Site icon مجلة المنارة

التعاون اللامركزي بالمغرب السياق والأهداف إعداد الطالب الباحث: الرظي الجلالي في سلك الدكتوراه

التعاون اللامركزي بالمغرب السياق والأهداف
إعداد الطالب الباحث:
الرظي الجلالي في سلك الدكتوراه.
مقدمــــــة
منذ فجر الاستقلال اختار المغرب اللامركزية كخيار سياسي وإطار عصري لتدبير الشؤون العامة، وقد وضع الميثاق الجماعي الصادر في 23 يونيو 1960، أسس هذا المسلسل من خلال تمكين البلاد من المؤسسات الديمقراطية الأساسية. وتم إنشاء المستوى الثاني من التنظيم المحلي سنة 1963 من خلال إحداث العمالات والأقاليم. بعد التجربة الأولى للامركزية، جاء ميثاق 30 شتنبر 1976 ليعطي دفعة كبيرة لهذا المسلسل قصد تعزيز مكانة الجماعة على مستوى المؤسساتي والاقتصادي، وذلك بتوسيع نطاق اختصاصاتها وتدخلاتها، وشهدت نفس السنة صدور ظهير 30 شتنبر 1976، بشأن تنظيم مالية الجماعات المحلية وتجمعاتها، الذي ضل ساري المفعول إلى أن تم نسخه بقانون رقم 08-45 الصادر في 30 مارس 2009، وتم تعويضه بالقانون التنظيمي رقم 14-113 المتعلق بالجماعات الذي دخل حيز التنفيذ في اليوم الموالي لتاريخ الإعلان الرسمي عن النتائج النهائية للانتخابات المتعلقة بمجالس الجماعات التي أجريت يوم 04 شتنبر 2015.
وقد شهدت هذه القوانين المنظمة للجماعات الترابية، عدة إصلاحات ما بين سنة 1976 وسنة 2015، من أجل تعزيز المكتسبات التي حققتها المملكة المغربية في مجال الديمقراطية المحلية والتعدد السياسي والحريات المعلقة، وكانت الرغبة أيضا هو تفعيل مفهوم الجديد للسلطة وتحديث النظام الترابي. ومن بين الإصلاحات التي أدخلت على النظام الترابي هو:
– الارتكاز على مبادئ التضامن والتعاون بين الجماعات وباقي أصناف الجماعات الترابية الأخرى، من خلال إحداث آليات للتعاون.
ويعتبر تدخل الجماعات الترابية في عملية التعاون اللامركزي، من المرتكزات الأساسية لتحقيق التنمية المحلية، على اعتبار أن الممارسة العملية لتدبير الشأن العام المحلي، مسلسل لا يعرف التوقف ويتطلب التحديث المستمر ومواكبة التحولات و المتغيرات التي تقع في المجتمع. يستمد التعاون اللامركزي بالمغرب شرعيته من مرجعية قانونية، ذات أبعاد دولية ووطنية، ويتبنى استراتيجيات مع فعاليات المجتمع المدني وتنظيمات سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية ثم بيئية، على أساس أن الجماعات الترابية أصبحت تحضي باهتمام كبير من طرف جميع الفعاليات، باعتبارها قطب لجلب الاستثمار لتحقيق التنمية الشاملة، لجأت المجتمعات الإنسانية إلى التعاون منذ تواجدها للتغلب على متاعب الحياة، وهو ذو ارتباط مشترك بين الأفراد والمجتمعات والمؤسسات فيما بينها.
إذن موضوع التعاون قديم، ولكنه في حلة جديد، مما جعل موضوع التعاون تهتم به العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، وكذا تفاعله مع العلوم الإنسانية التي كانت له ارتباط وصلة وثيقة بالتعاون، وازدادت أهميته، حينما أثار انتباه كل الفاعلين والمهتمين في مختلف الحقول، منها الحقل السياسي والإداري والاقتصادي والاجتماعي ثم البيئي.
– على الصعيد السياسي
أصبح هذا الموضوع لا يخلو من نقاش ساخن، حيث يذهب كثير من المهتمين بالشأن المحلي، إلى اعتبار التعاون اللامركزي هو طريق لترسيخ التنمية المحلية، ودينامكية اجتماعية متطورة وبنية سياسية تتأقلم حينما لا ترى محيدا عن التأقلم، على أساس أن الجماعات الترابية المغربية تنحو نحو التحديث، ولا يمكن أبدا أن تبقى القواعد القانونية المعمول بها والبنى القائمة على ما هي عليه، هناك تطور مجتمعي وتغييرات داخل البنية الاجتماعية المغربية، من خلال رصد تطور المجتمع، على أنه مجتمع قابل للتحديث سياسيا، وللتحديث السياسي قواعد، منها فصل السلط وبنية الدولة بصفتها عقدا اجتماعيا تقوم على المؤسسات، الأمر الذي يجعل من العسير أن تبقى الأمور كما كانت عليها .
– على الصعيد الإداري
إن الموضوع يرتبط مباشرة بالعلوم الإدارية وأنساقها وفروعها، فهو ضرورة معرفية وعملية وعنصر من عناصر النشاط الإداري ومكون من مكونات المنظومة القانونية، وهو ما يتطلب النظر المدقق في نشأته ونظامه وتطوره ووظائفه وقيمته الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، التي تعتني بأهمية التنمية والتضامن بين مختلف الجماعات الترابية، بعدما أن انتقلت هذه الأخيرة من الوظائف التقليدية إلى الوظائف التنموية.
– على الصعيد الاقتصادي
للتعاون ارتباط وثيق بالاقتصاد المحلي، مادام التعاون اللامركزي، يتولى أنشطة لها ارتباط بالمجال التجاري والصناعي والسياحي بصفته شريكا في التنمية، إما كمساعد للدولة بتثبيته لبنايات الاستقبال للمشاريع المزمع إنشاءها، وإما ككيان يسعى إلى تحقيق الأهداف اقتصادية تتماشى مع خصوصياته، وكما يرجع بالأساس إلى صعوبة الفصل بين ما هو وطني وما هو محلي، وما دام في نهاية المطاف أن التعاون سواء بمفهومه الواسع أو الضيق، يسعى إلى خدمة التنمية، فإنه في الأخير الكل يعمل من أجل توفير الحياة الكريمة للإنسان.
– على الصعيد الاجتماعي
قد تعاظمت هذه المسؤولية بتزايد الطلبات الاجتماعية، وبما أن الجماعة هي الحلقة القريبة في تلك الطلبات، إنه من الصعب تحقيقها أو توفيرها بمفردها إن لم يكن هناك تعاون، حتى يتم تحقيق هذه الأهداف الاجتماعية ولو نسبيا.
– على الصعيد البيئي
بالتعاون يمكن إدماج البعد البيئي في المسار الاقتصادي والاجتماعي، وذلك بالحفاظ على البيئة والاعتناء بالمحيط، عن طريق وقف الزحف العمراني على الأراضي الصالحة للزراعة والمشجرة والغابات، مع تقنين جمع النفايات المنزلية والصناعية ووضعها في مطارح عمومية مراقبة مع إعادة تدويرها لإنتاج الطاقة، وتصريف المياه العادمة عن طريق إنجاز محطات المعالجة لإعادة استعمالها في أغراض فلاحية.
وتبعا لهذا، تم صياغة الإشكالية الرئيسية لهذا الموضوع على الشكل التالي:
ما هي الأسباب التي استدعت ظهور التعاون اللامركزي؟ وما هي أهم العوامل التي ساعدت الجماعات الترابية على هذا الانفتاح؟
وعن هذه الإشكالية الرئيسية تتفرع مجموعة من الإشكالات الفرعية المتمثلة على الخصوص:
– ما هي المرجعية القانونية التي تؤطر مقاربة التعاون اللامركزي بالمغرب؟
– ما هي مبادئ التعاون اللامركزي والمراحل التي وسمت تطوره؟
– ما هي العوامل المؤثرة التي أدت إلى بلورة التعاون اللامركزي؟
– ما هي المقاربات الحديثة التي جاء بها التعاون اللامركزي؟
– ما هي الإكراهات التي تعيق تفعيل التعاون اللامركزي؟
– ما هي الآليات والوسائل الكفيلة لإجراء وتفعيل التعاون اللامركزي؟
ومن أجل معالجة الإشكالية المركزية وباقي الإشكاليات الفرعية، سأحاول تقسيم الموضوع إلى فرعين: الفرع الأول سأتناول فيه مراحل تطور هيئات التعاون اللامركزي بالمغرب، أما الفرع الثاني سأخصصه لدراسة الشروط الإدارية والمالية لتدبير مؤسسات التعاون والمجموعات الترابية.

الفرع الأول
مراحل تطور هيئات التعاون اللامركزي بالمغرب

نظر للدور الذي أنيط بالجماعات الترابية، فإن عملية التعاون أصبحت الوسيلة المتبعة لتحقيق التنمية على مستوى الجماعات المتعاونة فيما بينها، باعتبارها وحدات إدارية مؤهلة قانونا للقيام بالعملية التنموية إلى جانب الدولة والمؤسسات العامة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والقطاع الخاص.
