Site icon مجلة المنارة

الأكاديمية المغربية للدراسات الدبلوماسية ورهانات تأهيل المفاوضين

الأكاديمية المغربية للدراسات الدبلوماسية ورهانات تأهيل المفاوضين 

محمد لكريني-كلية الحقوق-سلا-جامعة محمد الخامس-الرباط

تقديم:

    تعد السياسة الخارجية المغربية مجالا حيويا للدولة الشيء الذي يفرض من جهة توافر موارد بشرية متخصصة في الشأن الدبلوماسي لتدبير مختلف القضايا الحيوية التي تهم علاقة المغرب الخارجية، كما يفرض هذا الحقل المعقد كذلك نوعا من التشارك لتدبير كل الملفات، علما أن الدستور المعدل في سنة 2011 حاول التوفيق بين مسألتين أساسيتين هما: المجال المحفوظ للملك- لكن ليس بالشكل الذي كان عليه الأمر مع الراحل الملك الحسن الثاني- وذلك بموجب الفصل 55 من الدستور، ثم الانفتاح على فعاليات الدبلوماسية الموازية من خلال (المعارضة البرلمانية ومساهمتها الدبلوماسية الفاعلة المفترضة، ثم مشاركة فعاليات المجتمع المدني)، من أجل القدرة على إقناع حكومات الدول الأخرى بالطرح المغربي، لأن مهمة الإقناع هي أمر أساسي في فن الدبلوماسية[1].

وهكذا فحقل السياسة الخارجية المغربية يتطلب وجود شخصيات دبلوماسية وازنة لها من الخبرة والكفاءة اللازمتين ما يخول لها الدفاع عن المصالح العليا لبلادنا، وقد أضحت الظرفية الدولية الراهنة بقضاياها المعقدة، تفرض انفتاحا حقيقيا من قبل صانعي القرار السياسي على الدبلوماسية الموازية بقنواتها المختلفة، وخصوصا البرلمانية منها إلى جانب الدبلوماسية الرسمية التقليدية، وذلك بفعل تشابك وتعقد الأزمات والقضايا التي تأكد صعوبة تدبيرها من طرف أو جانب واحد، وذلك بعد تأهيل وتكوين هاته الفعاليات الدبلوماسية غير الرسمية.

حددت اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لسنة 1961[2]، مهام البعثة الدبلوماسية في:

-تمثيل الدولة المعتمدة لدى الدولة المعتمد لديها؛

-حماية مصالح الدولة المعتمدة وكذلك مصالح رعاياها لدى الدولة المعتمد لديها في الحدود المقررة في القانون الدولي؛

-التفاوض مع حكومة الدولة المعتمد لديها؛

-التعرف بكل الوسائل المشروعة على ظروف وتطور الأحداث في الدولة المعتمد لديها وعمل التقارير عن ذلك لحكومة الدولة المعتمدة؛

-تهيئة علاقات الصداقة وتنمية العلاقات الاقتصادية والثقافية والعلمية بين الدولة المعتمدة والدولة المعتمد لديها؛

-لا يفسر أي نص من نصوص هذه الاتفاقية بأنه يحرم البعثة الدبلوماسية من مباشرة الأعمال القنصلية.

كما أن الفصل السادس من الميثاق الأممي في مادته 33 أكد على أنه:”يجب على أطراف أي نزاع من شأنه استمراره أن يعرّض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية؛ أو أن يلجأوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها”، كما “يدعو مجلس الأمن أطراف النزاع إلى أن يسووا ما بينهم من النزاع بتلك الطرق إذا رأى ضرورة لذلك” .

يتضح من خلال اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لسنة 1961 و المادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة أهمية المفاوضات باعتبارها أنجع السبل في تسوية النزاعات بشكل سلمي، وما يؤكد هذا الأمر هو أن هذه المفاوضات تصدرت باقي الوسائل السلمية الأخرى المحددة في المادة السالفة الذكر من الميثاق الأممي، بالإضافة إلى أن الفقرة الثانية من نفس المادة السابقة سمحت لمجلس الأمن بدعوة أطراف النزاع إلى تسوية ما بينهم بمختلف الوسائل المنصوص عليها في حالة الضرورة القصوى.

