Site icon مجلة المنارة

“إيقاف تنفيذ مقررات مجالس الجهات وباقي الجماعات الترابية الأخرى”: ساحة للتدافع القانوني بين المشرع التنظيمي والمشرع العادي والقاضي الإداري”

 

“إيقاف تنفيذ مقررات مجالس الجهات وباقي الجماعات الترابية الأخرى”: ساحة للتدافع القانوني بين المشرع التنظيمي والمشرع العادي والقاضي الإداري”

 

يونس أبلاغ /  باحث في سلك الدكتوراه، كلية الحقوق – سلا

هشام برجاوي /  باحث في سلك الدكتوراه، كلية الحقوق – الدار البيضاء

 

 

“إذا أبقى المجلس المعني على المقرر موضوع التعرض، أحالت السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية الأمر إلى القضاء الاستعجالي لدى المحكمة الإدارية الذي يبت في طلب إيقاف التنفيذ داخل أجل 48 ساعة ابتداء من تاريخ تسجيل هذا الطلب بكتابة الضبط لديها ، ويترتب على هذه الإحالة وقف تنفيذ المقرر إلى حين بت المحكمة في الأمر”[1].

تبدو أحكام المادة 114 من القانون التنظيمي رقم  111.14 المتعلق بالجهات، واضحة في إسنادها اختصاص فحص طلبات إيقاف تنفيذ مقررات مجالس الجماعات الترابية، إلى رئيس المحكمة الإدارية بصفته قاضيا للمستعجلات. وهذا ما يتعلق بظاهر الأمور، ويوحي بأن المسألة تكتسي بعدا تقنيا صرفا، بيد أن باطنها يكشف عن إحدى الأسئلة الشائكة التي أفرزتها نصوص القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية[2].

لا شك أن المقتضيات السالفة الذكر، ستترتب عنها نتائج وآثار قانونية مباشرة وغير مباشرة[3]، تتجلى أهمها في فك الارتباط بين قاضي الموضوع وإيقاف تنفيذ التصرفات الإرادية من جانب واحد[4]، والانتقال باختصاص البت في طلبات إيقاف تنفيذ القرارات الإدارية من هيئة المحكمة إلى رئيسها بصفته قاضيا للمستعجلات[5]. وغني عن البيان أن من شأن ذلك أن يعيد النظر في الكثير من البراديكمات، على رأسها عدم قبول قاضي المستعجلات، على مر الزمن، النظر في طلبات إيقاف تنفيذ القرارات الإدارية، بدعوى أنه لا يملك سلطة التوسع في الصلاحيات الموكولة لقاضي الموضوع في هذا الشأن، والمحددة بنص المادة 24 من القانون رقم 41.90 المتعلق بإحداث المحاكم الإدارية[6].

يُعرف إيقاف التنفيذ بكل طلب يرمي إلى وجوب الامتناع عن القيام بأي إجراء من إجراءات التنفيذ إذا لم يتم التنفيذ بعد. أما إذا شرع فيه، فيعني بذلك وجوب إرجاع الأمور إلى الحالة التي كانت قبل التنفيذ أو الشروع فيه، بحيث أن إيقاف التنفيذ يرتبط أجله بمآل الدعوى الأصلية. وتبعا لما سيصدر في ضوء هذه الدعوى يتقرر إما متابعة إجراءات التنفيذ إذا لم يتمكن المنفذ عليه من تغيير مشتملات الحكم محل الدعوى الأصلية، أو الاستنكاف عن التنفيذ نهائيا إذا تمكن المنفذ عليه من استصدار حكم يبطل مفعول الحكم موضوع التنفيذ[7].

وحيث درج العمل القضائي منذ إحداث المحاكم الإدارية سنة 1993، بعدم صلاحية رئيس المحكمة الإدارية بصفته قاضيا للمستعجلات للبت في هذا النوع من الطلبات، الذي هو جزء من قضاء الإلغاء حيث تنص المادة 24 من القانون رقم 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية على إسناد إيقاف تنفيذ هذه الطلبات إلى محكمة الموضوع[8].

