماية المضمونين لكل صفة من الصفتين ؟

الفقرة الثانية : لجنة المقاولة :

تعتبـر هـذه اللجنة من الهيئات الجديـدة التي أحدثها مدونة الشغل حيـث تشترط المـادة 264 من المدونة عمل خمسين أجيرا على الأقل بصفـة اعتيادية لأجل إنشاء لجنة استشارية تسمـى ” لجنة المقاولة “.

ويعهد لهذه اللجنة بالاضطلاع وإبداء الرأي حول المسائل التالية :

وتتكون هذه اللجنة من :

يلاحظ من خلال الاختصاصات المخولة للجنة المقاولة أن المشرع يسعى إلى إعطاء الحوار الاجتماعي داخل المنشأة بعدا متقدما بحيث يمكن من تجاوز العلاقات بين الأجراء والمشغل من علاقات صراعية إلى علاقات توافقية تنبني على خدمة مصالح متبادلة وترسيخ جو الشفافية فيما يخص البرامج الإنتاجية وخطط تدبير الموارد البشرية والتحولات البنيوية والتقنية التي تعيشها المقاولة باعتبارها نسقا تتكامل عناصره وتتفاعل بشكل إيجابي، خاصة وأن المقاولة هي الخلية الأساسية في النسيج الاقتصادي، ومتى تقوت هيكلتها وتراصت إلا وكانت احتمالات نجاحها في الانفتاح على مدخلات العولمة والتنافسية كبيرة.

ومن جهة أخرى، إن إدماج لجنة المقاولة ضمن البناء المؤسساتي المرتبط بعالم الشغل عموما والمقاولة خصوصا لا يعدو أن يكون ترجمة حقيقية لإحدى الأدوات المعيارية الصادرة عن منظمة العمل الدولية، ونخص هنا بالذكر التوصية رقم 94 الصادرة سنة 1952، والتي تتعلق بالتعاون على صعيد المقاولة حيث تنص على التدابير التي ترمي إلى إنعاش المشاورة حول المسائل ذات الاهتمام المشترك والتي لا تدخل ضمن القضايا التي تطرح في إطار المفاوضة الجماعية أو إجراءات تحديد شروط العمل، وذلك من خلال وسيلتين اثنين : إما بواسطة تشجيع إبرام اتفاقات بين المشغل والأجراء داخل المقاولة أو عن طريق تشريع يؤسس أجهزة أو هيئات للمشاورة والتعاون ويحدد اختصاصاتها وهيكلتها وطرق عملها أخذا بعين الاعتبار الشروط الخاصة بالمقاولات .

غير أن القانون المغربي وهو يهيكل وينظم عمل لجنة المقاولة لم يشر إلى مدى وطبيعة الآراء التي تبديها اللجنة بخصوص المسائل المحددة للقرارات وبلورته لاستراتيجية العمل وصياغته للبرامج، فعلا لقد نصت المادة 464 من المدونة على أن اللجنة هي هيأة استشارية، ولكن ألم يكن حري بالمدونة أن تعطي لآرائها بعض القوة، وأن يفرض على الأقل على المشغل أن يستأنس بتوصياتها أثناء إعداده للخطة العامة لعمل المقاولة، وذلك خوفا من أن تتحول اجتماعاتها إلى لقاءات لا قيمة لها وآراؤها إلى أفكار فارغة خاصة أن المشرع لم ينص على تدوين تقارير اجتماعاتها ولم يلزم المؤاجر بأي شيء في هذا الاتجاه.

على عكس النصوص المتعلقة بمندوبي الشغل، يلاحظ أن المادة 465 من المدونة المتعلقة بتأليف اللجنة نصت على إمكانية تمثيل الأجراء في اللجنة إما من طرف المندوبين المنتخبين بالمقاولة أو مندوبين نقابيين اثنين إذا تم الاتفاق على ذلك في إطار اتفاقية شغل جماعية، ونرى هنا أن معدي القانون الجديد انتبهوا إلى طبيعة التمثيل النقابي في اللجنة نظرا لإلمام المندوبين النقابيين بثقافة عمالية تمكنهم من إبداء آراء وجيهة في القضايا موضوع النقاش في اجتماعات اللجنة,خاصة أن المندوب النقابي مؤطر من طرف هيأة لها أدبياتها ومواقفها واستراتيجياتها على الساحة الوطنية كما على ساحة المقاولة، وعلى العكس من ذلك فالمندوب العمالي تنحبس معلوماته غالبا حول محيط المقاولة وبالتالي قد لا تكتسب وجهات نظره القيمة اللازمة.

 

 

 

الفقرة الثالثـة : لجنة الصحة وحفظ السلامة :

تنص المادة 336 من القانون الجديد على ضرورة إحداث لجان السلامة وحفظ الصحة لدى المقاولات الصناعية والتجارية ومقاولات الصناعة التقليدية والاستغلالات الفلاحية والغابوية وتوابعها، والتي يشتغل فيها 50 أجيرا على الأقـل.

وقد أسند المشرع إلى هذه اللجان القيام بالمهام التالية :

ولعل هذه الاختصاصات المهمة استدعت من واضع المدونة أن يتعامل بدقة مع تكوين اللجنة الذي جاء على الشكل التالي :

إذن وعلى عكس ” لجنة المقاولة “، فقد أوكلت المدونة إلى لجنة السلامة وحفظ الصحة اختصاصات تقريرية، ومكنتها من وسائل وأدوات تيسر لها إمكانية الاضطلاع بمهامها في إطار الخطة الوطنية للوقاية من حوادث الشغل والأمراض المهنية.

وفي هذا الإطار فقد ألزمتها المادة 340 من المدونة بضرورة إجراء تحقيق عند وقوع كل حادثة شغل لأحد العمال، أو إصابته بمرض مهني، أوذي طابع مهني، وصياغة نتائج التحقيق في تقرير حول الظروف التي وقعت فيها حادثة الشغل، أو الإصابة بالمرض المهني أوذي الطابع المهني، وذلك وفقا للنموذج المحدد من طرف وزارة الشغل، وعلى المشغل أن يبعث بالتقرير في ظرف 15 يوما على وقوع الحادثة أو معاينة المرض إلى العون المكلف بتفتيش الشغل والطبيب المكلف بتفتيش الشغل.

كما يجب على لجنة السلامة وحفظ الصحة أن تضع تقريرا سنويا في نهاية كل سنة حول تطور المخاطر المهنية بالمقاولة، ويجب على المشغل إرسال نسخة منه إلى كل من مفتش الشغل والطبيب مفتش الشغل خلال 90 يوما الموالية للسنة التي وضع فيها التقرير.

وتوضع محاضر اجتماعات اللجنة وتقاريرها السنوية وبرنامجها السنوي للوقاية من المخاطر المهنية في سجل خاص بإدارة المؤسسة، ويكون رهن إشارة مفتش الشغل والطبيب مفتش الشغل.

ووضعت المدونة غرامة على عدم التقييد بأحكام الباب المتعلق بلجان السلامة وحفظ الصحة تراوحت بين 2000 و5000 درهم.

فنظرا لارتفاع أعداد إصابات الشغل والأمراض المهنية في الآونة الأخيرة، فقد كان المشرع متشددا اتجاه هذا الموضوع وأرسى بالفعل هيأة متكاملة سواء من ناحية التكوين إذ ضمنت أعضاء من ذوي الاختصاص ومن ناحية الاختصاصات إذ فوض إليها صلاحيات قوية

تمكنها من الإطلاع بدور تكميلي إن لم يكن أساسيا لوظائف طبيب الشغل والطبيب مفتش الشغل ومهندس السلامة المهنية.