وهذا ما دفع بالمشرع المغربي التفكير من أجل توسيع اختصاصات هذا المكون عبر مراحل، وذلك بسنه لمجموعة من القوانين المتعلقة بتنظيم الجماعات الترابية، التي تقنن أهمية التعاون اللامركزي بين الوحدات الإدارية المحلية منذ الوهلة الأولى، خاصة حينما أشار إلى المتدخلين العموميين على المستوى المحلي، الذي شخصها في نقابات الجماعات المنصوص عليها في القانون الصادر في 23 يونيو1960 جاء ميثاق سنة 1976 أعطى إمكانيات احدث إلى جانب نقابات الجماعات مؤسسة – المجموعة الحضرية – كشكل من أشكال التعاون الداخلي بين الجماعات التي تنتمي إلى نفس المدينة، وذلك لتحقيق مبدأ المرونة ونهج سياسة القرب وإضفاء نوع من الديمقراطية لتجاوز بعض الحواجز، باعتبار أن تسمية النقابة ربما كانت تحيل المنتخبين على أنها قوة دفاعية عن مصالح الطبقة العاملة، وهذا الموروث الثقافي ساهم لديهم بعدم استثمار هذه الآلية التعاونية، ومجموعة الجماعات في القانون الصادر في 03 أكتوبر2002 وأبقى القانون الصادر في 18 فبراير2009 على نفس التسمية مع إضافة مجموعات التجمعات الحضرية، أما القانون التنظيمي الصادر في 07 يوليوز2015 أشار إلى مؤسسة التعاون بين الجماعات، تحدث بين مختلف الجماعات ذات الامتداد الترابي، والتي حلت محل مجموعة التجمعات الحضرية التي كانت تقتصر على الجماعات ذات خصائص معينة (فقرة أولى). وخلال المراجعة الدستورية سنة 1992 وسنة 1996 أعطى الدستور للجهة صبغة الجماعة وأسند إليها صلاحيات واختصاصات واسعة في ميدان التعاون ينظمها القانون الصادر في 02 أبريل 1996 تحت اسم لجان التعاون بين الجهات، وأما فيما يتعلق بالعمالات والأقاليم، تحدث المشرع على نوعية التعاون في إطار مجموعات العمالات والأقاليم في القانون الصادر في 03 أكتوبر 2002 وأبقى على نفس التسمية في القانون التنظيمي الصادر في 07 يوليوز2015 ، مع إضافة إمكانية إحداث مجموعة الجماعات الترابية مع باقي الجماعات الترابية الأخرى. لكن مع دستور2011 جاءت رغبة المشرع المغربي في إعادة تنظيم اللامركزية عبر مراجعة القوانين التنظيمية الصادرة في 07 يوليوز2015 ، تماشيا مع التطور الحاصل في الأدوار الجديدة التي يجب أن تلعبها هذه الوحدات الترابية من أجل المساهمة في تحقيق التعاون بكل أبعاده، وتجاوز الثغرات والنواقص التي أفرزتها الممارسة في القوانين السابقة (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى
التعاون اللامركزي على مستوى الجماعات
يعتبر التعاون اللامركزي، آليات من الآليات التي تعمل بها الجماعات الترابية مع باقي الفرقاء العموميين، بصفتهم كشركاء لتقديم جميع أنواع المساعدات قصد مواجهة كل المعيقات، التي تحد من تحقيق أهداف تنموية المقررة انجازها بتراب الجماعات الترابية المتعاونة في إطار التعاون اللامركزي، بعدما أن أصبحت المنظومة الترابية، تتولى عدة أدوار طلائعية في صنع القرار التنموي وإنعاش الاقتصاد وتفعيل التنمية بمفهومها الواسع، إلا أن الواقع المحلي يعاني من عدة اختلالات يتعلق بضعف الموارد المالية والتقسيم الجماعي الذي تولدت عنه وحدات إدارية ضعيفة، ولم تشكل هذه الوحدات قاعدة رئيسية لعقلنة مجال التراب الوطني، رغم المجهودات المبذولة من طرف الدولة في وضع إطار ملائم للتنمية المحلية، بعدما أن ظل الفكر التعاوني غائب عن العمل الجماعي، إلى حين انعقاد المناظرة الوطنية للجماعات المحلية سنة1986، التي اعتبرت كانطلاقة حقيقية لمسلسل التعاون وخطوة حاسمة نحو تدعيم اللامركزية.
وهذا ما نص عليه المشرع المغربي في بداية الأمر ودون تفعيل لذلك، خاصة في الجانب المتعلق بإحداث نقابات الجماعات التي تم استبدالها بمجموعات الجماعات، وقد عرف هذا المسار التاريخي محطات مهمة، ساهمت بشكل أو بآخر في إغناء التجربة التي تعتبر في حد ذاتها قنطرة عبور من الحسن إلى الأحسن، وعلى إثر صدور دستور سنة 2011، تم الارتقاء بالتعاون إلى مبادئ الدستورية ، ومن خلال القراءة للأحكام العامة المدرجة في الأقسام التمهيدية للقوانين التنظيمية نستخلص بأن الجماعات الترابية وفقا للفصل 146 من الدستور، على أن التأطير المؤسساتي والتنظيمي للتدبير الترابي المحلي اصطدم بمحددات التداخل والتطابق والتوازي، لاسيما في ظل تمتع الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي، باعتبار كل منها تشكل مستوى مستقل عن الأخر في التنظيم الترابي المغربي، ولا يجوز لأي جماعة ترابية أن تمارس وصايتها على جماعة أخرى. وهذا الأمر ينافيه تبوأ الجهة مركز الصادرة بالنسبة لباقي الجماعات الترابية الأخرى في إعداد برامج التنمية والتصاميم الجهوية لإعداد التراب وتنفيذها وتتبعها، بالرغم من التنصيص على الأخذ بعين الاعتبار الاختصاصات الذاتية لباقي الوحدات الترابية
على هذا لأساس عملت الجماعات الترابية، منذ الوهلة الأولى على تأسيس أشكال تعاونية مختلفة من أجل النهوض بمسؤوليتها التنموية، بناء على الوظائف والاختصاصات التي خولت لها من مختلف قوانين التي تنظم إطار اللامركزية التي عرفها المغرب منذ الاستقلال والإصلاحات التي واكبت اللامركزية التي شهدتها الدولة المغربية، سواء من ناحية المنظومة القانونية أو المالية أو في إطار الحكامة التدبيرية لتأهيل وتقوية سلط المنتخبين مهنيا ومعرفيا لمواكبة التحولات التي تشهدها الإدارة الجماعية باستمرار، حتى تصبح هذه الإدارة أكثر انفتاحا وتنافسية وأوسع مردودية في تطوير النسيج الاقتصادي والاجتماعي، كآلية تدبيريه وأسلوب مناسب لتدبير الشؤون المحلية، ونمط من أنماط التعبير عن رؤية وتصور لحاجيات المجتمع ومشاكله.
بعد، صدور الميثاق الجماعي 1976، مباشرة قامت وزارة الداخلية بإصدار منشور بتاريخ 22 فبراير1977، تعلق بأحداث نقابات الجماعات المحلية. ووضح المنشور الإخفاقات والفشل الذي عرفتها نقابات الجماعة في قانون الصادر في 23 يونيو1960، مما جعل وزير الداخلية يحث عمال العمالات والأقاليم على شرح وتوضيح الهدف وشروط إنشائها وتكوين لجانها واختصاصات التي يتمتع بها رؤساءها، باعتبارها مؤسسات عمومية ولا تتسبب في القضاء على شخصية المعنوية للجماعات المكونة لها على أساس أن هذه الأخيرة تبقى قائمة وتحتفظ بكامل امتيازاتها واختصاصاتها. وأوضح المنشور كذلك شروط تأليف نقابات الجماعات والذي يكون إلا برغبة من الجماعات التي تنوي إحداث هذه الآلية التشاركية، بعد اتخاذ مقررات من طرف مجالسها، وحينما تتم الموافقة بين الجماعة، تسعى الجماعات إلى تكوين ملف لعرضه على أنظار سلطة الوصاية ليؤذن بتأسيسها في صورة مؤسسة عمومية.
وبناء على هذا القرار الوصائي الذي اعتبر من مقومات أركان البناء في إحداث نقابات الجماعات، تضمن في محتواه أسماء الجماعات المنضوية تحت لواء هذه النقابة ( الهدف والمدة ثم المقر)، وكما كان يتم تسيير شؤون النقابة من قبل لجنة، تنتخب من بين أعضائها رئيسا يسهر على تنفيذ الميزانية والمقررات المتخذة بصفته آمر بالصرف وعضوا تنفيذيا، علما أن اختصاصات النقابة الجماعية كانت متعددة ومتنوعة وموزعة حسب الغرض والهدف الذي أحدثت من أجله، وأهميتها كانت تتجلى في التنمية المحلية، باعتبارها أداة فعالة للتعاون بين الجماعات ووسيلة غير مباشرة لخدمة الأهداف الاقتصادية والاجتماعية. وهذا ما أكده الملك الحسن الثاني، خلال الجلسة الافتتاحية للمناظرة الوطنية الثالثة للجماعات المحلية المنعقدة بمدينة مكناس سنة 1986، حيث قال: “… بأنه لا يمكن نهائيا لبلدية صغيرة أن تقوم بأعمال التجهيز وحدها، إذا هي لم تشترك مع جارتها التي تحيط بها والقانون يعطيكم ذلك…وتنكب جميعا على دراسة المشاكل والمصالح و الخطابات المشابهة…”.
إن هذا الخطاب اعتمد على أسلوب التعاون الجماعي والشراكة، باعتباره الأسلوب الأمثل لتحقيق الأهداف المشتركة والتغلب على ضعف مالية الجماعات، الناتج بالأساس عن سوء التوزيع غير المتكافئ للثروة المحلية بين مختلف الجماعات، ومرتبطا أيضا بالمعطيات الجغرافية والاقتصادية. لأن نجاح الجماعات مرهون بقدرتها على فهم مضمون اختصاصاتها المتمحورة حول أهمية التعاون حتى تتجاوب مع محيطها الاقتصادي والاجتماعي.
دائما حسب مفهوم الخطاب الذي ارتكز على أهمية التعاون كأسلوب للتدبير الجماعي في إطار إحداث نقابات الجماعات، التي عملت على تحقيق الأهداف المشتركة بين الجماعات. وبمناسبة المناظرة الوطنية السابعة للجماعات، أكد الملك الحسن الثاني، على أن العمل داخل الجماعات يجب أن يرقى إلى أسلوب التدبير المقاولاتي، وأن يمنح أسلوب التعاون والتشارك مع مختلف الفاعلين لتطوير الرؤية، وكما أنه أيضا تقنية في التدبير الإداري للجماعات فهو يتطلب إلماما دقيقا ووعيا يقضا من لدن المنتخب المحلي بأهمية وسائل التدبير الجديدة في تنمية الجماعات الترابية، مع مراعاة تقلبات التغيير واستعمال الوسائل التي من شأنها أن تساعده على تحقيق الأهداف، حيث قال : “… فعلينا أن ننظر إلى تسيير الجماعات بعين ذلك المسير المقاولاتي؛ عين يقظة وجدية لا يجب أن يكون عملنا في الجماعات عملا مرتجلا…” إن معظم المناظرات الوطنية حول الجماعات تحدثت عن التعاون وآلياته وإصدار مجموعة من التوصيات أهما:
– إحداث جمعية استشارية على المستوى الوطني للجماعات، لفسح المجال وإعطاء الفرص للمنتخبين للتشاور في مختلف القضايا بما في ذلك تقديم اقتراحات لدعم التعاون؛
– تطور التعاون بين الجماعات والقطاع الخاص في إطار التعاقد وخاصة بالنسبة للاستثمارات ذات الصبغة التجارية والصناعية؛
– توسيع عدد ممثلي الجماعات داخل مجالس النقابات؛
– عقد أيام دراسية على المستوى الوطني لتحسيس وتوعية المنتخبين المحليين في مجال التعاون؛
– وضع دليل يعرف بالجماعات والمنظمات التعاونية المحلية ؛
– إحداث قسم للتعاون على مستوى العمالات والأقاليم ثم لجنة مختصة في ميدان التعاون بكل جماعة.
