Site icon مجلة المنارة

الحكامة المؤسساتية للدولة في الحد من مخاطر تفشي الأوبئة بالمجتمع

الحكامة المؤسساتية للدولة في الحد من مخاطر تفشي الأوبئة بالمجتمع

د.عبد العالي الفيلالي

أستاذ باحث في العلوم القانونية والسياسية

الكلية المتعددة التخصصات الرشيدية ” جامعة مولاي اسماعيل “

تقديم :

من المعلوم أن الدولة شخص معنوي عام يوزع سلطاته بين أشخاص حقيقية ومعنوية أخرى، بعضها يتولى مسائل التشريع ورسم السياسة العامة، وبعضها يتولى أمور القضاء بينما يتولى بعضها ممارسة الوظيفة التنفيذية وكل سلطة سواء في أشخاص أو هيئات تتحمل مسؤوليتها عن أعمالها أمام الدولة أو الكيان السياسي العام أو الخزانة العامة إذا كان جزاء المخالفة تعويضا.

     فالدولة تعد من أسمى الأشخاص المعنوية الترابية، إذ تمارس اختصاصاتها على كافة التراب الوطني، وتعتبر أيضا من بين أشخاص القانون العام، فبالرغم من عدم اعتراف الدستور المغربي بنص صريح على تمتع الدولة المغربية بالشخصية المعنوية، إلا أنه اعترف لها ضمنيا ومن خلال مجموعة من النصوص الأخرى منه بالشخصية المعنوية، ومن ذلك ما جاء في تصدير الدستور المغربي[1] من أن ” المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة “وهذا يعتبر مظهرا من مظاهر الشخصية المعنوية[2].بيد أن مسائل التصرفات والأفعال وواجبات رعاية العامة من ” أمن عام وسكينة عامة وصحة عامة ” والمحافظة على حقوقهم وضبط تصرفاتهم وتسيير نظام حياتهم موكولة عادة إلى السلطة التشريعية للدولة التي تقوم بسن وإصدار القوانين.

      مما لاشك فيه أن المسؤولية التي نتناولها بالدراسة هي : مسؤولية إلحاق الأضرار بالآخرين أي الغير نتيجة انتقال العدوى أو نشر الفيروس دون أخذ الاحتياطات والإجراءات الاحترازية والوقائية ولا ريب أن المسؤولية عن الضرر الذي يلحق بالغير تنعقد في حق محدث الضرر، وكذلك في حق من يمكن أن  يتولى شأنا من شؤون هؤلاء الغير، فالأب يتولى مسؤولية أبنائه وهو مسؤول عنهم، وكذلك الأم والولي والوصي، والزوجة تتولى مسؤولية بيت زوجها، والخادم مسؤول عن حال سيده ورب العمل يتولى مسؤولية العمال …، إلى أخر ما هنالك من الولايات الخاصة عن الغير.[3]

     أما الولايات العامة فإن أبرز مثال هو الإمام أو الدولة فهل تسأل الدولة عن أعمالها وتصرفاتها إزاء الغير؟ وما مدى هذه المسؤولية، وما هو الأساس الذي تقوم عليه في الجانب النظري والعملي؟

       لعل إذن، الطبيعة التدخلية للدولة الحديثة في مجالات وأنشطة متعددة اقتصادية واجتماعية ومهنية بصورة أخرجتها من نطاق مفهوم الدولة الحارسة إلى مفهوم الدولة التدخلية العامة التي لابد أن تلحق ضررا بالأفراد جاء نتيجة التدخل وذلك في إقامة المشروعات الاقتصادية واحتكار الخدمات الاجتماعية مما يرتب مسؤوليتها.[4]

وباعتبار أن المشرع هو السلطة العليا في تنظيم المجتمع، فإن فإقرار مسؤولية الدولة عن القوانين يشكل خطرا على المجتمع، وذلك عن طريق شل مبادراته في وضع القواعد والأسس السليمة التي يحتاج إليها المجتمع، وحرمانه من مسايرة التطور[5]، فما يصدر اليوم من قرارات وقوانين في مواجهة كوارث وأوبئة مستحدثة في ظل الظروف الاستثنائية يستدعي الوقوف والتأمل في طبيعتها ومشروعيتها في تنزيلها وفرضها دون انتهاك لحقوق الإنسان التي أكدت عليها جل الصكوك والمواثيق الدولية.

      ومن بين الآثار المترتبة عن الشخصية المعنوية نجد الأهلية القانونية، أي سلطة التصرف وتحمل الواجبات والمسؤوليات، إذ يقصد بالمسؤولية أساسا تحمل الشخص لنتائج وعواقب التقصير الصادر عنه، والمؤاخذة عن الأخطاء التي تضر بالغير وذلك بإلزام المخطئ بأداء التعويض للطرف المضرور وفقا للطريقة والحجم الذين يحددهما القانون[6]، وبذلك تكون للدولة عدة مسؤوليات تختلف وتتنوع باختلاف القطاعات والميادين، كمسؤوليتها وواجبها في ضمان تحقيق الأمن الصحي والحماية من الأوبئة وانتقال العدوى بين المواطنين.

       وعليه، فتاريخ الأوبئة بالمغرب منذ عقود من الزمن متجذر ويشكل حدثا أليما في البلاد عبر مجموعة من التأثيرات الطبيعية-كوارث طبيعية-،مجاعات،أمراض فتاكة، مما جعله محط اهتمام العديد من الباحثين والمؤرخين، إذ قام كل من روز ربنجي والتريكي بتسليط الأضواء على هذه الظواهر بخصوص القرنين السادس عشر والسابع عشر، حيث أصبحت أحداث الأوبئة والمجاعات معروفة بفضل هذين الباحثين[7].

      فاستمرارية مؤسسات الدولة في التاريخ المغربي دليل على التفاعل الإيجابي للمجتمع المغربي مع ظاهرة الأوبئة، وإذا عرفت مؤسسات الدولة استمرارية في تاريخ المغرب فتفاعل المجتمع معها قد اختلف بمقدار اختلاف الظروف السياسية من حيث تقاطع الوباء مع ضعف السلطة المركزية أو قوتها، وبارتباط الأوبئة والأمراض بالقحوط والمجاعات[8].

      إن الأهمية الأساسية لهذا الموضوع تبرز من خلال استحضار واتخاذ السياسات الظرفية من تدابير استثنائية وغير مألوفة، في إطار التقليل من تداعياتها الخطرة على الأرواح والممتلكات، والسعي لمحاصرتها، ومنع خروجها عن نطاق التحكم والسيطرة لمواجهة مخاطر “كوفيد 19 الذي تفشى في العالم وخلف أزمة شاملة شلت جل مناحي الحياة والتي لم يعرف لها العالم مثيلا من ذي قبل.

      كما تتجلى في إعداد وتنزيل استراتيجيات محكمة لمواجهة تفشي الوباء تتميز بالشفافية والوضوح وتساهم فيها كل الإدارات والمؤسسات الوطنية بدون استثناء في إطار عمل جماعي ومنسق يذكي روح المسؤولية والاستمرارية، مما يعطي نتائج جد إيجابية لمواجهة حالة الطوارئ الصحية ومواجهة المخاطر التي من المحتمل أن تصيب المجالات الحساسة والحيوية في البلاد، وتعصف بها مع مراعاة الملائمة الحقوقية والدستورية للمعايير الدولية لحقوق الإنسان تجنبا لكل خرق سافر للحقوق في  تلك الظروف الاستثنائية، دون إغفال للتأطير القانوني لوباء نعيشه اليوم عالميا ووطنيا، وليتضح لنا جميعا حدود مسؤولية الدولة في الحد من تفشي الأوبئة داخل الوطن، وكيفية تعزيز وخلق ثقافة إدارة المخاطر والأزمات بمنطق عقلاني يستحضر فيه الحكامة المؤسساتية في تدبير الأوضاع المحيطة بالأزمة ببيان الإجراءات والتدابير الواجب اتخاذها، مع الإشارة أيضا بالضرورة للمعيقات التي تواجهها على عدة مستويات منها الاقتصادية والاجتماعية…

      فالحكامة المؤسساتية التي تعد بمثابة مجموع الجهات التي يخولها التشريع حقا التدخل بهدف ممارسة اختصاصات تمكنها من اتخاذ إجراءات من شأنها أن تؤدي إلى الأمر أو النهي أو المنع[9]، خاصة إذا جرى من الأحداث ما يحول دون استمرار الحياة العامة بشكل طبيعي، فقد تمر الدول لظروف استثنائية تحتم عليها الخروج من القواعد القانونية العادية التي يجيزها الدستور من خلال الإعلان عن حالة الطوارئ[10].

