Site icon مجلة المنارة

الأحوال الشخصية في المملكة العربية السعودية بين النظام القانوني والقضائي

الأحوال الشخصية في المملكة العربية السعودية

 بين النظام القانوني والقضائي

نواف بن عبد الله بن فهد الرقابي

باحث في سلك الدكتوراه

تخصص: التشريع قضاياه ومناهجه

جامعة محمد الخامس –الرباط-

كلية الحقوق-سلا-

تقديم:

تعتبر الأحوال الشخصية من المواضيع المهمة التي لها مساس مباشر بحياة الناس فهو يعنى بشؤون الأسرة ويضع القواعد القانونية التي تكفل حل كل الإشكالات التي تواجه الأسرة في الحياة العملية ، فمسائل الزواج والطلاق والنفقة والعدة والحضانة والنسب والولاية والوصية والميراث وغيرها تدخل في صميم حياة الناس اليومية . وانطلاقا من هذه الحقيقة نجد أن مشرعي قوانين الأحوال الشخصية في مختلف بلدان العالم يحاولون جاهدين  وضع قوانين محكمة  ومتماسكة  ودقيقة ويحاولون الارتقاء بها عن النقص أو الخطأ أو الغموض أو التعارض ، وذلك من خلال صياغة نصوصها صياغة واضحة ودقيقة وبلغة قانونية سليمة وبنصوص متسلسلة يكمل بعضها البعض الآخر . الأمر الذي يسهل على رجل القانون قاضيا كلن أم محاميا إن يطبق هذه النصوص أو يتعامل معها دون مشاكل أو معوقات .

وفي المملكة العربية السعودية فقد شهد النظام القضائي في السنوات الأخيرة تطورا سريعا في كثير من المجالات القضائية و من أبرزها مجال الأحوال الشخصية. إذ شكل النظام القضائي الجديد الصادر بمرسوم ملكي رقم (م/78) المؤرخ في 19/9/1428هــــ، نقلة نوعية في تطوير جهتي التقاضي الشرعي خصوصا تلك المتعلقة بالأحوال الشخصية وذلك من خلال ذلك إنشاء محاكم مختصة بهذا المجال. والتي من مهامها النظر في القضايا والمسائل المتعلقة بالأسرة والأحوال الشخصية.

ومن خلال ما تقدم تظهر أهمية دراسة موضوع “الأحوال الشخصية في المملكة العربية السعودية بين الفقه والقضاء”. وذلك نظرأ لما يعرفه من صيرورة مستحدثة من حين إلى آخر.

و بهذا تتضح إشكالية الدراسة وهي كالتالي:

ما هي المكانة التي يحتلها موضوع الأحوال الشخصية في النظام القانوني والقضائي في المملكة العربية السعودية؟

كما تسعى الدراسة إلى الإجابة عن الساؤلات الفرعية التالية:

  1. ما التأصيل الشرعي والقانوني لموضوع الأحوال الشخصية.
  2. ما مراحل تطور محاكم الأحوال الشخصية في النظام القضائي السعودي؟
  3. ما الاختصاصات المنوطة بمحاكم الأحوال الشخصية بالمملكة العربية السعودية؟

ولمعالجة الإشكالية والإجابة على الأسئلة المطروحة سنقوم بتفكيك هذه الدراسة إلى نقطتين:

أولا: التأصيل النظري والشرعي لمفهوم الأحوال الشخصية

ثانيا: موضوع الأحوال الشخصية في التنظيم القضائي السعودي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أولا:

التأصيل النظري والشرعي لمفهوم الأحوال الشخصية

  1. مفهوم الأحوال الشخصية:

الأحوال الشخصية مركب إضافي مكون من كلمتين ، الكلمة الأولى الأحوال ، والكلمة الثانية الشخصية ، فالأحوال جمع حال ، والحال: هو ما كان الإنسان عليه من خير أو شر، والجمع أحوال، يقال للرجل إذا تحول من مكان إلى مكان أو تحول على رجل بدراهم حال[1].

