Site icon مجلة المنارة

ازدواجية تدبير التركات بين الشريعة والقانون الوضعي بالمغرب

جامعة محمد الخامس الرباط                                                                                                                            كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية                                                                                            مركز دراسات الدكتوراه                                                                                                                               تخصص الأنظمة القانونية القضائية الإدارية المقارنة                                                                                        فريق البحث تقييم السياسات العمومية                                                                                                                الفوج السادس
مقال:
تحت اشراف الأستاذة: وفاء فيلالي
 
من اعداد الباحث:
 

اكتوبر2015

ازدواجية تدبير التركات بين الشريعة والقانون الوضعي بالمغرب

 الحسين الروحي

 

 

الفهرس

 

تقديم 3

القسم الأول: لمحة تاريخية عن الميراث بالمجتمعات الإنسانية 5

المبحث الأول: قوانين بشرية في تدبير الميراث_ 5

المطلب الأول : الميراث لدى الأمم السابقة 5

المطلب الثاني: شريعة العرب الجاهلية في الإرث_ 6

المطلب الثالث: الميراث في القانون الفرنسي_ 6

المبحث الثاني: الشريعة السماوية لتدبير نظام الارث_ 7

المطلب الأول: الميراث في التوراة والإنجيل_ 7

المطلب الثاني: الإرث في الشريعة الاسلامية 8

القسم الثاني: توزيع التركة في ظل التشريعات والقوانين الوضعية بالمغرب: 9

المبحث الأول: توزيع التركة بمقتضى التشريع السماوي: 9

المبحث الثاني: توزيع التركة بمقتضى النص القانوني_ 10

المطلب الأول: تعويضات الوفاة للتعاضدية، التعاضدية العامة لوزارة التربية الوطنية نموذجا: 10

المطلب الثاني: التأمين على الحياة 11

المطلب الثالث: توزيع رصيد الوفاة بين الزوجة والابناء والاصول بشروط_ 12

المطلب الرابع: معاش ذوي الحقوق؛ تركة ام حق للأرملة والابناء دون الوالدين؟ 13

خلاصات_ 14

أولا : ارث ادارة الانتداب الفرنسي_ 14

ثانيا: مسميات لمعنى واحد 15

ثالثا: ازدواجية أيديولوجية المشرع المترنحة بين تضخم الوضعي واستبطان السماوي_ 15

رابعا: دستورية التشريع الديني ومدنية الدولة 15

المراجع 17

 

 

 

تقديم

التركة مفهوم عامة ينطوي على دلالات ومعانى دينية أكثر منها قانونية. من الناحية الاجتماعية التركة مفهوم ذو حمولة خاصة لارتباطه بحالة الحزن الناتج عن مأثم، والذي له انعكاس مشؤوم بالمخيلة الاجتماعية الانسانية. ومصطلح تركة يوحي مباشرة الى فقدان عزيز وغالبا ما يتعلق الأمر بأقرب الناس، الوالدين، عندها تشتد المرارة وقد يصير الأمر الى انتكاسة في حياة المعزى. عرفت التركة عبر العصور البشرية تطورا بتطور التجمعات البشرية، فكان للأعراف والتقاليد الحيز الكبير في صياغة الأسس الاولى في تدبير التركات، وتولت الشرائع السماوية والوضعية زمام تأصيل أركان نظام المواريث. لم تتركت التجمعات البشرية عبر التاريخ منحة الميت، التركة، دون تحديد الى من تؤول تفاديا للصراع المتوقع بين ورثة الهالك. فاستبقت الصراع بميزان لقسمة ما خلفه الهالك من متاع الدنيا.

المقال الذي بين يدينا يطرح الاشكال الاتي: ان الدستور المغربي لسنة 2011م يشير في ديباجته الى أن ( المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم وتنوع مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية – الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية. كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوء الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعا). ويأكد الفصل الثالث من الدستور ذاته الى أن  (الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية). وتشير المادة 321 من مدونة الاسرة المغربية الى أن (التركة مجموع ما يتركه الميت من مال أو حقوق مالي)، وعليه فبمقتضى المادة 323 من نفس المدونة ( الإرث انتقال حق بموت مالكه بعد تصفية التركة لمن استحقه شرعا بلا تبرع ولا معاوضة). والتركة بحسب منطوق المادة 332 تورث لذوي الحقوق بشرط أن (لا توارث بين مسلم وغير المسلم، ولا بين من نفى الشرع نسبه). وبناء على الذي اتت به النصوص القانونية فأن التركة او الإرث بالمملكة المغربية يخضع لأحكام الشريعة الإسلامية. إلا أن هذه الاحكام لا تنطبق على بعض تركة المتوفى، إذ توزع بناء على نصوص قانونية ليست بتلك المسطرة بمدونة الأسرة المغربية، ولا بالتي دونتها كتب المذهب المالكي المعتمد بالمملكة المغربية، ولا بالتي سطرتها قواعد الأحوال الشخصية العبرية المغربية.

ماهي هذه الأنواع من التركات التي لا تدخل ضمن نطاق النصوص الدينية بحسب النصوص القانونية المغربية؟ من المستفيد منها وماهي التبريرات التي يقدمها المشرع لتوزيع هذه الأنصبة ؟ أم أن المشرع قد أغفل  أو سهى عن هذه الأنصبة عند وضعها ؟ أم أن المشرع له تعريف أخر للتركة مما حدا به حذف هذه التركات من الميراث ؟ وما رأي فقهاء الشريعة المغاربة من هذه التركات ؟ للإجابة عن هذه الاسئلة كان لزاما التعريف بالتركة كمفهوم، وكيف تعاملت الأمم السابقة واللاحقة مع التركة لتجلي مكانتها عند غيرنا ولمقارنتها مع تعاليم الشريعة الإسلامية التي تتبوأ مكانة الصدارة بالدولة المغربية، ومنه مسائلة النصوص القانونية المغربية الواردة في هذا الصدد.

لغة جاء في قواميس اللغة العربية عامة أن الترِكة بكسر الراء تعني ما خلفه الميت من مال، ويقال هذا من تركة فلان يعني من مخلفاته. والترْكة بتسكين الراء تعني البيضة بعد أَن يخرج منها الفرخُ. أما المعجم الوسيط فقد أتى لكلمة “الترْكة” بمعاني عدة تصل الى ستة، فهي تعني بيضة النعامة، وتعني خوذة الحديد، وتعني البيضة بعد خروج الفرخ منها، وتعني فتاة عانس، وتعني امرأة مصون محفوظة في خدرها .وصافي التركة يعني قيمة التركة بعد دفع المصاريف الإدارية وسداد ديون المتوفى وتغطية خسائره.

لم تخرج النصوص القانونية الوضعية عن هذا التعريف الاصطلاحي للكلمة. فمدونة الاسرة المغربية لسنة 2004م تشير في المادة 321 الى أن (التركة مجموع ما يتركه الميت من مال أو حقوق مالية) وعلى نفس التعريف تجمع جل البلدان الإسلامية التي تعتمد نظام الإرث الإسلامي نظاما لتوزيع تركة الميت. وتجمع النصوص القانونية الوضعية على تعريف واحد للتركة فيما تختلف في تحديد إلى من تؤول وطريقة توزيعها بين ذوي الحقوق المستحقين للميراث. وتتحدث التشريعات البشرية المتعاقبة على أن التركة تؤول للأقرب فالأقرب من الميت، فأعطت الحق من الميراث للابن وللإخ… وقليل منها من خص النساء بميراث، بل كانت الأولوية للذكران من العالمين كما سيأتي عليه الذكر في الفقرات اللاحقة.

