Site icon مجلة المنارة

التعاون الدولي في إدارة الأزمات ومعالجة آثارها

التعاون الدولي في إدارة الأزمات ومعالجة آثارها

إعداد: حمدان سلطان الشامسي

باحث بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية المحمدية

المقدمة:

شكلت الأزمات والكوارث الطبيعية حافزا للمجتمع الدولي في البحث عن آليات للتعاون  والتنسيق الدولي من أجل وضع إطار للعمل الدولي للحد من آثار هذه الأزمات والكوارث الطبيعية، سواء على مستوى الخسائر في الأرواح، أو الأضرار التي تصيب الممتلكات، إلى جانب التأثيرات السلبية التي تطال الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وخصوصا في الدول الضعيفة والفقيرة.

وقد انطلقت الجهود الدولية في مجال تدبير الأزمات والتحكم في مخاطرها الأمنية في الثمانينات من القرن الماضي، وذلك من خلال إطار عمل “إطار عمل هیوگو”، و”استراتيجية يوكوهاما” عام 1994، وذلك  من أجل عالم أكثر أمانًا، فتم وضع  مبادئ توجيهية للوقاية من الأزمات، والكوارث الطبيعية والتأهب لها والتخفيف من حدتها.

وتتجلى أهمية معالجة هذا الموضوع في كون أن إدارة الأزمات أصبحت رهانا كبيرا أمام العالم، لمواجهة مختلف التحديات والمخاطر التي تتسبب فيها الأزمات والكوارث، سواء كانت ناتجة بفعل بشري، أو كانت طبيعية. على أساس أن الأمن  والسلم الدوليين تبقى هدفا للاتفاقيات الدولية، ومختلف التدخلات الدولية الرامية إلى تحقيق الأمان في العالم.

وتكمن إشكالية هذا الموضوع في بيان أدوار المنتظم الدولي في التعامل مع الأزمات التي تحدث في العالم، وتشكل تهديدا بمصالح دول العالم، فإلى أي حد يمكن للتعاون الدولي أن يسهم في تدبير وإدارة الأزمات، والحد من آثارها وتهديداتها على الأمن والسلم الدوليين؟.

ولمعالجة هذا الموضوع، سيتم الاستعانة بالمنهج الوصفي لقدرته على توصيف آليات التعاون الدولي في تدبير الأزمات، والحد من مخاطرها وآثارها وخطورتها. وذلك من خلال مبحثين؛ الأول سيتم تناول فيه مفهوم إدارة الأزمات، وآثارها على المصالح الدولية، على أساس أن المبحث الثاني سيتم فيه جرد آليات التعاون الدولي في إدارة الأزمات، انطلاقا من “إطار عمل هيوكو”، وتحليلا لأزمة جائحة كورونا وأزمة سفينة إيفرجيفن.

المبحث الأول: مفهوم إدارة الأزمات، وآثارها على المصالح الدولية

يندرج علم إدارة الأزمات إلى مجال علم الإدارة، حيث برز الاهتمام بهذا العلم في عقد الثمانينات من القرن الماضي، فأغلب الكتابات والتي ذكرت مصطلح “تسيير الأزمات” أو “إدارة الأزمات” قد نشرت بعد سنة 1985، وكان يستخدم لبيان طرق استخدام الأجهزة الحكومية والمنظمات العامة لإيجاد حلول لأزمات ومآزق طارئة([1])، ولما أصبحت لهذه الأزمات آثارٌ ومخلفات تطال الأمن الداخلي والخارجي للدولة،  كان مفروضا على المنتظم الدولي من حشد الجهود الدولية وتركيزها لتحديد طرق تدبير وإدارة هذه الأزمات، ومعالجة آثارها.

أولا: مفهوم إدارة الأزمات

اشتقت كلمة الأزمة من فعل أزم، يأزم، يقال “أزمت يد الرجل آزمها أزما: وهو أشد العض، ويقول: أزم علينا الدهر يأزم أزما: إذا ما اشتد وقل خيره. وقال الليث: سنة أزمة وأزوم، وقال: أزمت العنان أزما: إذا أحكمت ضفره، وهو مأزوم، والأزم:  شدة العض بالأنياب، والأنياب هي الأوازم. والأزم: الجدب والمحل. والأزم: إغلاق الباب([2]). كما أطلق على الأزمة مجموعة من المصطلحات، منها؛ “النائبة”، وهي: الحادثة والمصيبة. “السنين” وهي الجدب، “الطوارق” وهي الحوادث تحدث ليلا، “الطوارئ”: وهي ما حدث بغتة، و “البأساء” وهي الضراء معها خوف الفساد، و”السوء” وهو ضرر يعرف مصدره، و”الطامة”([3]).

