التوثيق ودوره في استقرار المعاملات العقارية

التوثيق ودوره في استقرار المعاملات العقارية

دة. وداد العيدوني

أستاذة التعليم العالي بكلية الحقوق بطنجة

رئيسة مختبر  الدراسات القانونية و التنمية المستدامة في الفضاء الأورومتوسطي

مقدمة:

أحاط المشرع المغربي حق الملكية العقارية بمجموعة من الضمانات الحمائية الهادفة إلى تثبيته وصيانته من كل اعتداء ، ولعل من تلك الضمانات الأساسية التنصيص على ضرورة تحرير العقود وتوثيقها في المحررات الرسمية، باعتبارها الضامن لاستقرار المعاملات العقارية، وذلك لما تتمتع به المحررات الرسمية من ضمانات عديدة . فمؤسسة التوثيق بشقيها تلعب دوراً كبيراً في تحقيق النماء الاجتماعي والاقتصادي، ولعل تحقيق الأمن التعاقدي أو التوثيقي خاصة في مجال المعاملات العقارية،  هو كفيل بتحقيق الأمن القانوني والقضائي بشكل عام.

وبالتالي، تم تحديد شكلية التوثيق حين أقر المشرع من خلال المادة 4 من مدونة الحقوق العينية[1] بأن توثيق التصرفات العقارية يجب أن يرد تحت طائلة البطلان إما في محرر رسمي[2]، أو في محرر ثابت التاريخ يحرره محامي مقبول للترافع أمام محكمة النقض.

الأمر الذي يطرح مجموعة من التساؤلات، تتجلى في مدى قدرة المشرع المغربي من خلال مدونة الحقوق العينية إقرار رسمية العقود المنصبة على التصرفات العقارية وتحقيق الاستقرار المنشود في المعاملات العقارية؟ أو بعبارة أخرى، ما هي الأهداف التي يروم المشرع تحقيقها من خلال إقرار رسمية التصرفات العقارية؟.

لملامسة ذلك، ارتأيت الحديث عن إلزامية رسمية العقود في المعاملات العقارية في (المحور الأول)،

ثم عن دور المحرر الرسمي في  استقرار المعاملات العقارية في (المحور الثاني)

المحور الأول: إلزامية رسمية العقود في المعاملات العقارية كمدخل للأمن القانوني

أمام الإشكالات التي كان يطرحها الفصل 489 من ق.ل.ع والمتمثلة أساسا في عدم تنظيم تحرير العقود العقارية تنظيماً محكماً، تعالت النداءات بضرورة الاكتفاء برسمية العقود وتوثيق التصرفات العقارية بشكل خاص، الأمر الذي استجاب له المشرع المغربي بإصداره للقانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية، ولعل أهم المستجدات التي أتى بها المشرع المغربي في إطارها، ما تضمنته المادة الرابعة منها، حيث حددت الجهات المؤهلة للتوثيق على سبيل الحصر، رغبة منه في حماية المعاملات العقارية والتخفيف من الإكراهات والمشاكل التي يعرفها مجال التوثيق والسعي نحو تأهيل الحقل العقاري، وجعله يستجيب لتطلعات الفاعلين والمستثمرين.

وهكذا،حاول المشرع المغربي من خلال إصداره لمدونة الحقوق العينية تجاوز الإشكالات العملية والمنازعات القضائية التي تطرحها بكثرة المحررات العرفية، وذلك من خلال تبني مبدأ الرسمية في إبرام التصرفات العقارية، مع محافظته في نفس الوقت على مؤسسة المحرر الثابت التاريخ.

وهكذا، فقد تبنت المدونة مبدأ الرسمية في توثيق التصرفات العقاري، وهو المبدأ العام الذي يشمل مختلف التصرفات والتعاملات العقارية التي ترد على الملكية العقاري ومختلف الحقوق العينية وأسباب كسب الملكية، مع تنصيص المدونة في ذات الوقت على بعض الخصوصيات التي تضفي المزيد من التأكيد والتشبث بمبدأ الرسمية سواء من داخل المدونة كما هو الشأن بالنسبة لتوثيق حق العمرى[3] كحق من الحقوق العينية الأصلية، وكذلك بالنسبة لتوثيق عقد المغارسة[4] والهبة[5] كسببين من أسباب كسب الملكية، حيث اشترطت المدونة في ذلك أن يكون المحرر رسمياً، وأقصت بذلك المحرر الثابت التاريخ، وحتى من خارج المدونة، كما هو الشأن بالنسبة لتوثيق المعاملات المتعلقة بالوقف، حيث اشترطت مدونة

الأوقاف، زيادة على الرسمية، أن يتم توثيقه حصرا من لدن العدول[6].

وبذلك أضحت الجهات المؤهلة لتحرير العقود الرسمية في المعاملات العقارية محصورة في فئة الموثقين والعدول، حيث أن مسألة إضفاء الرسمية على التصرفات العقارية، خولها المشرع للموثق من خلال القانون رقم 32.09 المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق[7]، والعدل من خلال القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة[8]، وكذا المرسوم التطبيقي المتعلق به[9]، ليتضح بذلك عدم اعتراف المشرع بالمحررات العرفية في الميدان العقاري، وذلك بهدف تحصين المعاملات العقارية بأكبر عدد ممكن من الضمانات نظرا لأهمية الملكية العقارية في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية[10].  

