Site icon مجلة المنارة

التعاون الدولي في إدارة الأزمات ومعالجة آثارها

 

التعاون الدولي في إدارة الأزمات ومعالجة آثارها

حمدان سلطان الشامسي

h-alshamisi@live.com

باحث بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية المحمدية

جامعة الحسن الثاني الدارالبيضاء

الملخص:

تعتبر إدارة الأزمات من بين المعارف التي تقوم على أساس البحث في مقاربات واستراتيجيات لتدبير الأزمات ومعالجة آثارها ومخلفاتها، و على اعتبار أن الأزمات أصبحت شانا عالميان وذلك بحكم تداعياتها التي تتجاوز الحدود الوطنية، كان لزاما على المجتمع الدولي التنسيق من أجل وضع إطار للعمل الدولي للحد من آثار هذه الأزمات والكوارث الطبيعية، سواء على مستوى الخسائر في الأرواح، أو الأضرار التي تصيب الممتلكات، إلى جانب التأثيرات السلبية التي تطال الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وخصوصا في الدول الضعيفة والفقيرة.

وإذا كانت تعرف مجموعة من الدولة تعرف أزمات متعددة، بعضها يأتي في سياق طبيعي، والآخر يتم التحكم فيها من خلال إدارة معادلاتها، وتحديد وقت حدوثها والمكان المقصود بها، فإن تطور الحياة المعاصرة اليوم، وتطور الأدوات والوسائل التقنية لصناعة الأزمة وافتعالها لخدمة أغراض معينة، بفرض حشد الجهود والإمكانات الدولية، وتقوية التعاون الدولي من أجل استدامة الأمن والسلم في العالم.

وتكمن إشكالية هذا الموضوع في بيان أدوار المنتظم الدولي في التعامل مع الأزمات التي تحدث في العالم، وتشكل تهديدا بمصالح دول العالم، فإلى أي حد يمكن للتعاون الدولي أن يسهم في تدبير وإدارة الأزمات، والحد من آثارها وتهديداتها على الأمن والسلم الدوليين؟.

وتناول هذا البحث محوررين؛ الأول عالج  مفهوم إدارة الأزمات، وآثارها على المصالح الدولية، لكونها تتسبب في حصول  خسائر وأضرار بالمصالح الوطنية والدولية وخصوصا المصالح ذات الطبيعة الاقتصادية والمالية؛ أما المحور الثاني تم فيه جرد آليات التعاون الدولي في إدارة الأزمات، انطلاقا من “إطار عمل هيوكو”، وتحليلا لأزمة جائحة كورونا وأزمة سفينة إيفرجيفن  بقناة  السويس.

résumé

La gestion de crise est considérée comme faisant partie des savoirs fondés sur la recherche d’approches et de stratégies de gestion des crises et de traitement de leurs effets et répercussions, et étant donné que les crises sont devenues une affaire mondiale, en raison de leurs répercussions qui dépassent les frontières nationales, il était nécessaire que la communauté internationale se coordonne afin d’élaborer un cadre d’action internationale pour réduire les effets de ces crises et catastrophes naturelles, qu’il s’agisse de pertes en vies humaines ou de dommages aux biens, ainsi que les effets négatifs sur la vie sociale et économique.

La problématique  de ce sujet consiste à expliquer les rôles de la communauté internationale face aux crises qui se produisent dans le monde et menacent les intérêts des pays du monde. Dans quelle mesure la coopération internationale peut-elle contribuer à la gestion et à la gestion des crises, et limiter leurs effets et menaces pour la paix et la sécurité internationale ?

Cette recherche portait sur deux axes ; Le premier traitait du concept de gestion de crise et de ses effets sur les intérêts internationaux, en tant qu’il cause des pertes et des dommages aux intérêts nationaux et internationaux, en particulier les intérêts de nature économique et financière; par contre le deuxième axe traite les mécanismes de coopération internationale en gestion de crise, sur la base du “Hyoko Framework”, et une analyse de la crise pandémique Corona et de la crise du navire Evergreen dans le canal de Suez/ Egypte.

  المقدمة:

شكلت الأزمات والكوارث الطبيعية حافزا للمجتمع الدولي في البحث عن آليات للتعاون  والتنسيق الدولي من أجل وضع إطار للعمل الدولي للحد من آثار هذه الأزمات والكوارث الطبيعية، سواء على مستوى الخسائر في الأرواح، أو الأضرار التي تصيب الممتلكات، إلى جانب التأثيرات السلبية التي تطال الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وخصوصا في الدول الضعيفة والفقيرة.

وتعتبر إدارة الأزمات أحد المجالات التي ينظمها القانون الإداري العام،  وهذا يعني أنه مجال خالص للدولة ويؤطر تدخلاتها الاستباقية والتوقعية للتعامل مع الأزمات والكوارث، وبالتالي فحضور الدولة أصبح ضروريا وهاما في  تدبير الأزمات ومعالجة آثارها، لكون ذلك يشكل جزء من الأمن  والنظام العام. إلا أن الأزمات بدأت تتسع مجالات انتشارها، وأصبحت تتجاوز الدول، وإمكاناتها المحدودة، حيث تحول الاهتمام بها إلى الشأن الدولي، وأصبحت تعقد مؤتمرات دولية وتبرم معاهدات واتفاقيات لتوحيد جهود دول العالم.  وهو ما أضفى عليها طابع القانون الدولي، ومقتضيات العلاقات الدولية، وإجراءات  السياسات لخارجية.

فالتاريخ يذكر لنا مجموعة من الأزمات والكوارث الطبيعية، كزلزال مدينة أكادير، وزلزال مدينة الحسيمة، واجتياح الجراد، والجفاف، وجائحة كورونا/ كوفيد19، وأزمة الملاحة البحرية التي تسببت فيها سفينة ايفرجيفن بقناة السويس… حيث يتضح أن المخاطر الناتجة عن هذه الأزمات والأحوال الجوية الهيدرولوجية هي الأكثر تهديدا، وخاصة الفيضانات والجفاف وموجات الحر والبرد.. وكل هذه الأزمات والكوارث نتج عنها خسائر في الأرواح والتجهيزات، وكانت لها انعكاسات سلبية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، كما أن هناك أسباب أخرى غير طبيعية، يتم من خلالها افتعال أزمات والتحكم فيها.