القسم الأول: لمحة تاريخية عن الميراث بالمجتمعات الإنسانية

الفقرة الآتية تورد نماذج لتجمعات بشرية في وضع تشريعات لتنظيم حياة رعاياها في شقها الميراثي خاصة. تشريعات متنوعة راعى واضعها الوضعية الاقتصادية قبل الوضعية الاجتماعية، وغلبت فيها المصلحة الذاتية على المصلحة الجماعية. فبين اللاهوتي ذو المصدر السماوي والوضعي ذو مصدر أرضي بزغت حلول لخلافات مادية كانت تغديها اعراف وتقاليد ارتبط بظهور التجمعات الإنسانية.

المبحث الأول: قوانين بشرية في تدبير الميراث

المطلب الأول : الميراث لدى الأمم السابقة[1]

اقتصر الميراث في شريعة المصريين قبل الميلاد على منافع الأرض ولم يكن يتعداه إلى شيء اخر لغياب الملكية الخاصة. فالأرض ملك للفرعون الإله، ولا يملك المصري إلا بما تجود به الأرض مما عملت يداه. وتنتقل هذه المنفعة إلى الأرشد في الأسر ليحل محل المتوفي في زراعة الأرض. وكان المصريون القدامى لا يميزون بين الذكور والاناث في حيازة منفعة الأرض إلا إذا اختارت الأنثى التنازل عن حقا وذلك هو الأحوط لها. والأرشد في الأسرة دائرة تشمل الأبناء والزوج والأم والأخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات.

ولم يختلف الرمان القدامى في صيغة تعين الوارث كثيرا عن المصريين. فإذا كان المصريون يعطون أحقية الإرث للأرشد في الأسرة، فإن قدماء الرمان أقاموا نظام الخليفة. نظام يقتضي من رب الأسرة تعين خليفة له قبل مماته من فورعه أو من غيرهم، ليؤول إليه أمر تدبير شؤون الأسرة. ولا يتم قبول هذا الاختيار إلا بموافقة وجهاء القبيلة. وبتوالي السنين حصر امر الخليفة في فورع الميت ثم الأصول فالإخوة الأشقاء ونسلهم، ثم الاخوات الشقيقات ونسلهن، ثم الإخوة لأب ونسلهم، ثم الأخوات لأب ونسلهن، ثم الإخوة لأم ونسلهم، فالأخوات لأم ونسلهن، وفي غياب هؤلاء وعدم وجود قريب بعيد تنتقل التركة إلى بيت المال. ويحسب للرمان مساواتهم بين الذكور والإناث في كل طبقات ذوي الحقوق، لكن لم يسمحوا للزوج بالدخول في دائرة الورثة بحجة عدم القرابة.

والتزم اليونانيون كالرمان بصيغة الخليفة واختلفوا عنهم في كتابة الوصية لتفادي النزاعات المحتملة بين افراد الاسرة. وبرحيل الموصي يصبح الوصي رب الأسرة يتصرف في الأموال والأفراد، ولا يحدث أمر داخل الأسرة إلا بموافقته ورضاه.

المطلب الثاني: شريعة العرب الجاهلية في الإرث

لم تكن القبائل العربية تدين بدين واضح تنبني عليه حياة الناس، وإنما كانت الشرائع والأحكام مزيج بين عقائد سماوية سابقة، كالحنفية واليهودية، وأحكام تصدر بناء على اهواء علية القوم. فدار الندوة بالنسبة للقرشين بمثابة مؤسسات دولة قائمة بذاتها بالمفاهيم العصرية، فيها تعقد الاجتماعات الحربية والسلمية، وتشرع الشرائع، ويعقد القران… ومن شرائع العرب، قبل دخولهم تحت راية الاسلام، أن المرأة لا ترث شيئا لكونها متاع يورث. فأسقطوا بزعمهم حق البنات والزوجات والأمهات وغيرهن من النساء من الميراث، فورثوا الإبن البالغ والأخ الأكبر والعم و ابن العم. وسبب ايلاء الأهمية للذكور دون الاناث في الميراث يرجع إلى حاجة القبيلة لمن يحمل السلاح لذود عنها ولحماية للعشيرة. بل أن المرأة الأرملة تحبس حتى تموت ليرثوا مالها إلا اذا شفع لها جمالها فتزوجها ولي المقتول ليتمتع بها و بمالها[2].

وكان الرجل يرث الرجل، من غير قرابة بينهما، لحلف او لتبني بينهما. فكان العرب يغلظون في الحلف الى درجة انهم الحقوا المتحالفين بالورثة. وللحليف الحق في طلب مال حليفه عند وفاته. وألحق ابن الغير المتبنى بالورثة إن كان بالغا، حتى أن الأمر عمل به في صدر الاسلام إلى حين نسخه بالوحي، ولنا في قصة الرسول صلى الله عليه وسلم وزيد بن حارثة خير مثال.

المطلب الثالث: الميراث في القانون الفرنسي

لم يسمح المشرع الفرنسي بانتقال الميراث مباشرة إلى ذوي الميت إلا إذا تبث عدم وجود وصية او هبة مكتوبة[3]. ويتم اتباث صفة وارث بوثيقة رسمية صادرة عن موثق[4]. ويرتب القانون المدني الفرنسي الورثة على درجات، تسقط السابقة حق اللاحقة إن وجدت. فيأتي في الدرجة الأولى الأبناء والبنات وأولادهم لكل نصيب دون تميز بين الذكر الانثى، ثم يأتي في الدرجة الثانية الأب والأم والأخوة والأخوات وأولادهم عندها تقسم التركة نصفين النصف الأول للأب والأم مناصفة، والنصف الآخر يقسم بين الإخوة والاخوات وأولادهم، ويحيز الإخوة التركة كاملة عند غياب الأبوين والعكس صحيح، إلا في حالة موت احد الأبوين فان نصيب الإخوة يصير ¾ التركة. ثم يأتي الجد والجدة في الدرجة الثالثة، ويحل الأعمام والخالات وأبناء العمومة في الدرجة الرابعة[5].

اما الزوج الموجود(ة) على قيد الحياة، عند وجود فروع للهالك، فله (ها) الاختيار بين الاستفادة من منافع التركة دون ملكية التي هي بحوزة الاولاد من غير تصرف فيها إلى حين ممات الزوج، أو مليكة الربع التركة اختيارا مع اولادها أو قصرا مع اولاد الهالك من زواج أخر. و(ي)ترث مع الأبوين النصف، ومع احدهما ¾، والتركة كاملة بغيابهما. أو تخضع التركة لبنود عقد الزواج إن تم الأمر على نحو اتفاق بين الطرفين[6].