والشخصية نسبة إلى الشخص، والشخص في اللغة: كل جسم له ارتفاع وظهور، والمراد به إثبات الذات فاستعير لها لفظ الشخص ، والشخص سواد الإنسان وغيره تراه من بعيد [2].

فالأحوال الشخصية هي ما كان عليه الإنسان من أمور تخص ذاته ، وما يطرأ عليها من تغير.

أما اصطلاحا فالأحوال الشخصية مصطلح حديث له ثلاثة تعريفات عند فقهاء الشريعة وشراح القوانين الوضعية:[3]

التعريف الأول:

الأحوال الشخصية هي القسم الذي ينظم علاقة الفرد بأسرته من القانون المدني[4].

وميزة هذا التعريف أنه يتفق مع أصل ما وضع له المصطلح في القانون الفرنسي الذي أخذ هذا المصطلح منه.

إلا أن هذا التعريف غير جامع لأنه لا يشمل الوصية وأحكامها وأحكام الميراث ولا الأحكام المتعلقة بالمال كالهبة في بعض القوانين،كما أن الأحوال الشخصية أصبحت ضمن قانون مستقل ولم تعد جزءًا من القانون المدني.

التعريف الثاني:

الأحوال الشخصية مصطلح يطلق على القوانين المتعلقة بالزواج والطلاق وآثارهما والميراث والوصية.[5]

وميزة هذا التعريف أنه واقعي يتفق مع قوانين الأحوال الشخصية في الدول العربية.

ويؤخذ عليه بأنه لم يبين المراد بالمصطلح بل بين المواضيع التي تدخل ضمنه فحسب.

التعريف الثالث:

الأحكام التي تتصل بعلاقة الإنسان بأسرته بدءًا بالزواج وانتهاء بتصفية التركات أو الميراث.[6]

يتميز هذا التعريف بأنه بين المراد من الأحوال الشخصية بما يتوافق مع قوانين الدول العربية،  حيث لم يجعل الأحوال الشخصية جزءًا من القانون المدني ، كما أنه لم يجعلها قسيمًا للأحوال العينية لأن بعض أحكام قانون الأحوال الشخصية تتعلق بالأعيان وبالأموال كالوصية والميراث.

ولذلك فإن هذا التعريف لكونه أقرب التعريفات الثلاثة إلى الصواب ، ولا ينتقد بأنه أدخل في مفهوم الأحوال الشخصية ما لا يدخل ضمنه وفق الأصل التاريخي لهذا المصطلح حيث أدخل بعض الأحكام التي تتعلق بالأموال ، بل إن هذا يعتبر مراعاة لما تطور إليه المصطلح وصار إليه في الواقع.

وهذا التعريف الراجح وضع ضابطًا لما آل إليه مصطلح الأحوال الشخصية بحيث يدخل ضمنه كل الأحكام التي جعلها واضعو القانون جزءًا منه ويخرج منه ما عدا ذلك من أحكام، وهذا الضابط هو أن هذه الأحكام تتعلق بأسرة الإنسان.

  1. مصدر مصطلح الأحوال الشخصية

الأحوال الشخصية مصطلح غربي مقتبس من القانون المدني الفرنسي، حيث درج الفرنسيون على تقسيم القانون المدني إلى قسمين[7]:

القسم الأول:الأحوال العينية:

وينظم ما يتعلق بالروابط المالية ، ويحتوي على نصوص خاصة بالحقوق المالية ونظام الأموال.

القسم الثاني: الأحوال الشخصية:

وينظم ما يتعلق بحالة الإنسان وأسرته أي بالعلاقات العائلية ، ويحتوي على نصوص خاصة بالزواج ونظام العائلة.