وبذلك أضحت المفاوضات تستمد أهميتها من أنها أصبحت بديلا عن تبني الأساليب المبنية على القوة والإكراه من جهة، ثم من جهة أخرى أن هذه المفاوضات هي ممارسة تضمن للدولة استمرار علاقاتها وتحقق مصالحها وتسمح لها أيضا بحرية الحركة وتليين المواقف[3].

إذن ما هي أهم الآليات التي تسهم في تأهيل البعثات والوفود الدبلوماسية من أجل قدرة تفاوضية مهمة تخول الدفاع عن المصالح العليا للمغرب بشكل احترافي؟

أولا: صلاحيات الأكاديمية المغربية للدراسات الدبلوماسية

أحدثت الأكاديمية المغربية للدراسات الدبلوماسية[4] سنة 2011؛ بمقر وزارة الشؤون الخارجية والتعاون من أجل القيام بالعديد من المهام التي تصب في خدمة مختلف القضايا الحيوية للمملكة؛ بالرغم من أنها جاءت متأخرة مقارنة ببعض الدول كما هو الشأن بالنسبة لمصر التي أنشأت معهدا للدراسات الدبلوماسية سنة 1966؛ السعودية والكويت عام 1980؛ عمان في 1990؛الأردن سنة 1994؛ الإمارات العربية المتحدة سنة 2003[5]، ثم معهد الدراسات الدبلوماسية الليبية سنة 1976[6]، وأخيرا الأكاديمية الأمريكية للدبلوماسية  التي تأسست سنة 1983 [7].

حُدّدت للأكاديمية المغربية للدراسات الدبلوماسية مجموعة من الصلاحيات المهمة- عندما تم تغيير وتتميم مرسوم 20 يناير 1995- بموجب المادة الثانية من مرسوم 25 أبريل 2011 والمتمثلة فيما يلي[8]:

إن هذه الصلاحيات الممنوحة لهذه الأكاديمية ستسهم بشكل أو بآخر في الرفع من قدرات الدبلوماسيين المغاربة؛ خصوصا بعد انفتاح الدبلوماسية الرسمية على الأكاديميات الدبلوماسية للدول الأخرى التي سبقتنا في هذا الشأن؛ من أجل الاستفادة من خبراتها واستثمار كل هذه الإمكانيات فيما يخدم قضية الوحدة الترابية للمملكة وباقي القضايا الحيوية الأخرى.

ثانيا:رهانات إحداث الأكاديمية المغربية للدراسات الدبلوماسية

هناك رهانات كبيرة مطروحة بعد إحداث هذه الأكاديمية الدبلوماسية وبخاصة وأن الصلاحيات التي تم التنصيص عليها توحي بأن هناك إرادة من أجل الرقي بالعمل الدبلوماسي المغربي والاستفادة من تجارب الدول التي سبقتنا في هذا الشأن من جهة، ثم تجاوز الأخطاء السابقة عند معالجة بعض القضايا الحيوية كما هو الشأن بالنسبة لقضية الصحراء وباقي القضايا المحورية الأخرى من جهة أخرى.

وفي تحليل للمهمة الأولى للأكاديمية المحددة في مرسوم 11 أبريل 2011 يمكن القول إن إنجاز الدراسات والمشاريع في الحقل الدبلوماسي والإسهام في توضيح وتحليل واستباق ما يحدث في حقل العلاقات الدولية، ما هو إلا دليل واعتراف بضعف-إن لم نقل غياب- النظرة الاستباقية في التعامل مع مجموعة من القضايا من بينها قضية الصحراء المغربية، وفي مقابل ذلك هناك انفتاح للدبلوماسية المغربية على ما يصطلح عليه ب”الدبلوماسية العلمية” في مقاربة الأزمات التي تجري في الحياة الدولية.