 المبحث الثاني: الشريعة السماوية لتدبير نظام الارث

المطلب الأول: الميراث في التوراة والإنجيل

التوراة والإنجيل من الكتب السماوية التي نزلت على بني اسرائيل تباعا. فالتوراة نزلت على كليم الله موسى عليه السلام لتوضيح شريعة الله لليهود، والإنجيل أنزل على المسيح عيسى عليه السلام لتبيان تعاليم الله للنصارى. وتقسيم التركة من الأحكام التي تعرضت لها التوراة ولم يشر لها الإنجيل لكون المسيح عليه السلام أرسل لتتميم الناموس الموسوي، لذلك اعتنت الديانة المسيحية بالجانب الأخلاقي الرامي إلى السمو بالإيمان الحقيقي وتزكية المحبة الإلهية في النفوس ففي إنجيل لوق 12 ” وَقَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنَ الْجَمْعِ: «يَا مُعَلِّمُ، قُلْ لأَخِي أَنْ يُقَاسِمَنِي الْمِيرَاثَ » فَقَالَ لَهُ: «يَا إِنْسَانُ، مَنْ أَقَامَنِي عَلَيْكُمَا قَاضِيًا أَوْ مُقَسِّمًا ؟ »  وَقَالَ لَهُمُ: «انْظُرُوا وَتَحَفَّظُوا مِنَ الطَّمَعِ، فَإِنَّهُ مَتَى كَانَ لأَحَدٍ كَثِيرٌ فَلَيْسَتْ حَيَاتُهُ مِنْ أَمْوَالِهِ»[7]. فكان المسيحيون الاوائل يتبعون شرائع اليهودية في تنظيم حياتهم.

جاء في الاصحاح السابع والعشرون من سفر العدد، العهد القديم “… فقال الرب لموسى:( بحق تكلمت بنات صُلفحاد فتعطيهن مُلك نصيب بين أعمامهن  وتنقل نصيب أبيهن إليهن. وتقول لبني إسرائيل: أيما رجل مات وليس له ابن تنقلون ملكه إلى ابنته. وإن لم تكن له ابنة تعطوا ملكه لإخوته. وإن لم يكن له إخوة تعطوا ملكه لأعمامه. وإن لم يكن لأبيه إخوة تعطوا ملكه لنسيبه الأقرب إليه من عشيرته فيرثه. فصارت لبني إسرائيل فريضة قضاء، كما أمر الرب موسى.” من هذا النص الوارد بالكتاب المقدس يتضح أن شريعة اليهود في الإرث وضعت اربعة درجات للورثة؛ فالولد الذكر اولى من غيره بتركة والده. والنص لم يحدد إن كان الإبن واحدا أم أكثر؟ ونجد في سفر التثنية الاصحاح الواحد والعشرون من العهد القديم ” إِذَا كَانَ لِرَجُل امْرَأَتَانِ، إِحْدَاهُمَا مَحْبُوبَةٌ وَالأُخْرَى مَكْرُوهَةٌ، فَوَلَدَتَا لَهُ بَنِينَ، الْمَحْبُوبَةُ وَالْمَكْرُوهَةُ. فَإِنْ كَانَ الابْنُ الْبِكْرُ لِلْمَكْرُوهَةِ، فَيَوْمَ يَقْسِمُ لِبَنِيهِ مَا كَانَ لَهُ، لاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ ابْنَ الْمَحْبُوبَةِ بِكْرًا عَلَى ابْنِ الْمَكْرُوهَةِ الْبِكْرِ، بَلْ يَعْرِفُ ابْنَ الْمَكْرُوهَةِ بِكْرًا لِيُعْطِيَهُ نَصِيبَ اثْنَيْنِ مِنْ كُلِّ مَا يُوجَدُ عِنْدَهُ، لأَنَّهُ هُوَ أَوَّلُ قُدْرَتِهِ. لَهُ حَقُّ الْبَكُورِيَّةِ.بحسب منطوق النص فأن نصيب الإبن البكر يساوي نصيب اثنين من اخوانه الذكور. وفي غياب الأبناء ينتقل الميراث إلى البنات مباشرة ولا يوجد نص يبين كيفية توزيعه بينهن. لينتقل من بعد ذلك إن لم يوجدن إلى الإخوة، وإن غابوا انتقل إلى الأعمام ومن بعدهم إلى الأقرب عشيرة من الميت دون ذكر لنصيب كل فرد من نفس الطبقة.

اقصى الكتاب المقدس البنات من الميراث في حالة وجود الأبناء، كما أنه لم يذكر لا الزوجة ولا الأبوين من ضمن الورثة. واذا كانت قد ورث البنات استثناء في غياب الابن فإنه لم يسمح لباقي النساء من الطبقات الأخرى بولوج دائرة القربى رغم قربهم من الميت اكثر من الأقرب عشيرة. يرى احد كبار علماء اليهود أوريجينوس، ولد في الإسكندرية حوالي عام 185م، أن:” في هذا القانون ظلًا للخيرات السماويّة، إذ يرى هؤلاء الورثة الخمسة على الأرض فيرمزون للورثة في السماء. ففي الدرجة الأولى درجة الأبناء هؤلاء الذين لهم معرفة روحيّة، أما الدرجة الثانية “الابنة” فتشير لأصحاب العمل الممتاز، لأننا كما سبق فكرَّرنا أن الذكر يشير إلى الفكر أو العقل أو المعرفة، أما الأنثى فتشير إلى الجسد أو العمل والخدمة. الأولون يمثلون أصحاب التأمل والآخرون يمثلون المجاهدين في الخدمة والعمل. الدرجة الثالثة، أي درجة الإخوة، فيمثلون الذين يجاهدون متمثلين بالآخرين كإخوة لهم. الدرجة الرابعة أي العم ففي رأيه يمثل جماعة البسطاء الذين يمارسون العادات الطيبة دون عمق فكري. وأخيرًا درجة أي قريب تشير إلى الورثة الذين يضمهم الرب لأجل أي عمل يصنعونه في بساطة، إذ يشتاق الرب إلى خلاص الكل.”[8]

المطلب الثاني: الإرث في الشريعة الاسلامية

اعتمد نظام الإرث الإسلامي على الكسور الرياضية كالنصف والربع والسدس والثمن لتحديد أنصبة الورثة، عمليات حسابية لم يكن للبيئة العربية معرفة بها، وسابقة لم تعرفها الأمم السابقة عن ظهور الاسلام. ولم تتجاوز عدد الآيات التي صاغت نظام الإرث الاسلامي خمسا من آي الذكر الحكيم[9]، وردت كلها في سورة النساء؛ بدأت بالتعميم دون استثناء بقوله تعالى : لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَفْرُوضًا” الآية 7، واتبعت بالتفصيل وجيز قال تعالى ” وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ” الآية 8 واردفت بقوله جل من قائل ” يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ۚ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا◊  وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ ۚ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۚ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ ۚ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ۚ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ۚ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ” الاية 11 و 12 ليختتم الحديث في نهاية السورة بقوله جل في علاه ” يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ۚ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ۚ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ ۚ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ۚ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ۗ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ” الآية 176. إن أية دراسة دقيقة بمعيار رياضية حديثة يمكن أن تكشف عن اخطاء بهذا النظام لو أنه من وضع عربي أمي لا يتقن الكتابة والقراءة. نظام فريد لم يسبق لبشر ان تعامل به لكونه واضح الأهداف والأسس حيث راعى المشرع مصالح ذوي القربى من الميت دون ان يغفل واحدا منهم. وحفظ للأشد منهم قربة حقوقهم من غيرهم وجعلهم في درجة اولى، فخص الأب والأم بنصيب لكونها السبب الطبيعي في وجود الميت، وخص الزوجة بنصيب لمساهمتها في بناء الاسرة، وجعل من الأبناء والبنات عصبة لحيازة بقية التركة لاستمرار نسله عبر العصور. ونصب الباقين من الورثة في درجة ثالثة عند غياب اصحاب الدرجة الاولى بعضهم أو جلهم. بل إن هذا النظام لم يغفل من حضر القسمة ممن لم تربطهم اية علاقة بالميت لعوزهم قال الله تعالى في الآية 8 من سورة النساء ” وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا “.