وأخذت أغلب قوانين الدول العربية هذا المصطلح من هذا القانون ، وذلك منذ أن تقلص نفوذ الشريعة الإسلامية في عهد محمد علي باشا ، ولكن لما كان قسم الأحوال الشخصية مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالدين أكثر من ارتباط الأحوال العينية؛ ٢أخرج واضعو القانون قسم الأحوال الشخصية من القانون المدني المأخوذ من القانون الفرنسي وجعلوه ضمن قانون مستقل سموه باسم قانون الأحوال الشخصية أو قانون الأسرة وأخذوا أحكامه من الفقه الإسلامي ، وأضافوا إلى هذا القانون بعض الأحكام التي تدخل ضمن الأحوال العينية –يعني أنها متعلقة بالأموال –كالوصية والميراث[8] .

وهذا المصطلح وإن كان جديداً مستوردًا ولا نكاد نجده في المدونات الفقهية القديمة إلا أن موضوعاته مدونة منذ فجر الإسلام في كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة النبي المصطفى، وقد تحدث الفقهاء عن الموضوعات التي تدخل ضمنه بالتفصيل في أبواب متفرقة من كتبهم ككتاب النكاح والطلاق والميراث والوصية والحضانة …، ولقد أصبح هذا المصطلح معتبرًا في الكتب الفقهية الحديثة، وأصبح مقابلا لقسم المعاملات المدنية وقسم الجنايات، وأصبح عنوانا للتأليف في أحكام الأسرة.[9]

ويقصد بالأحوال الشخصية طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية وهو ما ينطبق في المملكة العربية السعودية: هي مجموع الأوضاع التي تكون بين الإنسان وأسرته، وما يترتب على هذه الأوضاع من آثار حقوقية، والتزامات أدبية أو مادية.

وهذا المصطلح حديث الاستعمال في مجال الفقه الإسلامي، ولعل السبب في ذلك أن القاضي المسلم كان يقضي في المنازعات جميعها بين رعايا الدولة جميعهم دون تمييز بين دعوى وأخرى، ولما خصص القضاء، اقتصر القضاء الشرعي على الفصل في الخصومات المتعلقة بالأحوال الشخصية.

وعليه، فإن مصطلح الأحوال الشخصية يحقق المعنى الشرعي منه، حيث تطبق على كل شخص قاعدة شخصية القانون في مسائل العبادات والأحوال الشخصية، خلافا للمعاملات المالية وغيرها فيطبق مبدأ إقليمية القانون، و هو ما يعمل به في القانون المدني السعودي.

ومن صفوة القول، ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻌﺮﻳﻒ اﻷﺣﻮال اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ بأنها: ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ اﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻈﻢ علاقات أﻓﺮاد اﻷﺳﺮة ﺑﻮﺻﻔﻬﻢ أﻋﻀﺎء ﻓﻲ أﺳﺮة واﺣﺪة ﺗﺠﻤﻌﻬﻢ ﻋﻼﻗﺎت النسب واﻟﻤصاهرة[10] .

 

 

 

 

ثانيا:

موضوع الأحوال الشخصية في التنظيم القضائي السعودي

بعد تأسيس الدولة الإسلامية في المدينة النبوية، عقب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ونزول كثير من الأحكام التشريعية بمختلف صورها السياسة والاقتصادية والاجتماعية، وكان نصيب قضايا الأسرة والأحوال الشخصية منها ليس بالقليل، واستدعت الحاجات الإنسانية بحكم ما نشأ من علاقات أن يكون هناك من يقوم بضبطها على وجوهها بضبطها على وجوهها التشريعية، وكان منها المجال القضائي، ولم تكن قضايا الأحوال الشخصية مستقلة آنئذ عن قسيماتها من القضايا الأخرى، بل لم يكن القضاء مستقلاً عن غيره من السلطات، إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم بيده حكم الدولة والقضاء والإفتاء؛ لكونه المرجع للأمة في حياته عليه الصلاة والسلام، ومع هذا فإن اتساع الدولة بعد الفتوحات الإسلامية التي غطت الجزيرة العربية اقتضى إرسال الولاة إلى تلك البلاد، كما هو الشأن في إرسال علي رضي الله عنه إلى اليمن، وجعل عتاب بن أسيد على مكة، وكان هؤلاء الولاة يمارسون وظيفة الحكم والقضاء[11].