إن تنظيم دورات تكوينية أو الاستفادة من رفع القدرات اللغوية والتواصلية لا ينبغي أن يقتصر فقط على دبلوماسيي البلدان الصديقة أو موظفي وأعوان وزارة الشؤون الخارجية والتعاون، أو الموظفين والأعوان المنتمين لقطاعات الدولة المدعوون لمزوالة مهام لدى البعثات الدبلوماسية والمراكز القنصلية للمغرب بالخارج، وإنما ينبغي أن يشمل أيضا البرلمانيين والبرلمانيات والقيام بتكوينات مستمرة لهم في إطار شراكة تعقد بين وزارة الشؤون الخارجية والتعاون والبرلمان بمجلسيه، من أجل التأكيد على وجود التنسيق الدائم بين المؤسستين في حقل العلاقات الخارجية.

مما لا شك فيه أن إحداث هذه الأكاديمية الخاصة بالمجال الدبلوماسي سيشكل نقلة نوعية في حقل السياسة الخارجية المغربية؛ وذلك بعد انفتاح هذه الأكاديمية على بعض الفعاليات الأخرى وتأهيلها؛ كما هو الشأن بالنسبة لممثلي الأمة (على سبيل المثال لا الحصر) حتى ينخرط الجميع في الدفاع عن قضية الصحراء المغربية بشكل احترافي؛ والقيام أيضا بمفاوضات من شأنها أن تقنع الدول المتقدمة لجلب استثمارات مهمة تسهم في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بمختلف جهات المملكة المغربية. وبالتالي تحقيق نتائج تروم في اتجاه دعم المقترح المغربي المتعلق بالحكم الذاتي لتنزيله في الأقاليم الجنوبية، ثم أيضا المساهمة في التقليل من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها مختلف جهات المملكة.

إن تفعيل صلاحيات الأكاديمية المغرية للدراسات الدبلوماسية سيمكن الدبلوماسية المغربية عامة من العمل بشكل احترافي من خلال قدرة تفاوضية كبيرة ستمكن من إقناع الأطراف المتفاوض معها، ومن ثمة تحقيق النتائج المرجوة من تحركاتها حول مختلف القضايا التي تهم المغرب في علاقاته الخارجية.

بعد القيام بتأهيل المفاوضين المغاربة-ينبغي أن يكون هناك تكوين مستمر ودوري لهؤلاء الدبلوماسيين- يتم الانتقال إلى عملية أخرى مرتبطة بعملية التهيئة للمفاوضات التي تتطلب في البداية ضرورة القيام باختيار الفريق التفاوضي وفقا للمعايير المحددة في التمثيل الدبلوماسي، ثم اللجوء بعد ذلك إلى الإعداد والتحضير للانطلاق في المفاوضات[9]  لتحقيق النتائج المرغوب فيها  من هذه التحركات.

يخضع اختيار المفاوضين لمعايير عدة تحكم التمثيل الدبلوماسي، لعل أهمها يشمل السمات(الذاتية والموضوعية) الشخصية للمفاوض، ومعيار المهارة التفاوضية للمفاوض، ثم معيار السلوك التفاوضي للمفاوض.[10]

1-السمات الشخصية للمفاوض[11]:

أ-السمات الذاتية تتمثل في:الذكاء،الدهاء، نضج الشخصية، اللباقة،سرعة وحسن التصرف، دقة الملاحظة، الحزم في اتخاذ المواقف وعدم التردد في اتخاذها.

ب-السمات الموضوعية تشمل:التمتع بالقدرة على التحليل والتفكير والتخطيط في إطار من اليقظة الدائمة والمستمرة، التخصص المهني بمعنى أن يكون المفاوض على درجة عالية من الحرفية عند عملية التفاوض، ثم أخيرا المستوى العلمى الذي يضمن المعرفة العامة وبخاصة في مجالات القانون الدولي وشؤون السياسة الدولية، إضافة إلى المعرفة التقنية اللازمة بموضوع العملية التفاوضية والمعرفة اللغوية الكافية التي تسمح له بالتواصل مع الطرف الآخر.

2-المهارة التفاوضية تقتضي توفر ثلاث شروط أساسية تتمثل فيما يلي[12]:

-اليقظة الذهنية للمفاوض؛

-القدرة الإقناعية للمفاوض؛

-القدرة على استنباط الأحكام السليمة.