ويطلق مصطلح الأزمة على معنى التغيير المفاجئ وفي الغالب نحو الأسوأ([4]) وهي في جميع أشكالها، تبقى حالة غير طبيعية تحدث بسبب ظرف داخلي أو خارجي متوقع أو غير متوقع، في مقابل عدم أو ضعف الإمكانات لمواجهتها والقضاء عليها، أو التخفيف من شدتها وآثارها.

وفي الاصطلاح، تعرف الأزمة بتعريفات مختلفة باختلاف زاوية النظر إليها، وكلما تعددت الحقول المعرفية والسياقات والمجالات العملية، إلا وتعددت التعريفات والبيانات لكلمة الأزمة، فهي تحمل على معنى حدوث مشكل أو خلل مفاجئ.. فالأزمة هي “حدث مفاجئ يهدد المصلحة القومية، وتتم مواجهته في ظروف ضيق الوقت وقلة الإمكانات، ويترتب على تفاقمه نتائج خطيرة، كما تعرف على أنها “حالة توتر ونقطة تحول تتطلب قرارا ينتج عنه مواقف جديدة سلبية كانت أو إيجابية تؤثر على مختلف الكيانات ذات العلاقة([5]).

كما أن تعريف مفهوم الأزمة ظل مفهوماً يتسم بالصعوبة، حيث كثيراً ما يتم الخلط بين المقصود بالأزمة، والمشكلة، والكارثة. وتكمن الصعوبة في تحديد مفهوم الأزمة، في شمولية طبيعتها واتساع نطاق استعمالها، لتشمل مختلف صور العلاقات الإنسانية([6])، بما في ذلك تداعيات مختلف الأحداث التي تسبب خسائر إنسانية واقتصادية واجتماعية وبيئية.

وتعد الكارثة من أحد أكثر المفاهيم التصاقا بالأزمات، وقد ينجم عنها أزمة، ولكنها لا تكون هي أزمة بحد ذاتها، وتعبر الكارثة عن حالة مدمرة حدثت فعلا ونجم عنها ضرر في الأرواح وخسائر في الممتلكات أوكليهما([7]).. كما تعرف بأنها: “حدث مروع يصيب قطاعاً من المجتمع أو المجتمع بأكمله بمخاطر شديدة وخسائر مادية وبشرية، ويؤدي إلى ارتباك وخلل وعجز في التنظيمات الاجتماعية في سرعة الإعداد للمواجهة، وتعم الفوضى في الأداء  وتضارب في الأدوار على مختلف المستويات”([8] ).

وقد عرفت المادة الثالثة من القانون رقم110.14 المتعلق بإحداث نظام التغطية لعواقب الوقائع الكارثية([9])، الكارثة هي “كل حادث تنجم عنه أضرار مباشرة في المغرب. يرجع السبب الحاسم فيه إلى فعل القوة غير العادية لعامل طبيعي أو إلى الفعل العنيف للإنسان.

إن إطلاق كلمة “إدارة الأزمات” يقصد منها هو ذلك العلم الذي يهدف إلى الحفاظ على ممتلكات الدولة وأصولها، وقدرتها على تعظيم الموارد، وكذلك حماية المواطن ضد التهديدات المختلفة، فضلا عن تخفيف المخاطر المحتملة أو تخفيف آثارها في حال عدم التمكن من تجنبها بالكامل. ومن ثم، يمكن طرح مسألة إدارة الأزمة في هيئة علم إدارة التوازنات، وفن التكيف مع المتغيرات المختلفة.. وبحث آثارها في كل الأصعدة، مع القدرة على التنبؤ بالمشكلات المحتملة الناتجة عنها داخليا وخارجيا، وطرح أكبر قدر من الحلول العملية لها؛ بهدف احتواء الأضرار الناجمة عنها، ومحاولة الاستفادة من الأزمات المشابهة إذا تكررت مستقبلا([10]).

وتعد إدارة الأزمات مطلبا أساسيا للمنظمات، خاصة في وقتنا الحاضر والذي تكاثرت وتنوعت فيه الأزمات، مما يفرض عليها ضرورة البحث عن الأساليب الناجعة لمواجهتها بطريقة تسمح لها بالمحافظة على بقائها واستمرارها، حيث تعتمد إدارة الأزمة على نوع وحجم التهديد، فمثلا الأزمة الاستراتيجية، تختلف عن التحديات الإجرائية أو التكتيكية، التي تواجه القيادة في الظروف العادية. فإلى جانب محاولة التقليل من أضرارها الاجتماعية والسياسية، يصبح على القيادة مهمة إعادة الثقة في قدرة النظام على مواجهة أي أزمات جديدة في المستقبل([11])، وذلك من خلال ترسيم مداخل علم تدبير الأزمات في سياسات الدولة واختياراتها.