نظام لم يستثني احد من قرابة الميت فاعترض عليه العرب. وسبب اعتراضهم توريث النساء ففي الحديث الذي رواه بن جرير أن ابن عباس فسر قوله تعالى” يوصيكم الله في اولادكم …” أنه قال لما نزلت الفرائض التي فرض الله فيها ما فرض للولد الذكر والأنثى والأبوين كرهها الناس، أو بعضهم، وقالوا تعطى المرأة الربع أو الثمن وتعطى الابنة النصف و يعطى الغلام الصغير وليس من هؤلاء أحد يقاتل القوم ولا يجوز الغنيمة ! اسكتوا عن هذا الحديث لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينساه أو نقول له فيغير ! فقالوا : يا رسول الله تعطى الجارية نصف ما ترك أبوها وليست تركب الفرس ولا تقاتل القوم ويعطى الصبي الإرث وليس يغني شيئا- وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية ولا يعطون الإرث إلا لمن قاتل القوم ويعطونه الأكبر فالأكبر”. اعتراض مرده نفحة الجاهلية المستبطنة في القلوب والتعايش مع اهل الكتاب من اليهود بالمدينة المنورة ومنعهم النساء من ميراث ابائهم.

القسم الثاني: توزيع التركة في ظل التشريعات والقانونين الوضعية بالمغرب:

المبحث الأول: توزيع التركة بمقتضى التشريع السماوي:

يخضع المغاربة المسلمون في توزيع تركة الهالك للمقتضيات الواردة بمدون الأسرة المغربية، الصادرة بالجريدة الرسمية رقم 5184 الصادرة يوم الخميس 5 فبراير 2004، ظهير شريف رقم 22-04-1 صادر في 12 من ذي الحجة 1424 (- 3 فبراير 2004 )   بتنفيذ القانون رقم 03- 70 بمثابة مدونة الأسرة. فتحدث المشرع في القسم الأول من الكتاب الخامس من المدونة عن شروط الوصية وإجراء تنفيذها، وفي القسم الثاني عن التنزيل. والتنزيل كم عرفه المشرع، المادة 315، يراد منه إلحاق شخص غير وارث بوارث وإنزاله منزلته.

فيما خصص المشرع الكتاب السادس من المدونة لتحديد الميراث معرفا بداية بالتركة، ثم الحقوق المتعلقة بالتركة والتي حددها في خمسة. وبين المشرع في المادة 323 على أن الإرث انتقال حق بموت مالكه بعد تصفية التركة لمن استحقه شرعا بلا تبرع ولا معاوضة. وموت الهالك انقطاع خبره بموت حقيقي أو بحكم قضائي. وأتت المواد من 329 إلى 395 للحديث عن اسباب الإرث كالزوجية والقرابة، أسباب شرعية لا تكتسب بالتزام ولا بوصية، وقد تسقط عن صاحبها باختلاف الدين أو بارتكاب جرم في حق الهالك. وقسم القانون الورثة إلى اصحاب فروض وعصبة، فأصحاب الفروض ستة وهم الأم والجدة والزوج والزوجة والأخ للأم والأخت للأم. أما العصبة فهم ثمانية الإبن، وابنه وإن سفل، والأخ الشقيق والأخ للأب وابنهما وإن سفل، والعم الشقيق والعم للأب وابنهما وإن سفل. أما الأب والجد فيرثان بالفرض والتعصيب. وأخير الصنف الذي يرثون اما بالفرض أو التعصيب أربعة هم البنت، وبنت الإبن، والأخت الشقيقة، والأخت للأب. والفرض حدد في النصف والثلثين والثلث والربع والثمن والسدس. والحجب منع وارث معين من كل الميراث أو بعضه بقريب آخر. والحجب نوعان؛ الأول حجب اسقاط من الميراث لا ينال الإبن، والبنت، والأب، والأم، والزوج، والزوجة. والثاني حجب نقل من حصة الإرث إلى أقل منها. وفي حالة عدم وجود قريب للميت فأن امواله تعود لبيت مال المسلمين، ولمحكمة الأسرة، المحدثة بمقتضى ادخال مدونة الأسرة حيز التنفيذ، الاختصاص في النظر في نزاعات الارث.

فيما تطبق أحكام الأحوال الشخصية العبرية المغربية على اليهود المغاربة المستوحاة من التوراة، وخصوصا بسفر العدد وسفر التثنية. وتختص المحاكم العبرية في النظر في نزعات الارث. و المحاكم العبرية المغربية شهدت تغيرات هيكلية. قبل الحماية كان اليهود يحتكمون الى حبرهم بالبادية ليفض نزاعاته فيما كان الأمر يؤول إلى جماعة أعيان اليهود في المدن الرئيسية. فكانت المحاكم اليهودية، المكونة من ثلاثة أحبار، أو بيت الدين كما في اليهودية القديمة تتبع تعاليم القواعد التلمودية. لم تكن المحاكم العبرية خاضعة لإي قانون إجرائي إلا مع صدور أربع ظهائر شريفة مقسمة تبعا للتقسيم الاستعمار للمملكة. ظهيران مؤرخان في 11 شعبان 1339ه (12 ماي 1918م) ينصان على اعادة تنظيم المحاكم العبرية والتوثيق الإسرائيلي في المنطقة الجنوبية من المملكة المغربية. والثالث مؤرخ في 21 رجب 1342ه (15 فبراير 1925م) بشأن تنظيم المحكمة العبرية والتوثيق العصري في طنجة، والرابع ظهير خليفي مؤرخ في 27 رمضان 1346ه (20 مارس 1928م) بشأن تنظيم المحاكم العبرية والتوثيق الإسرائيلي في المنطقة الشمالية. ومع فجر الاستقلال، تحديدا مع صدور ظهيران سنة 1957م، استبدلت تسمية المحاكم العبرية الأولية بالمحاكم العبرية الإقليمية وبدورها تحولت مع تعديل القانون إلى المحاكم العبرية الابتدائية، كما أن مجالس الأحبار المفوضين السابقة أصبحت تسمى محاكم الحاخامات الحكام المفوضين. وتختص المحكمة العبرية العليا بالرباط في النظر في الدعوى المستأنفة[10].

المبحث الثاني: توزيع التركة بمقتضى النص القانوني

جاءت نصوص الشريعة الإسلامية واضحة في توزيع ميراث الهالك، وشكلت مرجعية اعتمدها المشرع المغربي في وضعه لقانون الارث، مرتكزا على ما ذهب إليه المذهب المالكي في صياغة نص مدونة الأسرة المغربية. بل إن المادة  400 من مدونة الأسرة  تقر بأن ” كل ما لم يرد به نص في هذه المدونة، يرجع فيه إلى المذهب المالكي والاجتهاد الذي يراعى فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف”. وهذا دليل على أهمية النصوص الدينية في تنظيم العلاقات الأسرية بالمغرب على اعتبار أن احكام مدونة الاسرة تسري على جميع المغاربة ولو كانوا حاملين لجنسية أخرى، وعلى اللاجئين بمن فيهم عديمو الجنسية، طبقا لاتفاقية جنيف المؤرخة ب 28 يوليوز لسنة 1951 المتعلقة بوضعية اللاجئين؛ وعلى العلاقات التي يكون فيها أحد الطرفين مغربيا؛ وعلى العلاقات التي تكون بين مغربيين أحدهما مسلم. فيما استثني اليهود المغاربة بمنطوق المادة 2 ” أما اليهود المغاربة فتسري عليهم قواعد الأحوال الشخصية العبرية المغربية” في تدبير أمورهم الشخصية ضمنها الإرث. ورغم وجود نص القانون الذي يؤطر نظام الارث إلا أن هناك تركات لا تخضع لا لنص مدونة الأسرة ولا لقواعد الأحوال الشخصية العبرية المغربية؟ ماهي هذه التركات وإلى من تؤول ؟ وما النصوص التي تطبق في توزيعا ؟ اسئلة موضوع القسم الثاني من هذا المقال.