أما بالنسبة للقضاء السعودي الذي يستمد أحكامه من الشريعة الإسلامية فيعتبر ﻣﺴﻤﻰ ﻣﺤﺎكم الأحوال اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ جديدا على نظام اﻟﻘﻀﺎء اﻟﺴﻌﻮدي ، فقد كانت ﻣﺴﺎﺋﻞ الأحوال اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻓﻲ  السابق ﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ محاكم مختصة ﻓﻲ الأحوال اﻟﺸخصية اﻟﺸﺮﻋﻴﺔ.

فبعد توحيد المملكة العربية السعودية على يد المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود-طيب الله ثراه – شهد القضاء تطويراً متلاحقاً منذ صدور أول تشكيل للمحاكم الشرعية ، فبدأت مسيرة التطور في مجال القضاء بصدور أول مرسوم ويسمى بنظام تشكيلات المحاكم الشرعية في  4/2/1346 هـــ وهو مكون من 24 مادة، حيث أنشئت محكمتان في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وأما في جدة فأنشئت المحكمة الكبرى ومحكمتان مستعجلتان، بالإضافة إلى هيئة المراقبة القضائية، كما أنشئت محاكم أخرى في الطائف وينبع وغيرهما.

وقد صنف هذا المرسوم القضاء الشرعي إلى ما يلي:

وقد كانت مسائل الأحوال اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ الكبرى داﺧﻠﺔ ﻣﻦ اﺧﺘﺼﺎﺻﺎت المحكمة، إذ أن المحكمة الكبرى مؤلفة من ثلاثة قضاة ، أحدهم رئيسها ، تنظر في جميع الدعاوى التي تقدم لها مما هو خارج اختصاص المحاكم المستعجلة، ومن ضمنها مسائل الأحوال الشخصية، والقضايا الزوجية، والطلاق، وإقامة الأوصياء، وإثبات وقضية العقار، ونحو ذلك، وتوزع هذه الدعاوى فيها على القضاة لينظر كل منهم الدعوى منفرداً ثم يجتمعون آلهم قبل الحكم لإصداره بإجماعهم أو بالأكثرية، في غير دعاوى القطع أو الرجم أو القتل[12].

ثم صدر بعد ذلك نظام القضاء في عام 1395 ه بالمرسوم الملكي رقم ( م/64)

وتاريخ 14/7/1395  هــ، وبموجبه أصبحت المحاكم الشرعية تتكون من :

  1. مجلس القضاء الأعلى .
  2. محكمة التمييز.
  3. المحاكم العامة ( الكبرى)
  4. المحاكم الجزئية ( المستعجلة)

وتختص كل واحدة منها بالمسائل التي ترفع إليها طبقاً للنظام[13] .

وقد كانت مسائل الأحوال الشخصية داخلة من اختصاص المحاكم العامة (الكبرى)، إذ أنها تختص نوعياً بالفصل في جميع دعاوى الزوجية والنفقات بغض النظر عن قيمتها، وجميع مسائل الأحوال الشخصية، وغير ذلك من الدعاوى[14]، وبهذا يتضح أن المحاكم  العامة(الكبرى) في النظام  القضائي في المملكة هي في اصطلاح النظم القضائية المعاصرة – محاكم جنايات- ومحاكم مدنية- ومحاكم أحوال شخصية[15].

وقد أنشىء في نظام القضاء السعودي عدد من المحاكم المتخصصة، وحدد لكل واحدة منها اختصاصها النوعي الذي يحق لها أن تباشره، ومن هذه المحاكم التي لها علاقة مباشرة بمسائل الأحوال الشخصية.

ويوجد منها محكمتان الأولى الضمان والأنكحة في الرياض ، والثانية محكمة الضمان والأنكحة بجدة ، وتختص هذه المحكمة بالنظر فيما يلي:

فهي إحدى المحاكم المتخصصة، وليست مما يسمى اليوم بمحاكم الأحوال

الشخصية، إذ أن الأخيرة أشبه بما عرف في القضاء الإسلامي قاضي المناكح أو خطة المناكح[17].