وهكذا استطاعت المناظرة الوطنية الثالثة للجماعات والمناظرات الموالية في إنجاح روح التعاون بين الجماعات وتحفيزها على إحداث النقابات الجماعية التي انتقلت من أربع نقابات ما بين سنة 1960 وسنة 1985 ثم ستة وستون نقابة جماعية سنة 1995، تم توظيف النقابات الجماعية كأداة فعالة للتعاون لتحقيق الأهداف التي يمكن تلخيصها على الشكل التالي:
– إحداث المسالك وصيانتها لفك العزلة على الساكنة؛
– حفر الآبار وتجهيزها لاستغلال الفرشة المائية؛
– صيانة شبكة التطهير ونقل النفايات المنزلية الصلبة.
كل هذا ساهم في خلق دينامية جديدة قصد توفير بعض التجهيزات على مستوى العالم القروي للحد من الهجرة نحو المدن.
وعلى خلفية النقص الواضح في الأداء و التدبير الإداري الجماعي ودخول تداعيات التقنيات الحديثة والعولمة وما تطلبه من تدبير جيد و تنافسية صارمة، أصبحت الحاجة ملحة إلى تعزيز دورا الجماعات الترابية وإعطاء لها نفس جديد. حاول المشرع استصدار قوانين جديدة، أدخلت عليها تعديلات لتفعيل دور الجماعات على الأقل في الجانب المتعلق بالتدبير الإداري، معتبرا أن الدولة انتقلت من منطق الوصاية على الجماعات إلى منطق المواكبة، لإعطاء شرعية أكثر للعمل الجماعي وانتقلت النصوص المنظمة لهذا الكيان من قوانين عادية إلى قوانين تنظيمية جاءت بمستجدات متقدمة ترتكز على مبدأ التدبير الحر والتفريع والتضامن ثم التعاون والشراكة بين الجماعات الترابية من أجل تحقيق أهدافها.
وهذا التوجه في خيار اللامركزية للتدبير العمومي المحلي، ظهر من خلال تطور وظائف المؤسسات والهيئات اللامركزية والمتجلية في الإصلاحات التي عرفتها النصوص القانونية المنظمة لها، والهدف الأساسي من نظام اللامركزية هو:
– إعطاء للجماعات الترابية ومجموعاتها مجموعة من المهمات والصلاحيات، لتصبح قادرة على التخطيط وتدبير الشؤون المحلية الذاتية والموضوعية؛
– تركيز الجهود على قطاعات اقتصادية تنموية وتوجيه النشاط المالي حول إشباع حاجيات السكان.
ومن خلال هذا التوجه نسخ المشرع المغربي مجموعة التجمعات الحضرية بمؤسسة التعاون بين الجماعات، التي اكتست إطارا متقدما مقارنة مع مجموعة التجمعات الحضرية، بعدما أن كانت تقتصر هذه الأخيرة على مدن يفوق عدد ساكناتها 000 200 نسمة، مع استثناء وارد على أن تحتضن هذه المجموعة جماعات قروية، إن كانت هذه الجماعة القروية متصلة ترابيا مع الجماعات المكونة للمجموعة، بهدف التشارك في انجاز وتدبير مرافق ذات فائدة مشتركة، باعتبار أن هذه الآلية من التعاون كان لها وقع خاص على الأوضاع المتعلقة بتدبير مجالات حضرية ذات خصائص معينة. إلا أن هذه المسطرة القانونية لم يشر إليها في القانون التنظيمي الصادر بتاريخ 07 يوليوز2015، وذلك بهدف تبسيط المساطر الإدارية مع وضع إطار قانوني ملائم ومرن لمؤسسة التعاون بين الجماعات والتخفيف من ازدواجية الجهاز الإداري في الرقابة، ولكنه أبقى على نفس الاختصاصات التي أنيط بمجموعة التجمعات الحضرية مع حذف الاختصاص الذي كان يتعلق بالتخطيط الحضري لإعادة تتبع التصميم المديري لمجموعة التجمعات الحضرية وعدل مرفق النقل الحضري بالنقل الجماعي تماشيا مع روح فلسفة النص الدستوري الذي أصبح لا يميز بين الجماعات ذات طابع قروي أو حضري، وأضاف المشرع بان تسهر مؤسسة التعاون على الوقاية وحفظ الصحة وأن تقوم بصيانة الطرق العمومية الجماعية.
وقد جاء هذا التوسيع في اختصاصات المؤسسة، خاصة في ميدان الإحداث والتدبير ثم التجهيزات العمومية بهدف تقديم خدمات القرب، بعدما أن حققت الجماعات ثورة تنموية على مستوى انجازات في إطار برنامج تزويد العالم القروي بالماء الصالح للشرب (PAGER) والبرنامج الوطني للكهربة القروية (PERG) وشق الطرق بالعالم القروي (PNRR) والتهيئة العمرانية ثم إعادة الهيكلة على مستوى الأحياء الهامشية، على أساس أن تمارس هذه المؤسسة التعاونية بين الجماعات إحدى أو بعض أو جميع المهام في قطاع الخدمات، وكما يمكن أن تناط بالمؤسسة علاوة على ذلك، كل مهمة تقرر الجماعات المكونة لها باتفاق مشترك إسنادها إليها. وحصن المشرع المغربي اختصاصات هذه المؤسسة، بعدما أن تم ذكرها على سبيل الحصر وليس على سبيل المثال، وأكد كذلك بأنه لا يمكن لها ممارسة أي اختصاص آخر، إلا بعد موافقة الجماعات المنضوية تحت لوائها، لكون هذه المؤسسة هي التي يسمح لها القيام في مجلات التهيئة وإعداد التراب من أجل إحداث مناطق صناعية وتجارية ثم اجتماعية لتحقيق التوازن بين الجماعات المتصلة ترابيا، يمكن أن نطلق على هذه المؤسسة التعاونية اسم الجماعة الإقليمية المكلفة بخدمات القرب إن صح التعبير.
وتعتبر مؤسسة التعاون بين الجماعات مؤسسة عامة، تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي يعلن عن تكوينها أو انضمام جماعة إليها بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، بعد الاطلاع على المداولات المتطابقة لمجالس الجماعات المكونة لها وتحدد موضوع المؤسسة وتسميتها ومقرها وطبيعة المساهمة أو مبلغها والمدة الزمنية للمؤسسة.
تلعب مؤسسة التعاون بين الجماعات، دورا مهما في العملية التعاونية، إذ تتيح هذه الآلية مساهمة جماعة أو أكثر متصلة ترابيا فيما بينها في إنجاز وإحداث وتدبير مشروع محدد مسبقا ذي فائدة مشتركة. وتعتبر أيضا من أحسن الوسائل لتحقيق التضامن بين الجماعات المتصلة ترابيا، وتتخذ مؤسسة التعاون على شكل جماعات متجانسة فيما بينها (كمجموعة الجهات ومجموعة العمالات والأقاليم ) وتطبق على هذه الوحدات النصوص التشريعية والتنظيمية والقواعد المالية والمحاسبية المتعلقة بالوصاية على الجماعات الترابية. وكما أعطى المشرع المغربي في نفس السياق، إمكانيات إحداث مجموعات الجماعات الترابية فيما بينها رغم أنها غير متجانسة (جهة مع عمالة و إقليم أو الجماعة والعكس صحيح)، وذلك للعمل سويا من أجل تحقيق أهداف اقتصادية وتنموية، تتبع في ذلك نفس الشكليات والطرق في الإحداث.
الفقرة الثانية
أشكال التعاون على مستوى باقي الجماعات الترابية الأخرى
أولا: على مستوى الجهة:
عرف المغرب عدة محاولات لتقسيم مجاله الجغرافي، من بينها التقسيم الذي وقع سنة 1948، حيث تم تقسيم ترابه إلى ثماني جهات، من قبل “جون سليريي” من أجل إبراز عناصر الوحدة الجغرافية كمعيار أساسي، مما جعل المغرب يبادر إلى إحداث مؤسسات إدارية وسياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية، مباشرة بعد حصوله على الاستقلال لضمان استمرارية المرافق العمومية، سواء كانت عامة أو محلية للقيام بواجبها ولملء الثغرة التي تركها المعمر الفرنسي، ومن بين هذه المؤسسات نجد الجماعات التي ظهرت ولأول مرة في تاريخ المغرب كوحدات إدارية تهتم بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهذا ما قد نص القانون المنظم للجماعات الصادر سنة 1960، في فصله 25 “على أنه يمكن للمجلس الجماعي أن يبدي رغبات لها علاقة بجميع الشؤون المحلية، خاصة في الميادين الإدارية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والثقافية…”، وخول هذا القانون أيضا للجماعات إمكانيات إحداث نقابات جماعية فيما بينها ، إلا أن هذه النقابات التي تم الإشارة إليها لم يتم تفعيلها. وقد أصبح هذا النص جامدا ولم يتعد إطاره القانوني، ومن خلال هذا يمكن أن نسجل غياب التعاون اللامركزي الداخلي المنصوص عليه شكلا ومضمونا وفق النص القانوني، حيث اتضح بأنه كانت للمجالس الجماعية أدوارا استشارية في مختلف الشؤون المحلية، ولم تكن لها فكرة استشرافية من أجل تمديد نشاطها مع جماعات أخرى لربط علاقة التعاون، وهذا راجع بالأساس إلى افتقار تلك المجالس إلى المؤهلات المادية والعلمية ثم الكفاءات البشرية، تعتمد عليها في توضيح و تفسير النصوص القانونية التي كانت تهدف إلى إحداث نقابات الجماعات، وهذا ما جعل مشاركة المجالس المحلية آنذاك تختص في الشأن المحلي رمزيا و يتسم بطابع التسيير تدبير.
وخلال سنة 1962 تم تقسم المغرب إلى تسع جهات، أعتمد في هذا التقسيم على نوع الأنشطة التي يتميز بها المجال. وفي سنة 1970 قام ” دنيال نوان” بتقسيم المغرب إلى اثنتا عشرة جهة وقد اعتمد في هذا التقسيم على المعيار الطبيعي.