وقد انطلقت الجهود الدولية في مجال تدبير الأزمات والتحكم في مخاطرها الأمنية في الثمانينات من القرن الماضي، وذلك من خلال إطار عمل “إطار عمل هیوگو”، و”استراتيجية يوكوهاما” عام 1994، وذلك  من أجل عالم أكثر أمانًا، فتم وضع  مبادئ توجيهية للوقاية من الأزمات، والكوارث الطبيعية والتأهب لها والتخفيف من حدتها.

وتتجلى أهمية معالجة هذا الموضوع في كون أن إدارة الأزمات أصبحت رهانا كبيرا أمام العالم، لمواجهة مختلف التحديات والمخاطر التي تتسبب فيها الأزمات والكوارث، سواء كانت ناتجة بفعل بشري، أو كانت طبيعية. على أساس أن الأمن  والسلم الدوليين تبقى هدفا للاتفاقيات الدولية، ومختلف التدخلات الدولية الرامية إلى تحقيق الأمان في العالم.

وتكمن إشكالية هذا الموضوع في بيان أدوار المنتظم الدولي في التعامل مع الأزمات التي تحدث في العالم، وتشكل تهديدا بمصالح دول العالم، فإلى أي حد يمكن للتعاون الدولي أن يسهم في تدبير وإدارة الأزمات، والحد من آثارها وتهديداتها على الأمن والسلم الدوليين؟.

ولمعالجة هذا الموضوع، سيتم الاستعانة بالمنهج الوصفي لقدرته على توصيف آليات التعاون الدولي في تدبير الأزمات، والحد من مخاطرها وآثارها وخطورتها. وذلك من خلال مبحثين؛ الأول سيتم تناول فيه مفهوم إدارة الأزمات، وآثارها على المصالح الدولية، على أساس أن المبحث الثاني سيتم فيه جرد آليات التعاون الدولي في إدارة الأزمات، انطلاقا من “إطار عمل هيوكو”، وتحليلا لأزمة جائحة كورونا وأزمة سفينة إيفرجيفن  بقناة  السويس.

المبحث الأول: مفهوم إدارة الأزمات، وآثارها على المصالح الدولية

يندرج علم إدارة الأزمات إلى مجال علم الإدارة، حيث برز الاهتمام بهذا العلم في عقد الثمانينات من القرن الماضي، فأغلب الكتابات والتي ذكرت مصطلح “تسيير الأزمات” أو “إدارة الأزمات” قد نشرت بعد سنة 1985، وكان يستخدم لبيان طرق استخدام الأجهزة الحكومية والمنظمات العامة لإيجاد حلول لأزمات ومآزق طارئة([1])، ولما أصبحت لهذه الأزمات آثارٌ ومخلفات تطال الأمن الداخلي والخارجي للدولة،  كان مفروضا على المنتظم الدولي من حشد الجهود الدولية وتركيزها لتحديد طرق تدبير وإدارة هذه الأزمات، ومعالجة آثارها.

أولا: مفهوم إدارة الأزمات

اشتقت كلمة الأزمة من فعل أزم، يأزم، يقال “أزمت يد الرجل آزمها أزما: وهو أشد العض، ويقول: أزم علينا الدهر يأزم أزما: إذا ما اشتد وقل خيره. وقال الليث: سنة أزمة وأزوم، وقال: أزمت العنان أزما: إذا أحكمت ضفره، وهو مأزوم، والأزم:  شدة العض بالأنياب، والأنياب هي الأوازم. والأزم: الجدب والمحل. والأزم: إغلاق الباب([2]). كما أطلق على الأزمة مجموعة من المصطلحات، منها؛ “النائبة”، وهي: الحادثة والمصيبة. “السنين” وهي الجدب، “الطوارق” وهي الحوادث تحدث ليلا، “الطوارئ”: وهي ما حدث بغتة، و “البأساء” وهي الضراء معها خوف الفساد، و”السوء” وهو ضرر يعرف مصدره، و”الطامة”([3]).

وترجع الأصول التاريخية لمفهوم الأزمة، إلى الطب الإغريقي القديم،  تعبيرا عن نقطة تحول مصيرية في تطور المرض، يرتهن بها شفاء المريض، ومن ثم،  تكون مؤشرات المرض، أو دلائل الأزمة، هي الأعراض التي تظهر على المريض والناجمة عن الصراع بين الميكروبات والجراثيم ومقاومة الجسم لها،  وليس عن الأزمة المرضية التي ألمت به.  وبعد أن شاع اصطلاح الأزمة في المعاجم والكتب الطبية، بدأ استخدامه مع بداية القرن التاسع عشر في التعبير عن ظهور المشاكل التي تواجهها الدول، إشارة إلى نقاط التحول الحاسمة في تطور العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية([4]).

ويطلق مصطلح الأزمة على معنى التغيير المفاجئ وفي الغالب نحو الأسوأ([5]) وهي في جميع أشكالها، تبقى حالة غير طبيعية تحدث بسبب ظرف داخلي أو خارجي متوقع أو غير متوقع، في مقابل عدم أو ضعف الإمكانات لمواجهتها والقضاء عليها، أو التخفيف من شدتها وآثارها.

