Site icon مجلة المنارة

الأحزاب السياسية وسؤال الإصلاح الضريبي بالمغرب

الأحزاب السياسية وسؤال الإصلاح الضريبي بالمغرب

                                                        د. سعيـد جـفـري

أستاذ باحث، جامعة الحسن الأول/سطات

 

أرقام من قبيل 4.5، 6.1، 2.5، هي أرقام لنسب النمو والعجز والتضخم بالمغرب، وهي أرقام أصبحت تؤشر لإشكالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية الصادرة كل سنة بمناسبة تقديم القانون المالي السنوي، ومن قبيل ذلك مثلا القانون المالي لسنة 2012. كما أصبحت تؤشر في ذات الآن لإشكالية التمويل العمومي والآليات الناجعة للرفع من نسب هذا الأخير، خاصة بواسطة الضرائب والجبايات.[1]

السؤال الضريبي ومن خلال سؤال الإصلاح الضريبي، أصبح يفرض تناوله وتجديد الخطاب فيه، ليس فقط في النموذج المغربي بل أيضا في التجارب المقارنة، نظرا لأن المنظومة الضريبية أصبحت الورش المطلوب ٳعادة التفكير فيه بجدية لأجل الرفع من الموارد العمومية.

ٳلى جانب باقي الفاعلين، هل يتوفر الفاعل السياسي ونعني به الأحزاب السياسية المغربية، على رؤية واضحة وبرنامج عمل لأجل الإسهام الجدي في ورش الإصلاح الضريبي ” المطلوب ” و”المأمول “، أم أن هذه الأخيرة لا زالت لم تكتسب الجرأة والفعالية الضروريتين لأجل المساهمة الجادة في مثل هذا النقاش العمومي.

منطلقات ومحددات وعناصر الإصلاح الضريبي كما حملتها العروض الحزبية بمناسبة الاقتراع التشريعي ل25 نونبر 2011، تقتضي منا الوقوف على مكونات هذه العروض خاصة في ارتباطها بمسألة ٳصلاح المنظومة الضريبية. هذه المقاربة سنحاول من خلالها ٳبراز أهم التوجهات الحزبية في موضوع الإصلاح، معتمدين في ذلك القيام بجرد تجميعي ومتكامل لعناصر العرض الحزبي أتعلق الأمر بالأحزاب المحسوبة على الأغلبية “الحاكمة” أو تلك المحسوبة على أحزاب “المعارضة” التي من المفترض هي الأخرى أن تكون لها توجهات بديلة لتوجهات أحزاب الأغلبية .

المكون الرباعي للأغلبية؛ ( حزب العدالة والتنمية، حزب الاستقلال، حزب الحركة الشعبية، حزب التقدم والاشتراكية)، يطرح في تكويناته السياسية أكثر من تساؤل بخصوص منطلقات عروضه الحزبية بالنسبة لموضوع ٳصلاح المنظومة الضريبية الوطنية .

من بين الإجراءات الخمسة الكبرى المكونة للبرنامج العام لحزب العدالة والتنمية، سيكون الإجراء الثاني المحور الذي سيحمل العناصر الكبرى لإستراتيجية الحزب في مجال الإصلاح الضريبي، من خلال العنوان العام لهذا الإجراء ” بناء اقتصاد وطني وتنافسي ومنتج وضامن للعدالة الاجتماعية “، وضمن ذات الإجراء المحوري ستجعل المقاربة الرابعة ٳطارها المرجعي ” لنظام جديد للمالية العمومية ولإطار ضريبي قائم على الفعالية والتبسيط والإدماج “، مرتكزا بدوره على عنصرين :

السياسة الجبائية الفعالة التي اعتمدها برنامج حزب العدالة والتنمية، يمكن تجميعها في خانتين، خانة الإجراءات الكيفية وقد حددت لها كأهداف ثمانية عناصر، منها مراجعة السياسة الجبائية بجعلها أداة للتمويل المناسب والمساهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتحسين علاقة المواطن بالإدارة الضريبية، وتوسيع الوعاء وتخفيف العبء الضريبي ومراجعة نظام التحفيزات الجبائية وتحسين الرقابة في المجال الجبائي…الخ.