وعلى هذا الأساس، فالمحرر الذي يصدر عن الموثق تتجلى ضماناته في ضوابط تحريره وما ينبغي أن يحتوي عليه هذا المحرر من بيانات موضوعية أو شكلية أو إجراءات تصاحب تحريره،فالموثق يكون ملزما بضرورة التأكد تحت مسؤوليته من هوية الأطراف وصفاتهم وإسداء النصح للأطراف وإخبارهم بشأن كل ما يعلمه في موضوع عقودهم وعن آثار هذه العقود، وذلك لحماية أصحاب الحقوق الأصليين وقطع الطريق أمام المتلاعبين وبالتالي تحقيق الأمن التوثيقي، كما أنه ملزم من التأكد من الوضعية القانونية للعقار وذلك بتحديده تحديدا كافيا من الناحية المادية والقانونية سواء كان العقار غير محفظ أو محفظ أو في طور التحفيظ.

كما يتعين على الموثق عندما يكون موضوع التفويت عقارا محفظا أن يتعرف على مدى قابليته للتفويت أو كونه مثقلا برهن أو محجوز عليه…. وهكذا جاء في قرار للمجلس الأعلى ما يلي[11]: ” تكون المحكمة قد بنت قرارها على أساس لما ثبت لها أن الموثق الذي أنجز عقد بيع لم يقم بتسجيله في المحافظة العقارية لكونه مثقلا بحجز تحفظي لفائدة الغير وقضت بمواجهته شخصيا.. “.

هذا ويتحمل الموثق مسؤولية الأضرار المترتبة عن أخطائه المهنية والأخطاء المهنية للمتمرنين لديه وأجرائه وفق قواعد المسؤولية المدنية، بل ويتحمل الموثق مسؤولية كل ما يضمنه في العقود والمحررات من تصريحات وبيانات يعلم مخالفتها لحقيقة أو كان بإمكانه معرفتها أو العلم بها[12].

أما عن بقية الواجبات وما يجب على الموثق وما يمنع عليه، فقد أسهبت في ذكرها المواد من 25 إلى 34 من قانون التوثيق.

وعليه، فالوثيقة التي يحررها الموثق وفقا للمقتضيات أعلاه تكتسب الصبغة الرسمية المقررة في ق.ل.ع تبدأ من تاريخ توثيق العقد، وذلك فور آخر توقيع للأطراف، وفي هذا الإطار يجب على الموثق كتابة تاريخ وساعة التوثيق وكذا توقيع الأطراف لكون أن هذا يؤكد حضور الأطراف أمام الموثق.

فالمحرر الذي يصدر عن الموثق تتجلى ضماناته في ضوابط تحريره كتابة لتحقيق الأمن التعاقدي والتوثيقي، وما ينبغي أن يحتوي عليه من بيانات موضوعية أو شكلية أو إجراءات تصاحب تحريره، وقد نص على ذلك قانون التوثيق في مجموعة من المواد (من 36 إلى 44) ولما لحفظ العقود وتسليم النظائر والنسخ فقد نص عليها في المواد (50 إلى 58) باعتبارها أهم تجليات الأمن التوثيقي لدى الموثق العصري.

نخلص للقول، بأن القانون المتعلق بمهنة التوثيق رقم 32.09 يعتبر مؤسسة قانونية من شأنها أن تنتج لنا وثيقة رسمية سليمة من حيث الشكل والمضمون، قادرة على إثبات الحقوق، وحماية أموال الناس من الضياع والحد من المنازعات والخلافـات وتحقيق استقرار المعاملات العقارية، والرقي بها إلى مستوى الاطمئنان، وبالتالي توفير الأمن القانوني للمتعاقدين في مجال العقار، مما يشكل حماية فعالة لحق الملكية المضمون بموجب الدستور المغربي[13]، كما يعتبر هذا الأخير بمثابة القاعدة والأساس إلى جانب

خطة العدالة والأرضية الملائمة للقانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية.

أما بالنسبة للتوثيق العدلي، فمما لا شك فيه أنه يكتسي أهمية بالغة في الحياة العملية للأفراد لما يوفره من ضمان وحماية للمصالح والحقوق، كما يعد أحد الركائز الأساسية في المنظومة التوثيقية المغربية، والذي يعتبر إلى حد ما هو الملاذ الوحيد الذي يطمئن إليه المواطن المغربي في توثيق معاملاته المدنية والشخصية، فالتوثيق العدلي مؤسسة قانونية لا يمكن الاستغناء عنها، وقد نظمها المشرع المغربي بمقتضى قانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة.

حيث تتجلى أهميته وخصوصيته في كونه يجمع بين أحكام الشهادة وأحكام الكتابة، وفي الضمانات القوية التي يقدمها للمتعاقدين والغير، والحماية اللازمة التي يوفرها للمتقاضين والدور الفعال الذي يقوم به في حفظ الحقوق والأعراض والأموال والأنساب والخدمات الجليلة التي يقدمها للقضاء، إلا أن هذا يبقى رهينا بمدى احترام الوثيقة العدلية لمجموعة من المقتضيات، سواء على مستوى البيانات التي يجب أن تتوفر فيها، وكذا على مستوى مراحل تأسيسه[14].

فالمحرر العدلي يبدأ بالتلقي والأصل فيه أن يكون ثنائيا من العدلين، والاستثناء أن يكون فرديا كما نصت على ذلك المادة 27 من القانون رقم 16.03، ويجب على العدول عند التلقي التقيد بحدود الاختصاص المكاني داخل دائرة المحكمة المنتصبين فيها، باستثناء ما أوردته المادة 14 في فقرتها الأخيرة من خطة العدالة والتي أجازت في حالة الظروف القاهرة تلقي الوصية المتعلقة بعقار بمكان وجود الموصي، وذلك بعد الحصول على إذن القاضي[15].