فإدارة الأزمات تهتم أساسا بالاستجابة للتحديات والأوضاع والأحداث التي تعصف بالكيانات الإدارية، ومن بينها المنظمات في مرحلة من مراحل تطورها، من خلال استخدام كافة الإمكانيات المتاحة لاكتشاف الأزمات وأسبابها والسيطرة عليها قبل استفحالها وانفجارها أو مواجهتها والتعامل معها بعد انفجارها بهدف استعادة السيطرة على الأوضاع وتقليل الخسائر وتعظيم الفوائد المادية والمعنوية([12])، الأمر الذي يسهل استيعابها وتأطير سياسة تدخلاتها للتحكم  في آثارها ومخلفاتها؛ سواء على المصالح الوطنية أو الدولية.

ثانيا: آثار الأزمات على المصالح الدولية

إن حدوث الأزمات والكوارث من شأنه أن يلحق خسائر وأضرار بالمصالح الوطنية والدولية وخصوصا المصالح ذات الطبيعة الاقتصادية والمالية؛ فالشركات العابرة للقارات، والتي  لها فروع في أكثر من دولة، تستمد قدرتها على السيطرة على الاقتصاد العالمي من قوتها الاقتصادية الذاتية ومن قوتها الفنية والتكنولوجية، وتعتبر الشركات متعددة الجنسيات إحدى التعبيرات الاقتصادية المؤثرة في مسار الأحداث الدولية، والعلاقات التجارية والاقتصادية وحتى السياسية بين الدول. وإذ كانت هذه الشركات تشكل أهم موضوعات الاقتصاد الدولي، فهي في نفس الوقت تؤثر على طبيعة العلاقات فيما بين الدول، وتتأثر سلبا أو إيجابا  بالأزمات.

ويقوم الافتراض الأساس لفكرة الشركات متعددة الجنسيات على نقل ابتكارات الشركة الوطن الأم الأراضي الأجنبية ذات الدخل المنخفض والأقل نموا، وتحويل المنتجات والأفكار من المركز إلى المحيط، إلا أن هذا الأمر لا يحصل في الواقع لدى العديد من الشركات([13])، وخصوصا في زمن الأزمات والكوارث، ونذكر هنا، على سبيل المثال؛  أزمة جائحة كورونا(كوفيد19) وما خلفته من آثار سلبية على قوة هذه الشركات وعلى الاقتصادات الوطنية عموما؛ بحيث  “تقدمت شركة أمريكية بدعوى قضائية قيمتها عشرون تريليون دولار أمريكي ضد الحكومة الصينية؛ بدعوى خلقها لفيروس کورونا المستجد وإطلاقه كسلاح بيولوجي”([14]).

كما عرفت العديد من الدول أزمات وكوارث عديدة، أثرت بشكل كبير على مسارها السياسي والاقتصادي، وقد مرت أوروبا وأمريكا بكثير من الأزمات، منها أحداث الحادي عشر من شتنبر 2001، والتي أسفرت عن مقتل ما يقرب من 3000 شخص، وجرح العديد من الأشخاص الآخرين، وتدمير تلك الأعمال المنظمات التي كانت موجودة في البرجين التوأمين وتخريب بنيات تحتية وتجهيزات مختلفة، هذه الأزمة  أدت بمدينة نيويورك إلى طريق مسدود، إضافة إلى أزمة الركود الاقتصادي في عام 2008، والتي طالت المسار السياسي، وخاصة البنيات السياسية لبعض الدول، مما أضطرها إلى مراجعة سياساتها العمومية في كثير من المجالات، فالصعوبات الاقتصادية من طبيعتها أن تؤدي إلى انخفاض في المشاركة السياسية والمشاركة المدنية؛ فالأمريكيون والأوروبيون لا يزالون يعانون من الآثار السلبية لهذه الأزمة إلى حدود الساعة، إضافة إلى جائحة  كورونا(كوفيد19)، والأزمات التي نتجت عنها، والتي مست مختلف الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وأودت بالآلاف من الضحايا، وأصابت الاقتصاد العالمي وألحقت به عجزا بنيوي(ا[15]).