أما الإجراءات الكمية ، فمن أهم معالمها :

ٳلى جانب الإجراءات السابق الإشارة ٳليها، يمكن الإشارة ٳلى إجراءات أخرى بالإمكان اعتبارها إجراءات “شاردة” تتمثل أساسا في تشجيع الاستثمار في المجال العقاري، والعمل على تحديد سقف للزيادة في الموارد الضريبية ب 15℅، وأيضا تقليص الباقي استخلاصه من الضرائب ٳلى النصف (حوالي 40 مليار درهم حاليا).

برنامج حزب الاستقلال، لم يكن له مرتكز مرجعي جامع بخصوص وجهة نظره الإصلاحية في المجال الضريبي، بل ٳن الإجراءات الإصلاحية للحزب جاءت متفرقة ومرتبطة بالمجالات والمحاور العامة للبرنامج . وهكذا، وفي المحور الثاني لبرنامج الحزب وفي النقطة الثالثة؛ الذي تجعل الطبقة المتوسطة القاعدة الأوسع للمجتمع، وبالأخص في نقطة مواصلة ٳصلاح نظام المقاصة ومحاربة التوريث الجيلي للفقر، سيتم التنصيص على جملة من الإجراءات الضريبية الإصلاحية، سترتكز أساسا على العناصر التالية[3]:

ٳلى جانب هذه الإجراءات العامة، فان جملة من الإجراءات الخاصة تم وضعها لفائدة المقاولات المتوسطة والصغرى والصغيرة جدا، تتمثل في :

بل إن حزب الاستقلال وخلال مناسبات أخرى مواكبة للحملة الانتخابية، تعهد بتمويل الالتزامات والمشاريع التي ينوي القيام بها من خلال ترشيد نفقات الدولة وتوسيع الوعاء الضريبي وإحداث صندوق سيادي للإستثمار، بالإضافة إلى تنمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بل ٳنه سيتعهد أمام “الباطرونا” بإجراء إصلاحات ضريبية إذا ما فاز في الانتخابات موجهة إلى الشركات التي تشتغل بنزاهة[4].

برنامج حزب الحركة الشعبية، سيجعل ” العدالة الضريبية ” المرتكز المرجعي للحزب في مجال الإصلاح الضريبي، معتبرا أن هذه الأخيرة الأداة التي لا محيد عنها للاستقرار الاجتماعي والتنمية الاقتصادية .

مستويان اثنان يمكن التعامل بهما بخصوص البرنامج العام لحزب الحركة الشعبية في المجال الضريبي؛ المستوى الكيفي ، وسيرتكز على محاور أربعة وهي :

المستوى الكمي لبرنامج الحزب، سيرتكز من جانبه هو الآخر على محاور أربعة، وهي :

برنامج حزب التقدم والاشتراكية المعتمد على توجهات خمسة وعلى ثلاثة عشر التزاما ومائة اجراء، سيجعل موضوع الالتزام الثالث ينبني على تطوير الموارد العمومية وعقلنة استعمالها، محددا مبادئ ستة كبرى كإطار مرجعي لإصلاح النظام الجبائي وللتدبير المالي العام[5].

إلا أن الإجراءات المعتمدة من طرف حزب التقدم والاشتراكية، لم تعتمد الترقيم والنسب الجبائية بل بالإمكان اعتبارها إجراءات عملية ارتكزت بالأساس على محاور خمسة، وهي:

الخلاصات العامة الممكن الخروج بها من العرض الحزبي لكل من الأحزاب الأربعة المكون الرئيسي للأغلبية الحكومية، بالإمكان تجميعها في العناصر التالية:

ٳذا كانت التكوينة الرباعية الأساسية لأحزاب الأغلبية قد اختارت مرتكزات ومرجعيات أقل ما يقال عنها أنها متعددة في البنية والمحتوى، فإن ذات السؤال بخصوص العرض الحزبي لأحزاب المعارضة الأساسية (الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الإتحاد الدستوري، الأصالة والمعاصرة  والتجمع الوطني للأحرار) يدفع هو الآخر ٳلى مساءلة طبيعة ومحتوى ومكونات عرضه الحزبي في مواجهة مطلب الإصلاح الضريبي.