ونظرا لأهمية المحررات العدلية في الحفاظ على الحقوق وضع المشرع جملة من الالتزامات على عاتق العدل،ومن جمله هذه الالتزامات التحلي بالأمانة والوقار والأخلاق والحياد واحترام شرف المهنة

وكتمان السر المهني وأسرار المتعاقدين….الخ.

وهكذا يلتزم العدول بتوثيق المعاملات العقارية سواء كانت محفظة أو غير محفظة أو في طور

التحفيظ، أي أن العدول لهم صلاحية توثيق كل التصرفات العقارية، والمادة الرابعة تؤكد ذلك بصراحة، ودعما للأمن التوثيقي خص المشرع العدول بمجموعة من الضوابط لتحرير الوثيقة، حيث لا بد من كتابتها بألفاظ واضحة لا غموض فيها ولا إشراك ولا عموم ولا إطلاق .كما ينبغي التحفظ والحذر مما قد يسهل تزوير الوثيقة بعد تحريرها وضبط الأسماء التي يمكن أن تنقلب بإجراء تغيير على حروفها، إضافة إلى ذلك لا ينبغي ترك بياض أو فراغ بين كلمات الوثيقة مع بعضها البعض كما ينبغي تجنب الإقحام والبتر والضرب، كما خص المشرع الوثيقة العدلية بمقتضيات واجب على العدل احترامها فهي مراحل لا تستغني إحداها عن الأخرى، ومن تم يعتبر تلقي الشهادة هو اللبنة الأولى في إنجاز الوثيقة العدلية ويقصد به سماعها من طرف عدلين منتصبين للإشهاد ومختصين زمانيا ومكانيا ووسيلة التلقي هي مذكرة الحفظ.

هذا وتخضع الوثيقة العدلية لرقابة القاضي المكلف بالتوثيق، حيث يخاطب هذا الأخير على الشهادات بعد إتمام الإجراءات اللازمة، والتأكد من خلوها من النقص، وسلامتها من الخلل، وذلك بالإعلام بأدائها ومراقبتها[16].

يتضح من خلال ما سبق، أن العقد الرسمي سواء المحرر من طرف الموثقين أو العدول، يعتبر أكثر ضامن  للحقوق من غيره، إذ أن الضمان وحفظ الحقوق هو الهدف الأساسي من التوثيق، وهذا ما يصعب تحقيقه في إطار المحررات العرفية التي لا تخضع لأي رقابة قانونية، وحتى الجهات المكلفة بتصحيح إمضاء المتعاقدين، فإنها تبرئ نفسها من مضمون المحرر العرفي ومن كل التزام بشأنه، وبالتالي يبقى ضمان الحق معلقا.

لذا وجب التفكير جليا في إدماج النظامين التوثقيين العدلي والعصري، وذلك بغض النظر عن

نقاط الاختلاف[17]، لأن السر يكمن في التوحيد بينهما، ما دامت المؤسستان تتحدان في إضفاء الرسمية على العقود.

المحور الثاني: أهمية المحرر الرسمي ودوره في استقرار المعاملات

لقد نص المشرع المغربي على ضرورة توثيق التصرفات العقارية بموجب محرر رسمي أو ثابت التاريخ، ولعل إقدامه على ذلك لم يأت من فراغ، وإنما لما تتمتع به تلك المحررات في الإثبات سواء بين أطراف العلاقة التعاقدية أو في مواجهة الغير.

فالمحررات الرسمية التي حررت بطرق صحيحة ووفق الإجراءات الشكلية المتطلبة قانوناً، تثبت لها صفتها تلك وتصبح وفقا لذلك وحسب مقتضيات الفصل 419 من ق.ل.ع حجة بذاتها دون حاجة إلى الإقرار بها، بل الأكثر من ذلك أنها تكتسب الصفة الرسمية التي تجعلها قرينة قاطعة لا يجوز إثبات عكسها إلا عن طريق الزور الفرعي.

غير أن المحررات المذكورة تختلف من حيث الجهة التي كلفت بتحريرها، إذ هناك تلك الموثقة من طرف العدول، وهناك الموثقة من قبل الموثقين، الأمر الذي يطرح إشكالا حول حجية هذه المحررات في الإثبات والتنفيذ.

انطلاقا من ذلك، سأخصص هذا المحور للحديث عن حجية المحررات الرسمية أولا، والطعن في الورقة الرسمية في ثانيا.

أولا: حجية المحررات الرسمية

إن المحرر الرسمي الذي تم تحريره وفق الإجراءات الشكلية والضوابط والأحكام القانونية المحددة في القانون رقم 32.09 المنظم لمهنة التوثيق والقانون رقم 16.03المنظم لخطة العدالة، تحوز الصفة الرسمية وتصبح بذلك حجة على كافة الناس سواء أطراف العقد أو الأغيار إلى أن يطعن فيها بالزور.

وقد نص على هذا المقتضى الفصل 419 من ق.ل.ع الذي ورد فيه: ” الورقة الرسمية حجة قاطعة، حتى على الغير في الوقائع والاتفاقات التي يشهد الموظف العمومي الذي حررها بحصولها في محضره وذلك إلى أن يطعن فيها بالزور.

إلا أنه إذا وقع الطعن في الورقة بسبب إكراه أو احتيال أو تدليس أو صورية أو خطأ مادي، فإنه يمكن إثبات ذلك بواسطة الشهود وحتى بواسطة القرائن القوية المنضبطة المتلائمة دون احتياج إلى القيام

بدعوى الزور.

ويمكن أن يقوم بالإثبات بهذه الكيفية كل من الطرفين أو الغير الذي له مصلحة مشروعة.

