التعرض على مطلب التحفيظ: إشكال الاختصاص القضائي

 

التعرض على مطلب التحفيظ: إشكال الاختصاص القضائي

   إدريسي قيطوني مهدي – إطار بالمحافظة العقارية                        

                 ماستر في القانون المدني

 

التعرض على مطلب التحفيظ إجراء إداري لمطالبة قضائية باستحقاق حق عيني موضوعه عقار في طور التحفيظ.

وخصوصية الشق المتعلق بالمطالبة القضائية جلية في ظهير التحفيظ العقاري ، خصوصية أكدها العمل القضائي  سواء من حيت انعقاد الاختصاص لمحكمة التحفيظ [1]، أو من حيث آليات البت و صلاحيات المحكمة ، إلا أننا سوف نقتصر البحث في الجوانب المرتبطة بانعقاد الاختصاص لمحكمة التحفيظ حيث سوف نبلور ذلك في شقين، نخصص الأول منهما لكيفية وضع محكمة التحفيظ يدها على الخصومة واختصاص هذه المحكمة (المبحث الأول ) على أن نتطرق بعد ذلك في الشق الثاني لنطاق خصومة التحفيظ وانعكاسها على صلاحيات المحكمة عند البت في تلك الخصومة (المبحث الثاني ).

المبحث الأول : انعقاد الاختصاص النوعي لمحكمة التحفيظ

إن تحديد نطاق اختصاص محكمة التحفيظ يتطلب بداية تحديد طبيعة الاختصاص القضائي لقاضي التحفيظ العقاري، وهو يبت في ملف التعرض المحال عليه من طرف المحافظ، هذا الملف يضفي على اختصاص محكمة التحفيظ الصفة الاستثنائية عندما تنظر نزاعا يتعلق بالتعرض على مطلب التحفيظ الأمر الذي يستدعي تحديد بداية هذا الاختصاص، ولهذا التحديد أهمية في معرفة متى تنتهي صلاحية المحكمة العادية للنظر في النزاعات المتعلقة بالعقارات التي توجد في طور التحفيظ، على أن نتطرق قبل ذلك لكيفية وضع المحكمة يدها على دعاوى التحفيظ العقاري.

المطلب الأول : إحالة ملف مطلب التحفيظ على المحكمة .

تبتدئ الخصومة أمام القضاء بمقال افتتاحي للدعوى أما خصومة التحفيظ فهي استثناء عن تلك القاعدة حيث تبتدئ بإحالة ملف مطلب التحفيظ من المحافظ العقاري على المحكمة المختصة، هذا الملف يتضمن إلزاما : طلب التحفيظ والوثائق المدعمة له ، التعرض والوثائق المدعمة له ( كأمر لازم بعد تعديل الفصل 32 بمقتضى القانون 14.07 فلم يعد للمحافظ صلاحية قبول تعرض غير مرفق بما يؤيده من وثائق ) محضر التحديد وخريطة العقار موضوع مطلب التحفيظ ، وتماشيا مع الفصل 24 في صيغته الجديدة الإيداعات التي تم تضمينها بمطلب التحفيظ إذا ما كانت موضوع تعرض ، وكذلك المراسلات والوثائق المرتبطة بعملية الشهر القانوني  و كل ما من شأنه إفادة المحكمة من وثائق بملف مطلب التحفيظ.

الفقرة الأولى : عدم إلزامية شكلية الإنذار بعد تعديل الفصل 25 ظ ت ع بمقتضى القانون 14.07 بالنسبة لمؤيدات التعرض فقط

تجدر الإشارة أن المحافظ لم يعد ملزم في ضل القانون الجديد بإنذار المتعرض بإيداع الوثائق المؤيدة لتعرضه ودلك قبل أن يعمل على إحالة ملف مطلب التحفيظ على المحكمة للبث في التعرض، هذا المقتضى الذي أتى به ظهير 1954 لطالما تسبب في تأخير وأحيانا تعطيل عملية إحالة ملف مطلب التحفيظ على المحكمة قصد البت في التعرض لعدم توصل المعنيين بالأمر بهذا الإنذار، مما دفع المشرع إلى تعديل الفصل 25 بمقتضى قانون 14.07 حيث على المحافظ الآن إحالة ملف مطلب التحفيظ على المحكمة المختصة داخل أجل ثلاثة أشهر الموالية لانصرام الأجل المحدد في الفصل 23 دون حاجة إلى الشكلية المتمثلة في الإنذار السالف ذكره، وهذا تماشيا مع الفقرة 3 للفصل 25 والفقرة الأولى للفصل 32 بعد التعديل، ولما كان فرض قبول التعرض دون وثائق مدعمة له لم يعد ممكنا إذ التعرض المقدم على هذه الحالة يصبح لا غيا بقوة القانون بمقتضى التعديل والتتميم الذي أدخله القانون 14.07 على هاته الفصول فيصبح بذلك إنذار المتعرض خاصة لهذا الغرض أمرا عبثيا.

اما بخصوص أداء الرسوم القضائية وحقوق المرافعة فشكلية اندار المتعرض مستمدة من الاحكام الملحقة لقانون المالية لسنة 1984 تحديدا الفصل 30 ، حيت يوجب على المحافظ توجيه اعدار للمتعرض لأداء الرسم المنصوص عليه في اجل لا يمكن ان يقل عن شهر.

تبعا لما سبق فرغم كون الفقرة الأولى من الفصل 32 من ظ ت ع تقضي بكون التعرض يعتبر لا غيا وكأن لم يكن، إذا لم يقدم المتعرض خلال الأجل المنصوص عليه في الفصل 25 (أي قبل انصرام الشهر الموالي لانتهاء أجل التعرض) الرسوم والوثائق المؤيدة لتعرضه، ولم يؤد الرسوم القضائية وحقوق المرافعة أو لم يثبت حصوله على المساعدة القضائية، فإن جزاء إلغاء التعرض قاصر على عدم تقديم مؤيدات التعرض وليس الرسوم القضائية وحقوق المرافعة ، مالم تتم شكلية الاعدار المنصوص عليها في الاحكام الملحقة لقانون المالية لسنة 1984 كما سلف تبيانه.

وبرجوعنا إلى الفصل 23 من ظ ت ع نجد مقتضى جديد وهام بخصوص هاته النقطة وهو تحديد أجل للإحالة على المحكمة.

الفقرة الثانية : تحديد أجل إحالة مطلب التحفيظ موضوع تعرض على المحكمة المختصة.