من ضمن التوجهات الاستراتيجية الستة المكونة للبرنامج الانتخابي لحزب الاتحاد الاشتراكي، سيأتي موضوع الإصلاح الضريبي ضمن التوجه الاستراتيجي الثاني للحزب، المعنون ب “اقتصاد وطني قوي ومتنوع بنسبة نمو طموحة ومستقرة، منتج للشغل اللائق وقائم على توزيع عادل للثروات”. وسيكون المحور الرابع للتوجه “جعل النظام الضريبي في خدمة العدالة الاجتماعية والنهوض بأهداف التنمية البشرية”. أما الهدف العام لهذا التوجه فيمكن توزيعه ٳلى ثلاثة عناصر، أو أهداف فرعية، تتوخى: [7]

هذه العناصر مجتمعة والمكونة للهدف المرجعي العام، سيربطها البرنامج الحزبي بإجراءات تطبيق عشرة مقابلة، وهي :

مجمل الإجراءات الواردة في برنامج الحزب في مواجهة المنظومة الضريبية، بالإمكان التركيز فيها على بعض الإجراءات المحورية من قبيل:

1-2-2 حزب الاتحاد الدستوري أو حزب الفرس:

نقطة الارتكاز في مرجعية حزب الاتحاد الدستوري، هو هدف الوصول ٳلى نظام ضريبي منسجم وعادل ومنصف؛ فأن يكون هذا الأخير منسجما القصد منه الموازنة بين الضرائب المباشرة والضرائب غير المباشرة، وأن يكون عادلا معناه ٳعفاء الحد الأدنى، وأن يكون منصفا أي يساعد على تطوير الخاضع للضريبة وتوسيع القاعدة الجبائية وتحسين مالية الدولة في أفق تقليص الفوارق الطبقية[8].

أما الإجراءات العملية للوصول ٳلى هذا النموذج الضريبي بالنسبة للحزب، فإنها تستلزم :

 

انطلاقا  من البرنامج الانتخابي العام لحزب الأصالة والمعاصرة، يظهر أن الحزب سينظر ٳلى الإصلاح  الضريبي من زاوية ٳصلاح الإطار العام للمالية العمومية. وفي ظل هذا التوجه، سيتم الاكتفاء بعناوين قليلة موزعة على الهندسة العامة للبرنامج الانتخابي، من قبيل :

للإشارة، فان التوجه الرقمي للإصلاح الضريبي بالنسبة للحزب الذي لم يظهر في البرنامج الانتخابي، ستكون مناسبة الاعلان عن بعض اجراءاته بمناسبة مناقشة مشروع القانون المالي لسنة 2012[9].

1-2-4 التجمع الوطني للأحرار أو “حزب الحمامة”:

ينطلق برنامج التجمع الوطني للأحرار خاصة في الشق الاقتصادي من نقطة مرجعية، وهي توفير مناخ وبيئة تنافسية سليمة للاقتصاد المغربي، عبر اصلاح ضريبي يساعد على الرفع من الاقتصاد بإحقاق العدالة الضريبية. علامات نقطة الإرتكاز هذه في برنامج الحزب، هي تطوير النسيج الصناعي ودعم المقاولات الصغرى والمتوسطة وتحسين ميثاق الاستثمار لتشجيع الأنشطة الصناعية، وتخفيض معدل الضريبة على الشركات وتشجيع المجمعات الصناعية القطاعية الخاصة بالمقاولات الصغرى والمتوسطة وتشجيع نقل التكنولوجيا.

أما الإجراءات “البرنامجية”، فكانت محدودة وجاءت في شكل عناوين عامة ومرتبطة بمجالات اقتصادية أخرى وبدون تفاصيل توضح الخطوات التي يقترحها برنامج الحزب، ٳذ وقع الكلام فقط عن تحفيزات ضريبية لفائدة التشغيل الذاتي والمقاولات الصغرى والمتوسطة باعتبارها تشكل القاعدة التي ينهض عليها الاقتصاد الوطني، بل ٳن البرنامج لم يعط في ذات الاتجاه أية أرقام تحدد طبيعة هذه التحفيزات [10] .