وقد كانت لمحكمة التمييز دائرة النظر في قضايا الأحوال الشخصية[18].

إلى أن صار هناك محكمة متخصصة في ما يتعلق بمسائل الأحوال الشخصية تسمى ” محكمة الأحوال الشخصية ”

ويمكن القول أن النظام الهيكلي للقضاء السعودي قد اكتمل وفق النظام القضائي الجديد المحدث بتاريخ 19/9/1428هـــ / 2008، وإن هذا النظام الجديد هو ما يجب أن تكون عليه غالبية التشريعات لما يحققه ذلك من مزايا لا يمكن التنازل عنها في ظل النظام القضائي الحديث على الرغم من الصعوبات المادية والإدارية التي قد تواجهه[19] .

في وقد جاء استحداث هذه المحاكم في المادة التاسعة في فقرتها الثالثة من النظام القضائي الجديد في  ذكرها لمحاكم الدرجة الأولى المختصة وهي المحكمة العامة والمحكمة الجزائية ومحكمة الأحوال الشخصية وغيرها[20]، كما جاء في ذات نص المادة المذكورة في فقرتها الأخيرة في تحديدها لاختصاصات هذه المحاكم  والتي من ضمنها محاكم الأحوال الشخصية على ما يلي[21] “….. وتختص كل منه بالمسائل التي ترفع إليها طبقا لهذا النظام ونظام المرافعات الشرعية ونظام الإجراءات الجزائية ويجوز للمجلس الأعلى للقضاء أحداث محاكم متخصصة أخرى بعد موافقة الملك”[22].

كما جاء أيضا في نص المادة الثامنة عشر من النظام الجديد أن هذه المحاكم تنشأ في المناطق والمحافظات والمراكز بحسب الحاجة . ونتناول فيما يلي بالبحث بيان هذه المحاكم المختصة للأحوال الشخصية بحسب النظام الجديد[23] .

فمحاكم الأحوال الشخصية هي محاكم مستحدثة بحسب النظام القضائي الجديد كما ذكرنا آنفا، حيث انه لم تكن هناك محاكم مستقلة تنظر قضايا الأحوال الشخصية ، وهو ما رتب على ذلك البطء في الفصل في هذا النوع من القضايا وخاصة في القضايا الأسرية ، مما أدى ذلك إلى حدوث احتقان في هذه القضايا ،ولا يخفى على احد ما يرتبه ذلك تمع ككل ، لذا فقد كانت الخطوة نحو تخصيص النزاع القضائي بحسب النظام  الجديد تجد صداها وأهميتها في قضايا الأحوال الشخصية وعلى وجه الخصوص في قضايا الزواج والطلاق والتي تشكل ما نسبته 65 % من القضايا المطروحة في أروقة المحاكم[24].

وبالفعل فقد تم إنشاء محاكم الأحوال الشخصية المتخصصة فقد تم تحويل المحكمة الجزئية للضمان والأنكحة في كل من الرياض وجدة إلى محاكم أحوال شخصية كما أصدر المجلس الأعلى للقضاء قرارا بإنشاء محاكم للأحوال الشخصية في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة والدمام[25] كما أن النية متجهة لإنشاء محاكم للأحوال الشخصية في كل محافظات المملكة تطبيقا لنص المادة الثامنة عشر والتي جاء نصها على ما يلي ” تنشأ محاكم الدرجة الأولى في المناطق والمحافظات والمراكز بحسب الحاجة ”

أما عن تشكيل محاكم الأحوال الشخصية فقد جاء ذكره في نص المادة الواحد والعشرين والتي جاء فيها ” تؤلف محكمة الأحوال من دائرة أو أكثر وتتكون من قاضي فرد أو أكثر ،وفق ما يحدده  المجلس الأعلى للقضاء ، ويجوز أن يكون من بينها دوائر متخصصة بحسب الحاجة ” مما يفهم من هذا النص انه يمكن تخصيص نزاعات الأحوال الشخصية بدوائر مستقلة فتكون هناك مثلا دوائر متخصصة في قضايا الإرث وأخرى في الزواج والطلاق وأخرى في الوقف وهكذا مما يحقق ذلك عدالة وسرعة أكثر في فصل القضايا وهو ما يعد من احد أهداف المشرع من إجراء التعديل الجديد لنظام القضاء بتخصيص النزاعات القضائية قدر الإمكان .