المطلب الأول: تعويضات الوفاة للتعاضدية، التعاضدية العامة لوزارة التربية الوطنية نموذجا:

يحدد الفصـل السـادس والأربعـون من القانون الأساسي للتعاضدية العامة لوزارة التربية الوطنية منحة للوفاة تدفع لذوي الحقوق: (تدفع التعاضدية العامة للتربية الوطنية لذوي المنخرط ضمانا تكميليا عند الوفاة بعد مرور سنة على انخراطه مبلغ أربع ملايين سنتيما 40.000 درهما، توزع على المستفيدين تعاضديا حسب ما ينص عليه القانون الداخلي، إذا لم يسبق للمنخرط المتوفى الاستفادة من منحة التقاعد التي تبلغ ثلاثة ملايين من السنتيمات. وفي حالة الاستفادة فلا يستفيد ذووه إلا من الباقي وهو مليون واحد من السنتيمات).

ويردف ملحـق الثاني للقانون الأساسي للتعاضدية المتعلق بقـانـون الضمـان التكميلـي عنـد التقـاعـد والوفـاة، بالفصـل الأول، البنـد الأول:( يستفيد من منحة الضمان التكميلي عند التقاعد والوفاة جميع المنخرطين والمنخرطات في التعاضدية العامة للتربية الوطنية الذين مرت على انخراطهم 12 شهرا). و البنـد الثاني:( لن يستفيد من منحة الضمان التكميلي عند التقاعد والوفاة، من توقف عن أداء الانخراط مدة ستة أشهر متتالية، طبقا للفصل السابع والخمسين من القانون الأساسي للتعاضدية العامة للتربية الوطنية، إلا في بعض الحالات المبررة من طرف المعني بالأمر بوثائق إدارية رسمية.) و البنـد الثالث:( تبلغ منحة الضمان التكميلي عند التقاعد والوفاة أربعة ملايين. وتوزع حسب ما ينص عليه الفصل الثاني والثالث من هذا القانون).

يبين القانون الأساسي للتعاضدية أن تعويضات الوفاة تمنح لذوي الحقوق. وحسب الفصل الثاني من القانون ذاته فالمستفيدين هم: أولا الزوج ويشترط فيه ألا يكون منخرطا(ة) بتعاضدية أخرى، أو مستفيدا(ة) من خدمات مماثلة، ألا يكون له(ها) عمل يدر عليه (ها) كسبا من صناعة أو تجارة أو فلاحة أو مهنة حرة أو غير ذلك. ثانيا الزوجة المضمن اسمها بورقة الانخراط لا يشطب عليها إلا بعد ثبوت طلاقها أو وفاتها. ثالثا الأبناء المستحق عنهم التعويضات العائلية بدون تحديد عددهم، أو الأبناء المصابون بعاهة أو بداء عضال، والفاقدون الأحقية في الاحتياط الاجتماعي. رابعا الأبوان اللذان يعيشان تحت الكفالة واللذان تتراوح أعمارهم ما بين 65 سنة و 70 سنة.

وتعويض الوفاة، بمقتضى بنود القانون الأساسي للتعاضدية، ليس حقا مطلقا لذوي الحقوق وانما حق نسبي، ونسبية الحصول على هذا الحق لا يضفي عليه صبغة التركة. وما خاصية حصر القانون مجموعة شروط يجب أن تتوفر في انخراط الفرد قبل وفاته والمرهونة بمدة الانخراط واستمرارية اداء وجبات الانخراط، وشروط يجب أن تتوفر في ذوي الحقوق منها السن بالنسبة للأبناء، ومدة الزواج بالنسبة للزوجة، وشرط غياب الزوج والأبناء ليؤول التعويض للأبوين، ينم عن أيدولوجية تخفي حقيقة تراتبية شبيهة بتلك المطبقة في الميراث بالقانون الفرنسي.

وبالعودة إلى نظام التعاضديات الفرنسية، فنجد أن رصيد الوفاة عبارة عن مدخرات الفرد ابان حياته، يمنح لمستفيدين يتم تحدديهم بعقد بين المكتتب وشركة تأمين تحت إشراف التعاضدية العامة الفرنسية. في دلالة واضحة عن مدى تأثر المشرع الفرنسي بالقانون الروماني القديم والذي اعطى الحق للفرد كتابة وصية انتقال الملكية لوصيه من بين افراد عائلته تفاديا للنزاعات.

المطلب الثاني: التأمين على الحياة

يسمح القانون المغربي، ظهير شريف رقم 1.02.238 صادر في 25 من رجب 3) 1423 أكتوبر 2002) بتنفيذ القانون رقم 17.99 المتعلق بمدونة التأمينات (، الجريدة الرسمية عدد 5054 بتاريخ 2 رمضان 7) 1423 نوفمبر 2002، للأشخاص الذاتيين الانخراط، بمقتضى عقد مع احدى شركات التأمين المعترف بها قانونيا، في تأمين على الحياة يستفيد منه ذوي حقوقه بعد مماته. يحدد العقد مبلغ المساهمة الشهرية الواجب اداؤها من قبل الشخص المكتتب، والمستفيدون من التأمين بعد الممات (المادة 71 من مدونة التأمينات). وللمؤمن الحرية في اختيار افرادا بعينهم دون بقية الورثة، وليس للورثة الحق في المطالبة بمبلغ التأمين إلا في حالة الوفـاة دون تعيين مستفيد، فإن رأس المال أو الإيراد المـؤمن عليـه يدخل في الذمة المالية للمتعاقد أو تركته. ويسري نفس الإجراء إذا تم إبرام التأمين مع تعيين مستفيد أو أكثر ولم يبق على قيد الحياة أي مستفيد عند وفاة المؤمن (المادة 78 من مدونة التأمينات). وتشير صراحة المادة 79 من المدونة إلى أنه لا يشمل إرث المؤمن له، المبالغ المشترط دفعها بعد وفاته لمستفيد معين أو لورثته، ويبقى المستفيد، كيفما كان شكل وتاريخ تعيينه، الوحيد الذي يحق له الحصول علـى هذه المبالغ، ابتداء من يوم العقد ولو حصل قبولـه بعـد وفـاة المؤمن له. وخلافا للرصيد الوفاة المؤطر بالنص القانوني، التأمين على الحياة مؤطر بعقد التأمين المحدد سلفا من قبل شركة التأمين والموقع عليه برضى المؤمن له. ويبقى الشخص في حل من امره في ضرورة الارتباط بعقد تأمين من عدمه، إلا في حالة مستخدمي بعض المؤسسات العمومية أو الشركات التجارية التي تفرض على مستخدميها هذا النوع من التأمين.