انطلاقا من العرض الحزبي لفرق المعارضة، يمكن الخروج بجملة من الاستنتاجات المحورية، تتمثل أساسا في كون عرض هذه الأخيرة  تطبعه خاصيات:

مستويان ٳثنان، يمكن من خلالهما مساءلة العرض الحزبي وخصوصا عناصر ومقومات اصلاح المنظومة الضريبية، من خلال استحضار اهم توجهات ومؤشرات هذا العرض، بما  سيسهم في اغناء الارضية العامة للتوجه الإصلاحي الشامل للمنظومة الضريبية؛ المستوى الأول، وسنحاول من خلاله اجراء تقييم عام للموقف الحزبي (أكان ينتمي للأغلبية أو المعارضة) من ٳصلاح المنظومة الضريبية. أما المستوى الثاني؛ فسنحاول من خلاله اجراء مقابلة بين توجه ٳصلاح المنظومة الضريبية كما وردت في الخطاب الرسمي الحكومي، وتوجه الاصلاح في الخطاب الحزبي خاصة للفريق السياسي ألأغلبي[11].

2-1 الإصلاح الضريبي وتوجهات العرض الحزبي :

هناك أكثر من فائدة في التعرف على الخاصيات العامة المشتركة أو المختلفة في توجهات العرض الحزبي، ليس في وجهه المجزأ إلى فريق أغلبي وفريق معارض، وإنما كعرض سياسي عام يساعد على استحضار أهم مقومات توجه العرض الحزبي على مستويي الشكل والمضمون اتجاه مسألة الإصلاح الشمولي للمنظومة الضريبية.

1.1.2 – توجهات العرض الحزبي على مستوى الشكل:

ٳن ملاحظات الشكل بخصوص البرنامج العام للعرض الحزبي، أتعلق الأمر بأحزاب الأغلبية أم أحزاب المعارضة، تسمح بالخروج بجملة من الخلاصات الأساسية، منها على الخصوص:

2.1.2 – توجهات العرض الحزبي على مستوى المضمون :

كما أن العرض الحزبي في علاقته بموضوع الإصلاح الضريبي أفرز مجموع ملاحظات على مستوى الشكل، وجدت في بعض جوانبها مواقف بعض من مكونات كل من فرق الأغلبية وفرق المعارضة، فإن ملاحظات المضمون تساعد هي الأخرى على الوقوف على بعض من هذه الأخيرة، وهي كالتالي :

2.2 –  الإصلاح الضريبي بين الخطاب الرسمي والخطاب الحزبي:

ٳذا كانت هناك من ضرورة وفائدة في التعرف على توجهات الخطاب الحزبي خاصة بالنسبة للفريق الأغلبي المناط به تدبير الشؤون العامة، فإن ذات الضرورة تدفع ٳلى المقابلة المقارنة بين توجهات الخطاب السياسي العام خاصة بالنسبة للخطاب الرسمي (الحكومي) في موضوع الإصلاح الضريبي، وعلاقة ذات الخطاب بتوجهات ومحددات الخطاب الحزبي لفرق الأغلبية بما يساعد على محاولة كشف عناصر المرجعية الإصلاحية للفريق الأغلبي انطلاقا من الوثيقة المرجعية للبرنامج الحكومي.

1.2.2 – الإصلاح الضريبي في الخطاب الحكومي:

سنعمد في ٳطار محاولة إبراز عناصر الخطاب الرسمي في علاقته بمنظومة الإصلاح الضريبي، على ما تسمح به بعض الوثائق والمعطيات المتوفرة وفي مقدمة ذلك التصريح الحكومي ( يناير 2012 )، وهو تصريح يحمل مجموعة من التوجهات التي تهم جملة من القطاعات الاقتصادية والاجتماعية ومنها المحور الخاص بالإصلاح الضريبي. وفي هذا الإطار، فإن التصريح الحكومي اعتبر أن مشروع “الإصلاح الشامل للمنظومة الضريبية” يدخل في الإطار العام لإرساء حكامة جديدة لتدبير الموارد المالية العمومية، معتبرا أن هذه الأخيرة تقوم على عنصرين اثنين أساسيين، وهما تعزيز الموارد وترشيد النفقات.[12]