وعلى ذلك فإن محاكم الأحوال الشخصية أصبحت تختص بجميع النزاعات المتعلقة بالأحوال الشخصية دون أن تسند هذه الاختصاصات لمحكمة أخرى فهي تختص بقضايا إثبات الزواج ، والطلاق ، والخلع ، وفسخ النكاح ، والرجعة ، والحضانة ، والنفقة ، والزيارة و إثبات الوقف ، والوصية ، والنسب ، والغيبة ، والوفاة ، وحصر الورثة ولإرث ، وقسمة التركة بما فيها العقار إذا كان فيها نزاع ، أو حصة وقف أو وصية ، أو قاصر ، أو غائب وإثبات تعيين الأوصياء ، وإقامة الأولياء والنظار ، والإذن لهم في التصرفات التي تستوجب إذن المحكمة ، وعزلهم عند الاقتضاء ، والحجر على السفهاء ، ورفعه عنهم ، وإثبات توكيل الأخرس الذي لا يعرف القراءة والكتابة و تزويج من لا ولي لها ، أو من عضلها أولياؤها إلى غير ذلك من قضايا الأحوال الشخصية [26].

و من نافلة القول يتبين نظام الأحوال الشخصية خصوصا في الجانب القضائي، ينتظره المزيد من الرقي والتطور في شتى المجالات، وبالأخص ما يتعلق بالمنازعات الأسرية والأحوال الشخصية ، وتحديث الأنظمة والقوانين اللازمة لذلك .

 

[1] – مختار الصحاح، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، المكتبة العصرية بيروت/لبنان ،الطبعة الثالثة 1418 ه- 1998 م، ص: 68 .

[2] – محمد بن مكرم بن منظور ، لسان العرب، دار صادر – بيروت ، ص: 45.

[3] – تسمية علماء القانون بالشراح وعلماء الشريعة بالفقهاء للتفرقة بينهما ، ولأن هذه التسمية تتناسب مع عمل كل منهما ، انظر: عبد القادر عودة،  التشريع الجنائي الإسلامي مقارنًا بالقانون الوضعي ، مكتبة دار التراث ، القاهرة، دون ذكر رقم الطبعة وتاريخها، ص: 1_8.

[4] – عبد المنعم فرج الصدة ، أصول القانون دار النهضة العربية ، بيروت ، دون تاريخ الطبع، ص: 59.

[5] – محمود علي السرطاوي،  شرح قانون الأحوال الشخصية ، دار الفكر ،عمان ،الطبعة الأولى ، 1417 ه ، 1997 م، ص: 19

[6] – وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته ، دار الفكر ،الطبعة الثالثة ، 1409 ه، 1979م، ص: 6-7.

[7] – أنور الخطيب، الأحوال الشخصية، دار مكتبة الحياة ، بيروت الطبعة الأولى ، 1961 م، ص: 5

[8] – أنور الخطيب، مرجع سابق، ص: 5-6.

[9] – عمر سليمان الأشقر، الواضح في شرح قانون الأحوال الشخصية الأردني  ، 7 ،دار النفائس ، عمان ، الأردن ، الطبعة الأولى 1997 م، ص : 7.

[10] – محمود علي السرطاوي،  فقه الأحوال الشخصية ، دار الفكر ،عمان ،الطبعة الأولى ، 1428 ه ، 2008 م، ص: 13 وما بعدها.

[11] – ﻣﺤﻤﺪ ﻳﻮﺳﻒ ﻳﺎﺳﻴﻦ ، اﻟﻮﺳﻴﻂ ﻓﻲ ﻗﺎﻧﻮن اﻟﻤﺤﺎكم  الشرعية واﻟﻤﺬهﺒﻴﺔ –  دراﺳﺔ ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﻣﻨﺸﻮرات اﻟﺤﻠﺒﻲ اﻟﺤﻘﻮﻗﻴﺔ ، لبنان، 2006، ص: 15.

