Site icon مجلة المنارة

البعد البيئي في قانون للتعمير

 

البعد البيئي في قانون للتعمير

 

إبتسام خليل

باحثة بجامعة محمد الخامس الرباط

مركز دراسات الدكتوراه كلية الحقوق – سلا –

 

تحتل قضايا البيئة وحمايتها حيزا هاما ضمن إنشغالات الباحثين والمفكرين ورجال القانون والسياسة وطنيا ودوليا نظرا لتزايد المخاطر والكوارث التي تهددها وتهدد حياة الإنسان معها. وقد شكلت هاجسا شغل جل الدول المصنعة منذ النصف الثاني من القرن الماضي عكس دول العالم الثالث التي لم تعرف نفس الإهتمام إلا في العقود الأخيرة خاصة بعد إنعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة بستوكهولم سنة 1972.

يواكب المغرب هذا الاهتمام باعتماد مقاربة قانونية تطورية تسعى إلى إلزام الدولة  على التدخل  في تدبير المخاطر البيئية والسهر على احترام المجال البيئي و حمايته والحفاظ عليه. وبدأت بوضع مجموعة من النصوص القانونية المتعلقة بحماية الطبيعة من الأضرار والمحافظة على صحة و سلامة المواطنين، وإحدث مؤسسات لذلك مثل  كتابة الدولة في البيئة  سنة 1972 والمجلس الوطني للبيئة سنة 1995.

وفي سنة 2011 تم تعديل الدستور الذي  نص في الفقرة الأخيرة من الفصل 31 على الحق في “…الحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة” وفي الفصل 40 ألزم الجميع “…أن يتحمل …التكاليف الناتجة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد…” وكرس من أجل تطبيق ذلك في الفصل 151 المجلس الاقتصادي والاجتماعي و البيئي.

من هذا المستجد الدستوري ” الذي يمكن أن نطلق عليه البيئة الدستورية ” أصبحت الحاجة إلى إصدار قوانين ملائمة ومستعجلة امرأ في غاية الأهمية، وذلك لتحقيق أهدافا متعددة يمكن إجمالها في:

+ اعتبار البيئة حقا من الحقوق الدستورية يجب حمايتها بكافة الوسائل القانونية والمؤسساتية ، واعتبار الاعتداء عليها أو على احد عناصرها ،من الجرائم التي يجب التشديد في العقوبة عليها.

+ اعتبار الحق في البيئة، حقا اجتماعيا يهدف إلى الحفاظ على أقدس حق دستور هو الحق في الحياة، التي لا يمكن أن يتحقق إلا في بيئة سليمة.

+ السعي إلى خلق ثقافة بيئية جماعية، يصبح معها التفريط أو التقصير أو الاعتداء على البيئة مسا بالنظام والأخلاق العامة.

فمن المفترض أن يتجسد ذلك على مستوى النصوص القانونية والتدابير العملية، وهذا ما سيدفعنا للبحث عن البعد البيئي في الترسانة القانونية المؤطرة للتعمير. لكن قبل ذلك لابد من تحديد ماذا يقصد بالبيئة وما علاقتها بالتعمير.

ذلك أن كلمة بيئة شائعة الاستخدام يرتبط مدلولها بنمط العلاقة بينها وبين مستخدميها، فرحم الأم بيئة الإنسان الأولى، والبيت بيئة، والمدرسة بيئة، والحي بيئة، والكرة الأرضية بيئة والكون كله بيئة. كما يمكن النظر إلى البيئة من خلال النشاطات البشرية المختلفة فنقول البيئة الصناعية والبيئة الثقافية والبيئة الصحية، من هنا يظهر لنا صعوبة وضع تعريف شامل للبيئة يستوعب مجالات استعمالها المختلفة[1]. ولهذا يمكن معالجة هذا الإشكال من خلال تقسيم العناصر البيئية محل الحماية إلى قسمين من العناصر: عناصر طبيعية، وعناصر إصطناعية:

العناصر الطبيعية : تشمل ثلاثة عناصر : الغلاف الجوي الذي يحيط الكرة الأرضية وهو عبارة عن مجموعة من الغازات تعرف باسم الهواء، هو أثمن عناصر البيئة وسر الحياة[2]، والغلاف المائي الذي يتكون من المياه المتجمعة على سطح الأرض من محيطات وبحار وأنهار وبحيرات و ينابيع، والأجسام المائية الأخرى فوق اليابس كالجليد وفي باطن الأرض كالمياه الجوفية. والغلاف الصخري الذي يمتد على سطح القارات وقيعان البحار ويتألف من صخور متنوعة شكلا وصلابة ولونا وتركيبا معدنيا، كما أن القشرة السطحية للأرض تتكون من معادن، أما التربة فهي الطبقة الهشة التي تغطي القشرة الأرضية[3] .

العناصر الاصطناعية: تشمل كل ما أنشأه الإنسان على سطح الأرض كالمباني والمنشات والشوارع أو ما يمكن تسميته بالبيئة العمرانية[4].

ويلاحظ بأن موضوع البيئة مجال معقد، يتكون من الوسط الطبيعي الذي يتواجد فيه الإنسان وغيره من العناصر الحية، وكذلك الأنشطة التي يقوم بتطويرها قصد استمراره على الحياة. ومن هنا تتكون البيئة من شقين متفاعلين: شق طبيعي وشق مشيد. فالوسط الطبيعي يضم مجموعة من العناصر البيولوجية (الكائنات الحية الحيوانية والنباتي) والعناصر الفيزيائية (الريح والأمطار والشمس).

وتنتمي البيئة المشيدة إلى التحولات التي يدخلها الإنسان على الوسط الطبيعي قصد تحقيق التنمية، وتشكل هذه التحولات ثلاثة أنماط رئيسية من الأنشطة البشرية:

و البيئة لا تتكون من تلك العناصر بأسلوب ثابت ومنعزل لكنها في تفاعل مستمر، تتحكم فيه الأنشطة البيئية كالدورات الطبيعية والزلازل…، ولذلك يمكن للإنسان الحفاظ على توازنها أو إلحاق الضرر بعناصرها.  وتعتبر المنشات العمرانية عنصرا من عناصر البيئة تهدف إلى الحفاظ على سلامة بيئة وعيش المواطنين وضمان سهولة تنقلاتهم وتخصيص أماكن للتجهيزات العمومية ومناطق الأنشطة الصناعية، مع توفير أسباب الراحة والطمأنينة[5].