وقد ربط التوجه الحكومي مسألة الإصلاح الشامل للمنظومة الضريبية بهدف رئيسي ومحوري وهو تحقيق العدالة الضريبية، مبرزا بأن هذا التوجه الإصلاحي يقوم على العناصر الستة التالية :

هذا التوجه العام القائم على مبدأي توسيع الوعاء وتخفيف العبء الضريبي، لم يوفر له بعد الإطار المرجعي الذي يسمح بتعزيز وتوضيح عناصر وإجراءات هذه الفلسفة الجديدة في التوجه الحكومي. بل ٳن وثيقة سياسية أخرى تزامنت مع تقديم مشروع قانون مالية السنة (2012)، ستأتي شبه يتيمة في موضوع خطاب الإصلاح الشامل للمنظومة الضريبية، ٳذ أن التركيز فيها ستعطى فيه الأولوية لمسألة تعزيز المراقبة الجبائية والتخفيض التدريجي من الإعفاءات الضريبية.[14]

2.2.2 – الإصلاح الضريبي في الخطاب الحزبي الأغلبي:

هل التوجه الحكومي المرتكز على هدف العدالة الضريبية، يجد له أرضية في البرنامج الحزبي خاصة للفريق المكون للأغلبية وعلى رأسه فريق العدالة والتنمية؟. سؤال بديهي، يعيد بالضرورة استحضار المكونات العامة لمقترح الفريق الأغلبي، والتي سبق واستجمعنا أهم توجهاتها في جملة من الخاصيات المحددة على المستويين الكيفي والكمي، ومنها:

قد يصعب المطابقة التامة بين الخطاب الرسمي بخصوص ٳصلاح المنظومة الضريبية والموقف العام للخطاب الحزبي؛ فإن كانت مؤشرات مثل العدالة الضريبية تجد لها بعض نواحي التطبيق والأجرأة في موقف البرنامج الحزبي للأغلبية، فإن خاصيات مصاحبة تظل ملازمة للمطلب الحزبي منها طابع العمومية والنمطية لجانب من مقترح الفريق الأغلبي . بل ٳن خاصية ” الفرادة ” تطرح نفسها في جانب من مكونات البرنامج الحزبي كالمطالبة بإقرار الضريبة على الثروة أو حتى ما يسمى بالضريبة التضامنية.[15] إن مبدأ عدالة المنظومة الضريبية، وما يطرحه من ضرورة الأخذ بالاعتبار مردودية وفعالية وتكامل مختلف عناصر هذه الأخيرة، يدفع إلى مساءلة الفائدة من الأخذ أو عدمه بكل من الضريبة على الثروة والضريبة التضامنية اللتين لازالتا تشكلان ” التوجه الحدث” بالنسبة للمطلب الحزبي المغربي خاصة على مستوى التطبيق والأجرأة.

فإذا كان جانب من الفقه المالي، يدخل الضريبة على الثروة في المستوى الأخلاقي للالتزام الجبائي مستدلا على ذلك بالضعف العام لمردوديتها، وهزالة الأسعار المطبقة بشأنها في جانب هام من التجارب المقارنة. فان الضريبة التضامنية، أصبحت تشكل الوجه الجديد للتضامن والتآزر الجبائي بصيغته العصرية، خاصة أن التجربة المقارنة خاصة الأوروبية منها أبانت عن كون العديد من الدول قامت بحذف الضريبة على الثروة وأقرت مقاربات مغايرة للمساهمة الضريبية. [16]

وأسباب ٳلغاء ضريبة الثروة بهذه الدول، تتعلق بمخاطر خروج رؤوس الأموال واللاتوازن، وكذا الإشكالات المرتفعة لتدبير هذا النوع من الضرائب مقارنة بمحدودية مردوديتها. وقد أبدعت حكومات هذه الدول اساليب جديدة لدفع الأغنياء ٳلى المساهمة في المجهود الضريبي من ذلك :

مثل هذا التوجه، قد يبرر التفكير الجدي في إدخال ما يعرف بالضريبة التضامنية ٳلى المنظومة الضريبية المغربية، خاصة وأن الجدل الذي أثير بخصوص الضريبة على الثروة والموقف الحكومي من كون هذه الأخيرة ” قد يكون لها آثار سلبية، تتجلى بالخصوص في ظاهرة التملص والغش الضريبي، وكذا تهريب الأموال لخارج البلد مما سينتج عنه التقليص من حيوية الاقتصاد”. فإن المقترحات بل والنسب الواردة في برنامج بعض الفرق السياسية (حزب الاستقلال ومقترح إحداث ضريبة بنسبة 3% على الدخل المرتفع)، تدفع إلى التفكير الجاد في الأخذ بهذا النوع من الضرائب والذي قد يجسد بشكل أو ٱخر جانبا من مطلب العدالة الضريبية في المنظومة الضريبية المغربية.