كما أن اختصاصاتها ، وانطلاقا من أحكام المادة 338 المذكورة سابقا، تتداخل مع مهام المشغل خاصة عندما تعمل على تطبيق النصوص القانونية في مجال السلامة وحفظ الصحة وتسهر على حسن صيانة استعمال الأجهزة المعدة للوقاية من المخاطر المهنية.

وبصفة عامة تدخل هذه اللجان ضمن الاستراتيجية الوطنية الهادفة إلى الوقاية من الأمراض المهنية وإصابات العمل التي تشكل إحدى التحديات الخطيرة التي أصبحت تواجه السياسات الصحية والعمالية، ومن تم يمكن القول أن المغرب يمشي بخطى سريعة اتجاه الانسجام مع معايير منظمة العمل الدولية الخاصة بالوقاية من مخاطر الشغل.

إذن بعد استعراض هيئات المشاورة المهنية التي أحدثتها مدونة الشغل وهي على التوالي: مندوبي العمال ولجنة المقاولة ولجان السلامة وحفظ الصحة يمكن أن نسجل الملاحظات التالية:

المطلـب الثاني : علـى المستـوى الوطنـي والجهـوي :

إن الضعف وعدم الفعالية التي أبانت عنها مؤسسات الحوار الإجتماعي التي كانت قائمة قانونيا منذ بداية الإستقلال جعل مشرع مدونة الشغل يتخذ موقفا حاسما منها عندما نسخ القوانين المنظمة للبعض منها، وعوضها بهيئات جديدة، تستجيب للقضايا التي تطرحها إرهاصات وتحولات العلاقات المهنية والتطورات التكنولوجية وتسعى بأن تفي باحتياجات السوق وعالم الشغل والتشغيل عموما، إذن هكذا جاء إحداث مجلس المفاوضة الجماعية ومجلس طب الشغل ومجلس إنعاش التشغيل ونظام قانوني لحل النزاعات الجماعية ليشكل بناءا متكاملا في عناصره ومكوناته في ظل بيئة وطنية ودولية حبلى بالتغيرات على جميع الأصعدة.

الفقرة الأولى : المفاوضـة الجماعيـة والإتفاقيـات الجماعيـة :

عرفت المادة 92 من مدونة الشغل المفاوضة الجماعية بأنها الحوار الذي يجري بين ممثلي المنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا أو الإتحادات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا من جهة، وبين مشغل أو عدة مشغلين أو ممثلي المنظمات المهنية للمشغلين من جهة أخرى بهدف :

ويتضح أن المدونة قد سلكت الطريق الصحيح عندما أعطت تعريفا واضحا للمفاوضة الجماعية بعد أن كانت النصوص المتعلقة بها تخشى الدخول في التحديد المفهومي للإصطلاحات ,ومن تم وفرت للباحثين والمهتمين بموضوع العلاقات المهنية عنصرا أساسيا في فهم التوجهات العامة للمدونة ، وهكذا يلاحظ أن التعريف الذي أوردته المادة 92 قد انسجم إلى حد كبير مع تعريف الإتفاقية الدولية رقم 154 الصادرة سنة 1981 حول “إنعاش المفاوضة الجماعية”.

بالإضافة إلى ذلك فإن أهم ما يثيره التعريف أنه لم يكتف فقط بتحديد مفهوم المفاوضة الجماعية، بل تعدى ذلك إلى ذكر أهدافها، ومن تم سعت المدونة إلى أن تؤسـس لتصور جديد للعلاقات المهنية، أساسها الحوار و التوافق وإلى تمكين أطراف الإنتاج من وسائل قانونية ناجعة عبر التشريع تتيح لهم إمكانية التراضي على تنظيم شروط العمل والتشغيل وتقنين علاقات المؤاجرين بالعمال وبين منظماتهم ومنظمات المشغلين.

 

غير أنه يلاحظ أن تشجيع الأطراف على إبرام اتفاقية جماعية لا يوجد ضمن قائمة الأهداف المحددة، خاصة وأن منتهى المفاوضة الجماعية هي الإتفاق على مقتضيات معينة تدون في عقد مكتوب، فما هي الغاية إذن من تدشين مفاوضات بين طرفي العلاقة الشغلية، إذا لم يكن الرسو في نهاية المطاف على أرضية مشتركة تشكل قواعد السلوك والتعامل بين الأجير والمؤاجر بشكل عام ؟

من جهة أخرى، وبالنظر إلى أطراف المفاوضة الجماعية الذين تم تحديدهم في المادة 92، يلاحظ أن هذا التفاوض والحوار يتم فقط داخل المؤسسات التي يكون بها تواجد نقابي، مما يعني ضمنا أن المقاولات التي لا توجد بها منظمات نقابية لا يمكن أن تمارس بداخلها مفاوضات جماعية مهما كان عدد أجرائها، وربما أن المشرع اطمأن إلى دور مندوبي الشغل ولجان المقاولة بالمقاولات في إدارة الحوار والتشاور، غير أن التقزيم الذي عرفته وظائف مندوبو العمال، وشكلانية لجان المقاولة ، يجعل المراهنة على هذين الهيأتين في تأطير التفاوض غير معقولة.

بعد هذا التعريف تمضي المدونة في التطرق للمسائل المرتبطة بالمفاوضة الجماعية وهكذا حددت مستوياتها في المقاولة والقطاع حيث يجب أن تجري مرة كل سنة، بينما تتم المفاوضة الجماعية على المستوى الوطني مرة كل ستة أشهر.

ثم هناك مستوى آخر أقحمت فيه المدونة الحكومة كطرف حيث تجري كل أربع سنوات مفاوضات بين الحكومة والمنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء بهدف الرفع من أجور كافة الأجراء، بناءا على نسبة التضخم، مع إمكانية زيادة نسبة معينة لتحسين القدرة الشرائية للأجراء، ولئن كانت المفاوضات الجماعية على المستويات الثلاثة التي أوردتها المادة 95، تبدو منطقية ومطلوبة، فإن الفقرة الثانية من المادة 96 تثير استغرابا إذ بدت ناتئة ضمن نصوص مسترسلة بشكل عادي، مما يؤثر بالطبع على تماسك المقتضيات وتناغمها.

فالمفاوضات التي تحدثت عنها الفقرة المذكورة، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تدخل المفاوضة الجماعية خاصة وأن المادة 92، وبصدد تعريفها لهذه المفاوضة، حددت أطرافها في ممثلي المشغلين وممثلي الأجراء مما يدعو إلى التساؤل طبيعة هذه المفاوضات والمغزى من إدماجها في المدونة .

من البديهي أن التفاوض بين الحكومة وممثلي أرباب العمل وممثلي الأجراء، مسألة ضرورية ومنطقية تمكن فرقاء الإنتاج من الجلوس على طاولة المفاوضات من أجل طرح وجهات النظر والمعطيات وذلك، من أجل التوافق على أحكام تنظم العلاقات داخل النسيج الإجتماعي والإقتصادي ولكن ألم يكن من الأفيد أن تكون هذه المفاوضات موضوع نصوص خاصة، أو على الأقل ترد في غير القسم المتعلق بالمفاوضة الجماعية، كأن يفرد لها فصل خاص في القسم المتعلق بالمنظمات المهنية، أوفي القسم المتعلق بالأجور ما دام موضوعها هو الزيادة في الأجور.