وفي الاصطلاح، تعرف الأزمة بتعريفات مختلفة باختلاف زاوية النظر إليها، وكلما تعددت الحقول المعرفية والسياقات والمجالات العملية، إلا وتعددت التعريفات والبيانات لكلمة الأزمة، فهي تحمل على معنى حدوث مشكل أو خلل مفاجئ.. فالأزمة هي “حدث مفاجئ يهدد المصلحة القومية، وتتم مواجهته في ظروف ضيق الوقت وقلة الإمكانات، ويترتب على تفاقمه نتائج خطيرة، كما تعرف على أنها “حالة توتر ونقطة تحول تتطلب قرارا ينتج عنه مواقف جديدة سلبية كانت أو إيجابية تؤثر على مختلف الكيانات ذات العلاقة([6]).

كما أن تعريف مفهوم الأزمة ظل مفهوماً يتسم بالصعوبة، حيث كثيراً ما يتم الخلط بين المقصود بالأزمة، والمشكلة، والكارثة. وتكمن الصعوبة في تحديد مفهوم الأزمة، في شمولية طبيعتها واتساع نطاق استعمالها، لتشمل مختلف صور العلاقات الإنسانية([7])، بما في ذلك تداعيات مختلف الأحداث التي تسبب خسائر إنسانية واقتصادية واجتماعية وبيئية.

وتعد الكارثة من أحد أكثر المفاهيم التصاقا بالأزمات، وقد ينجم عنها أزمة، ولكنها لا تكون هي أزمة بحد ذاتها، وتعبر الكارثة عن حالة مدمرة حدثت فعلا ونجم عنها ضرر في الأرواح وخسائر في الممتلكات أوكليهما([8]).. كما تعرف بأنها: “حدث مروع يصيب قطاعاً من المجتمع أو المجتمع بأكمله بمخاطر شديدة وخسائر مادية وبشرية، ويؤدي إلى ارتباك وخلل وعجز في التنظيمات الاجتماعية في سرعة الإعداد للمواجهة، وتعم الفوضى في الأداء  وتضارب في الأدوار على مختلف المستويات”([9] ).

وقد عرفت المادة الثالثة من القانون رقم110.14 المتعلق بإحداث نظام التغطية لعواقب الوقائع الكارثية([10])، الكارثة هي “كل حادث تنجم عنه أضرار مباشرة في المغرب. يرجع السبب الحاسم فيه إلى فعل القوة غير العادية لعامل طبيعي أو إلى الفعل العنيف للإنسان.

إن إطلاق كلمة “إدارة الأزمات” يقصد منها هو ذلك العلم الذي يهدف إلى الحفاظ على ممتلكات الدولة وأصولها، وقدرتها على تعظيم الموارد، وكذلك حماية المواطن ضد التهديدات المختلفة، فضلا عن تخفيف المخاطر المحتملة أو تخفيف آثارها في حال عدم التمكن من تجنبها بالكامل. ومن ثم، يمكن طرح مسألة إدارة الأزمة في هيئة علم إدارة التوازنات، وفن التكيف مع المتغيرات المختلفة.. وبحث آثارها في كل الأصعدة، مع القدرة على التنبؤ بالمشكلات المحتملة الناتجة عنها داخليا وخارجيا، وطرح أكبر قدر من الحلول العملية لها؛ بهدف احتواء الأضرار الناجمة عنها، ومحاولة الاستفادة من الأزمات المشابهة إذا تكررت مستقبلا([11]).

وتعد إدارة الأزمات مطلبا أساسيا للمنظمات، خاصة في وقتنا الحاضر والذي تكاثرت وتنوعت فيه الأزمات، مما يفرض عليها ضرورة البحث عن الأساليب الناجعة لمواجهتها بطريقة تسمح لها بالمحافظة على بقائها واستمرارها، حيث تعتمد إدارة الأزمة على نوع وحجم التهديد، فمثلا الأزمة الاستراتيجية، تختلف عن التحديات الإجرائية أو التكتيكية، التي تواجه القيادة في الظروف العادية. فإلى جانب محاولة التقليل من أضرارها الاجتماعية والسياسية، يصبح على القيادة مهمة إعادة الثقة في قدرة النظام على مواجهة أي أزمات جديدة في المستقبل([12])، وذلك من خلال ترسيم مداخل علم تدبير الأزمات في سياسات الدولة واختياراتها.

فإدارة الأزمات تهتم أساسا بالاستجابة للتحديات والأوضاع والأحداث التي تعصف بالكيانات الإدارية، ومن بينها المنظمات في مرحلة من مراحل تطورها، من خلال استخدام كافة الإمكانيات المتاحة لاكتشاف الأزمات وأسبابها والسيطرة عليها قبل استفحالها وانفجارها أو مواجهتها والتعامل معها بعد انفجارها بهدف استعادة السيطرة على الأوضاع وتقليل الخسائر وتعظيم الفوائد المادية والمعنوية([13])،  وذلك من خلال تفعيل خاصية التنبؤ بالأزمة أو الكارثة؛ فالأزمة يمكن التنبؤ بها، وهي في مقدور الدول والمؤسسات توقع حدوثها، وإن كانت ليست كل الأزمات قابلة للتنبؤ، بينما الأصل في الكارثة، أنه يصعب التنبؤ بحدوثها، وهو ما يجعل الكارثة أن تبقى بعيدة عن دائرة التوقعات الدقيقة؛ لأنها في الغالب ما تكون نتيجة أسباب طبيعية، إلا أنه بتطور العلم وتقنياته الحديثة، أصبح في المقدور التنبؤ بحدوث الكوارث،  كالزلازل والأعاصير… الأمر الذي يسهل استيعابها وتأطير سياسة تدخلاتها للتحكم في آثارها ومخلفاتها؛ سواء على المصالح الوطنية أو الدولية.