 

[1]– الإحالة المرجعية للبحث والتحليل بخصوص موضوع الفاعل الحزبي والإصلاح الضريبي، سنعمل على التركز فيها على حدث الانتخابات التشريعية ل25 نوفمبر 2011 وما تلاها من تكوين لأول حكومة سياسية منبثقة عن هذه الانتخابات، ضمت في الجانب الأغلبي آنذاك كلا من حزب العدالة والتنمية، حزب الاستقلال، الحركة الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية. أما في الجانب المحسوب على المعارضة، فإن المشهد الحزبي لهذه الأخيرة سيضم كلا من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والاتحاد الدستوري وحزب الاصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار.

 

[2] – هذه الإجراءات ، كما وردت في برنامج الحزب تتمحور حول:

– مراجعة السياسة الجبائية في اتجاه جعلها أداة لتوفير الموارد اللازمة للدولة والسياسات العمومية ، وتوجيه التنمية الاقتصادية ، وضمان التنافسية والحفاظ على التوازن بين القطاعات الداخلية وإعادة التوازن الاجتماعي ؛

– بناء الثقة بين المواطن والإدارة في المجال الضريبي وترشيد العلاقة بينهما ؛

–  توسيع الوعاء الضريبي وتخفيف العبء الضريبي ؛

– تصحيح نظام التحفيزات الجبائية الحالية ؛

– تفعيل الرقم الضريبي الموحد للملزمين ؛

–  ضبط السلطة التقديرية للإدارة في المجال الضريبي ؛

– تسريع نظام البت في المنازعات الضريبية وتعزيز المراقبة ؛

انظر : البرنامج الانتخابي للحزب (اقتراع 25 نونبر 2011)

 

[3] – المحاور العامة لبرنامج الحزب اعتمدت ثلاثة محاور، وهي :

المحور الاول : ٳرساء حكامة تشاركية وفعالة ؛

المحور الثاني : المواطنة بدون تمييز ؛

المحور الثالث : تقوية موقع المغرب في التكتلات الإقليمية .

ونقرا في وثيقة الحزب ؛ “يظل الحزب وفيا لتطلعات الشعب المغربي التواقة للحرية والكرامة ، مدافعا عن الوحدة الوطنية بجميع ابعادها ؛ وحدة الأرض ووحدة الشعب ووحدة العقيدة والمذهب و حقوق الإنسان، وتحقيق كرامة المواطن وحقه في العيش الكريم تحت شعاره الخالد : مواطنون أحرار في وطن حر ”

أنظر : البرنامج الإنتخابي للحزب (اقتراع 25 نونبر 2011).

[4]– الاستقلال يتعهد بخلق 850 الف فرصة شغل و تقليص الفوارق الاجتماعية ب 25℅ ؛ جريدة أخبار اليوم ،العدد 594، الخميس 10 نونبر 2011 ، ص 3.

تعهد الحزب أمام الباطرونا بإجراء إصلاحات اقتصادية ، خلال اقتراح تعديل السياسة الضريبية ، وخلق تعامل تفضيلي مع الشركات التي تشتغل بنزاهة وتؤدي ضرائبها للدولة .