3-السلوك التفاوضي للمفاوض يمكن أن يجعله إما[13]:

-مفاوضا انفعاليا أو هادئا، عاطفيا أو عقلانيا، محافظا أو متحررا، حذرا أو متهورا، متواضعا أو مغرورا، نشيطا أو متكاسلا، مثابرا أو مستسلما.

ومن ثمة يمكن القول إن نجاح المفاوضات-إضافة إلى ما سبق- رهين باحترام مجموعة من الشروط والمهارات والاعتبارات التالية:

1 – التمرس التام بالأصول والممارسات والإجراءات الدبلوماسية الشفوية والكتابية.

2 – الإدراك والفهم الكامل للمشكلة محل النزاع من حيث الخلفية والظروف والتطورات والنتائج المحتملة.

3 – الفهم التام لقدرات دولته ومدى قوتها وضعفها وما يمكن استخدامه من وسائل مباشرة في حل النزاع.

4 – الفهم الواضح لطبيعة الأساليب التي يمكن استخدامها في كافة مراحل المفاوضات.

5 – القدرة على تقديم التنازلات والوصول إلى تسوية دون التفريط بالمصالح الحيوية لدولته.

6 – الإعداد الجيد للمفاوضات من خلال المعرفة اللازمة بالأساليب التفاوضية للدولة المضيفة وكذا المعرفة اللازمة بالمتغيرات الدولية والإقليمية القائمة عند التفاوض والمعرفة الواقعية بسلوك المفاوض الرئيس الذي يمثل الدولة المضيفة.

7 – التمتع بالصبر والمرونة والنفس الطويل[14].

وفي نفس السياق يرى أحد الباحثين أن المهارات التفاوضية الأساسية تشمل:

1 – مهارة جمع وتحليل واستخدام المعلومات.

2 – مهارة الاتصال وتبادل المعلومات.

3 – مهارة اليقظة والتركيز خلال المفاوضات.

4 – مهارة الإلمام بمعارف متنوعة مرتبطة بالتفاوض.

5 – اعتماد الإستراتيجية المناسبة والمناورة والتكتيك.

6 – مهارة اتخاذ القرار التفاوضي[15].

إن عمليات الاتصال الهدف منها هو إقناع الطرف الآخر بأن مصلحته ليست فيما يفكر هو فيه[16]، ومن تم  فليس على أطراف النزاع أن يقوم كل طرف بتبرير موقفه على أساس القاعدة التالية:

  لا تفاوض من أجل تبرير المواقف كهدف للتفاوض[17].

حظيت المفاوضات بأهمية كبيرة في حسم مجموعة من الخلافات والنزاعات، إلا أنها تتطلب نفسا وصبرا طويلا، فقد أخذت المفاوضات التي أنهت الحرب الكورية عامين عقد خلالها (575 اجتماعا)، واستمرت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار ما يزيد على عقد من الزمن[18]، وكذلك المفاوضات المباشرة التي أجريت بين الجمهورية اليمنية وسلطنة عمان وتوجت بإبرام اتفاق لتسوية الخلافات الحدودية بينهما، وقع في صنعاء في الأول من شهر أكتوبر عام 1992[19]، أيضا المفاوضات التي أجريت بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي (سابقا) بصدد نزع السلاح في مرحلة التعايش السلمي خلال الحرب الباردة، ثم المفاوضات التي جرت بين مصر وإسرائيل وانتهت بتوقيع اتفاقية (كامب ديفيد) سنة 1978[20].

إن النهوض بالمجال الدبلوماسي وتحقيق النتائج المرجوة منه يتطلب وجود مفاوضين يتحركون بشكل احترافي وبخاصة بعد تعقد القضايا وتزايد عدد الأزمات في الآونة الأخيرة، الأمر الذي يفرض الانفتاح على متخصصين في حقل العلاقات والقانون الدوليين لتأهيل من سيدافع عن القضايا الحيوية للمغرب.