ثانيا: آثار الأزمات على المصالح الدولية

إن حدوث الأزمات والكوارث من شأنه أن يلحق خسائر وأضرار بالمصالح الوطنية والدولية وخصوصا المصالح ذات الطبيعة الاقتصادية والمالية؛ فالشركات العابرة للقارات، والتي  لها فروع في أكثر من دولة، تستمد قدرتها على السيطرة على الاقتصاد العالمي من قوتها الاقتصادية الذاتية ومن قوتها الفنية والتكنولوجية، وتعتبر الشركات متعددة الجنسيات إحدى التعبيرات الاقتصادية المؤثرة في مسار الأحداث الدولية، والعلاقات التجارية والاقتصادية وحتى السياسية بين الدول. وإذ كانت هذه الشركات تشكل أهم موضوعات الاقتصاد الدولي، فهي في نفس الوقت تؤثر على طبيعة العلاقات فيما بين الدول، وتتأثر سلبا أو إيجابا  بالأزمات.

ويقوم الافتراض الأساس لفكرة الشركات متعددة الجنسيات على نقل ابتكارات الشركة الوطن الأم الأراضي الأجنبية ذات الدخل المنخفض والأقل نموا، وتحويل المنتجات والأفكار من المركز إلى المحيط، إلا أن هذا الأمر لا يحصل في الواقع لدى العديد من الشركات([14])، وخصوصا في زمن الأزمات والكوارث، ونذكر هنا، على سبيل المثال؛  أزمة جائحة كورونا(كوفيد19) وما خلفته من آثار سلبية على قوة هذه الشركات وعلى الاقتصادات الوطنية عموما؛ بحيث  “تقدمت شركة أمريكية بدعوى قضائية قيمتها عشرون تريليون دولار أمريكي ضد الحكومة الصينية؛ بدعوى خلقها لفيروس کورونا المستجد وإطلاقه كسلاح بيولوجي”([15]).

كما عرفت العديد من الدول أزمات وكوارث عديدة، أثرت بشكل كبير على مسارها السياسي والاقتصادي، وقد مرت أوروبا وأمريكا بكثير من الأزمات، منها أحداث الحادي عشر من شتنبر 2001، والتي أسفرت عن مقتل ما يقرب من 3000 شخص، وجرح العديد من الأشخاص الآخرين، وتدمير تلك الأعمال المنظمات التي كانت موجودة في البرجين التوأمين وتخريب بنيات تحتية وتجهيزات مختلفة، هذه الأزمة  أدت بمدينة نيويورك إلى طريق مسدود، إضافة إلى أزمة الركود الاقتصادي في عام 2008، والتي طالت المسار السياسي، وخاصة البنيات السياسية لبعض الدول، مما أضطرها إلى مراجعة سياساتها العمومية في كثير من المجالات، فالصعوبات الاقتصادية من طبيعتها أن تؤدي إلى انخفاض في المشاركة السياسية والمشاركة المدنية؛ فالأمريكيون والأوروبيون لا يزالون يعانون من الآثار السلبية لهذه الأزمة إلى حدود الساعة، إضافة إلى جائحة  كورونا(كوفيد19)، والأزمات التي نتجت عنها، والتي مست مختلف الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وأودت بالآلاف من الضحايا، وأصابت الاقتصاد العالمي وألحقت به عجزا بنيويا([16]).

وفي هذا الصدد، يمكن ذكر ما خلفه زلزال الحسيمة عام 2004، من أزمات وتداعيات وآثارا وخيمة، حيث قدمت العديد من الدول مساعدات كبيرة للمتضررين من هذا الزلزال، منها:  مكتب المساعدات الخارجية الأمريكية لحالات الكوارث التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، والهلال الأحمر المغربي. كما أطلق الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر نداءً لجمع 2.3 مليون دولار لمساعدة 30 ألف من المتضررين لمدة ستة أشهر. كما خصصت اليونيسف 70 ألف دولار لإنشاء الخيم وإعادة تأهيل المنازل، وقدم برنامج الأغذية العالمي مساعدات غذائية قصيرة الأجل بقيمة 200.000 دولار للأسر والمدارس الأكثر تضرراً من الزلزال.

كما خلف الجفاف الذي عرفته الدولة المغربية، خلال السنوات الأخيرة(2021/2022) أزمة حادة في الماء، وذلك بسبب قلة التساقطات المطرية وتوالي سنوات الجفاف، وقد سجل المغرب خلال كل من المواسم الفلاحية([17]):2018/2019 و2019/2020، و2020/ 2021 معدلات سنوية للتساقطات على التوالي: 296.7 و 255.6 و299.7 ملمتر([18])، وهذه النسب السنوية تبقى جد ضعيفة مقارنة مع احتياجات المغرب من الماء… وقد طالت تداعيات هذه الأزمة مجموعة من المجالات، وهو ما دفع بملك المغرب إلى تخصيص خطاب ملكي في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية الحادية عشرة، يوم 14أكتوبر 2022. حيث  “إن إشكالية تدبير الموارد المائية تطرح نفسها بإلحاح، خاصة أن المغرب يمر بمرحلة جفاف صعبة، هي الأكثر حدة، منذ أكثر من ثلاثة عقود… ولمواجهة هذا الوضع، بادرنا منذ شهر فبراير الماضي، باتخاذ مجموعة من التدابير الاستباقية، في إطار مخطط مكافحة آثار الجفاف، بهدف  توفير ماء الشرب، وتقديم المساعدة للفلاحين، والحفاظ على الماشية… وقد أصبح المغرب يعيش في وضعية إجهاد مائي هيكلي. ولا يمكن حل جميع المشاكل، بمجرد بناء التجهيزات المائية المبرمجة، رغم ضرورتها وأهميتها البالغة”([19]).

وتعتبر أزمة الماء واحدة من الأزمات التي تستدعي تعاونا دوليا، بدعوى أن آثارها تطال عدة دول، وتلحق أضرارا بكثير من القطاعات عبر العالم، فقلة  التساقطات المطرية الذي عرفه المغرب أثرت على القطاع الفلاحي بشكل كبير، وهو ما يعني تضرر الأسواق الدولية المستهلكة للمنتوجات الفلاحية المغربية.