أنظر: جريدة المساء العدد 1597، السبت ، الأحد 15-16 ذي الحجة 1432/ 12- 13 نونبر 2011 ، ص1

[5] – المبادئ الستة كما وردت في برنامج الحزب ؛ لأجل إصلاح عميق للنظام الجبائي، هي التالية :

– تخفيض الضريبة على القيمة المضافة بالنسبة للمواد الأساسية، مع سن ضريبة على الثروة والارث ، وتوسيع الوعاء الجبائي ومحاربة التملص والغش الضريبيين ، وإخضاع المداخيل العليا لضريبة مرتفعة؛

– اعادة تقييم النفقات الجبائية ووضع حد لإعفاء الفلاحة الكبرى من الضريبة؛

– اتخاذ تدابير تحفيزية للادخار الوطني؛

– عقلنة النفقات العمومية بالاعتماد على تدبير قائم على النتائج؛

– التخفيض من نفقات تسيير الدولة وترشيدها مع محاربة كل اشكال التبذير؛

– اعادة توازن المالية العمومية، واستعمال محدود ومعقول للعجز والمديونية لتمويل الاستثمار في القطاعات الواعدة كالتجهيز والتربية والتكوين ؛

أنظر: البرنامج الانتخابي للحزب (25 نونبر 2011).

[6] -الضريبة على الثروة تعتبر في عرف البعض ضريبة أخلاقية لا تدر عائدات مهمة ، وهذا تفيد به التجارب المقارنة التي عملت بهذا النوع من الضرائب، حيث اعتمدت لتخليق السياسة الجبائية ، فوعاؤها لا يشمل وسائل الانتاج ، وهناك حد أدنى يخضع للضريبة ، والأسعار المطبقة هزيلة جدا ،حيث تتراوح بين 0.5℅ و 3℅.

– محمد رهج ، خبير جبائي واستاذ بالمعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات . الضريبة ، شن حربا شرسة على التهرب الضريبي . الموقع الالكتروني لكوكل .

[7] – في وثيقة برنامج الحزب نسجل أن الأهداف الرئيسية ” تتلخص في تطوير قدرة اقتصادنا على خلق الثروات عبر الرفع من نسبة النمو، للتمكن من تجاوز معضلة البطالة وتوفير وسائل الحد الملموس من تراكمات الفقر والخصاص والحيف داخل النسيج الاجتماعي ”

مضيفا أن الغاية من بلورة هذا البرنامج، هي تقديم مقترحات تصب في اتجاه بناء التوازنات الاجتماعية والاقتصادية الكبرى للبلاد في أفق استرجاع الثقة لدى المواطنين والمستثمرين .

في موقع اخر يدرج الحزب الاصلاح ضمن خانة تحسين شروط التنمية الاقتصادية، وتطوير أنماط جديدة للتمويل قائمة على الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص .

أنظر : البرنامج الانتخابي للحزب (اقتراع 25 نونبر 2011)

 

[8] – تلزم الاشارة ٳلى الاطار المرجعي، الذي يلزم استحضاره بالنسبة لتجمع “التحالف من أجل الديمقراطية ” والذي تشكل الى جانب الاتحاد الدستوري من أحزاب التجمع الوطني للأحرار، الحركة الشعبية، الاصالة والمعاصرة، الحزب العمالي، الحزب الاشتراكي واليسار الاخضر، والذي حدد جملة التزامات في برنامجه العام الذي يهم تطوير النسيج الصناعي ودعم المقاولات الصغرى والمتوسطة من خلال :

– تقليص معدل الضريبة على الشركات بالنسبة للمقاولات الصغرى والمتوسطة بنقطة واحدة سنويا لبلوغ 25℅ في أفق 2016؛

– تعديل معدل الضريبة على الشركات بالنسبة للمقاولات الصغيرة جدا في 15℅ في حدود سقف رقم معاملات لا يتجاوز 10 ملايين درهم .

[9] – التعديلات المقدمة من قبل الحزب بمناسبة تقديم المشروع المالي للسنة، تجسدت في:

– فرض رسم على كل اجنبي يدخل المغرب بقيمة 100 درهم ( لا يحمل الجنسية المغربية )؛

– فرض الضريبة على مداخيل الأغنياء (اعتماد نسب تتراوح بين 10℅و40℅، مع اعفاء شريحة الدخل الى غاية 30 ألف درهم )؛

– تخفيض الضريبة على الفرجة السينمائية ٳلى نسبة 10℅؛

– تمويل صندوق التماسك الاجتماعي من خلال مساهمات الشركات؛

– تخصيص 3℅ من ضريبيتي الدخل والشركات للجهات.