تبعا للفصل 32 من ظ ت ع الفقرة الأخيرة منه، حدد المشرع للمحافظ أجلا عليه أن يحيل فيه ملف مطلب التحفيظ موضوع التعرض على المحكمة المختصة قصد البت في التعرض وحدده في ثلاثة أشهر الموالية لانصرام الأجل المنصوص عليه في الفصل 23، ولقد رأى أحد الباحثين في ذلك  [2] إحالة لم تكن موفقة لأن المقصود هو الأجل المنصوص عليه في الفصل 24 وهو حسب تعبيره ما جاء صريحا عندما سن المشرع نفس الأجل لاتخاذ قرار التحفيظ في حالة سلامة الإجراءات وشرعية الطلب وكفاية الحجج وعدم وقوع أي تعرض “الفصل 30 “.

وحقيقة الأمر أن إحالة المشرع على الفصل 23 ينبغي أن يستوقفنا، ذلك أن هذا الفصل يتعلق بإجراء نشر إعلان مفاده أن تحديد العقار موضوع مطلب التحفيظ قد تم ،وابتداء من تاريخ هذا النشر حسب الفصل 24 لم يعد للغير سوى شهرين لتقديم تعرضهم ، وتبعا للفقرة الثالثة من الفصل 25 للمتعرض أجل شهر من تاريخ انتهاء التعرض لتقديم المستندات وأداء الوجيبة القضائية تحت طائلة إلغاء تعرضه ، فهذه ثلاثة أشهر تكون قد مرت عن الأجل المنصوص عليه في الفصل 23 تكون يد المحافظ فيها مغلولة عن إحالة الملف إلى المحكمة لذلك ينبغي فهم عبارة – الأجل المنصوص عليه في الفصل 23 – هو أجل الشهرين المتبقية لتقديم التعرض وبالتالي لن يبتدئ أجل الثلاثة أشهر المفروض على المحافظ إحالة مطلب التحفيظ داخله إلى المحكمة إلا بعد انتهاء أجل التعرض مع أخذه بعين الاعتبار مقتضيات الفقرة الثالثة من الفصل 25 وكذلك الخصوصية الإجرائية على المستوى الإداري للتعرض المتبادل والتعرض الانعكاسي حيث عليه إحالة الملفات المرتبطة في آن واحد إلى المحكمة المختصة، ولن يتأتى له ذلك إلا بصيرورتها جميعا جاهزة لهذه الإحالة، ودلك بانصرام أجل التعرض والشهر الموالي له الممنوح للمتعرض قصد أداء الوجيبة القضائية وحقوق المرافعة [3]والإدلاء بالوثائق المؤيدة لتعرضه “الفصل 25 ض تح ع”إن لم يكن قد سبق له وأن  قام بدلك، في جميع مطالب التحفيظ المرتبطة فيما بينها بتعرض متبادل أو انعكاسي.

المطلب الثاني:  طبيعة اختصاص محكمة التحفيظ.

انطلاقا من مقتضيات الفصل 37 من ظهير التحفيظ العقاري كما تم تعديله وتتميه بمقتضى القانون 14 .07 ، تتحدد طبيعة الاختصاص الأصلي لقاضي التحفيظ العقاري في الفصل في التعرض المحال عليه من طرف المحافظ على الأملاك العقارية، حيث نص الفصل المذكور في فقرته الثانية : ” وتبت المحكمة في وجود الحق المدعى به من قبل المتعرضين ونوعه ومحتواه ومداه وتحيل الأطراف فصل العمل بقرارها على المحافظ …” وتبعا لذلك فضور محكمة التحفيظ  قاصر على البت في التعرض أو الإشهاد على طرفي النزاع للصلح الواقع بينهما أثناء جريان المسطرة، ولم تعد له تلك الصلاحية المتمثلة في البت في مزاعم طالب التحفيظ على إثر التعديل بمقتضى ظهير 24 شتنبر 1917 الذي طال الفصل 32 من ظهير التحفيظ العقاري لسنة 1913 في صيغته الأصلية التي كانت تمنح هذه الصلاحية لمحكمة التحفيظ[4] .

ذلك هو الاختصاص الأصلي لمحكمة التحفيظ العقاري، يضاف إليه اختصاص تابع نص عليه الفصل 48، ويتعلق الأمر باختصاص محكمة التحفيظ بالحكم بغرامات وتعويضات عن كل مطلب أو تعرض تعسفي صادر عن سوء نية.

الفقرة الأولى: الاختصاص الأصلي لمحكمة التحفيظ.

إن نطاق الاختصاص الأصلي لمحكمة التحفيظ في إطار الفصل في التعرض يتحدد في البث في الدعاوى التي صيغت في شكل تعرض بمفهوم المادة 24 من ظهير التحفيظ العقاري، وهو تبعا لذلك اختصاص مطلق، حيث لها وحدها النظر في كل دعوى عينية عقارية موضوعها عقار في طور التحفيظ، كما لها النظر تبعيا في كل المنازعات ذات الطابع الشخصي المرتبطة ارتباطا وثيقا بالحق العيني موضوع التعرض

  • اختصاص محكمة التحفيظ بالنظر في الدعاوى العينية المنصبة على عقار في طور التحفيظ .

المقصود بمحكمة التحفيظ هي تلك الهيئة التي تنظر في نزاع أحيل على المحكمة من طرف المحافظ على الأملاك العقارية إثر تعرض قدم أمامه أثناء جريان المسطر الإدارية للتحفيظ، حيث لها الاختصاص للبت في كل مطالبة بحق عيني على عقار في طور التحفيظ، وذلك ما أكد قرار لمحكمة الاستئناف بالبيضاء: ” لا يجوز للمحكمة العقارية أن تنظر في دعوى موضوعها عقار في طور التحفيظ مادام المحافظ لم يحل الملف على المحكمة المختصة فلا يصح إقامة أي دعوى من شأنها أن تغير وضعية العقار ”  .[5]

ذلك أن التعرض هو الوسيلة الوحيدة للمطالبة بحق عيني من قبل الغير منازعا طالب التحفيظ، جاء في قرار آخر:” جميع الدعاوى المتعلقة بعقار في طور التحفيظ ومنها دعاوى الاستحقاق ودعاوى الحيازة يجب أن تصاغ في شكل تعرض عملا بمقتضيات الفصلين 24 و32 من ظهير 12/08/1913 “. [6]

ومن أهم تطبيقات هذه القاعدة دعوى الشفعة، وهو ما أكدته مدونة الحقوق العينية في الفصل 305، بعد أن كانت هده الدعوى مثار جدل فقهي وقضائي حول مدى إلزامية تقديم طلب الشفعة في شكل تعرض من عدمه ، ذلك أن العديد من الأحكام بتت في موضوع شفعة منصبة على عقار في طور التحفيظ مع العلم أنها ليست محكمة التحفيظ بمفهوم السالف تبيانه بناء على دعوى للمطالبة بالشفعة، فلما كانت دعوى الشفعة هدفها هو المطالبة بحق عيني  منصب على عقار في طور التحفيظ لزم تبعا للقواعد المبدئية المسطرة سالفا ذكرها، أن تتم على شكل تعرض فليس للمحكمة أن تنظر فيها في غياب هذه الشكلية .