إن هذه التدخلات من قبل الدولة والمنظمات والهيئات تعكس حجم التضامن والتعاون الدوليين في معالجة تداعيات وآثار الأزمات، باعتبارها تشكل تهديدا على السلم والأمن الدوليين.

المبحث الثاني: آليات التعاون الدولي في إدارة الأزمات

مازال عدد من الدول والمنظمات تواجه عدة أنواع من الأزمات والكوارث المختلفة؛ ومن ذلك الحوادث التي تعترض الإنتاج في الشركات، وتحولات السوق الاقتصادية، والتي تحدث مفاجآت ومشاكل، تؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني([20])، إلى جانب حدوث أزمات نتيجة كوارث طبيعية، وهو الأمر الذي دفع المجتمع الدولي في أن يعقد مؤتمرات ولقاءات بغرض البحث عن آليات التعاون في تمكين المجتمعات والدول من أن تصبح مرنة في مواجهة آثار الأزمات، والأخطار الطبيعية وما يتصل بها من كوارث تكنولوجية وبيئية، في أفق أن تتوفر كل دولة على سياسات عمومية في تدبير مخاطر الأزمات والكوارث. ولعل “إطار عمل هيوكو” يعتبر واحدا من المبادرات الدولية التي تؤطر هذا التعاون الدولي في إدارة الأزمات وعموم المخاطر.

أولا: إطار عمل  هيوكو/ سينداي

يعتبر “إطار عمل هیوگو” من الآليات الدولية لتحقيق التعاون وتركيز الجهود للحد من آثار الكوارث،  حيث يعد  إطار عمل هيوغو هو المخطط العالمي لجهود الحد من مخاطر الكوارث بين عامي 2005 و 2015، ويتمثل الهدف الأساسي لإطار عمل “هیوگو” في التقليص بشكل ملموس، من الخسائر في الأرواح البشرية ومن الأضرار التي تتحملها الجماعات والدول على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والبيئي جراء الكوارث.

ويتمحور هذا الإطار الذي تم إقراره من طرف 168 بلدا، حول خمس أولويات يتوخى من خلالها جعل التقليص من المخاطر أولوية وطنية ومحلية، مع إحداث إطار مؤسساتي لهذا الغرض. وقد تم اعتماد إطار عمل “هیوگو” في عام 2005 في المؤتمر العالمي للحد من الكوارث، الذي عقد في كوبي، هيوكو، باليابان. وكان هدفه هو الحد بشكل كبير من خسائر الكوارث بحلول عام 2015 في الأرواح والأصول الاجتماعية والاقتصادية والبيئية للمجتمعات والبلدان([21]).

وقد حدد إطار عمل “هیوگو” خمس أولويات للعمل، وهي:

ضمان الحد من مخاطر الكوارث، واعتباره أولوية وطنية ومحلية مع أساس مؤسسي قوي للتنفيذ، وتحديد وتقييم ورصد مخاطر الكوارث وتعزيز الإنذار المبكر؛ واستخدام المعرفة والابتكار والتعليم لبناء ثقافة السلامة والمرونة على جميع المستويات؛ وتقليل عوامل الخطر الكامنة؛ وتعزيز التأهب للكوارث من أجل الاستجابة الفعالة على جميع المستويات([22]).

وتعتبر المملكة المغربية من الدول المنخرطة في إطار عمل “هیوگو”، الأمر الذي يتوجب على الدول الأعضاء أن تعد تقارير وطنية.  وهو ما استجاب له المغرب ـ بحسب تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول تقييم تدبير الكوارث الطبيعيةـ  من خلال إنجازه تقارير دورية في سنوات 2007-2008 و2009-2010 و2011-2013([23]).

وتناولت هذه التقارير الإنجازات والتقدم الحاصل في ميدان الوقاية وتدبير الكوارث، وكذا التحديات التي يتوجب رفعها من طرف المغرب من أجل التقليص من المخاطر على المستوى الوطني. وبالرغم من أن المغرب كانت تسجل في كل مرة تقدما على مستوى الأجهزة والآليات الكفيلة بالوقاية من الكوارث الطبيعية (دستور يوليوز 2011 والاستراتيجية الوطنية لحماية البيئة والتنمية المستدامة واستراتيجية تدبير الموارد المائية…)، إلا أن إطار عمل “هيوكو” اعتبر هذا التقدم ضعيفا، حيث لاحظ أن المغرب لا يتوفر على أرضية وطنية عملية  تسمح له بالشروع في تنفيذ التوجهات السياسية الضرورية في هذا المجال وكذا تنسيق أنشطة مختلف المتدخلين في تدبير المخاطر([24]).

وقد شكل اعتماد وتنفيذ إطار عمل هيوكو علامة فارقة في تحفيز الجهود الوطنية والمحلية للحد من مخاطر الكوارث وتعزيز التعاون الدولي من خلال تطوير الاستراتيجيات والخطط والسياسات الإقليمية. كما أدى إطار عمل هيوكو إلى تقدم كبير في تطوير المؤسسات والسياسات والتشريعات للحد من مخاطر الكوارث. حيث عزز أصحاب المصلحة على جميع المستويات قدراتهم على تقييم المخاطر وتحديدها والتأهب للكوارث والاستجابة والإنذار المبكر.. ومع ذلك، ظل التقدم نحو إدارة العوامل الكامنة وراء مخاطر الكوارث محدودًا في معظم البلدان. بشكل عام، لم تسهل الأطر المؤسسية والتشريعية والسياسية بشكل كافٍ دمج اعتبارات مخاطر الكوارث في قرارات التنمية. ونتيجة لذلك، زاد التعرض للمخاطر في كل من البلدان ذات الدخل المرتفع والمنخفض بوتيرة أسرع من انخفاض قابلية التأثر، وتولدت مخاطر جديدة أسرع من الحد من المخاطر الحالية.