ويبقى التساؤل مطروحا هنا، بخصوص المحررات الرسمية الأجنبية، هل لها نفس القوة الثبوتية التي تتمتع بها المحررات الرسمية الوطنية؟.

هذا التساؤل يجيب عليه الفصل 418 من ق.ل.ع الذي أضفى طابع الرسمية عليها من حيث ما ورد فيه: ” الورقة الرسمية هي التي يتلقاها الموظفون العموميون الذين لهم صلاحية التوثيق في مكان تحرير العقد، وذلك في الشكل الذي يحدده القانون.

وتكون رسمية أيضا:

1 – الأحكام الصادرة عن المحاكم المغربية والأجنبية…….”.

كما أن الفصل 432 من قانون المسطرة المدنية يشير إلى أنه: ” تكون العقود المبرمة بالخارج أمام الضباط والموظفين العموميين المختصين أيضا قابلة للتنفيذ بالمغرب بعد إعطائها الصبغة التنفيذية ضمن الشروط المقررة في الفصول السابقة “.

ويعتبر الدليل الكتابي سيد أدلة الإثبات في القانون المغربي، لأنه يوفر عدة ضمانات لإطراف من أهمها ضبط الحقوق القائمة والمتبادلة قبل وقوع النزاع ثم أن الكتابة لا تكون عرضة للتزوير كما هو حال شهادة الشهود وغيرها من الأدلة.

وبالتالي ألزم المشرع الأطراف – كما رأينا – بتوثيق التصرفات العقارية في المحررات الرسمية، وهي

نقطة تحسب للمشرع نظرا لما تتمتع به هذه المحررات من حجية الإثبات سواء بين أطراف العلاقة التعاقدية وكذا بين الغير.

وما انطبق على حجية المحررات الرسمية في الإثبات، ينطبق على حجية المحررات في التنفيذ، لكن التشريعات المقارنة اعتبرت المحررات الرسمية سندات تنفيذية تخول لذوي الشأن حق اللجوء مباشرة إلى مصلحة التنفيذ قصد تحصيل حقوقهم دون الحاجة لاستصدار حكم قضائي بذلك. فالمشرع الفرنسي فوض أمر تسليم الصور التنفيذية للموثق، وهو نفسه الموقف الذي عبر عنه المشرع المصري في قانونه المدني، إذ نجده ينص في المادة الثانية من قانون التوثيق العصري على ما يلي: ” إن مكاتب التوثيق تقوم بما يأتي:

وضع الصبغة التنفيذية على صور المحررات الرسمية الواجبة التنفيذ “، وأكدت التشريعات أعلاه طرحها بنصوص قانونية في قوانينها التنظيمية، ويتجلى ذلك في الفصل 502 من قانون المسطرة المدنية الفرنسي الجديد[18]، وكذا في الفصل 280 من قانون المرافعات المصرية[19].

إلا أن قانون المسطرة المدنية المغربي لم يتعرض لمسألة التنفيذ الجبري بواسطة محررات الموثقين، وبالتالي فإنه على أصحاب المحررات الرسمية الصادرة عن الموثقين اللجوء إلى القضاء لاستصدار الأحكام من أجل التنفيذ.

وعموما، فالمشرع لم يعط المحررات الرسمية الصبغة التنفيذية سواء في قانون 32.09 أو في قانون 16.03 أو في قانون المسطرة المدنية، إذ لا بد لأصحاب المحررات الرسمية من اللجوء إلى القضاء لاستصدار حكم قضائي بتنفيذ العقد، فإذا كان المحرر الرسمي لا يخول صاحبه تنفيذه مباشرة إلا أنه يعد دليلا من شأنه حفظ حقوق أصحابها في حالة نشوب نزاع.

هكذا، فإن إقرار رسمية العقود في التصرفات العقارية من خلال المادة 4 من مدونة الحقوق العينية يتماشى مع ما هو مقرر في أغلبية الأنظمة العقارية المقارنة فضلا عن مزاياه من توفير الأمن القانوني للمتعاقدين بحيث يشكل حماية فعالة لحق الملكية المنصوص عليها دستوريا، كما يساهم إقرار الرسمية في استقرار المعاملات والرقي بها إلى مستوى الثقة والاطمئنان الذي يساهم في تشجيع الاستثمار العقاري والتنمية الاقتصادية.

كما يساهم في التقليل من المنازعات والمشاكل التي تثقل كاهل القضاء بسبب العقود العرفية، وتوحيد وسائل الإثبات في مجال المعاملات العقارية والحد من ظاهرة التهرب أو التملص من أداء

الضرائب والرسوم، وبالتالي الحفاظ على حقوق الخزينة[20].

ومواكبة من المشرع للتقنيات التكنولوجية الحديثة في إبرام العقود العقارية عمل على إصدار القانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية[21]، بحيث عادل في مادته الأولى بين الوثائق المحررة على الورقة ومثيلتها المنجزة على دعامة إلكترونية، واستثنى بعض التصرفات من الخضوع لهذا النظام لكن لا توجد من بينها التصرفات العقارية وهي  كالتالي:

  • التصرفات المتعلقة بمدونة الأسرة.
  • المحررات العرفية المتعلقة بالضمانات الشخصية أو العينية ذات الطابع المدني أو التجاري

باستثناء المحررات المنجزة من شخص لأغراض مهنته.

لا شك أن توحيد أحكام توثيق التصرفات العقارية سواء تعلقت بعقار محفظ أو غير محفظ في المحررات الرسمية أو الثابتة التاريخ سيساهم في تحقيق الأمن القانوني والقضائي من خلال تبسيط وشفافية المحررات وإزالة ما كان يكتنفها من غموض وإبهام وخلط وتأويل سواء في الصياغة أو المضمون

شكلا وجوهرا.