فهذا النص الجديد أتى ليؤكد هده القاعدة منهيا أي جدل قانوني بهذا الخصوص [7]، وبهذا الخصوص قضى المجلس الأعلى بتاريخ 22/04/1998: ” إن هناك فرقا من حيث الآثار القانونية بين التعرض على مطلب التحفيظ المنصوص عليه في الفصل 24 وما بعده من الظهير الشريف الصادر في 12/08/1913 بشأن التحفيظ العقاري  ونظام الإيداع المنصوص عليه في الفصل 84 منه الذي لا يقتضي – كما هو الحال في التعرض – إحالة أي نزاع على المحكمة للبت فيه وإنما يكون على المحافظ أن يقيد موضوعه بوقته في التاريخ عند إنشاء الرسم العقاري ، والشفيع بالتالي لا يكون ملزما برفع دعواه إلى قاضي التحفيظ إلا إذا كان هناك نزاع  ناشئ عن تعرض على مطلب التحفيظ تجاوز مرحلته الإدارية ، والمحكمة كانت على حق عندما ميزت بين التعرض والإيداع واعتبرت أنها مختصة للبث في طلب الشفعة ” [8] ،  المجلس الأعلى في قراره هدا أسس الاختصاص المحكمة العادية للبت في طلب شفعة حق تم الإعلان عنه تبعا للفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري أي إيداع على كون هذا الأخير لا يمكن أن يكون موضوع تعرض حتى ينعقد الاختصاص لمحكمة التحفيظ ، نفس التأسيس يمكن الاعتماد عليه الان للقول بانعقاد الاختصاص لمحكمة التحفيظ للبت في طلب الشفعة المنصب على حق وقع الإعلان عنه بإيداعه طبقا للفصل 84 بعد أن أصبحت آلية الشهر هذه من صور أو حالة التعرض المنصوص عليها في الفصل 24 من ظهير التحفيظ العقاري بعد تعديله وتتميمه بمقتضى القانون 07.14.

وتتميما لما سبق من باب أولى القول بانعقاد هذا الاختصاص القطعي لمحكمة التحفيظ عند طلب استشفاع من يد طالب التحفيظ ويتحقق ذلك في صورتين:

الصورة الأولى : كما لو اشترى غير على عقار غير محفظ واجبا مشاعا لأحد الشركاء على الشياع به، ثم تقدم بمطلب تحفيظ باعتباره شريكا في الملك هنا لباقي الشركاء استشفاع  نصيبه من الملك ” الفقرة الثالثة من  الفصل 10 ظهير التحفيظ العقاري “.

والصورة الثانية : كما لو اكتسب غير حق على عقار في طور التحفيظ وقام بإعلانه تبعا للفصل 83 من ظهير التحفيظ العقاري، فإنه يتخذ صفة طالب للتحفيظ وبالتالي ينعقد الاختصاص القطعي  لمحكمة الحفيظ للبت في طلب استشفاع هذا الحق على أن يصاغ في شكل تعرض .

الفقرة الثانية : الاختصاص التبعي لمحكمة التحفيظ .

سبقت الإشارة إلى وجوب سلوك مسطرة التعرض للتدخل في مسطرة التحفيظ، وممارسة حق التعرض ضد المطلب يؤدي حتما إلى إطالة المسطرة إذ يوجب على المحافظ إحالة ملف التحفيظ على المحكمة، لتنطلق بذلك المسطرة القضائية للتحفيظ والتي قد تطول من حيث المدة فيتضرر طالب التحفيظ جراء ذلك .

ونظرا لكون الحق في التعرض على مطلب التحفيظ أو بعبارة أخرى الحق في التقاضي لا ينبغي أن يتحول إلى وسيلة بأيدي ذوي النوايا السيئة للإضرار بالغير بجرهم إلى المنازعات القضائية وكذا تضييع وقت وجهد وإمكانيات القضاء ، لأجل ذلك عمد المشرع من خلال الفصل 48 من ظهير التحفيظ العقاري إلى إقرار جزاء عن تقديم التعرض بسوء نية إذ نص الفصل المذكور بعد تعديله وتتميمه بمقتضى القانون 14.07 على ما يلي : ” كل مطلب للتحفيظ أو تعرض ثبت صدوره عن تعسف أو كيد أو سوء نية يوجب ضد صاحبه غرامة لفائدة الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية لا يقل مبلغها عن 10 % من قيمة العقار أو الحق المدعى به والكل دون المساس بحق الأطراف المتضررة في التعويض، إن المحكمة التي أحيل عليها مطلب التحفيظ لها صلاحية الحكم تلقائيا بالغرامة والبت عند الاقتضاء في طلبات التعويض [9]“.

وبذلك يكون المشرع قد منح لمحكمة التحفيظ وهي تنظر في التعرض اختصاصا تبعيا يتمثل في صلاحيتها للحكم بغرامة على المتعرض سيء النية – النقطة الأولى – وكذلك النظر في الطلبات الرامية إلى تعويض الأطراف المتضررة – النقطة الثانية –

  • اختصاص محكمة التحفيظ للحكم بالغرامة المنصوص عليها في الفصل 48.

بإقرار المشرع للجزاء المتمثل في الحكم بغرامة ضد المتعرض يكون قد أضاف استثناء للاستثناءات التي واجه فيها المتقاضي بسوء نية بجزاء قانوني[10]، لكون مبدأ التقاضي بحسن نية يظل من قبيل المبادئ الأخلاقية يرجع الالتزام بها إلى ضمير المتقاضي.  [11]

من خلال الفصل 48 من ظ ت ع في صيغته الجديدة بعد تعديله وتتميمه بمقتضى القانون 14.07 ، على المحكمة الحكم تلقائيا بالغرامة ضد المتعرض الذي ثبت لديها صدور تعرضه عن تعسف أو كيد أو سوء نية[12] ، كما جعل هده الغرامة لفائدة الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري و الخرائطية ورفعها بشكل ملحوظ بتحويلها من غرامة جزافية تتراوح بين 10 دراهم و 1000 درهم إلى غرامة نسبية تتمثل في 10%  من قيمة العقار – إذا كان التعرض كليا –  أو الحق المدعى به، متوخيا الحد من التعرض الكيدي الذي يؤثر سلبا على سياسة تعميم التحفيظ العقاري .