بعد محدودية نتائج التقسيمات المجالية للمغرب في فترة ما قبل 1971، حيث قررت المؤسسة المهتمة بالمجال المغربي، إعادة النظر في مفهوم الجهة من أجل النهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولهذا قسم المغرب إلى سبع جهات اقتصادية خلال تلك الفترة، كان الهدف من التقسيم هو التخلص من الفوارق الجهوية لتطبيق سياسة اللامركزية (تحت إشراف الإدارة المركزية) وتخفيف الضغط الاقتصادي والديمغرافي على محور الثلاثي ( الدار البيضاء، الرباط والقنيطرة)، وهذا ماساهم بالفعل بظهور اللامركزية في مرحلتها الأولى، وأدت أيضا محدودية نتائج التقسيم الجهوي لسنة 1971 بإعادة النظر من جديد في التقسيم المعمول به.
في هذا الإطار تم الارتقاء بالجهة إلى جماعة وفقا لمقتضيات الدستور المراجع بتاريخ 13 شتنبر1996، يؤطرها القانون الصادر بتاريخ 02 أبريل1997، منح لها صلاحيات وأضفى عليها صفة المؤسسات العمومية، ذات الطابع الجهوي تتوفر على ميزانية خاصة، تشتمل على الموارد والنفقات، التي تشكل القاعدة القانونية المترتبة عن الشخصية المعنوية والاستقلال المالي، وتجعلها خاضعة الافتحاص المالي من طرف الأجهزة المؤهلة لذلك وبنفس النصوص التنظيمية المتعلقة بالوصاية على الجماعات، وساعد هذا التنظيم الجهوي على إحداث لجان التعاون فيما بين الجهات مع العلم أن هذه اللجان لا تعد جماعات ترابية تضاف إلى الجماعات المنصوص عليها في الدستور.
1- أجهزة اللجان المشتركة بين الجهات
كانت تتكون لجان التعاون المشتركة بين الجهات من طرف المجالس الجهوية المنضوية تحت لواء اللجنة، بثلاث مندوبين عن كل جهة يتم اختيارهم وليس انتخابهم، على عكس ما هو معمول به بالنسبة لنقابات الجماعات. وينتخب من بين هؤلاء المندوبين رئيسا للجنة عن طريق الاقتراع السري وبالأغلبية المطلقة؛ وفي حالة عدم الحصول أي مرشح لهذا المنصب على الأغلبية بعد دورتين من الاقتراع؛ تجرى دورة ثالثة ليباشر الانتخاب بالأغلبية النسبية؛ وفي حالة تعادل الأصوات كان ينتخب المرشح الأكبر سنا لهذا المنصب؛ وفي حالة تعادل الأصوات والسن يتم اللجوء إلى القرعة كخيار نهائي، ويكلف الرئيس بمساعدة مقرر الميزانية بمهمة تنفيذ الميزانية.
2- اختصاصات لجان التعاون بين الجهات
كانت تحتل لجان التعاون المشتركة بين الجهات مكانة هامة، حيث أذن لها المشرع المغربي في إنشاء علاقات تعاون فيما بينها أو إحداث مرفق ذي فائدة مشتركة أو تدبير أموال خاصة معدة لتمويل أعمال مشتركة، بغرض تحقيق أهداف تنموية ذات الطابع الجهوي لمواجهة التحديات التي تطرحها التنمية الجهوية.
ولعبت لجان التعاون المشتركة بين الجهات دور غير مباشر في التنمية الجهوية، خاصة في ما يتعلق بإعداد التراب وتهيئته وسد الخصاص الحاصل والحد من الفوارق بين الجهات المنضوية تحت لواء اللجان المشتركة لتحقيق الإمكانيات الاقتصادية باعتبارها أداة فعالة لإنعاش التنمية المستدامة. ولم يتوقف المشرع عند هذا الحد، بل حاول تطوير آلية التعاون بنصوص جديدة قدر الإمكان لتحقيق نوع من التنمية ولو نسبيا، حتى تتمكن من ممارسة اختصاصاتها في إطار شرعي، كمؤسسة إدارية تعمل في اتجاه تطوير اللامركزية ليؤخذ البناء المؤسساتي المحلي شكله الصحيح المتجلي في تعدد الاختصاصات مع توسيع إمكانيات التدخل الواسع في ميدان التنمية والتخطيط الاقتصادي، مع العلم أن النص الذي كان ينظم هذا المولود الجديد لم يشر صراحة على إمكانيات ربط الجهات بعملية التعاون، وإنما جعل هذه العملية تتم في إطار للجان المشتركة التي تكون في الغالب قراراتها استشارية بقدر ما هي تقريرية، وهذا السبب راجع في غالب الأحيان إلى تركبت العنصر البشري- المنتخب والموظف- الذي كانت تتألف به إدارة الجهة:
أ‌- المنتخب: كانت المجالس الجهوية تتكون من مختلف ممثلي شرائح المجتمع على شكل فسيفساء للمشهد السياسي الذي ينظم الجهة (ممثلين عن الجماعات، ممثلين عن مجالس العمالات والأقاليم، الغرف المهنية، وممثلين عن المأجورين) وهذه البلقنة من مختلف التوجهات السياسية والنقابية للمجلس لا تتولد عنه أغلبية مريحة لتشكيله، أضف إلى ذلك بأن صلاحيات الرئيس ومكتبه كانت مقيدة و جد محدودة، وأن منصب الرئيس كان من المناصب البروتوكولية – التسييد – لا أقل ول أكثر، وجاء دستور المراجع 2011 ليعلن على أن الانتخابات الجهوية ستتم باقتراع مباشر.
ب‌- الموظف: في الأصل كانت إدارة الجهة، تتوفر على منصب واحد يتجلى في منصب الكاتب العام، أما باقي الموظفين يقومون بمهام، إما في إطار التكليف أو القيام بالدراسات. من خلال هذه التشكيلة للمورد البشري، يتضح بأن أعمال التعاون كانت شبه غائبة، لأنه ليس هناك نص قانوني صريح يبرز رؤية واضحة وشاملة قادرة على تنسيق مختلف أشكال التعاونية. وهذا ما أدركه القانون التنظيمي المتعلق بالجهات، الذي جاء بصلاحيات واسعة سواء فيما يتعلق بتدبير شؤونها بواسطة مجلس منتخب بالاقتراع العام المباشر. ويعتبر رئيس الجهة آمرا بالصرف ويقوم بتنفيذ مداولات المجلس ومقرراته ويتخذ جميع التدابير اللازمة ويبرم اتفاقيات التعاون والشراكة والتوأمة مع مختلف الفاعلين، سواء من داخل المملكة أو خارجها.
ويسهر رئيس الجهة، كذلك على تدبير المصالح الإدارية التابعة للجهة ويعتبر الرئيس التسلسلي للعاملين بها والسهر على تدبير شؤونهم ويتولى التعيين في جميع المناصب بإدارة الجهة.
يتبين من خلال هذا القانون، أن أعمال التعاون أصبح مستقل وواضح ومن الاختصاصات الذاتية التي تتمتع بها الجهة، على عكس ما كان عليه في السابق، والهدف منه هو تقوية روابط التعاون اللامركزي الداخلي سواء في اتجاه أفقي (إحداث مجموعات الجهات وشركات التنمية الجهوية) أو عمودي مع جماعات ترابية أخرى (إحداث مجموعات الجماعات الترابية). وأسس الدستور لنظام جديد للتضـــــــامن والتأهيل الاجتماعي بين الجهات، لتكريس إستراتيجية تستهدف تنمية جهوية متكاملة، تجعل من الجهات مراكز لاتخاذ القرارات التنموية، لكي تحقق التوازن الاقتصادي والاستقرار السياسي والتماسك الاجتماعي، حتى لا يستمر السير بسرعتين مختلفتين، جهات غنية وجهات فقيرة، اتخذ في هذا الموضوع الإجراءات التصحيحية اللازمة في اتجاه وضع آليات ملائمة من أجل التقليص من الاختلالات والفوارق بين مختلف جهات المملكة، وذلك عبر إحداث صندوق التأهيل الاجتماعي وصندوق التضامن بين الجهات
أصبحت الجهات تضطلع بدور هام في مجال بلورة وتنفيذ السياسات المحلية، لبلوغ أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية للساكنة المحلية، لإبراز أهمية التضامن بين الجهات كآلية أساسية تستجيب لتحديات التنمية قصد الحد من الفقر والقضاء على التهميش، اللذان يتميزان بشكل عام بتباين كبير على مستوى النمو الاقتصادي، حتى تتمكن الساكنة من الاستفادة من الخدمات الأساسية المرتبطة بالتوجهات السياسية العامة للبلاد، وكذا بمدى توفر الموارد المحلية، للحد من المفارقة وكل ما يطرح إشكالية التوازن الجهوي داخل التراب الوطني. مما يلزم إتباع سياسة ديمقراطية وتضامنية تروم تقليص الفوارق بين الجهات وتعزيز دورها في مجال التنمية المندمجة والمستدامة، يرتبط بشكل أساسي بالصلاحيات التي المخولة لها، وذلك حتى يتسنى للجهات القيام بتثمين شامل لإمكانياتها وملاءمتها مع مهامها المستقبلية لتجاوز التأخر المسجل في التنمية الذي يرتكز على التضامن. كل هذا يطرح إشكالية التوازن الجهوي داخل التراب الوطني،
وكذلك على المستوى الخارجي يمكن للجهات إبرام اتفاقيات التوأمة مع جهات أجنبية أو اتفاقيات التعاون والشراكة مع إدارات ومؤسسات عمومية أو هيئات غير حكومية أجنبية أو الهيئات العمومية الأخرى أو الجمعيات المعترف لها بصفة المنفعة العامة.
ثانيا: على مستوى العمالات أوالأقاليم
شكلت الإدارة المركزية بالمغرب، خيارا استراتيجيا منذ صدور أول نص تنظيمي يؤسس للبناء الديمقراطي والمؤسساتي على أوسع مستوى في اتخاذ القرارات، من أجل التخطيط والتعاون للبحث عن وسائل التنمية الاقتصادية ولاجتماعية . وذهبت في نفس الاتجاه جميع النصوص التي تم إصدارها فيما بعد ، والتي تحدد الاختصاصات بشكل واضح على مختلف مستويات الجماعات الترابية، التي أصبحت كليا تشتغل في فلك واحد من أجل تحقيق التنمية المندمجة والمستدامة والتنمية الاجتماعية ثم خدمات القرب، بموجب القوانين التنظيمية لهذه الوحدات الترابية، التي تشهد كل مرة إصلاحات لتبسيط التوجيهات الإستراتيجية الكبرى للإدارة المحلية وتحديد المسؤوليات مع مختلف الفاعلين العموميين بشكل واضح.