     وفي هذا السياق، وأمام هذا الظرف العالمي الاستثنائي والذي يتطلب مواجهته إجراءات خاصة ومتميزة تدخل في إطار علم تدبير الأزمات وحكامة المخاطر، نتسائل عن مدى نجاح السياسات الظرفية للحد من انعكاسات حالة الطوارئ الصحية ومن امتداد هذا الوباء وانتشاره؟

هذه الإشكالية الرئيسية تتفرع عنها جملة من التساؤلات الفرعية العميقة والتي يمكن إجمالها فيما يلي :

ما هي الإجراءات المتخذة في حالة الطوارئ؟

ما هو الإطار القانوني المنظم لحالات الطوارئ؟

ما هي العقوبات المترتبة عن مخالفة حالة الطوارئ في التشريع المغربي؟

ما هي التدابير الحكومية للتخفيف من تداعيات حالة الطوارئ الصحية؟

وعلى أي أساس تقوم مسؤولية الدولة عن المخاطر الناجمة عن تفشي الأوبئة داخل أرض الوطن؟

كيف يمكن الحفاظ على الحق الأساسي والجوهري في الحياة في ظل الانتشار الواسع للأوبئة والمخاطر وفقا للمعايير الدولية؟ وما هي أهم الخطوات والإجراءات الإستباقية التي قام بها المغرب؟

         بناء على تلك التساؤلات التي اعتبرناها جزء من الإشكالية الجوهرية، والتي نسعى إلى معالجتها، فإن ذلك يفرض إتباع منهج معين بهدف سلك طريق يؤدي إلى الإجابة عن الإشكالات المثارة من طرف مشكلة البحث لذلك سوف يتم اعتماد منهج الدراسة الوضعية التاريخية التحليلية والمقارنة أثناء تناول ثالوث الدولة والمجتمع والأوبئة على مر العصور في التاريخ المغربي، وذلك لما للمنهجية المقارنة من سمات جعلت منها منهجا مثاليا يعتمد على تحديد الحقائق التاريخية وتحليلها ثم التأليف بينها وتفسيرها بهدف الوصول إلى فهم الماضي ومحاولة فهم الحاضر على ضوء الأحداث والتطورات الماضية مع استحضار ثقافة التدبير المعقلن والرشيد للأزمات والمخاطر في ظل الوضعية الراهنية وكيفية تجاوزها بسلام[11].

      مع الإستناد على المنهج القانوني المؤسساتي للبحث عن الهدف من تكوين مؤسسة معينة كالحكومة والبرلمان ورئاسة الدولة عبر تحديد اختصاصات كل مؤسسة على حدة من جهة أولى وعبر الأدوار داخل المؤسسة من جهة ثانية، هذه الأدوار قد تساهم في ثبات المؤسسة في مواجهة زوبعة المخاطر المحدقة بالبلاد وسكونها، وإما تفسيرها في اتجاه تطوير وتجويد قدرات المؤسسة لتطويق ومحاصرة الأزمات في البلاد، دون إغفال ما للمنهج النسقي من أهمية في إيجاد حلول للمخاطر بمقاربة تشاركية مع الفاعلين الرسمين وغير الرسمين لبلورة سياسات وقرارات عمومية قد تجانب الصواب أو الخطأ، وعليه للإجابة عن الإشكالية الرئيسية والتساؤلات الفرعية ستكون هندسة الموضوع على الشكل التالي :

       المبحث الأول : تمظهرات السياسة الوبائية بالمغرب على مر العصور

      المبحث الثاني : السياسات الإستباقية في احتواء الأوبئة بالمغرب فيروس كورونا التاجي (نمودجا(

المبحث الأول : تمظهرات السياسة الوبائية بالمغرب على مر العصور

و

       لا مناص من العودة إلى الصفحات التاريخية من تاريخ المغرب والبحث في ثناياها حول فهم امتداد الظواهر الاجتماعية المختلفة بما فيها ذهنية مواجهة الأوبئة من طرف الشعوب ومعرفة تسلسلها على مر العصور مع ملامسة أهميتها القصوى في التعرف على ردود فعل المغاربة في زمن الأوبئة والعدوى، وهو التاريخ الذي لا نجده حاضرا بقوة عند جل الإخباريين والمؤرخين منذ العصر الوسيط وإلى حدود الفترة المعاصرة، إذ هيمنت في مصادرهم ومراجعهم الوقائع السياسية والعسكرية، مع التركيز على تاريخ الأسر الحاكمة بدل “العامة” والمراكز بدل الهوامش والانتصارات بدل الهزائم.[12]

    أكيد، أن الخزانة المغربية تحتضن متونا عديدة ومتنوعة سواء من حيث تعرضها للأمراض والأوبئة بطريقة مباشر أو بطريقة غير مباشرة، وبحكم موقع المغرب من القارة الأوربية وظفت الأوبئة من لدن بعض الدول الأوربية لممارسة ضغوط تيسيرا لحصولها على منافع و تسربها إلى المغرب خاصة في الموانئ.[13]

المطلب الأول : طبيعة السياسة الصحية المعتمد في تاريخ الأوبئة بالمغرب

    على مر العصور عرف المغرب محطات متتالية من الأوبئة يمكن إجمالها في ثلاث فترات للأوبئة في القرن الثالث عشر والرابع عشر للميلاد، وثلاث في القرن السابع عشر، واثنتين في القرن الثامن عشر، وثلاث في القرن التاسع عشر، مع تقطع أو امتداد داخل كل فترة، الشيء الذي يرفع عدد انتشار الأوبئة إلى أكثر من ذلك، وتتحدث المصادر التاريخية عن أمراض أخرى كالزكام والسعال، والتيفوس (التفويد)، خاصة في القرنين السادس عشر والسابع عشر للميلاد، إذ نصت المخطوطات خاصة ما ارتبط بالعلاقات مع أوربا في القرون الأخيرة، حيث ارتباط الموانئ المغربية بمثيلاتها في البحر الأبيض المتوسط من خلال استقبال السفن عبر النقل البحري، هو ما كان يسهل مأمورية انتقال العدوى الوبائية وتسللها إلى عمق المغرب، بيد أنه ابتداء من القرن التاسع عشر أثارت المواصلات البحرية لنقل الحجاج من وإلى المغرب ضغوط الدول الأوربية حول ما عرف في تاريخ المغرب بالحجر الصحي في الموانئ المغربية كما تكشف عن ذلك وثائق كثيرة[14].

     وفي نفس السياق، ظهرت في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي كتابات وأبحاث حول ظاهرة الأوبئة وتوغلها في المغرب في ارتباط بالقحوط والمجاعات، وتداعياتها السياسية والاجتماعية على المجتمع مخلفة آثار عميقة من قبل ثلة من الدارسين حاولوا من خلالها استسقاء آراء وتوضيح آثار الأزمات (فقرة أولى)، مع محاولة توضيح آلية التدبير من قبل السلطة الحاكمة ومدى التعامل الحكيم للخروج إلى بر الأمان في ظل الجوائح التي عانوا منها في تلك الفترات (فقرة ثان).

الفقرة الأولى : واقع تدبير أزمة الأوبئة داخل المجتمع المغربي

    إن نسيج المجتمع المغربي عانى كثيرا من تبعات الأوبئة والمجاعات بحيث أثرت على تماسكه وصلابته في بداية الأزمة مع تضافر عوامل أخرى كالاستبداد وتوسع النهب الرأسمالي الأجنبي وثقل الضرائب، فالإنسان في تلك الفترة أضحى همه الوحيد هو البحث عن ملجأ للنجاة من طوق الوباء المميت أو البحث عن لقمة العيش بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة.

     وغير خفي عن الظاهر أن الأوبئة من خلال النتائج المباشرة والفورية التي ضربت المغرب في هذه المرحلة وما خلفته من وفيات وضحايا تقدر بالآلاف يمكن رسم معالم صورة قاتمة مضمونها مليء بالمآسي، بحيث يمكن تصور حجم الضرر الكبير في سرعة انتشار عدوى الوباء الظروف غير الصحية التي كانت تشكل وسطا خصبا لتكاثره[15].

      غير أن الأوبئة في تاريخ المغرب أفرزت إنتاجا طبيا وأدبيا وفقهيا، تمحور بالخصوص حول الجانبين الاجتماعي والاقتصادي في تدبير الأزمات، إنه سؤال الهزات التي تصيب المجتمع في تماسكه وانسجامه وتدبيره لاقتصاد المعيش اليومي، وفي اعتقاداته واختلاف فقهائه حول رأيين، هل الجائحة قدر يجب الاستسلام له، أم هو واقع يجب الهروب منه، وتناظر الفقهاء فيما بينهم استنادا إلى النص القرآني والأحاديث النبوية، ومهما يكن من موقف الفقهاء وتفاسيرهم لواقع الأوبئة داخل المجتمع المغربي، فإن ذلك كله يفسر مدى الحركية المجتمعية التي كانت سائدة وهي دلالة على عمق الارتباط بالتأطير الديني والوازع الإيماني في مقاومة الأوبئة في المجتمع من خلال عقد مناظرات فقهية لاستجلاء وتفسير الشؤون الصحية والوبائية[16].

     وفي نفس السياق، لا يمكن الحديث عن انعكاسات هذه الكوارث ونتائجها دون ذكر تأثيراتها القوية على الأنشطة الاقتصادية للبلد ومقدراته المالية، حيث شكلت عملا أساسيا من عوامل الضعف والتردي الذين كان يعيشهما المغرب، فقد كانت مداخيل الدولة تتراجع بشكل مهول عقب كل كارثة وبائية، بفعل التوقيف المؤقت للأسواق والمبادلات التجارية وانتشار ظاهرة العنف والسرقة[17]، كما كان من أفتك الأوبئة المدمرة لحياة المغاربة في وصف من معاصروه بالطاعون الكبير لأنه كان الأشد فتكا من سابقيه حيث كانت له عواقب اجتماعية وسياسية واقتصادية وخيمة[18]، وكاد يفني المغاربة حيث فقد جراء هذا الوباء ما بين الربع والنصف من مجموع السكان[19].

      فالمغرب واجه على امتداد تاريخه لأصناف من الأوبئة والجوائح، كانت على درجة كبيرة من الشدة والقسوة، عانى إثرها المغاربة من فتك ونزيف حادين، لكن كان دائما الجانب المشرق خلال الأزمات في بعض الفترات هو صمودهم وتحليهم بروح التضامن والتآزر واللحمة على امتداد فترة الحجر الصحي.