تساؤل آخر يطرح نفسه بإلحاح هو لماذا تنصب هذه المفاوضة فقط على الزيادة في الأجور مع أن موضوعات ذات أهمية مماثلة تحتاج إلى التفاوض والتشاور حولها دوريا، كتعميم التغطية الإجتماعية وتحسين بيئة العمل، والضمان الإجتماعي … .

فعلا إن المفاوضة بين الحكومة والمنظمات النقابية والمنظمات المهنية لأرباب العمل هي ليست وليدة المدونة بقدر ما نظمتها قانونيا، فقد سبق للمغفور له جلالة الملك الحسن الثاني أن أعطى أوامره إلى الحكومة في خطاب العرش لـ” 3 مارس 1994 ” بإحداث لجنة دائمة مع ممثلي عالم الشغل والتشغيل تجتمع مرة كل ثلاثة أشهر على الأقل، وكلما اقتضت الظروف ذلك، لتتدارس في هدوء واتزان – المطالب الإجتماعية وتوجد لها الحلول الملائمة وتسهر على متابعة ما يتخذ في هذا الباب من تدابير وقرارات.

وقد أثمرت اجتماعات هذه اللجنة المنعقدة ما بين 3 يونيـو 1996 وفاتح غشت من نفس السنة ما اصطلح على تسميته التصريح المشترك الذي يحتوي النتائج التـي توصـل إليها الأطراف الثلاثة ( الحكومة ـ المشغلون ـ النقابات ) من خلال لقاءات مكثفة دامت زهاء 207 ساعة، وقد تضمن التصريح المشترك جل المحاور المتعلقة بآليات الحوار والتفاوض الجماعي والحريات النقابية والتغطية الإجتماعية والسكن الإجتماعي والأجور والتشغيل.

و من تم فقد أتى القانون الجديد ليقنن هذه المفاوضة ويتوجها بإحداث مجلس المفاوضة الجماعية يرأسه وزير الشغل أوممثله، ويتألف من ممثلين عن الإدارة، وممثلين عن المنظمات المهنية للمشغلين، والمنظمات المهنية للأجراء الأكثر تمثيلا ، وعهد إليه بما يلي :

يظهر لأول وهلة أن” مجلس المفاوضة الجماعية ” مؤسسة استشارية وطنية يسعى من خلالها القانون الجديد إلى إرساء نظام تحديثي للحوار الإجتماعي يتضمن الفعالية والإستمرارية للمفاوضة الجماعية ومن جهة ثانية إلى تأطير وتشجيع الإتفاقيات الجماعية بعد أن ألغي المجلس الأعلى للإتفاقيات الجماعية الذي كان يضطلع بهذا الدور وإن على مستوى القانون المنظم له.

إذن فبالنظر إلى الصلاحيات المخولة لهذا المجلس والتي تكتسي أهمية بالغة رغم طابعها الإستشاري، فيجب أن تعلق عليه الأطراف أمالا كبيرة في الإرتقاء بمستوى المفاوضة الجماعية والحوار الإجتماعي عموما إلى درجة تؤهل المقاولة والنقابة والأجراء لإدراك الصعوبات التي تواجه الإقتصاد الوطني، وما تتطلبه المرحلة من تجند شامل وتكثيف المجهودات لإرساء قواعد السلم الإجتماعي الضمانة الأساسية في القرن 21.

وحتى يعطى لهذا التوجه بشكل عام وللمفاوضة الجماعية ومجلسها طابعه العملي صدر النص التنظيمي بعد مصادقة البرلمان على القانون الجديد، وشرعت هياكل المجلس في عملها وذلك من أجل تجاوز تجارب الهيآت السابقة، وإعطاء الحوار الإجتماعي بعده الإستعجالي.

أما بخصوص الاتفاقيات الجماعية والتي تكون غالبا هي ثمرة المفاوضة الجماعية، فقد حسم المشرع وأعطاها تعريفا في محاولة منه لتميزها عن الاتفاقات وبروتوكولات التي كان معمولا بها حيث عرف اتفاقية الشغل الجماعية ” بأنها عقد يتعلق بشروط التشغيل والشغل، يبرم بين ممثلي منظمة نقابية للأجراء الأكثر تمثيلا، أو عدة منظمات نقابية للأجراء الأكثر تمثيلا أو اتحاداتها، من جهة،وبين مشغل واحد، أو عدة مشغلين يتعاقدون بصفة شخصية أو ممثلي منظمة مهنية للمشغلين أو عدة منظمات مهنية للمشغلين من جهة أخرى، ويجب أن تكون هذه الإتفاقية مكتوبة وإلا عدت باطلة1“.

ويبدو أن القانون الجديد قد نقل التعريف المذكور بتعديلات طفيفة عن المادة الأولى من الظهير الصادر في 17 أبريل 1957 المتعلق بالإتفاقيات الجماعية إلا أن المدونة وعلى خلاف مقتضيات الظهير المنسوخ قد حددت مجال التعاقد في الموضوعات المتعلقة بالشغل والتشغيل ولا سيما منها المسائل المرتبطة بالأجر والتسلسل المهني وشروط تشغيل وفصل الأجراء ومراجعة الاتفاقيات الجماعية وتسوية نزاعات الشغل والتكوين المستمر والتعويضات والتغطية الإجتماعية والصحة والسلامة المهنية وشروط العمل والحرية النقابية، وهذه الموضوعات تقريبا هي مجالات تدخل قانون الشغل والقانون الإجتماعي عموما.

أما فيما يخص القضايا الأخرى المرتبطة بالإتفاقيات الجماعية ولا سيما طريقة إبرام الإتفاقية الجماعية وتنفيذها وتمديدها ومدتها، فقد استنسخ القانون الجديد فصول الظهير المشار إليه سابقا، مع تعديلات بسيطة جدا.

 

 

 

 

الفقرة الثانية – مجلس طب الشغل :

نظرا للأهمية التي توليها التشريعات الدولية والوطنية لصحة العمال بسبب ارتفاع الأمراض والأخطار المهنية بشكل عام، وهذا ما يظهر من عدد الإتفاقيات الدولية الصادرة عن منظمة العمل الدولية، والقوانين التي صادق عليها المشرع المغربي بهذا الخصوص.

وباعتبار أن شروط الشغل وبيئة العمل وصحة وسلامة العمال من القضايا ذات الأولوية بالنسبة لجميع الفاعلين الإقتصاديين والإجتماعيين، فقد أحدثت مدونة الشغل مجلسا لطب الشغل والوقاية من المخاطر المهنية يمثل فيه النقابات المهنية والمشغلون ويرأسه وزير الشغل أو من ينوب عنه، كما يمكن أن يحضر جلساته أشخاص من ذوي الكفاءات في مجال اختصاص المجلس بدعوة من رئيسه.

وقد أسندت المدونة إلى هذه الهيئة مهمة تقديم اقتراحات وآراء من أجل النهوض بمفتشية طب الشغل، والمصالح الطبية للشغل، وفي كل ما يخص حفظ الصحة والسلامة المهنية والوقاية من حوادث الشغل والأمراض المهنية.

ولم يفصل القانون الجديد في المسائل المتعلقة بتحديد أعضاء المجلس وطريقة تعيينهم وكيفية تسييره، بل أحال ذلك على نص تنظيمي1.

ومن خلال ثلاث فصول المقتضبة الذي خص بها مشرع المدونة هذا المجلس، يتجلى أن هناك سعيا حثيثا لاستدراك وسد الفراغ الذي خلفه غياب المجلس الأعلى لطب الشغل وذلك بإحداث هذه المؤسسة الإستشارية.