 

وفي هذا الصدد، يمكن ذكر ما خلفه زلزال الحسيمة عام 2004، من أزمات وتداعيات وآثارا وخيمة، حيث قدمت العديد من الدول مساعدات كبيرة للمتضررين من هذا الزلزال، منها:  مكتب المساعدات الخارجية الأمريكية لحالات الكوارث التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، والهلال الأحمر المغربي. كما أطلق الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر نداءً لجمع 2.3 مليون دولار لمساعدة 30 ألف من المتضررين لمدة ستة أشهر. كما خصصت اليونيسف 70 ألف دولار لإنشاء الخيم وإعادة تأهيل المنازل، وقدم برنامج الأغذية العالمي مساعدات غذائية قصيرة الأجل بقيمة 200.000 دولار للأسر والمدارس الأكثر تضرراً من الزلزال.

إن هذه التدخلات من قبل هذه الهيئات تعكس حجم التضامن والتعاون الدوليين في معالجة تداعيات وآثار الأزمات، باعتبارها تشكل تهديدا على السلم والأمن الدوليين.

المبحث الثاني: آليات التعاون الدولي في إدارة الأزمات

مازال عدد من الدول والمنظمات تواجه عدة أنواع من الأزمات والكوارث المختلفة؛ ومن ذلك الحوادث التي تعترض الإنتاج في الشركات، وتحولات السوق الاقتصادية، والتي تحدث مفاجآت ومشاكل، تؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني([16])، إلى جانب حدوث أزمات نتيجة كوارث طبيعية، وهو الأمر الذي دفع المجتمع الدولي في أن يعقد مؤتمرات ولقاءات بغرض البحث عن آليات التعاون في تمكين المجتمعات والدول من أن تصبح مرنة في مواجهة آثار الأزمات، والأخطار الطبيعية وما يتصل بها من كوارث تكنولوجية وبيئية، في أفق أن تتوفر كل دولة على سياسات عمومية في تدبير مخاطر الأزمات والكوارث. ولعل “إطار عمل هيوكو” يعتبر واحدا من المبادرات الدولية التي تؤطر هذا التعاون الدولي في إدارة الأزمات وعموم المخاطر.

أولا: إطار عمل  هيوكو/ سينداي

يعتبر “إطار عمل هیوگو” من الآليات الدولية لتحقيق التعاون وتركيز الجهود للحد من آثار الكوارث،  حيث يعد  إطار عمل هيوغو هو المخطط العالمي لجهود الحد من مخاطر الكوارث بين عامي 2005 و 2015، ويتمثل الهدف الأساسي لإطار عمل “هیوگو” في التقليص بشكل ملموس، من الخسائر في الأرواح البشرية ومن الأضرار التي تتحملها الجماعات والدول على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والبيئي جراء الكوارث.

ويتمحور هذا الإطار الذي تم إقراره من طرف 168 بلدا، حول خمس أولويات يتوخى من خلالها جعل التقليص من المخاطر أولوية وطنية ومحلية، مع إحداث إطار مؤسساتي لهذا الغرض. وقد تم اعتماد إطار عمل “هیوگو” في عام 2005 في المؤتمر العالمي للحد من الكوارث، الذي عقد في كوبي، هيوكو، باليابان. وكان هدفه هو الحد بشكل كبير من خسائر الكوارث بحلول عام 2015 في الأرواح والأصول الاجتماعية والاقتصادية والبيئية للمجتمعات والبلدان([17]).

وقد حدد إطار عمل “هیوگو” خمس أولويات للعمل، وهي:

ضمان الحد من مخاطر الكوارث، واعتباره أولوية وطنية ومحلية مع أساس مؤسسي قوي للتنفيذ، وتحديد وتقييم ورصد مخاطر الكوارث وتعزيز الإنذار المبكر؛ واستخدام المعرفة والابتكار والتعليم لبناء ثقافة السلامة والمرونة على جميع المستويات؛ وتقليل عوامل الخطر الكامنة؛ وتعزيز التأهب للكوارث من أجل الاستجابة الفعالة على جميع المستويات([18]).

وتعتبر المملكة المغربية من الدول المنخرطة في إطار عمل “هیوگو”، الأمر الذي يتوجب على الدول الأعضاء أن تعد تقارير وطنية.  وهو ما استجاب له المغرب ـ بحسب تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول تقييم تدبير الكوارث الطبيعيةـ  من خلال إنجازه تقارير دورية في سنوات 2007-2008 و2009-2010 و2011-2013([19]).