ولعل هاجس المشرع المغربي من إقراره لهذا المبدأ، هو توفير أكبر حماية ممكنة للملكية العقارية سواء تعلق الأمر بالعقارات أو الحقوق العينية بعدما كانت تتسم بعدم الاستقرار والتعقيد وعدم الدقة.

فالمحررات الرسمية الصادرة عن الموثقين أو العدول التي تم تحريرها وفق الشكليات والضوابط القانونية تكتسب صفة الرسمية وتصبح حجة قاطعة في الإثبات، ولا يمكن الطعن فيها إلا بالزور.

كما أن المحررات الصادرة عن المحامين المقبولين للترافع أمام محكمة النقض والتي اعتبرها المشرع ثابتة التاريخ لما سنها أيضا من أجل تفادي إشكالات المحررات العرفية في المجال العقاري حيث كانت تصيب المتعاقدين بالإحباط وتخيب آمالهم في كثير من الأحيان، خصوصا عندما يبادر أحد الأطراف إلى تحرير العقود بأنفسهم أو يوكلوا أمر تحريرها إلى أحد الأغيار وربما لا تتوفر فيهم شروط ومؤهلات تحرير العقود مما كان يؤدي إلى كثرة المنازعات داخل الساحة القضائية.

ثانيا: الطعن في المحررات الرسمية

يعتبر المحرر الرسمي الصادر عن الموثقين حجة قاطعة فيما بين المتعاقدين أو في مواجهة الغير ولا يمكن الطعن فيها إلا بالزور وفق ما هو منصوص عليه في الفصل 419 من ق.ل.ع[22].

فالطعن بالزور يعد وسيلة من وسائل الحماية المقررة قانونا، كما يعد ضمانة من الضمانات المقررة للمحررات الكتابية في إطار ما يسمى بالرقابة اللاحقة على الوثائق، فمن خلاله يمكن معرفة مدى صحة المحرر من عدمه، ومدى التقيد بالإجراءات والشروط التي وضعها المشرع للموثق وهو بصدد إنجاز المحررات الكتابية.

وقد عرف المشرع المغربي التزوير في الفصل 351 من القانون الجنائي بأن: ” تزوير الأوراق هو تغيير الحقيقة فيها بسوء نية تغييرا من شأنه أن يسبب ضررا متى وقع في محرر بإحدى الوسائل المنصوص عليها في القانون “.في حين نجد أن قانون المسطرة المدنية لم يتطرق إلى تعريف لدعوى الزور الفرعي، إلا أن هناك مجموعة من التعاريف الفقهية، نذكر منها التعريف الذي أورده أحد الفقه[23] والذي اعتبر ” الزور أو التزوير هو تغيير الحقيقة في محرر بإحدى الطرق التي بينها القانون تغييرا من شانه أن يسبب ضررا للغير “.كما عرفه آخر[24] على أنه ” مجموع الإجراءات التي يقتضي إتباعها لإثبات التزوير في الأوراق سواء كانت رسمية أم عادية”.

وبالرجوع إلى النصوص القانونية المنظمة للزور الفرعي في ق.م.م، نجد أن المشرع المغربي لم يحدد

طبيعته القانونية، الأمر الذي ترتب عنه اختلاف فقهي بهذا الخصوص، نتج عنه بروز ثلاثة اتجاهات فقهية متعارضة، بين رأي[25] قائل بأن الزور الفرعي هو طلب عارض، ورأي[26] آخر قائل بأنه دفع موضوعي، واتجاه

ثالث[27] له موقف وسط، ويرى أصحابه بأن دعوى الزور الفرعي هي ذات طبيعة مزدوجة.

فدعوى الزور الفرعي يمكن أن تكون موضوعا لدعوى عمومية تثار أمام المحكمة الزجرية المختصة لعقاب المزورين وشركائهم، وإما أن تكون موضوعا لدعوى مدنية الهدف منها إثبات تزوير المحرر العرفي أو الرسمي، وتهدم حجيته في الإثبات. هذا وتجدر الإشارة إلى أنه بعض التشريعات[28]  تأخذ بنوع ثالث

من دعاوى الزور وهي دعوى الزور الفرعي الأصلية المدنية وهي التي لا يأخذ بها المشرع المغربي.

وقد نظم المشرع المغربي القواعد المنظمة لمسطرة دعوى الزور الفرعي إلى جانب مسطرة تحقيق الخطوط في الفرع السادس من الباب الثالث من القسم الأول في الفصول من 92 إلى 102 من ق.م.م.

وإذا كان المشرع المغربي قد نظم هاتين المسطرتين وذلك لوجود أوجه تشابه بينهما[29]، فإن ذلك لا يمنع من وجود أوجه اختلاف متعددة بينهما تتمثل أساسا في أن نطاق الزور الفرعي أعم من تحقيق الخطوط، ذلك أنه إذا كان بالإمكان إثارة الزور  الفرعي حتى بالنسبة للمحررات العرفية، فإن تحقيق الخطوط ينحصر استعماله بالنسبة لهذا النوع الأخير من المحررات لا غير.

وعلى العموم، فإن ممارسة دعوى الزور الفرعي يتطلب ضرورة مراعاة مجموعة من الشروط

والإجراءات وإن كانت تخضع لنفس الشروط والإجراءات المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية والمحددة لقبول الدعوى بصفة عامة، فإن هناك شروطا خاصة يلزم مراعاتها لقبول دعوى الزور الفرعي[30].