تحدث المشرع على نوعية التعاون في فيما يتعلق بمجلس العمالة أو الإقليم، على أن يتم في إطار مجموعات العمالات والأقاليم في القانون الصادر في 03 أكتوبر 2002 وأبقى على نفس التسمية في القانون التنظيمي الصادر في 07 يوليوز2015 ، مع إضافة إمكانية إحداث مجموعة الجماعات الترابية مع باقي الجماعات الترابية الأخرى. ويعهد كذلك بالنسبة لمجلس العمالة والإقليم، بأن يقوم بإحداث آليات التكييف والتنظيم الترابي في إطار تعزيز التعاون بين الجماعات الموجودة بترابه إذا تبينت نجاعة ذلك، إما بمبادرة من الجماعات المعنية أو من الدولة التي تقدم تحفيزات لهذه الغاية. والهدف من هذا هو تشجيع عملية التعاون والتشاور والتكامل بين العمالة أو الإقليم والجماعات الموجودة بترابه.
اعتراف المشرع المغربي، بالعمالة أو الإقليم كجماعة ترابية، إلا أن طريقة انتخاب مجلسه لم ترق بعد إلى المستوى المطلوب، لأنه لازال ينتخب بطريقة غير مباشرة، يتم انتخابه من طرف أعضاء مجالس الجماعات المنتخبون في مجلس العمالة أو الإقليم المتواجد داخل نفوذ الترابي للعمالة أو الإقليم. ورغم تطور النصوص المنظمة لهذه العملية الانتخابية، لازالت لم ترق إلى المستوى المطلوب، لأن هذه العملية تشوبها مجموعة من الخروقات، ينتج عنها مكتب غير مؤهل للتسيير. والجدير بالذكر أن المشرع المغربي أعطى صلاحيات واسعة لرئيس مجلس العمالة أو الإقليم، متساوية مع باقي رؤساء الجماعات الترابية الأخرى، سواء فيما يتعلق بتنفيذ الميزانية ومداولات ومقررات المجلس واتخاذ جميع التدابير اللازمة من أجل تدبير إدارة العمالة أو الإقليم، وكما أحق له إبرام اتفاقيات التعاون والشراكة سواء على المستوى الدولي أو الوطني:
– على المستوى الدولي أجاز المشرع بأن يقوم رئيس مجلس العمالة والإقليم بإبرام اتفاقية التعاون والشراكة على المستوى الدولي و إبرام كذلك اتفاقيات التوأمة.
– أما على المستوى الوطني أجاز له عملية إحداث شركات التنمية أو المساهمة في رأسمالها أو إحداث مجموعات العمالات والأقاليم أو مجموعات الجماعات الترابية الأخرى أو اتفاقيات التعاون والشراكة لإنجاز مشروع أو نشاط ذي فائدة مشتركة.
ومن خلال هذا القانون التنظيمي، أصبح رئيس المجلس هو الجهاز التنفيذي لمقررات المجلس، بدلا من عامل العاملة أو الإقليم كما كان سابقا. ورغم هذا كله يلاحظ بأن مجالس العمالات والأقاليم، حكم عليها بالفشل بسبب ضعف نشاطه في ميدان التعاون والشراكة وإحداث شركات التنمية ومجموعات العمالات والأقاليم ثم مجموعات الجماعات الأخرى، يمكن أن نستخلصه بأن مجالس العمالات والأقاليم تعتبر من الوحدات الإدارية اللامركزية الضعيفة في التدبير اليومي لشؤون المواطنين.

الفرع الثاني
الشروط الإدارية والمالية لتدبير مؤسسات التعاون والمجموعات الترابية

تتميز مؤسسات التعاون والمجموعات التي تحدث على مستوى الجماعات الترابية في الإطار المتجانس، بسهولة التأسيس وبتوفير العديد من الإجراءات الإدارية والقانونية ثم القواعد المالية والمحاسبية المنظمة لها، كما أنه يلاحظ على مستوى النصوص التنظيمية للجماعات الترابية استنتاج آليات تعاونية منسجمة يتم إحداثها فقط على نفس المستويات:
– مجموعات الجهات على مستوى الجهات؛
– مجموعات العمالات والأقاليم على مستوى العمالات والأقاليم؛
– مؤسسة التعاون بين الجماعات على مستوى الجماعات.
بالإضافة إلى آليات تعاونية أخرى غير متجانسة: تسمى بمجموعات الجماعات الترابية، التي يمكن أن تحدث من طرف جهة أو أكثر أو عمالة وإقليم أو أكثر ثم جماعة أو أكثر، والعكس صحيح أن يؤسسوا فيما بينهم مجموعة تحمل اسم مجموعات الجماعات الترابية، تهدف إلى النهوض بالتنمية المندمجة والمستدامة من أجل تحقيق:
– الاستعمال الأمثل للموارد الطبيعية وتثمينها والحفاظ عليها؛
– تغطية النقص الحاصل في التجهيزات الأساسية وتعبئة الاستثمار في مشاريع تتطلب أغلفة مالية باهظة؛
– وسيلة لتصحيح عيوب ونواقص التقسيمات الترابية المتتالية الذي يحكمه الهاجس الأمني والقبلي في آن واحد؛
– بورصة لتسويق ترابي ينبني على تهيئة مجالية متوازنة لإنجاز مشاريع تنموية هادفة وطموحة ومضبوطة.
ولإحداث هذا النوع من التعاون الداخلي لابد من الوقوف على دراسة التركيبة الإدارية ومصادر الموارد المالية التي تضمن السير العادي لهذا التعدد من المؤسسات(فقرة أولى) مع دراسة المنظومة المالية ومصادر مواردها التي تضمن لها نوع من الاستقلالية عن السلطات المركزية في تدبير شؤونها (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى
التركيبة الإدارية لهيئات التعاون اللامركزي

تفعيلا لمبدأ التدبير الحر للجماعات الترابية، أعطى المشرع المغربي للهيئات التداولية هامشا أكبر لاتخاذ قراراتها في إطار من الاستقلالية والمسؤولية وفق ضوابط وقواعد قانونية، على إثر الانتقال من الوصاية الإدارية التقليدية على أعمال هذه الهيئات التداولية إلى تعزيز نظام الرقابة البعدية للقضاء الإداري والمالي عليها.
ونظرا للتشابه والتشتت في الإنتاج القانوني والتكرار الذي اكتسح كل المستويات، فإن نفس الصلاحيات التي أولاها المشرع للجماعات الترابية على مستوياتها الثلاث (الجهات، العمالات والأقاليم ثم الجماعات) ونفس الشيء فيما يتعلق في إحداث وتدبير التنظيم المالي لإدارة الهيئات المختصة بالتعاون اللامركزي، سأحاول ما أمكن جمع عناصر التشابه المكونة لهذه الهيئات حتى لا يصبح هذا لإنجاز ممل ولغو فقط، لأنه حصيلة حاصل وهذا ما سيتم التطرق إليه حول كيفية إحداث الهيئات التعاونية، مع إبراز شروط تدبير شؤون مؤسسة التعاون بين الجماعات ومجموعات الجماعات الترابية الأخرى.
أولا: الإحداث، تحدث مؤسسة التعاون بين الجماعات و مجموعات الجماعات الترابية، بناء على اتفاقيات تصادق عليها مجالس الجماعات الترابية المعنية في شأن إحداثهما بشكل متطابق على وجه الخصوص، بعد اتفاق الأطراف المكونة لهما على:
– اسم المؤسسة أو المجموعة الترابية؛ – مدة الصلاحية؛
– المقر؛
– الموضوع ؛
– طبيعة أو مبلغ المساهمة.
كما يمكن انضمام جماعة أو جماعات إلى المؤسسة ومجموعات الجماعات الترابية، بناء على المداولات متطابقة للمجالس المكونة للمؤسسة وللمجموعة ومجالسهما وفقا للاتفاقيات ملحقة؛ أما فيما يخص المسطرة المتبعة للمصادقة على إحداث مؤسسة التعاون ومجموعة الجماعات الترابية يتعين على الجماعات المعنية موافاة السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية (المديرية العامة للجماعات المحلية) تحت إشراف الولاة والعمال بالملف الإداري والتقني:
1: الملف الإداري: يتكون هذا الملف من الوثائق الإدارية التي تحمل موضوع المؤسسة، والمجموعة وتسميتها ومقرها وطبيعة المساهمة أو مبلغها ثم المدة الزمنية المحددة لإنجاز الأشغال التي أحدثت بموجبها.
2: موضوع المؤسسة و المجموعة، يجب أن يكون الهدف من إحداث هذه المؤسسة والمجموعة هو إنجاز عمل مشترك أو تدبير مرفق ذي فائدة عامة للجماعات والجماعات الترابية المعنية؛
3: اسم المؤسسة والمجموعة، يمكن أن يحمل هذا الاسم موقع جغرافي أو أن يستحضر حدثا تاريخيا أو يعكس الهدف المشترك؛
4: مدة صلاحية المؤسسة و المجموعة: تحدد للمؤسسة والمجموعة مدة معينة أو غير معينة حسب طبيعة المشروع المراد انجازه؛
أ- مدة معينة: تحدد المدة الزمنية من طرف المؤسسة والمجموعة، بناء على اتفاقية تصادق عليها مجالس الجماعات والجماعات الترابية، يدرج فيها تاريخ البداية والتاريخ المفترض لإنهاء الأشغال المشتركة بشكل أحسن وهذا الطابع يمتاز بالظرفية من أجل تحقيق غرض معين؛
ب- مدة غير معينة: تتم هذه المدة في حالة تسيير مرفق عمومي ذي فائدة مشتركة من طرف مؤسسة التعاون ومجموعة الجماعات الترابية يتطلب إنجازه مدة مفتوحة؛
5: مقر المؤسسة والمجموعة: هو المكان الذي يجتمع فيه المنتدبين عن مجالس الجماعات أو الجماعات الترابية، لدى المؤسسة والمجموعة لممارسة مهامهم؛
6: طبيعة أو مبلغ المساهمة: يتم تحديد طبيعة أو مبلغ المساهمة في ميزانية كل جماعة أو جماعة ترابية، عضوا في المؤسسة أو/ و في المجموعة حتى يتم تحويله للمؤسسة والمجموعة، من أجل إنجاز المشروع الذي أحدثت من أجله؛
7: مشروع النظام الداخلي، يتم إعداده من طرف المجالس المنضوية تحت لواء المؤسسة والمجموعة ويكون موحدا ومستوحى من النصوص القانونية التي تنظم اختصاصات الجماعات أو الجماعات الترابية مصادق عليه من طرف المجالس المعنية.