[12] –  سعود بن سعد آل دريب، التنظيم القضائي في المملكة العربية السعودية في ضوء الشريعة الإسلامية ونظام السلطة القضائية ، مطابع دار الهلال،  الطبعة الثانية، 1450/1984، ص: 22 وما بعدها.

[13] – المادة رقم(5) من نظام القضاء بالمرسوم الملكي رقم (5/64) بتاريخ 14/7/1395 هــ.

[14] – ناصر بن محمد بن مشري : الإختصاص القضائي في الفقه الإسلامي ، مع بيان التطبيق الجاري في المملكة العربية السعودية ، مكتبة الرشد ، الرياض ، السعودية ، الطبعة الثانية، 1428 هــ 2007، ص: 199 . ناصر بن إبراهيم بن صالح المحيميد ، الإنهاءات الثبوتية بالمحاكم الشرعية بالمملكة العربية السعودية، مكتبة أبها الحديثة، أبها، السعودية، الطبعة الأولى، 1427 هــ، 2006، ص: 89.

[15] -سعود بن سعد آل دريب، التنظيم القضائي في المملكة العربية السعودية في ضوء الشريعة الإسلامية ونظام السلطة القضائية ، مرجع سابق، ص: 170.

[16] – ناصر بن محمد بن مشري : الإختصاص القضائي في الفقه الإسلامي ، مرجع سابق، ص: 202-203 . ناصر بن إبراهيم بن صالح المحيميد ، الإنهاءات الثبوتية بالمحاكم الشرعية بالمملكة العربية السعودية، مرجع سابق، ص: 91-92.

[17] – سعود بن سعد آل دريب ، التنظيم القضائي في المملكة، مرجع سابق، ص 174.

[18] – محمد مصطفى الزحيلي، التنظيم القضائي في الفقه الإسلامي، ص 155 ، وانظر: ناصر بن محمد الغامدي، الاختصاص القضائي القضائي في الفقه الإسلامي، مرجع سابق، ص 199 .

[19] – عبد القادر الشيخلي ، شرح نظام القضاء ونظام ديوان المظالم ، المعهد العالي للقضاء ، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية،الرياض، 1430 هــ ، 2009م ، ص: 33 وما بعدها.

[20] – المادة الثاسعة، الفقرة الثالثة، نظام القضاء السعودي، رقم م/ 78، الصادر في 19/9/1428 .

[21] – المادة الثاسعة، الفقرة الأخيرة، نظام القضاء السعودي، رقم م/ 78، الصادر في 19/9/1428.

[22] – عبد القادر الشيخلي ، شرح نظام القضاء ونظام ديوان المظالم ، المعهد العالي للقضاء ، مرجع سابق، ص: 34.

[23] – هتون أجواد الفاسي، ” محاكم قضايا الأسرة والقضايا السريعة ” جريدة الرياض الالكترونية العدد 16057 ،  الصادر في يوم الأحد 20 رجب 1433 – 10 يونيو 2012 م

[24] – أسمهان الغامدي،  تحويل المحاكم الجزئية للضمان والأنكحة في الرياض وجدة إلى محاكم أحوال شخصية ” الناشر “جريدة الرياض، العدد  15954 الصادر يوم الثلاثاء 6 ربيع الآخر 1433 الموافق 28 /فبراير 2012.

[25] – ناصر الغربي : مقال ” مجلس القضاء :إنشاء محاكم أحوال شخصیة في مكة والمدینة والدمام ” ، جريدة المدينة،  العدد 18244، الصادر يوم الجمعة 24/5/1443 هــ، الموافق 5/4/2013 .

[26] – علي بركات،الوسيط في شرح نظام القضاء السعودي الجديد رقم 78 لسنة 1428 ه ،مكتبة القانون والاقتصاد، الرياض ، الطبعة الأولى 2012، ص: 270.

Exit mobile version