الفقرة الثانية :آلية تدبير أزمات الأوبئة والمخاطر في التاريخ المغربي من قبل السلطات الحاكمة

        لقد كان حضور السلطة الحاكمة دور أساسي ومحوري في مواجهة جوائح الأمراض والأوبئة الفتاكة يتم عبر الاعتكاف في صناعة تشجيع استعمال الترياق، وهو تركيب دواء لاستعماله ضد الوباء، مع الحث على سياسة الفرار والنزوح إلى أماكن الأمان هربا من الموت المحقق الذي قد يصيب الرعية في البلاد التي ينتشر فيها الوباء، وفي هذا استحضار لرسالة أحمد المنصور السعدي حيث خاطب فيها ابنه أبي فارس خليفته على مراكش جوابا على ما كتب به إليه في مسألة الوباء الذي ظهر بسوس ومراكش، هل يفر منه أم لا؟  و ينصح أحمد المنصور ابنه أبي فارس بالخروج من المدينة ” أن أول ما تبادرون به قبل كل شيء هو خروجكم إذا لاح لكم شيء من علامات الوباء ولو أقل القليل حتى بشخص واحد….” ويطلب منه عدم إغفال استعمال ” الترياق” ويصف أحمد المنصور كميات الترياق التي تركها في مراكش وطرق استعمالها.[20]

      واستخدمت مصطلحات للتعبير عن مراحل إعداد ” الترياق” كالتقطير والتصعيد والتكليس والعقد والتركيب والحيل والتفكيك وبيان التدبير، ولعب أهل الحرف والعطارون دورا في تركيب هذه “المراهم”، كما استعمل زيت الزيتون في ذهن الجسم بكامله، إضافة إلى الخلول والثلج إن وجد والماء البارد[21].

 كما عمل المخزن أيضا على منع تسرب الأوبئة إلى المغرب وقاوم ضغوطات الدول الأجنبية من أجل فرض قوانين اعتبرها المخزن ضارة بالناس، فقد شن الأوربيون سياسة فرض الحجر الصحي في الموانئ للسفن القادمة من البلدان الموبوءة، وهكذا تم فرض “الخونطة أو الكورنطينة”، التي عظم نفوذها في المغرب ابتداء من 1802م.

      لعل الخزانة المغربية تزخر بكثير من الرسائل حول “الحجر الصحي” في عهد السلطان محمد بن عبد الرحمان، فقد تم اختيار جزيرة الصويرة محجرا صحيا “للحجاج الموبوئين” 1283هـ/ 1856م، كما تم منع استيراد الملابس القديمة إلى الموانئ المغربية خفية حملها لجراثيم وبائية (رسالة السلطان عبد الرحمان بن هشام 1244 هجرية/ 1828م)، كما تحفل الخزائن المغربية برسائل القناصل الأوربيين حول علاقات دولهم بالمغرب إبان زمن الأوبئة، بعض الدول قطعت علاقاتها مع المغرب خلال فترة انتشار الأوبئة، خاصة بعد تسرب وباء الطاعون من الجزائر في العام 1793م، فوقع حجر صحي على القادمين من الجزائر، ثم فرضت منع التنقل عبر الحدود البرية[22].

      جدير بالتوضيح كذلك، أن السلطان المولى سليمان[23] خلال فترة حكمه بين 1760 – 1822)) كان منشغلا بتوحيد البلاد ومد سلطته إلى النواحي الجنوبية وإخضاع القبائل المتمردة، حين عصف بالبلاد وباء الطاعون في سنتي 1799-1800 في تلك الحقبة من الزمن كان المخزن هو المستفيد الوحيد منه، رغم تضرره هو الآخر في جوانب أخرى[24]، فلقد زادتتنقلات السلطان عبر السهول الأطلسية الجنوبية من سرعة تفشي الوباء وهو الأمر الذي جعل حركة السلطان محل انتقاد من طرف معاصريه نظرا لانعدام الحاجة الملحة لذلك[25].

       ولم يتوقف مسلسل الأوبئة والأزمات الصحية والمخاطر المحدقة بالمجتمع المغربي عند هذا الحد، بل استمر خلال السنوات اللاحقة مخلفا خسائر طبيعية وبشرية، وكانت فترة الحماية الفرنسية على المجتمع المغربي تعج بمجموعة من المخاطر والأزمات من بينها الأوبئة وثانيها الاستعمار، فمن بين أهم الإجراءات الوقائية التي دعت إلى اتخاذها مصالح إدارة الاستعمار الفرنسي خلال فترة الحماية خاصة في سنة 1928 :

– التأكيد على أهمية النظافة وضرورة استحمام السجناء والعمال واستعمال الوسائل المطهرة من الجراثيم،

– عزل الحالات المشتبه في إصابتها بالمرض وتقنين وسائل النقل،

– منع “الأهالي”المغاربة من مغادرة منطقة وادي زم خصوصا صوب البيضاء أو تادلا بدون رخصة وإقفال السوق الأسبوعي.

       كما أولت إدارة الاستعمار الفرنسي  تحث قيادة الجنرال ليوطي كمقيم عام 1912 أهمية بالغة للمجال الصحي عبر تشييد هيئة صحية خاصة بالفرق العسكرية (Assitance d’Etat du service de santé des troupes)  وشيد المستشفيات وعمل على توفير الأدوية والمضادات، وفي هذا الإطار تم تأسيس معهد باستور بالرباط هذا المعهد الذي لعب دورا استشرافيا في عهد الطب الكولونيالي الفرنسي في الكشف عن العديد من الأمراض والأوبئة ومحاصرتها نذكر من أهمها الزهري والرمد وأمراض العيون والقضاء على الطاعون والكوليرا، ثم الحد من أضرار “التيفوس[26].

      وفي نفس الاتجاه عملت السلطات الفرنسية على حث المتخصصين الإنكباب حول إعداد الأبحاث والدراسات العلمية في محاربة الأمراض والأوبئة، وتجنب الأخطار التي قد تمس المستعمرِين في المقام الأول وقد تم إشراك المغاربة بشكل محدود.

       أما بخصوص المرافق الصحية، فقد شرعت الإقامة العامة في إقامتها منذ توقيع معاهدة “الحماية”، إذ تم تشييد مستشفيات جهوية في مازكان (الجديدة) والرباط وعيادات في الدار البيضاء وبور ليوطي (القنيطرة)، ثم شملت الغرب والمغرب الشرقي، وذلك بالموازاة مع عمليات التوسع الاستعماري، كما تم إنشاء مصنع لإنتاج اللقاح في الرباط سنة 1913، وسنة 1919 سيتم الرفع من ميزانية قطاع الصحة، وإحداث مجموعات طبية متنقلة في أقصى شمال منطقة النفوذ الفرنسي (تازة وورغة العليا) سنة 1924.

      إلى جانب تشديد المصالح الصحية التابعة للإقامة العامة الفرنسية نطاقات صحية قاسية لمنع انتشار الأمراض والأوبئة ومراقبة التسللات والهجرات التي كانت تتم من الشمال صوب الجنوب هربا من معضلة المجاعات والأمراض، كما عملت على تنظيم حملات دورية لعمليات التلقيح في المدن والبوادي المغربية، وقد انزعج المغاربة من هذه الإجراءات ونفروا من عمليات التجميع القسري عندما ظهر وباء التيفوس وفروا من هذه الأماكن.[27]

        رغم الظروف الطارئة والفجائية التي تفرزها الأزمات بكل أشكالها، فإن ترشيد عقلنة تدبيرها ينبغي أن يكون متوازنا ومتكافئا بين مستلزمات ضبط الوضع والمنع من آثاره السلبية من جهة، واستحضار متطلبات حماية حقوق الإنسان، وعدم الضرب بالحائط للاتفاقيات والمواثيق والقوانين الدولية ذات الصلة، من جهة أخرى[28].

المطلب الثاني : فاعلية القرارات الحكومية في الحد من انتشار جائحة كورونا المستجد وآثارها

     في ظل الظروف العاجية والإستثنائية لمواجهة المخاطر المهددة للأمن الصحي والسكينة العامة والأمن العام تتولى مجموعة من السلطات والجهات ممارسة مجموعة من الصلاحيات كل في مجال اختصاصها، فالسلطات الصحية تصدر التوجيهات والتعليمات الصحية، كما تتولى إجراء الفحوصات الضرورية ومتابعة وعلاج الأشخاص المصابين، وتقدم كل المعلومات المتعلقة بالحالة الوبائية والإجراءات الصحية المتخذة لمواجهتها، مما يجب معه بذل كل الجهود من أجل تعزيز الهياكل الطبية المتخصصة، لتدبير هذا الوباء.

      ووعيا من السلطات الحكومية في البلاد بأهمية الحفاظ على النظام العام بمدلولاته الثلاث، على إصدار مجموعة من القرارات الإدارية والسياسات الكفيلة للتصدي ومواجهة الخطر الداهم على العباد المتمثل في الفيروس كورونا التاجي المستجد، وأدوارها الطلائعية في السهر على تنفيذ القرارات الحكومية يثير تساؤلا يتعلق بمدى تقيد هذه السلطات بالقرارات الحكومية (الفقرة الأولى)، كما أن هذه القرارات يترتب عليها مباشرة إحداث تغييرات في الأوضاع القانونية تظهر بشكل عام على مستوى ما تمنحه من حقوق وواجبات للمواطنين والمواطنات، وكذلك للإدارة المصدرة لها نفسها، مما يثير تساءل آخر يتعلق برقابة القضاء على التدابير المتخذة من طرف السلطات العمومية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : مضمون التزام السلطات العمومية بجوهر القرارات الحكومية في زمن كورونا

     لا مراء في أن الحقوق والحريات اليوم أضحت مسألة تخص جميع أعضاء المجتمع الدولي، وقد صدرت من أجلها الكثير من المواثيق الدولية، وعقدت المؤتمرات، وأنشأت الهيئات، وعدلت الدساتير، فالتقيد بالنظام والالتزام بالضوابط التي تحدثها القوانين والأنظمة حتى في الظروف الاستثنائية وإعلان حالة الطوارئ هي التي تميز الحرية عن الفوضى وهذا الالتزام يعد سلوكا حضاريا ومظهرا من مظاهر التمدن، و لا شيء في علم القانون اسمه المطلق[29].