وتجدر الإشارة في هذا السياق بأن مجال التعمير مجال خصب ومتنوع يشمل فضاء واسعا يدخل في نطاقه إعداد التراب الوطني والمحافظة على البيئة والممتلكات العقارية. لهذا نجد  أن إهتمام المشرع المغربي بالبيئة العمرانية ليس وليد اليوم بل منذ القديم فهو من  الدول الأولى التي تبنت نظاما للتخطيط الحضري. ويعتبر ظهير 16 أبريل 1914 المتعلق بتصفيف الأبنية والتصاميم الموضوعة لتهيئة المدن وتوسيعها  والجنايات المفروضة على الطرق ، أي أول قانون للتعمير بالمغرب أخرجته سلطات الحماية من أجل تنظيم أعمال التصفيف والبناء. ثم تلته مجموعة من الظهائر والمراسيم  إلى أن جاء سنة 1992 قانون التعمير 12.90 وقانون 90.25 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات إلى أن جاء الظهير الشريف المتعلق بإحداث الوكالات الحضرية[6].

وبالنظر إلى الأوضاع الغير السليمة التي تعيشها البيئة الطبيعية في المغرب في ظل التوسع العمراني، و إنتشار السكن غير القانوني سنعالج الموضوع بتسليط الضوء على أهم ما جاء في قانون التعمير للمحافظة على البيئة  مع رصد الإختلالات التي تؤول دون الحماية الفعلية للبيئة. مع العلم أنه لم ينص صراحة على  لفظ “البيئة” بل اكتفى فقط بوضع ضوابط تجسد البعد البيئي، أهمها عقلنة إستعمال الأرض، وتحديد الغرض المخصص لها وفرض إجراءات صارمة للحصول الرخص  لاستعمالها .

ويقتضي الإحاطة بالإشكاليات السابقة تقسيم هذه الدراسة إلى :

       المبحث الأول : المحافظة على البيئة من خلال وثائق التعمير  

المبحث الثاني : المحافظة على البيئة من خلال الضبط الإداري الخاص بالتعمير

المبحث الأول: المحافظة على البيئة من خلال وثائق التعمير

تعتبر وثائق التعمير ميكانيزمات مناسبة لإدماج الانشغالات البيئية في السياسة الحضرية انطلاقا من خضوعها لمنطلق التعمير الوقائي l’urbanisme préventif الذي يستهدف توقع واستشراف الصورة المستقبلية للتجمعات العمرانية، بما يكفل وقاية مسبقة ضد المخاطر المحدقة بالمكون البيئي وضد كل أشكال الاستغلال غير العقلاني وغير الرشيد للسطح[7].

و تتشكل هذه الوثائق أساسا من ضوابط التعمير التقديري المتمثل في المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية الذي يحدد التوجهات العامة لاستعمال الأرض (أولا) ثم التعمير التنظيمي الذي يضع الضوابط اللازمة للبناء بنوع من التحديد والدقة، من خلال تصاميم التنطيق والتهيئة ثم التنمية (ثانيا).

أولا : دور التعمير التقديري في المحافظة على البيئة

يعتبر مخطط توجيه التهيئة العمرانية وثيقة للتخطيط الحضري تطبق على رقعة أرضية تكون محل دراسة إجمالية، فهو يحدد بشكل عام التوجهات الأساسية لتهيئة المجال الحضري على مدى 25 سنة. وهو بذلك ذو طابع تقديري حيث يهتم بالأساس برسم التصورات المستقبلية على المدى البعيد للنسيج الحضري، ولا يضع قواعد محددة أو قيوداً أو ارتفاقات معينة على أراضي معينة فهو يحتوي على خرائط تتعلق باستعمال الأراضي وتحديد المناطق، وتقارير تقديمية لهذه الخرائط تلخص مختلف الدراسات القطاعية التي يتم إعدادها ضمن مشروع المخطط [8].

ويحدد المخطط المذكور حسب مقتضيات المادة الرابعة من قانون التعمير،[9] الاختيارات التي من شأنها تحقيق تنمية متناسقة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي للرقعة الأرضية المعنية، فبإمكان هذا المخطط إعتماد الاختيارات ذات البعد البيئي قصد تفادي المخططات التي قد تمس بالوسط البيئي الطبيعي.

ويهدف مخطط توجيه التهيئة العمرانية إلى تخطيط التنظيم العام للتنمية العمرانية للرقعة المتعلقة بها. إذ يتم وضع هذا المخطط من طرف الإدارة المركزية ومساهمة الجماعات الترابية، وذلك بعد القيام بدراسات ميدانية تقوم بها الإدارة بنفسها أو تحت إشرافها ويعرض بعد ذلك على اللجنة المحلية للتعمير، وكذلك على اللجنة المركزية قبل تقديمه للجماعات المحلية المعنية من أجل دراسته وإغنائه باقتراحات تتولى الإدارة المركزية في آخر المطاف دراستها قصد المصادقة على المخطط المحال عليها[10] .

ويعمل  أيضا على تحديد وضبط الأغراض العامة المخصصة لها الأراضي حيث يتم تعين المواقع الزراعية والسكنية وكذا المناطق الصناعية والتجارية والسياحية، بالإضافة إلى المناطق المثقلة بالارتفاقات المتعلقة بحماية الموارد المائية والمواقع التاريخية والأثرية، والمساحات الخضراء والتجهيزات الكبرى والمرافق الصحية، وبذلك يتجلى البعد البيئي في الرسوم البيانية التي يتكون منها المخطط التوجيهي ثم في التقارير التي توضحها والتي تتوخى تحديد اختيارات التهيئة التي تتطلبها تنمية المنطقة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي[11]. أي يلعب دورا في تحديد التوجهات واختيارات النمو الحضري والمحدد نسبة التوازن بين الإنسان والبيئة الحضرية التي يعيش فيها على الأقل إحدى عشر شهر في السنة.

ولا شك أن تدهور الوسط البيئي جاء نتيجة التحولات المتسارعة التي شهدتها الأوساط الحضرية على وجه الخصوص جاء بفعل إرتفاع وتيرة النزوح القروي نحو المدن – كما يوضح ذلك الجدول – وتفشي مظاهر التهميش الحضري.

تطور الساكنة المغربية (2004-1960)
سنة الإحصاء الساكنة معدل النمو
الحضرية القروية العامة
1960 3.389.613 8.236.857 11.626.470  
1971 5.409.725 9.969.534 15.379.259 %2,8
1982 8.730.339 11.689.156 20.419.555 %2,6
1994 13.407.835 12.665.882 26.073.717 %2,1
2004 16.463.634 13.428.074 29.891.708 %1,4
المصدر: المندوبية السامية للتخطيط.

 

ورغم قلة البعد البيئي في المخططات التوجيهية إلا أنه يمكن إستنباطه من خلال الغاية التي يحددها هذا المخطط على المدى البعيد، والتي تكمن أساسا في العمل على تحقيق تنمية عمرانية منسجمة والحفاظ على الترابط بين مختلف الأراضي المحدثة داخل أراضي معينة.

    ثانيا: المحافظة على البيئة من خلال التعمير التنظيمي

التعمير الإستشرافي هو عبارة عن توجيهات عامة وتصور مستقبلي لما ستصبح عليه المدينة التي يوضع لها مخطط توجيهي على الأمدين المتوسط والبعيد، و يختلف عن التعمير التنظيمي – الذي – هو تلك الوثائق التعميرية التي يتم استعمالها من أجل التخطيط الحضري والعمراني والتي تتميز بالتفصيل والوضوح اللازمين لإبراز حقوق والتزامات الملاك العقارين[12].

 

ويتجه التعمير التنظيمي في ثلاث أنواع من التصاميم وهي تصميم التنطيق وتصميم التهيئة وتصميم التنمية، فما هو دور هذه التصاميم في المحافظة على البيئة :

– حماية البيئة من خلال تصميم التنطيق plan de zonage: هو إجراء تحفظي يمكن الإدارة من إتخاذ التدابير الضرورية لإعداد تصميم التهيئة في جو من الشفافية والوضوح في منأى عن كل المضاربات ومحافظا على مقتضيات مخطط توجيه التهيئة العمرانية، وعلى خلاف تصميم التهيئة[13] فإن سريان مفعول تصميم التنطيق لا يتعدى سنتين.

ويبقى الهدف منه هو تمكين الإدارة والجماعات الترابية من اتخاذ التدابير التحفظية اللازمة لإعداد تصميم التهيئة والحفاظ على توجيهات المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية. و هو بمثابة وثيقة بيانية مصاحبة بنظام يحدد قواعد استعمال الأراضي، فهو يعمل على:

– تحديد تخصيص مختلف المناطق للأغراض التي يجب أن تستعمل لها بصورة أساسية: منطقة سكنية، منطقة صناعية، منطقة تجارية، منطقة سياحية، منطقة زراعية، منطقة غابوية… الخ.

– تحديد المناطق التي يحضر فيها البناء بجميع أنواعه.

– تعين المواقع المخصصة لإقامة التجهيزات الأساسية والاجتماعية كالطرق الرئيسية و المستوصفات والمدارس والمساحات الخضراء.

– تحديد المناطق التي يجوز لرئيس المجلس الجماعي أن يؤجل فيها البث في الطلبات التي ترمي إلى الحصول على إذن للقيام داخلها بتجزئة أو إحداث مجموعات سكنية أو استصدار ترخيص للبناء فيها[14] .

فالمشرع من خلال تصميم التنطيق باعتباره وثيقة من وثائق التعمير يولي اهتمام للشأن البيئي، إلا أن الممارسة العملية أثبتت أن هذا الاهتمام يواجه عدة صعوبات منها قيام بعض الملاكين العقاريين ببناء أراضيهم بطريقة تتنافى مع مقتضيات مشروع تصميم التهيئة، الذي عندما تتم المصادقة عليه يصبح أمام وضعية تختلف عن تلك التي أخذت بعين الاعتبار عندما انطلقت الدراسات المتعلقة بها، وهذا هو الدافع الذي جعل ميشل إكوشار Michel Ecouchard  يدخل تصميم التنطيق إلى مجال التعمير التنظيمي والتخطيط الحضري كأداة وقائية لتصميم التهيئة[15].

– حماية البيئة من خلال تصاميم التهيئة : تعتمد الإدارة  تصميم التهيئة لتنظيم وتوجيه ومراقبة وتوسيع الكتل العمرانية الحضرية، وذلك لحملها مجموعة من التدابير التي ترسم الإطار الذي يجب أن يدخل فيه توسعها. وهو الذي يهيئ الأراضي ويحدد المناطق، ويميز لكل منطقة نشاط معين ويحدد التزامات الإدارات العمومية والجماعات الترابية بنصوص المشاريع العمومية والمرافق الاجتماعية لتواكب تطور المدينة ونموها الديمغرافي ، كما يحدد أنظمة البناء التي تلزم المواطنين في أنشطتهم المرتبطة بالبناء والتعمير. و يسعى إلى تحقيق عدة أهداف عمرانية التي تخدم البعد البيئي كالتالي:

أولا: إعطاء الأراضي هويتها العقارية ووظيفتها الاجتماعية والاقتصادية وتوضيح بيان استعمالاتها ضمن مناطق متعددة: منطقة البناء السكني (عمارات، فيلات، سكن اقتصادي…) منطقة الناشط التجاري، منطقة النشاط الصناعي، منطقة النشاط السياحي، إلى غير ذلك من الأنشطة.

ثانيا: تحديد التجهيزات البنيوية والمرافق الحيوية للسكان: عدد المؤسسات التعليمية وأمكنتها، عدد المستشفيات والمراكز الصحية وتعيين مواقعها، عدد الساحات العمومية والمساحات الخضراء وتحديد أمكنتها، مد وتوسيع الشوارع والأزقة ومساحات الوقوف والملاعب الرياضية ومختلف المرافق الأخرى.

ثالثا: متابعة النمو الديمغرافي في المجالات المشار إليها أعلاه كي يحافظ على التوازن بين زيادة السكان وزيادة حاجياتهم اليومية[16].

مما سبق يتضح أن تصميم التهيئة يشكل وسيلة فعالة لحماية البيئة نظرا لارتكازه على مبدأ التنطيق zonage القائم على أساس تقسيم المناطق حسب وظائف معينة بهدف ضمان حسن توزيع السطح على مختلف أوجه الاستعمال وضبط حركة النمو العمراني العشوائي. إضافة إلى مواجهة ظاهرة التصنيع لما تسببه من تهديدات خطيرة على المجال البيئي.

– حماية البيئة من خلال تصميم التنمية : يقوم في المجال القروي بدور شبه مماثل للدور الذي يقوم به تصميم التهيئة في المجال الحضري، فهو الذي ينظم العمران في البوادي ويوجه المجال الفضائي فيها ويسهر على تنظيم التجمعات القروية، مستلهما في ذلك التوجهات الأساسية الواردة في تصميم الهيكلة القروية لإعداد التراب الوطني.

وهكذا أضحى تقدير المسؤولية المنوطة بوثائق التعمير ضرورة ملحة ومطلبا لا محيد عنه، باعتبار ذلك من العناصر الأساسية للإستراتيجية الجديدة في ميدان التخطيط العمراني[17] وصولا إلى الغاية المثلى التي عبر عنها الأستاذ  Morand-Deviller  الرامية إلى ضرورة البحث عن مدينة ذات وجه إنساني تمزج بين تهيئة عقلانية للمجال وعلاقة متوازنة بين الإطار المبني وغير المبني[18].

المبحث الثاني: المحافظة على البيئة من خلال الضبط الإداري الخاص بالتعمير

يعتبر الضبط الإداري نشاط وقائي مخصص الهدف ذو حدود وضوابط تمارسه الإدارة باستخدام أعمال قانونية ومادية من أجل حفظ النظام العام. وتوسيع مجالات الضبط ليشمل تحقيق غايات أخرى فرعية لا يعتبر بالضرورة خروجا عن الأهداف التقليدية، فمثلا المحافظة على جمالية المدن وجمال المواقع لها علاقة براحة وسكينة المواطن لما لهذين الهدفين من آثار إيجابية على النفس البشرية وبالتالي على صحتهم بالمعنى الواسع[19].

وعمل المشرع المغربي على ضبط البيئة العمرانية بوضع آليات يتم من خلالها مراقبة الجودة والسلامة في تطبيق وثائق التعمير، إذ أن عمليات التجزيء والبناء و الترميم إن إقتضى الحال يستدعي الحصول على رخص لا تمنح إلا بعد معاينة ومراقبة مدى الالتزام بالمقتضيات القانونية وما جاءت به مخططات التهيئة والتنمية. وذلك يهدف ضمنيا للمحافظة على البيئة من خلال الالتزام بالعمل على إنجاز البنيات التحتية والفوقية في التعمير.

فرخص التعمير آلية من آليات ضبط المجال العمراني، إلا أن تفعيلها يستدعي العمل بكل موضوعية بعيدا عن التحايل على القوانين أو استغلال الزبونية والمحسوبية، مع العلم أن الرخص تمنح من طرف رئيس المجلس الجماعي الذي يحاول في غالب الأحيان إرضاء منتخبيه بتسهيل منح هذه الرخص على حساب البيئة.

تعد عمليات المتجزئات العقارية وبناء المجموعات السكنية و تقسيم العقارات من بين العمليات اللاحقة لتصميم التنطيق والتهيئة، وهو ما يفرض ضرورة مسايرتها وإحترامها لهذه الأخيرة بما في ذلك وجوب مراعاة الضوابط البيئية.

وللترخيص بإحداث تجزئة عقارية تنص المادة الرابعة من قانون التجزئات السالف الذكر على مجموعة من الشروط ذات طبيعة بيئية وتقنية : حيث يسلم الإذن بإحداث التجزءات العقارية بناء على طلب يكون مصحوبا برسم طبوغرافي محرر على أساس النقط المحسوبة للدائرة أو البقعة الأرضية المراد تجزئتها المبينة على الخريطة العقارية. والمستندات المتعلقة بالصور المعماري للتجزئة والتي تشمل  حسب مقتضيات المادة الثالثة من المرسوم التطبيقي[20] جوانب المشروع الرئيسية، مخطط وعرض الطرق بالإضافة إلى جميع إعمال التهيئة المزمع القيام بها، المواقع المعدة للتجهيزات الخاصة، المواضع المعدة للساحات الخضراء ونوع المغارس المقرر إحداثها ثم المواصفات المعمارية المطبقة على الساحات الكبرى و الصغرى و الطرق التي يشملها ارتفاق التناسق المعماري.

وبعد إنتهاء أشغال تجهيز التجزئة يجب على المجزئ أن يقدم تصريحا للجهة المختصة بمنح الرخصة، حتى تتمكن من المعاينة والمراقبة والتحقق من مدى تنفيذ المجزئ لالتزاماته، وبعد ذلك يتم تسليم الأشغال عبر مرحلتين، مرحلة التسليم المؤقت والتسليم النهائي.

وإذا تبين عند المعاينة تناقض بين ما يوجد بالمستندات وما يوجد في الواقع، يتم تنبيه صاحب التجزئة لأجل تسوية الوضعية القائمة داخل أجل تحدده وثيقة المعاينة، وفي حالة عدم قيامه بذالك فإن السلطة المحلية تقوم تلقائيا بهدم المنشات المقامة بصورة غير قانونية أو إنجاز الأشغال اللازمة على نفقة المجزئ.

غرار لما أولاه المشرع المغربي من مراعاة للجوانب البيئية في مجال التعمير التنظيمي، فقد عمل كذلك على مراعاة البعد البيئي في مجال التعمير العملي. حيث تنص المادة 43 من قانون التعمير على أن رخصة البناء تسلم بعد التحقق من أن المبنى المزمع إقامته تتوفر فيه الشروط التي تفرضها الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، خصوصا الأحكام الواردة في تصاميم التنطيق وتصاميم التهيئة. وعموما فان التشريع المغربي عمل على وضع مبدأ قابل للتطبيق على جميع وثائق التعمير، بحيث يتعين البحث عن التوازن بين المحافظة على البيئة والتنمية المحلية[21].

وتعتبر رخصة البناء وثيقة ضرورية لكل عملية بناء، تطبيقا لمقتضيات المادة 40 من قانون التعمير، لضرورة الحصول على الرخصة في حالة إدخال تغييرات على المباني القائمة إذا كانت التغييرات المزمع إدخالها تتعلق بالعناصر المنصوص عليها في الضوابط المعمول بها.

وإلحاحا من المشرع على مراعاة الجانب البيئي ولو بشكل ضمني فقد نصت المادة 47 من نفس القانون على ألا تسلم رخصة البناء إذا كانت الأرض المزمع إقامة المبنى عليها غير موصولة بشبكة الصرف الصحي أو شبكة توزيع الماء الصالح للشرب. بيد أنه يمكن تسليم الرخصة وإن لم يتوفر هذا الشرط إذا كانت طريقة الصرف الصحي والتزويد بالماء تتوفر فيها الضمانات التي تستلزمها متطلبات النظافة والصحة وذلك بعد استطلاع رأي المصالح المختصة في هذا الميدان[22]. كما أن القانون المذكور نص على إمكانية تطبيق بعض الاستثناءات على القواعد العامة بخصوص رخصة البناء مما يؤثر سلبا على البيئة.

هذا وقد نص قانون رقم 03-11 المتعلق بحماية واستطلاع البيئة من جانبه على أن تسلم رخص البناء ورخص التجزيء طبقا للقوانين الجاري بها العمل بعد التأكد من التأثير المحتمل على البيئة. ويمكن أن يرفض تسليمها وأن تخضع لمواصفات خاصة إذا كان من شأن هذه البنايات أو التجزئات أن تكون لها عواقب مضرة بالبيئة وبأمن السكان وراحتهم وصحتهم أو تهدد بشكل ما الأماكن المجاورة أو المآثر[23].

لكن في كثير من الحالات يحصل الشخص على رخصة البناء للقيام بأعمال بنائية من الجهة المختصة بطريقة مخالفة للقانون[24]. فيتسلم مثلا رخصة البناء دون أن يتم التحقق من أن المبنى المزمع إقامته تتوفر فيه الشروط التي تفرضها الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، خصوصا الأحكام الواردة في تصاميم التنطيق وتصاميم التهيئة[25]، أو يتسلم رخصة البناء دون أن يحصل على الرخص الأخرى المنصوص عليها في تشريعات خاصة ودون أخذ الآراء والحصول على التأشيرات المقررة بموجب الأنظمة الجاري بها العمل[26].

وفي حالات أخرى[27]، يتسلم رخصة البناء دون أن يكون مشروع المبنى ينص على إقامة الخطوط اللازمة لربطه بشبكة الإتصالات السلكية واللاسلكية العامة، وذلك في الجماعات الحضرية والمراكز المحددة من أجل بناء عمارة مهما كان نوعها أو الغرض المخصصة لها، تتكون من أربعة مستويات على الأقل أو من ثلاثة مستويات تشتمل على ستة مساكن أو بناء عمارة لأغراض تجارية أو صناعية تكون مساحة الأرض المبنية عليها تساوي أو تفوق 500 متر مربع[28]. وكذا تسلم رخصة البناء دون أن  تكون الأرض المزمع إقامة المبنى عليها موصولة بشبكة الصرف الصحي أو شبكة توزيع الماء الصالح للشرب.

عملا بالأحكام التشريعية المتعلقة بالتعمير نجد مجموعة من الضوابط التي تخدم بشكل أو بآخر البعد البيئي، ذلك أنه بعد إتمام كل المقتضيات والإجراءات المتعلقة بالتجزئة والبناء لا يمكن استغلال المبنى إلا بعد الحصول على رخصة السكن.

إن رخصة السكن وشهادة المطابقة يمكن أن تكونا من الوسائل الفعالة لضبط المجال البيئي للتعمير، لو تم الحرص على مراقبة عملية البناء وتسليمها بعد التأكد من المطابقة التامة للأشغال المنجزة وما تم الترخيص به من بناء. لكن الواقع العملي يطرح إشكال مدى تسليمها بطريقة سليمة دون اعتبارات المحسوبية والزبونية والرشوة وإعلاء المصالح الخاصة على المصالح العامة.

أما بالنسبة للبنايات الآيلة للسقوط فإن قانون التعمير 12.90 لم يتعرض لها بالرغم مما تشكله من خطورة على السلامة والصحة العامة[29]، الشيء الذي يشكل ثغرة في قانون التعمير، حيث كان من المنطقي أن تخصص لهذا النوع من البنايات تشريعات ونصوص تنظيمية خاصة تبين للسلطات المختصة كيفية التعامل معها، وذلك على غرار ما فعلت  بعض الدول كفرنسا ومصر وتونس و الأردن مثلا، حيث خصصت تشريعات هذه الدول الإجراءات الواجب إتباعها تجاه البنايات الآيلة للسقوط وذلك إما في تشريعاتها المنظمة للبلديات أو في نصوص الخاصة بالتعمير والسكنى[30].

وعليه فإن ضبط البنايات الآيلة للسقوط من شأنه أن يحافظ على سلامة الأرواح البشرية، سواء تلك القاطنة بها أو المارة بجانبها وهو ما يبعث الطمأنينة في نفوس هؤلاء و أولائك على السواء.

كما أن قانون 22.80 المتعلق بالمحافظة على المباني التاريخية والمناظر و الكتابات المنقوشة والتحف[31] يرتب اتفاقات بمنع إقامة المنشئات على المواقع الطبيعية أو الحضرية التي لها طابع فني أو تاريخي أو أسطوري أو تهم العلوم التي تعنى بالماضي وبالعلوم الإنسانية بوجه عام، مع ضرورة مراعاة مخططات التهيئة والبيئة[32].

وبالنظر إلى الفصول 21- 22- 23 من القانون المتعلق بالمحافظة على المباني التاريخية والمناظر والكتابات المنقوشة والتحف الفنية والعاديات، المؤرخ في 25 دجنبر 1980 فتضيف غموضا في مجال رخص التعمير نظرا لإشتراطها الحصول على رخصة مسبقة من وزارة الثقافة (مديرية المحافظة على الآثار) للقيام بعملية ترميم عقار مرتب أو تغييره أو إنجاز بناء جديد عليه.

ثانيا :حماية البيئة من خلال الضبط الإداري الخاص بالمؤسسات المصنفة

نظرا لما تشكله المؤسسات المصنفة[33] من ضرر لمحيطها البيئي إتخذ المشرع المغربي مجموعة من الإحتياطات قبل إحداثها، وذلك بتصنيفها حسب درجة الخطورة أو درجة المساس بالصحة والسكينة العامة. فقد يتم تصنيف المؤسسات بمرسوم يتخذ بإقتراح لوزير التجهيز بناء على الفصل الثاني من قانون 25-08-1914 الذي جاء يتضمن لائحة المحلات المذكورة وتقسيمها.

وتعتبر العلاقة بين نظام المؤسسات المصنفة ونظام التعمير علاقة معقدة، حيث يتعلق الأمر بتشريعين مستقلين بدون رابط بينهما.[34] ونظرا لما لهذه المؤسسات من تأثير على المحيط البيئي للسكان فقد إعتمد المشرع الترخيص كتقنية تمكنه من ضبط عمليات إحداث بعض المؤسسات الخاصة التي يمكن أن ينتج عن نشاطاتها مس ببعض عناصر البيئة، فظهير 1914 المنظم للملك العام ينص على أن المؤسسات التي تتصف بكونها مزعجة وغير صحية لا يمكن إنشاؤها إلا بترخيص من الإدارة المختصة لضمان مراقبتها[35].

ذلك أن المؤسسات المصنفة المزعجة أو الخطيرة تخضع لظهير 25 غشت 1914 الذي لم يعطي تعريفا محددا لمفهوم “المؤسسات المصنفة”، بل اكتفى فقط في فصله الأول المعدل بظهير 13 أكتوبر 1933 بالتنصيص على أنها المؤسسات التي قد تسبب خطرا أو ضررا وقد تكون مزعجة، تخضع لمراقبة السلطة الإدارية[36].

وإذا كانت هذه المؤسسات ذات أثار ايجابية سواء على الاقتصاد الوطني أو المحلي فإنها قد تؤثر سلبا على محيطها البيئي بكل مكوناته، سواء من جراء إفرازات فضلات هذه المؤسسات أو من خلال الضجيج والمساس بالسكينة العامة، مما يستدعي الأخذ بعين الإعتبار التكلفة الصناعية وما ينتج عنها من عواقب وأثار.

وحسب إحدى الدراسات لخلية البيئة[37] المنبثقة عن نقابة أرباب العمل بالمغرب -الكونفيديرالية العامة للمقولات بالمغرب –  فقد تبين في بعض الوحدات الصناعية أن  78% من الصناعات اعترف أصحابها أنها ملوثة للبيئة، كما لم ينكر 22%  من أرباب العمل المستوجبين كون صناعتهم غير نظيفة، ولم يقبل بالطابع  الزجري للتشريعات الصادرة في مجال البيئة سوى 12% من المقاولين، كما أن 60% مستعدون لوضع مقاولاتهم تحت مراقبة مؤسسة إفتحاص بيئية كلما دعت الضرورة لذلك، علما بأن على العموم 55% من المقاولات المغربية لا تتوفر على أي إطار أو تقني مسؤول في البيئة.

وقد إهتم المشرع المغربي بهذا النوع من المؤسسات منذ بداية القرن العشرين، حيث أصدر تشريعا ينظمها بشكل يراعي فيها مقومات المحافظة على الصحة والسلامة والسكينة العامة. وذلك من خلال ظهير 25 غشت 1914 الذي قسم هذه المؤسسات حسب الخطورة التي تمثلها إلى ثلاثة أصناف بحسب نوع الأعمال التي تنجز فيها أو الأضرار الناجمة عنها من الوجهة المتعلقة بالأمن والسلامة أو الصحة أو الراحة العمومية[38].

ورغم أن تصنيف المحلات المزعجة والخطيرة كان يتم بواسطة قرار يصدره المدير العام للأشغال العمومية، فإن قرار الصدر الأعظم المؤرخ في 13 أكتوبر 1933، وضع لائحة لجميع المؤسسات المصنفة إلى درجات حسب تأثيرها على محيطها البيئي كالتالي:

الصنف الأول : يتضمن المؤسسات المصنفة من الدرجة الأولى التي تتشكل من المؤسسات الصناعية أو التجارية الكبرى كالمعامل الكيماوية والميكانيكية ومعامل الإسمنت وغيرها.

الصنف الثاني : يدخل ضمن هذا الصنف المؤسسات و المعامل الصغيرة كمعامل النجارة والمشروبات غير الكحولية ومعامل الحدادة، كما يدخل ضمن هذا الصنف الحمامات و الأفرنة ومحلات الخياطة و المخبزات وغيرها.

الصنف الثالث :  يدخل ضمن هذه المؤسسات المتاجر التي تختص ببيع المواد الغذائية كالمطاعم والمقاهي كذا المحلات الأخرى المشابهة كالمجازر ومحلات بيع السمك.

ويبقى من حق وزير التجهيز والنقل حق التدخل أثناء عملية إنشاء المؤسسات غير المصنفة أو استغلالها من أجل إيقاف أشغالها إذا تبين له أنها تشكل ضررا أو إزعاجا أو خطرا على صحة المواطنين، شريطة أن يتم هذا الإجراء خلال أربعة أشهر الموالية لإنشاء المؤسسة أو إستغلالها و إلا فإنه يحق للمسؤول عن المؤسسة الإستمرار في أشغاله دون التقيد بأية إجراءات أخرى[39].

مراعاة للبعد البيئي في إحداث المؤسسات المصنفة المزعجة والخطيرة فإنه يعنى بمراقبة شديدة ودقيقة تبعا لما يمليه الحفاظ على الأمن العام والسكينة العامة والصحة العمومية. وتتم هذه المراقبة عن طريق الترخيص المسبق بالنسبة للمؤسسات من الدرجة الأولى والثانية، وعن طريق التصريح المسبق بالنسبة للمؤسسات المصنفة من الدرجة الثالثة.

كما سبقت الإشارة لا يمكن إنشاء المؤسسات المرتبة في الدرجة الثانية و الأولى إلا بعد الحصول على ترخيص مسبق من الجهة المختصة بمنح الترخيص.

وسواء تعلق الأمر بالمؤسسات المصنفة من الدرجة الأولى أو الثانية فإن الترخيص بفتحها يستوجب بحث علني عمومي وهو ما يصطلح عليه بحث المنافع والمضار بقرار من الوالي بالنسبة للمؤسسات المرتبة في الدرجة الأولى لمدة شهر كامل لما تشكله من خطورة داخل مساحة لا يتجاوز قطرها 1000 متر، بخلاف المؤسسات المرتبة من الدرجة الثانية بقرار من رئيس الجماعة المحلية في مدة لا تقل عن 15 يوم في مجال لا يتجاوز قطر مساحته 500 متر، وتكون التكاليف على صاحب المؤسسة.

بالنسبة للمؤسسات المصنفة من الدرجة الثالثة فإن رئيس المجلس الجماعي يتلقى بشأنها تصريحا مسبقا من طرف المعني بالأمر قبل بداية مزاولة عمله، يسلم على إثره إيصالا بالتصريح ويذكره بالشروط العامة المتعلقة بهذا الصنف من المؤسسات حيث أن المعني بالأمر لا تمنح له الرخصة من طرف رئيس المجلس الجماعي إلا بعد تشكيل لجنة مشتركة يعتمد فيها بشكل كبير على تقرير المكتب البلدي الصحي الذي يتشدد في ضرورة مراعاة الضوابط الصحية مع  مراعاة خصوصية كل مؤسسة من المؤسسات المصنفة المشار إليها سابقا[40].

وفي نفس السياق فقد تم رفض مشروع إقامة الدواجن بالمنطقة الصناعية سلا من طرف شركة SOPOMAR ، على اثر دراسة قامت بها اللجنة الوطنية للتأثير على البيئة،  تبين من خلالها أنه رغم تصنيف هذا المشروع ضمن مجزرة الدواجن في خانة المذابح التقليدية أو “الرياشات”، إلا أن له اثأرا سلبية متعددة كالأزبال العضوية، السوائل الغنية بالملوثات، زيادة على الروائح الكريهة والتي لها تأثير سلبي على السكنية المجاورة[41].

ولا يحول توصل صاحب المؤسسة بالموافقة الصريحة في النوعين الأول المتعلق بالترخيص والثاني المتعلق بالتصريح، أن يستمر في مواصلة مسعاه للحصول على باقي الرخص الأخرى الضرورية لبناء مؤسسة أو سير عملها أو القيام بنشاطها[42] ، حيث تتداخل جهات متعددة لابد من الحصول على إذنها، علما بأن عدم القيام بالمواصفات الصحية والتقنية المطلوبة يمنح الحق للجهة مانحة الرخصة بما فيها رئيس الجماعة المحلية للقيام بإغلاق المؤسسة كما هو الشأن عند مرور سنة كاملة دون شروع صاحب الرخصة في العمل بالنسبة للمؤسسة من الدرجة  الثالثة.

ذلك أن طلب الترخيص بإنشاء هذه المؤسسات يكون إما من وزارة التجهيز أو السلطة المحلية المعنية، وهذا الترخيص يجب أن يكون مرفوقا بسلسلة من المعلومات والوثائق التي تمكن الإدارة من معرفة ما إذا كان البعد البيئي حاضرا أم لا[43].

مراعاة للمحيط البيئي للسكان وبالنظر لمختلف المخاطر والسلبيات التي من شأنها أن تترتب عن سير المؤسسات المصنفة والمعتبرة مزعجة وخطيرة، فقد اعترف المشرع للسلطة المختصة بمنح رخص إستغلال هذه المؤسسات  صلاحية التقييد في قرار الترخيص بجميع الإجراءات التي من شأنها تجنب الآثار السلبية للاستغلال.

ذلك أن توصل صاحب المؤسسة بالموافقة الصريحة في النوعين الأول والثاني لا يؤول به إلى مواصلة مسعاه للحصول على باقي الرخص الضرورية الأخرى لبناء مؤسسة أو سير عملها والقيام بنشاطها، حيث تتداخل جهات متعددة التي لابد من الحصول على إذنها، علما أن عدم القيام بإنجاز المواصفات التقنية والصحية المطلوبة يمنح الحق للجهة مانحة الرخصة بما فيها رئيس الجماعة المحلية للقيام بإغلاق المؤسسة كما هو الشأن على مرور مدة سنة كاملة دون شروع صاحب الرخصة في العمل بالنسبة للمؤسسة من الدرجة الثالثة  أو عدم إنجازه للملاحظات المقدمة له.

وبالرغم من الإجراءات الوقائية الممنوحة للبيئة السكانية من تأثير المؤسسات المصنفة، إلا أن الواقع المعاش يظهر لنا عدد من المؤسسات المزعجة والمضرة والخطيرة رخص لها وسط البنيات و التجزئات السكنية أو العكس، حيث رخص للمعامل والمؤسسات الخطيرة وسط المناطق السكنية والأمثلة متعددة إنطلاقا من الحي الصناعي بمدينة مراكش[44]، إلى المعمل الكيماوي بأسفي مرورا بالجرف الأصفر بالجديدة، وتتعدد الأمثلة ويبقى القاسم المشترك هو هذه الهوة الموجودة بين الواقع والقانون.

وعموما فإنه رغم المراقبة القبلية التي أقرها قانون 25 غشت 1914 المتاحة للمشاريع الصناعية قبل إنجازها وإفتتاحها، إلا أنه يظل قانونا متقادما لا يساير التطورات الصناعية والتكنولوجية الحديثة، الأمر الذي يفرض تحيينه حتى يساير التطور الذي يعرفه النظام القانوني للمؤسسات المصنفة في العالم[45].

ورغم أن المشرع المغربي وضع ضوابط وآليات زجرية للمخالفات التعميرية سواء على مستوى البناء أو على مستوى التجزئات والتجمعات السكنية.[46] إلا أن الواقع العملي يثبت عدم فعالية هذه المقتضيات أو بالأحرى قصورها، وذلك لوجود في مناطق مختلفة من المملكة بنايات وتجزئات عشوائية، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عدم تمكن هذه الآليات من تطويق المخالفات والقضاء عليها.

خاصة أن مراقبة التعمير في ظل النصوص القانونية والتنظيمية الجاري بها العمل، تتميز بتعدد سلطاتها وأجهزتها بحيث يصعب الفصل بوضوح بين دور كل من الدولة  (مؤسساتها وأجهزتها) ودور الجماعات الحضرية والقروية، وخاصة دور رؤساء مجالسها. إذ يلاحظ غموض حول جوانب عديدة تهم المراقبة المذكورة سواء من حيث المبادرة للمراقبة أو تتبع تطوراتها ومآلها أو اتخاذ الجزاءات القسرية ضد المخالفين[47].

 

[1] صباري محمد سعيد ” البيئة ومشكلاتها ” مجلة عالم المعرفة عدد 22 مطابع اليقظة سنة 2006 ص: 15

[2] فرحات محروس “ملوثات البيئة الداخلية للمباني واعراض المباني المريضة” مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، سلسلة الكتب المتخصصة الطبعة الاولى، 2001 م ص 19

[3] اسامة مدلول ابوهليبة “الجوانب الدستورية والقانونية لحماية البيئة في دولة الكويت- دراسة مقارنة-” أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق شعبة القانون العام، كلية الحقوق اكدال الرباط ، سنة 2009-2010 ص: 27

[4]  اسامة بهلول ابو هليبة : مرجع سابق ص27

[5] فتوحي محمد – جمال الدين محمد ” دليل مرجعي للاعلاميين في المجال البيئي” كتابة الدولة لدى اعداد التراب الوطني والماء والبيئة، المكلفة بالبيئة ص:9

[6]  الجريدة الرسمية عدد 4159 بتاريخ 15 يوليوز 1992 بالنسبة لقوانين 12-90 و25-90  والجريدة الرسمية عدد 4220 بتاريخ 15 شتنبر 1993 بالنسبة لإحداث الوكالات الحضرية.

[7] احمد المالكي وسعيد البولماني ” إدارة التعمير و إكراهات الواقع” المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ، شتنبر – دجنبر ، عدد 77.76، 2007 ص: 56

[8]– الهادي مقداد،” السياسة العقارية في ميدان التعمير والسكنى”، تقديم الدكتور عبد الرحمان البكريوي، الطبعة الأولى، 2000 ، مطبعة دار النجاح الجديدة، البيضاء، ص 129.

[9] الجريدة الرسمية عدد 4225 بتاريخ 20/10/1993 الصفحة  2061 مرسوم رقم 2.92.832 صادر في 27 من ربيع الآخر 1414 (14 أكتوبر 1993) لتطبيق القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير

[10] – ا نظر المادة 7 من ظهير 17 يونيو المتعلق بالتعمير.

[11] – أحمد بن مسعود “المحافظة على البيئة بين الدولة والجماعات المحلية “الأطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، كلية الحقوق، أكدال، الرباط، سنة 2004، ص 168.

[12] -عبد الرحمان البكريوي، “التعمير بين المركزية واللامركزية”، الشركة المغربية للطباعة والنشر ، الرباط، 1993، ص 59.

[13] طبقا للمادة 28 من قانون 12.90 المتعلق بالتعمير فإن الآجال هو 10 سنوات ابتداء من تاريخ نشر النص القاضي بالموافقة على تصميم التهيئة في الجريدة الرسمية.

[14] – المادة 13 من قانون 90-12، الجريدة الرسمية عدد 4159، بتاريخ 14 محرم 1413 (15 يوليوز 1992) ص887-898.

[15]– عبد الرحمان البكريوي “التعمير بن المركزية واللامركزية ” الشركة المغربية للطباعة والنشر الرباط 1993 . ص: 76

[16] – محمد السنوسي “أضواء على قضايا التعمير والإسكان بالمغرب”، مرجع سابق، ص 33.

[17] Saidi (M) : document d’urbanisme et protection de l’environnement dans le grand Casablanca.in la protection de l’environnement dans le grand Casablanca, publication de FSLH, Ain Chok, Casablanca, 1992, p : 51.

[18]  El Yaagoubi (M) : le permis de construire et l’environnement au Maroc. REMALD, Etudes, n°44-45, mai- août 2002, p : 63.

[19] السملالي عبد المجيد ” الضبط الإداري البيئي” مرجع سابق ص:21

[20] المرسوم رقم 2.92.833  بتاريخ 12 اكتوبر 1993 بتطبيق قانون رقم 25-90  المتعلق بالتجزءات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات.

[21] EL Yaagoubi Mohamad “Permis de construire et environnement au Maroc ” revue marocaine d’ administration local et de développement n° 44-45 mai-aout 2002 p:  64

[22] احمد بن مسعود ” المحا فضة على البيئة بين الدولة والجماعات المحلية” مرجع سابق ص: 209

[23] المادة 6 من قانون 03-11 المتعلق بحماية واستصلاح البيئة، ( الجريدة الرسمية عدد 5118 بتاريخ 19 يونيو 2003).

[24] – المادة 41 من القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير:”يسلم رخصة البناء رئيس مجلس الجماعة.  وفي المنطقة المحيطة بجماعة حضرية يسلم رخصة البناء رئيس مجلس الجماعة القروية المزمع إقامة البناء على أرضها بتنسيق مع رئيس مجلس الجماعة الحضرية”.

[25] الفقرة الأولى من  المادة 43 من القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير.

[26] – الفقرة الثانية  من  المادة 43 من القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير.

[27] عبد السلام بوهوش ” نحو سياسة جنائية جديدة  لحماية المجال العمراني” بيوم دراسي المنظم بالمعهد العالي للقضاء تحت شعار الحماية الجنائية للمجال العمراني. في الرباط 8 ابريل 2009

[28] – المادة 44 من القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير.

[29] كما يتضح ذالك من الناحية العملية  من خلال المدن القديمة المهددة بالانهيار ، والتي تعرضت بعضها للسقوط، كانهيار المباني في مجموعة من المدن العتيقة كمسجد باب البرادعين بمكناس الذي خلف العديد من الضحايا بعد سقوطه يوم الجمعة وقت الصلاة، كما أكدت جريدة الصحراء المغربية أن البنايات الآيلة للسقوط بمدينة فاس تهدد الساكنة خاصة إن  1100 وحدة سكنية منها ذات خطورة قصوى تتطلب تدخل استعجالي.

[30] بوجيدة محمد “رخص البناء” مرجع سابق ص 50

[31] الجريدة الرسمية بتاريخ 18-02-81 والمرسوم التطبيقي له رقم 2-8125 بتاريخ 22-10-1981 الجريدة الرسمية 4-1181

[32] عبد الله درويش”التعمير والبيئة مسؤولية من ؟” مجلة المحاكم المغربية – عدد 92  ص: 19

[33] يقصد بالمؤسسات المصنفة المزعجة أو الخطيرة تلك المؤسسات أو المنشئات الصناعية أو التجارية التي يمكنها أن تشكل خطر أو إزعاجا للجوار، أو على الصحة و الأمن والنظافة العمومية أو المآثر التاريخية أو أي عنصر من عناصر البيئة: كالهواء أو المياه أو التربة.

[34] EL Yaagoubi Mohamad” Réflexions sur la démocratie locale au Maroc” El Maarif  Al Jadida –rabat  2007. P:135

[35] نادية النحيلي” دور القضاء الجنائي في حماية البيئة” المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ،عدد 74، 2007. ص: 146

[36] Abdallah harsi « la protection de l’environnement à travers le droit de l’urbanisme au Maroc » ; numéro double 44.45 mai-aout 2002 p:91

[37] بوشعيب اوعبي ” المحافظة على البيئة بالمغرب نموذج الجماعات الحضرية والقروية” أطروحة لنيل دكتورة في الحقوق، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، اكدال الرباط. 2004 ص: 369.

[38] احمد بن مسعود”المحافظة على البيئة بين الدولة والجماعات المحلية ” مرجع سابق ص: 214

[39] احمد بن مسعود مرجع سابق ص 215

 [40]بوشعيب اوعبي ” المحافظة على البيئة بالمغرب نموذج الجماعات الحضرية والقروية” مرجع سابق ص: 377

 [41] اطلاع على وثائق داخلية في الجماعة الحضرية سلا الجديدة، تضمن الملف  كل وثائق طلب رخصة المشروع، والمراسلات الإخبارية و الاستخبارية  المتعلقة بها، بالإضافة إلى أسباب رفض هذه الرخصة والمتعلقة بالتأثير على البيئية.

[42]احمد بن مسعود مرجع سابق ص: 217.

[43] EL Yaagoubi Mohamad” Permis de construire et environnement au Maroc ‘’ op .cit   p :72

[44] أمينة جبران”القضاء الإداري : دعوى القضاء الشامل”، المنشورات الجامعية المغاربية  1994 الهامش رقم:274 ،  ص: 274.

[45] إبراهيم كومغار ” آليات الوقاية والتمويل لحماية البيئة على ضوء القوانين الجديدة” المجلة المغربية للادارة المحلية والتنمية عدد مزدوج 66-67، سنة 2006. ص: 117

[46]– بوجيدة محمد “تداخل الاختصاصات بين الدولة والجماعات المحيلة”، مرجع سابق، ص : 283

[47]-بوجيدة محمد ” رخصة البناء وشهادة المطابقة “، مرجع سابق، ص 14

Exit mobile version