وتناولت هذه التقارير الإنجازات والتقدم الحاصل في ميدان الوقاية وتدبير الكوارث، وكذا التحديات التي يتوجب رفعها من طرف المغرب من أجل التقليص من المخاطر على المستوى الوطني. وبالرغم من أن المغرب كانت تسجل في كل مرة تقدما على مستوى الأجهزة والآليات الكفيلة بالوقاية من الكوارث الطبيعية (دستور يوليوز 2011 والاستراتيجية الوطنية لحماية البيئة والتنمية المستدامة واستراتيجية تدبير الموارد المائية…)، إلا أن إطار عمل “هيوكو” اعتبر هذا التقدم ضعيفا، حيث لاحظ أن المغرب لا يتوفر على أرضية وطنية عملية  تسمح له بالشروع في تنفيذ التوجهات السياسية الضرورية في هذا المجال وكذا تنسيق أنشطة مختلف المتدخلين في تدبير المخاطر([20]).

وقد شكل اعتماد وتنفيذ إطار عمل هيوكو علامة فارقة في تحفيز الجهود الوطنية والمحلية للحد من مخاطر الكوارث وتعزيز التعاون الدولي من خلال تطوير الاستراتيجيات والخطط والسياسات الإقليمية. كما أدى إطار عمل هيوكو إلى تقدم كبير في تطوير المؤسسات والسياسات والتشريعات للحد من مخاطر الكوارث. حيث عزز أصحاب المصلحة على جميع المستويات قدراتهم على تقييم المخاطر وتحديدها والتأهب للكوارث والاستجابة والإنذار المبكر.. ومع ذلك، ظل التقدم نحو إدارة العوامل الكامنة وراء مخاطر الكوارث محدودًا في معظم البلدان. بشكل عام، لم تسهل الأطر المؤسسية والتشريعية والسياسية بشكل كافٍ دمج اعتبارات مخاطر الكوارث في قرارات التنمية. ونتيجة لذلك، زاد التعرض للمخاطر في كل من البلدان ذات الدخل المرتفع والمنخفض بوتيرة أسرع من انخفاض قابلية التأثر، وتولدت مخاطر جديدة أسرع من الحد من المخاطر الحالية.

كما يعتبر “إطار عمل سينداي” استكمالا لإطار عمل هيوكو، والذي يأتي في إطار تطور أجندة السياسة العالمية للحد من مخاطر الكوارث خلال فترة 2015-2030 ، والذي تم اعتماده في المؤتمر العالمي الثالث للأمم المتحدة بشأن الحد من الكوارث (WCDR)  وإقراره من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة (القرار A / RES / 69) / 283) في يونيو 2015 – وذلك بعد ملاحظة حالات الكوارث، وأن العواقب الفعلية والمحتملة للأخطار الطبيعية أصبحت شديدة الخطورة، وأنه من الضروري زيادة التركيز على التخطيط والوقاية قبل وقوع الكوارث([21]).

واعتبارا لكون أن  إطار عمل هيوكو، هو بمثابة أرضية تؤسس للتعاون الدولي في مجال تدبير المخاطر والأزمات والكوارث، بهدف تقليل الخسائر المادية والآثار الاقتصادية، فإنه على المستوى الميداني، شهد العالم تحولات كبيرة على مستوى التعاون فيما بين الدول، وتكاثف الجهود الأممية والدولية، وخصوصا في الأزمات الكبيرة، ومنها أزمة جائحة كورونا/كوفيد19، وأزمة الملاحة البحرية التي تسببت فيها سفينة إيفرجيفن.

ثانيا: نماذج من التعاون الدولي في مواجهة الأزمات

نقتصر على ذكر نموذجين حديثين، استأثرا بمتابعة الرأي العام الدولي، فضلا عن طبيعة الأزمات التي تسببت فيها، وهما:

ـ أزمة جائحة كورونا/ كوفيد 19تعتبر جائحة كورونا/ كوفيد19 من أبرز الأزمات العالمية التي عرفها العالم طيلة سنتي 2020و2021، والتي لازالت آثارها ممتدة إلى وقتنا الحالي، وقد خلفت الآلاف من الضحايا في مختلف دول العالم، وهو ما استدعى تعاونا دوليا لمحاصرة هذه الأزمة، وغيرها من الأزمات والكوارث.