       لعل إذن، وظيفة الضبط الإداري من أولى واجبات الدولة وأهمها فهي ضرورية ولازمة لاستقرار النظام العام وصيانة الحياة الاجتماعية والمحافظة عليها، فبدونها تعم الفوضى وينهار النظام الاجتماعي، لذا فإن هذه الوظيفة تعد عصب السلطة العامة وجوهرها.

    بالنظر إلى ما لهذه الوظيفة من ضرورة وحيوية بالنظر إلى قيامها على أكثر الأمور أهمية في المجتمع، فهي تهدف إلى حماية نظام الدولة وكيانها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، فتتولى حماية المجتمع ووقايته من جميع الأخطار التي تهدده في أمنه وصحته وسكينته بما تفرضه من قرارت  وأوامر تنفذ قسرا على ذوي الشأن.

     فالضبط الإداري[30] في ظل الأوضاع المحيط بجائحة الوباء اللعين (كورونا) له أهمية أساسية حيث يسعى إلى ضمان الحماية لأي مجتمع، من خلال منع المساس بالنظام العام السائد فيه، وتحقيق مجموعة من الأهداف[31]، في مقدمتها الصحة العامة عبر الحفاظ على بقاء الأمن السائد في مجتمع أو دولة مستتبا دون أن يكون مسببا لانتشار العدوى وداعيا للمخالطة التي قد تقود إلى الهلاك  بسبب سرعة الانتشار للفيروس.

       وبالتالي، تحقيق الأمن الصحي لدى المواطنين الذين يعيشون في ذلك المجتمع بفرض حالة الحجر الصحي وإعلان حالة الطوارئ لتجنبهم العدوى، وفرض العقوبات على الأفراد المتسببين في خرقها، ذلك أن مسؤولية الصحة العامة يقع على عاتق السلطة التنفيذية المسؤولة عن الضبط الإداري من خلال الحفاظ على المجتمع خاليا من الأمراض المعدية ووقايته بشكل فعال منها، باعتبار الصفة الوقائية لها دور أساسي مقرون بالطابع الوقائي لدرأ المخاطر على الأفراد، وهكذا فالضبط الإداري[32]وحماية للنظام العام يعد من واجبات الدولة بمختلف مؤسستها بما فيها السلطة الحكومية التي تتدخل بقراراتها بتدابير للمحافظة على الأمن العام.

     ويرى الغالبية بأن الضبط الإداري يقف عائقا في وجه الحريات العامة، ويقيد حريات وحقوق المواطنين، وتصنف حدود ممارسة الضبط الإداري وفقا للظروف التي يمر بها المجتمع وتكون على النحو التالي :

الظروف العادية : ويسود في حالات السلم ولكنه يضيق على الأفراد حرياتهم، ويفرض الرقابة وتطبيق قواعد الضبط الإداري على أكمل وجه لمنع المساس بحقوق الأفراد وحرياتهم.

الظروف غير العادية (الاستثنائية)، أو في حالات الطوارئ فتفرض السلطة التنفيذية مستويات الضبط الإداري إلى مستوى عال بتقييد الحريات العامة، وتتبع السلطة كل الأساليب التي تمنحها القدرة على السيطرة على المجتمع وتضاعف جهود اليقظة والمراقبة منعا لكل خرق أو تجاوز للحدود في عز الأزمات بهدف السير بالمجتمع إلى بر الأمان.

      وفي هذا الإطار فالسلطة الحكومية المغربية، وإثر تفشي جائحة كورونا المستجد اتخذت مجموعة من القرارات يتولى السهر على تنفيذها السلطة العمومية بمختلف أجهزتها، من خلال مراقبة الوضع الصحي داخل التراب الوطني عبر تفعيل آليات الضبط الإداري المخولة لها، بما لها من صلاحيات وإمكانيات  لتأهيل مختلف الوسائل وتوفير البنية التحتية الملائمة والمعدات الكفيلة بدفع وباء كورونا على المواطنين والمواطنات.

   وبالتالي، الحفاظ على السلامة العامة وهو ما يؤكده الفصل 93 من الدستور[33]المغربي لسنة 2011 الذي ينص على أن :” الوزراء مسؤولون عن تنفيذ السياسة الحكومية كل في القطاع المكلف به، وفي إطار التضامن الحكومي،” وهذا المبدأ كرسه أيضا الفصل 40[34]من دستور2011 الذي يلزم جميع مؤسسات الدولة على أن تتحمل بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل والتكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد، وكذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والأوبئة والكوارث الطبيعية التي قد تصيب البلاد. 

      واستقراء للمواثيق والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب في مجال حقوق الإنسان وتنصيصا على مضمونها نجد المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تؤكد على أنه : ” لكل فرد الحق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه”، ويفهم من منطوق هذه المادة أن الحق في الحياة والحرية في الأمان من الحقوق الأساسية الملقاة على عاتق الدولة  بشتى مؤسساتها وهيئاتها.

 ورجوعا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم57/150[35]المتعلق بتحديد المسؤوليات الأساسية للدول المتضررة من الكوارث الطبيعية، يؤكد على أن الدول المتضررة من هذه الكوارث يقع على عاتقها مسؤولية الاعتناء بضحايا الكوارث الطبيعية وغيرها من الطوارئ في إقليمها، وهو نفس الأمر الذي أكدته المادة12[36] من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

     وضمان الأمن الصحي لا يعد اختصاصا حصريا لقطاع الصحة وإنما يتدخل لتحقيقه مجموعة من القطاعات والفاعلين، فإلى جانب السلطات الصحية تتولى مجموعة من السلطات الأخرى وعلى رأسها السلطات الأمنية القيام بأدوار في غاية الأهمية وذلك بغية تطبيق ومراقبة وفرض احترام التوجيهات الصحية والتعليمات الصادرة من السلطات العمومية والتي تتوخى الحماية والوقاية من جميع المخاطر والأسباب التي يمكن أن تساعد على تفشي أو انتشار الأمراض والأوبئة.[37]

       وتفعيلا لضمانات حماية الأمن الصحي[38] لدى المواطنين والمواطنات اتخذت السلطة الحكومية جملة من القرارات تتولى السلطة العمومية تنفيذها من قبيل حالة الطوارئ وإجراءات الإعلان عنها والتي نتجت معها جملة من القرارات الأخرى كلها تهدف إلى الحفاظ على النظام العام الصحي في الدولة، وهو ما أكدته المادة الثالثة[39] من المرسوم المتعلق بسن أحكام الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، حيث تشير إلى أن الحكومة تقوم خلال فترة إعلان حالة الطوارئ باتخاذ مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية، أو بواسطة مناشير وبلاغات من أجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض، والحد من انتشاره، تفاديا للأخطار التي يمكن أن تنتج عنها”.

الفقرة الثانية: الرقابة على التدابير المتخذة من طرف السلطات الحكومية

     إن صيانة النظام العام يقتضي فرض قيود على حريات وحقوق الأفراد وفق ما يسمح به القانون، إذ أن أعمال السلطة الحكومية كغيرها من القرارات الإدارية تخضع لرقابة القضاء، سعيا منه للتوفيق بين أهمية التدابير المتخذة للمحافظة على النظام العام وخطورتها على حقوق وحريات الأفراد، فالرقابة القضائية على قرارات السلطات العمومية ضمانة هامة وأساسية لحماية الحريات العامة للمواطنين وإلزام المؤسسات المعنية بتطبيقها[40].

وهكذا فإن القضاء يراقب أسباب القرار الإداري، وهي الوقائع التي تدفع إلى اتخاذه، ومدى جديتها وتهديدها للنظام العام حيث لا يكون الإجراء المتخذ مشروعا إلا إذا كان وراءه سبب موضوعي وحقيقي وكان ضروريا لحفظ النظام العام[41]، ولا شك أن تفشي جائحة كورونا المستجد تعتبر إحدى الأسباب الموضوعية والاستثنائية التي استدعت الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية على التراب الوطني للمملكة.

       كما أن التدابير المتخذة في حالة الطوارئ الصحية بخضوعها لرقابة القضاء، يعتبر أسمى ما يميز هذه النظرية عن نظرية أعمال السيادة التي تعد خروجا عن المشروعية ويمنع القضاء من الرقابة على الأعمال الصادرة استنادا إليها، كما تتميز عن نظرية السلطة التقديرية للإدارة[42]، ومنه فإن نظرية الظروف الطارئة تشكل أحد استثناءات مبدأ المشروعية، التي تطبقها الدول في ظروف استثنائية كالكوارث الطبيعية وما شابههما من ظروف طارئة غير اعتيادية، من قبيل فيروس كورونا المستجد الذي  تفشى في غالب دول العالم والتي يتحتم مواجهتها ومعالجتها بقرارات تتخذها السلطة الحكومية ولا تخضع لرقابة القضاء إلا من باب التأكد على مدى توفر العناصر المؤدية إلى ذلك[43].

       وقد حددت هذه الأجهزة القضائية وغيرها القيود والضوابط التي يمكن من خلالها أن تفرض رقابتها على سلطات الضبط الإداري في الظروف الاستثنائية والتي تتفق مع ما اشترطه الفقه القانوني وتتمثل في الآتي[44] :

-قيام ظروف طارئة أو استثنائية جسيمة وآنية تهدد كيان الدولة وتدعو للتدخل بالإجراء الضبطي الإداري.