وحيث، من جهة ثانية، يصدر قاضي المستعجلات أوامر بعد توفر عنصر الاستعجال، ورجحان الحق المراد حمايته بجدية الوسائل المثارة لإيقاف تنفيذ القرارات والمقررات إلى حين حسم قضاء الموضوع في النزاع. وبهذا يتحقق التوازن بين أطراف الخصومة، وفقا للمبدأ الأصولي القائل إذا اجتمع ضرران روعي أعظمهما ضررا، ويجب ارتكاب أخفهما. فهل هذا ما أراده المشرع في مضامين نصوص القوانين التنظيمية للجماعات الترابية فيما يخص طلبات إيقاف تنفيذ مقررات المجالس[9]، رغم أن القاعدة العامة الناظمة لهذه الطلبات مستمدة صراحة من المادة 24 من القانون رقم 12.90 المتعلق بإحداث المحاكم الإدارية، كما أن مجال الأوامر الاستعجالية معروف في المادة 19 من القانون المذكور وكذا في الفصل 149 من قانون المسطرة المدنية؟

إن البحث في ماهية إيقاف تنفيذ مقررات مجالس الجماعات الترابية ليس ترفا فكريا، وإنما ضرورة تستجيب لمتطلبات الأمن القانوني. فتحديد ماهيته يدخل ضمن دائرة تسليط الضوء على جودة القوانين التنظيمية للجماعات الترابية، التي أسست لانبثاق ما يمكن اعتباره : “مدونة”[10] للجماعات الترابية، تبعا لمبادئ ومقتضيات اعتمدها الباب التاسع من الدستور المُرَاجَع لفاتح يوليوز 2011[11].

لقد عمل المشرع التنظيمي على توسيع هامش المبادرة الترابية، بتليين الوصاية على الجماعات الترابية وتطوير آليات المواكبة والتحفيز  لتسيير الشؤون المحلية من خلال إقرار المراقبة الإدارية التي يمارسها ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم، ثم وزير الداخلية في مجالات ضيقة[12]. فضلا عن رقابة قضائية، تقوم بها المحاكم الإدارية كجهة محايدة، بعد توكيلها اختصاص البت في طلبات بطلان مقررات المجالس، إثر تعرض الوالي أو عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه، حسب المسطرة المحددة في باب المراقبة الإدارية بنصوص القوانين التنظيمية المذكورة[13].

إن المقتضيات المتعلقة بإيقاف تنفيذ مقررات مجالس الجماعات الترابية، لا يمكن قبولها إلا ببحث مدى مطابقتها لتشريعات أخرى ذات صلة عضوية بها، ونخص بالذكر القانون رقم 41.90 المتعلق بإحداث المحاكم الإدارية[14] إضافة إلى فصول نص قانون المسطرة المدنية[15]، و ذلك لأجل تحديد السلطة صاحبة الصلاحية من هيئات المحكمة الإدارية، الموكول لها أمر إيقاف تنفيذ مقررات مجالس الجماعات الترابية، وكذا المساطر القانونية المعمول بها في هذا الشأن، فضلا عن بحث مطابقتها لما درج عليه العمل القضائي منذ ظهور المحاكم الإدارية كجهة قضائية مختصة في المادة الإدارية. وأكثر من ذلك، بالجواب عن سؤال جوهري مفاده لماذا اعتمد المشرع التنظيمي الرقابة القضائية لمعالجة النزاعات القانونية التي يمكن أن تنشأ بين المجلس التداولي المنتخب و ممثل السلطة المركزية ؟ وكيف حاول المشرع سن مقتضيات قانونية مؤطرة لإيقاف تنفيذ مقررات مجالس الجماعات الترابية حتى استصدار حكم في الموضوع؛ مقتضيات تكون مطابقة شكلا ومضمونا لباقي النصوص القانونية الأخرى ومدخلا لحماية مبدأ الأمن القانوني الذي يعتبر إحدى دعائم دولة الحق و القانون و المؤسسات؟