ومن الراجح أن أزمة جائحة كوفيد19 أثرت في النظام العالمي الحالي. إلا أنه يبدو أن هذه الجائحة تطوي، وتحفز في الوقت نفسه، ديناميات وأحداثا لها تأثير في التوازن الإقليمي والعالمي في النظام الدولي. فالحروب والجوائح والأحداث واسعة النطاق تسرع وتيرة إعادة توزيع القوى العالمية أو التسلسل الهرمي أو التغيير المنهجي. ولا شك أن الجائحة أبرزت الثغرات القائمة في نظام الحوكمة العالمي الحالي، وأوجه الضعف في المؤسسات المتجاوزة حدود الولاية الوطنية، ومواطن الضعف فيما يسمى به العالم المتقدم. لكن رغم ذلك، لا توجد إجابة قاطعة لما سيكون عليه النظام العالمي ما بعد الجائحة، ومن سيتولى زمام القيادة، وما معادلة القوة العالمية في المستقبل، ومن سيكون في المستويات العليا للتسلسل الهرمي ومن سيكون في المستويات الدنيا منه. إلا أنه من المؤكد سيكون نظام عالمي ما بعد جائحة کوفید19، ويجب أن يشمل إعادة تخیل وإعادة تخصيص موارد لنماذج الرعاية الصحية، وشبكات الأمان الاجتماعي للفئات الأشد ضعفا في المجتمعات، وآليات القيادة وقت الأزمات. وذلك لأن ما سوف يتبع هو مرحلة ركود اقتصادي عميق([22]).

وقد صدر عن منظمة الصحة العالمية تقارير عن جائحة كوفيد19، منذ انتشارها في أواخر 2019، ويعد تقرير المنظمة لسنة 2022 من أبرز التقارير التي سلطت الضوء على خطورة هذه الجائحة، وأهمية التلقيحات ضد الفيروسات المنتشرة عام 2022، وعدد المعنيين المرشحين للإصابة أكثر من 50 مليون شخص في العالم، وقد دعت منظمة الصحة العالمية الحكومات والصناعة والمؤسسات الدولية والشركاء إلى العمل من أجل التحسين الحصول المستدام والعادل على اللقاحات، والمنظمة تعمل من أجل اتفاقية دولية جديدة بشأن الأوبئة والوقاية والتأهب والاستجابة لها، والتي سوف تسمح بإنهاء الأوبئة في المستقبل([23]).

كما اعتمدت منظمة الصحة العالمية خطة استراتيجية لتحقيق أهداف التطعيم إلى حدود عام 2030 وهي الخطة التي تم انطلاقها عام 2021، وذلك بسبب انتشار تداعيات جائحة كوفيد19، وعدة فيروسات في العالم، بهدف إنقاذ أكثر من 50 مليون شخص ما تبقى من هذا العقد من خلال العمل من أجل الحصول المستدام على اللقاحات للجميع. في حين أن جائحة كورونا كوفيد19 ذكّر العالم بالقوة الهائلة للقاحات كسلع عامة رئيسية، إلا أنه سلط الضوء أيضًا على أوجه عدم المساواة في الوصول إلى هذه اللقاحات عالميًا([24]).

ـ أزمة سفينة إيفرجيفن

تعتبر الأزمة التي أحدثتها سفينة “إيفرجيفن WEver Given في قناة السويس من الأزمات الحديثة، والتي كادت أن تخنق الملاحة البحرية ومن خلالها التجارة الدولية، ففي 23 مارس 2021 جنحت سفينة “إيفرجيفن”، والتي كانت ترفع علم دولة “بنما” ومؤجرة من قبل شركة إيفرجيفن التايوانية، في المقطع الجنوبي من قناة السويس، ما أدى إلى إغلاقه بالكامل، وتعطيل الملاحة في القناة مدة 6 أيام. وقد غادرت السفينة قناة السويس بعد تسوية مالية بلغت 540 مليون دولار، جراء جنوحها وتعطيلها للمجرى الملاحي ستة أيام([25]).

وهي الأزمة التي كان سببها جنوح سفينة من الحجم الكبير400 متر في الطول، و”تحمل ما يقرب من17900 حاوية مملوءة ببضائع قيمتها تعادل المليار دولار، أثناء عبورها بقناة السويس في رحلتها القادمة من الصين والمتجهة نحو روتردام في هولندا، مما أدى إلى انسداد القناة.

وسفينة إيفرجيفن هي سفينة حاويات من الدرجة الذهبية، وتعد إحدى أكبر السفن في العالم، تحمل علم بنما، بينما تشغلها شركة النقل البحرية التايوانية إيفرجيفن Evergreen. وقد نتج عن جنوح السفينة توقف حركة الملاحة بالقناة مما خلف طابورا طويلا من السفن المنتظرة عند مدخل القناة الجنوبية الذي شهد مئات السفن المنتظرة عند مدخل قناة السويس ([26]).