ينبغي التنبيه أن هذه الغرامة ليس لها طابع جنائي مادامت ليست مقررة كعقوبة لخرق نص جنائي، بل هي غرامة مستحقة للوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري و الخرائطية إما بناء على طلب أو تلقائيا من المحكمة، وهو اختصاص تنفرد بهي محكمة التحفيظ بصريح المادة 48 من ظ تح ع[13].

  • صلاحية محكمة التحفيظ للبث تبعيا في طلبات التعويض.

هذه صلاحية مخولة لمحكمة التحفيظ باعتبارها متوفرة على ما من شأنه أن يكون قناعتها بخصوص مدى سوء نية المتعرض، وبالرجوع للفقرة الثانية من الفصل 48 من ظ ت ع يتبين لنا أن المشرع قد منح هذا الاختصاص لمحكمة التحفيظ  مستعملا عبارة “عند الاقتضاء” مما يدل على عدم نزع هذا الاختصاص من المحاكم العادية، وهذا يتماشى مع الرأي السائد فقها الذي يخول لطلب التحفيظ المتضرر من التعرض أن يلجأ إلى المحاكم العادية للمطالبة بالتعويض تبعا لقواعد المسؤولية المدنية، بعد صيرورة حكم محكمة التحفيظ  القاضي بعدم صحة التعرض حائزا لقوة الشيء المقضي به .

المطلب الثالث: تنازع الاختصاص بين قضاء التحفيظ والقضاء العادي.

ينتج عن الاختصاص القطعي لمحكمة التحفيظ نزع الاختصاص عن القضاء العادي، غير أن التساؤل المطروح هو منذ متى يصبح هذا الأخير غير مختص في النزاعات العينية المنصبة على عقار في طور التحفيظ ، هل منذ تقديم مطلب التحفيظ أم منذ إحالته على المحكمة المختصة للبت في التعرض ؟   ومن جهة أخرى نتساءل عن مآل الدعاوى العينية العقارية الرائجة أمام المحاكم العادية عند انعقاد الاختصاص لمحكمة التحفيظ.

الفقرة الأولى : إشكال بداية اختصاص قضاء التحفيظ العقاري.

بالرجوع إلى ظ ت ع وكذا التشريعات المرتبطة به خصوصا القرارات الوزارية لسنة 1915 نصطدم بسكوت المشرع حول هذا الإشكال، هذا الفراغ التشريعي أدى إلى تضارب فقهي أكثر منه قضائي بخصوص تاريخ انعقاد الاختصاص لمحكمة التحفيظ، فالقضاء شبه متفق على أن هذا الاختصاص لا ينعقد إلا من تاريخ إحالة مطلب التحفيظ على المحكمة للبت في التعرض، ففي قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 20/09/2006 تحت عدد 26/90 في الملف عدد 3335/05 قضى فيه: ” … لا يوجد ما يمنع سلوك مسطرة أمام القضاء للمطالبة بحق طالما أن ملف التحفيظ لا يزال في طور المسطرة الإدارية بالمحافظة العقارية ” [14] وفي قرار آخر حديث نسبيا صادر بتاريخ 21 يونيو 2011 في الملف المدني عدد 3801 /1/3/2010 عدد 2946 :” … إن جريان المسطرة الإدارية لتحفيظ العقار لا تمنع طالب التحفيظ من إقامة أي دعوى لحماية ملكه أو المطالبة باستحقاقه في مواجهة الغير، مادام المحافظ على الأملاك العقارية لم يحل ملف التعرض على المحكمة[15] “.

أما على مستوى الكتابات الفقهية التي تطرقت لهذا الإشكال نجد اختلافا لوجهات النظر، فجانب من الفقه يرى بأن محكمة التحفيظ ينعقد لها الاختصاص المطلق للنظر في جميع النزاعات المرتبطة بالحقوق العينية التي تمس العقار في طور التحفيظ مند وضع مطلب التحفيظ أمام المحافظة العقارية  [16] ،وفي المقابل ذهب جانب آخر من الفقه أن مجرد وضع مطلب التحفيظ أمام المحافظة العقارية لا ينهي اختصاص القاضي المدني للبت في القضية ولكن الذي ينهي هذا الاختصاص هو إحالة الملف من طرف المحافظ على الأملاك العقارية على كتابة ضبط المحكمة الابتدائية على إثر قبول المحافظ تعرض ضد المطلب المذكور[17].

فالرأي الأول يعتبر أن الذي ينهي اختصاص القضاء العادي للنظر في الدعاوى العقارية المنصبة على عقار في طور التحفيظ هو وضع مطلب التحفيظ لدى المحافظة العقارية، والرأي الثاني يعتبر أن اختصاص القضاء العادي يستمر إلى حين إحالة الملف على المحكمة المختصة.

ونحن نكتفي بالإجابة على هذا التساؤل بربطه بمبادئ التحفيظ العقاري ذات الصلة تحديدا المبدأ القاضي بأن أي مطالبة بحق عيني على عقار في طور التحفيظ يجب أن تقدم في شكل تعرض وأن محكمة التحفيظ هي صاحبة الاختصاص للبث فيه، وبالتالي ليس لمن يدعي حقا عينيا على  عقار في طور التحفيظ أن يستغني على التعرض كإجراء يضمن له حقه في التقاضي أمام محكمة التحفيظ، مادامت هده الأخيرة ملزمة بمطلب التحفيظ كما أحيل عليها من طرف المحافظ كمبدأ آخر من مبادئ التحفيظ، إذا ما سلمنا بذلك كيف لنا القول بانعقاد الاختصاص للقضاء العادي للبت في ما هو من اختصاص قضاء التحفيظ ، لذا نقول بأن الاختصاص ينعقد لمحكمة التحفيظ منذ صيرورة العقار موضوع النزاع في طور التحفيظ .

تبعا لما سبق “لطالب التحفيظ ” المدعى عليه أمام المحكمة التي تنظر في دعوى من اختصاص محكمة التحفيظ أن يدفع بعدم اختصاصها النوعي، وإحالة الملف على محكمة التحفيظ بعد أن تضع يدها على ملف مطلب التحفيظ، في فرضية كون المدعي قد قدم تعرضه بخصوص ما يدعيه في المرحلة الإدارية للتحفيظ وإلا يكون قد فوت عليه إمكانية عرض ما يدعيه على القضاء.