وفي هذا السياق يمكن القول بأن تحقيق حكامة دبلوماسية ناجعة رهينة باتباع مجموعة من المراحل المهمة[21] المتمثلة فيما يلي:

-تبني مبدأ التداول على مناصب المسؤولية فيمن تتوفر فيهم المؤهلات سواء تعلق الأمر بالدبلوماسيون أو الدبلوماسيات؛

-وضع الدبلوماسي المناسب في المكان المناسب من خلال مراعاة مبدأ التخصص وضبط لغة الدولة المعتمد لديها؛

-تغيير الأسلوب الدبلوماسي القائم على سياسة رد الفعل وإنجاز الدراسات والمشاريع البحثية الاستباقية التي حددها المرسوم الخاص بالأكاديمية المغربية للدراسات الدبلوماسية لسنة 2011؛

-تعيين الكفاءات البرلمانية رجالا ونساء والابتعاد عن منطق التعيينات القائمة على المصالح الضيقة وبعض المعايير غير الموضوعية لتمثيل المغرب في المحافل الدولية والإقليمية  أحسن تمثيل؛

تفرض المسؤولية الملقاة على عاتق البرلمانيين والبرلمانيات -باعتبارهم ممثلين للأمة- تمثيل المغرب في مختلف القارات من بينها قارتنا السمراء وليس التهافث على دول القارة الأوروبية، الأسيوية، الأمريكية..

وفي سياق الحديث عن الأسلوب الدبلوماسي المغربي ومعالجته لمختلف القضايا أكد أحد الباحثين بأنه:” لازال المفاوضون يتبعون للمؤسسة الملكية، إذ لا يتمتع المفاوض المغربي بشكل عام ببعض الصلاحيات المرتبطة بالقرارات الاستراتيجية التي قد تنتج عن المفاوضات، لأنها تدخل حصرا في المجال المحفوظ للملك باعتبار هذا الأخير أميرا للمؤمنين (الفصل 41 من الدستور) ورئيسا للدولة (الفصل 42) ومصدرا أساسيا للشرعية المؤسساتية، الذي يحق له وحده تمثيل الشعب المغربي أمام العالم، وبالتالي تحميل المسؤولية القانونية للدولة المغربية.بما يجعل الملك مفاوضا أساسيا في كل المفاوضات الدبلوماسية سواء بشكل مباشر عبر مشاركته الشخصية فيها، أو بشكل غير مباشر عبر تعيين المفاوضين وتحديد صلاحياتهم (الفصل 55 من الدستور)”[22].

من خلال ما سبق يمكن القول إن المفاوضين المغاربة يعملون وفقا للتعليمات الملكية والخطة التي رسمها الملك في هذا الشأن قبل إجراء المفاوضات، بمعنى آخر يعملون في إطار السياسة التي حددها الملك سلفا.

كما أن المفاوض المغربي بشكل عام لا يتمتع بأي تخصص في المجال الدبلوماسي سواء تعلق الأمر بالتكوين أو الانتماء المهني، وما يؤكد ما سبق هو تركيبة المفاوضين المغاربة في نيويورك حول قضية الصحراء المغربية، بحيث أن الأعضاء المشاركون في المفاوضات لا يوجد بينهم إلا دبلوماسي واحد من حيث الانتماء المهني، خليهن ولد الرشيد رئيس المجلس الاستشاري للشؤون الصحراوية :الكوركاس”، والباقي يتعلق الأمر ب محمد ياسين المنصوري، شكيب بنموسى، ومحمد صالح التامك.. الذين ينتمون للأجهزة الأمنية[23]، بما يفيد أن الجهاز الأمني هو المتحكم في مسار المفاوضات المتعلقة بقضية الصحراء[24].

وفي ارتباط بهذه القضية توجد بعض المخاطر التي تحيط بالمفاوضين المغاربة التي ينبغي تجاوزها أثناء المفاوضات والمتمثلة فيما يلي[25]:

-القدرات الاقتصادية المحدودة؛

-القدرات التقنية المحدودة؛

-القوة الاقتراحية المحدودة؛

-القدرات العسكرية المتوسطة؛

-الموارد الطبيعية المحدودة.