ورغم أن التعامل مع جنوح السفينة كان محفوفا بعديد من المخاطر، حيث قامت هيئة قناة السويس بتشكيل غرفة عمليات من مختلف التخصصات لوضع خطة التعامل التي تتعامل بها الهيئة مع الأزمة، وتم تسخير كل الإمكانيات المادية والمالية والبشرية لتعويم السفينة ومتابعة الوضع الملاحي على كل المستويات([27]).

وقد أثارت قناة السويس دعوى المسؤولية ضد الشركة مالكة السفينة لتعويض الخسائر الناجمة عن هذا الحدث، حيث  أعلنت شركات التأمين المسئولة عن إيفرجيفن أنها توصلت إلى “اتفاق من حيث المبدأ” لحل النزاع، لكن حتى لو تم الانتهاء من هذه الصفقة، فقد تستمر معركة قانونية مطولة خارج مصر، في المحاكم البحرية في لندن، التي تفصل في أمر معظم القضايا البحرية ذات الأموال الضخمة، وتقدمت شركة “شوي كيسن كايشا” مالكة السفينة بطلب للحد من المسؤولية القصوى عن أي دعاوى قضائية. ويضم ملف القضية 16 كياناً قد يطالبون بتعويضات عن الخسائر، معظمهم من أصحاب السفن الأخرى، التي كانت متوقفة في السويس أثناء انسداد القناة. وقد تكون هناك أيضاً معارك حول المسؤولية المالية بين المالك وشركات التأمين التي يتعامل معها، وشركات إعادة التأمين الخاصة بهم، ممن يحمون شركات التأمين من المطالبات الزائدة. وقد تستمر المسطرة القضائية جولات متعددة سواء في مصر أو في بريطانيا([28]).

الخاتمة:

إن الحديث عن التعاون الدولي في إدارة الأزمات ومعالجة آثارها، هو حديث  يدعم المقاربة الاحترازية والاستباقية لدرء وتجنب وقوع الأزمات، لكونها تحمل تهديدا للبشرية، ولذلك يتعين على الدول والمنظمات الدولية ومختبرات البحث العلمي العناية بهذا الموضوع، في أفق فهمه أولا، وإيجاد تفسير له ثانيا، حتى تتمكن البشرية من تجنب آثار وتداعيات الأزمات أو الحد من خسائرها، والتنبؤ بها… وهو ما استطاعت  العديد من الدول إلى تبني المقاربة العلمية في تعاطيها مع الأزمات والكوارث، وذلك من خلال إنشاء مراكز البحث ومراصد الرصد والتنبؤ، وتخصيص ميزانيات واعتمادات مالية مهمة للتعامل مع هذا الموضوع، وتكثيف آليات التعاون المؤسساتي الدولي في هذا الغرض.

 

 

 

لائحة المراجع:

  1. إدارة الأزمات، ماجد المساعدة،  الطبعة الأولى، دار الثقافة  للنشر والتوزيع، عمان الأردن، 1433هـ / 2012.
  2. إدارة الأزمات في المستشفيات عليوة السيد،  إيتراك للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 2001.
  3. إدارة الأزمات، الخضيري محسن أحمد ، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1990.
  4. إدارة ومعالجة الأزمات في الإسلام، سالم الشيخ سوسن، الطبعة الأولى، دار النشر للجامعات مصر، 1424هـ/2003م.
  5. استراتيجية إدارة الأزمات وفعالية التسيير، مرباح مليكة، دار الكتاب الحديث، القاهرة 2012.
  6. تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول تقييم تدبير الكوارث الطبيعية، أبريل 2016 منشور على الموقع الرسمي للمجلس)2016.
  7. تهذيب اللغة، الأزهري (أبو منصور)، تحقيق محمد عوض، الطبعة الأولى، دار إحياء التراث العربي ، بيروت 2001م.
  8. دور القيادة في إدارة الأزمة، الملا حامد سلوى، كتاب الأمة عدد166 ، الطبعة الأولى، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية قطر، 2015م.
  9. السياسة المصرية وإدارة الأزمات، تحديات متزامنة وفرص سانحة، خفاجي ريهام صلاح، تقديم: الفقي مصطفى، الطبعة الأولى، مركز الدراسات الإستراتيجية، الإسكندرية 2022.
  10. سيكولوجية إدارة الأزمات كامل عبد الوهاب محمد، عمان، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1424.
  11. القانون رقم110.14 المتعلق بإحداث نظام التغطية عواقب الوقائع الكارثية، الجريدة الرسمية عدد 6502 بتاريخ 22/9/2016.
  12. الموقع الرسمي لإطار عمل هيوغو https://www.preventionweb.net
  13. النظام العالمي ما بعد الجائحة: تسعة مؤشرات، سيتاكانتا ميشرا، ترجمة ريهام صلاح خفاجي، مركز الدراسات الإستراتيجية، مكتبة الإسكندرية، 2021.
  14. The Future of the Multinational Company, Julian Birkinshaw and others, London Business School, England,2003.
  15. Crisis management planning and execution / Edward S. Devlin. auerbach publications United States of America, 2007.
  16. Global Vaccine Market Report , 2022, World Health Organization 2022, (https://www.who.int/publications)