لقد اقترن اختصاص قاضي الموضوع لأكثر من عشرين عاما بالنظر في طلبات إيقاف تنفيذ القرارات الإدارية قبل أن يتبين حدود هذا الربط (I)، لكن ما لم يتغير في اختصاص البت في طلبات إيقاف التنفيذ، أنها من اختصاص قاضي الموضوع للمحاكم المختصة في المادة الإدارية، باستثناء الطلبات المتعلقة بإيقاف تنفيذ مقررات مجالس الجماعات الترابية (II).

 (I): “المبدأ” طلبات إيقاف تنفيذ مقررات مجالس الجماعات الترابية من صلاحية قاضي الموضوع

يعد إيقاف التنفيذ جزء من قضاء الإلغاء، وتابعا له. بحيث أسند المشرع اختصاص النظر فيه لمحكمة الموضوع طبقا للمادة 24 من القانون 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية. وبالتالي فالطلبات المقدمة في إطار المادة 19 من القانون المذكور لإيقاف تنفيذ القرارات والمقررات لا تدخل ضمن الاختصاصات المخولة لرئيس المحكمة الإدارية بصفته قاضيا للأمور الوقتية والتحفظية. أما طلبات إيقاف التنفيذ التي لا تعتبر قرارات إدارية فيختص بها رئيس المحكمة الإدارية، كالطلبات المتعلقة بإيقاف إجراءات استخلاص رسم جماعي[16].

وعلى منوال ذلك، نظم المشرع أحكام طلب الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الإداري، بحيث يقع هذا الطلب في نطاق ولاية الإلغاء، وله خصائص معينة من أهمها أن طلبات إيقاف التنفيذ تدخل في نطاق ولاية الإلغاء، وأن الطعن بالإلغاء لا يوقف تنفيذ القرار الإداري كأصل عام، كما أنه لا يجوز طلب وقف التنفيذ إلا بوجود قرار إداري كخاصية ثانية[17].

وتبعا لهذا وذاك، فطلبات إيقاف تنفيذ القرارات الإدارية تبقى اختصاصا أساسيا لهيئة المحكمة التي تتداول في الأمر بعد إدلاء المفوض الملكي بمستنتجاته، وتطبق بشأنه مقتضيات المادة 24 من القانون رقم 41.90 التي مكنت الهيئة المذكورة أن تأمر بصورة استثنائية بوقف تنفيذ القرارات الإدارية[18]. أما طلبات إيقاف التنفيذ التي لا تعتبر طلبات تنفيذ إيقاف قرار إداري فتكون من اختصاص قاضي المستعجلات، وتطبق بشأنها مقتضيات المادة 19 من القانون المذكور[19]، والفصل 119 من قانون المسطرة المدنية، وذلك بتمسك المدعي بدفوعات تضفي على النزاع طابع الجدية ورجحان الحق المراد حمايته[20].

لقد استقر العمل القضائي على أن سلطة وقف تنفيذ القرارات الإدارية مشتقة من سلطة الإلغاء وفرع منها. وتوجه طلبات وقف التنفيذ إلى كل قرار إداري، له مقومات القرارات الإدارية. فهذه الأخيرة، سليمة كانت أم معيبة، هي التي يطبق عليها مبدأ جواز التنفيذ الجبري ضد الأفراد. وهي النتيجة التي يجب توخيها بطلب وقف التنفيذ. أما في حالة بلغ العيب في القرار الإداري حدا يجعله معدوما، فإن في وسع الأفراد توخي نتائج هذا العمل الضار بذات الوسيلة التي يلجأون إليها لو أن عمل الإدارة صدر من أحد الأفراد، ذلك لأن الانعدام يجرد عمل الإدارة من صفته القانونية، ويحيله إلى مجرد عمل مادي يستتبع سقوط امتياز القضاء le privilège de juridiction الذي اعترف به لفائدة الإدارة نظرا لكونها حارسة للمصلحة العامة[21]. وفي ذلك دلالة على أن العيب الذي يؤدي إلى انعدام القرار الإداري ويجعله عملا ماديا، هو مخالفة القرار للقانون بدرجة يتعذر معها القول أنه يعتبر تطبيقا للقانون؛ إذ يجب أن يستند القرار الإداري باستمرار إلى قاعدة قانونية حتى يمكن قبول مراجعة الإبطال لتجاوز حد السلطة[22]، فإذا انقطعت الصلة بينه وبين القاعدة القانونية أصبح قرارا منعدما، وعملا ماديا صرفا. يمكن طلب إيقاف تنفيذه أمام قاضي المستعجلات، وبالنتيجة تطبيق المادة 19 من نص القانون رقم 41.90[23].

فالطلبات التي لا تعتبر طلبات إيقاف تنفيذ قرار إداري، كحالة طلب إيقاف إجراءات تنفيذ دين عمومي. استقر العمل القضائي بشأنها على قبول المطالبة بها كإجراء وقتي، لغاية البت في دعوى الموضوع. وذلك في إطار القواعد العامة للاستعجال المنصوص عليها بالفصل 149 من قانون المسطرة المدنية، المحال عليه بموجب المادة 7 من القانون رقم 41.90[24].

 (II): “الاستثناء” اختصاص قاضي المستعجلات في طلبات إيقاف تنفيذ مقررات مجالس الجماعات الترابية

اعتبرت مضامين القوانين التنظيمية المذكورة، أن طلبات وقف تنفيذ مقررات مجالس الجماعات الترابية، تتم بعد تعرض والي الجهة على المقررات التي لا تدخل في صلاحيات مجلس الجهة، أو المتخذة خرقا لأحكام القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات[25]. وكذا بتعرض عامل العمالة أو الإقليم على المقررات التي لا تدخل في صلاحيات مجلس العمالة أو الإقليم، أو المتخذة خرقا لأحكام القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم[26]. أو بتعرض عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه على مقررات مجلس الجماعة والتي لا تدخل في صلاحياته، أو المتخذة خرقا لأحكام القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات[27].

وحيث يمكن للوالي أو لعامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه حسب الحالة، أن يبلغ تعرضه إلى رئيس المجلس المعني داخل أجل ثلاثة أيام من أيام العمل من تاريخ التوصل بالمقرر[28].

وحيث من جهة ثانية، يترتب على التعرض المذكور إجراء مجلس الجماعة الترابية حسب الحالة، لمداولة جديدة في شأن المقرر المتخذ. وإذا أبقى عليه أحال الوالي أو عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه الأمر إلى قاضي المستعجلات (وليس القضاء الاستعجالي) لدى المحكمة الإدارية[29]، والذي يبت في طلب إيقاف التنفيذ داخل أجل 48 ساعة من تاريخ تسجيل هذا الطلب بكتابة الضبط لديها. ويترتب على هذه الإحالة وقف تنفيذ المقرر المذكور إلى حين بت قضاء الموضوع في الأمر داخل أجل ثلاثين يوم ابتداء تاريخ التوصل[30].

وتأسيسا على ما نصت عليه المادة 24 من القانون رقم 41.90 المتعلق بإحداث المحاكم الإدارية؛ أن للمحكمة الإدارية أن تأمر بصورة استثنائية بوقف تنفيذ قرار إداري رفع إليها طلب يهدف إلى إلغائه، إذا طلب منها طالب الإلغاء ذلك صراحة. الأمر الذي يؤدي بالنتيجة إلى اختصاص المحكمة وليس قاضي المستعجلات بوقف تنفيذ مقررات المجلس، ويعقد الاختصاص لهيئة المحكمة التي تختص بالبت في طلبات وقف القرارات والمقررات. ويكون بالتالي ما ورد في المادة 114 من القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات، والمادة 108 من القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم، وكذا المادة 117 من القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات قد خولت لرئيس المحكمة الإدارية اختصاص البت بوقف تنفيذ القرارات والمقررات، بصفته قاضيا للمستعجلات كما هو معروف نظام القضايا الاستعجالية المعروفة في المادة 19 من القانون 41.90 المذكور والفصل 149 من قانون المسطرة المدنية.

وهذا ما من شأنه أن يرتب لتضارب النصوص القانونية، ومعرفة القانون الواجب التطبيق[31]. إذ لا يمكن أن يختص قاضي المستعجلات بإيقاف تنفيذ القرارات والمقررات إلى حين بت قضاء الموضوع وفق ما درج عليه العمل القضائي في هذا الباب مطابقا بذلك للتشريعات والأنظمة القانونية ثم الآراء الفقهية. والقول بخلاف ذلك سيؤدي إلى انكسار قواعد العدالة، ومساس بجوهر مبدأ الأمن القانوني.

لقد أسندت المادة 24 من القانون رقم 41.90 المحدثة بموجبه المحاكم الإدارية، اختصاص فحص الطلبات الرامية إلى وقف تنفيذ قرار إداري إلى المحكمة الإدارية، و حرصت نفس المادة على ايلاء الصفة الاستثنائية لتفعيل آلية الوقف من خلال اضفاء الصبغة الاستثنائية عليها. و يمكن القول إن تأطير صلاحية وقف سريان القرار الإداري بالاستثناء نابع من مبدأ الفصل بين الوظائف الإدارية و القضائية الذي اعتمده القانون الإداري الفرنسي، بحيث يُمنع على السلطات القضائية اعاقة تنفيذ الإدارة لمهامها التي تهدف إلى احقاق المصلحة العامة. و حيث أن الوالي أو العامل و/أو من ينوب عنه يمثل السلطة المركزية داخل النظام القانوني للجماعات الترابية بموجب الفصل 145 من الدستور المراجع لفاتح يوليوز 2011، فإن تعرضه على مقرر صادر عن الجماعة الترابية يحيل إلى ضرورة ضمان انسجام المصلحة المحلية، التي يمثلها المجلس التداولي المحلي المنتخَب، مع المصلحة الوطنية التي يجسدها ممثل السلطة المركزية[32]، فإن كانت اللامركزية الترابية تتأسس على مبدأ وجود مصلحة محلية متميزة عن المصلحة الوطنية، فإنها تتأسس أيضا على مبدأ التوافق بين المصلحتين و يتحقق هذا التوافق من خلال آليات الوصاية التي جرت الاستعاضة عنها بآليات المراقبة الإدارية القائمة أساسا على المراقبة البعدية واستثناء على المراقبة القبلية. بيد أن مشكلة الاختصاص التي أفرزتها القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية إذا قورنت بما قضت به المادة 24 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية قد تفضي إلى التوسع في ممارسة حق التعرض مما قد يحول، على المستوى الاجرائي، المراقبة الإدارية المرتكزة حصريا على المشروعية إلى وصاية للملاءمة.

خاتمة:

إن المقتضيات المتعلقة بطلبات إيقاف تنفيذ مقررات مجالس الجماعات الترابية الواردة في القوانين التنظيمية، تثير إشكالا قانونيا شائكا، فقد تشبث رئيس المحكمة الإدارية، بصفته قاضيا للمستعجلات، على مر الزمن برفض النظر في طلبات إيقاف تنفيذ القرارات الإدارية. مما يجعل المقتضيات الواردة في هذا الشأن تنفتح على سياق أكثر حراكا واتساعا بعد إمكانية طلب إيقاف تنفيذ مقرر ما أمام المحكمة الإدارية.

فهل سيعمل قضاة المحكمة الإدارية على تطبيق نص القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية باعتبارها نصوص قانونية خاصة تقيد القواعد العامة، والأكثر من ذلك أنها قوانين تنظيمية ذات مضمون قاعدي يعلو قوانين أخرى وفق مبدأ التدرج الهرمي للنصوص؟ أم سيتم العمل على تطبيق القانون رقم 41.90 المحدد لاختصاصات المحكمة الإدارية وسلطات قضاتها؟

وحدها الممارسة القضائية المنبثقة عن تنفيذ القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية هي التي ستقدم مستقبلا إجابة واضحة المعالم.

[1]  الفقرة الثالثة من المادة 114 من القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.83، الجريدة الرسمية عدد 6380، بتاريخ 23 يوليوز 2015، ص 6603.

[2]  الفقرة الثالثة من المادة 108 من القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.84، الجريدة الرسمية عدد 6380، بتاريخ 23 يوليوز 2015، ص 6642. – الفقرة الثالثة من المادة 117 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، ، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.85، الجريدة الرسمية عدد 6380، بتاريخ 23 يوليوز 2015، ص6682.

[3]  بوجمعة بوعزاوي، انهيار المعيار العضوي في تحديد القرار الإداري بعد دستور 2011، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد مزدوج 105-106، يوليوز- أكتوبر 2012، ص 11.

[4] Charles Eisenmann, centralisation et décentralisation, espuisse d’une théorie générale, L.G.D.J, Paris 1948, p 170.

[5]  المادة 19 من القانون رقم 41.90 المتعلق بإحداث المحاكم الإدارية الصادر بتنفيذه ظهير شريف رقم 1.91.225 بتاريخ 10 شتنبر 1993، الجريدة الرسمية عدد 4227 بتاريخ 3 نونبر 1993 الصفحة 2174.

[6]  المادة 24 من القانون رقم 41.90 المتعلق بإحداث المحاكم الإدارية، نفس المرجع.

[7]  محمد بونبات، وجهة نظر حول إيقاف التنفيذ المأمور به خلافا للقانون والحجية الوقتية للأحكام المدنية، منشورات مجلة الملحق القضائي، العدد العاشر، أكتوبر 1988، ص 98.

[8]  حكم المحكمة الإدارية بالرباط عدد 3373 الصادر بتاريخ 22 يوليوز 2015 في الملف رقم 87/ 7106/15 (غير منشور).

[9]   القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات- القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم- القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، مرجع سابق.

[10]  نشير في هذا الصدد إلى أن العناصر التكوينية لظهور ما اعتبرناه ” مدونة للجماعات الترابية “، على منوال ما هو معمول به في النموذج الفرنسي، تظهر من خلال التدرج في اعتماد القواعد القانونية الناظمة للنشاط القانوني للجماعات الترابية، حيث أرسى الدستور المبادىء العليا المنظمة لللامركزية الترابية، ثم جرى تدخل المشرع التنظيمي لإتمام و توضيح المحددات الكبرى التي وضعها الدستور، و في الأخير، قامت السلطة التنفيذية باعتماد النصوص التنظيمية التطبيقية، فتكون بذلك التأليفة القانونية للمدونة قائمة من خلال الصيغة التالية : مقتضيات دستورية – مقتضيات تشريعية (سواء تلك التي وضعها المشرع التنظيمي  أو المشرع العادي – المقتضيات التنظيمية.

[11]  الباب التاسع من الدستور المغربي لسنة 2011، المنفذ بالظهير الشريف 1.11.91 بتاريخ 29 يوليوز 2011، الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر بتاريخ 30 يوليوز 2011، ص 3622.

[12]  في هذا الباب، يجب التمييز بين طلبات إيقاف التنفيذ التي تقوم بها سلطات المراقبة الإدارية على الأعمال القانونية للجماعات الترابية. ولاسيما التمييز بين المراقبة الإدارية على مقررات المجالس –والتي تبلغ وجوبا جميعها للولاة والعمال، ويخضع جزء منها للتأشيرة-، وبين القرارات الفردية التي تبلغ وجوبا –قرارات رئيس المجلس المتخذة في إطار السلطة التنظيمية ثم قرارات رئيس مجلس الجماعة المتخذة في ميدان التعمير-.

ففيما يتعلق بطلبات إيقاف تنفيذ مقررات مجالس الجماعات الترابية فمسطرة المراقبة الإدارية عليها ومسألة التعرض ثم إيقاف تنفيذها، واضحة في نصوص القوانين التنظيمية المذكورة حسب التحليلات الواردة في هذه المساهمة. أما مسألة تبليغ قرارات رؤوساء المجالس المتخذة في إطار السلطة التنظيمية وكذا قرارات رؤوساء مجالس الجماعات المتخذة في ميدان التعمير. فيتم تبليغها فقط، أما مسألة التعرض وطلبات إيقاف فقد خول المشرع لسلطة الوصاية التدخل في أي وقت وحين كلما تبين لها أنها لا تدخل في صلاحيات المجلس أو رئيسه أو متخذة خرقا لأحكام القوانين التنظيمية والنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.

[13]  أوكل المشرع اختصاص البت في بطلان مقررات المجالس الجماعية للمحاكم الإدارية بعد أن كانت النصوص المتعلقة باللامركزية الترابية تعطي هذا الاختصاص لسلطة الوصاية، حيث كانت تنص على أنه تعتبر باطلة بحكم القانون المقررات المتعلقة بموضوع خارج عن نطاق اختصاص المجلس الجماعي…ويعلن عن حالة البطلان، حسب الحالة، بقرار مدعم بأسباب يصدره وزير الداخلية أو الوالي أو العامل…، المادة 74 من القانون رقم  00/78 المتعلق بالميثاق الجماعي لسنة 2002 كما تم تغييره وتتميمه سنة 2009 بالقانون رقم 17.08 المنفذ بالظهير الشريف رقم 153-08-1  بتاريخ  18 فبراير  2009، ،الجريدة الرسمية عدد 5711 بتاريخ  23 فبراير 2009، ص 536.

[14] القانون رقم 41.90 المتعلق بإحداث المحاكم الإدارية، مرجع سابق.

[15]  القانون رقم 14.12 المنفذ بالظهير 1.12.22، المغير و المتمم للظهير بمثابة قانون رقم 1.47.447 بتاريخ 28 شتنبر 1974 بشأن المصادقة على نص المسطرة المدنية، الجريدة الرسمية عدد 6078 بتاريخ 30 غشت 2012 الصفحة 4632.

[16]  أمر المحكمة الإدارية بمكناس عدد 71/7101/2015 الصادر بتاريخ 29 يوليوز 2015 في الملف رقم 57/101/2015 (غير منشور).

[17]  محمد الأعرج، المنازعات الإدارية والدستورية في تطبيقات القضاء المغربي، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة، عدد 78 سنة 2012، ص 106- 107-108.

[18]  المادة 24 من القانون رقم 41.90 المتعلق بإحداث المحاكم الإدارية، مرجع سابق.

[19]  المادة 19، نفس المرجع.

[20]  الفصل 19 من قانون المسطرة المدنية، مرجع سابق.

[21]  محمد الأعرج، مرجع سابق، ص 110.

[22]  بوجمعة بوعزاوي، مرجع سابق، ص 16.

[23]  أمر استعجالي عدد 211 صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 20 دجنبر 2000، أورده أحمد بوعشيق، الدليل العلمي للاجتهاد القضائي في المادة الإدارية، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة “دلائل التسيير”، الجزء الأول، ص 491.

[24]  التعليل الوارد في أمر المحكمة الإدارية بمكناس، مرجع سابق.

[25]  الفقرة الأولى من المادة 114 من القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات، مرجع سابق.

[26]  الفقرة الأولى من المادة 108 من القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم، مرجع سابق.

[27]  الفقرة الأولى من المادة 117 من القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات، مرجع سابق.

[28]  الفقرة الثانية من المادة 114 من القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات- الفقرة الثانية من المادة 108 من القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم- الفقرة الثانية من المادة 117 من القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات، مرجع سابق.

[29]  من حيث الشكل يؤخذ كذلك على هذه المقتضيات أنها تنص على القضاء الاستعجالي؛ في حين أن نص القانون رقم 41.90 المتعلق بإحداث المحاكم الإدارية، وكذا نص قانون المسطرة المدنية تضمنا قاضي المستعجلات وليس القضاء الاستعجالي.

[30]  الفقرة الثالثة من المادة 114 من القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات- الفقرة الثالثة من المادة 108 من القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم- الفقرة الثالثة من المادة 117 من القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات، مرجع سابق.

[31]  بمقابل هذه الإشكالية القانونية والتي تبقى قائمة حتى تصدر نصوص تفسيرية لها، أو تقديم المحاكم الإدارية لشروحات معللة. لا يمكن في هذا الشأن إنكار إجابة نصوص القوانين التنظيمية عن بعض الإشكالات الفقهية في القرار الإداري، وحتى وإن لم تجيب عنها، يمكن القول في هذا الباب أن ضحدت بعض التحليلات الواردة في بعض الكتابات. بحيث يتعلق الأمر بالنقاش الفقهي الذي استقر على أن القرارات التي تحتاج إلى مصادقة، تنتج آثارها القانونية بمجرد اتخاذها من السلطة اللامركزية، بعد أن صرح العميد “هوريو” بقوله: “حينما تكون الإدارة المركزية مدعوة لإعطاء مصادقتها أو ترخيصها لمقرر متخذ من طرف سلطة محلية، فهذه المصادقة أو الترخيص لا يعتبر جزءا مكملا للقرار، إذا ما هي إلا شكلية خارجية تأتي لإزالة العائق الذي يتعرض القوة التنفيذية la vertue exécutoire للمقرر، لكن لا يمنحها هذه القوة التنفيذية cette force exécutoire. للإطلاع لأكثر، يراجع: يحيى حلوي، القرار الإداري من الأثر القانوني إلى التنفيذ، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، جامعة محمد الأول، جامعة محمد الأول كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة، السنة الجامعية 2003-2004.

غير أن التحليل الذي ساقه يحيى حلوي، مؤكدا لقول العميد “هوريو، مع دعمه بحجج فقهية وقبولا قضائيا، لا يمكن قبوله على إطلاقيته؛ بحيث، يمكن أن لا تنتج قرارات السلطات اللامركزية آثارا قانونية إلا بمصادقة أو تأشيرة السلطة المركزية، ويبقى التصرف الانفرادي للسلطة المحلية بدون أثر. والدليل على ذلك قدمته نصوص القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية، فمثلا اعتبرت المادة 115 من القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات ما يلي: “لا تكون مقررات المجلس التالية قابلة للتنفيذ إلا بعد التأشير عليها من قبل السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية داخل أجل عشرين يوما (20) من تاريخ التوصل بها من رئيس المجلس…”. وهذا الاتجاه سبق أن تبناه سابقا “أندري دو لوبادر” في أول طبعة له “مطول القانون الإداري”، بالقول، “إن المصادقة على بعض القرارات السلطات اللامركزية هي أحد أهم عناصر القرار الإداري، وفي ظل غياب هذه المصادقة فالتصرف الانفرادي الذي اتخذنه الهيئة اللامركزية يظل دون أثر”.

[32]  بخلاف الفصل 145 من الدستور المغربي المراجع لفاتح يوليوز 2011 و الذي أسند صفة ممثل السلطة المركزية داخل النظام القانوني للجماعات الترابية إلى الوالي أو العامل دون تعيينه صراحة كضامن للتوافق بين المصلحة العامة l’intérêt national و المصلحة المحلية  l’intérêt local، عقد الدستور الفرنسي لسنة 1958 صفة ممثل الدولة و ضامن المصلحة العامة للمحافظ عبر التنصيص في الفصل 72 على أن المحافظ le préfet  يمثل الدولة و يضمن المصالح الوطنية.

Exit mobile version