وإذا كانت النصوص المتعلقة بالإختصاصات قد استنسخت مع تعديل نسبي من المرسوم المحدث للمجلس الأعلى لطب الشغل الصادر في 8 فبراير 1958، فعلى مستوى تكوينه فقد تم تقليص ممثلي الإدارة إلى وزير الشغل أو من ينوب عنه خلافا للمرسوم المذكور الذي كان يوسع هذه التمثيلية إلى وزراء الشغل والصحة العمومية والإقتصاد الوطني والأشغال العمومية.

ولئن كانت هذه النصوص الواردة في القانون الجديد والمحددة لتأليف واختصاص مجلس طب الشغل والوقاية من المخاطر المهنية، استحضر النص التنظيمي الصادر بعد خروج مدونة الشغل إلى الوجود، كل المعطيات التي تتعلق بالمعايير الدولية في مجال الصحة والسلامة والقوانين الجاري بها العمل بهذا الخصوص والوسائل التي توفر عليها من أجل اضطلاعه بأدواره على الوجه المطلوب باعتباره هيأة تشرف على أهم ما يمتلكه الإنسان ألا وهو صحته وشروط الصحة والسلامة التي يشتغل فيها، ومن جهة ثانية لكونه مجلسا استشاريا يحتضن الحوار والتشاور بين الفرقاء الإجتماعيين حول أهم القضايا والتحديات التي تواجه عالم الشغل والتشغيل، والمتمثلة أساسا في بيئة ووسط العمل والسلامة المهنية.

 

الفقرة الثالثة ـ المجلس الأعلى لإنعاش التشغيل والمجالس الجهوية والإقليمية لإنعاش التشغيل :

يعتبر إحداث مجلس أعلى ومجالس جهوية وإقليمية لإنعاش التشغيل من المقتضيات الجديدة التي أضافتها مدونة الشغل، حيث خصصت لها الباب السابع من الكتاب الرابع المتعلق بالوساطة في الإستخدام وتشغيل الأجراء.

وهكذا نصت المادة 522 من المدونة على إحداث لدى السلطة الحكومية المكلفة بالشغل مجلسا يسمى ” المجلس الأعلى لإنعاش التشغيل ” تكون مهمته استشارية ويعهد إليه بتنسيق سياسة الحكومة في مجال التشغيل، وإبداء الرأي في جميع القضايا التي تهم التشغيل على المستوى الوطني، وخاصة فيما يلي :

كما يعهد إليه بالمساهمة في تطوير الحوار والتشاور بين أطراف الإنتاج وتتبع وتقييم الإجراءات والبرامج المتعلقة بإنعاش التشغيل وتدبير سوق التشغيل وبدراسة وضعية وإمكانيات التشغيل بالقطاعات المختلفة كما يجب عليه أن يعد تقريرا سنويا حول وضعية وآفاق التشغيل يرفعه للحكومة، ويقوم بأعمال التنسيق والتعاون مع جميع اللجان والهيئات الوطنية والمحلية المعنية بقضايا النمو الديمغرافي والتعليم والتكوين والتشغيل وقضايا التنمية الإجتماعية بشكل عام، وينجز ويقترح برامج وخطط جهوية للتشغيل ترتكز على الشراكة والمساهمة الفعلية لمختلف المتدخلين المحليين.

وباعتباره مؤسسة استشارية، فهو يتكون من ممثلين عن الإدارة وممثلين عن المنظمات المهنية للمشغلين والنقابات المهنية للأجراء الأكثر تمثيلا، تحت رئاسة الوزير المكلف بالشغل أو من ينوب عنه.

ويبدو بوضوح أن المدونة ووعيا منها بالتحديات التي تطرحها قضية التشغيل فقد خولت المجلس المذكور صلاحيات واسعة تتجاوز بكثير الاختصاصات التي منحت إلى المجلس الأعلى لليد العاملة الذي ألغي بمقتضى هذه المدونة .

وفي إطار التوجه الرسمي لتدعيم المؤسسات الجهوية واللامركزية، تم إحداث بمقتضى المادة 524 من المدونة ” مجالس جهوية لإنعاش التشغيل ” بالجهات ومجالس إقليمية لإنعاش التشغيل بالعمالات والأقاليم تحت رئاسة العمال وتمثل فيها الإدارات والنقابات الأكثر تمثيلا والمنظمات المهنية للمشغلين.

وقد عهد إلى هاته المجالس الإستشارية بما يلي :

أما طريقة تعيين أعضائها وكيفية تسيير أعمالها فقد تم تحديدها بقرار مشترك لوزير الداخلية ووزير التشغيل1، إذن بالنظر إلى الإختصاصات الموكولة إلى المجلس الأعلى والمجالس الجهوية الإقليمية لإنعاش التشغيل، يتبين ما أصبح لقضية التشغيل والقضايا المرتبطة بها من أهمية وخطورة على مستوى سيرورة التنمية، لذلك سعى القانون الجديد إلى لإنشاء هذه الهيئات المركزية و الجهوية وذلك مواكبة منه للتطورات التي تعرفها الأنظمة الإدارية القائمة أساسا على الجهوية واللامركزية، ومساهمة منه في البحث عن حلول لأكبر المشاكل استفحالا  في العالم وهي البطالة، وذلك من خلال تفعيل دور الجهات والأقاليم والعمالات في هذا المجال عن طريق أساليب حوارية يتراضى عليها المتدخلون ومختلف الأطراف والهيئات المعنية بقضية التشغيل واستثمار الموارد البشرية عموما.

إلا أن مسألة التنصيص على إحداث هيئات وطنية وجهوية في قوانين مهما كانت طبيعتها لا يوفر ضمانة حقيقية لفعاليتها واستمراريتها واضطلاعها بأدوارها، وما تجربة المجالس المذكورة آنفا عنا ببعيدة.

فالإجراء القانوني المحدث هو حقا خطوة أساسية لكنه خطوة أولى في مسافة الألف ميل التي تنتظر هذه الهيئات بدءا من صدور نصوصها التنظيمية ومرورا بهيكلتها وقيامها بمهامها واستمراريتها، في أداء وظائفها، ومن تم تقييم دورها وتصحيح مسارها.

هذه الإشكاليات المرتبطة بالهيئات الإستشارية التي أحدتثها المدونة تحتاج من الفرقاء، صبرا وأناة وتبادل الثقة وتبادل المصالح لا تصارعها وتناقضها، واستحضار المعطى الإسمى وهو المصلحة العليا للبلاد التي تستعد لرهانات القرن 21 وهي مثقلة بالمشاكل والتداعيات الموروثة عن خمسة عقود من الاستقلال، ولكنها مدعوة بإرادة سياسية في التغيير واقتناع الفرقاء بأهمية الحوار المبني على التوافق والتراضي، وحماس مؤسسات المجتمع المدني وأفراده لخطاب الإصلاح واستعدادها للمساهمة والإندماج فيه كل من موقعه اتجاه تحقيق التنمية الإقتصادية والإجتماعية المنشودة، واندفاع المغرب إلى مصاف الأمم الراقية في بيئة عالمية لا تعترف بالمتخلف ولا تنتظره للحاق بعجلتها.

الفقرة الرابعة ـ نظام المصالحة والتحكيم :

إن العلاقة الشغلية ورغم الإحتياطات المنصوص عليها قانونيا لتنظيمها وتأطير الخلاف الناشئ عنها في بعض الأحيان، فقد تمر بفترات عصيبة من مسيرتها، استدعت من المشرع استشرافها فوضع لها نظاما قانونيا لحل النزاعات الشغلية.