التأمين على الحياة بناء القانون الوضعي وليس من الشريعة الاسلامية في شيء. إذ لم ترد نصوص اسلامية على هذا النوع من المعاملات. وللأسباب الأتية تم تحريم هذا النوع من التأمين وكل العقود المشابهة له باتفاق علماء الأمة الاسلامية؛ اولا عقد التأمين على الحياة عقد غرر، ذلك أن المؤمن يدفع اقساطا وله أملا في الحصول على مبالغ مضاعفة في حالة حدوث كارثة أو وفاة، وقد يضيع عليه فلا يحصل على شيء، وهذا هو الغرر الذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح مسلم من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر”. ثانيا العقد نوع من الميسر حيث إن المؤمن يدفع اقساطا بهدف الربح اكثر، وهذه هي حقيقة الميسر ولا فرق. ثالثا العقد عقد ربا لكون التأمين على الحياة حقيقته مبادلة مال بمال أكثر منه.

المطلب الثالث: توزيع رصيد الوفاة بين الزوجة والابناء والاصول بشروط

رصيد الوفاة منحة مالية تمنح لذوي الحقوق المتوفي المشار اليهم بالمادة الاولى من مرسوم رقم 500-98-2 صادر في 14 من شوال 1419 (فاتح فبراير 1999) الذي يحدد بموجبه نظام رصيد للوفاة لفائدة ذوي حقوق الموظفين المدنيين والعسكريين والأعوان التابعين للدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة، الصادرة بالجريدة الرسمية عدد 4675 بتاريخ 4 ذي الحجة 1419 – 22 مارس 1999. وجاء في المادة الاولى (يخول ذوو حقوق موظفي وأعوان الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة المتوفين في طور العمل، بغض النظر عن وضعيتهم النظامية وعن سبب وزمان ومكان الوفاة، الحق في الاستفادة من رصيد للوفاة وفق الشروط المنصوص عليها في هذا المرسوم).

ويحدد مبلغ الحصة الأساسية لرصيد الوفاة باثنتي عشرة مرة مبلغ آخر عناصر الأجرة الشهرية الخاضعة للاقتطاعات برسم نظام التقاعد الأساسي الذي كان ينتمي إليه الموظف أو العون في تاريخ وفاته؛ يضاف إلى مبلغ الحصة الأساسية لرصيد الوفاة العائد إلى كل واحد من الأيتام تعويضا تكميليا قدره سبعمائة وخمسون درهما (750 درهما) على ألا يفوق عدد الأيتام المستفيدين من هذه التعويضات التكميلية عدد الأولاد الذين يخولون الحق في التعويضات العائلية وفقا للتشريع الجاري به العمل في تاريخ وفاة الموظف أو العون.

يستفيد من رصيد الوفاة الزوج الباقي على قيد الحياة وأيتام الموظف أو العون مناصفة بين الاولاد الشرعيين والزوج في حدود الأولاد الذين يخولون الحق في التعويضات العائلية أي 6 أولاد، وفي حالة عدم وجود الأيتام فإن مبلغ الحصة الأساسية لرصيد الوفاة يدفع بكامله إلى الزوج الباقي على قيد الحياة؛ أو يقسم بالتساوي بين الارامل إن وجدن. ويستفيد الاولاد الشرعيون، ويدخل في حكم ولد شرعي الولد الثابتة بنوته بالنسبة للموظف(ة) أو المستخدم(ة) المتوفى(ة)، من مبلغ رصيد الوفاة كاملا في حالة غياب الزوج. ويقسم مبلغ الحصة الأساسية لرصيد الوفاة العائد للأيتام بينهم إلى اقساط متساوية تضاف إليها التعويضات التكميلية الممنوحة لكل واحد منهم. ولا يستفيد الوالدين من رصيد الوفاة الا في حالة غياب الزوج والاولاد الشرعيين، عندها يدفع مبلغ الحصة الأساسية لرصيد الوفاة للأب والأم في أقساط متساوية ويؤدى إلى كل واحد منهما على حدة، أو يدفع بكامله إلى احدهما في حالة عدم وجود الآخر على قيد الحياة.

المطلب الرابع: معاش ذوي الحقوق؛ تركة ام حق للأرملة والابناء دون الوالدين؟

عرف القانون، رقم011.71 الصادر بتاريخ 12 ذي القعدة 1391ه (30 دجنبر 1971م) المحدث بموجبه نظام المعاشات المدنية، المعاش على انه عبارة عن مبلغ مالي يصرف للموظف أو المستخدم  عند انتهاء خدمته بصورة نظامية أو إصابته بعجز ويؤول إلى المستحقين عنه وإلى ابويه بعد وفاته، وذلك مقابل المبالغ التي تقتطع من أجرته ومساهمات الدولة أو الجماعة المحلية أو المؤسسة العامة التابع لها. وتنقسم المعاشات الى معاشات التقاعد ومعاشات الزمانة ومعاشات المستحقين عن صاحب المعاش الأصلي ومعاشات الأبوين.

قسم قانون  المعاشات ذوي الحقوق إلى ثلاثة اصناف لهم الحق في المطالبة، عند وفاة صاحب المعاش الأصلي، براتب ذوي الحقوق بشروط وبترتيب. فالأرملة ليس لها الحق في الاستفادة من الراتب إلا إذا كان الزواج قد دام سنتين على الأقل، وتسقط المدة عند وجود الولد أو عدة اولاد من الزواج المذكور. وأورد المشرع شرطا ثانيا يبدو غريبا مفاده أن لا تكون الأرملة قد طلقت طلاقا غير رجعي ولا تزوجت من جديد ولا جردت من حقوقا، والراجح أن في حالة وقوع الطلاق، بائنا كان أو رجعيا، يسقط على المطلقة صفة الارملة، اذ يتنبأ المشرع أن يراجع المتوفي طلقته في حالة الطلاق الرجعي[11]. وتسفيد الأرملة أو الأرامل من راتب يعادل نصف راتب التقاعد الذي حصل عليه الزوج أو كان من الممكن أن يحصل عليه يوم وفاته ويضاف إليه عند الاقتضاء نصف راتب الزمانة الذي كان يستفيد منه الزوج أو كان من الممكن أن يستفيد منه. ويقسم الراتب إلى أقساط متساوية بين الأرامل إن وجدن[12]. ويوزع قسط الأرملة، الى أقساط متساوية بين أولادها، وإذا تزوجت من جديد أو توفيت أو جردت من حقوقها. مناورة من المشرع لتفويت حق إلى غير صاحبه، فالقسط من أصل الحصة المحددة للأرامل فكان بالأحرى تقسيمه بينهن عند انتفاء شرط الاستفادة عن احدهن، أم أنه ذكاء من المشرع لتوفير عائدات لصندوق التقاعد، ذلك أن الأيتام يسقط عنهم الحق في الاستفادة من راتب الأيتام عند بلوغهم السن 21، مدة أقصر من أن يحول المعاش إلى ارملة قد يطول بها الدهر إلى ارذل العمر.