كما يعتبر “إطار عمل سينداي” استكمالا لإطار عمل هيوكو، والذي يأتي في إطار تطور أجندة السياسة العالمية للحد من مخاطر الأزمات والكوارث خلال فترة 2015-2030 ، والذي تم اعتماده في المؤتمر العالمي الثالث للأمم المتحدة بشأن الحد من الكوارث (WCDR)  وإقراره من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة (القرار A / RES / 69) / 283) في يونيو 2015 – وذلك بعد ملاحظة حالات الكوارث، وأن العواقب الفعلية والمحتملة للأخطار الطبيعية أصبحت شديدة الخطورة، وأنه من الضروري زيادة التركيز على التخطيط والوقاية قبل وقوع الكوارث([25]).

وإعمالا لمقتضيات هذه الاتفاقيات الدولية، وبحكم أن المملكة المغربية عضو منخرط في هذه الاتفاقيات، قامت الحكومة المغربية بتنزيل جملة من الإجراءات الرامية إلى التصدي لآثار الكوارث والتخفيف من آثار التغيرات المناخية بهدف حماية الأرواح والممتلكات والأنشطة الاقتصادية، من خلال التدخل في مجموعة من المجالات ومن أهمها الفيضانات والجفاف والزلازل.  وعموما، يمكن القول على أن هذه التدخلات والإجراءات الحكومية التي سبق ذكرها، تبقى محكومة بسياقها الزمني، وإكراهات الوضعية التي كانت فيها، وهذا ما يجعلها بعيدة إلى حد ما عن النسقية والبعد الاستراتيجي في التدخل العمومي.

وانطلاقا من تقرير المجلس الأعلى للحسابات الصادر عام 2016، ومن تداعيات  زلزال مدينة الحسيمة عام 2004، وفيضانات الغرب 2009، وغيرها من الكوارث التي حصلت بالمغرب،  حتم السياق المغربي والوضعية الراهنة، ضرورة  التعجيل بإخراج رؤية استراتيجية ناظمة وجامعة للتدخل العمومي في مواجهة الأزمات والكوارث ومعالجة تداعياتها. وفي هذا الصدد عملت الحكومة المغربية خلال سنة 2019 على إعداد مشروع استراتيجية شاملة ومندمجة لتدبير المخاطر المرتبطة بالكوارث الطبيعية وفق منهجية تشاركية مع العديد من القطاعات المعنية، وبمساهمة الشركاء الدوليين. وذلك من أجل تحسين الإطار المؤسساتي لتدبير المخاطر الطبيعية وتقوية القدرات، تشمل الفترة الممتدة ما بين 2020 و2030.

وهي الاستراتيجية التي عرضَ معالمَها الكبرى رئيسُ الحكومة السابق سعد الدين العثماني خلال الجلسة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة بمجلس المستشارين يوم الثلاثاء 10 دجنبر 2019، حول “سياسة الحكومة لمواجهة التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية”، وتندرج هذه الاستراتيجية ضمن المقاربة الاستشرافية والوقائية للحد من خطورة آثار الكوارث الطبيعية او التقليل منها، وذلك من خلال الانتقال من مقاربة ردة الفعل لتدبير الأزمات إلى مقاربة استشرافية ترتكز على الملاحظة والرصد واليقظة والتتبع والمراقبة والإنذار والتحسيس والوقاية، وهي مقاربة أبانت عن فعاليتها ونجاعها وقلة تكلفتها على مستوى التجارب الدولية([26]).

واعتبارا لكون أن  إطار عمل هيوكو، هو بمثابة أرضية تؤسس للتعاون الدولي في مجال تدبير المخاطر والأزمات والكوارث، بهدف تقليل الخسائر المادية والآثار الاقتصادية، فإنه على المستوى الميداني، شهد العالم تحولات كبيرة على مستوى التعاون فيما بين الدول، وتكاثف الجهود الأممية والدولية، وخصوصا في الأزمات الكبيرة، ومنها أزمة جائحة كورونا/كوفيد19، وأزمة الملاحة البحرية التي تسببت فيها سفينة إيفرجيفن.

ثانيا: نماذج من التعاون الدولي في مواجهة الأزمات

نقتصر على ذكر نموذجين حديثين، استأثرا بمتابعة الرأي العام الدولي، فضلا عن طبيعة الأزمات التي تسببت فيها، وهما:

ـ أزمة جائحة كورونا/ كوفيد 19تعتبر جائحة كورونا/ كوفيد19 من أبرز الأزمات العالمية التي عرفها العالم طيلة سنتي 2020و2021، والتي لازالت آثارها ممتدة إلى وقتنا الحالي، وقد خلفت الآلاف من الضحايا في مختلف دول العالم، وهو ما استدعى تعاونا دوليا لمحاصرة هذه الأزمة، وغيرها من الأزمات والكوارث.

ومن الراجح أن أزمة جائحة كوفيد19 أثرت في النظام العالمي الحالي. إلا أنه يبدو أن هذه الجائحة تطوي، وتحفز في الوقت نفسه، ديناميات وأحداثا لها تأثير في التوازن الإقليمي والعالمي في النظام الدولي. فالحروب والجوائح والأحداث واسعة النطاق تسرع وتيرة إعادة توزيع القوى العالمية أو التسلسل الهرمي أو التغيير المنهجي. ولا شك أن الجائحة أبرزت الثغرات القائمة في نظام الحوكمة العالمي الحالي، وأوجه الضعف في المؤسسات المتجاوزة حدود الولاية الوطنية، ومواطن الضعف فيما يسمى به العالم المتقدم. لكن رغم ذلك، لا توجد إجابة قاطعة لما سيكون عليه النظام العالمي ما بعد الجائحة، ومن سيتولى زمام القيادة، وما معادلة القوة العالمية في المستقبل، ومن سيكون في المستويات العليا للتسلسل الهرمي ومن سيكون في المستويات الدنيا منه. إلا أنه من المؤكد سيكون نظام عالمي ما بعد جائحة کوفید19، ويجب أن يشمل إعادة تخیل وإعادة تخصيص موارد لنماذج الرعاية الصحية، وشبكات الأمان الاجتماعي للفئات الأشد ضعفا في المجتمعات، وآليات القيادة وقت الأزمات. وذلك لأن ما سوف يتبع هو مرحلة ركود اقتصادي عميق([27]).