ولما كانت النزاعات الجماعية تثير أكثر من مشكل على قضية السلم الإجتماعي خاصة وعلى الاقتصاد الوطني عموما فقد تصدت مدونة الشغل لنزاعات الشغل الجماعية في الكتاب السادس منه، وحددت مسطرة دقيقة وأحدثت هيئات على المستوى الوطني والإقليمي أوكلت إليها مهمة بحث وحل النزاعات الجماعية في إطار من الحوار والتشاور تجسيدا للتوجه العام الذي يهدف إلى تتبع ومعالجة العلاقات الشغلية منذ نشأتها، فسيرورتها إلى حدوث ما من شأنه أن يعكر صفوها بوسائل تنبني على الحوار والتشاور والتفاوض والتوافق على قواعد عمل تضمن تماسك البناء الإجتماعي داخل المقاولة خصوصا والمجتمع عموما.

فما هي إذن هاته الهيئات وكيف تساهم في تطويق نزاعات الشغل الجماعية وتجنيب المقاولة والإقتصاد والمجتمع خسائر لا يمكن تعويضها ؟

1) اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة :

تشير المادة 564 من مدونة الشغل إلى إحداث لدى كل عمالة أو إقليم لجنة تسمى ” اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة ” يترأسها عامل العمالة أو الإقليم، وتتكون بالتساوي من ممثلين عن الإدارة والمنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا.

وتتدخل مباشرة بعد وصول محاولة الصلح التي يشرع فيها مفتش الشغل في النزاع الجماعي الذي يهم مقاولة واحدة أو المندوب الإقليمي للشغل في النزاع الذي يهم أكثر من مقاولة، إلى الباب المسدود.

وتجدر الإشارة هنا ان المشرع رفع اللبس حول مفهوم النزاع الجماعي وخصه بفصل حدد مفهومه على الشكل التالي : نزاعات الشغل الجماعية ” هي كل الخلافات الناشئة بسبب الشغل والتي يكون أحد أطرافها منظمة نقابية للأجراء أو جماعة من الأجراء، ويكون هدفها الدفاع عن مصالح جماعية، مهنية، لهؤلاء الأجراء، كما تعد نزاعات الشغل الجماعية كل الخلافات الناشئة بسبب الشغل والتي يكون أحد أطرافها مشغل واحد، أو عدة مشغلين أو منظمة مهنية للمشغلين،ويكون هدفها الدفاع عن مصالح المشغل أو المشغلين أو المنظمة المهنية للمشغلين المعنيين”.

ومن جهة أخرى حسمت المدونة في أدوار أعوان التفتيش في المصالحة، فكرستها قانونيا بعد أن ظلت تمارس عرفا.

وهكذا فبعد فشل مسطرة الصلح أمام مفتش الشغل أو المندوب الإقليمي للشغل يبادر مندوب الشغل أو مفتش الشغل أو أحد أطراف النزاع برفع نزاع الشغل الجماعي أمام اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة داخل أجل ثلاث أيام فيقوم رئيسها باستدعاء أطراف النزاع داخل 48 ساعة من توصل اللجنة بملف النزاع فتقوم إذاك ببذل جهدها لتسوية نزاع الشغل الجماعي، بغية التوصل إلى اتفاق بين الأطراف، وذلك داخل أجل لا يتعدى 6 أيام من تاريخ رفع النزاع إليها.

2) اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة :

وفي حالة عدم التوصل إلى اتفاق على مستوى اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة فإن النزاع يحال مباشرة إلى اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة التي يترأسها وزير الشغل أو من ينوب عنه، وتتكون بالتساوي من ممثلين عن الإدارة والمنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا التي تعمل على تسوية النزاع داخل 6 أيام كذلك.

كما أن اللجنة تختص في النظر في النزاعات الجماعية التي تمتد إلى عدة عمالات أو أقاليم أو التي تكتسي صبغة وطنية .

وإذا لم يحصل أي اتفاق أمام اللجنة الإقليمية للبحث أو المصالحة أو أمام اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة، أو إذا استمر الخلاف بشأن بعض النقط، وفي حالة تخلف الأطراف أو أحدهم عن الحضور، يمكن للجنة المعنية إحالة النزاع الجماعي للشغل إلى التحكيم بعد موافقة أطراف النزاع، ولا يمكن الطعن في القرارات التحكيمية إلا أمام الغرفة الإجتماعية بالمجلس الأعلى كما يكون لاتفاق التصالح وللقرارات التحكيمية قوة تنفيذية وفق القواعد المنصوص عليها في المسطرة المدنية.

من خلال المعطيات السالفة الذكر حول نظام حل النزاعات الجماعية يتضح أن المشرع منح للفرقاء الإجتماعيين من خلال ممثليهم في اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة واللجنة الوطنية للبحث والمصالحة ومن خلال الحكم الذي يختارونه فرصة سانحة لمحاصرة النزاعات الناشئة فيما بينهم مهما كان موضوعها مادام أن الحوار والتفاوض يبقيان أرقى وسيلة لحل الخلافات مهما كانت طبيعتها وأبعادها، فلا بديل عن الحوار والتفاهم وتبادل وجهات النظر في جو يكتنفه الإقناع والاقتناع والثقة المتبادلة وفي واقع يقوم على تبادل المصالح وتكاملها لا تناقضها وتصارعها.

وحتى تؤدي هذه الأنظمة مهامها ووظائفها يبقى دور المشرع أساسيا في إنتاج كل النصوص المنظمة والمدققة في المسائل المتعلقة بهذه الهيئات وذلك من أجل ضمان استمرارية وتناغم الفسيفساء المؤسساتية التي جاءت بها المدونة الجديدة للشغل.

المبحث الثاني : مدى حضور مقتضيات الاتفاقيات الدولية للشغل في مدونة الشغل في مجال الحوار الاجتماعي :

ظلت الحكومة المغربية في أجوبتها على الملاحظات التي تطرحها لجنة الخبراء ولجنة الحرية النقابية، تحيل على القانون الجديد الذي هو بصدد الإعداد والذي يوجد حاليا في الأطوار الأخيرة منه، فإلى أي حد استجاب القانون الجديد لملاحظات اللجان الدولية ولمقتضيات القانون الدولي للشغل ؟ وهل جاء فعلا يعكس توجه المغرب نحو تكييف قوانينه وأنظمته مع الترسانة القانونية الدولية ؟

من الملاحظ منذ البداية أن منظمة العمل الدولية أصدرت ما يزيد عن عشر اتفاقيات تتعلق بشكل مباشر أو غير مباشر بالمفاوضة الجماعية والاستشارة المهنية وبالحوار الاجتماعي عموما ,غير أن المغرب لم يصادق سوى على 7 منها، لذلك سنحاول في المطلب الأول أن نرصد مدى تأثر وملائمة المقتضيات الواردة في مدونة الشغل بمقتضيات الاتفاقيات التي صادق عليها المغرب، فيما سنخصص مطلب ثاني لإبعاد انضباط المدونة لمعايير الاتفاقيات التي لم يصادق عليها والتي تعتبر محط الكثير من ملاحظات لجنة الخبراء التابعة لمكتب العمل الدولي.