8: الملف التقني، هو عبارة عن بطاقة تقنية أو كناش التحملات تحدد فيها جميع مواصفة المشروع المراد انجازه ويتكون من:
– طبيعة أو نوعية المشروع؛
– التركيبة المالية (قائمة المداخيل والمصاريف المتوقعة)؛
– حصة المساهمين؛
– تسمية جميع الفرقاء؛
– الآجال المتوقعة للإنجاز؛
وفي حالة استغلال عقار يجب إرفاق الملف بوثيقة تثبت الطبيعة القانونية للعقار وعدم تعرضه لأي نزاع أو تعرض.
ثانيا: شروط تدبير شؤون مؤسسة التعاون ومجموعات الجماعات الترابية
يقوم بتدبير شؤون مؤسسة التعاون بين الجماعات و مجموعات الجماعات الترابية، مجالس ومكاتب تطبق عليها نفس القوانين والشكليات المعمول بها في تشكيل أجهزة الجماعات الترابية، ونلاحظ أن هناك اختلاف في تأليف مجلس المؤسسة ومجلس المجموعة:
1 مجلس مؤسسة التعاون: يتألف من رؤساء المجالس المكونة لها ومن أعضاء منتديين من طرف هذه المجالس، ويحدد عددهم بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية بالتناسب مع عدد سكان كل جماعة وتمثل كل جماعة في المجلس بمنتدب واحد على الأقل، كما لا يمكن لأي جماعة الحصول على أكثر من نسبة 60 في المائة من المقاعد بمجلس المؤسسة.
2 مجلس مجموعات الجماعات الترابية: يسير من لدن مجلس يحدد عدد أعضائه بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، وتمثل كل جماعة ترابية في المجلس حسب حصة مساهماتها وبمنتدب واحد على الأقل، وينتخب المنتدبون وفق أحكام القوانين المنظمة للجماعات الترابية والمدة تعادل مدة انتداب المجلس الذي يمثلونه؛ وإذا انقطع المجلس الذي يمثلونه عن مزاولة مهامه نتيجة حله أو لأي سبب من الأسباب يستمر المنتدبون في مزاولة مهامهم إلى أن يعين المجلس الجديد من يخلفونهم؛ وفي حالة ما إذا أصبح منصب أحد المنتدبين شاغر لأي سبب من الأسباب انتخب مجلس الجماعة الترابية المعني خلفا وفق الكيفيات المنصوص عليها في القوانين التنظيمية للجماعات الترابية داخل أجل شهر واحد على الأكثر. أثناء توقيف أو حل مجلس مؤسسة التعاون بين الجماعات أو مجموعات الجماعات الترابية أو إذا استقال نصف من عدد أعضائهما المزاولين مهامهم على الأقل، وجب تعيين لجنة خاصة بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية في تصريف الأمور ومزاولة مهامها إلى حين إجراء التجديد العام لمجلس المؤسسة والمجموعة.
3 المكتب والأجهزة المساعدة لمؤسسة التعاون ومجموعة الجماعات الترابية:
– أ مجلس مؤسسة التعاون بين الجماعات، ينتخب من بين أعضائه رئيسا لمجلس المؤسسة بالاقتراع العلني وبالأغلبية المطلقة للأعضاء المزاولين مهامهم ويعتبر باقي رؤساء مجلس الجماعات نوابا للرئيس ويرتبون بالتناسب مع عدد المقاعد التي تتوفر عليه كل جماعة التي يمثلونها.
– ب مجلس مجموعات الجماعات الترابية، ينتخب من بين أعضائه رئيسا ونائبين على الأقل وأربعة نواب على الأكثر ليشكلوا مكتب المجموعة.
ويستثنى طلب الترشيح لرئاسة مجلس المؤسسة ومجموعة الجماعات الترابية، بعدم إرفاق طلب الترشيح بتزكية مسلمة من الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس، على عكس ما هو معمول به بالجماعات الترابية؛ إذ لم يحصل أي مرشح على الأغلبية المطلقة، يجرى بعد ذلك دورا ثان تحتسب فيه الأصوات بالأغلبية النسبية الأعضاء الحاضرين؛ وفي حالة تعادل الأصوات يعلن فائزا المرشح الأصغر سنا، وفي حالة التعادل في السن يعلن عن المرشح الفائز عن طريق القرعة تحت إشراف رئيس الجلسة كخيار نهائي.
ينتخب أعضاء مجلس المؤسسة والمجموعة، وفق الشروط و الكيفيات المنصوص عليها في القوانين التنظيمية للجماعات، كاتبا لمجلس المؤسسة والمجموعة ونائبا له ويقيلهما وفق نفس الشكليات.
يمارس رئيس المؤسسة والمجموعة، في حدود مهام صلاحيات رئيس مجلس الجماعة أو الجماعات الترابية الأخرى، وكما يمكن له أن يفوض لنوابه إمضاءه وبعض صلاحياته، ويساعده في التدبير اليومي مديرا يتولى تحت مسؤوليته ومراقبته الإشراف على إدارة المؤسسة والمجموعة وتنسيق العمل الإداري بمصالحها والسهر على حسن سيره.
إذا أصبح منصب أحد المنتدبين شاغرا لأي سبب من الأسباب انتخب مجلس الجماعة أو الجماعة الترابية المعني خلفا وفق الشكليات المشار إليها في القوانين التنظيمية للجماعات الترابية داخل أجل شهر واحد على الأكثر.
إذا تغيب الرئيس أو عاقه عائق لمدة تزيد عن شهر، خلفه مؤقتا وبحكم القانون في جميع صلاحياته نائبه وفي حالة وجود نائبين خلفه النائب الأول، وإذا تعذر على هذا الأخير ذلك خلفه النائب الثاني، وإذا تعذر ذلك يتم اختيار من يخلف الرئيس من بين أعضاء مجلسها وفق الترتيب المنصوص عليه في القوانين التنظيمية.
4 الاختصاصات: يقرر مجلس مؤسسة التعاون ،في القضايا المحددة له مسبقا، وكما يمكن له أن تناط به كل مهمة تقرر الجماعات المكونة له باتفاق مشترك إسنادها إليه محل الجماعات المكونة له في الحقوق والالتزامات المترتبة على الاتفاقيات والعقود التي تم إبرامها من طرف الجماعات قبل إحداث المؤسسة أو انضمام جماعة أخرى إليها، وفي إدارة المرافق العمومية الجماعية المخول تدبيرها لكل شخص من أشخاص القانون العام أو الخاص.
وبالنسبة لمجموعة الجماعات الترابية، هي التي تحدد نوع المشاريع من أجل إنجازها.
ويتخذ مجلس المؤسسة والمجموعة قراراته بالأغلبية المطلقة للأصوات المعبر عنها، غير أن القرارات المتعلقة بالميزانية وإبداء الرأي بخصوص تغيير اختصاصات المؤسسة ومدارها وتحديد الشؤون ذات الفائدة المشتركة تتخذ بأغلبية ثلثي الأصوات المعبر عنه.
5 الانضمام إلى مؤسسة التعاون ومجموعة الجماعات الترابية: يمكن قبول انضمام جماعة أو جماعات إلى مؤسسة التعاون بين الجماعات وإلى مجموعة الجماعات الترابية، بناء على مداولات متطابقة للمجالس المكونة لمؤسسة التعاون بين الجماعات و مجموعة الجماعات الترابية وفقا لاتفاقية ملحقة يصادق عليها بنفس الإجراءات والكيفيات ثم الشروط المنصوص عليها في القوانين التنظيمية للجماعات الترابية؛ وكما منع المشرع إبرام أي اتفاقية بين مؤسسة التعاون بين الجماعات ومجموعة الجماعات الترابية مع دولة أجنبية.
6 الحل و الانسحاب: يمكن لجماعة أو جماعات أن تنسحب من مؤسسة التعاون بين الجماعات ومن مجموعات الجماعات الترابية وفق الشكليات المنصوص عليها في اتفاقية تأسيسها، ويعلن عن الانسحاب بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية؛ ويتم حل مؤسسة التعاون بين الجماعات والمجموعة في الحالات التالية:
– بقوة القانون بعد مرور سنة على الأقل بعد تكوينها دون ممارسة أي نشاط من الأنشطة التي أسست من أجله؛
– بعد انتهاء الغرض الذي أحدثت من أجله؛
– بناء على اتفاق جميع مجالس الجماعات المكونة للمؤسسة وللمجموعة؛
– بناء على طلب معلل لأغلبية مجالس الجماعات المكونة للمؤسسة للمجموعة؛
– توقيف مجلس مؤسسة التعاون بين الجماعات والمجموعة أو حله؛
– استقالة نصف عدد أعضاء مجلس المؤسسة والمجموعة المزاولون مهامهم؛
– إذا تعذر انتخاب أعضاء المجلس لأي سبب من الأسباب وجب تعيين لجنة خاصة بقرار للسلطة المكلفة بالداخلية في تصريف الأمور الجارية إلى حين إعادة انتخابه.
وتكريسا لمبدأ مراقبة المشروعية والمنازعات الإدارية، أصبح حضور قوي للقضاء الإداري في طلب البطلان للقرارات التي لا تدخل في صلاحيات الهيئة التداولية وتصبح هذه المراقبة مصدر نصح وتوجيه لخلق إطار التشاور والحوار من اجل المصلحة المحلية والوطنية بصفة عامة.
وفيما يخص الجانب المالي، يمكن أن نتساءل ما هي الوسائل المالية التي توظفها هذه المجموعات التابعة للجماعات الترابية لضمان سيرها العادي؟
الفقرة الثانية
التركيبة المالية للمؤسسات التعاون وباقي المجموعات الترابية

إن الهدف الأساسي من سياسة اللامركزية، هو النهوض بوظائف الجماعات الترابية ومجموعاتها وجعلها شريكا رئيسيا في التنمية الوطنية، لذلك فالمالية المحلية هي وسيلة لتحقيق التنمية والرفع من مستوى معيشة السكان ورفاهيتهم، لكن لا يمكن تأدية هذه الوظيفة التنموية دون الاحتكام إلى التدبير العقلاني للميزانية، وذلك بتحسين المداخيل وترشيد النفقات واعتماد آليات في التدبير.