الفقرة الثانية: مآل الدعاوى العقارية المنصبة على عقار غير محفظ بعد انعقاد الاختصاص لمحكمة التحفيظ.

وحيث ثبت لدينا مما تقدم أن محكمة التحفيظ هي صاحبة الاختصاص للنظر في كل منازعة عينية منصبة على عقار في طور التحفيظ وينعقد لها هذا الاختصاص منذ وضع فتح مطلب، فيترتب عن ذلك أن الدعاوى الرائجة أمام المحاكم العادية ينبغي أن تتوقف منذ تاريخ فتح المطلب لدى المحافظة العقارية ولا يمكنه مواصلتها مجددا إلا إذا كانت نتيجة مسطرة التحفيظ رفض أو إلغاء مطلب التحفيظ من لدن المحافظ، ولقد قضى المجلس الأعلى في هذا الاتجاه حيث قرر: ” إن المحكمة التي عللت رفضها الاستمرار في إيقاف البت في قضية الشفعة إلى حين صدور قرار المجلس الأعلى في دعوى التحفيظ بعلة أنه ليس في فصول ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري ما يوجب إيقاف البت إلى حين إنهاء النزاع المتعلق بالتحفيظ يعتبر تعليلا فاسدا لخرقهم مقتضيات الفصل 361 ق.م.م. “[18]، هنا نتساءل عن فرضية صدور حكم وصيرورته قابلا للتنفيذ قبل فتح مطلب التحفيظ ما هي صلاحيات المحافظ إزاء هذا الحكم ؟ نجيب عن ذلك بتأكيدنا أن الدور الوحيد الذي قد يلعبه هذا الحكم في المسطرة الإدارية للتحفيظ هو كمستند مدعم إما لمطلب التحفيظ أو لتعرض عليه فليس للمحافظ أن يعتمد عليه لرفض أو إلغاء التعرض ولو كان هناك اتحاد في الموضوع والأطراف، إذ فقط الأحكام الصادرة عن محكمة التحفيظ بالمفهوم ووفق الكيفية السالف تبيانها يمكن للمحافظ أن يعتمد عليها لاتخاذ قرار إلغاء مطلب التحفيظ أو التعرض .[19]

المبحث الثاني : نطاق خصومة التحفيظ يتحدد أمام المحافظ العقاري.

تتقيد محكمة التحفيظ بملف مطلب التحفيظ كما أحيل عليها من طرف المحافظ، تلك إحدى خصوصيات قضايا التحفيظ العقاري، وتبعا لذلك لا يجوز لمحكمة التحفيظ مبدئيا أن تقبل أي طلب من شأنه تعديل نطاق الخصوم وهي قاعدة مستمدة من الفصول 24 و27و32 من ظ ت ع، فدعوى التعرض تحدد سلفا لدى المحافظ سواء من حيث أطرافها أو موضوعها ، تبعا لذلك لا يجوز لمحكمة التحفيظ أن تقبل أي طلب من شأنه تعديل نطاق الخصومة من حيث الأطراف ولا طلبا من شأنه ادعاء حق عيني لم يتم تقديمه وفق تعرض على مطلب تحفيظ  .

المطلب الأول : التدخل والإدخال في دعاوى التحفيظ العقاري.

في ظل ظهير التحفيظ العقاري قبل التعديل الذي طرأ عليه بمقتضى ظهير 25 غشت 1954 كان الفصل 24 منه ينص على إمكانية التدخل في مسطرة التحفيظ عن طريق التعرض أو تقييد لحق عيني …، والفصل 37 كان ينص على أن المحكمة تبت في الحق المزمع من المتعرض أو المتدخلين.

وبصفة عامة وقبل تعديل سنة 1954 كان مشرع ظهير التحفيظ العقاري يميز بين المتعرض الذي ينازع في حق الملكية لطالب التحفيظ، وبين المتدخل الذي يدعي أن له حقا عينيا على العقار موضوع مطلب التحفيظ تم إغفاله، وحقيقة الأمر أن هذا التمييز غير مؤسس ففي كلا الفرضين نحن أمام تعرض على مطلب التحفيظ.

وبالتالي التدخل الذي تحدثت عنه هذه النصوص ليس هو المراد دراسته هنا، فالتدخل الذي نقصده هو الذي يتمثل في تدخل أحد من الغير في الدعوى أو إدخاله مما يؤدي إلى تعديل نطاق الخصومة من حيث الأطراف، كما قد يؤدي إلى تعديلها أيضا من حيث الموضوع.[20]

والتدخل بهذا المفهوم منظم في قانون م.م. في الفصلين 125-126 وكذلك الفصل 234 تحت باب الاستئناف، هذا الأخير هو الذي أحالت عليه الفقرة 3 من الفصل 43 ظ ت ع قبل تعديله بمقتضى القانون 14.07 حيث حذفت هذه الفقرة ، وكما سلف القول فدعوى التعرض لها أحكامها  المسطرية الخاصة، فما مدى جواز التدخل أو الإدخال في دعوى التعرض على مطلب التحفيظ بعد هذا التعديل ؟

الفقرة الأولى : التدخل الإرادي في دعوى التحفيظ .

التدخل الإرادي إما انضمامي أو اختصامي، وتبعا للقواعد العامة لقانون م.م. هو جائز في صورتيه سواء أمام المحكمة الابتدائية أو أمام محكمة الاستئناف، مع التقيد بمقتضيات الفصل 234 ق .م.م. الذي لا يجيز التدخل أمام محكمة الاستئناف إلا ممن له الحق في تعرض الغير الخارج عن الخصوم، وفي دعاوى التحفيظ العقاري الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة غير جائز، لذا التمييز بين المرحلة الابتدائية و الاستئنافية ليس ذي معنى في دعاوى التحفيظ العقاري،  فما الفائدة إذا من الفقرة 3 من الفصل 43 ظ تح ع قبل تعديله وحذفها بمقتضى القانون 14.07 .

ينبغي أن لا نغفل خصوصية مادة التحفيظ العقاري عند تطبيق قواعد المسطرة المدنية وتبعا لذلك التدخل في دعوى التحفيظ العقاري لا يمكن أن نتصوره إلا كتدخل انضمامي لأحد أطرافها المتعرض أو طالب التحفيظ، جاء في قرار المجلس الأعلى بتاريخ 13/11/1985 ” إن أطراف الدعوى تتحدد في مسطرة التحفيظ بدءا بالتعرض أمام المحافظة العقارية حيث يتضح المدعي من المدعى عليه ، إن التدخل في مسطرة التحفيظ غير مسموح بهي إلا إذا كان تأييدا لأحد أطراف الدعوى ” [21] ، ونخلص للقول أن التدخل الإرادي في قضايا التحفيظ العقاري جائز سواء أمام المحكمة الابتدائية أو محكمة الاستئناف ما دام انضماما لأحد أطراف النزاع  .