– استحالة مواجهة هذه الظروف الاستثنائية بالطرق القانونية العادية. 

– أن يكون الهدف من النظام القانوني الاستثنائي تحقيقا لمصلحة العامة أو الحفاظ على سلامة الوطن. 

– أن يكون عمل الإدارة أو تصرفها الاستثنائي لازم المواجهة هذه الحالة، ويوصف بأنه الوسيلة الوحيدة والملائمة لمواجهة الظرف الاستثنائي الطارئ 

– أن تناط سلطة إصدار الإجراءات الاستثنائية للضبط الإداري للسلطة التنفيذية في الدولة [45]

لابد من إنهاء العمل بنظرية الظروف الطارئة بمجرد زوال المانع الذي أدى إلى تطبيقها[46]

        وأخيرا، فإن القضاء يراقب محل القرار للتأكد من مدى مطابقته أو عدم مطابقته لأحكام القانون بمفهومه الواسع، وذلك بالبحث فيما إذا كانت النصوص القانونية تسمح لمتخذ القرار باتخاذه، ورقابة القضاء لا تقتصر على مراقبة العناصر الداخلية والخارجية لقرارات الضبط الإداري (المشروعية) وإنما تمتد لتشمل الملائمة أيا لبحث في مدى ملائمة التدابير المتخذة للظروف والوقائع التي دعت إلى اتخاذها. 

       لعل إذن، تفعيل القرارات الحكومية من قبل السلطات العمومية ومدى مشروعيتها فاعليتها[47]، غالبا ما يرافقه اتخاذ تدابير ظرفية وسياسات استثنائية وغير مألوفة، في إطار التقليل من تداعياتها الخطرة على الأرواح والممتلكات، والسعي لمحاصرتها، ومنع خروجها عن نطاق التحكم والسيطرة، عبر اتخاذ تدابير تبرر الحرص على حماية أسمى حق للإنسان وهو الحق في الحياة، والعيش في بيئة سليمة، غير أن إجبار الأفراد على البقاء في بيوتهم، يتطلب كذلك اعتماد سياسات اجتماعية خاصة تدعم توفير الغذاء ومختلف الخدمات الصحية، والمستلزمات الضرورية لحياة آمنة.

المبحث الثاني : السياسات الإستباقية في احتواء الأوبئة بالمغرب : فيروس كورونا التاجي (نمودجا)

     شكلت الظرفية الحرجة غير المسبوقة دوليا وإقليميا ووطنيا، والتي وصفت بالصعبة والقاسية والتي يمر منها المغرب على غرار باقي دول العالم، جراء تفشي وباء كورونا “كوفيد-19” اختبارا حقيقيا لمدى جدية العديد من المفاهيم التي تتبناها الدولة، فما هي التدابير الإستباقية التي نهجها المغرب؟ (مطلب أول)، وإلى أي حد ساهمت التدابير الحكومية المتخذة للتخفيف من وطأة وتداعيات حالة الطوارئ الصحية بالمغرب؟ (مطلب ثاني)

المطلب الأول: التدابير المبكرة لتنزيل حالة الطوارئ الصحية

       إن المخاطر الصحية في حالة الأوبئة تكون مخاطر عابرة للقارات ولا تعترف بالحدود الجغرافية بين الدول، وما يؤكد ذلك هو الانتقال السريع وغير المتوقع لوباء كورونا فيروس (كوفيد 19) والذي ظهر في “ووهان” بالصين الشعبية، وفي وقت وجيز انتقلت العدوى لأغلبية دول العالم.

      على إثر ذلك سارعت الحكومة منذ أول بؤرة لظهور الوباء بالمغرب إلى تدارس واتخاذ العديد من التدابير الإستباقية الهادفة لمواجهته والحد من مخاطر تفشيه، وبذلك انطلق المغرب منذ الوهلة الأولى عدة خطط وسياسات عاجلة وطنية قوية للحد من امتداد هذا الوباء وانتشاره، فكان أول القرارات الصائبة والراجحة هو إحداث صندوق حساب خصوصي للخزينة لمكافحة فيروس كورونا (كوفيد 19) بقرار ملكي من “رئيس الدولة المغربية” طبقا لمقتضات الفصل 42 من الدستور، وبجرأة وتجاوب سريع للحكومة والبرلمان وباقي المؤسسات الدستورية، فكانت التبرعات والمساهمات سخية وصلت إلى حدود 32 مليار درهم، عبر من خلالها جميع المواطنين والمواطنات أفرادا وجماعات وأرباب شركات، والفاعلين من كل المؤسسات والهيئات الوطنية المدنية والعسكرية عن الحب الكبير لهذا الوطن والاستعداد للتضحية من أجله، و اتخذ المغرب  بتوجيهات ملكية سامية، مجموعة من التدابير والقرارات في هذه الظرفية الاستثنائية وغير المسبوقة لمحاصرة الفيروس ومواجهة تداعياته[48].

         فحكامة المؤسسة الحكومية في ظل هذه الجائحة أبانت عن  تدبير عقلاني محكم بالنجاعة والفعالية في التعاطي مع أزمة كورونا، حيث قامت ب 365 إجراء في مجموعة من المجالات في ظرف وجيز 30 يوما تقريبا، بمعدل 19 إجراء يوميا.

      ويعد المغرب من بين الدول السباقة إلى اتخاذ جملة من الإجراءات الوقائية والاحترازية وفرض حالة الطوارئ الصحية في كافة أنحاء التراب الوطني، كما نادى العاهل المغربي محمد السادس بإطلاق مبادرة إفريقية للتفكير في مواجهة كورونا وآثارها الإنسانية والاقتصادية على القارة، إذ اقترح إطلاق مبادرة لرؤساء الدول الإفريقية تهدف إلى إرساء إطار عملياتي يهدف مواكبة البلدان الإفريقية في مختلف مراحل تدبيرها للجائحة، غايته تعبئة طاقات القارة السمراء وشعوبها لمواجهة الخطر المتربص بها[49].

ومن أهم الإجراءات الإستباقية التي قام بها المغرب :

– عقد جلسات عمل لدراسة الوضعية الصحية والاقتصادية والاجتماعية

– إجلاء الطلبة والمواطنين القاطنين بووهان الصينية

– إغلاق الحدود البحرية والجوية

إضافة إلى تدابير لمواكبة لتفشي وباء كورونا تم إصدار مجموعة من التعليمات والمتمثلة في :

-إنشاء لجنة اليقظة الاقتصادية من أجل رصد وتتبع الوضع الاقتصادي والاجتماعي وتعزيز أدوار وتركيبة هذه اللجنة لمناقشة التدابير المقررة من أجل مواجهة فيروس كورونا

-إصدار فتوى إغلاق المساجد مع بقاء رفع الآذان

-إعفاء مكتري محلات الوقفية المخصصة للتجارة والحرف والسكن من أداء الواجبات الكرائية باستثناء الموظفين

 – العفو الملكي لفائدة حوالي 5654 معتقل

– تأجيل التظاهرات الرياضية والثقافية في جميع أنحاء البلاد

– تعليق الرحلات الجوية من وإلى 25 دولة

 -إعلان المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج عن التقليص من عدد الزوار والاكتفاء بزائر واحد فقط مع عدم السماح بالزوار الأجانب الذين تقل مدة إقامتهم بالمغرب عن 15 يوما، ووضع السجناء الجدد القادمين من بلدان أجنبية في حجر صحي لمدة 14 يوما.

– إغلاق جميع المدارس مؤقتا، واعتماد التعليم عن بعد عبر البوابة الإلكترونية تلميذ تيس والقناة التلفزية الرابعة الثقافية.

-إغلاق المساجد المحلات التجارية وغيرها من المؤسسات التي تستقبل العموم خلال فترة حالة الطوارئ الصحية المعلنة.

       كما وجه الملك، السلطات المختصة للسهر على حسن تطبيق التدابير الناجعة المتخذة في مجال ضمان تزويد الأسواق عبر التراب الوطني، بجميع المواد الغذائية والاستهلاكية، وبمواد التطهير والتعقيم، بصفة منتظمة ومتواصلة، ومحاربة مختلف أشكال الاحتكار والزيادة في الأسعار.

-تعزيز التنسيق والتعاون الدولي من خلال التنسيق مع منظمة الصحة العالمية والدول الإفريقية

المطلب الثاني: التدابير الحكومية للتخفيف من تداعيات حالة الطوارئ الصحية

         يعتبر المغرب من الدول القلائل التي راهنت منذ البداية على حالة الطوارئ الصحية من خلال بلاغ وزير الداخلية، وإصدار كل من المرسوم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها[50]، والمرسوم رقم 2.20.293 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا (كوفيد 19)[51]، وبذلك تكون الحكومة قد خطت خطوة مهمة في تنزيل مقتضيات الدستور، من خلال تأكيدها على أهمية تنزيل حالة الطوارئ الصحية على أرض الواقع بشكل قانوني يستجيب لتطلعات المجتمع المغربي بعيدا عن كل تعسف أو شطط في استعمال السلطة، وكذا الدور المحوري الذي يجب أن تؤديه حالة الطوارئ الصحية في الحد من انتشار الوباء وتحقيق الأمن الصحي للمواطنين والمواطنات[52]، عبر تنزيل مجموعة من التدابير والإجراءات الأساسية لمواجهة المخاطر والأزمات والآثار المترتبة عن تفشي الفيروس التاجي كوفيد 19 ويمكن إجمالها في :

أولا: تدابير صحية

       ضمانا لنجاعة الأمن الصحي وحماية النظام العام، تقوم السلطات الأمنية من شرطة وقوات مساعدة، والإدارة الترابية، والقوات المسلحة الملكية…كلها تقوم بأدوار في غاية الأهمية من خلال ممارسة مهام الضبط وفرض احترام القانون والإجراءات المعلن عنها لتفادي انتشار الوباء، وهذا وفق ما تمت المصادقة عليه من طرف الحكومة على مشروع المرسوم المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني المغربي، باعتبار هذا المرسوم يؤهل السلطات العمومية المعنية إلى اتخاذ التدابير الأمنية اللازمة من أجل عدم مغادرة الأشخاص لمنازلهم، ومنع أي تنقل لكل شخص خارج المنزل إلا في حالات الضرورة القصوى مع إجبارية وضع الكمامات الواقية.