أما بخصوص الإجراءات المسطرية لسلوك دعوى الزور الفرعي، فتبتدئ بتقديم الادعاء بالزور الفرعي في المحرر الرسمي بصفة صريحة إلى المحكمة التي لها:

إما أن تعتبر الفصل في الدعوى لا يتوقف على المستند المدعى فيه بالزور، فتصرف النظر عن هذا المستند، ولا تعتمده في البت في الدعوى، وبهذا تتوقف إجراءات الادعاء بالزور.

وإما أن تعتبر أن الفصل في الدعوى يتوقف على المستند المدعى فيه بالزور، فتوجه إنذارا للخصم الذي قدم المستند ليصرح بما إذا كان يريد استعمال المستند أم لا[31].

والخصم الذي توجه له المحكمة إنذارا بما إذا كان يريد استعمال المستند أم لا إما:

أن يصرح بأنه يتخلى عن استعمال المستند المطعون فيه بالزور، وهو في هذه الحالة غير ملزم بتبرير موقفه، بحيث يكتفي بتصريحه دون مطالبته بتقديم تعليل، أو لا يصرح بشيء بعد ثمانية أيام من الإنذار

فيفسر بأنه تخلى عن استعمال المستند[32].

وفي كلتا الحالتين تستمر المحكمة في النظر في النزاع ودون الاعتماد على ذلك المستند في الإثبات.

وإما أن يصرح الطرف الذي وقع إنذاره أنه يريد استعمال المستند، فتوقف المحكمة الفصل في الطلب الأصلي وتأمر بإيداع أصل ذلك المستند داخل أجل ثمانية أيام بكتابة الضبط، وإلا اعتبر الطرف

الذي أثار زورية المستند قد تخلى عن استعماله (الفصل 93 من ق.م.م).

وعليه، فإذا تكونت القناعة للقاضي بعدم صحة الطعن بالتزوير بعد استنفاد إجراءات التحقيق يقضي  برفض دعوى التزوير وصحة المحرر المدعى بتزويره، يصدر على أساس ذلك حكما تختلف آثاره تبعا لاختلاف الدعوى، أصلية كانت أو فرعية أو جنائية أو مدنية، وتأخذ به المحكمة في الإثبات وتحكم بغرامة مدنية بين 500 و 1500 درهم، دون مساس بالتعويضات والمتابعات الجنائية (الفصل 98/2 من ق.م.م).

 أما إذ انتهت المحكمة إلى عدم ثبوت الزور فإنها تقضي بذلك وتعتبر السند غير صحيح ولا يبقى لمدعي الزور أن يثيره بعد ذلك إذا ظهرت له أسباب أخرى لم يكن قد طعن فيها من قبل ولم يشملها الزور الفرعي.

من هنا، يتضح بجلاء مدى الأهمية التي تحظى بها مسطرة الطعن بالزور الفرعي، باعتبارها وسيلة قانونية للتخفيف من آثار الحجية القطعية للمحرر الرسمي، والتي قد تجرده من حجيته في الإثبات إذا ما ثبت زوريته، وبالتالي استبعاده كوسيلة إثبات.

لذلك، فإن تدخل المشرع بوضع مسطرة صارمة، وفرضه لغرامات وعقوبات حبسية على مرتكب الزور، سيشكل لا محالة حماية للمحررات الرسمية من جهة، وتحقيق ضمانات مهمة لمستهلك خدمة التوثيق من جهة أخرى، وبالتالي تحقيق الأمن التوثيقي في عقود التصرفات العقارية بحماية الشكلية والضوابط المنصوص عليها قانونا.


[1]القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.178 صادر في 25 من ذي الحجة 1432(22 نوفمبر 2011)، الجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 27 ذو الحجة 1432 (24 نوفمبر 2011)، ص: 5587.

[2] – عرف المشرع المغربي الورقة الرسمية من خلال الفصل 418 من ق.ل.ع على أنها: ” الورقة الرسمية هي التي يتلقاها الموظفون العموميون الذين لهم صلاحية التوثيق في مكان تحرير العقد وذلك في الشكل الذي يحدده القانون…… “.

[3] – تنص المادة 106 من مدونة الحقوق العينية على ما يلي : ” تنعقد العمرى بالإيجاب والقبول. يجب تحت طائلة البطلان أن يبرم عقد العمرى في محرر رسمي.  لا تشترط معاينة الحوز لصحة عقد العمرى”.

[4]  – تنص المادة 268 من مدونة الحقوق العينية على ما يلي : “يجب أن يبرم عقد المغارسة في محرر رسمي، ويشترط لصحته أن يعين نوع الشجر المراد غرسه ويبين حصة الغارس في الأرض وفي الشجر”.

[5] – تنص الفقرتين الأولى والثانية من المادة 274 من مدونة الحقوق العينية على ما يلي : “تنعقد الهبة بالإيجاب والقبول. يجب تحت طائلة البطلان أن يبرم عقد الهبة في محرر رسمي”.

[6] – تنص المادة 25 من مدونة الحقوق العينية على ما يلي : “يتلقى العدول الإشهاد على الوقف”.

[7] – الظهير الشريف رقم 1.11.179 صادر في 25 من ذي الحجة 1432 (22 نونبر 2011) بتنفيذ القانون رقم 32.09 المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5998، 27 ذي الحجة 1432، (24 نونبر 2011)، ص: 5611.

[8] – الظهير الشريف رقم 1.06.56صادر في 15 من محرم 1427 (14 فبراير 2006) بتنفيذ القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5400، 02 مارس 2006.

[9] – المرسوم رقم 2.08.378 الصادر في 28 من شوال 1429 (28 أكتوبر 2008) بتطبيق أحكام القانون 16.03 المتعلق بخطة العدالة، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5687، بتاريخ 01 ديسمبر 2008.