وقد صدر عن منظمة الصحة العالمية تقارير عن جائحة كوفيد19، منذ انتشارها في أواخر 2019، ويعد تقرير المنظمة لسنة 2022 من أبرز التقارير التي سلطت الضوء على خطورة هذه الجائحة، وأهمية التلقيحات ضد الفيروسات المنتشرة عام 2022، وعدد المعنيين المرشحين للإصابة أكثر من 50 مليون شخص في العالم، وقد دعت منظمة الصحة العالمية الحكومات والصناعة والمؤسسات الدولية والشركاء إلى العمل من أجل التحسين الحصول المستدام والعادل على اللقاحات، والمنظمة تعمل من أجل اتفاقية دولية جديدة بشأن الأوبئة والوقاية والتأهب والاستجابة لها، والتي سوف تسمح بإنهاء الأوبئة في المستقبل([28]).

كما اعتمدت منظمة الصحة العالمية خطة استراتيجية لتحقيق أهداف التطعيم إلى حدود عام 2030 وهي الخطة التي تم انطلاقها عام 2021، وذلك بسبب انتشار تداعيات جائحة كوفيد19، وعدة فيروسات في العالم، بهدف إنقاذ أكثر من 50 مليون شخص ما تبقى من هذا العقد من خلال العمل من أجل الحصول المستدام على اللقاحات للجميع. في حين أن جائحة كورونا كوفيد19 ذكّر العالم بالقوة الهائلة للقاحات كسلع عامة رئيسية، إلا أنه سلط الضوء أيضًا على أوجه عدم المساواة في الوصول إلى هذه اللقاحات عالميًا([29]).

ـ أزمة سفينة إيفرجيفن

تعتبر الأزمة التي أحدثتها سفينة “إيفرجيفن WEver Given في قناة السويس من الأزمات الحديثة، والتي كادت أن تخنق الملاحة البحرية ومن خلالها التجارة الدولية، ففي 23 مارس 2021 جنحت سفينة “إيفرجيفن”، والتي كانت ترفع علم دولة “بنما” ومؤجرة من قبل شركة إيفرجيفن التايوانية، في المقطع الجنوبي من قناة السويس، ما أدى إلى إغلاقه بالكامل، وتعطيل الملاحة في القناة مدة 6 أيام. وقد غادرت السفينة قناة السويس بعد تسوية مالية بلغت 540 مليون دولار، جراء جنوحها وتعطيلها للمجرى الملاحي ستة أيام([30]).

وهي الأزمة التي كان سببها جنوح سفينة من الحجم الكبير400 متر في الطول، و”تحمل ما يقرب من17900 حاوية مملوءة ببضائع قيمتها تعادل المليار دولار، أثناء عبورها بقناة السويس في رحلتها القادمة من الصين والمتجهة نحو روتردام في هولندا، مما أدى إلى انسداد القناة.

وسفينة إيفرجيفن هي سفينة حاويات من الدرجة الذهبية، وتعد إحدى أكبر السفن في العالم، تحمل علم بنما، بينما تشغلها شركة النقل البحرية التايوانية إيفرجيفن Evergreen. وقد نتج عن جنوح السفينة توقف حركة الملاحة بالقناة مما خلف طابورا طويلا من السفن المنتظرة عند مدخل القناة الجنوبية الذي شهد مئات السفن المنتظرة عند مدخل قناة السويس ([31]).

ورغم أن التعامل مع جنوح السفينة كان محفوفا بعديد من المخاطر، حيث قامت هيئة قناة السويس بتشكيل غرفة عمليات من مختلف التخصصات لوضع خطة التعامل التي تتعامل بها الهيئة مع الأزمة، وتم تسخير كل الإمكانيات المادية والمالية والبشرية لتعويم السفينة ومتابعة الوضع الملاحي على كل المستويات([32]).

وقد أثارت قناة السويس دعوى المسؤولية ضد الشركة مالكة السفينة لتعويض الخسائر الناجمة عن هذا الحدث، حيث  أعلنت شركات التأمين المسئولة عن إيفرجيفن أنها توصلت إلى “اتفاق من حيث المبدأ” لحل النزاع، لكن حتى لو تم الانتهاء من هذه الصفقة، فقد تستمر معركة قانونية مطولة خارج مصر، في المحاكم البحرية في لندن، التي تفصل في أمر معظم القضايا البحرية ذات الأموال الضخمة، وتقدمت شركة “شوي كيسن كايشا” مالكة السفينة بطلب للحد من المسؤولية القصوى عن أي دعاوى قضائية. ويضم ملف القضية 16 كياناً قد يطالبون بتعويضات عن الخسائر، معظمهم من أصحاب السفن الأخرى، التي كانت متوقفة في السويس أثناء انسداد القناة. وقد تكون هناك أيضاً معارك حول المسؤولية المالية بين المالك وشركات التأمين التي يتعامل معها، وشركات إعادة التأمين الخاصة بهم، ممن يحمون شركات التأمين من المطالبات الزائدة. وقد تستمر المسطرة القضائية جولات متعددة سواء في مصر أو في بريطانيا([33]).

 

 

 

الخاتمة:

إن الحديث عن التعاون الدولي في إدارة الأزمات ومعالجة آثارها، هو حديث  يدعم المقاربة الاحترازية والاستباقية لدرء وتجنب وقوع الأزمات، لكونها تحمل تهديدا للبشرية، ولذلك يتعين على الدول والمنظمات الدولية ومختبرات البحث العلمي العناية بهذا الموضوع، في أفق فهمه أولا، وإيجاد تفسير له ثانيا، حتى تتمكن البشرية من تجنب آثار وتداعيات الأزمات أو الحد من خسائرها، والتنبؤ بها… وهو ما استطاعت  العديد من الدول إلى تبني المقاربة العلمية في تعاطيها مع الأزمات والكوارث، وذلك من خلال إنشاء مراكز البحث ومراصد الرصد والتنبؤ، وتخصيص ميزانيات واعتمادات مالية مهمة للتعامل مع هذا الموضوع، وتكثيف آليات التعاون المؤسساتي الدولي في هذا الغرض.