      الأمر لا تقتصر على السلطات الصحية وإنما تقوم بها أيضا القوات المسلحة الملكية بناء على تعليمات من القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية الملك محمد السادس الذي أصدر تعليماته للقوات المسلحة الملكية لتعبئة وسائل الطب العسكري لتعزيز الهياكل الطبية المخصصة لتدبير الوباء من خلال الطاقم الطبي وشبه الطبي للقوات المسلحة الملكية بهدف التغلب على بعض أشكال الخصاص الذي تمت معاينته في محاربة الوباء، كما سبق لجلالة الملك في إطار المقاربة الإستباقية الأمر بوضع المراكز الطبية المجهزة بمختلف جهات المملكة، رهن إشارة المنظومة الصحية، بكل مكوناتها، إن اقتضى الحال وعند الحاجة توفير جميع مستلزمات السلامة الصحية، بما في ذلك مواد التعقيم والأدوية.[53]

ثانيا: تدابير تربوية

     على إثر القرار القاضي بتوقيف الدراسة بجميع الأقسام والفصول الدراسية، وتعويض الدروس الحضورية بالتعليم عن بعد، إلى إشعار آخر، التزاما بالتدابير الاحترازية والوقائية للحد من انتشار عدوى فيروس كورونا المستجد، وجد المجتمع المغربي نفسه أمام غمار تجربة حديثة، بالاعتماد فقط على كل الوسائل الإلكترونية المتاحة، للتحصيل العلمي المستمر[54].

 لينطلق الرهان في المغرب، لوضع الأرجل الأولى لاكتساب ثقافة التعليم الرقمي عبر إنتاج المواد الرقمية من تقنيات الوثائق الإلكترونية، وشرح الدروس بالصوت والصورة، ليتم وضعها في المنصة الرقمية المعلن عنها من طرف الوزارة TelmidTICE، مع بثها عبر القناة الرابعة التلفزيونية، ليتم الانخراط الفعال لإنجاح التجربة.

كما أعلنت وزارة التربية الوطنية عن مجموعة تدابير استعجالية ووقائية لمحاربة فيروس”كورونا” المستجد، وذلك تفاعلا مع التوجهات والإرشادات التي تصدرها وزارة الصحة من أجل الوقاية من هذا الفيروس والحد من انتشاره من خلال منع جميع التظاهرات واللقاءات والندوات والمهرجانات كيفيما كانت طبيعتها والتي تعرف مشاركة أشخاص وافدين من خارج البلاد نظرا للتهديد الذي يشكله هذا الفيروس.

وتهم أيضا التدابير الاحترازية : تكثيف العمليات التوعوية والتحسيسية حول الفيروس وطرق انتشاره وكيفيات الوقاية منه وأساليب علاجه، وإدراج حصص للتوعية حول هذا المرض الفيروسي ضمن الحصص الدراسية الرسمية وأنشطة الحياة المدرسية.

ثالثا: تدابير ذات بعد إداري

وفي نفس السياق نصت التشريعات الوطنية على ضرورة الأخذ بكل الإحتياطات الواجبة لحماية المواطنين وتحقيق الأمن الصحي لهم، فبدءا من الدستور المغربي لسنة2011 نجده ينص في مادته31[55] من الباب الثاني المتعلق بالحريات والحقوق الأساسية، على أن الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية مسؤولة عن تيسير استفادة كافة المواطنين من حقهم في العلاج والعناية الصحية.

وبشكل خاص فإن الدولة مسؤولة أيضا عن حماية الموظفين والعمال وضمان الأمن الصحي لهم وسلامتهم الجسدية وذلك باتخاذ التدابير الوقائية ومراقبة بيئة العمل والأدوات المستعملة في كل المقاولات والمصانع والإدارات إلى غير ذلك، وقد جاءت مدونة الشغل([56]) من خلال ديباجتها لتؤكد على أن العامل ليس أداة من أدوات الإنتاج، ولا يجوز في أي حال من الأحوال أن يمارس العمل في ظروف تنقص من كرامة العامل.

ولعل أهم هذه التدابير ما يلي :

تدابير خاصة بالمرفق العام : تعقيم الإدارات والمؤسسات العمومية

-تدابير خاصة بالعاملين في المرفق العام: العمل عن بعد في الإدارات العمومية وإرفاقه بدليل

-اعتماد الإدارة الإلكترونية: الرفع من أداء الإدارة الإلكترونية بالمغرب

-تقديم الخدمات الرقمية الإدارية.

       ومنه، مادام أن الدولة عملت على اعتماد إستراتيجية الرقمنة والعمل عن بعد مستفيدة من الإمكانيات التي تتيحها التكنولوجية والذكاء الاصطناعي، والتي أعطت أكلها على صعيد المؤسسات التعليمية والعديد من الإدارات العمومية رغم بعض التذبذبات التي تبقى مقبولة في بداية أية تجربة.

رابعا: تدابير اقتصادية واجتماعية للحد من تداعيات حالة الطوارئ الصحية

       يواجه العالم حرب ضد وباء فتاك له كلفة مالية واجتماعية ستكون لها انعكاسات على العديد من القطاعات، من آثاره التحاق نصف مليار من سكان العالم بعتبة الفقر بالمغرب حيث يوجد أربعة ملايين أسرة تعيش على عائدات القطاع غير المهيكل، وهي التي توجد اليوم في واجهة الفئات المتضررة اقتصاديا وبشكل مباشر، متطلباتها اليومية من أجل القوت والعيش في كرامة تتطلب استعجالية تفعيل القرارات والإجراءات التي ركزت عليها لجنة اليقظة الاقتصادية، أي توزيع المساعدات من مالية الصندوق الذي أحدث بهاته المناسبة مع احترام الاحترازات الوقائية التي تمليها الجائحة.

        لم يكن المغرب بمنأى عن التداعيات السلبية لفيروس “كورونا”، في ظل التنامي المستمر لتأثيرات انتشار الفيروس على اقتصاديات دول العالم، فالحكومة المغربية تسارع بمعية البنك المركزي المغربي، لاتخاذ عدة تدابير وإجراءات احترازية، بهدف احتواء التداعيات السلبية للجائحة، ومواجهة “الكساد” من خلال ما أعلنه المغرب من إعلان حالة الطوارئ الصحية وتقييد الحركة في البلاد حتى أجل غير مسمى، في إطار الإجراءات المتخذة لمنع انتشار كورونا، بعد أن اتخذ في وقت سابق قرارا بتعليق جميع الرحلات الجوية.

       ومنذ بداية تسجيل حالات مصابة بفيروس كورونا، سارع الاتحاد العام لمقاولات المغرب إلى اقتراح مجموعة من الإجراءات للتخفيف من التأثير السلبي لانتشار الفيروس على الاقتصاد المحلي، حيث اقترح تعليق آجال جباية الضرائب، مع توقيف اقتطاع استحقاقات البنوك، بالنسبة للمقاولات (الشركات) والأفراد المتضررين، خاصة المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، مع وضع نظام للتعويض على فقدان العمل بالنسبة للعمال ذوي الأجور المتدنية”، كما دعا إلى “إنشاء صندوق لدعم القطاعات المتضررة، وإعلان فيروس كورونا، كحالة قوة قاهرة، فيما يخص الصفقات العمومية”.

      كما أن إحداث صندوق مواجهة جائحة كورونا سيلعب دورا في دعم “الاقتصاد الوطني، من خلال مجموعة من التدابير التي اقترحتها الحكومة، لا سيما فيما يخص مواكبة القطاعات الأكثر تأثرا، بفعل انتشار فيروس كورونا كالسياحة، والتخفيف من التداعيات الاجتماعية لهذه الأزمة”.

     وتشمل الإجراءات المتعلقة بالضريبة والتي أقرتها السلطات المغربية من استفادة الشركات التي تقل معاملاتها للسنة المالية الماضية، عن 20 مليون درهم، من تأجيل وضع التصريحات الضريبية (وثائق تبين أداء الضريبة) حتى نهاية يونيو المقبل”مع “تعليق المراقبة الضريبية، للشركات الصغرى والمتوسطة، حتى 30 يونيو 2020”.

       إلى جانب هذه الإجراءات أعلنت وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة المغربية، عن تشكيل لجنة اليقظة الاقتصادية، في إطار المجهودات الإستباقية التي تقوم بها الحكومة لمواجهة الانعكاسات الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة لوباء “كوفيد 19” على اقتصاد البلاد، وستعمل هذه اللجنة، من جهة، من خلال آليات مضبوطة للتتبع والتقييم على الرصد الآني للوضعية الاقتصادية الوطنية، كما تعمل من جهة أخرى على تحديد الأجوبة المناسبة فيما يتعلق بمواكبة القطاعات الأكثر عرضة للصدمات الناجمة عن أزمة كورونا.