فمنذ صدور أول تنظيم مالي للجماعات المحلية ومجموعاتها، اعتبر بمثابة حجرة الزاوية للامركزية الإدارية لتفعيل التنمية المحلية، ثم بعد ذلك إصلاح و مراجعة النظام الجبائي الذي راهنت عليه الدولة المغربية للرفع من المداخيل الجبائية للجماعات الترابية ومجموعاتها باعتماد آليات التبسيط والتجميع وملاءمة النظام الجبائي المحلي مع النظام الضريبي الوطني وكما تعتمد الميزانية أو الحسابات الخصوصية سندا ماليا ومحاسبيا لمشروع أو نشاط التعاون
أولا: مالية مجموعات التعاون اللامركزي
تعتبر المالية المحلية بمثابة العملية التحديثية للامركزية، على أساس أنها جزء مكمل للمالية العامة عل مستوى المنظومة السياسية واقتصادية واجتماعية، ولها مكانة هامة تجعل منها العمود الفقري لكل سياسة محلية تنموية، ولا يمكن أن نتصور وجود أو استمرار مرفق عمومي عام أو محلي في غياب الاعتمادات المالية الضرورية. فالمالية المحلية هي التي تعكس الإرادة التمويلية الأساسية لكل المرافق التسييرية والتجهيزية.
ونظرا للترابط بين المالية العامة للدولة والمالية المحلية للجماعات الترابية ومجموعاتها، يجعل منها أداة للتأثير في النشاط المالي بغية تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، بناء على برامج عمل أو مشاريع أو عمليات تستعملها الجماعات الترابية ومجموعاتها عن طريق استخدام الموارد المحلية لتحقيق الأهداف المسطرة مسبقا.
علما أن الفكر المالي يزخر بتعريفات مختلفة حول مفهوم السياسة المالية، لأن هناك من يعرف بان السياسة المالية هي: مجموعة من السياسات المتعلقة بالإجراءات العامة والنفقات العامة لتحقيق أهداف محددة. ويعرفها البعض الأخر بأنها سياسة استخدام أدوات المالية العامة المتجلية في برامج إنفاق وإجراءات عامة لتحريك اقتصاد الكلي.
رغم هذا فإن نفس الإجراءات التي تسرى على المالية العامة للدولة، هي التي تسرى على المالية المحلية مع مراعاة بعض الخصوصيات التي تتمتع بها الجماعات الترابية ومجموعاتها، التي تتمتع بقوة القانون بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، فهي تقدم ميزانياتها بشكل صادق وبمجموع مواردها وتكاليفها. يتم صدقية هذه الموارد والتكاليف، بناء على معطيات مسبقة خلال مرحلة الإعداد والتوقعات التي يمكن أن تنتج عنه.
تشتمل الميزانية على موارد وتحملات، ويمكن أن تشتمل أيضا على ميزانيات ملحقة وحسابات خصوصية؛ وتدرج توازنات الميزانية والميزانيات الملحقة والحسابات الخصوصية في بيان مجمع؛ مع العلم يجب أن تكون الميزانية سنوية وموحدة و غير مخصصة (عدم تخصيص مورد معين لنفقة معينة خاصة في الجزء المتعلق بالتسيير)؛ ويمكن رصد مدخول معين لنفقة الجزء الثاني في إطار الميزانية والميزانيات الملحقة وكذلك الحسابات الخصوصية.
وتعتبر الميزانية الوثيقة التي يقرر ويؤذن بموجبها بالنسبة لكل سنة مالية في موارد وتحملات المجموعات فهي تشتمل على جزئيني:
– الجزء الأول تدرج فيه عمليات التسيير سواء تعلق الأمر بالمداخيل أو النفقات؛
– الجزء الثاني تدرج فيه عمليات التجهيز والاستعمال الذي خصصت له.
يتولى رئيس المجموعة تحضير الميزانية، كما يتعين إعدادها على أساس برمجة تمتد على ثلاث سنوات في مجملها، ثم يتم عرضها على لجنة الميزانية والشؤون المالية والبرمجة مرفقة بالوثائق الضرورية لدراستها، وبعد ذلك على مجلس المجموعة في الدورة العادية لشهر أكتوبر من كل سنة قصد التصويت عليها.
يجرى في شأن تقديرات المداخيل تصويت إجمالي فيما يخص الميزانية والميزانيات الملحقة والحسابات الخصوصية؛ ويجرى في شأن النفقات التصويت عن كل باب؛ وتقدم نفقات المجموعة داخل كل الأبواب في فصول مقسمة إلى برامج ومشاريع أو عمليات:
– البرامج هي: عبارة عن مجموعة متناسقة من المشاريع أو العمليات، تقرن به أهداف محددة وفق غايات ذات منفعة عامة وكذا مؤشرات مرقمة لقياس النتائج المتوخاة والتي ستخضع للتقييم قصد تحقيق شروط الفعالية والنجاعة والجودة المرتبطة بالانجازات.
– المشروع أو العملية فهما عبارة عن مجموعة من الأنشطة والأوراش التي يتم انجازها بهدف الاستجابة لمجموعة من الاحتياجات المحددة.
يتم عرض الميزانية على تأشيرة عامل العمالة أو الإقليم بالنسبة للمجموعات التي يتم إحداثها على مستوى الجماعات أو العمالات والأقاليم، أما فيما يخص المجموعات التي يتم إحداثها على مستوى الجهات فيتم التأشيرة عليها من طرف السلطة المكلفة بالداخلية.
أما بنسبة لتنفيذ وتعديل الميزانية يتبع نفس الإجراءات المتخذة في تنفيذ وتعديل ميزانية الجماعات الترابية؛ وفيما يخص عملية الحصر للميزانية يثبت تنفيذها في أجل أقصاه 31 يناير من السنة الموالية، فيما يتعلق بالمداخيل المقبوضة والنفقات المأمور بصرفها.
تتوفر المجموعات لممارسة اختصاصاتها على موارد ذاتية وموارد محولة التي ترصدها الدولة وحصيلة الاقتراضات.
1: الموارد
تشتمل موارد المجموعات على:
– مساهمات جماعات الأعضاء في المجموعات؛
– الإمدادات التي تقدمها الدولة؛
– المداخيل المرتبطة بالمرافق المحولة للمجموعات؛
– الأتاوى والأجور عن الخدمات المقدمة؛
– مدا خيل تدبير الممتلكات؛
– حصيلة الاقتراضات المرخص بها؛
– الهبات ولوصايا؛
– المداخيل المختلفة.
تخضع المجموعات لنفس الإجراءات القانونية والمالية التي تطبق على الجماعات الترابية، والملاحظ أنها لا تستفيد من مواردها الذاتية خاصة المتعلقة برسوم الخدمات التي تقدمها في ميدان جمع النفايات المنزلية والمحولة من طرف الدولة مثلها مثل باقي الجماعات الترابية “مورد الضريبة على القيمة المضافة”.
2: التحملات، تشتمل تكاليف المجموعات على نفقات التسيير والتجهيز لإنجاز العمليات التي أحدثت من أجلها، كما تتضمن ميزانية الهيئات على الاعتمادات المتعلقة بالنفقات الإجبارية وتخضع لعمليات التدقيق المالي.
أ: النفقات المتعلقة بالتسيير، بموجب نفقات التسيير تسهر المجموعات الحفاظ على استمرارية المرافق العمومية وتعتبر هذه النفقات استهلاكية، وكما تظل الالتزامات بالنفقات في حدود ترخيصات الميزانية وتتوقف هذه الالتزامات على توفر اعتمادات.
تشتمل نفقات المعدات المرتبطة بتسيير المرافق التابعة للمجموعات:
– على الالتزامات المالية الناتجة عن الاتفاقيات والعقود المبرمة من لدن المؤسسات والمجموعات؛
– نفقات الأشغال وجميع برامج التجهيز، التي هي من ضمن اختصاصات المؤسسات والمجموعات وصيانة الأدوات؛
– النفقات المتعلقة بتنفيذ القرارات والأحكام القضائية الصادرة ضد المؤسسات أو المجموعات وتحملات أخرى مختلفة.
ب: النفقات المتعلقة بالتجهيز، تشتمل أساسا بالإنجازات التي تقوم بها المؤسسات و المجموعات، من خلال برامج عمل والبرامج المتعددة السنوات، ولا يمكن أن تشتمل نفقات التجهيز على نفقات المعدات المرتبطة بتسيير المرافق التابعة للهيئات ولا يجوز أيضا استعمال مدا خيل الجزء الثاني في مقابل نفقات الجزء الأول.
تتخذ المؤسسات والمجموعات، إما على شكل جماعات متجانسة فيما بينها أو غير متجانسة وتطبق عليها النصوص التشريعية والتنظيمية والقواعد المحاسبية والمالية المتعلقة بالوصاية على الجماعات الترابية.
3 الميزانيات الملحقة، هي الوثيقة التي يؤذن بموجبها من أجل تحصيل المداخيل أو تنفيذ النفقات، تحدث بقرار لسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، كما تدرج فيها العمليات المالية لبعض المصالح التي لا تتمتع بالشخصية الاعتبارية والتي يهدف نشاطها إلى إنتاج سلع أو تقديم خدمات بالمقابل، تتسم بنفس المبادئ العامة في الإعداد: (السنوية والوحدة وعدم التخصيص ثم التوازن) وكما تخضع لنفس الشروط والشكليات المتعلقة بالميزانية في التحضير والمصادقة ثم التنفيذ والمراقبة.
أما في حالة عدم كفاية مداخل الجزء الأول، يعوض بدفع مخصص للتسيير مقرر برسم التحملات في الجزء الأول من الميزانية، ونفس الشيء في حالة عدم كفاية الموارد المرصودة لنفقات التجهيز في الجزء الثاني من الميزانية بعد مصادقة المجلس.
ثانيا: الحسابات الخصوصية (C.S)
تعتبر الحسابات الخصوصية من المكونات الأساسية للميزانية، ومن الآليات الضرورية لتفعيل السياسات العامة والمحلية والإستراتيجيات لتمويل البرامج ذات الأولوية، فهي تهدف إلى ضبط العمليات التي أحدثت من أجلها، وتمتاز مساطر تدبيرها بالمرونة وتخضع للقوانين والأنظمة المعمول بها فيما يخص الإجراءات والتنفيذ والمراقبة للنفقات العمومية، كما هو الشأن بالنسبة لميزانية الجماعات الترابية.
تشتمل الحسابات الخصوصية على صنفين من الحسابات: حسابات مرصدة لأمور خصوصية وحسابات النفقات من المخصصات.