لذلك ينبغي أن يسهم  إحداث الأكاديمية المغربية للدراسات الدبلوماسية في تجاوز مختلف المشاكل السالفة الذكر من أجل الوصول إلى دبلوماسية مغربية احترافية وناجعة، تكون في مستوى التحديات المطروحة؛ وبخاصة وأن الظرفية الراهنة مليئة بمجموعة من الأزمات تداخل فيها الداخلي بالدولي.

إن الدبلوماسية كما عرفها العديد من الباحثين أنها علم وفن، ومن ثمة فهذا المجال لا يقتصر على الموهبة لوحدها وإنما هناك علاقة جدلية بين العلم والموهبة، من أجل تطوير القدرات الذاتية التي يمتلكها الدبلوماسي لإقناع الأطراف الأخرى بالأطروحة التي يدافع عنها،  وذلك عبر لجوء هذا الدبلوماسي إلى علاقاته الخارجية والتحالفات المقامة مع القوى الغربية الفاعلة على المستويين الدولي والإقليمي[26].

خاتمة:

إن الظرفية الراهنة تحتم على الدول السائرة في طريق النمو من بينهم المغرب جعل الدبلوماسية العلمية خيارا استراتيجيا لا رجعة فيه، وذلك بالانفتاح على الرسائل والأطروحات التي يتقدم بها الباحثون والاستفادة من خبراتهم، بل الأكثر من ذلك جلب أكاديميون وخبراء في حقل العلاقات والقانون الدوليين إلى الأكاديمية لتكوين أطر وأعوان وزارة الشؤون الخارجية والتعاون والمؤسسة التشريعية بموظفيها وأطرها ونوابها ومستشاريها عبر خلق شراكة بين وزارة الشؤون الخارجية والتعاون والمؤسسة التشريعية.

ومن خلال ما سبق يمكن الاستئناس ببعض التوصيات التالية:

-انفتاح أولا الأكاديمية المغربية للدراسات الدبلوماسية على المؤسسات الوطنية وبعض الفعاليات غير الرسمية الجدية (مجلسي البرلمان ، الجمعيات والمنظمات الجدية المهتمة بالدفاع عن المصالح العليا للمغرب..) للاستفادة من التكوينات والتكوينات المستمرة التي تقوم بها الأكاديمية من خلال شراكات تعقد في هذا الشأن؛

-إرسال وفود دبلوماسية متخصصة في الشأن الدبلوماسي للدفاع عن القضايا الحيوية للمغرب؛

-تغليب كفة الدبلوماسيين على الأجهزة الأمنية عند مشاركة الفريق التفاوضي المغربي أثناء المفاوضات الرسمية وغير الرسمية الخاصة بقضية الصحراء المغربية وباقي القضايا المصيرية الأخرى؛

-توفير الإمكانيات المادية اللازمة لتقوية القدرات التفاوضية للدبلوماسية المغربية.

[1] -جون بليس وستيف سميث:”عولمة السياسة العالمية”، ترجمة ونشر مركز الخليج للأبحاث، الإمارات العربية المتحدة، الطبعة الأولى 2004، ص 544.

[2] -انظر المادة 3 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لسنة 1961.

[3] -عبد الواحد الناصر:”المشكلات السياسية الدولية:مشكلات التقاطع بين السياسة الدولية والقانون الدولي والتدبير الدبلوماسي”، مطبعة النجاح الجديدة، الدارالبيضاء، يناير 2009، ص 340.

[4] -بحيث قامت الأكاديمية المغربية للدراسات الدبلوماسية بإعطاء انطلاق الدورة التكوينية برسم سنة 2014(10 فبراير 2014) بحيث استفادت منها أطر وطنية توظفت بالوزارة وأخرى من مجموعة من الدول الإفريقية (بوركينا فاسو وغينيا والغابون والكاميرون وكوت ديفوار وموريتانيا والنيجر والتشاد ومالي وجمهورية الكونغو الديمقراطية)؛ انظر الموقع الإلكتروني لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون:

http://www.diplomatie.ma/arab/LeMinist%C3%A8re/LAcad%C3%A9miediplomatique/tabid/1681/language/en-US/Default.aspx

[5] -إسماعيل وساك:”تحديث وتأهيل الدبلوماسية المغربية”؛ مجلة شؤؤون استراتيجية؛ العدد السادس –فبراير/ماي 2012 ص 16.