[10] – عبد المجيد غميجة، ” أبعاد الأمن التعاقدي وارتباطاته ” عرض مقدم في اللقاء الدولي حول ” الأمن التعاقدي وتحديات التنمية ” المنظم من طرف اللجنة الوطنية للموثقين بالصخيرات، يومي 17 و 19 أبريل 2014، ص: 12.

[11] – قرار المجلس الأعلى عدد 823 في الملف المدني عدد 2008/5/1/3987 الصادر بتاريخ 23 فبراير 2010، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد 73، ص: 100.

[12] – عبد المجيد الكتاني، ” توثيق التصرفات العقارية في التشريع المغربي – مركزه وضماناته – ” مجلة القبس المغربية للدراسات القانونية والقضائية، ملف العدد: نظام التوثيق بالمغرب في ضوء مستجدات القانون 32.09 والقانون 39.08 والقوانين ذات الصلة ” العدد الخامس، يوليوز 2013، ص: 142.

[13] – انظر الفصل 35 من دستور المملكة لسنة 2011 .

[14] – محمد الربيعي، ” الأحكام الخاصة بالموثقين والمحررات الصادرة عنهم – دراسة على ضوء التوثيق العدلي والتوثيق العصري ” المطبعة والوراقة الوطنية، الطبعة الأولى، دون ذكر سنة الطبع، مراكش، ص: 167.

[15]نرى في هذا الصدد أنه إذا كان هذا الاستثناء يبدو إيجابيا في ظاهره، إلا أنه يبقى غامضا من حيث مفهوم ” الظرف القاهر “، فهل سلطة تقديره تعود للعدول أم للقاضي المانح للإذن؟ بالإضافة إلى أن اشتراط الإذن ليس منطقيا ولا يتناسب وحالة الظروف القاهرة التي يوجد عليها الموصي، لأن الإذن قد يحتاج إلى وقت طويل من أجل إجراء التحريات، كما قد يتزامن مع يوم العطلة، ما قد يفوت على المعني بالوصية فرصة محققة، مما يحتم التدخل لمواكبة السرعة المتطلبة وجب استبعاد اشتراط الإذن.

[16] – للتوسع في ضوابط الوثيقة العدلية، يراجع:- عبد السلام الزياني، ” شروط الموثق وضوابط تحرير الوثيقة العدلية ” مساهمة ضمن أشغال ندوة ” توثيق التصرفات العقارية ” التي نظمها مركز الدراسات القانونية المدنية والعقارية بكلية الحقوق، جامعة القاضي عياض بمراكش، يومي 11 و 12 فبراير 2005، سلسلة الندوات والأيام الدراسية، العدد 23، الطبعة الثانية، ص: 291 وما يليها.

[17]  تجدر الإشارة إلى نقاط الاختلاف بين التوثيق العصري والتوثيق العدلي تكمن في كون هذا الأخير يكون فيه التلقي الثنائي، بينما يكون فرديا في التوثيق العصري. إلى جانب كون الوثيقة الصادرة عن الموثق تكتسي صبغة الرسمية بمجرد توقيع الموثق، في حين أن اكتساب الوثيقة العدلية للصبغة الرسمية رهينة بخطاب قاضي التوثيق عليها.

[18]  – Art So2 «  Nul g écrèment, nul ne peut être mis a exécution que suer présentation d’une expédition revêtue la formule exécutoire, aimions que la loi n’en dispose autrement ».

[19] – ينص الفصل 280 من قانون المرافعات المصري على أنه: ” لا يجوز التنفيذ الجبري إلا بسند تنفيذي، اقتضاء لحق محقق الوجود، ومعين المقدار، وحال الأداء، والمستندات التنفيذية في الأحكام، الأوامر، المحررات الموثقة، ومحاضر الصلح والأوراق الأخرى التي يعطيها القانون هذه الصفة “.

[20] – محمد كبوري ، ” قراءة في المادة 4 من مدونة الحقوق العينية ” مجلة الحقوق، الإصدار الخامس، سلسلة الأنظمة والمنازعات العقارية، مطبعة المعاريفالجديدة، 2012، الرباط، ص: 76 – 77.

[21]ظهير شريف رقم 1.07.129 صادر في 19 من ذي القعدة 1428 (30 نوفمبر 2007) بتنفيذ القانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، الجريدة الرسمية عدد 5584 بتاريخ 25 ذو القعدة 1428 (6 ديسمبر 2007) ص: 3879.

[22] – ينص الفصل 419 من ق.ل.ع على ما يلي: ” الورقة الرسمية حجة قاطعة حتى على الغير في الوقائع والاتفاقات التي يشهد الموظف العمومي الذي حررها بحصولها في محضره وذلك إلى أن يطعن فيها بالزور “.

[23] – فتحي والي، ” الوسيط في قانون القضاء المدني ” الطبعة الثانية، دون ذكر سنة الطبع، ص: 594.

[24] – إدريس العلوي العبدلاوي، ” وسائل الإثبات في التشريع المدني المغربي ” الجزء الأول، مطبعة فضالة، الطبعة الأولى 1977، المحمدية، ص: 78.

[25] – بخصوص الاتجاه الأول القائل بأن الزور الفرعي طلب عارض، ينبغي تقديمه في شكل مقال أو تصريح شفوي أمام كتابة الضبط مع ضرورة تضمين المقال البيانات اللازمة قانونا.

ومن تم فمدعي الزور الفرعي حسب هذا الرأي يكون ملزما بتقديم طلب عارض، لأن مدعي الزور لا يقف عند تفادي الحكم عليه بمطلوب خصمه، بل إلى طلب إهدار وإسقاط حجية الدليل حتى لا يتمسك به خصمه في مواجهته.