أ: الحسابات المرصدة لأمور خصوصية (C.A.S)
تحدث هذه الحسابات بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، بناء على برنامج عمل يعده الآمر بالصرف تنفيذا لمداولات المجلس.
تبين في الحسابات المرصدة لأمور خصوصية المداخيل المتوقعة المرصودة لتمويل صنف معين من النفقات والاستعمال الذي خصصت له هذه المداخيل، وعلى هذا الأساس لا يمكن أن تدرج في حساب مرصد لأمور خصوصية النفقات الناتجة عن صرف المرتبات أو الأجور أو التعويضات للموظفين والأعوان.
وفي نفس السياق لا يؤذن بدفع اعتمادات عبر الاقتطاعات من حساب مرصد لأمور خصوصية لفائدة حساب آخر أو مرفق محلي مسير بصورة مستقلة.
تهدف هذه الإجراءات إلى ضمان وعقلنة تدبير هذه الحسابات وتوجيه الاعتمادات المتوفرة لإنجاز المشاريع والعمليات المبرمجة مسبقا فقط.
وكما تفتح اعتمادات الأداء في حدود المداخيل المحصل عليها بترخيص من السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية أو من تفوض له بذلك.
إذا تبين أن المداخيل المحصل عليها تفوق التوقعات، أمكن فتح اعتمادات الأداء في حدود هذا الفائض يؤشر عليه عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه على تغييرات الحساب المرصود لأمور خصوصية، وترحل الموارد المالية المتوفرة إلى السنة المالية الموالية من أجل ضمان استمرارية العمليات من سنة إلى أخرى، لأنها تساهم إلى جانب المرافق العمومية المحلية المسيرة بطريقة مستقلة في تمويل وتأمين التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة والنهوض بالإنعاش العمومي المحلي في إطار نظرة منسجمة للاقتصاد الاجتماعي والتضامني، لإحداث فرص الشغل والتضامن على المستوى الترابي لتحسين ظروف عيش الساكنة.
تبقى الاعتمادات المفتوحة بالحسابات المرصدة لأمور خصوصية سائرة المفعول لمدة ثلاث سنوات، ويصفى بحكم القانون في نهاية السنة الثالثة في حالة لم يترتب عليه نفقات خلال ثلاث سنوات متتالية ويدرج الباقي منه في مداخيل الجزء الثاني من الميزانية.
يصفى ويقفل الحساب المرصود لأمور خصوصية بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، وذلك في إطار توازي الشكليات مدام الإحداث من اختصاصها، إلا أن المشرع المغربي أعطى إمكانية التأشيرة إلى عامل العمالة أو الإقليم في عملية فتح اعتمادات إضافية أو تغييرات الحساب المرصود لأمور خصوصية، وذلك لربح الوقت وتجاوز البيروقراطية الإدارية، نظرا لمساهمة هذا الحساب في تنفيذ التوجهات التي تهدف إلى ضمان توزيع أحسن للموارد الذاتية وترشيد النفقات المبرمجة في هذا لإطار.
ب: حسابات النفقات من المخصصات (C. D. D)
يتم إحداثها بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية أو من تفوض له ذلك وتدرج فيها العمليات التي تمول بموارد يتم تحديدها مسبقا.
تأتي هذه الموارد من المبالغ المدفوعة من الميزانية لتغطية بعض النفقات التي تراها الجماعات الترابية ومجموعاتها ضرورية في التسيير اليومي، بمعنى أنه يجب أن تكون هذه الموارد متوفرة قبل انجاز النفقة، وفي حالة تحقيق فائض في المداخيل يتم ترحيل هذا الفائض من الموارد إلى حسابات النفقات من المخصصات عن كل سنة مالية.
وإذا لم يستهلك هذا الفائض خلال السنة المالية الموالية، وجب إدراجه في الميزانية الثانية الموالية للميزانية التي تم الحصول عليه فيها بالجزء الثاني في الباب المتعلق بالمداخيل، على عكس الحسابات المرصدة لأمور خصوصية التي يتم إحداثها وتصفيتها ثم إقفالها بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، بناء على برنامج استعمال يعده الآمر بالصرف تنفيذا لمداولات المجلس.
إذا تأملنا في هذا النوعين من الحسابين نجد كل واحد منهما يختلف عن الآخر سواء فيما يتعلق بطبيعة المداخيل والمصاريف المرتبطة بهما، بالإضافة إلى التسيير المالي ولمحاسباتي لتلك الحسابات. فيما يخص الحسابات المرصودة لأمور خصوصية فالنفقات مرتبطة بالموارد المحصل عليها نظرا لطابعها الخاص وترحل الموارد المالية المتوفرة في الحسابات المرصودة لأمور خصوصية من سنة إلى أخرى في حدود ثلاث سنوات متتالية إن لم تترتب عليها أي نفقة يصفى بحكم القانون.
أما حسابات النفقات من المخصصات، تكون الموارد متوفرة قبل انجاز النفقات نظرا للعلاقة السببية المتبادلة بين الموارد والنفقات، أما الفائض الناتج عن موارد حسابات النفقات من المخصصات يدرج مباشرة في مداخيل الجزء الثاني من الميزانية الموالية إن لم يستهلك، من هنا نستشف أن طبيعة الحسابات المرصودة لأمور خصوصية طبيعتها تدخل في إطار التجهيزات لأساسية وحسابات النفقات من المخصصات تدخل ضمن التسيير اليومي للإدارة.

خاتمــــــــــة

إن التعاون اللامركزي، فهو شأن الجماعات الترابية، لأن عولمة المدن جعل كل ما هو محلي يطرح في سياق عالمي وفق مقاربة شمولية، وهذا ما أكدته القوانين التنظيمية للجماعات الترابية، التي رسمت معالم مقاربة التعاون اللامركزي في التجربة المغربية منذ الوهلة الأولى، لخلق مجموعة من التكتلات والتحركات ثم الإجراءات، تسمح بالمرور من وضعية اقتصادية إلى أخرى أفضل، لمواكبة التحولات الدولية والوطنية
ومن أهم مزايا التعاون اللامركزي، أنه لا ينفي واقع التدبير المحلي ويعتمد من قبل هيئات محلية، لكنه يطرح عدة إشكالات، تتعلق بالأساس بمدى جديته في التعاطي الفعلي والواقعي والزاميته في تنفيذ المشاريع والبرامج التي أحدث من أجلها، حتى تستجيب لطموحات المرتفقين وتحقيق وانتظارات الساكنة ومحاربة الإقصاء والتهميش والهشاشة ومظاهر الفقر ولو نسبيا، ولإنجاح عملية التعاون يجب البحث عن الفاعلين (منظمات، جماعات، اقتصاديين، حقوقيين، سياسيين، مجتمع مدني…) لخلق أوراش تشاورية يتكلف بها باحثون ومكاتب الدراسات، لتحديد مكامن الخلل ووضع برامج ومشاريع قادرة بالنهوض بمنطقة معينة وتكون في الموعد المحدد. تجاوزا للمستويات غير المنسجمة بين الخطاب السياسي المتطور يشبه لغة “موليير” ، مقابل واقع مرتبك تتميز فيه الموارد المالية للجماعات الترابية بضعفها، والتمويل الاستثنائي (قروض، إمدادات، مساعدات، مساهمات، هبات…) مفقود وغير ملائم.
وهذا الضعف في القدرات المالية، يجعل مؤسسات التعاون تضع معطيات وبيانات غير معبرة بشكل واضح عن الوضعية الحقيقية للمشاريع التي تم تصنيفها حسب أولوياتها، لأن الجانب التمويلي يعتبر من أهم الأسس لتنزيل التعاون بين مختلف المنظمات، حتى لا تفرغ وظيفتها الاقتصادية والاجتماعية من محتواها الايجابي، على اعتبار أن التعاون والتضامن، بمثابة الإطار الأمثل والنموذج التنموي المعتمد في جميع جهات وأقاليم وجماعات المملكة، وهذا ما أكده الملك محمد السادس، حيث قال : ” إن النموذج التنموي الوطني أصبح اليوم غير قادر على الاستجابة للمطالب المحلية والحاجيات المتزايدة للمواطنين، وغير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات ومن التفاوتات المجالية، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية”.
من خلال هذا الخطاب يمكن أن نستنتج، بأن مهندسو المخططات التنموية لم يستطيعوا بلورة رؤية مندمجة وغير قادرين على إخراج نموذج تنموي يستجيب الانتظارات المواطنين، انطلاقا من الإمكانيات المتوفرة لدى كل جهة على حدة. مما يستجيب إعادة النظر في السياسة المعتمدة في ميدان التعاون الذي ظل محدود الجدوى، ما لم يرتكز على آليات فعالة للتطور محليا وجهويا.
والتعاون اللامركزي، ليس مجرد قوانين ومساطر إدارية، وإنما تغيير عميق في الهياكل الإدارية لللامركزية ومقاربة عملية في الحكامة الترابية. هذه التحولات الحديثة، هي التي أفرزت ضرورة انفتاح السلطات المنتخبة على آليات التعاون، لأن أصل التعاون هو التكامل من أجل الارتقاء بالعمل الجماعي إلى المستوى المطلوب لإثبات رغبات الجماعات الترابية في تحقيق التنمية المحلية، التي تبقى هي الرهان الأكبر. والواقع يثبت أن التنمية بحاجة إلى التعاون اللامركزي، سواء في إطاره الأفقي أو العمودي، ووسيلة فعالة لتوحيد إمكانيات الجماعات الترابية، لتحقيق العديد من الأهداف والبرامج المسطرة وضمان نجاحها.
ومن أجل تحقيق التعاون بين الجماعات الترابية، يجب اعتماد أساليب الرصد وتحديد البرامج والمشاريع وتوفير الوسائل المادية والبشرية الكفيلة لإنجاح العمل التعاوني، المبني على أساس الالتقائية في البرامج والمشاريع بين الجماعات الترابية، في ظل محدودية الإمكانيات لبلورة مختلف الاستراتيجيات التنموية التي تعد مسألة مهمة وصعبة، حتى يصبح التعاون اللامركزي منهجا وأداة فعالة لترشيد وعقلنة الاختيارات التنموية التي هي من الشأن العام المحلي، الذي يتطلب إلماما شموليا بوضعية الجماعات اللواتي سيصبحن من الشركاء في إنعاش التنمية الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، يجعل تدخل هذه الوحدات الترابية، تتوفر على معطيات حقيقية وموضوعية تؤطر النشاط المالي والتدبير المحكم.
انتهى

Exit mobile version