[6] -انظر الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية والتعاون الدولي الليبية:

http://www.foreign.gov.ly/ar/diplomatinstitute.php

[7] -انظر الرابط التالي:

http://definitions.uslegal.com/a/american-academy-of-diplomacy/

[8] -مرسوم رقم 2.11.103 الصادر في 7 جمادى الأولى 1432(11 أبريل 2011)؛ والقاضي بتغيير وتتميم المرسوم  رقم 2.94.864 الصادر في شعبان 1415(20 يناير 1995) في شأن اختصاصات وزير الشؤون الخارجية والتعاون وتنظيم وزارة الشؤون الخارجية والتعاون.

[9] – عبد الواحد الناصر:”المشكلات السياسية الدولية:مشكلات التقاطع بين السياسة الدولية والقانون الدولي والتدبير الدبلوماسي”، مرجع سابق، ص 381.

[10] -عبد الواحد الناصر:”المشكلات لسياسية الدولية :مشكلات التقاطع بين السياسة الدولية والقانون الدولي والتدبير الدبلوماسي”، مرجع سابق، ص 382.

[11] -المرجع نفسه، ص 382-383.

[12] – عبد الواحد الناصر:”المشكلات لسياسية الدولية :مشكلات التقاطع بين السياسة الدولية والقانون الدولي والتدبير الدبلوماسي”، مرجع سابق، ص 383.

[13] -المرجع نفسه، ص 384.

[14] – إدريس لكريني:” تطور السياسة الخارجية المغربية إزاء قضية الصحراء المغربية”، مجلة التاريخ العربي جمعية المؤرخين المغاربة الرباط، عدد 35 صيف 2005 ص:291

 

[15] – نقلا عن يوسف العزوزي:” الثابت والمتغير في أداء الدبلوماسية المغربية اتجاه  قضية سبتة ومليلية، ” بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون العام المعمق ، جامعة عبد المالك السعدي طنجة كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، السنة الجامعية 2007/2008 ص: 139.

[16] – إسماعيل صبري مقلد:” نظريات السياسة الدولية: دراسة تحليلية مقارنة”، جامعة الكويت، الطبعة الأولى 1982 ص: 283/284.

[17] – محمد حسين وجيه: ” مقدمة في علم التفاوض الاجتماعي والسياسي” سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت، عالم المعرفة عدد 190، أكتوبر 1994 ص: 38.

[18] – صالح يحيى الشاعري: ” تسوية النزاعات الدولية سلميا، ” مكتبة مدبولي القاهرة، الطبعة الأولى 2006 ص: 38.

[19] – المصدر نفسه؛ ص: 43.

[20] – إدريس لكريني :” إدارة الأزمات في عالم متغير:المفهوم والمقومات والوسائل والتحديات”؛ الطبعة الثانية؛ المغرب؛ 2014 ص: 59.

[21] -عبد الكامل دينية:”من أجل حكامة دبلوماسية فاعلة”، منشور على الموقع الإلكتروني لجريدة هسبريس يوم 12 ماي 2014:

http://www.hespress.com/writers/205851.html

 

[22] -عبد الحميد بنخطاب:”حول القدرة التفاوضية للدبلوماسية المغربية:حالة تدبير مفاوضات منهاست”،المركز المغربي متعدد التخصصات للدراسات الاستراتيجية والدولية، الدليل المغربي للاستراتيجية والعلاقات الدولية، 2013،ص 272-273.

[23] -عبد الحميد بنخطاب:” حول القدرة التفاوضية للدبلوماسية المغربية:حالة تدبير مفاوضات منهاست”،مرجع سابق،ص 275.

[24] -المرجع نفسه،ص 275.

[25] –  المرجع نفسه، ص 280.

[26] –  عبد الحميد بنخطاب:” حول القدرة التفاوضية للدبلوماسية المغربية:حالة تدبير مفاوضات منهاست”،مرجع سابق، ص 276.

 

Exit mobile version