ويؤسسون موقفهم على الفصل 94 من ق.م.م الذي اعتبر قضايا الزور الفرعي من بين الدعاوى الواجب تبليغها إلى النيابة العامة وبالتالي اعتبرها دعوى. كما يؤيدون موقفهم بمقتضيات الفصل 421 من ق.ل.ع الذي يقضي بأنه في حالة تقديم دعوى الزور الأصلية، يوقف تنفيذ الورقة المطعون فيها بالزور بصدور قرار الاتهام، أما إذا كان قرار الاتهام لم يصدر أو وقع الطعن بالزور بدعوى فرعية، فللمحكمة وفقا لظروف الحال أن توقف مؤقتا تنفيذ الورقة.

– أحمد أبو الوفا، ” نظرية الأحكام في قانون المرافعات ” منشاة المعارف، الطبعة الثالثة 1977، الإسكندرية، ص: 467.

[26] –  أما الاتجاه الثاني الذي يذهب في تحديد طبيعة دعوى الزور بأنها عبارة عن دفع موضوعي يتعلق بمجموع الإجراءات التي يجب على مدعي الزور إتباعها لإثبات زورية الدليل الكتابي الذي يستند إليه خصمه في الدعوى القائمة، ويؤسس هذا الرأي موقفه على الهدف الذي يسعى إليه المتمسك بدعوى الزور، الذي يتجلى في استبعاد الدليل الكتابي الذي يستند عليه خصمه في الدعوى القائمة، فهي بذلك لا تعدو أن تكون جزءا من إجراءات التحقيق كشهادة الشهود والخبرة. 

– محمد المنجي، ” دعوى التزوير الفرعية في المواد المدنية من التقرير بالتزوير إلى الطعن بالنقض ” منشأة المعارف الإسكندرية، الطبعة الأولى 1992، ص:121.

– الطيب الفصايلي، ” الوجيز في القانون القضائي الخاص ” الجزء الثاني، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الثالثة 1999، الدار البيضاء، ص: 85.  

[27] – أما الاتجاه الثالث الذي له موقف وسط، يرى بأن دعوى الزور الفرعي هي ذات طبيعة مزدوجة، فالقول حسب رأيهم بأنها طلب عارض على إطلاقه يصطدم بجواز رفع هذه الدعوى للمرة الأولى أمام محكمة الدرجة الثانية طبقا لما جاء في الفصول 92 إلى 99 من ق.م.م، كما أن الرأي القائل بان دعوى الزور الفرعي دفع موضوعي على إطلاقه يتعارض مع صراحة الفصل 94 من ق.م.م، ثم إن المشرع المغربي ينص صراحة في الفصل 378 من نفس القانون على أن طلب الزور الفرعي يقوم أمام محكمة النقض بواسطة مقال مكتوب، وهي شكلية متطلبة بالنسبة للطلبات العارضة دون الدفوع الموضوعية.

– جواد بوكلاطة، ” الطبيعة القانونية لدعوى الزور الفرعية في التشريع المغربي والمقارن ” مطبعة النجاح الجديدة، طبعة 2005، الدار البيضاء، ص: 92.

[28] – كالمشرع المصري الذي جاء في الفصل 59 من قانون إثباته على أنه: ” يجوز لمن يخشى الاحتجاج عليه بمحرر مزور أن يختصم من بيده ذلك المحرر ومن يفيد منه لسماع الحكم بتزويره ويكون ذلك بدعوى أصلية ترفع بالأوضاع المعتادة “.

[29] – تتجلى أوجه التشابه بين الإجراءين في أن:

– كلاهما مسطرتان فرعيتان.

– وحدة الهدف المتمثل في الوصول إلى حقيقة مجسدة في إثبات صحة أو عدم صحة المحرر المطعون فيه.

– وحدة طرق الإثبات المتمثلة في التحقيق بواسطة السندات أو شهادة الشهود أو الخبرة.

– وحدة النتيجة التي تتجسد في: إما رفض الادعاء أو الدفع بالإنكار في حالة عدم ثبوته وبالتالي عدم صحة المحرر وتجريده من كل أثر.

– عدم جواز الحكم في الادعاء الفرعي بالزور أو بتحقيق الخطوط وموضوع الدعوى الأصلية،  بل يتعين أن يكون القضاء في الادعاءين سابقا على الحكم في موضوع الدعوى.للتوسع أكثر، يراجع:

– جواد بوكلاطة، ” الطبيعة القانونية لدعوى الزور الفرعية في التشريع المغربي والمقارن ”  مرجع سابق، ص: 50 – 51.

[30] – يشترط لقبول دعوى الزور الفرعي حسب مقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 92 من ق.م.م ما يلي:

1 – أن يتم الادعاء بأن المحرر المودع أو المعلن أثناء الخصومة مزور.

2 – أن يتم الادعاء بالزور في دعوى أصلية قائمة.

3 – أن يكون الادعاء بالزور منتجا في النزاع.

[31] – انظر الفصل 92 من ق.م.م.

[32]تجدر الإشارة إلى أن البعض ذهب إلى أن الفقرة الثانية من الفصل 92 من ق.م.م تشكل ثغرة خطيرة تمكن الجناة من الإفلات من العقاب، فإنذار القاضي صاحب المحرر المدني بالزور للتعرف عما إذا كان يريد استعماله أم سحبه من شأنه حسب هذا الرأي تشجيع الجناة على تقديم محرراتهم المزورة، طالما أن بإمكانه سحبها متى شعروا بقرب انكشاف جرمهم وافتضاح أمرهم.

إقرأ أيضاً

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي Constitutional control and …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *