اتخاذ المسطرة الاستعجالية كوسيلة لحماية الحقوق في المنازعة الجبائيةعلى المستوى الترابي.

اتخاذ المسطرة الاستعجالية كوسيلة لحماية الحقوق في المنازعة الجبائيةعلى المستوى الترابي.

يوسف الشيهب

طالب باحث

 بسلك الدكتوراه، جامعة محمد الخامس بالرباط، كلية الحقوق سلا.

 

من الصعب أن تطمئن جميع النفوس إلى الحكم القضائي الصادر في نزاع ما، باعتبار أن الخصم دائم الشعور بكونه لم تقع الإستجابة لكافة طلباته في الدعوى مما يزرع فيه رغبة الطعن في ذلك الحكم. لذلك فتحت أبواب التظلّم من الأحكام بواسطة طرق الطعن وذلك مراعاة لمجمل تلك الإعتبارات الواقعية والقانونية، وطرق الطعن هي المقرّرة قانونا للتظلّم من الأحكام، ويحددها القانون على سبيل الحصر[1]. والطعن هو الحق الإجرائي الناشئ عن صدور حكم في قضية ما، ويهدف لطلب إلغائه أو تعديله بحسب إرادة الخصم أو الغير باعتباره وسيلة اختيارية. ومن أهم الضمانات التي يمكن تقديمها لأطراف المنازعة الجبائية هو الحماية من إنتاج واقع لايمكن إصلاحه فصدور حكم بالحق عند انتفاء وسيلة تحقيقه لا يعد حق، وبالتالي كرس المشرع لمسطرة إستعجالية تهدف إلى حماية شروط تحقيق الحق في المنازعة الجبائية، والسرعة هنا تهدف إما إلى حماية الإدارة الجبائية في إستيفاء ديونها عبر منع الخاضع من التصرف في الأموال والأملاك التي تضمن ذلك، وإما إلى حماية الخاضع من ضرر قد يحل به يكون غير قابل للإصلاح عبر وقف تحصيل الدَّيْن الجبائي، كأن يواجه وضع قد يدفعه إلى إشهار إفلاس نشاطه أو أن يواجه الإكراه البدني، وبذلك تعتبر المسطرة الإستعجالية من الوسائل التي كرسها المشرع من أجل حماية حقوق أطراف المنازعة الجبائية، على إعتبار أن الوقت قد يؤدي إلى اضمحلال الفرصة من أجل تحصيل الدَّيْن بالنسبة للإدارة الجبائية كما أن الوقت من الممكن أن يضعف المركز المالي للخاضع بطريقة قد تؤدي إلى إعساره، وبالتالي فالقضاء الإستعجالي في المنازعة الجبائية يساهم بشكل فاعل في حماية روح الحق في المنازعة الجبائية كما يلعب دور مهم في حماية مردودية الإدارة الجبائية، ومن أجل تلمس أدوار ومساهمات هذا القضاء وجب تحديد الإختصاص وشروط رفع الدعوى الإستعجالية في المنازعة الجبائية،(الفقرة الأولى). وكذا مساهمة وقف تحصيل الدَّيْن الجبائي في حماية الحقوق،(الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الاختصاص وشروط رفع الدعوى الاستعجالية في المنازعة الجبائية.

يعرف القضاء الإستعجالي بأنه الفصل في المنازعة التي يخشى فيها أحد الخصوم أن الوقت ليس لصالحه، وبالتالي فهو يسعى إلى فصل مؤقت لا يمس أصل الحق لكن يؤمنه، عبر إتخاذ إجراء وقتي ملزم للطرفين بقصد المحافظة على الأوضاع القائمة أو احترام الحقوق الظاهرة وصيانة مصالح الطرفين المتنازعين[2]. لكن ومن أجل ضمان حماية الحق في الخصومة الجبائية حدد المشرع مجموعة من الشروط الواجب توفرها في موضوع المنازعة الجبائية كي تقبل الدعوى الإستعجالية، كما حدد القانون جهات تختص في النظر في موضوع الدعوى الإستعجالية.

أولا: جهة الإختصاص في المنازعة الجبائيةالإستعجالية.

لقد نظم المشرع القضاء الإستعجالي في المنازعة الجبائية[3] وأوكلها إلى المحاكم الإدارية[4]، بدرجتيها فبالنسبة للمحاكم الإبتدائية الإدارية فقد نص القانون على أنه يختص رئيس المحكمة الإدارية في الدعوى الإستعجالية في المنازعات الجبائية، بصفته قاضيا للمستعجلات والأوامر القضائية بالنظر في الطلبات الوقتية والتحفظية[5]. وهو نفس الشيء الذي ذهب إليه المشرع الفرنسي وذلك بإعتبار هذا النوع من القضايا له وضع خاص بكونه يهدف إلى حماية الحقوق في وقت أني والتي لا تقبل التأخير، والإجراءات التي يباشرها رئيس المحكمة الإدارية بصفته القضائية وترأسه لسلسلة الإجراءات الإدارية في المحكمة تمكنه من القدرة على تقديم ضمانات إضافية للمتخاصمين في الدعوى الإستعجالية في المنازعة الجبائية[6]، ومعرفة من المشرع بعدم قدرة رئيس المحكمة الإدارية في تغطية جميع القضايا فقد مكنه من صلاحية اختيار من يراه أقدر على مباشرة الإختصاصالإستعجالي نيابة عنه، وهنا تطور نوعي مقارنة بالفصل 149 من قانون المسطرة المدنية، والتي تكفل المشرع من خلالها بإختيار من ينوب عن الرئيس في أقدم القضاة، على إعتبار أن صاحب الإختصاص الأصلي”رئيس المحكمة” هو الأقدر على إختيار من ينوب عنه وفق شروط موضوعية، مما يسمح بحماية الحق في الدعوى الإستعجالية. أما سلطة الإختصاص في الدعوى الإستعجالية بالنسبة للمنازعات الجبائية المعروضة أمام محاكم الإستئناف الإداري فيحوزها رئيس هذه الأخيرة[7].

وبالتالي نجد أن المشرع عمل على حل إشكالية تحديد الإختصاص ومحاولة حل كل تنازع فيها قد يضر بالحق في المنازعة الجبائية، وذلك بتحديد الجهة القضائية على وجه الدقة والوضوح والتي يمكن اللجوء إليها كقضاء استعجالي حينما يكون النزاع معروضا أمام تلك المحكمة. ومن أجل المزيد من الضمانات المقدمة في الدعوى الإستعجاليةبإعتبارها قادرة على حماية الحقوق بشكل أني ولا تمتد إلى فض المنازعة، فقد حمى المشرع الأوامر الإستعجالية الصادرة عن المحاكم الإدارية في المنازعات الجبائية من التعرض، فقد قضى في الفقرة الثالثة من الفصل 153 من قانون المسطرة المدنية بأنه لا يطعن في الأوامر المستعجلة بالتعرض، وفي ما يخص الطعن بالنقض في الدعوى الإستعجالية، فإذا تعلق الأمر بقرارات صادرة عن المحكمة الإدارية فإن الطعن عليها بالنقض غير جائز لأن النقض لا يقبل إلا ضد الأحكام الإنتهائية التي لا يجوز التعرض عليها أو استئنافها[8]، أما بخصوص القرارات الإستعجالية الصادرة عن محاكم الإستئناف الإداري والتي تكون نهائية فإنها تقبل النقض[9]. أما التماس إعادة النظر، فتباينت الآراء بشأن قابلية الأوامر الإستعجالية للطعن بواسطة إعادة النظر، ولو أن الرأي الغالب يذهب إلى جواز ذلك استنادا إلى الفقرة الأولى من الفصل 402 من قانون المسطرة المدنية[10].

مما سبق يتضح لنا أن المشرع المغربي سعى إلى تحديد الإختصاص في القضاء الإستعجالي، وذلك من أجل حماية الحقوق لطرفي الخصومة الجبائية مما يعتبر ضمانة إضافية، لكن هذا المسعى لايمكن أن يكتمل من دون تحديد شروط واضحة في المنازعة الجبائية من أجل أن تقبل في القضاء الإستعجالي.

ثانيا: شروط قيام الإختصاصالإستعجالي.

من أجل قيام الإختصاصالإستعجالي، وجب توفر مجموعة من الشروط الموضوعية التي يمكن أن تحمي الحق في مسطرة الإستعجال فإذا كان القضاء الاستعجالي يبت في ظاهر الحال، والهدف منه السرعة مع المحافظة على مراكز الأطراف القانونية، لأنه ذو طبيعة موضوعية وعلى القاضي الاستعجالي أن يقدر هل هناك حال الاستعجال أولا، مع تعليل حكمه الذي يكون له قوة الشيء المقضي به مادام يبت فقط في إجراء وقتي. فإن ذلك يحتاج إلى توافر مجموعة من الشروط الموضوعية، التي تحيل على مجموع الشروط الواجب توفرها في موضوع الطلب الاستعجالي، والتي ترتبط أساسا بشرطين لازمان في كل طلب استعجالي، وهما شرطا الاستعجال وعدم المساس بأصل الحق[11].

1.توفر عنصر الاستعجال.

رغم اعتبار الاستعجال كشرط رئيسي وجوهري للاختصاص النوعي للتقاضي الاستعجالي فان المشرع المغربي لم يعرف لفظ الاستعجال، فيما ذهب الفقه والقضاء مذاهب عدة في تعريف الاستعجال فقضت محكمة النقض الفرنسية وهو ما ذهب اليه الكثير من الشرح في فرنسا وبلجيكا والجزائر بان الاستعجال لا يتوفر إلا في الأحوال التي يترتب على التأخير فيها ضرر لا يحتمل الإصلاح[12]، وبالتالي الاستعجال يتحقق كلما توافر أمر يتضمن خطرا[13] داهما أو يتضمن ضررا قد لا يمكن تلافيه إذا لجأ الخصوم إلى القضاء العادي.

لكن هناك بعض التشريعات التي أعطت تعريف العنصر الاستعجال كالتشريع المصري، حيث جاء في المادة 45 من قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري لسنة 1968 أنه ينتدب في مقر المحكمة الابتدائية قاض من قضاتها ليحكم بصفة مؤقتة وعدم المساس بالحق في المسائل المستعجلة التي يخشى عليها من فوات الوقت. وبالتالي يعتبر شرط الاستعجال العنصر الأساسي والمهم الذي يبرر قيام اختصاص القضاء الاستعجالي في ميدان التقاضي، وهو حالة تنبع من طبيعة الحق المتنازع عليه ومن ماهية الإجراء الوقتي المطلوب المحافظة عليهما، فهو ليس وصفا وإنما حالة يستظهرها قاضي المستعجلات تختلف باختلاف كل دعوى وهذا هو السبب الذي جعل القضاء المغربي يحدد حالة الاستعجال بحسب كل حالة معروضة عليه[14].

كما أن ذلك راجع إلى طبيعة عنصر الاستعجال بإعتباره مرن يتغير بتغير الزمان والمكان والظروف، فما ليس استعجالا في زمن ما قد يكون كذلك في زمن آخر، وما لا يعتبر استعجالا في بيئتنا قد يعتبر كذلك في بيئة أخرى، كما أن الاستعجال قد يتوفر في حالة محيطة بظروف خاصة دون أن يتوفر في الحالة ذاتها المحيطة بظروف مغايرة الأمر الذي يترتب عنه إن توفر عنصر الاستعجال في مكان ما يمكن أن يسند الاختصاص القاضي الأمور المستعجلة لهذا المكان للنظر في التدبير المؤقت خروجا عن قواعد الاختصاص المكاني[15].

وبالتالي فقيام شرط الإستعجال يعتبر مرن للغاية وخصوصا في المنازعة الجبائية التي تتميز بتداخل وتعارض المراكز المالية، مما يؤثر على المركز القانوني لكل طرف وبالتالي تسعى الإدارة الجبائية في حماية مردوديتها عبر حمايتها من الوقائع الأنية والتي قد تتسبب في منعها من إستيفاء ديونها، كما يحاول الخاضع سلك هذه المسطرة عندما يرى أن مركزه المالي في خطر خاصة عندما تقوم الإدارة بتحصيل ديون غير مثبتة وقد تؤثر على مركزه المالي تأثير غير قابل للإصلاح.

2.عدم المس بجوهر الحق في المنازعة الجبائية.

يجب على الإجراء الإستعجالي عدم المس بجوهر الحق بإعتباره إجراء وقتي، فالاستعجال شرط ابتداء الاختصاص ووقتية التدبير هو شرط انتهاء واكتمال له، أي إذا توفر الاستعجال يتعين على القاضي أن يقدر مبدئياً هل الفصل في الطلب سيقوده إلى اتخاذ تدبير نهائي أم وقتي.

لكن نجد أن المشرع المغربي لم يضع تعريفا لشرط عدم المساس بالجوهر، واكتفى فقط بالإشارة إلى اعتباره شرطا من شروط قيام اختصاص قاضي الأمور المستعجلة، وهذا ما يستشف من الفصل 152 من قانون المسطرة المدنية إذ نص على أنه: “لا تبت الأوامر الاستعجالية إلا في الإجراءات الوقتية ولا تمتد إلى ما يمكن أن يقتضي به في الجوهر”[16].

والجوهر هنا هو أصل الحق في المنازعة الجبائية والمقصود بأصل الحق هو كل ما يتعلق بالحق وجوداً وعدماً فيدخل في ذلك ما يمس صحته أو يؤثر في كيانه أو يغير فيه أو في الآثار القانونية التي رتبها له القانون أو التي قصدها المتعاقدان، وبذلك فإذا رفعت دعوى بطلبات موضوعية فإنها تكون خارجة عن اختصاص القضاء المستعجل، ويمكن حصر الحالات التالية[17]:

  • يمنع من البت في أصل الحقوق والالتزامات والاتفاقات، سواء في منطوق الأمر أو في الأسباب أو الحيثيات المكلمة للمنطوق.
  • يمنع عليه إلغاء أو تعديل حكم موضوعي أو تغيير أو تبديل في المركز القانوني للخصوم، ولكنه لا يمنعه من حسم خلاف قانوني في الفقه والقضاء، أو تقدير لدفوع موضوعية ويقوم بفحص المستندات بالقدر الذي يقتضيه الحق من مدى اختصاصه، وبالتالي فإن بحث القاضي المستعجل في أصل الحق، إنما يكون بحثا عرضيا عاجلا لمعرفة أي من الطرفين أحق للحماية المؤقتة.

ومنه يتبين لنا أن الدعوى الإستعجالية تسعى الى الحصول على الحماية القانونية العاجلة التي لا تتحقق من إتباع الإجراءات العادية للتقاضي نتيجة لتوافر ظروف تمثل خطرا على حقوق المتنازع أو تتضمن ضررا قد يتعذر تداركه وإصلاحه. وبالتالي يعتبر هذا الإجراء من الضمانات الإضافية التي نص عليها المشرع لأطراف الخصومة الجبائية.

الفقرة الثانية: مساهمة وقف تحصيل الدَّيْن الجبائي في حماية الحقوق.

يعتبر تحصيل الجبايات الترابية في الوقت الراهن أحد أهم الرهانات المالية للجماعات الترابية لما لهذا التحصيل من انعكاسات على السياسة الاقتصادية والاجتماعية، ولهذا مكنت الجماعات من القدرة على التحصيل الجبري للجبايات، فالقاعدة العامة في الدَّيْن العمومي هي أداؤها الفوري من قبل الخاضع بمجرد استحقاقه، وذلك راجع لكون أي تخلف عن الأداء من قبل الخاضع وفي الوقت المحدد سيعرض حقوق الجماعات الترابية للخطر، وسيعطل تنفيذ السياسات العمومية في مختلف المجالات، إلا أنه واستثناء من هذه القاعدة خول المشرع الجبائي للخاضعين في حالات معينة وبتوفر شروط محددة، إمكانية إيقاف الأداء وتنفيذ الدَّيْن الجبائي، رغم ما يطرحه هذا الموضوع من إشكاليات قانونية أمام القضاء الإداري، باعتبار هذا الأخير الضامن للحقوق والحريات الفردية في مواجهة الإدارة بما تملکه من سلطات و امتیازات[18].

وبالتالي تعتبر الطلبات الرامية إلى إيقاف الدَّيْن العمومي طلبات وإجراءات وقتية يكتنفها الطابع الاستعجالي ولا تحتمل أي تأخير، اعتبارا لكون انتظار سلوك الإجراءات العادية للتقاضي من شأنه إلحاق أضرار بالغة بالخاضع يصعب أو يستحيل تداركها في المستقبل، حيث يكون الخاضع أمام واقع التنفيذ الإجباري على ممتلكاته العينية والمادية وأحيانا مهددا في حريته في حالة الإكراه البدني، لذلك يسند للقضاء الاستعجالي النظر في هذا النوع من الطلبات، نظرا للطابع الذي يتسم به القضاء الاستعجالي من سرعة البت ويسر في إجراءات التقاضي[19].

وبالتالي يعتبر هذا الإجراء من الضمانات الممنوحة للخاضع في وجه الإدارة الجبائية، لكن هذا الإجراء وباعتباره يدخل في نطاق إختصاص القضاء الإستعجالي، فقد نظم بمجموعة من الشروط وذلك لقطع الطريق أمام كل دعوى تهدف بالأساس إلى المراوغة وتأخير أو التهرب في دفع المستحقات الواجبة لإدارة الجبائية، وبالتالي وفضلا عن الشروط العامة الواجب توفرها في الدعوى الإستعجالية، فقد نص المشرع على شرط إضافي متمثل في الجدية.

ويعتبر شرط الجدية أو شرط الأسباب الجدية شرطا موضوعيا من بين شروط وقف تنفيذ القرارات الإدارية، فبالرغم من عدم التنصيص في المادة 24 من القانون المنشئ للمحاكم الإدارية في المغرب[20] على شرط الجدية كشرط لوقف تنفيذ القرارات الإدارية، إلا أن الاجتهاد القضائي المغربي ساير نظيره في فرنسا ومصر، و استقر على ضرورة توافر شرطين موضوعين  أساسين في طلب وقف تنفيذ القرار الإداري وهما  شرط جدية  أسباب الطعن  لإلغاء القرار الإداري المطعون فيه أمام قاضي الموضوع[21]، وشرط الاستعجال لتفادي أن يلحق تنفيذ القرار الإداري بالمدعي أضرارا يتعذر إصلاحها مستقبلا. والمقصود بالأسباب الجدية كأحد شروط وقف تنفيذ القرارات الإدارية، هي تلك الأسباب التي يقدمها طالب الإيقاف، والتي من شأنها أن تـؤدي إلى إبطال القرار الإداري محل طلب وقف التنفيذ من طرف قاضي الموضوع، هذه الأسباب التي وصفها القضاء الإداري المصري برجحان إلغاء القرار الإداري، أو الحالة التي يتأكد فيها بأن إلغاء القرار أمرا لا مفر منه[22]. غير أن ما يتميز به شرط الجدية عن شرط الاستعجال، هو أن شرط الجدية يأخذ وضعه في دائرة المشروعية[23].

وبالتالي نجد أن قاضي المستعجلات يستمد الجدية من دعوى الموضوع المقدمة من قبل الخاضع التي يطعن من خلالها إما في مشروعية فرض الجباية أو تحصيلها، وبالتالي فإن دعوى الموضوع تعتبر شرطا أضافه القضاء الإداري ليستمد منها الجدية، هذا بخلاف ما ورد في الفصل 140 من قانون المسطرة المدنية الذي يعطي الاختصاص لقاضي المستعجلات للبت في الأوامر الوقتية سواء كان النزاع في الجوهر قد أحيل على المحكمة من عدمه[24].

والسبب في إعمال آلية وقف تحصيل الدَّيْن الجبائي، يعتبر ضمانة للخاضع في وجه الإدارة الجبائية التي تتوفر على اليد العليا في المجال الجبائي، وبالتالي يقوم الخاضع باللجوء إلى القضاء الاستعجالي قصد الحصول على أمر قضائي يتيح له وقف إجراءات التحصيل الجبري في حقه إلى حين البت النهائي في منازعته في الجوهر، أي أن هذه المطالبة تكتسي طابعا مؤقتا بالنظر إلى الانعكاسات السلبية التي قد تترتب على مباشرة إجراءات التحصيل الجبري في حق الخاضع خاصة إذا كان هذا الأخير ينازع بشكل جدي في بطلان مسطرة الفرض أو التحصيل الجبائي، أي في الحالة التي تظهر جدية دفوعه، بخصوص مدى خضوعه للالتزام الجبائي وبالتالي المنازعة في صفته كخاضع، أو كذلك في الحالة التي ينازع فيها بشكل جدي في سقوط حق الإدارة الجبائية في فرض الجباية عليه أو تحصيلها، لذلك نجد أن دور القضاء الاستعجالي في المنازعات الجبائية يسعى إلى تكوين توافق وتوازن بين المصلحة العامة المتمثلة في تمكين الإدارة الجبائية من مردوديتها المرتبطة بالجبايات والضرورية لإستمرار قدرتها في تقديم الخدمات للمرتفقين، وبين المصلحة الخاصة للخاضع من خلال حماية حقوقه المالية والقانونية من أي تدخل خارج عن المشروعية الجبائية وذلك في حالة التنفيذ المباشر لتحصيل الدَّيْن الجبائي رغم المنازعة الجدية في أساس الجباية ومسطرة فرضها وإجراءات تحصيلها، خاصة إذا كان من شأن التنفيذ المباشر على أموال المدين أو جسده في حالة الإكراه البدني أن يؤدي إلى صعوبة إرجاع الوضع إلى ما كان عليه قبل الشروع في مسطرة التحصيل[25].

ومعه نص كل من المشرع والفقيه القضائي على مجموعة من القواعد والأحكام في سعيا إلى حماية مراكز المدينين بالجبايات كعدم اشتراط التظلم الإداري، وعدم جواز مباشرة إجراءات تحصيل الديون العمومية في مواجهة الأشخاص الذاتيين المساهمين في شركة الأموال المعنوية، والتدخل الفوري لإرجاع الأمور الى نصابها متى تحقق عنصر الاستعجال[26].

مما سبق تظهر لنا المساهمة الفاعلة لآلية وقف تحصيل الدَّيْن الجبائي في حماية حقوق الخاضع، فعنصر الإستعجال يمكن الخاضع في بعض الحالات الحرجة والتي يخشى فيها الخاضع بأن تنفيذ قرار جبائي من الممكن أن ينتج ضرر لا يمكن إصلاحه خاصة بالنسبة للأنشطة الخاضعة والتي قد تواجه الإفلاس وإيقاف أعمالها، كما يمكن أن يواجه الخاضع مسطرة الإكراه البدني، لكن هذه الضمانات المقدمة للخاضع اشترط فيها المشرع القانوني والفقيه القضائي مجموعة من الشروط، من أجل تفادي كل محاولة تهدف إلى الإضرار بالمركز المالي للإدارة الجبائية من خلال محاولة التملص وإلغاء واقع قدرتها في إستيفاء ديونها، وبالتالي تعتبر هذه المسطرة القضائية من الضمانات الممنوحة لطرفي الخصومة الجبائية عبر حماية حقوق الخاضع ومردودية الإدارة الجبائية في آن واحد.

[1] أحمد الخليل، أصول المحاكمات المدنية، دار العلوم العربية، بيروت، الطبعة الأولى 1992. ص 349.

[2] عبد الباسط جميعي، نظرية الاختصاص في القانون المرافعات وتعديلاته، دار الفكر العربي، القاهرة 2001 الصفحة 123، أورده د.المحجوبالدربالي: المنازعات الجبائية المحلية، في ضوء المستجدات القانونية وأخر الإجتهادات القضائية، نشر وتوزيع   EMALI، الرباط الطبعة الأولى 2015، الصفحة 109.

[3] من خلال الفصول 148 إلى 154 من قانون المسطرة المدنية، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية عدد 7أبريل 2008، وكذا المادة 19 من قانون المحاكم الإدارية والمادة 6 من قانون 80.03 المحدث بموجبه للمحاكم الاستئناف الإدارية.

[4] وهذا ما أكدته المحكمة الإدارية بالدار البيضاء في أمر لرئيسها إذ جاء في حيثياته ” وحيث أنه قبل الشروع في تنفيذ الظهير الشريف المحدث للمحاكم الإدارية كان القاضي الإستعجالي هو المختص بالنظر في طلبات إقاف تنفيذ الأمر باستخلاص الضرائب المرفوعة ضد إدارة الضرائب أو الخزينة العامة للمملكة، وحيث إنه بحكم تطبيق المادة 19من القانون المحدث بموجبه لمحاكم إدارية أصبح القاضي الاستعجالي الإداري في وضعية الوريث الشرعي للإختصاصات التي كان يمارسها القاضي الإستعجالي العادي في مجال الضرائب وتحصيل الديون”. حكم أورده د.المحجوبالدربالي المنازعات الجبائية المحلية، في ضوء المستجدات القانونية وأخر الإجتهادات القضائية، مرجع سابق، الصفحة 110.

[5] المادة 19 من القانون رقم 41.90 المحدث بموجبه محاكم إدارية، القاضي بتنفيذه الظهيـر شريف رقم 1.91.225 صادر في 22 من ربيع الأول 1414 (10 سبتمبر 1993).

[6]Noureddine Bensouda‏, Analyse de la décision fiscale au Maroc, Edition Eddif‏ 2009 P 76

[7] يمارس الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الإدارية أو نائبه مهام قاضي المستعجلات إذا كان النزاع معروضا عليها. المادة السادسة من القانون المحث لمحاكم الاستئناف الإدارية، مرجع سابق.

[8] الفصل 153 من قانون المسطرة المدنية، مرجع سابق.

[9] عبد الكريم الطالب، شرح قانون المسطرة المدنية، أورده د.المحجوبالدربالي المنازعات الجبائية المحلية، في ضوء المستجدات القانونية وأخر الإجتهادات القضائية، مرجع سابق، الصفحة 112.

[10] يمكن أن تكون الأحكام التي تقبل الطعن بالتعرض والإستئناف موضوع إعادة النظر ممن كان طرفا في الدعوى أو ممن استدعى بصفة قانونية للمشاركة فيها. الفقرة الأولى للفصل 402 من قانون المسطرة المدنية، مرجع سابق.

[11]د. كريم لحرش: “المنازعات الضريبية في القانون المغربي” سلسلة اللامركزية والإدارة الترابية، طوب بريس، الطبعة الأولى 2013.الصفحة 133.

[12] وهذه العبارة وردت في خطاب ألقاه المستشار ريال في 11-04-1806 بالمجلس التشريعي في الأعمال التحضيرية لباب القضاء المستعجل إذ قال : ” يتردد رئيس المحكمة في الحكم في الدعاوي التي يترتب على اقل تأخير فيها ولو بضعة ساعات ضرر لا يقبل الإصلاح”.

[13] ونجد معظم التعريفات تتحدث عن الاستعجال خطر ( urgence peril ) وان كان تعريف الاستعجال بأنه الخطر يعد تعريفا غير دقيق ويتضمن خلط بين السبب والمتسبب، لان الخطر هو سبب الاستعجال والاستعجال هو مسبب أو نتيجة لوجود الخطر. فالاستعجال هو حالة قانونية تنشا من الخطر الناتج عن التأخير أو من فوات الوقت، قبل الحصول على الحماية القضائية الموضوعية، ويولد الخطر الحاجة الملحة إلى حماية قضائية عاجلة يتم بمقتضاها تفادي وقوع الضرر بالحقوق أو المراكز القانونية التي يراد المحافظة عليها”. من أجل المزيد من التفصيل يراجع مقال منشور تحت عنوان شروط قبول الدعوى الإستعجالية، تاريخ الاطلاع “12 فبراير 2014 الساعة العاشرة ليلا” منشور على الرابط: http://goo.gl/6QpXDu

[14]د.المحجوبالدربالي المنازعات الجبائية المحلية، في ضوء المستجدات القانونية وأخر الإجتهادات القضائية، مرجع سابق الصفحة 114.

[15] د. كريم لحرش: “المنازعات الضريبية في القانون المغربي” سلسلة اللامركزية والإدارة الترابية، مرجع سابق الصفحة 134.

[16]عبد الكريم الطالب، شرح قانون المسطرة المدنية، أورده د.المحجوبالدربالي المنازعات الجبائية المحلية، في ضوء المستجدات القانونية وأخر الإجتهادات القضائية ، الصفحة 106.

[17] د. كريم لحرش: “المنازعات الضريبية في القانون المغربي” مرحع سابق، الصفحة 135.

[18]ذة. مريم الخمليشي، دور القضاء الاستعجالي في حماية المركز القانوني للمدين بالجبايات، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية REMALD، العدد 115، مارس-ابريل 2014، الصفحة 197.

[19]ذة. مريم الخمليشي، دور القضاء الاستعجالي في حماية المركز القانوني للمدين بالجبايات، مرجع سابق الصفحة 199

[20] تنص المادة 24 القانون 90-41 المنشئ   للمحاكم الإدارية على أن : ” للمحكمة الإدارية أن تأمر بصورة استثنائية بوقف تنفيذ قرار إداري رفع إليها طلب يهدف إلى إلغائه إذا التمس ذلك منها طالب الإلغاء صراحة”.

[21] من الملاحظ بان مجلس الدولة الفرنسي قد استبدل عبارة الأسباب الجدية للطعن “motifs sérieux  ” بعبارة الشكوك الجدية” doutes sérieux” وذلك بناءً على التعديل الذي لحق مدونة  القضاء الإداري بفرنسا  بموجب قانون 2000

[22] حسن صحيب ، القضاء الإداري المغربي ، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ، سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية ، الطبعة الأولى 2009 ، ص 352 .

[23]د.مصطفىبونجة، خصوصية القضاء الإستعجالي في المادة الإدارية، المنازعة الضريبية نموذجا، مقال منشور على موقع العلوم القانونية، ، تاريخ الاطلاع “2 مارس 2014 الساعة الثانية عشر ليلا” منشور على الرابط: http://goo.gl/LD5R3z.

[24] لقد تأكد هذا الطرح من خلال قرار محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش الذي اعتبر: “أن الاستجابة لطلب إيقاف تنفيذ إجراءات التحصيل رهينة بتوفر عنصري الاستعجال وجدية الطلب، ومن المعلوم أن حالة الاستعجال إنما تنشأ من طبيعة الحق المطلوب صيانته…ومن الظروف المحيطة به، ويستنتجها قاضي المستعجلات من ظروف وملابسات الدعوى المعروضة عليه. أما الجدية فتبين لقاضي الاستعجال من خلال الفحص الظاهري لوثائق ملف المنازعة في الموضوع المؤسس على نفي صفة الالتزام الجبائي  أو على المنازعة في قانونية الفرض الجبائي أو على المنازعة في مسطرة وإجراءات التحصيل، والتي يمكن أن تؤول حسب الفحص الظاهري إلى الإلغاء والبطلان. قرار محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش عدد 178 الصادر بتاريخ 2008/04/23 في الملف الإداري عدد 2007/318. أورده د. كريم لحرش: “المنازعات الضريبية في القانون المغربي” سلسلة اللامركزية والإدارة الترابية، طوب بريس، الطبعة الأولى 2013.، الصفحة 144 و145.

[25]ذة. مريم الخمليشي، دور القضاء الاستعجالي في حماية المركز القانوني للمدين بالجبايات، مرجع سابق الصفحة 205.

[26]ذة. مريم الخمليشي، دور القضاء الاستعجالي في حماية المركز القانوني للمدين بالجبايات، مرجع سابق الصفحة 206.

إقرأ أيضاً

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي Constitutional control and …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *