Site icon مجلة المنارة

الإثبات بواسطة الإقرار الضريبي و إشكالية مواكبة المستجدات الالكترونية الحديثة

حياة النهيضي

طالبة باحثة بسلك الدكتوراه

جامعة محمد الخامس الرباط

كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية سلا

 

الإثبات بواسطة الإقرار الضريبي و إشكالية مواكبة

المستجدات الالكترونية الحديثة

 

مقدمة:

يعتبر تقديم الإقرار بالنسبة للضرائب التصريحية الحلقة الأولى في سلسلة حلقات عملية الربط الضريبي[1]، و من هنا تتضح أهمية الإقرار الضريبي فهو يجعل الخاضع للضريبة في مأمن من كل مفاجأة ضريبية،  قد تتجلى في الفرض التلقائي في حالة عدم تقديمه للتصريح.

و الإقرار في اللغة من قرَّ الشيء يَقر، و في اللسان يقال: أقرَّ بالحق أي اعترف به، و اصطلاحا: يعتبر الإقرار إخبار عن ثبوت حق للغير على نفسه[2]، أما الإقرار الضريبي فله معنى مرتبط بحق الإدارة الضريبية في جباية الضرائب و المبنية أساسا على التصريح[3].

و قد عرف الدكتور “عبد الرحمان أبليلا” الإقرار الضريبي على أنه:         مبادرة إجبارية و ضرورية من قبل الخاضع للضريبة في العملية الضريبية، تستهدف إخبار الإدارة الضريبية بواقعة معينة لها آثار جبائية، و بجميع الظروف و الملابسات التي لها علاقة بالمادة الضريبية و التي من شأنها التأثير عليها.

فما هي شروط و أنواع الإقرارات الضريبية؟ و ما هي النصوص التي أطر بها المشرع الجبائي الإقرار التقليدي و الإلكتروني؟ و ما هي الإشكالات التي يمكن أن تطرح في هذا الإطار؟

إذن سنحاول في هذه الدراسة تسليط الضوء على الإقرار الضريبي التقليدي و البحث عن أنواعه ( المبحث الأول)، على أن يتم التطرق للإقرار الضريبي الإلكتروني و الإشكالات التي يطرحها في ( المبحث الثاني).

المبحث الأول: الإقرار الضريبي التقليدي و أنواعه

يتقدم الخاضع للضريبة من تلقاء نفسه بتصريح – وفق نموذج تعده الإدارة الضريبية –  يحتوي على رقم أعماله و احتساب مبلغ الضريبة المفروض عليه، و بالتالي فإن أسلوب ربط الضريبة بناء على تصريحات و إقرارات الخاضعين بأنفسهم[4] ، يجسد في العمق نمط حضاري راقي للمواطنة الجبائية، و الحوار الفعال بين الإدارة الضريبية و الخاضع للضريبة، الذي يبدي رغبته في تحمله للأعباء العمومية[5] من خلال التصريح الذي يتقدم به.

فما هي إذن شروط الإقرار الضريبي و حجيته في الإثبات؟ (المطلب الأول)، و ما هي أنواع الإقرارات الضريبية ( المطلب الثاني).

المطلب الأول: شروط الإقرار الضريبي

إن تحصيل الضرائب ينطلق من مبدأ التصريح[6]، الذي يفترض فيه أنه صادق، و بالتالي يجب أن يتضمن مجموعة من الشروط الشكلية و الموضوعية سيتم توضيحها كما يلي:

أولا: الشروط الشكلية:

نصت المادة 148 من المدونة العامة للضرائب على مجموعة من البيانات الشكلية المتعلقة بالتصريح بالتأسيس المشتركة بين الضرائب التصريحية الثلاث: الضريبة على الشركات و الضريبة على الدخل و الضريبة على القيمة المضافة، حيث يجب أن يتضمن التصريح:

و هكذا فالإقرار الضريبي له أهمية خاصة، تنبع من كونه عبارة عن اعتراف للخاضع بحقيقة و مصدر دخله، و بما أن الضريبة يجب أن تفرض على الدخل الحقيقي و ليس على الدخل المفترض، فإن الخاضع هو الشخص الوحيد القادر على تحديد هذا الدخل[7] بشكل دقيق.

ثانيا: الشروط الموضوعية

يجب على الإقرار الضريبي المقدم من طرف الخاضع للضريبة أن يكون صادقا في مضمونه، واضحا و غير متناقض في المعلومات، و مبررا بالوثائق المثبتة، فالشروط الموضوعية في التصريح الضريبي تعني أن الإقرار بما يتضمنه من بيانات و معلومات هو ملزم للخاضع للضريبة.

و قد أكد هذا المبدأ، قرار صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط جاء فيه ما يلي: ” إن مبدأ واقعية القانون الجبائي، يعطي الحق للإدارة الضريبية في مواجهة الخاضع بالوضعية القانونية الناشئة عن ما ضمنه بإقراراته، على اعتبار أن المنطق القانوني يستند على كون الصبغة التصريحية للضريبة تجعل الملزم مقيد بالبيانات التي بإرادته الحرة في إقراره الجبائي…”[8].

فإذا كانت القاعدة العامة و الأساسية في النظام الضريبي المغربي هي التصريح، فإن ذلك يستتبعه بالضرورة مراقبة الإدارة الضريبية، و متابعتها الدائمة لمدى صدق التصاريح المقدمة من طرف الخاضعين للضريبة[9]، فالرقابة الجبائية سلاح فعال منحه المشرع للإدارة الجبائية لتمكينها من ردع الخاضعين من أي تهرب أو غش ضريبي[10].

و إذا ما تبين لمفتشي الإدارة الضريبية نقص في التصريح أو غش، يمكنهم أن يطلبوا من الخاضع أن يدلي بجميع المعلومات التي ستفيد في فرض الضريبة بشكل سليم و قانوني، و في حالة رفضه أو اعتراضه على تقديم وسائل الإثبات اللازمة، أو أنه أدلى بمعلومات خاطئة قصد التظليل، فإنه بإمكان الإدارة الجبائية أن تثير مسطرة التصحيح التواجهية[11]، أو أن تفرض الضريبة بصفة تلقائية في حالة عدم وضع الإقرار داخل الأجل القانوني[12]، و تتجلى حالات الفرض التلقائي في ثلاث حالات :

و لم يسمح القانون باللجوء إلى هذه المسطرة، إلا كوسيلة للعقاب في الحالات التي لا يلتزم فيها الخاضع للضريبة بالتزاماته الجبائية[14]، بالإضافة إلى إمكانية فرض جزاءات و عقوبات، تطبق في حالة مخالفة المقتضيات القانونية التي تنص على وجوب الإدلاء بالتصريح في الضرائب التصريحية.

المطلب الثاني: أنواع الإقرارات الضريبية

نصت المدونة العامة للضرائب على مجموعة من الالتزامات المشتركة بين الضرائب المتعلقة بالإقرارات، و هذه المقتضيات هي مشتركة بين الضرائب التصريحية الثلاث ( الضريبة على الدخل و الضريبة على الشركات و الضريبة على القيمة المضافة)، و من بين هذه الالتزامات القيام بالتصريحات اللازمة كما يلي:

و سيتم التطرق باختصار لأنواع الإقرارات الضريبية لكل ضريبة تصريحية على حدة، نظرا للدور الهام لهذه الإقرارات في الإثبات في المادة الضريبية بصفة عامة، و في المنازعات الجبائية بمرحلتيها الإدارية  و القضائية بشكل خاص.

أولا:  الإقرارات الضريبية بالنسبة للضريبة على الشركات

نصت المادة 20 من المدونة العامة للضرائب، على ضرورة الإدلاء بالإقرار بالحصيلة المفروضة عليها الضريبة برقم الأعمال، حيث جاء فيها: ” 1- يجب على الشركات سواء أكانت خاضعة للضريبة على الشركات أو معفاة منها، باستثناء الشركات غير المقيمة […] أن توجه إلى مفتش الضرائب التابع له مقر الشركة الاجتماعي أو مؤسستها الرئيسية بالمغرب، إقرارا بحصيلتها الخاضعة للضريبة محررا على أو وفق مطبوع نموذجي، تعده الإدارة و ذلك داخل أجل الثلاثة (3) أشهر التالية لتاريخ اختتام كل سنة محاسبية…

2 – يجب على الشركات غير المقيمة المفروضة عليها الضريبة جزافيا، عملا بأحكام المادة 16 أعلاه، أن تدلي قبل فاتح أبريل من كل سنة، بإقرار يتعلق برقم أعمالها يحرر على أو وفق مطبوع نموذجي تعده الإدارة… “.

يتضح أن المشرع الجبائي، بناء على المادة 20 أعلاه، كان دقيقا في التمييز بين الشركات المقيمة بالمغرب و الغير المقيمة، حيث ألزم كل صنف بالإدلاء بإقراراته في وقت محدد، ببيانات إلزامية لا يجوز مخالفتها، تحت طائلة الجزاءات المنصوص عليها في المدونة العامة للضرائب.

ثانيا:  الإقرارات الضريبية بالنسبة للضريبة على الدخل

 تنقسم الإقرارات الضريبية بالنسبة للضريبة على الدخل بدورها إلى عدة أنواع، سيتم توضيحها كما يلي:

يجب على الخاضعين لهذه الضريبة أن يسلموا مقابل وصل، أو يوجهوا في رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل، إلى مفتش الضرائب التابع له موطنهم الضريبي أو مؤسستهم الضريبية، إقرارا بهويتهم الضريبية، و ذلك خلال الثلاثين يوما الموالية إما لتاريخ بداية نشاطهم، و إما لتاريخ حصولهم لأول مرة على دخل من الدخول[15].

 يجب على المشغلين التابعين للقطاع الخاص المستوطنين و المستقرين بالمغرب، و على الإدارات و غيرها من الأشخاص المعنويين الخاضعين للقانون العام، أن يسلموا قبل فاتح مارس من كل سنة إلى مفتش الضرائب التابع له موطنهم الضريبي أو مقرهم الاجتماعي أو مؤسستهم الرئيسية، إقرارا يتضمن مجموعة من البيانات، فيما يخص كل واحد من المستفيدين من مستحقي الأجور المؤداة خلال السنة السابقة[16].

 يجب على الخاضعين للضريبة على الدخل، مع مراعاة أحكام المادة 86 من المدونة العامة للضرائب، أن يوجهوا في رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل، أو يسلموا مقابل وصل إلى مفتش الضرائب التابع له موطنهم الضريبي أو مؤسستهم الرئيسية، إقرارا بمجموع دخلهم خلال السنة السابقة، يحرر في أو وفق مطبوع نموذجي تعده الإدارة، مع بيان صنف أو أصناف الدخول المتكونة منها، وفق الشروط المنصوص عليها، و متضمنا للبيانات الإلزامية الواردة في المادة 82 من المدونة العامة للضرائب.

فيما يتعلق بتفويت الممتلكات العقارية أو الحقوق العينية المرتبطة بها، يجب على الملاك أو أصحاب حق الانتفاع و الخاضعين للضريبة أن يسلموا مقابل وصل إقرارا إلى محصل إدارة الضرائب خلال الثلاثين (30) يوما الموالية لتاريخ التفويت[…] و ذلك وفق الشروط المنصوص عليها في المادة 83 من المدونة العامة للضرائب.

يجب على الخاضعين للضريبة الذين يقومون بتفويت قيم منقولة، أن يسلموا إلى محصل الضرائب التابع له موطنهم الضريبي، إقرارا سنويا يتضمن بيانا لجميع عمليات التفويت المنجزة، و ذلك قبل فاتح أبريل من السنة التالية للسنة التي أنجز التفويت فيها[18].

 يجب على الخاضع للضريبة على الدخل، إذا لم يبق له موطن ضريبي بالمغرب، أن يوجه في رسالة مضمونة الوصول مع الإشعار بالتسلم،أو يسلم مقابل وصل إلى مفتش الضرائب التابع له موطنه الضريبي أو مؤسسته الرئيسية، الإقرار بمجموع دخله، و ذلك قبل مغادرته المغرب بثلاثين يوما على أبعد تقدير، و إذا توفي الخاضع للضريبة على الدخل، وجب على المستحقين عنه أن يوجهوا أو يسلموا إقرارا بمجموع دخله، و ذلك داخل الثلاثة أشهر التالية لتاريخ الوفاة[19].

ثالثا: الإقرارات الضريبية بالنسبة للضريبة على القيمة المضافة

هي عبارة عن تصريحات دورية تهم أساسا الضريبة على القيمة المضافة،  حيث تفرض على الخاضع لها إما وفقا لنظام الإقرار الشهري، و إما وفقا لنظام الإقرار الربع السنوي[20]، و في هذا الإطار، نصت الفقرة الثانية من المادة 107 من المدونة العامة للضرائب على أنه: ” يجب أن تشتمل الإقرارات الشهرية أو الربع السنوية المدلى بها لأجل فرض الضريبة، جميع العمليات التي أنجزها الخاضع للضريبة…”.

 يفرض على الخاضعين الذي يساوي رقم معاملتهم المفروضة عليها الضريبة، و المنجز خلال السنة المنصرمة مليون درهم أو يتجاوزه، و كذا كل شخص ليس له مؤسسة بالمغرب و يقوم فيه بعمليات خاضعة للضريبة[21].

 يفرض على الخاضعين للضريبة الذين يقل رقم معاملتهم المفروضة عليه الضريبة، و المحقق خلال السنة المنصرمة عن مليون درهم، و على الخاضعين الذين يستغلون مؤسسات موسمية، و كذا الذين يمارسون عملا دوريا أو يقومون بعمليات عرضية، و كذا الخاضعين الجدد للضريبة فيما يخص السنة المدنية التجارية…[22].

أما بالنسبة لآجال الإقرارات الضريبية المتعلقة بالضريبة على القيمة المضافة، فالإقرار الشهري يجب أن يودعه الخاضع قبل العشرين من كل شهر لدى مكتب قابض الإدارة، متضمنا رقم الأعمال المحقق خلال الشهر السابق، و أن يدفع في نفس الوقت الضريبة المطابقة له[23].

أما الإقرار الربع السنوي، فيجب أن يودعه الخاضع للضريبة قبل العشرين من الشهر الأول من كل ربع سنة لدى مكتب قابض الإدارة الضريبية، متضمنا رقم الأعمال المحقق خلال الربع سنوي المنصرم، مع الدفع في نفس الوقت الضريبة المطابقة له[24]، بالإضافة إلى ذلك نص المشرع الجبائي على ضرورة الإدلاء بالإقرار بالمعامل أو نسبة الخصم، طبقا للشروط  و البيانات المنصوص عليها في المادة 113 من المدونة العامة للضرائب.

كما نصت هذه المادة كذلك على ضرورة الإدلاء بالإقرار بالتفويت المتعلق بالشركات و انتهاء عملها، و تغيير شكلها القانوني طبقا لما نصت عليه المادة 114 من المدونة العامة للضرائب.

إذن، و من خلال هذا الجرد البسيط لأنواع الإقرارات المقدمة من قبل الخاضع للضريبة، يتبين جليا أنه رغم الإصلاح الجبائي، إلا أنه ما زال هناك تنوع و كثرة في التصريحات و تضارب في آجالها[25] بين مختلف الضرائب التصريحية، و كذا كثرة البيانات الإلزامية و العمليات الحسابية المعقدة، بالإضافة إلى كثرة الوثائق الواجب إثباتها في التصريح أو برفقته، مما يؤدي بشكل مباشر إلى نفور الخاضع للضريبة و هروبه من الالتزامات الجبائية الملقاة على عاتقه[26].

المبحث الثاني: الإقرار الضريبي الإلكتروني

حاول المشرع الجبائي أن يواكب المستجدات الإلكترونية الحديثة، فأقر إمكانية إدلاء الخاضعين للضريبة بالإقرارات المنصوص عليها في المدونة العامة للضرائب بوسيلة إلكترونية، معتبرا أن الإقرارات الإلكترونية لها نفس الآثار القانونية للإقرارات المحررة على أو وفق نموذج تضعه الإدارة رهن إشارة الخاضع[27].

و يعتبر الإقرار الضريبي الإلكتروني بما جاء به من بيانات و معلومات حجة قاصرة على الخاضع، و قرينة بسيطة تقبل إثبات عكسها، و ذلك بواسطة الفحص و المراقبة ، – التي من المفروض أن تكون بطريقة الكترونية – لأن الإقرار المقدم هو بدوره عن طريق الوسائل الحديثة، لكن الإشكال الذي يطرح في هذا الإطار هو طبيعة هذه المراقبة على الإقرارات المقدمة بطريقة إلكترونية و مدى نجاعتها و فعاليتها؟

و لا شك أن مزايا الإقرار الإلكتروني المتمثل في الدقة و السرعة و الفعالية، له  بالمقابل مساوئ عديدة من بينها:  أنه يقدم عن طريق الانترنيت، و هذه الأخيرة هي مرتع خصب للتلاعب بالمعطيات، و سرقتها و توظيفها بشكل سلبي في سرقة الأموال و بطاقات الائتمان الإلكترونية، كما أنه قد يشكل مجالا للتهرب أو الغش الضريبي عن طريق تقديم إقرارات ناقصة أو غير صادقة.

فما هي إذن النصوص القانونية التي أطّر بها المشرع الجبائي الإقرار الإلكتروني؟ (المطلب الأول)، و ما هي حجيته في الإثبات؟ و ما هي العراقيل     و الصعوبات التي قد تحول دون تحقيقه للنتائج المرجوة منه؟  ( المطلب الثاني).

المطلب الأول: التأطير القانوني للإقرار الإلكتروني

نصت المادة 155 من المدونة العامة للضرائب على جواز الخاضعين للضريبة الإدلاء بإقراراتهم بطريقة الكترونية، حيث جاء فيها ما يلي: ” يجوز للخاضعين للضريبة أن يدلوا إلى إدارة الضرائب بطريقة إلكترونية بالإقرارات المنصوص عليها في هذه المدونة، وفقا للشروط المحددة بقرار للوزير المكلف المالية.

غير أنه يجب الإدلاء لإدارة الضرائب بطريقة الكترونية بالإقرارات السالفة الذكر، ابتداء من فاتح يناير 2010 بالنسبة للمنشآت التي يفوق أو يساوي رقم أعمالها مائة (100) مليون درهم، و ابتداء من فاتح يناير 2011 بالنسبة للمنشآت التي يفوق أو يساوي رقم أعمالها خمسون (50) مليون درهم، دون احتساب الضريبة على القيمة المضافة […]

تكون للإقرارات و الإجراءات الإلكترونية المذكورة نفس الآثار القانونية: للإقرارات المحررة على أو وفق مطبوع نموذجي تعده الإدارة و المنصوص عليه في هذه المدونة” .

إذن و بالإضافة إلى هذه المادة، نجد المادتين 110 و 111 من المدونة العامة للضرائب تنصان كذلك على الإقرار الإلكتروني، حيث ورد في الفقرة الثانية من المادة 110 ما يلي: ” بالنسبة للخاضعين اللذين يدلون بتصاريحهم بالطريقة الإلكترونية المنصوص عليها في المادة 155 أدناه، يجب عليهم الإدلاء بهذه التصاريح قبل انصرام كل شهر”.

أما الفقرة الثانية من المادة 111 من المدونة العامة للضرائب، فنصت على أنه: ” بالنسبة للخاضعين الذين يدلون بتصاريحهم بالطريقة الإلكترونية المنصوص عليها في المادة 155 أدناه، يجب عليهم الإدلاء بهذه التصاريح قبل انصرام كل الشهر الأول من كل ربع سنة”.

و بناء على ما سبق، يبدو أن المشرع الجبائي المغربي حاول مواكبة المستجدات التي طرأت على عالم المال و الأعمال، وأقر إمكانية استخدام الوسائل التكنولوجية للإدلاء بالإقرار الضريبي.

و في هذا الإطار، عملت المديرية العامة للضرائب على إعداد برامج معلوماتية، لتسهيل التصريح و الأداء عبر شبكة الانترنيت، فالإقرار الإلكتروني هو عملية يقوم بها الخاضع من خلال تعبئة مطبوع شبيه بالمطبوع الورقي المتوفر لدى إدارة الضرائب، حيث يستفيد المنخرط عبر هذه الطريقة من الاحتساب الآلي للضريبة المستحقة عليه، و بمجرد الإدلاء بإقراراته يتلقى الخاضع –  المنخرط في خدمات الإقرار عبر شبكة الانترنيت -، إشعارا بالإستيلام يتضمن تاريخ و ساعة إيداع الإقرار حسب طبيعة الضريبة الواجب الإقرار بها، و كل ضريبة لها برنامج خاص بها:

و قد تم في هذا الإطار اتخاذ مجموعة من التدابير و الاحتياطات الوقائية التي تتضمن سلامة المعلومات المتعلقة بالخاضعين للضريبة، حيث تم إفراد كل خاضع برقم تعريف واحد مع استعمال كلمة سر و شهادة خاصة، بهدف التأكد من هوية الخاضع[29]، و هكذا خلق التنظيم الإداري و التطور التكنولوجي للمعلومات هيكلة جديدة للإدارة الضريبية الإلكترونية[30].

لكن الإشكال الذي يطرح في هذا الصدد هو : هل هذه الاحتياطات           و التدابير التي اتخذتها المديرية العامة للضرائب، كافية لحماية أموال الخاضع للضرائب من جرائم الانترنيت، و السطو على بطاقات ائتمانه الإلكترونية و الاستيلاء على البيانات الشخصية الخاصة بهم ؟ هذا ما سنتطرق إليه في الفقرة الثانية.

المطلب الثاني: معيقات تطبيق الإقرار الضريبي الإلكتروني

وجد المشرع الجبائي نفسه مجبرا على التكيف مع الثورة المعلوماتية الرقمية، فالدعامة التقليدية للتواصل المعتمد فيها بالأساس على الورق               – كوسائل للإثبات – بدأت تترك مجالها تدريجيا للدعامة الإلكترونية التي تتسم بالسرعة والفعالية في تبادل المعطيات[31] بين الخاضع و الإدارة الضريبية الإلكترونية، فالدعامة الرقمية يمكنها القيام بمجموعة من العمليات في آن واحد، كوظيفة الترتيب و التحويل و التخزين[32]، و بالتالي إمكانية مراقبة تصريحات الخاضعين للضرائب بطريقة الكترونية.

و تبعا لذلك، فمبدأ التصريح يسمح نظريا للخاضع للضريبة، الذي يملأ إقراره بدقة من الاستفادة من قرينة الصدق، سواء كان هذا الإقرار مقدم بطريقة الكترونية أو تقليدية[33]، حيث يعتبر حجة قاصرة على الخاضع للضريبة، أما بالنسبة للإدارة الجبائية فبإمكانها أن تخضعه للفحص والمراقبة  بالطريقة الإلكترونية [34].

إلا أن التطور الحاصل في تكنولوجيا المعلومات، بدأ يطرح مشاكل عديدة أفرزها العالم الرقمي[35] منها: الجرائم الإلكترونية، فأين تتجلى خطورة هذه الجرائم الخفية على الخاضعين للضريبة و الإدارة الضريبية؟

لقد تم إدخال التقنيات المتطورة، و استعمالها في الميدان الضريبي بغية ربح الوقت و إتقان العمل[36] و الرفع من تحصيل الضرائب، إلا أن هذه الإيجابيات تقابلها اكراهات عديدة منها الجرائم الإلكترونية، و تعرف بأنها تلك الجرائم الناتجة عن استخدام المعلومات و التقنيات الحديثة المتمثلة في الحاسوب و الانترنيت في القيام بأنشطة إجرامية، بهدف تحقيق عوائد مالية ضخمة يتم سرقتها عبر شبكة الانترنيت، خاصة و أن هذه الأخيرة يتم فيها تداول النقود الإلكترونية و بطاقات الائتمان…

و تتسم الجرائم الناشئة عن استخدام الانترنيت بأنها جرائم خفية و مستترة في أغلبها، لأن الجاني يتمتع بقدرات فنية عالية تمكّنه من إرسال فيروسات مدمرة و سرقة الأموال و البيانات الخاصة[37]، و بالتالي السطو على مبالغ مهمة من أرصدة و حسابات الخاضعين للضريبة، و هذه السرقات تنصب خاصة على الخاضعين للضريبة على الشركات.

و بالتالي، يجب على الإدارة الجبائية أن تكون حذرة، و أن تتخذ إجراءات حازمة  و صارمة لحماية هذه الفئة – التي تدفع الضريبة عن طريق الانترنيت -، من هذه الجرائم التقنية، في ظل وجود فراغ تشريعي يُجرّم هذه الأعمال التي تستهدف الخاضعين للضريبة و الإدارة الضريبية على حد سواء.