 

[1] مرباح مليكة،  استراتيجية إدارة الأزمات وفعالية التسيير، الطبعة الأولى، القاهرة، دار الكتاب الحديث، 2012، ص:39.

[2] الأزهري أبو منصور، تهذيب اللغة، تحقيق محمد عوض، الطبعة الأولى، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 2001م ج13/ ص: 187.

[3] سالم الشيخ سوسن،  إدارة ومعالجة الأزمات في الإسلام، الطبعة الأولى، القاهرة، دار النشر للجامعات مصر،  1424هـ/2003م، ص:70.

[4] ســليم سـامي، نمـوذج مقتــرح للعلاقـة بــين إدارة المعرفـة وإدارة الأزمــات، رسـالة دكتــوراه، كليـة التجــارة، جامعـة عــين 2013، ص:70.

[5] الخضيري محسن أحمد، إدارة الأزمات، القاهرة، مكتبة مدبولي، 1990، ص: 76.

[6] المساعدة ماجد، إدارة الأزمات، الطبعة الأولى، عمان، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الأردن، 1433هـ / 2012، ص:22.

[7] الملا حامد سلوى، دور القيادة في إدارة الأزمة، كتاب الأمة عدد166، الطبعة الأولى، الدوحة، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية قطر، 2015م، ص: 48.

[8] عليوة  السيد، إدارة الأزمات في المستشفيات، القاهرة، إيتراك للطباعة والنشر والتوزيع، 2001، ص12.

[9] كامل عبد الوهاب محمد، سيكولوجية إدارة الأزمات، الطبعة الأولى، عمان، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1424 هـ، ص21.

[10]  القانون رقم110.14 المتعلق بإحداث نظام التغطية لعواقب الوقائع الكارثية، الجريدة الرسمية عدد 6502 بتاريخ  22/9/2016 ، ص:6830.

[11] خفاجي ريهام صلاح، السياسة المصرية وإدارة الأزمات، تحديات متزامنة وفرص سانحة، تقديم: الفقي مصطفى، الطبعة الأولى، الإسكندرية، مركز الدراسات الإستراتيجية، 2022، ص:10.

[12] الملا حامد سلوى، دور القيادة في إدارة الأزمة، (م.س)،  ص: 54.

[13] مرباح مليكة، استراتيجية إدارة الأزمات وفعالية التسيير، (م.س)، ص:3.

[14]) Julian Birkinshaw and others, The Future of the Multinational Company, London Business School, England,2003. p.113.

[15] سيتاكانتا ميشرا، النظام العالمي ما بعد الجائحة: تسعة مؤشرات، ترجمة ريهام صلاح خفاجي، الإسكندرية، مركز الدراسات الإستراتيجية، مكتبة الإسكندرية 2021، ص: 20.

[16] Edward S. Devlin, Crisis management planning and execution ; auerbach publications United States of America, 2007, p.22

[17] يبتدئ الموسم الفلاحي من شهر شتنبر  وينتهي في شهر ماي.

[18] المندوبية السامية للتخطيط، المغرب في أرقام2022 (تقرير لعام 2022)، الطبعة60، نشر مؤسسة الرسوم البيانية والطباعة، الدارالبيضاء، 2022، ص:6.

[19] خطاب ملكي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية الحادية عشرة، 14أكتوبر 2022. الموقع الإلكتروني لوكالة المغرب العربي للأنباء، اطلع عليه بتاريخ 19أكتوبر 2022 الساعة 16.

[20] Edward S. Devlin, Crisis management planning , op.cit.,  p.9/10

[21]  الموقع الرسمي لإطار عمل هيوكو https://www.preventionweb.net اطلع عليه بتاريخ30/10/2022الساعة15.

[22]  الموقع الرسمي لإطار عمل هيوكو (م.س).

[23]  المجلس الأعلى للحسابات، تقرير حول تقييم تدبير الكوارث الطبيعية، أبريل 2016، منشور بالموقع الرسمي للمجلس، ص:5و6.

[24]  المجلس الأعلى للحسابات، تقرير حول تقييم تدبير الكوارث الطبيعية (م.س).

[25]  الموقع الرسمي لإطار عمل هيوكو(م.س).

[26] جواب  رئيس الحكومة سعد الدين العثماني خلال الجلسة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة بمجلس المستشارين يوم الثلاثاء 10 دجنبر 2019، حول “سياسة الحكومة لمواجهة التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية”، ص: 15،  ملف منشور بموقع رئاسة الحكومةhttps://www.cg.gov.ma/ar/ اطلع عليه يوم 21/10/2021، الساعة 13.

[27] سيتاكانتا ميشرا، النظام العالمي ما بعد الجائحة، (م.س)، ص: 45.

[28] World Health Organization, Global Vaccine Market Report 2022, p.4 (www.who.int/publications)

[29] World Health Organization, op.cit., p.4

[30] الموقع الالكتروني  لوكالة الأنباءالأناضول https://www.aa.com.tr/ar  اطلع عليه يوم 20/04/2022 الساعة 15.00

[31] خفاجي ريهام صلاح، السياسة المصرية وإدارة الأزمات، (م.س)، ص:43.

[32] خفاجي ريهام صلاح، السياسة المصرية وإدارة الأزمات، (م.س)، ص:44.

[33] الموقع الالكتروني الشرق اقتصاد https://www.asharqbusiness.com اطلع عليه يوم 20/09/2022 الساعة 11.00

Exit mobile version