يستفيد أيتام المتوفى بالتساوي من راتب يعادل نصف راتب التقاعد الذي حصل عليه والدهم أو كان من الممكن أن يحصل عليه يوم وفاته، ويضاف إليه عند الاقتضاء نصف راتب الزمانة الذي كان يستفيد منه أو كان من الممكن أن يستفيد منه. وفي حالة عدم وجود ارملة يمكن أن تستفيد من المعاش يحصل الأيتام على معاش ابيهم كاملا. أما أولاد الموظفة أو المستخدمة المتوفية لهم حق حيازة معاش أمهم كاملا في حالة وفاة والدهم، ويخفض المبلغ  إلى النصف إذا كان الوالد على قيد الحياة. وأشار المشرع إلى أن راتب الأيتام لا يخول إلا للولد الشرعي، ويدخل في حكم الولد الشرعي الولد غير الشرعي الثابتة بنوته بالنسبة لمرأة الموظفة، ويسقط الحق عن الأطفال المتكفل بهم. شريطة أن لا يكون الابن أو الابنة متزوجا أو بالغا من العمر أكثر من 16 سنة إلا اذا كان متمدرسا فأن السن يرفع إلى 21 سنة، وشرط السن فيسقط عن الأيتام من ذوى الاعاقات المستديمة. وإذا توفي أحد الأيتام أو سقط لسبب من الأسباب حقه في المعاش، وزع نصيبه بالتساوي على باقي أشقائه الذين تتوفر فيهم الشروط المقررة لحصول على المعاش المستحق للأيتام[13].

يأتي الاصول في الدرجة الثالثة، بعد الأرملة والأبناء، من المستحقين لمعاش الابن المتوفى. ولا يحق للأبوين المطالبة بالمعاش إلا في حالة غياب الفروع والأرامل. والقانون المحدث للمعاشات المدنية في فصله 26 يلزم لإسناد المعاش للأبوين بشروط اضافية أولها أن يكون المتوفي المعيل لأبويه إبان حياته، وأهمها أن يكون سبب الوفاة حادث خلال العمل (حادث شغل)، ويحرمان من المعاش إذا كانت الوفاة طبيعية أو خارج وقت العمل[14]. حدد القانون أنصبة لكل من الوالدين، في حالة توفرهما على الشروط المنصوص عليها، في نصف المعاش لكل منهما. ويجب عند تقديم الطلب احترام الآجال المحدد في القانون رقم 06.89 تفاديا لسقوط حقهما بداعي التقادم المحدد في عشر سنوات تحتسب من تاريخ الوفاة. واستثناء إذا مات للأبوين أو أحدهما عدة أولاد في الظروف المشار إليها أعلاه يمنح كل منهما عن كل ولد كان يعولهما علاوة حددت في 20% من مبلغ معاش الأبوين المستحق. وتفقد الأم حقها في المعاش إذا تزوجت بعد ترمل أو طلاق.

وإذا كان معاش الموظف المتوفي ينتقل مباشرة الى الأرملة مباشرة مادامت في عصمته قبل الممات، فإن الأمر لا ينطبق على الأيم. القانون المنظم للمعاشات المدنية أجل انتقال راتب المعاش إلى الأيم إلى حين بلوغه ستين من العمر، أو ثبتت إصابته بعاهة او مرض عضال اديا به إلى عجز نهائي عن العمل، وحدد مبلغ المعاش في نصف ما كان يصرف لها أو كان لها الحق في الحصول عليه يوم وفاتها. ولا يحق له الاستفادة منه إن عاود الزواج أو سقط حقه فيه. ولا يمكن للزوج الذي فقد أكثر من زوج موظفة مدنية كانت عسكرية أن يطالب إلا بمعاش الأرملة الأوفر مبلغا[15]. وإذا توفي الزوج أو تزوج أو سقط حقه في المعاش المستحق له عن زوجته المتوفاة فإن المعاش الآيل له منها الذي كان يتمتع به أو كان له الحق في الحصول عليه قبل وفاته أو زواجه أو سقوط حقه يقسم بالتساوي بين أولاده الذين لهم شرط الحصول على معاش الأيتام.

خلاصات

أولا : ارث ادارة الانتداب الفرنسي

تؤطر النصوص القانونية الصادرة عن المؤسسة التشريعية هذا النوع من التركات؛ فرصيد الوفاة المخول لذوي الحقوق يحدده مرسوم رقم 500-98-2 صادر في 14 من شوال 1419 (فاتح فبراير 1999) الذي يحدد بموجبه نظام رصيد للوفاة لفائدة ذوي حقوق الموظفين المدنيين والعسكريين والأعوان التابعين للدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة، الصادرة بالجريدة الرسمية عدد 4675 بتاريخ 4 ذي الحجة 1419 – 22 مارس 1999م. والمعاش ينظمه القانون رقم011.71 الصادر بتاريخ 12 ذي القعدة 1391ه (30 دجنبر 1971م) المحدث بموجبه نظام المعاشات المدنية… وبالرجوع الى تواريخ اصدار هذه القوانين يتبين انها اتت في ظل دخول الدستور المغربي حيز التنفيذ، والذي لم يخرج مند اول طبعة له سنة 1962م والى دستور 2011م عن العبارة الأساسية بديباجته أن الدين الاسلامي هو دين الدول المغربية، مما يوحي أن القوانين التنظيمية لن تزيغ عن التوجه الدستوري. وإن سلمنا جدلا ان مسألة الإرث قد علجت بمدونة الأحوال الشخصية وبمدونة الاسرة، النصان القانونيان الصدران عن نفس المؤسسة التشريعية، إلا انهما لم يستوعبا كل التركة، خاصة تركة الموظف، والتي استكملت توزيعها النصوص القانونية، المتعلقة بتدبير الحياة الإدارية. نصوص متعلقة بشريحة مجتمعية معينة دون غيرها، شريحة من المفروض أن تلتزم بقوانين وليدة الانتداب الفرنسي لارتباطها بإدارة موروثة عن الحقبة ذاتها.

لم تعطي هذه القوانين الحق للورثة من الاستفادة من تركة الميت مباشرة إلا نسبيا او تراتبيا. ونسبية الحصول على نصيب من تركة المتوفي تخرجها من حسابات التركة الشرعية. والتراتبية تسقط حق بعض الورثة من الناحية الشرعية. نسبية وتراتبية التركات القانونية مستوحاة من القانون الفرنسي الذي رتب الورثة درجات تلغي السابقة اللاحقة.

ثانيا: مسميات لمعنى واحد

مسميات قانونية لمفهوم واحد: راتب التقاعد، علاوة، معاش، تأمين عن الحياة…: وظف المشرع المغربي تسميات جديدة للحديث عن معنى واحد، فكل ما يخلف الميت وراءه يسمى تركة بحسب النصوص القانونية. وانتقالها الى يد الغير يضفي عليها صبغة ارث. وهذا ما صرحت به تعريف القواميس الغربية منها والعربية على حد سواء. فنجد نص قانون المعاشات المدنية يسمي نصيب الأرملة براتب الأرملة، ونصيب الأبناء براتب الأيتام، ونصيب الأبوين  بمعاش الأبوين، وفي مواطن اخرى يسميها علاوة (الفصل 2.35 قانون المعاشات المدنية). الراتب في النص القانوني مبلغ يصرف لموظف أو مستخدم جراء قيامه بوظيفة بأسلاك الادارة، فكيف يتم صرف راتب لمن لم يقم بهمة اصلا إلا بحجة قرابته من المتوفي؟ والعلاوة بمثابة منحة مالية تقدم لأجير مقابل تفانيه في العمل أو لمكافئته على البذل والعطاء المتميز. لكن نجد أن هذه المسميات وظفت قانونيا عوضا عن مصطلح تركة الميت، والتي اكتسبها من اقتطاعات من أجرته لتغطية احتياجاته في وقت توقفه عن النشاط. وما تم جمعه من اقتطاع يصبح بحكم القانون رصيدا لصاحبه، وعند وفاته تركة لأهله تقسم بحسب التشريعات المعمول بها. ومنحها كراتب يقتضي من المشرع تعديل نصوص برمتها لتعليل طرحه. إن طرح المشرع باعتماده تسميات جديدة الغاية منها تظليل المتلقي طرح جانب الصواب، واقحم النصوص القانونية في تناقض. تناقض ولد ازدواجية مرجعية النصوص القانونية المغربية.