 

[1] استراتيجية إدارة الأزمات وفعالية التسيير، مرباح مليكة، دار الكتاب الحديث، القاهرة 2012، ص:39.

[2] تهذيب اللغة، الأزهري (أبو منصور)، تحقيق محمد عوض، الطبعة الأولى، دار إحياء التراث العربي ، بيروت 2001م ج13/ ص: 187.

[3] إدارة ومعالجة الأزمات في الإسلام، سالم الشيخ سوسن، الطبعة الأولى، دار النشر للجامعات مصر،  1424هـ/2003م، ص:70.

[4] إدارة الأزمات، محسن أحمد الخضيري، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1990، ص: 76.

[5] إدارة الأزمات، ماجد المساعدة، الطبعة الأولى، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان الأردن، 1433هـ / 2012، ص:22.

[6] دور القيادة في إدارة الأزمة، الملا حامد سلوى، كتاب الأمة عدد166، الطبعة الأولى، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية قطر، 2015م، ص: 48.

[7] إدارة الأزمات في المستشفيات عليوة  السيد، إيتراك للطباعة والنشر والتوزيع ، القاهرة، 2001، ص12.

[8] سيكولوجية إدارة الأزمات كامل عبد الوهاب محمد، عمان، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1424 هـ، ص21.

[9] القانون رقم110.14 المتعلق بإحداث نظام التغطية لعواقب الوقائع الكارثية، الجريدة الرسمية عدد 6502 بتاريخ  22/9/2016 ، ص:6830.

[10] السياسة المصرية وإدارة الأزمات، تحديات متزامنة وفرص سانحة، خفاجي ريهام صلاح، تقديم: الفقي مصطفى، الطبعة الأولى، مركز الدراسات الإستراتيجية، الإسكندرية 2022، ص:10.

[11] دور القيادة في إدارة الأزمة، (م.س)،  ص: 54.

[12] استراتيجية إدارة الأزمات وفعالية التسيير، (م.س)، ص:3.

[13]) The Future of the Multinational Company, Julian Birkinshaw and others, London Business School, England,2003. p.113.

[14] النظام العالمي ما بعد الجائحة: تسعة مؤشرات، سيتاكانتا ميشرا،  ترجمة ريهام صلاح خفاجي، مركز الدراسات الإستراتيجية، مكتبة الإسكندرية، 2021، ص: 20.

[15] Crisis management planning and execution / Edward S. Devlin. auerbach publications United States of America, 2007, p.22

[16] Crisis management planning and execution, op.cit.,  p.9/10

[17]  الموقع الرسمي لإطار عمل هيوكو https://www.preventionweb.net اطلع عليه بتاريخ30/10/2022الساعة15.

[18]  الموقع الرسمي لإطار عمل هيوكو (م.س).

[19] تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول تقييم تدبير الكوارث الطبيعية، أبريل 2016، ص:5و6.

[20] تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول تقييم تدبير الكوارث الطبيعية(م.س).

[21]  الموقع الرسمي لإطار عمل هيوكو(م.س).

[22] النظام العالمي ما بعد الجائحة: (م.س)، ص: 45.

[23] Global Vaccine Market Report , 2022, World Health Organization 2022, p.4 (https://www.who.int/publications)

[24] Global Vaccine Market Report , op.cit., p.4

[25] الموقع الالكتروني  لوكالة الأنباءالأناضول https://www.aa.com.tr/ar  اطلع عليه يوم 20/04/2022 الساعة 15.00

[26] السياسة المصرية وإدارة الأزمات،(م.س)، ص:43.

[27] السياسة المصرية وإدارة الأزمات، (م.س)، ص:44.

[28] الموقع الالكتروني الشرق اقتصاد https://www.asharqbusiness.com اطلع عليه يوم 20/09/2022 الساعة 11.00

Exit mobile version