-إضافة إلى ذلك العمل على توسيع تدابير الحماية الاجتماعية لمواجهة حالة الطوارئ الصحية، وذلك بتعزيز الحماية الصحية للعمال وأصحاب العمل وأسرهم من خلال إدخال وتعزيز تدابير الحماية في مكان العمل لتوفير فرص العمل ودعم الدخل و تحفيز الاقتصاد والحفاظ على مناصب الشغل.

-التعويض عن فقدان الشغل لفائدة المأجورين المصرح بهم لدى الضمان الاجتماعي، وذلك بالاستفادة من تعويض شهري يقدر ب2000 درهم وتأجيل أداء القروض البنكية إلى غاية 30 يونيو2020، كما شرعت السلطات المغربية في تحديد الفئات المتضررة من تداعيات فيروس كورونا، الاقتصادية والاجتماعية، بهدف إدراجها ضمن برنامج دعم مالي شهري غير مسبوق. ولعل أبرز الصعوبات التي تواجه هذا البرنامج، هو تحديد الفئات المستحقة فعليا للمساعدة التي تتراوح ما بين 800 و1200 درهم للأسرة شهريا بحسب عدد الأفراد، وتستمر حتى يونيو2020.

-تعليق أداء الديون لفائدة المقاولات المتوسطة والصغرى والصغيرة جدا والمهن الحرة التي تواجه صعوبات.

-الإعفاءات المالية والضريبية: إقرار تدابير الإقراض والدعم المالي للمقاولات.

-اللجوء للقروض الخارجية لمواجهة حالة الطوارئ الصحية.

خاتمة :

       على الرغم من الصدى الإيجابي للعديد من التدابير التي اتخذتها الحكومة المغربية لمواجهة مخاطر تفشي الأوبئة وعقلنة تدبير الأزمات والإنتكاسات المترتبة عنها، إلا أن ذلك لم يحجب مدى الارتجالية التي اتسم بها التعامل الحكومي مع هذه الظرفية الحرجة، مما يفسر غياب رؤية واضحة المعالم للتعامل مع مثل هذا النوع من الأزمات.

      فالوضعية الراهنة تستلزم مراجعة حقيقية للتوجهات الكبرى للسياسة العامة من خلال تكاثف الجهود لتحضير الشروط الضرورية لتسطير تعاقد اجتماعي جديد يقوم على بعث روح التضامن والمواطنة، حيث يتخلى فيه كل مواطن عن أنانيته، باعتبار التحلي بأكبر قدر من الموضوعية هو الكفيل بالمساعدة على ابتكار مشاريع حلول كفيلة بإخراج البلاد من هذه الظرفية العصيبة، وتفادي الدفع بها نحو المجهول، حيث يجب مرحليا استثمار الحس التضامني الذي برهنت عنه مختلف الفئات المجتمعية، وذلك من أجل بلورة مالية عمومية تضامنية تقوم على الحرص بشكل حازم على تفعيل المبدأ الدستوري القاضي بضرورة مساهمة الجميع في تحمل الأعباء الوطنية كل حسب استطاعته.

     وأخيرا، الـمقاربة التشاركية في التخطيط للسياسة الوبائية في محاربة الأوبئة والأمراض والهزات الصحية الوطنية  وما يترتب عنها من مخاطر التي يمكن أن تعج بها حاضرا، أو على المدى المتوسط تندرج في إطار مأسسة حكامة جديدة لكافة القطاع الحيوية تتغنى بإرساء الدعامات الكفيلة بالـمضي قدما نحو محاربة الداء المستحدث  فيروس كورونا (كوفيد 19-)  بكافة السبل والإستراتيجات نظرا للظرفية الإستعجالية والراهنة التي يعيشها العالم قاطبة، وما تتطلبه من نكران الذات والتضحية في سبيل الحق في الحياة المكفولة دستوريا وفي الصكوك والمواثيق الدولية بهدف محاصرة هذه الجائحة ومنع تكرار السناريوهات السابقة التي تم ذكرها في سياق الحديث عن واقع الأوبئة بالمغرب وتسطير خارطة طريق تكون لبنة أساسية في مسار بلورتها وتنزيلها على أرض الواقع في أحسن الظروف.


[1]– دستور المملكة المغربية، ظهير شريف رقم 1.11.91، صادر في 27 من شعبان 1432(29 يوليو 2011)، الجريدة الرسمية عدد5964 مكرر، بتاريخ28 شعبان 1432(30 يوليو 2011)، ص3600-3627.

[2]– عبد الكريم حيضرة، المختصر في التنظيم الإداري المغربي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2018، ص.39.

[3] –  محمد حلمي:  “موجز مبادئ القانون الإداري”، الطبعة الأولى ملتزم الطبع والنشر دار الفكر العربي سنة 1978، ص : 60 .

[4]  -أحمد بن عبد المالك أحمد بن قاسم : “الرقابة على أعمال الإدارة- دراسة مقارنةً- مطبوعات دار الحكمة ،الطبعة الأولى،1994 ،ص : 62.

[5] -محمد أنور حمادة :ً القضاء الإداري، دار الفكر الجامعي، 2003، ص، 55.

[6]-عبد القادر العرعاري، مصادر الإلتزامات، الكتاب الثاني المسؤولية المدنية، الطبعة الثالثة 2011، مطبعة الكرامة الرباط، ص.7.

[7]-محمد الأمين البزاز، تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة، تخصص التاريخ، جامعة محمد الخامس، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، سلسلة رسائل وأطروحات رقم 18، 1992، ص12.

[8] -وتحتضن الخزانة المغربية متونا عديدة ومتنوعة، سواء من حيث تعرضها للأمراض والأوبئة بطريقة مباشرة، أو بطريقة غير مباشرة. وبحكم موقع المغرب من القارة الأوربية، وظفت الأوبئة من لدن بعض الدول الأوربية لممارسة ضغوط، تيسيرا لحصولها على منافع، ولتمتين تسربها إلى المغرب خاصة في الموانئ. 

[9]– محمد كرامي، القانون الإداري، التنظيم الإداري ـ النشاط الإداري، مطبعة النجاح الجديدة، طبعة 2015، الدار البيضاء، ص.301 

[10]– عمر عبد الله  خاموش، تأثير قوانين الطوارئ على حريات الأفراد بين الدساتير ـ دراسة مقارنة، مركز كردستان للدراسات الإستراتيجية، السليمانية، سنة 2007، ص.3

[11]-عبد السلام المصباحي : المنهج العلمي في البحث الاجتماعيً، فنون الطباعة والإشهار بفاس، طبعة 2005، ص، 67.

[12] – معاد اليعكوبي علي الإبراهيمي : ” التاريخ المنسي للأمراض والأوبئة بالمغرب .. كوليرا ومجاعة و”توفيس”، مقال منشور بتاريخ  25/04/2020 على الموقع الإلكتروني التالي :  www.hespres.com

[13] – D.S.، Goitein عن وثائق الجنيزة في كتابه  : A Mediterranean society، الجزأين الأول1967 والثاني 1971.

[14] – نذكر من بين من خط لموضوع الأوبئة في المغرب، علي بن عبد الله بن محمد بن هيدور: توفي سنة 816هـ/1413م، في تأليفه:” المقالة الحكيمة في الأمراض الوبائية“، والذي ميز توصيف المرض العارض عن الوباء المقيم، يقول ابن هيدور:” سمي الطاعون الوباء، ويسمى أيضا المرض الوابل وما كان معها بمهلة وغير عام…”. وألف العربي بن عبد القادر بن علي المشرفي، توفي سنة 1313 هـ/1895م، كتابا سماه، ” أقوال المطاعين في الطعن والطواعين“. والذي خصصه لتفسير وباء الطاعون. قسم الكتاب إلى مقدمة وسبعة أبواب وخاتمة، وتعرض في مقدمة تأليفه لوباء الطاعون الذي حل بفاس سنة 1271هـ/1854م، مع وصف لطبيعة انتشاره ونتائج الوفيات التي خلفها، وخصص الباب الأول لشرح معاني الوباء في اللغة والاصطلاح، وفي الباب الثاني الزمن الذي يحل الوباء فيه والوقت الذي لا يحل، والأمكنة التي يدخلها الوباء ولا يدخلها الطاعون، والباب الثالث للآيات القرآنية والأحاديث النبوية الواردة في الطاعون، وخصص الباب الرابع لذكر العلاج، وقسمه إلى مادي، أي ما ارتبط بالأدوية، ثم العلاج بالأدعية والتمائم. تمحور الباب الخامس، فيما يقع الحجر به للصحيح في وقته. وخصص الباب السادس في قضية عدم الفرار من الأرض التي حل بها، والإقدام على أرض ليس هو بها، والأسباب الداعية لذلك. وخصص الباب السابع لطقوس الجنازة، وهل تشيع بالذكر أو بالسكوت. وتزخر الخاتمة بمعلومات حول نتائج الوباء من وفيات، وكثرة الصدقات، وما صاحب ذلك من جفاف وقحط وتخريب، إلى جانب أسئلة فقهية في الموضوع. يخبرنا المشرفي أنه في وباء 1271هـ/1854م «مات في الطريق من الهاربين جم غفير وعم الحواضر المغربية وقراها وجل البوادي في شامخات البلاد.[14]..”..

[15] – محمد الأمين البزاز، تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب، مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء، سنة 1992.

[16] – الموساوي العجلاوي :”الأوبئة والدولة والمجتمع في تاريخ المغرب”، مقال منشور  بتاريخ 16/04/2020على الموقع الإلكتروني التالي :

https://www.policycenter.ma/opinion

[17]– معاد اليعكوبي | علي الإبراهيمي :” التاريخ المنسي للأمراض والأوبئة بالمغرب ….”، مرجع سابق.

[18] – Majallat Al-Maghrib, Volumen 12 , 1987.