ثالثا: ازدواجية أيديولوجية المشرع المترنحة بين تضخم الوضعي واستبطان السماوي

مضمون النص القانوني مضمون وضعي ينهل من القوانين الوضعية، لا سيما التماهي مع النص الفرنسي، والنهل من الشريعة الاسلامية. فتراه يستعمل عقد الإراثة كوثيقة لإتباث النسب، ولا يحترم الأنصبة الواردة في نظام الإرث الشرعي. ويقر بالتعدد ففي الفصل 26 من قانون المعاشات المدنية الذي اعتبر أن الأيم له الحق فقط في معاش الزوجة المتوفية الأوفر مبلغا، ولم يعطيه الحق في الحصول على معاش الزيجات الاخريات، حكم يخالف النص الديني المخول للزوج نصيبا من تركة زوجه الهالكة سواء في حالة التوفر على الإبن من عدمه. ورؤية النص من زاوية حداثية يمكن القول إن النص المنظم للمعاشات المدنية متقدم في طرحه على اعتبار رفعه الحظر عن صفة الولد الشرعي كما في قانون الجنسية المغربي لسنة 2007م، فاعتبر الولد غير شرعي شرعيا اذا تبثث بنوته بالنسبة للموظفة المتوفية، والذي تتوفر فيه شروط السن أو العاهات المنصوص عليها، الأمر الذي ينافي ما جاء في نصوص الشريعة الإسلامية من الحديث النبوي الشريف المتواتر في مجامع الحديث ( وللعاهر الحجر)[16]. واذا اعتبرنا أن النص يساير ما ذهبت اليه النصوص القانونية المغربية المطالبة بضرورة الموائمة مع المواثيق الدولية فأن النص لم يسمح للطفل المتكفل به في الحصول على معاش ابويه بالتبني في حالة وفاتهما مع أنه سمح لهما في الاستفادة من تعويضات عائلية عند التكفل بالأطفال.

رابعا: دستورية التشريع الديني ومدنية الدولة

إن مفارقات النص القانوني المغربي مردها تحولات جذرية في تعاطي المشرع مع الوضعيات الراهنة بالانحراف اليسير عن الهوية الدينية للدولة، فمن تشريع مصدره الدين إلى تشريع وضعي. تحول سلس استفاد في بداية الاستقلال من بقايا الإدارة الفرنسية وآنيا من انخراط الدولة المغربية الفعلي في أنشطة الهيئات الدولية لتبرير مستخرجاته التشريعية. والغاية تفادى الدخول في صراع داخلي قد يعيق صيرورة مواءمة التشريع الوطني بالمواثيق الدولية المصادق عليها لدى الهيئات الدولية. إن الدستور المغربي صريح في الهوية الدينية للدولة ومن البديهي أن يكون التشريع من اختصاص الفقهاء والمجتهدين، لا أن يعهد الى مؤسسة تشريعية. والخروج بمدونة الاسرة في قالب تشريعي، نابع من قبة البرلمان المغربي، رغم أن اللجنة المكلفة مكونة من شخصيات مختلفة المشارب والاطياف المعرفية، فالأمر لا يعدو يكون بداية انتقال اختصاصات. قطيعة مع الماضي يتمثل في الاستعاضة عن ذوي الاختصاص في تأويل وتفسير التشريع السماوي وتنزيله أحكاما تسري على الرعية لتحل مكانه مؤسسة تشريعية دلالة واضحة على بداية تنزيل الدولة المدنية مكان الدولة الدينية. وما مثال تقاطع النصوص التشريعية في توزيع التركة بين النص الشرعي، مدونة الأسرة للمسلمين والأحوال الشخصية لليهود…والنصوص القانونية لفئات بعينها تنتمي الى الطوائف المجتمعية كلها، ليجعل المتلقي للتشريع في مفترق السبل بين اتباع تعاليم الدين والخضوع لمقتضيات النص القانوني. والسؤال الذي يبقى عالقا هل بإمكان أي شخص تحت سيادة الدولة معارضة التعامل بما جاءت به النصوص القانونية إن تبث مخالفتها لمعتقداته الدينية، أم كيف سيبرئ ذمته أمام ربه إن علم أن جزء من تركته لم ولن يخضع لما أراده ربه منه وهو على قيد الحياة ؟

 

 

 

 

 

 

المراجع

سفر التثنية الاصحاح الواحد والعشرون من العهد القديم http://st-takla.org/Bibles/BibleSearch/showChapter.php?book=5&chapter=21 

 

 

[1]  محمد عبد الرحيم الكشكي، الميراث المقارن، دار النذير للطباعة والنشر، الطبعة الثالثة 1969م، المؤلف متوفر بمكتبة الإسكندرية الرقمية على الرابط الآتي: http://dar.bibalex.org/webpages/mainpage.jsf?PID=DAF-Job:92947

[2]  اورده الشيخ أبي نصر محمد بن عبد الله الإمام في كتابه ” إعلام النبلاء بأحكام ميراث النساء”، دار النشر المتخصص للطباعة والنشر، طبعة 2003م.

[3]  المادة 721 من القانون المدني الفرنسي

[4]  المادة 1-730 من القانون المدني الفرنسي.

[5]  المادة 734 من القانون المدني الفرنسي.

[6]   يمكن الاطلاع على مضامين الميراث بالقانون الفرنسي على البوابة الرسمية للإدارة الفرنسية  https://www.service-public.fr/particuliers/vosdroits/

[7]http://sttakla.org/Bibles/BibleSearch/showChapter.php?book=52&chapter=12&q=%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D8%AB+

 [8]  يمكن الاطلاع على العهد القديم مع شرح لتعاليم الشريعة اليهودية :   t-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament/Father-Tadros-Yacoub-Malaty/04-Sefr-El-Adad/Tafseer-Sefr-El-3adad__01-Chapter-27.html

[9]  الآيات 7،8،11،12 و176 من سورة النساء، القرآن الكريم.

[10]  القضاء العبري بالمغرب، الموقع الرسمي لوزارة العدل والحريات المغربية.

[11]  الفصل 32 من القانون،رقم011.71 الصادر بتاريخ 12 ذي القعدة 1391ه (30 دجنبر 1971م) المحدث بموجبه نظام المعاشات المدنية.

[12]  الفصل 33 من نفس القانون

[13]  المادة 10 من القانون رقم 06.89 المتعلق بتغيير وتتميم القانون رقم 011.71  بتاريخ 12 من ذي القعدة 1391(30 ديسمبر 1971) المحدث   بموجبه نظام المعاشات المدنية.

[14]  الفصل 26 من القانون المنظم للمعاشات المدنية.

[15]  الفصل 37 من قانون المعاشات المدنية.

[16]  صحيح  البخاري، كتاب الفرائض الحديث رقم 6368 . صحيح مسلم، كتاب الرضاعة الحديث رقم 1457 . وهناك من المساند من اوردها في في كتاب النكاح أو كتاب الطلاق…

Exit mobile version