[10] – بمناسبة مناقشة مشروع قانون مالية 2012 ، سيعمد الحزب ٳلى تقديم بعض المقترحات غير المرقمة، من قبيل :

–  تأجيل تطبيق الضريبة على الشركات الرياضية ٳلى فاتح يناير 2015؛

– مساهمة الشركات على أساس مبلغ الربح الصافي في صندوق التماسك الاجتماعي ؛

– اعفاء السيارات المتهرئة من الضريبة ؛

– اعفاء عمليات بناء المساجد والمواد الأساسية من الضريبة على القيمة المضافة (الماء والكهرباء ، الادوات المدرسية ، الزبدة ، الشاي ..الخ)

[11]– يمكن في هذا الإطار استحضار ما أثاره اقتراح الفريق الفيدرالي للوحدة والديمقراطية، بمناسبة مناقشة مشروع قانون مالية 2012 ، وخاصة مقترح المادة الإضافية .التعديل المقترح من طرف الفريق، انبنى على ٳحداث ضريبة تصاعدية على الثروة ، وفق الجدول التالي :

ويحدد مرسوم طرق احتساب القاعدة الضريبية والقيمة الصافية الخاضعة للضريبة.

التعليل : يهدف هذا التعديل الى احداث ضريبة تضامنية يساهم فيها الأشخاص على ثرواتهم الشخصية .

انظر : العربي حبشي ، هل تملك الحكومة الشجاعة لتطبيق الضريبة على الثروة .المساء ، العدد 1757 ، الخميس 17.05.2012 .

وقد نجحت الاغلبية الحكومية في قطع الطريق على الفريق الفيدرالي بمجلس المستشارين بإسقاط الضريبة على الثروة ، ساعات قبل التصويت والمصادقة على مشروع القانون المالي لسنة 2012 لتعديل لجنة المالية بفرض هذا النوع من الضرائب عن طريق الاستدراك.

11– ورد في تصريح رئيس الحكومة، فانه وبهدف تمكين الحكومة من تمويل السياسات العمومية بشكل أكثر نجاعة وفعالية وشفافية، وتعزيزا للموارد وترشيد النفقات.” سيتم تطوير الموارد المالية العمومية عبر ٳصلاح شامل للمنظومة الضريبية بغرض تحقيق العدالة الضريبية، كما ستعمل الحكومة على ترشيد النفقات عبر اعتماد هيكلة جديدة للميزانية تنبني على محاور السياسات العمومية، وربط الانفاق العمومي بالحاجيات الضرورية، وتوخي الاقتصاد في الانفاق وتجنب الاسراف والتبذير.”

– انظر :المملكة المغربية، رئيس الحكومة، البرنامج الحكومي، يناير 2012.

– البرنامج الحكومي يناير، 2012، م[13]

[14]– ورد في الوثيقة.. كما سيتم تعزيز اليات المراقبة الجبائية والتخفيض التدريجي من الاعفاءات الضريبية، باستثناء تلك التي تستهدف انعاش وتشجيع الاستثمار المنتج وتحقيق العدالة الاجتماعية.

انظر : خطاب السيد نزار بركة وزير الاقتصاد والمالية امام مجلسي البرلمان بمناسبة تقديم مشروع قانون المالية لسنة 2012 .

[15] – يتمثل الهدف العام من الضريبة التضامنية في دفع الأغنياء ٳلى المساهمة في المجهود الضريبي؛ كما أنها في النموذج المغربي قد تبرر ب :

– المساهمة في استرجاع الدولة للدعم الذي يستفيد منه الأغنياء ( التخفيف من أعباء صندوق المقاصة )؛

– التشجيع على قيم التضامن والتآزر بين فئات المجتمع، والانخراط في المجهود الجماعي للبناء الديمقراطي والتنموي للبلاد.

انظر : مصير الضريبة على الثروة بيد المجلس الدستوري. عادل نجدي. المساء، العدد 1755، الثلاثاء 2012.05.15، ص 3.

[16] – فدول مثل النمسا ألغت العمل بهذه الضريبة (1994)، والدانمارك (1996)، وألمانيا (1997)، وهولندا (2001)، وفنلندا واللوكسمبورغ (2000)، والسويد (2007) واسبانيا (2008).

– مصير الضريبة على الثروة .. ن م س .[17]

Exit mobile version