المطلب الأول : مقتضيات الاتفاقية الدولية غير المصادق عليها

تعتبر الإتفاقية رقم 87 حول الحرية النقابية وحماية الحق النقابي الصادرة سنة 1948، من الإتفاقيات التي ليس من الضروري أن تصادق عليها دولة عضو حتى تلتزم بأحكامها التي تكتسي صبغة آمرة لإتصالها مباشرة بديباجة دستور منظمة العمل الدولية، ومن تم كان على المغرب أن يكيف تشريعه مع المعايير المترتبة على هذه الإتفاقية منذ أمد بعيد بحكم عدد الملاحظات الواردة بشأنها من لدن لجنة الخبراء ولجنة الحرية النقابية ومن جهة ثانية تنفيذا لمطلب اجتماعي داخلي ملح للمنظمات النقابية النشيطة.

حيث تكرس ذلك في التصريح المشترك لغشت 1996، الذي ينص في إحدى فقراته على السهر على احترام الاتفاقيات الدولية المصادق عليها والتي سيصادق عليها المغرب منها الاتفاقية رقم 87 المتعلقة بالحرية النقابية وحماية الحق النقابي.

وتنص المادة 10 من الاتفاقية قيد الدرس أن منظمات أرباب العمل ومنظمات العمال تهدف إلى إنعاش مصالح أعضائها والدفاع عنها بواسطة كافة الوسائل، ومنها الحوار والتفاوض والتعاقد، فالاتفاقية بشكل عام لا تتطرق إلى الحوار الاجتماعي إلا عند تحديدها لوظائف المنظمات المهنية.

وقد ظل المغرب كلما صدر تقرير عن لجنة الجزاء أو لجنة الحرية النقابية تطالبهم الملاحظات الواردة فيها بالمصادقة على الاتفاقية المذكورة، يتذرع بصدور مدونة الشغل، فهل كرست مدونة الشغل مقتضيات الاتفاقية ؟ يلاحظ أن المادة 396 من المدونة وهي تحدد أهداف المنظمات المهنية، كما تستشار كذلك من قبل السلطة الحكومية المكلفة بالشغل عند تحديد نموذج النظام الداخلي بالنسبة للمؤسسات التي تشغل أقل من 10 عمال.

وكذا قبل اتخاذ قرار تمديد اتفاقية الشغل الجماعية إذا كانت تهم ما لا يقل عن 50 % من الأجراء المطبقة عليهم في نفس المهنة ونفس الشيء عند تجزئة مدة الشغل اليومية أو تجزئة فتراتها فيما يتعلق بالقطاع الفلاحي وعند تحديد كيفية تنظيم الراحة الأسبوعية وعند تحديد التدابير الواجب اتخاذها بالنسبة للراحة الأسبوعية لبعض فئات الأجراء وكذا عند تحديد الكيفيات التي تخول بها الراحة التعويضية .

وأخيرا,التنصيص على مشاركة المنظمات النقابية في المفاوضات التي يجب إجراؤها بين الحكومة والمنظمات المهنية والنقابية للمشغلين والأجراء كل أربع سنوات حول إمكانية الرفع العام للأجور.

هذه إذن مجموعة من المقتضيات التي تضمنها القانون الجديد والذي يسعى من خلالها إلى تقوية وضع المنظمات المهنية حيث مكنها من إبداء رأيها ومشاركتها في اتخاذ القرارات المتعلقة بالشروط العامة للشغل والعلاقات المهنية.

غير أن ما يثير الالتباس، هو عدم توضيح طبيعة الآراء التي تدلي بها المنظمات النقابية، هل هي آراء استئناسي لا غير ,أم تكتسي قيمة توجيهية أدبية.

من بين الاتفاقيات الأخرى الصادرة عن منظمة العمل الدولية والمتعلقة بالتشاور والحوار على مستوى المؤسسة، الاتفاقية رقم 135 المتعلقة بممثلي العمال والتي تثير عدة ملاحظات داخليا ودوليا حول سبب عدم مصادقة المغرب عليها,خاصة وأنه أخذ بنظام تمثيل الأجراء منذ سنة 1962.

فبالإضافة إلى الأحكام المتعلقة بحماية والتسهيلات الممنوحة لمندوبي العمال نصت على ضرورة إشراك ممثلي العمال ضمن آليات الحوار الاجتماعي والمهني.

وهكذا جاءت المادة 432 لتؤكد دور مندوبي العمال المتمثل أساسا في تقديم الشكايات المتعلقة بتطبيق الشروط العامة للشغل، ثم استدركت المدونة في المادة 460 حيث نصت على عقد اجتماع شهري بين المشغل أو من ينوب عنه لتدارس بعض القضايا التي يريدون معالجتها.

كما تتم استشارة مندوبي العمال في جملة من القضايا منها على سبيل المثال :

على كل, فقد عمل القانون الجديد على تفعيل مندوبي العمال داخل المؤسسة من خلال آلية الإخبار والاستشارة حول جملة من القضايا المتعلقة بظروف العمل والعلاقات المهنية داخل المقاولة.

غير أن التشريع المغربي ورغم المجهودات المبذولة لتكييفه مع التشريع الدولي في مجال تمثيل الأجراء ودورهم في التفاوض والمشاورة داخل المنشأة، لا زال بعيدا عن الانسجام الكامل مع أحكام الاتفاقية رقم 135 مما يطرح أكثر من سؤال حول مستقبل مصادقة المغرب عليها.

فالمدونة في تكريسها للمفاوضة الجماعية داخل المقاولة استبعد منها ممثلي العمال، ونصت على أن المفاوضة تتم بين المشغل أو من ينوب عنه والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا دون أن تعتبر الممثلين النقابيين ممثلين للعمال خلافا لمقتضيات المادة 3 من الاتفاقية رقم 135، ولا أن يحتمل إمكانية تمثيل الأجراء من طرف عمال ينتمون إلى نقابة.

على مستوى المفاوضة الجماعية صدرت الاتفاقية رقم 154 سنة 1981 لتعرف مادتها الثانية المفاوضة الجماعية على أنها, تلك المفاوضات التي تجري بين مشغل واحد أو مجموعة من المشغلين من جهة وبين منظمة معينة واحدة للعمال أو مجموعة من المنظمات المهنية للعمال من جهة أخرى وذلك بهدف :

1 – تحديد شروط الشغل والتشغيل؛

2 – تنظيم العلاقات المهنية بين العمال وأرباب العمل؛

3 – تنظيم العلاقات ما بين الهيآت المهنية للعمال وأرباب العمل.

ثم أشارت في موادها اللاحقة إلى وسائل إنعاش المفاوضة الجماعية والمتمثلة أساسا في :

وبالرجوع إلى مدونة الشغل، نجد أنها خصصت لها 12 مادة، فعرفتها ناسختا مقتضيات المادة 2 من الاتفاقية رقم 154 لسنة 1981 غير أن المدونة لم تحدد وسائل تشجيع المفاوضة الجماعية صراحة, بل نصت على مجموعة إجراءات تهم المفاوضة الجماعية على مستوى المقاولة والقطاع وعلى المستوى الوطني.

ومن جهة أخرى تم إحداث مجلس وطني للمفاوضة الجماعية, وأنيطت به اختصاصات استشارية لا تقريرية في مجال إنعاش المفاوضة الجماعية.

أما فيما يتعلق بمقتضيات المادة 7 التي تنص على أن الإجراءات المتخذة من طرف السلطات العمومية في موضوع المفاوضة الجماعية يجب أن يكون موضوع تشاور واتفاق مسبق بينها وبين الهيآت المهنية للعمال وأرباب العمل، فلم تنعكس في القانون الجديد، مما يضعف تفاؤلنا بإمكانية مصادقة المغرب على الاتفاقية رقم 154 مادامت تشريعاته لا زالت بعيدة عن أحكامها.