خاتمة :

إن تطوير النظام المعلوماتي التواصلي على مستوى الإدارة الجبائية شكل ورشا مفتوحا منذ سنوات، إذ يمثل هذا النظام الموجه نحو الخاضع للضريبة لضبط أفضل للمادة الجبائية أسلوب حديث في التعامل معه، بالإضافة إلى ذلك فإنه سيمكّن الإدارة الجبائية من الحصول على المعلومات المتعلقة بالخاضعين للضريبة على امتداد التراب الوطني عن طريق اقراراتهم بطريقة تلقائية، و بالتالي أصبحت الإدارة الجبائية تستهدف بالأساس تحسين مناخ الثقة بينها و الخاضع للضريبة ،    و دعم مرتكزات المواطنة الجبائية و تسهيل الولوج إلى المعلومة الجبائية.

إلا أن الإشكال المطروح، هو مسألة الإثبات عن طريق الإقرار الإلكتروني، خاصة مع وجود فراغ تشريعي يؤطر تعامل الخاضعين للضريبة     و الإدارة الضريبية بالطرق الإلكترونية الحديثة.

فكيف يمكن إذن إيجاد توازن عادل بين الحق الخاص و الصالح العام عبر إعمال وسيلة الإثبات بواسطة الإقرار الجبائي بطريقة الكترونية؟

و هل يمكن للقاضي الجبائي أن يواكب هذه المستجدات، و يلعب دورا ايجابيا في فض النزاعات الجبائية الناتجة عن تعامل أطراف العلاقة الجبائية بالوسائل الإلكترونية الحديثة؟.

 

[1]  : عبد العزيز يعكوبي، الإجراءات الإدارية لربط الضريبة و مسطرة الطعن فيها قضائيا، أعمال اليوم الدراسي بكلية الحقوق بالرباط – السويسي تحت عنوان: الإجراءات المتبعة أمام المحاكم الإدارية، بتاريخ 15 يونيو 1996، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية، سلسلة مواضيع الساعة، عدد 9، ص 64.

[2]  : سليم علي مسلم الرجوب، التعارض و الترجيح في طرق الإثبات- دراسة فقهية مقارنة، أطروحة لنيل الدكتوراه في القضاء الشرعي، الجامعة الأردنية، كلية الدراسات العليا، السنة الجامعية 2005 – 2006، ص 95.

  [3]  : و قد عرفه بعض الفقه على أنه :

«  L’aveu est une déclaration par la quelle une personne reconnait la réalité d’un fait pouvant produire, à ces dépends, des conséquences juridique … » Christophe de la Mardière , la preuve en droit fiscal, Lexis Nexis, S A, Litek, Paris, 2009, p. 14.

[4]  : و تجدر الإشارة إلى أن الإقرار في فرنسا يقدم مدعما بالمستندات، و يتفق هذا الإقرار مع واقع الدفاتر المنتظمة،و يخص هذا الأسلوب كبار الخاضعين فقط، أما الصغار فيعفون من ذلك، أورده  مطاوع السعيد السيد مطاوع، النظام الضريبي الفرنسي- دراسة تحليلية، جامعة الأزهر، كلية التجارة، قسم المحاسبة، 2009،( بدون طبعة و لا دار نشر)، ص 4.

[5]  : عبد الجليل كوني، مسطرة التصريح الضريبي في ضوء العمل القضائي للمحاكم الإدارية، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية – مراكش، السنة الجامعية 2011 – 2012، ص 99.

[6] : Rakotomalala Hary Andriakaja, l’administration fiscale et des instances judicaire, mémoire de fin d’études obtenu de l’école nationale d’administration de Madagascar, république de Madagascar, décembre 2005, p 6.

[7]  : رجاء أحمد محمد خويلد، الطعن القضائي في منازعات ضريبة الدخل في فلسطين، رسالة لنيل دبلوم الماجستير في المناعات الضريبية، كلية الدراسات العليا، جامعة النجاح الوطنية، نابلس – فلسطين، ص 77.

[8]  :قرار للمحكمة الإدارية بالرباط، عدد 232، بتاريخ 01/03/2004، أوردته ، لبنى بوشنتوف، حماية المكلف في المنازعات الجبائية بين مقتضيات النص القانوني و توجهات العمل القضائي، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية  طنجة، السنة الجامعية 2009 – 2010، ص 112.

[9]  : أسماء العلوي، تطبيقات الرقابة الجبائية على المقاولات بالمغرب، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية – طنجة، السنة الجامعية 2007 – 2008، ص 92.

[10]  : أحمد شيخنا محمد فال، إجراءات الرقابة الجبائية و حقوق المكلف، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية طنجة، السنة الجامعية 2011 – 2012،   ص 25.