الفقرة الثانية : الإدخال في دعاوى التحفيظ العقاري.

تبعا للقواعد المسطرية العامة تطرق المشرع إلى إدخال الغير في الدعوى بموجب الفصول من 103 إلى 108 ق .م.م ، وهو قد يكون بطلب من أحد الخصوم أو تلقائيا من المحكمة .

وإدخال الغير في دعوى التحفيظ حتى يكون مقبولا يجب ألا يخرج الغرض منه عن حدود اختصاصات محكمة التحفيظ، كأن تبت المحكمة في حق شخصي يدعيه أحد أطراف الدعوى في مواجهة الغير المراد إدخاله إذ لا ينعقد الاختصاص النوعي للبت في هذا الطلب لمحكمة التحفيظ جاء في قرار المجلس الأعلى بتاريخ 15/05/68 :” طلب إدخال البائع في دعوى كضامن لما باع يخرج عن نطاق اختصاص المحكمة العقارية ، التي لا تنظر إلا في المنازعات المتعلقة بالتحفيظ والتي يحيلها عليها محافظ الأملاك العقارية “[22]

يتبين لنا مما سبق أن العبرة في رفض قبول طلب الادخال أو التدخل هو تعديله في نطاق الخصومة من حيث الموضوع أساسا لا من حيث الأطراف، فالتدخل أو الإدخال الذي يكون الغرض منه مؤازرة أحد أطراف الدعوى وإن أدى إلى تعديل نطاق خصومة من حيث الأطراف فهو لا يمسها من حيث الموضوع، مما يجعل معه مثل هذا الطلب الإضافي أو العارض مقبولا أمام محكمة التحفيظ سواء في المرحلة الابتدائية أو الاستئنافية.

المطلب الثاني: نطاق الخصومة من حيث الموضوع.

تتقيد محكمة التحفيظ بنطاق التعرض كما أحيل عليها من طرف المحافظ العقاري، إذ موضوع الدعوى أمامها هو ادعاء المتعرض الذي يتحدد خلال المرحلة الإدارية للتحفيظ،  فلا يمكن تعديل طبيعته بتحويله من تعرض على حقوق مشاعة إلى تعرض على جزء مفرز أو لممارسة حق الشفعة  [23]، أو نطاقه بتوسعة وعاء التعرض كتحويله من تعرض جزئي إلى تعرض كلي، أما تقليصه فهو عبارة عن تنازل جزئي يندرج ضمن الفصل 37 ظ ت ع الفقرة 4 منه ، وهذا ما أكده قرار المجلس الأعلى بتاريخ 05/07/2000 :” التعرض دعوى يحدد موضوعها أمام المحافظ ، ويوضح المتعرض حدود ومدى تعرضه ، وتبت المحكمة فيها كما أحيلت عليها”,

ويستثنى من هذه القاعدة الطلبات الرامية إلى الحكم بتعويض عن الأضرار الناتجة عن التعرض أو تقديم مطلب التحفيظ بسوء نية المقررة في الفصل 48 من ظ تح ع، وكذلك الطلبات الرامية إلى تقرير حق شخصي لارتباط بالحق العيني التي درسناها في المبحث الأول، والقاسم المشترك بين هاذين الاستثنائيين هو كونهما ادعاء بحق شخصي لا يمكن أن يكون موضوع تعرض أمام المحافظ العقاري، كما أن الحاجة إلى البت فيهما لا تظهر إلا أثناء سير الخصومة أمام محكمة التحفيظ .

ولا ينبغي تفسير هذه القاعدة على أن كل ما أحيل على محكمة التحفيظ من لدن المحافظ يدخل لزوما في نطاق اختصاصها، كما لو أحال المحافظ العقاري تعرضا موضوعه حق شخصي فليس لمحكمة التحفيظ البت فيه جاء في قرار عن محكمة الاستئناف بالقنيطرة ” وحيت أن كنه التعرض و موضوعه حق الملكية أو مداه أو حدود العقار المطلوب تحفيظه أو بحق عيني مترتب على هدا العقار…أما الحقوق الشخصية كالكراء فلا يمكن لصاحبها ولوج باب التعرض وفق الفصل 24من ظهير التحفيظ العقاري و ما يليه”[24]

المطلب الثالث: إمكانية الإدلاء بالوثائق المؤيدة للتعرض مباشرة أمام محكمة التحفيظ.

بالرجوع إلى الفصل 32 من ظهير التحفيظ العقاري قبل تعديله بمقتضى القانون 07.14 نجده ينص على أنه ” … يوجه المحافظ للمرة الأخيرة إنذارا للمتعرضين لكي يقدموا للمحافظة داخل أجل 3 أشهر الوثائق والرسوم المؤيدة لتعرضهم ويشعرهم بأن المحكمة لن تقبل منهم أي رسم أو وثيقة ” والواضح من هذه المقتضيات أن المتعرض ملزم بالإدلاء بالوثائق والرسوم المؤيدة لتعرضه لدى المحافظ العقاري، وذلك حتى يتسنى لهذا الأخير تجهيز الملف وإحالته على القضاء لحسم النزاع.

وقد يوحي الفصل 32 قبل تعديله بمقتضى القانون 07.14  بعدم إمكانية تقديم الوثائق المؤيدة للتعرض أمام المحكمة، ذلك أن هده الوثائق يجب أن تقدم لزوما أمام المحافظ العقاري وإلا اعتبر التعرض لا غيا وما وصل ملف مطلب التحفيظ إلى المرحلة القضائية، إلا أنه ينبغي الربط  مع حدود صلاحيات المحافظ أثناء المرحلة الإدارية خاصة أن ليس له تقييم الوثائق المقدمة من لدن المتعرض، ففي فرض إدلاء المتعرض بوثائق غير كافية لتدعيم مزاعمه في المرحلة الإدارية هل له تقديم وثائق جديدة مكملة في المرحلة القضائية ؟

للإجابة على هذا التساؤل ينبغي التذكير أولا أن صيغة الفصل 32 قبل تعديله رغم أنها كانت تنص صراحة على عدم قبول مؤيدات جديدة للتعرض أثناء المرحلة القضائية، فإن الاجتهاد القضائي قد ذهب إلى إمكانية ذلك مستندا على الفصل 34 الذي خول للقاضي المقرر صلاحيات واسعة للتحقيق في القضية واتخاذ جميع الإجراءات التي يراها مفيدة لتتميم المسطرة، ففي قرار للمجلس الأعلى بتاريخ 13/10/2002 :” للمحكمة الحق في أن تبني مقررها على الوثائق المدلى بها مباشرة أمامها دون الاقتصار على ما أدلي أمام المحافظة العقارية “[25]،  وفي قرار آخر: ” ليس هنالك ما يمنع المحكمة من قبول الحجج المدلى بها من الأطراف أمامها في قضايا التحفيظ العقاري واعتمادها في قضاياها ، ولذلك فإنه لما ردت الدفع بكونها لا تبت في قبول التعرض واعتمدت الحجج المدلى بها أمامها لأول مرة لم تخرق مقتضيات الفصل 32 من ظ تح ع ” [26]، وفي قرار آخر صادر على المجلس الأعلى بتاريخ 27/10/2004 :” إن المحكمة الابتدائية محكمة واقع وقانون يمكن للأطراف أن يدلوا أمامها بكل ما لديهم من حجج ووسائل دفاع مادام المحافظ قد أبقى التعرض المذكور وأحاله عليها للبت فيه، ولذلك فإنها لما قبلت الحجج المدلى بها أمامها فهي لم تخرق مقتضيات الفصل 32 ”  [27]، الملاحظ بخصوص هذا القرار أن المجلس الأعلى ربط قبول حجج المتعرض المقدمة مباشرة أمام المحكمة الابتدائية بقبول المحافظ العقاري للتعرض رغم عدم إدلاء المتعرض للرسوم المؤيدة له أمامه، ولم يقم بإلغائه أثناء المرحلة الإدارية تبعا للصلاحية التي كانت مخولة للمحافظ في الفصل 32 قبل تعديله بمقتضى القانون 07.14، وبالتالي لو أن المتعرض أدلى بمستندات في المرحلة الإدارية فلا يمكن الاعتماد على نفس التأسيس للقول بجواز الإدلاء بمؤيدات  تكميلية أثناء المرحلة القضائية، فالنتيجة التي وصل إليها القرار والمتمثلة في قبول الحجج المدلى بها لأول مرة أمام المحكمة من طرف المتعرض تتفق والاجتهاد القضائي إلا أن الأساس الذي اعتمده هذا القرار يبقى محل نظر .

يمكن لنا القول بعد استقرائنا للاجتهاد القضائي الصادر في ظل الفصل 32 في صيغته قبل التعديل الذي طرأ عليه بمقتضى القانون 07.14 الذي كان يحظر بصريح النص قبول وثائق جديدة تأييدا لمزاعم المتعرض أمام المحكمة، إلا أن الاجتهاد القضائي خالف منطوق الفصل بتقريره لإمكانية قبولها ، فبالأحرى بإمكانية ذلك حاليا في ظل الصيغة الجديدة للفصل 32 التي لم تعد تتضمن الحضر المنصوص سالفا، إلا أن ذلك لن يتحقق إلا في صورة مستندات تكميلية للمستندات المقدمة أمام المحافظ العقاري إذ فرضية قبول التعرض دون أي مستندات لم تعد متاحة بعد تعديلات القانون 07.14 للفصل 32.

 

 

 

 

 

 

 

 

[1]مصطلح محكمة التحفيظ أو المحكمة العقارية نجد له أصل في العمل القضائي و يقصد به المحكمة التي تبت في القضايا المتعلقة بالتحفيظ العقاري في مجمله على إثر إحالة مطلب التحفيظ عليها من طرف المحافظ العقاري للبت في مدى صحة  تعرض ضد مطلب تحفيظ، ومن هذا العمل القضائي على سبيل المثال لا الحصر : قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ  13/2/85  تحت عدد 364ملف مدني 83291 منشور بمجلة ق م أ في التحفيظ خلال أربعين سنة جاء فيه :” يقرر ظهير التحفيظ مبدأ التقاضي على درجتين مهما كانت قيمة العقار ولم يستثن من هذه القاعدة أية حالة .إذا كانت محكمة التحفيظ غير مؤهلة للبث إلا فيما يدعي به المتعرضون ضد طالب التحفيظ دون ما قد يدعي بهي المتعرضون فيما بينهم فليس في هذه القاعدة ما يتخذ كأساس لإلغاء التقاضي على درجتين والقول بأنه لا يجوز لأحد المتعرضين أن يستأنف الحكم الابتدائي ضد المتعرض الآخر وضد طالب التحفيظ الذي قبل الحكم الابتدائي ”  ، وفي قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالقنيطرة بتاريخ 30/11/2004 تحت رقم 04/947 “قرار غير منشور”:” وحيث أنه من القواعد العامة أن التعرض لا يوجه إلا ضد طالب التحفيظ لا ضد التعرض الأخر و حيث أن محكمة التحفيظ تقتصر صلاحيتها في البت في العلاقات المتعارضة بين أصحاب مطلب التحفيظ من جهة و أصحاب تعرض على هذا المطلب ، وحيث أن الاستئناف الفرعي قدم من ذوي حقوق القائد إبراهيم بن الحسن زهاني اتجاه متعرضين آخرين على نفس المطلب وهم ورثة بوعزة بن إدريس الخطاب وابن عمهم عبد القادر شيان بن بوشتى، لا ضد طلاب التحفيظ الأصليين … وحيث ان الاستئناف الفرعي تبعا لذلك مقدم ضد غير ذي صفة وفي غير محله المعمول به مما يبرر القول بعدم قبوله وتحميل أصحابه الصائر” و في قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالبيضاء بتاريخ 31/07/1980 تحت عدد 339 في الملف العقاري عدد 83/11 منشور بدراسات قضائية لمحمد بفقير الجزء الأول ص 135 وما يليها :” لا يجوز للمحكمة العقارية أن تنظر في دعوى موضوعها عقار في طور التحفيظ مادام المحافظ لم يحل الملف على المحكمة المختصة فلا يصح إقامة أي دعوى من شأنها أن تغير وضعية العقار “[1] .

قرار صادر عن المجلس الأعلى تحت عدد 229 بتاريخ 15/05/68 منشور في مجموعة قرارات المجلس الأعلى المادة المدنية  الجزء الأول ص591 وما يليها ” طلب إدخال البائع في دعوى كضامن لما باع يخرج عن نطاق اختصاص المحكمة العقارية ، التي لا تنظر إلا في المنازعات المتعلقة بالتحفيظ والتي يحيلها عليها المحافظ  على الأملاك العقارية ”

 

[2] الدكتور أحمد أجعون : المقتضيات الجديدة المتعلقة بالتعرض على مسطرة التحفيظ .مقالة منشورة بمجلة الحقوق سلسلة “الأنظمة و المنازعات العقارية” الإصدار السادس , ماي  2012 ص 45 و ما يليها.