[19]– اسماعيل تزراني ،”الطاعون الكبير .. عندما فقد المغرب نصف ساكِنته في القرن 18″، مقال منشور  بتاريخ 25/08/2014على الموقع الإلكتروني التالي www.hespress.com    :

[20] – أحمد المنصور :” الاستقصاء”، الجزء الخامس، ص 178-179.

[21] – الموساوي العجلاوي : “الأوبئة والدولة والمجتمع في…”، مرجع سابق. نفس الصفحة

[22] – موساوي العجلاوي نفس المرجع.

[23] – مولاي سليمان هو أبو الربيع سليمان بن محمد (1760 – 1822) كان سلطاناً مغربياً من سلالة العلويين. وهو ابن السلطان محمد الثالث بن عبد الله، حكم منذ عام 1792 حتى 1822. في السنوات الثلاث الأولى حكم سليمان بن محمد في مدينة فاس، أي حتى عام 1795.

[24] -rosenberger, Bernard :“Population et crise au Maroc aux XVIe et XVIIe siècles. Famines et épidémies”. Cahiers de la Méditerranée , 1977 ,p .137

[25] – يقول صاحب “الابتسام”: “لم يكن لسفره دليل ولا موجب”.، إحالة على مقال، يوسف بوكدير :” الطاعون الكبير .. عندما فقد المغرب نصف ساكِنته في القرن 18” منشور  بتاريخ 07 سبتمبر 2014، على الموقع الإلكتروني التالي : www.hespress.com

[26] – أحمد تفاسكا : ” تطور الحركة العمالية في المغرب( 1916-1939)”، بيروت دار ابن خلدون 1980، ص.176

[27] – ألبير عياش : “المغرب والاستعمار: حصيلة السيطرة الفرنسية”، سلسلة معرفة الممارسة، دار الخطابي للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، أبريل 1985، النسخ الإلكتروني جريدة المناضل، ص 55-57.

[28] -إدريس الكريني :” كذا وضع تدبير أزمة “كورونا” حقوق الإنسان على المحك بالعالم”، مقال منشور بتاريخ 22 أبريل2020 على الموقع الإلكتروني التالي :

www.hespress.com

[29] – عمار بوضياف ،الوجيز في القانون الإداري ، دار جسور ، الجزائر ، الطبعة الثانية، 2007، ص.56

[30]-أنور شقروني، الشرطة الإدارية في القانون المغربي، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام، كلية الحقوق بفاس 2006 2007.

[31]– أحمد أجعون، النشاط الإداري، طبعة 2016ـ2015،مطبعة وراقة سجلماسة، درب السلام بلمعطي، الزيتون مكناس، ص 5. 

[32]– ينص الفصل 90 من الدستور المغربي لسنة 2011 على ما يلي :”يمارس رئيس الحكومة السلطة التنظيمية، ويمكن أن يفوض بعض سلطه إلى الوزراء.

تحمل المقررات التنظيمية الصادرة عن رئيس الحكومة التوقيع بالعطف من لدن الوزراء المكلفين بتنفيذها.”  

– إذا كان رئيس الحكومة هو المؤهل  دستوريا لاتخاذ التدابير اللازمة للمحافظة على النظام العام على الصعيد الوطني وذلك بواسطة مراسيم أو قرارات عامه، فإن وزير الداخلية يمارس هذا الاختصاص بشكل غير مباشر بالاستناد إلى المرسوم المحدد لتنظيم واختصاصات وزارة الداخلية الذي ينص على أنه ” تناط بوزير الداخلية مهمة الإدارة الترابية في إطار اختصاصه، ويسهر على الحفاظ على الأمن العام، ويزود الحكومة بالمعلومات العامة، ويتولى  الوصاية على الجماعات المحلية.”. – المرسوم رقم  2.97.176 الصادر بتاريخ 15 دجنبر 1977 في شأن تنظيم واختصاصات وزارة الداخلية، الجريدة الرسمية عدد 45ـ58 بتاريخ 5 فبراير 1998. 

[33]–  دستور المملكة المغربية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ 25 يوليوز2011 الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر، الصادر بتاريخ 28 شعبان 1432، الموافق لـ 30 يوليوز 2011.

[34]– ينص الفصل 40 من دستور 2011 على ما يلي: ” على الجميع أن يتحمل، بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد، وكذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد.”

[35]– قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 57/150 بشان تنظيم وتحديد المسؤوليات الأساسية للدول المتضررة من الكوارث الطبيعية.

[36]– جاء في نص المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ما يلي:”

1- تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه.

2- تشمل التدابير التي يتعين على الدول الأطراف في هذا العهد اتخاذها لتامين الممارسة الكاملة لهذا الحق، تلك التدابير اللازمة من أجل: 

(أ)العمل على خفض معدل موتى المواليد ومعدل الوفيات الرضع وتأمين نمو الطفل نموا صحيا، 

(ب)تحسين جميع جوانب الصحة البيئية والصناعية،

(ج) الوقاية من الأمراض الوبائية والمتوطنة والمهنية والأمراض الأخرى وعلاجها ومكافحتها،

(د) تهيئة ظروف من شأنها تأمين الخدمات الطبية والعناية الطبية للجميع في حالة المرض”.

[37]– أحمد مفيد :” علاقة حالة الطوارئ الصحية بالأمن الصحي “، مقال منشور بتاريخ 17 أبريل 2020، على الموقع الإلكتروني التالي : www.hespress.com

[38] – تعرف منظمة الصحة العالمية الأمن الصحي العالمي بأنه مجموع البرامج والتدابير التي تهدف إلى أن تخفض إلى أدنى حد مخاطر وتأثيرات الأحداث الصحية المهددة لسلامة سكان المناطق الجغرافية أو العابرة للحدود. وتؤكد المنظمة أن صحة البشر شرط أساسي لتحقيق الأمن والسلام، وأنه يعتمد على التعاون الكامل بين دول وسكان العالم كافة. ولا يقتصر تأثير الأوبئة والطوارئ الصحية وضعف المنظومات الصحية في إزهاق الأرواح البشرية فقط؛ بل يمثل تهديدا للأمن والاقتصاد العالميين.

[39]– جاء في نص المادة الثالثة من مرسوم القانون رقم 2.20.292 الصادر في 28 من رجب 1441 (23 مارس 2020) يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها ما يلي: ” على الرغم من جميع الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، تقوم الحكومة، خلال فترة إعلان حالة الطوارئ، باتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة، وذلك بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية،  أو بواسطة مناشير وبلاغات، من اجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض، وتعبئه جميع الوسائل المتاحة لحماية حياة الأشخاص وضمان سلامتهم .

لا تحول التدابير المتخذة المذكورة دون ضمان استمرارية المرافق العمومية الحيوية، وتأمين الخدمات التي تقدمها للمرتفقين.”.

[40]– الحسين سيمو،”الرقابة القضائية على قرارات الضبط الإداري”،مقال منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد 24 يوليوزـ شتنبر 1998، ص. 25.

[41]– أحمد أجعون، مرجع سابق،ص. 26 .

[42]– عباس عبد الأمير ابراهيم العامري،إعلان حالة الطوارئ وآثاره على حقوق الإنسان ،منشورات الحلبي الحقوقية، سنة 2016،بيروت، لبنان،ص.38 .

[43]محمد العاجب اسماعيل الصافي، القانون الإداري السوداني: الرقابة على أعمال الإدارة ـ دراسة مقارنة، الطبعة الأولى، مطبعة مطابع السودان للعملة المحدودة، الخرطوم، سنة 2015، ص 60.

[44]– محمد حسن جماع تمساح، “مدى مشروعية إعلان حالة الطوارئ في السودان”، مرجع سابق، ص.8.

[45]– أحمد أجعون،مرجع سابق، ص .27.    

[46]– عباس عبد الام يرابراهيم العامري، مرجع سابق، ص. 42.

[47]– بوجمعة بوعزاوي، “الاتجاه الحديث في رقابة القضاء الإداري على ممارسة السلطة التقديرية للإدارة”،مقال منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 47، سنة 2004، ص 242 .

-الجلسة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة يوم الإثنين 13 أبريل 2020 بمجلس النواب[48]

[49] نوفل البعمري: “كورونا.. من أجل تعاطي واع”، مقال منشور بالموقع الإلكتروني التالي : kafapress.ma

[50]-مرسوم بقانون رقم 2.20.292 صادر بتاريخ 28 رجب 1441(23 مارس 2020) يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، الجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر بتاريخ 29 رجب 1441 (24 مارس 2020) الصفحة 1782.

[51]-مرسوم بقانون رقم 2.20.293 صادر بتاريخ 29 رجب 1441(24 مارس 2020) يتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا (كوفيد 19)، الجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر بتاريخ 29 رجب 1441 (24 مارس 2020) الصفحة 1783.

[52]– عبد المغيث الحاكمي، المقاربة القانونية لإعلان حالة الطوارئ الصحية، مجلة الباحث، عدد خاص بجائحة كورونا (كوفيد 19)، العدد17، أبريل 2020، ص129.

[53] – أحمد مفيد :” علاقة حالة الطوارئ الصحية….”، مرجع سابق.

[54] – سعيدة مليح : التعليم عن بعد .. كورونا تُدخل المنظومة التربوية في أول اختبار حقيقي “، جريدة العمق المغربي ، عمود محور المجتمع، 20 مارس 2020

[55]– الفصل 31 “تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في  : – العلاج والعناية الصحية؛ …”

[56]– القانون 65.99 المتعلق بمدونة الشغل الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.03.194 الصادر في 14 من رجب، الجريدة الرسمية عدد 5167 بتاريخ 13 شوال 1424 (8 ديسمبر 2003) ص3969.

Exit mobile version