[11]  : هشام زكرياء، المراقبة الجبائية للضريبة العامة على الدخل، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، جامعة الحسن الثاني – عين الشق، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية الدار البيضاء ، السنة الجامعية   2000 – 2001، ص 47.

[12]  : سفيان ادريوش و رشيدة الصابري، تصحيح الأساس الضريبي- دراسة مقارنة، الطبعة الأولى، 2002، مطبعة دار القلم، الرباط، ص 27.

[13]  : عبد العالي القديري، دراسة في المساطر الجبائية- تحديد العلاقة بين الإدارة الجبائية و الملزمين، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية  طنجة، السنة الجامعية، 2009 – 2010، ص 20.

[14]  : المصطفى معمر، مظاهر النزاع في العلاقة بين الإدارة و الخاضع للضريبة خلال مسطرة تصحيح الأسس الجبائية، أعمال الندوة الوطنية حول المنازعات الضريبية بمكناس، في 4 و 5 دجنبر 2009، عدد خاص لمجلتي القسطاس  و الزيتونة، مطبعة سلسبيل ف . ن ، الطبعة الأولى يوليوز 2010، ص 67.

[15]  : المادة 78 من المدونة العامة للضرائب.

[16]  : المادة 79 من المدونة العامة للضرائب.

[17]  : المادة 81 من المدونة العامة للضرائب.

[18]  : المادة 84 من المدونة العامة للضرائب.

[19]  : المادة 85 من المدونة العامة للضرائب.

[20]   : زينب حرحور، دور الرقابة الجبائية في تكريس الوعي الجبائي، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، جامعة عبد المالك السعدي،  كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية – طنجة، السنة الجامعية 2008 – 2009،  ص 49.

[21]  : الفقرة الأولى من المادة 108 من المدونة العامة للضرائب.

[22]  : الفقرة الثانية من المادة 108 من المدونة العامة للضرائب.

[23] : الفقرة الأولى من المادة 110 من المدونة العامة للضرائب.

[24]  : الفقرة الأولى من المادة 111 من المدونة العامة للضرائب.

[25]  : زينب حرحور ، دور الرقابة الجبائية في تكريس الوعي الجبائي، مرجع سابق، ص 50.

[26]  : المرجع نفسه، ص 50 – 51.

[27]  : عبد الرحمان أبليلا، الإثبات في المادة الجبائية بالمغرب بين  القواعد العامة و خصوصيات المادة، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية – مراكش، السنة الجامعية 2006 – 2007 ، ص 278.

[28]  : محمد شريف، الإدارة الإلكترونية رهان الإصلاح و التحديث – نموذج المديرية العامة للضرائب، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، جامعة الحسن الأول، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية سطات، السنة الجامعية 2008 – 2009، ص 107.

[29]  : المرجع نفسه، ص 108.

[30] : Hind Jalal, analyse genre de la politique fiscale  au Maroc – cas de l’impôt sur le revenu, librairie harmattns 2011, paris, p. 113.

[31] : Stéphane caïdi, la preuve et la conservation de l’écrit dans la société de l’information, mémoire présenté à la faculté des études supérieures en vue de l’obtention du grade Maitrise en droit, université de Montréal, faculté de droit , décembre 2002, p. 1.

[32] : Ibid.  p .13.

[33] : Fériel  Kamoun, la preuve en droit fiscal, mémoire pour l’obtention du diplôme d’études approfondie en droit des affaires, université de Sfax pour le sud, faculté de Sfax Tunisie, année universitaire 2001 – 2002, p. 14.

[34] : Eric Caprioli et Anne cantera, traçabilité et droit de la preuve électronique, premier publication Mai 2001, Droit & Patrimoine, N° 93, p. 9.

[35] : Hind Jalal, analyse genre de la politique fiscale  au Maroc – cas de l’impôt sur le revenu, op. cit,  p. 115.

[36]  : زينب حرحور، مرجع سابق، ص 129.

[37]  : يوسف صغير، الجريمة المرتكبة عبر الانترنيت، رسالة لنيل دبلوم الماجستير في القانون الدولي للأعمال،جامعة مولود المعمري – تيزي وزو، كلية الحقوق و العلوم السياسية، السنة الجامعية 2012 – 2013، ص 14 – 15.

Exit mobile version