هكذا يمكن القول أن مدونة الشغل وإن كانت قد تأثرت بمقتضيات الاتفاقية الدولية للشغل المتعلقة بالحوار الاجتماعي والتي لم يصادق عليها المغرب، فالدراسة الدقيقة لحيثيات القانون الجديد تمكننا من استنتاج أن المغرب لم يبد جدية كبيرة في تكييف نصوصه مع القانون الدولي للشغل خاصة الاتفاقيات ذات الأولوية منه، مما يؤشر بأن الاتفاقيات الثلاثة التي تم التعرض لبعض مقتضياتها في هذا المطلب، لن تعرف التصديق من طرف المغرب على الأقل في المستقبل القريب، مما سيجعل المغرب لسنوات أخرى عرضة لملاحظات وانتقادات هياكل منظمة العمل الدولية وخاصة منها لجنة الخبراء ولجنة الحريات النقابية.

المطلب الثاني : مكانة مقتضيات الإتفاقية الدولية المصادق عليها من طرف المغرب بشأن الحوار الإجتماعي في مدونة الشغل :

لقد صادق المغرب على الاتفاقية رقم 98 المتعلقة بالحق في التنظيم والمفاوضة الجماعية الصادرة سنة 1949 .

وإذا كانت المادة 4 من الاتفاقية تنص على أن الدول المصادقة يتعين عليها وضع إجراءات ملائمة لأوضاعها الداخلية وذلك بهدف تشجيع منظمات العمال ومنظمات أرباب العمل على اللجوء إلى وسائل التفاوض وإلى الاتفاقيات الجماعية من أجل تنظيم ظروف العمل، فيلاحظ أن المادة 92 من مدونة الشغل تأثرت كثيرا بمقتضيات المادة 4 المذكورة أعلاه، خاصة من حيث الهدف من المفاوضة الجماعية.

كما أن المدونة أحدثت مجلسا وطنيا للمفاوضة الجماعية يكون من بين مهامه تقديم اقتراحات من أجل تنمية المفاوضة الجماعية وبشأن تشجيع إبرام اتفاقية الشغل الجماعية.

وتجدر الإشارة أن الاتفاقية الوحيدة التي صادق عليها المغرب وتهم الحوار الاجتماعي والمفاوضة الجماعية وحق التنظيم بصفة مباشرة وصريحة هي الاتفاقية رقم 98، أما باقي الاتفاقيات التي سنتطرق إليها فهي موضوعات أخرى وتتعرض للتفاوض والتشاور بشكل غير مباشر، كما هو الحال بالنسبة للاتفاقية رقم 2 الصادرة سنة 1919، والتي صادق عليها المغرب سنة 1957 تنص هذه الاتفاقية على إقامة مكاتب عمومية للتشغيل وعلى استشارة لجن تتكون من ممثلي العمال والمشغلين حول سير عمل هذه المكاتب.

غير أن اللجان الإقليمية لليد العاملة المحدثة بمقتضى المدونة لم تمارس قط هذا الدور، مما اضطر معه واضع القانون الجديد الحالي إلى إلغاء لجان اليد العاملة، وتعويضها بمجالس جهوية وإقليمية لإنعاش التشغيل، وإلغاء مكاتب التشغيل واستبدالها بوكالات خصوصية للتشغيل، غير أن المدونة لم تتعرض إلى طبيعة علاقة المجالس المذكورة بوكالات التشغيل الخصوصية، وبذلك يمكن القول أن التشريع المغربي ابتعد كثيرا عن مقتضيات الاتفاقية رقم 2، كما لم يكن يوما متناغما معها، خاصة فيما يتعلق بضرورة وضع نظام للتأمين ضد البطالة الشيء الذي لم يحدث في المغرب قط.

كما أن أغلب هذه المقتضيات أصبحت متقادمة وتم تعويضها بمعايير أخرى تتكيف مع بيئة التشغيل الجديدة، ويتعلق الأمر هنا بالاتفاقية رقم 122 حول سياسة التشغيل التي تنص بخصوص التشاور والحوار على ضرورة استشارة ممثلي العمال والمشغلين فيما يتعلق بسياسة التشغيل وذلك لأجل أخذ رأيهم والاستفادة من تجربتهم.

وتجدر الإشارة إلى أن الاستشارة المتطلبة في الاتفاقية يمكن أن تتم من خلال انتداب ممثلي العمال والمشغلين في المجلس الأعلى لإنعاش التشغيل الذي عهد إليه بتنسيق سياسة الحكومة في مجال التشغيل وإبداء الرأي في التوجهات العامة والبرامج والخطط الوطنية المتعلقة بالتشغيل وبالمساهمة في تطوير الحوار والتشاور بين أطراف الإنتاج.

ومن خلال المجالس الجهوية والإقليمية لإنعاش التشغيل التي تقوم بإبداء الرأي بشأن قضايا التشغيل وبتقديم الاقتراحات الكفيلة بإنعاش التشغيل وبتنشيط الحوار والتشاور والشراكة بين جميع الفاعلين محليا في سوق التشغيل.

من بين الاتفاقيات الأخرى التي تطرقت إلى ضرورة استشارة المنظمات المهنية,الاتفاقية رقم 26 الصادرة سنة 1998، حول طرق تحديد الحد الأدنى للأجور في الصناعة والتجارة, والاتفاقية رقم 99 حول مناهج تحديد المستويات الدنيا للأجور في الفلاحة، فبعد أن ينص كل منهما على ضرورة التزام كل دولة عضو بإقامة مناهج تمكن من تحديد النسبة الدنيا للأجور لعمال الصناعة والتجارة والفلاحة، يشترطان وجوب إشراك ممثلي المشغلين وممثلي الأجراء في تطبيق هذه المناهج عن طريق إجراءات معينة.

فالاتفاقيتان تؤسسان لمبدأ مشاركة ممثلي المؤاجرين والأجراء على أساس المساواة المطلقة سواء خلال تطبيق المناهج المذكورة أو خلال استشارتهم بشأنها.

وتجدر الإشارة أن المغرب قد صادق على هذين الاتفاقيتين اتباعا سنتي 1958 و1960، ويلاحظ بصدد هذه النقطة أن لجنة الخبراء التابعة لمكتب العمل الدولي في تقريرها الصادر سنة 1999 وفيما يخص الاتفاقية رقم 26 لسنة 1928 ,طالبت الحكومة المغربية,بتحديد تكوين وعمل اللجان الثلاثية المحدثة في إطار الحوار الاجتماعي بين الحكومة والنقابات، وتقديم النصوص التشريعية الخاصة بهذه اللجان والمعلومات المفصلة المتعلقة بعمل هذه اللجان في الواقع، وقد لاحظت اللجنة أن أجوبة الحكومة تشير إلى أن استشارة الفرقاء الاجتماعيين يجب أن تتم على مستوى اللجنة الوطنية للحوار الاجتماعي المحدثة بمقتضى التصريح المشترك لـ 8 غشت 1996 الموقع من طرف الحكومة والمنظمات النقابية ومنظمات المشغلين.

لكن اللجنة سجلت بأسف، بأن الحكومة ومن خلال أجوبتها، لم تقدم المعلومات المطلوبة حول هذه اللجان الثنائية ودورها في تحديد الحد الأدنى للأجور.

أما فيما يخص الاتفاقية رقم 99 الصادرة سنة 1959 والمتعلقة بمناهج تحديد الأجور الدنيا في القطاع الفلاحي، فقد لاحظت اللجنة بأسف, أن الحكومة المغربية لم تقدم معلومات مفصلة حول استشارة نقابة عمال القطاع الفلاحي في إطار تحديد الأجور الدنيا في الفلاحة رغم أنها ما فتئت تطالبها بذلك في تقارير سابقة.

وتبعا لذلك, كان من المفروض أن يتلاءم تشريعه في هذا المجال مع مقتضيات الاتفاقيتين.

وقد جاءت المادة 356 من مشروع مدونة الشغل حول الحد الأدنى للأجور تؤكد بأنه لا يمكن أن يقل الحد الأدنى في النشاطات الفلاحية وغير الفلاحية عن المبالغ التي تحدد بنص تنظيمي بعد استشارة المنظمات المهنية والنقابات المهنية للأجراء الأكثر تمثيلا.

ولكن هل سيضمن هذا النص التنظيمي مناهج تحديد المستويات الدنيا للأجر أم سيكتفي فقط بتحديد المبالغ كما جرت العادة على ذلك عند كل زيادة في الأجور الدنيا، ومن تم فالاستشارة التي تقدمها المنظمات المهنية للعمال والمشغلين لا تعدو أن تكون نوعا من التفاوض حول نسبة الزيادة لا طرق وتقنيات الزيادة والمعايير المعتمدة لتحريك سلم الأجور.

على أنه بالرجوع إلى القانون المنظم للجنة المركزية للأسعار والأجور ذات التمثيل الثلاثي المحدثة لتطبيق السلم المتحرك للأجور، يلاحظ أنها حددت مناهج ومقاييس يكون معها رفع الحد الأدنى للأجر ضروريا، غير أن هذه المناهج لم تطبق سوى ثلاث مرات، ومن جهة ثانية لقد استثنيت هذه اللجنة من قائمة الهيآت الملغاة مما يدفع إلى التساؤل حول نية المشرع في الإبقاء عليها.

وتظهر الاستشارة المهنية في الاتفاقية رقم 158 حول الإعفاء بمبادرة من صاحب العمل ,تشترط لتسريح العمال لأسباب اقتصادية أو تكنولوجية أو هيكلية أو أي أسباب مماثلة، استشارة ممثلي العمال بخصوص هذا الإجراء.

ويلاحظ أن القانون الجديد تعامل بحرفية مع مقتضيات الاتفاقية فأوجبت المادة 66 على المشغل في المقاولات مهما كان نشاطها التي تشغل اعتياديا 10 أجراء أو أكثر والذي يعتزم فصل الأجراء كلا أو بعضا لأسباب تكنولوجية أو هيكلية أو ما يماثلها أو لأسباب اقتصادية أن يبلغ ذلك لمندوبي الأجراء بالمقاولة قبل شهر واحد على الأقل من تاريخ الشروع في مسطرة الفصل, ويجب عليه استشارتهم والتفاوض معهم من أجل تدارس الإجراءات التي من شأنها أن تحول دون الفصل أو تخفف من آثاره السلبية بما فيها إمكانية إعادة الإدماج في مناصب شغل جديدة.

ويلاحظ منذ البداية مدى ارتباك واضع المدونة، فهل يكتفي المشغل بإخبار ممثلي العمال أو يلتزم بمسطرة الاستشارة والتفاوض ؟ وما هو الإجراء السابق, هل الاستشارة أم التسريح ؟

كما أن القانون الجديد في مادته 66 عندما أعفت المقاولة التي يقل عدد عمالها عن 10 من مسطرة الاستشارة تناقضت مع نفسها عندما سمحت بإمكانية انتخاب مندوبي العمال في مقاولة يقل عدد أجراءها عن عشرة باتفاق مع المشغل، فما هو دور ممثلي الأجراء في هذه الحالة, إن لم يكن للاستشارة والتفاوض حول مسألة التسريح وهي التي تهدد العلاقة الشغلية بين المؤاجر والأجير من أساسها ؟

كما أحالت المادة 67 من المدونة مسألة الفصل للأسباب المذكورة في المادة 66 إلى العامل الذي يتخذ قرارا في الموضوع يجب أن يكون معللا ومبنيا على الخلاصات والاقتراحات التي توصلت إليها لجنة إقليمية يرأسها عامل العمالة أو الإقليم، وتتكون هذه اللجنة من ممثلي السلطات الإدارية المعنية وممثلين عن المنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا.

وبهذا كرست المدونة مبدأ الاستشارة في التسريح الجماعي والإغلاق وشددت في معاقبة مخالف مقتضيات المواد المتعلقة بها حيث نصت على غرامة تتراوح بين 10.000 و20.000 درهما.

وبهذا يمكن القول بأن حضور مقتضيات منظمة العمل الدولية في القانون الجديد لا زال باهتا خاصة فيما يتعلق بالاتفاقيات التي لم تصادق عليها الحكومة بعد، والتي كانت تحيل مسألة تطبيقها إلى صدور مدونة الشغل، إلا أن النصوص التنظيمية أزالت الكثير من الغموض حول مدى التزام المغرب بالمعايير الدولية الخاصة بالحوار الاجتماعي والاستشارة المهنية.

خاتمـة

و أخيرا لابـد من الاشارة الى أن صدور مدونة الشغل الجديدة يمثل تقدما في مجال امتثال المشرع المغربي للقانون الدولي للشغل، و هكذا صادق المغرب على الكثير من الاتفاقيات الدولية ، التي تعنى بتحسين أوضاع الانسان في الشغل و وقاية و صحة الاجير من اخطار الشغل و حماية الاطفال و النساء في وسط العـمل

و هذا كله  إنما يمثل ثمرة الحوار الاجتماعي بين الفرقاء الاجـتماعيين.

 

المراجع المعتمدة :

المؤلفات باللغة العربية :

المؤلفات باللغة الفرنسية:

              ·   Adballah BOUDAHRAINE : Le Droit du Travail au Maroc ,Tome 2 Edition  AL Madariss, Casablanca 2005.

              ·   Conseil national de la jeunesse et de l’Avenir (CNJA) : le dialogue social au Maroc 1996.

[1]  قانون رقم 99 ـ 65 المتعلق بمدونة الشغل ,منشور بالجريدة الرسمية عدد 5167 بتاريخ 08/11/2003 ص 3969.

1  مرسوم رقم 425 ,204 الصادر في 16 ذي القعدة 1425 (29/12/2004) والمتعلق بتحديد عدد أعضاء مجلس المفاوضة الجماعية وكيفية تعينيهم وطريقة تسيير المجلس ,منشور بالجريدة الرسمية عدد 5272 بتاريخ 03/01/2005.

1   أنظر المادة 104 من مدونة الشغل الجديدة.

1  فعلا صدر بتاريخ 29 دجنبر 2004 مرسوما يتعلق بتحديد أعضاء مجلس طب الشغل والوقاية من المخاطر المهنية وطريقة تعينهم وكيفية تسيير المجلس الجريدة الرسمية عدد 5279 بتاريخ 03 يناير 2005.

1  وفعلا فقد صدر قرارا مشتركا لوزير التشغيل والتكوين المهني لوزير الداخلية بتاريخ 29 ذي الحجة 1425 الموافق لتاسع فبراير 2005 والمتعلق بتحديد عدد أعضاء المجالس الجهويـة والإقليميـة لإنعـاش التشغيل وطريقـة تعيينهـم وكيفيـة تسييـر أعمال هـذه المجالس الجريـدة الرسمية 5314 بتاريخ 05/05/2005 ص 1361.

Exit mobile version