[3]  وفي فرضية تقديم تعرظ مرفق بمؤيداته لكن غير مؤدى عنه الوجيبة القضائية و حقوق المرافعة فليس للمحافظ إحالته على حاته هده بل يلزمه اعدار المتعرض لأداء الرسم في اجل لا يمكن ان يقل عن شهر .

[4] Jacques Caille LA PROCEDURE JUDICIAIRE DE L’IMMATRICULATION FONCIER AU MAROC . P 71 , 72 .

[5] قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالبيضاء بتاريخ 31/07/1980 تحت عدد 339 في الملف العقاري عدد 83/11 منشور بدراسات قضائية لمحمد بفقير الجزء الأول ص 135 وما يليها .

[6] قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 11/03/86 في ملف عدد 110/84,وهو ما أكده قرار آخر صادر عن نفس المحكمة بتاريخ 31/03/1987 ” العمل القضائي مستقر على أن جميع الدعاوى المتعلقة بعقار في طور التحفيظ يعود النظر فيها إلى قاصي التحفيظ وحده ” قرار عدد 331/87 منشورين بمجلة المحاماة عدد 8 ص 127 وما يليها.

[7] ينبغي التنبيه إلى أن عدم التناسق بين مجموع النصوص المنظمة للتعرض وخصوصيات دعوى الشفعة يطرح إشكالات عملية ذات ارتباط بالآجال سواء أجل التعرض أو أجل ممارسة حق الشفعة ، ما من شأنه أن يعيق المقدم على الشفعة عن ممارسته لحقه ، خاصة إذا كان المشفوع من يده متدخلا في مسطرة التحفيظ بناء على الفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري، دلاك أن الإيداع غير مربوط بأجل بينما التعرض و ممارسة حق الشفعة مربوطان بأجل،  و إدا ما تم الإيداع بعد إحالة الملف على محكمة التحفيظ فإن التعرض على إيداع لاحق قصد استشفاعه يستحيل تبعا للفصل  29 ظ تح ع ، ما دامت الإحالة على المحكمة مانع من قبول تعرض خارج الأجل .

 

[8] قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 01/04/98 تحت عدد 2234 في الملف المدني عدد 3432/93 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 53 و 54 ص 118 وما يليها .

[9] في النص الأصلي للفصل 48 من ظهير التحفيظ العقاري لسنة 1913 كانت الغرامة يواجه بها فقط المتعرض دون طالب التحفيظ  وكانت محدد في 100 فرنك فرنسي تم عدلت لتصبح ما بين 100 و 10.000 فرنك فرنسي  بمقتضى ظهير 25 أكتوبر 1916 ولم يتم التنصيص على طالب التحفيظ إلا مع التعديل الذي  طال هذا الفصل بمقتضى ظهير 2 ماي  1917

[10] من هذه الاستثناءات ما جاء في الفصول 164 و 305 و 407 و 376 من ق م م . أنظر في هذا الموضوع ذ/ عبد اللطيف التجاني : بعض عيوب و ثغرات المسطرة وآثارها على سرعة البث والتنفيذ في المادة المدنية ، مجلة الإشعاع العدد 22 دجنبر 200 ص 26

[11] الدكتور المصطفى الكيلة ,أطروحته لنيل الدكتوراه في القانون الخاص في موضوع خصوصية المسطرة في قضايا التحفيظ العقاري .ص210.

[12]  ينبغي التنبيه أن قضاء المحكمة بعدم صحت التعرض لا يكفي للقول بسوء نية المتعرض أو تعسفه فيه وتغريمه لدلك، بل عليها البحت في مدا سوء نيته و تعسفه مادام الأصل في التقاضي أنه يتم بحسن نية.

[13]   Jacques Caille , ouvr . cite ,p 93.

[14]   منشور بمقتضيات ظهير التحفيظ العقاري على ضوء قرارات المجلس الأعلى ص 24

[15]   منشور بمجلة ملفات عقارية عدد1 سنة 2012 ص 67 وما يليها .

[16]   Jacques Caille , ouvr . cite ,p81.

[17] محمد  المنتصر الداودي ، مقارنة بين اختصاصات المحافظ على الملكية العقارية وقاضي التحفيظ العقاري على ضوء النصوص القانونية والاجتهادات القضائية ، مقال منشور بالذكرى الثمانون لنظام التحفيظ العقاري حصيلة وآفاق 1913ـ1993 ص 137

[18] د/ محمد المنتصر الداودي : مقارنة بين اختصاصات المحافظ على الملكية العقارية وقاضي التحفيظ العقاري على ضوء النصوص القانونية والاجتهادات القضائية . الذكرى الثمانون لنظام التحفيظ العقاري ص 62 .

[19]  فيصل لعموم وناجيم الملكاوي ، قواعد الفصل في التعرضات في قضايا التحفيظ العقاري  ص25 , 26

 

[20]   Jacques Caille , ouvr . cite ,p137 ,138.

[21]   قرار تحت عدد 2639 في الملف المدني 74015 منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 43 ص 73 وما يليها

[22]   قرار صادر عن المجلس الأعلى تحت عدد 229 منشور لمجموعة قرارات المجلس الأعلى المادة المدنية  الجزء الأول ص591 وما يليها .

[23]    جاء في قرار للمجلس الأعلى “يكون غير مرتكز على أساس , القرار القاضي بصحة التعرض استجابة للراغب في الشفعة تأسيسا على إشهاد عدلي ,غير قانوني , مادام أن تعرضه لدى إدارة المحافظة العقارية كان مصرحا فيه بسبب اخر و ليس الرغبة في الشفعة” قرار صادر بتاريخ 29/04/2004  تحت عدد2763  في الملف المدني عدد 02/593  منشور بمجلة المحامي عدد 46 ص 353 و ما يليها.

[24]   قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالقنيطرة  بتاريخ 23/03/2010  عدد 118 “غير منشور”

[25] قرار تحت عدد 3280في الملف عدد 116/02 منشور بمقتضيات ظهير التحفيظ العقاري على ضوء قرارات المجلس الأعلى ص 35

[26]   قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 19/03/2003 تحت عدد 797 في الملف المدني عدد 02/1/1/3090 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 61 ص 27 وما يليها .

[27]   قرار تحت عدد 3038 في ملف عدد 3695/04 منشور بمقتضيات ظ تح ع على ضوء قرارات المجلس الأعلى ص 35.

إقرأ أيضاً

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي Constitutional control and …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *