Site icon مجلة المنارة

أي دور للبرامج الوطنية في تحقيق التنمية

أي دور للبرامج الوطنية في تحقيق التنمية

يونس عثماني/باحث بسلك الدكتوراه -جامعة ابن طفيل ،المغرب
حاصل على ماستر في ديداكتيك العلوم الاجتماعية والتنمية
إطار بوكالة التنمية الاجتماعية مكلف بالمشاريع التنموية
Email: Youness_geo@yahoo.fr
ملخص:
إذا كانت الحكومة المغربية؛ إلى وقت قريب تتحمل مسئولية تسيير الدولة، و العمل على تحقيق رفاهية المجتمع و تنميته على جميع المستويات و الأصعدة. غير أنها ما زالت تتخبط في الكثير من المشاكل العويصة و الأزمات الخانقة على جميع المستويات. فإن الإستنتاج الذي تم إستخلاصه هو إستحالة تحملها مسئولية التنمية وبناء مجتمع متقدم و متطور لوحدها. مما جعل جمعيات المجتمع المدني، تحظى بإهتمام كبير، إذ أصبح يعول عليها كثيرا في قيادة المسيرة التنموية ببلادنا، وذلك جنبا إلى جنب مع مجهودات الدولة ، و باقي القطاعات الأخرى و منها القطاع الخاص، خصوصا و أن هذه الأخيرة صارت قوة إجتماعية فاعلة و منظمة تستهدف التنمية الإنسانية الشاملة و المستدامة.
الكلمات المفتاحية: الدولة، جمعيات المجتمع المدني/ التنمية المحلية
مقدمة
تشكل دراسة المجتمع المدني أحد المداخل الرئيسية لدراسة العلاقة بين الدولة والمجتمع، وهي العلاقة التي تنطوي على آثار بالغة الأهمية بالنسبة للتنمية في بعديها الوطني والمحلي وفي إضفاء الطابع الديمقراطي على التسيير، خاصة في ظل المتغيرات الحاصلة على مستوى النسق الدولي المرتبطة بالحريات والحقوق السياسية والمواطنة، القائمة على تفعيل دور الفرد على مستوى السياسات العامة وسياسات التنمية المرتبطة بتوسيع مجال المشاركة السياسية والمجتمعية.
وفي هذا الإطار فتطبيق التنمية يتطلب إطلاق المواهب وتوفير أجواء ديمقراطية تسهم في إنماء روح المثابرة والتسامح ، فعمل المجتمع المدني يشكل نواة العملية الديمقراطية داخل المجتمع والمساهمة في تطوير الوعي بأهمية الديمقراطية وحقوق الإنسان والوعي البيئي في مختلف المجالات الاقتصادية والإجتماعية والسياسية والسعي لدى المجتمع والدولة لتثبيت هذه القيم.
إن منظمات المجتمع المدني تستطيع أن تسهم في التنمية إسهاما حقيقيا إذ نجحت في بناء الوعي التنموي واستقراره وتوظيفه من خلال مشاركة حقيقية وفاعلة في العملية التنموية، وإذا نجحت في تكريس العمل الجماعي، والإبتعاد عن الأنانية والفردية.
إن الكثير من منظمات المجتمع المدني بحاجة إلى تواصل مستمر للتعرف على المشاكل التي تعاني منها وضرورة التعرف على تجارب منظمات المجتمع المدني الوطنية والدولية وللإستفادة من خبراتهم ومواردهم، لمزيد من تفعيل دور منظمات المجتمع المدني في التنمية الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، ومناقشة العديد من القضايا التي تهم الجميع وترتبط بتفعيل دور المنظمات في عملية التنمية، العمل في مشاريع إجتماعية وفي مجال المشاريع الإنتاجية الصغيرة وفي مجال حقوق الإنسان والدفاع عن الحريات وفي مجال التدريب والتأهيل ومحو الأمية وفي مجال التنمية والإهتمام بالطفولة والشباب وفي مجال الإسهام في تنمية المجتمعات المحلية وفي مجال الخدمات وتقوية البنية الأساسية للمجتمع.
إن أغلب منظمات المجتمع المدني تعمل في المدن وتفتقر القرية اليها، ومن أجل المساهمة في محاربة الفقر وتنمية المرأة لابد أن لايرتكز عملها في المدن، بل تعمل في العالم القروي أيضا خاصة في المناطق البعيدة والنائية التي هي أحوج ماتكون للتنمية الاقتصادية والاجتماعية .
هناك عدة معوقات تعيق عمل المجتمع المدني في مجال التنمية منها، مشكلة عدم وجود تنسيق وتعاون في جهود منظمات المجتمع المدني فيما بينها من جهة وبينها وبين المصالح الخارجية من جهة أخرى من خلال الشراكة، حيث يجمع المهتمون بقضايا التطور والتنمية على أن التنمية الحقيقية هي التي تقوم بالإعتماد المتبادل بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني معا، فقد أصبح من المسلم به إجتماعيا أهمية الدور الفاعل الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني، ممثلة بالاتحادات والتعاونيات والجمعيات، بدفع عجلة التنمية للأمام وذلك من خلال تحديدها لمواقع الخلل والعمل على تجاوزها لصالح البناء الديمقراطي الحر، فمنظمات المجتمع المدني هذه قادرة عبر إنتشارها الواسع جماهيريا على تهيئة الفرص الكافية لأعضائها لصالح تعزيز التنمية والمستقبل الزاهر للإقليم..
فعلى المستوى الإقتصادي تخلت الدولة عن جزء كبير من الدور التي كانت تشغله إقتصاديا وإجتماعيا بفعل الضغوط القادمة من المؤسسات المالية الدولية نتيجة للأزمة الإقتصادية التي أثرت على أغلب الأنظمة، وهو ماأدى إلى خفض الإنفاق على الخدمات الإجتماعية وبرامج الرفاهية الإجتماعية ، وبالتالي أفسح المجال أمام شريك أخر كي يتحمل جزءا من مسؤولية الخدمة الإجتماعية وهو المجتمع المدني، خاصة وأن تلك الضغوط الإقتصادية صاحبتها تحولات ديمغرافية وإجتماعية فرضت إحتياجات جديدة، فضلا عن النمو الحضري الذي لم تواكبه تنمية إقتصادية، وقد أشفعت كل تلك التحولات بالدور الذي لعبته المؤسسات المالية الدولية والذي تجاوز مجرد الضغط من أجل تطبيق برامج التحرير الاقتصادي والتكيف الهيكلي إلى البحث عن فاعلين جدد غير حكوميين يتم التعامل معهم، إضافة إلى الدور الذي لعبته الأمم المتحدة للتأكيد على ضرورة مشاركة المجتمع المدني في صياغة الخطط التنموية ووضع السياسات الاقتصادية .
وبالفعل إتجهت هذه المؤسسات إلى التعامل بشكل مباشر مع المنظمات غير الحكومية أو هيئات المجتمع المدني لسد الفجوة التي تركتها الدولة .
إن نجاح المجتمع المدني في التأثير إيجابيا على عملية التنمية يرتبط بطبيعة الإطار القانوني الذي تضعه الدولة لتنظيم وجود ونشاط منظمات المجتمع المدني، بمعنى هل هو إطار قانوني منظم أم مقيد؟ كما يرتبط الأمر نفسه بمدى إستجابة الدولة بمؤسساتها المختلفة للمطالب التي يتقدم بها المجتمع المدني أكثر قدرة على الوصول إلى القواعد الشعبية وأكثر فاعلية في ملامسة هموم الجماعات المستهدفة. إذا حصل العكس تحول المجتمع المدني إلى مجرد أوصال وتراخيص في الحقائب، أووسائل للإرتزاق والثراء الشخصي، وهو مايعد من أهم العوامل الذاتية السلبية في العديد من منظمات المجتمع المدني.
من ناحية ثانية تتعدد المحددات الحاكمة لقدرات المجتمع المدني على التأثير في التنمية تبعا لما تتمتع به المنظمات من قدرات إدارية ومؤسسية، كبناء الهياكل التنظيمية، تنمية روح العمل الجماعي بين نشطائه، فاعلية مهاراتهم الإتصالية، وقدرتهم على التخطيط الإستراتيجي أو مايطلق عليه عملية بناء القدرات.
في الوقت الذي كان الكل ينتظر أن تعطي هذه السياسة الجديدة أكلها باعتبارها قطيعة مع التنمية المتمركزة، قامت الدولة تحت ظروف الإكراهات المالية والاقتصادية التي أصبحت تعيق تطور الإقتصاد الوطني، بتبني برنامج التقويم الهيكلي. وكان من بين أهداف هذا البرنامج الإنسحاب التدريجي للدولة من الإستثمار المباشر في القطاعات الإجتماعية وتخلي الدولة، عن مجموعة من القطاعات، حيث تم تطبيق برنامج التقويم الهيكلي القطاعي ، وما رافق ذلك من تقليص للإلتزامات المالية للدولة، وتحرير هياكل الإنتاج، والإنفتاح على الأسواق، وإعادة النظر في تدخل المؤسسات العمومية، وإلغاء الحواجز الجمركية، وإلغاء دعم عوامل الإنتاج، وتطبيق سياسة حقيقة الأسعار…، حيث تم حصر دور الدولة في إتجاه الإشراف ودعم المبادرة الخاصة، وخلق شراكة مع الجمعيات والتعاونيات، وإستمرت في محاولة منها لتدارك التأخر على مستوى البنية التحتية، في دعم قوي لمجموعة من البرامج القطاعية الكبرى.
وفي سياق تحول سياسة الدولة، بدأت هذه الأخيرة خلال هذه المرحلة، بالإنسحاب التدريجي والتراجع عن التدخل مباشرة على مستوى التدبير والتسيير لصالح الجماعات المحلية، وإشراك المجتمع المدني في التنمية المحلية. لكن هذا التحول المرتقب لم يترجم بعد إلى واقع يساهم في التنمية المحلية. ذلك أن الجماعات الترابية مازالت تعترضها صعوبات، وتدخل المجتمع المدني لم تتوضح بعد معالمه، ومازالت لم تحدد مسؤولياته ومجالات تدخلاته والتخصصات التي يمكن أن يفعل فيها خصوصا وأنه يعيش أزمة ذاتية، تتجلى في عتاقة القوانين المنظمة له، وكذلك غياب مصادر تمويلية قارة. والأكثر من هذا، يكمن في غياب تصور واضح لمنظمات المجتمع المدني ودورهما في المساهمة في التنمية المحلية بالمغرب حتى بالنسبة لأصحاب القرار وكذلك القائمين على تسيير هذه المنظمات. ورغم المجهودات التي تقوم بها هذه الجمعية أو تلك التعاونية، تبقى تدخلاتها غير منتظمة في الزمان والمكان، ومختلفة من حيث الأهداف والوسائل، وأن كان عددها يتزايد بإستمرار بسبب الفراغ الذي تركه تحول دور مؤسسات الدولة ، حيث بدأ الساكنة ينتظمون في جمعيات وتعاونيات لتحقيق آليات التضامن الإجتماعي وللدفاع عن مصالحهم.
ورغم ما قيل عن دور المنظمات المدنية في إنعاش التنمية المحلية، فلا يجب أن يتحول هذا الدور إلى الحلول محل مصالح الدولة، هذه الأخيرة التي مازالت تدخلاتها في المجال الحضري ضرورية،
كما أن الوضع الراهن الذي يمر به الإقتصاد المغربي ،أمام التحديات التي أصبحت تفرضها ظروف العولمة والإنفتاح على السوق في ظل إلتزام بلادنا بإتفاقيات المنظمة العالمية للتجارة، والإتفاقية مع الإتحاد الأوروبي من أجل إقامة منطقة للتبادل الحر، في أفق سنة 2010، إضافة إلى توقيع مجموعة من الإتفاقيات الثنائية مع الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وتونس…، كل هذا يجعل من الإقتصاد الوطني مدعو إلى المزيد من الإنفتاح على السوق الدولية، وطبعا هذا لايمكن أن يتحقق إلا بتدخل قوي للدولة عبر مؤسساتها المتعددة.مما بدفعنا إلى التساؤل حول دور تدخلات الدولة والمجتمع المدني في التنمية لمحلية بإقليم سيدي سليمان كنموذج بمعنى هل هناك تنمية حقيقية بفعل هاته التدخلات؟
المحور الأول: مفاهيم تنموية
مفهـوم التنميـة.
لا تمتلك التنمية كمفهوم معنى واضحا بالرغم من كثرة إستعمالاتها، وهذا راجع بالأساس إلى ما رافقه من تغيرات وإضافات خلال تبلوره في مراحل تاريخية مختلفة. إضافة إلى تباين وجهة نظر الباحثين والمهتمين وكذا المنظمات الدولية المهتمة.
يتكون مفهوم التنمية لدى الكثير من الإتجاهات النظرية من ثلاثة مكونات أساسية: الإقتصاد والمجتمع والثقافة.
وهكذا يتم الحديث عن التنمية الإقتصادية والإجتماعية والثقافية. ويمكن أن نحدد كل مفهوم على حدة على الشكل التالي:
التنمية الإقتصادية: تعني قوى الإنتاج التي تكون الإنسان وقواه الإنتاجية، تتطلب هذه التنمية إعادة إنتاج واسعة، أي إنتاج متنامي بوسائل الإنتاج والحاجيات الإستهلاكية، وهي تتطلب تراكما في الرأسمال.
التنمية الإجتماعية: السياق الذي يؤدي إلى رفع مستوى عيش السكان، هذا المستوى المعيشي الذي يضم التغذية والصحة والسكان والعمل.
التنمية الثقافية: التنمية التي ترتبط بمشروع مجتمعي وحضاري.
أما حسب Thezy )جغرافي برازيلي( فإن “التنمية تتخذ درجة أعلى من النمو تتم عندما ينجز كل البرنامج وعندما يتم التوازن المستقر والمنسجم”.
أما عند الباحث S_Brunnel “فهي مقدورة مجتمع ما على تلبية الحاجيات الضرورية لساكنته والسماح لها بتحقيق الظروف الجيدة، والضرورية لإزدهارها في الحاضر والمستقبل”.
عموما فالتنمية بمفهومها الشمولي عملية مركبة ومتداخلة يصعب الفصل بين مكوناتها وعناصرها المتفاعلة والتي تساهم مجتمعة وبنسب متفاوتة في عملية التنمية .
أما التنمية كما ورد تعريفها من طرف هيئة الأمم المتحدة عام 1659 “هي العملية التي يمكن بمقتضاها توجيه كافة جهود جميع أفراد المجتمع بهدف خلق ظروف إقتصادية وإجتماعية ملائمة في المجتمعات المحلية، ومساعدتها على الإندماج في حياة المجتمع والإسهام فيه بأقصى ما يمكن . ”
مفهوم المجتمع المدني:
نظرا للطابع الإشكالي لهذا المفهوم الذي أسال مداد العيد من الباحثين، من مختلف التخصصات سيما، في العلوم الإنسانية، و العلوم الإجتماعية ، وإنطلاقا كذلك لتعدد المقاربات و النظريات التي تناولت هذا المفهوم من زوايا متعددة، و حسب الإيديولوجيات المختلفة التي تنطلق منها كل واحدة. و لحصر دلالات هذا المفهوم فإننا سنعتمد تعريفا إجرائيا، و ذلك على الشكل التالي:
• المجتمع المدني:” هو جملة من المؤسسات السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية والثقافية. التي تعمل في ميادينها المختلفة، في إستقلال عن سلطة الدولة لتحقيق أغراض متعددة منها:
• أغراض سياسية: كالمشاركة في صنع القرار على المستوى الوطني و مثال ذلك الأحزاب السياسية، و منها غايات نقابة: كالدفاع عن المصالح الإقتصادية لأعضاء النقابة، و الإرتفاع بمستوى المهنة و التعبير عن مصالح أعضاءها. و منها أغراض ثقافية: كما في إتحادات الكتاب و المثقفين و الجمعيات الثقافية التي تهدف إلى نشر الوعي وفقا لإتجاهات أعضاء كل جمعية. و منها أغراض إجتماعية:
• للإسهام في العمل لتحقيق التنمية. و بالتالي يمكن القول أن العناصر البارزة لمؤسسات المجتمع المدني هي الأحزاب السياسية و النقابات العمالية والإتحاديات المهنية، الجمعيات الثقافية والإجتماعية .”
• يبين هذا التعريف الإجرائي لمفهوم المجتمع المدني أنه ينطوي و يقوم على أربعة عناصر رئيسية ، وهي “التطوعية” أي المشاركة التطوعية التي تشكل ميزة تنظيماته عن باقي المؤسسات و التكوينات الإجتماعية المفروضة، أو المتوارثة كالأسرة والقبيلة. و يتعلق العنصر الثاني: بفكرة التنظيم التي تطال و تمس مختلف جوانب الحياة الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والثقافية. ويشير العنصر الثالث إلى ” الغاية” و “الدور”_علما أن التنظيم كما يعرفه T. Parsons هو: “نسق إجتماعي منظم، أنشئ من أجل تحقيق أهداف محددة” يعني الدور الذي تقوم به هذه التنظيمات، و الأهمية الكبرى لإستقالتها عن السلطة و هيمنة الدولة. من حيث هي تنظيمات إجتماعية تعمل في سياق وروابط تشير إلى علاقات التضامن والتماسك أو الصراع و التنافس الإجتماعيين. أما أخر هذه فتكمن في ضرورة النظر إلى مفهوم المجتمع المدني باعتباره جزءا من منظومة مفاهيمية أوسع ،تشمل على مفاهيم مثل: الفردية المواطنة ، حقوق الإنسان ، المشاركة…
خصوصا في ظل ما تحضى به هذه المفاهيم من أهمية كبيرة في بلوغ و تفعيل مبادئ التنمية البشرية في البلدان الثلاثة. و في المغرب كنموذج.
فالمجتمع المدني: “هو مجموعة واسعة النطاق من المنظمات غير الحكومية وغير الربحية التي لها وجودٌ فعال في الحياة العامة وتنهض بمسؤولية التعبير عن اهتمامات وقيم أعضائها أو الآخرين، إستناداً إلى إعتبارات أخلاقية أو ثقافية أو سياسية أو علمية أو دينية أو خيرية”.
• -مفهـــوم الجــمعية:
• أ-التحديد اللغوي:
لغويا: الجمعية هي كلمة مشتقة من مصدر الفعل الثلاثي “جمع” و إسم الجمع يعطينا”جمعي” و مؤنثه جمعية و جمعها ‘جمعيات’ فنقول جمع الشيء المفترق، و جمعه أو أجمعه فأجتمع. وكذلك تجمع واستجمع، والمجموع، الذي جمع من هنا وهناك. وإن لم يجعل كالشيء الواحد. و جمعت الشيء إذا جئت به من هنا و هناك و الجمع اسم لجماعة من الناس و للموضع الذي يجتمعون فيه.
حسب المعجم الحديث: هي طائفة من البشر تتألف من أعضاء لغرض خاص، وفكرة مشتركة. كالجمعية الخيرية و الجمعية المهنية.
أما المعنى العام فهي: حصيلة العملية التي تؤدي الى إنتظام الأفراد في حياة إجتماعية مشتركة. بالمعنى العملي هي عبارة عن التجمع الواعي و المنظم لمجموعة من الأشخاص يتابعون هدفا واحدا أو أكثر.
ب- التحديد الإصطلاحي:
اصطلاحا الجمعية هي ‘تجمع مؤسس على الإنخراط الإرادي و مساهمة الأعضاء بمعارفهم و أنشطتهم من أجل الجماعة لأهداف غير الربح.’ إنها مؤسسة لكونها راسخة بقوانينها و مستقرة بأنماط سلوكها، تتمتع بشرعية هدفها إشباع حاجات الناس. و الدفاع عن حقوقهم السياسية و الإقتصادية والثقافية و المدنية عبر الزمن، إنها كيان يتطور تبعا للتحولات التي تعرفها بنيات المجتمع. أنها تلعب دورا أساسيا في التغيير الإجتماعي يهدف إلى توازن المجتمع، فهي مؤسسة إرادية أو شبه إرادية يقيمها الناس و ينخرطون فيها أو يحلونها أو ينسحبون منها. و ذلك على عكس مؤسسات المجتمع البدوي/ القروي. و التي تتميز بكونها مؤسسات طبيعية، يولد الفرد منتميا إليها مندمجا فيها، لا يستطيع الإنسحاب منها مثل: القبيلة و الطائفة.
ج- التحديد القانوني لمفهوم الجمعية:
نظرا للإهتمام الكبير الذي تضطلع به جمعيات المجتمع المدني بالمغرب مند عهد الحماية. و نظرا للتطور الكمي الذي عرفته هذه الأخيرة، فإن المشرع المغربي أطر هذه التنظيمات، بمقتضى ظهير 15نونبر.1651 المتعلق بالحريات العامة. الهادف كذلك إلى فسح المجال أمام المواطنين الراغبين في ذلك من تأسيس الجمعيات، و تمكين السلطة المحلية من ضبط نمطها و أنشطتها و أهدافها و الأعضاء المشكلين لمجلس إدارتها.
قد جاء في الفصل الأول من الظهير المذكور: ” الجمعية هي إتفاق لتحقيق تعاون مستمر بين شخصين أو عدة أشخاص لإستخدام معلوماتهم أو أنشطتهم لغاية غير توزيع الأرباح فيما بينهم.”
تجدر بنا الإشارة هنا أن، هذا التعريف، هو إمتداد للتعريف الفرنسي ل1: يوليوز 1901 الذي يعد بمثابة ميثاق أساسي لقانون الجمعيات في فرنسا.
يتضح من هذا التعريف، أن الجمعية؛ كيان مستقل، و مهيكل، يعمل وفق أهداف معينة غير توزيع الربح. يختلف و يتميز عن المؤسسات الرسمية و العسكرية، على الرغم من كونه يتكامل مع المؤسسات الحاكمة تنسيقا و إستشارة و إقتراحا. كما يتميز كذلك عن المؤسسات التقليدية: كالأسرة و القبيلة.
المحور الثاني: تغيُرات وتنوع نمط العيش للمجتمع المغربي
• مستوى العيش
من الملاحظ أن الدينامية الداخلية للمجتمع المغربي تعرف تحوُلات عميقة، فهو مجتمع في طور التمدين وأنماط عيشه تتغير، إنه مجتمع يشهد تغيُرات مهمَة على مستوى البنية الأسرية والإسهام النسائي، كما أنه مجتمع يطور قدرات جديدة للتعبير، ويعرف بروز فاعلين جدد، مجتمع تشهد مرجعية قيمه صيرورة متحولة مع أنه لا يزال مترددا إزاء الحداثة. ويتعين الإقرار في البداية بأنه إذا كانت الجغرافيا والتاريخ الخاصان بالبلاد قد صاغا تدريجيًّا مقوِّمات هوِيَة الشعب المغربي، فإن الإتصال بالإستعمار هو الذي مهَد للمنعطف الكبير للإنتقالات التي يشهدها المجتمع المغربي منذ عدة عقود.
على الرغم من أن مستوى العيش المتوسط للمغاربة قد تطور بوتيرة أقل من وتيرة أمم أخرى، فإنه عرف تقدُما منتظما منذ الإستقلال . وفي نفس الوقت، تزداد الفوارق في مستوى العيش بين فئات الأسر، وبين الرجال والنساء، وبصفة خاصَة ودائمة بين المدن والقرى.

ولقد شكَل التغيير الذي طال بنية إستهلاك المغاربة، ولو بكيفية نسبية، مؤشرا مهمًّا على تطور المستوى المعيشي ونمط العيش، فقد تقلصت اليوم حصة الإنفاق الغذائي، بينما مثَلَت سنوات الستينيات مرحلة الوفرة الإستهلاكية لدى السكان. أما المصاريف الأخرى المرتبطة بالتجهيز والترفيه فقد عرفت تضاعفًا ملحوظًا.
• تحوُلات بنيوية للأسرة المغربية
تبيِّن بعض البحوث التي أنجزت حول القيم، أنه على الرغم من إنفتاح المغاربة على الحداثة، فإن غالبيتهم ما زالوا يولُون أهميَة قصوى لكل من التماسك الأسري بصفة عامَة، ولرباط الزوجية بصفة خاصَة. أما بالنسبة إلى التضامن الأسري، فقد أصبح يتعرض هو الأخر لتحوُلات، وإن كانت ما زالت في بدايتها. ولقد أفادت أبحاث حديثة العهد أن أكثر من %2.20 من الأسر تسيِّرها إمرأة، و%8 من الأسر وحيدة الأب أو الأم.
وقد عرف السلوك الزوجي للمغاربة بدوره تحولات ملموسة، من أبرزها الإرتفاع التصاعدي للعزوبة، والتحوُل الذي يطبع سلوكيات الزواج. وهكذا إنتقلت نسبة العازبين بالمغرب ما بين 1960 و2014، من نحو %20 إلى %46 بالنسبة إلى الرجال، ومن %17 إلى %34 بالنسبة إلى النساء.
وقد شهدت وضعية النساء في المغرب في السنوات الأخيرة تحوُلاً هامًّا على المستوى التشريعي، ففي سنة 2014، تمكنت الأسرة المغربية من التوفُر على قانون جديد يؤسِّس للمعاملة بالمثل في الحقوق والواجبات بين الزوجين. ويرتكز هذا القانون الجديد على تأسيس علاقة الزواج على المساواة والتراضي والتفاهم وإقتسام المسؤولية المنزلية والأسرية. كما أنه بإعادة تنظيمه الطلاق وحمايته لحقوق الطفل وفرضه قيودا على تعدُد الزيجات، كان داعما للعلاقة الزوجية.
• الشباب في صلب دينامية التغيير
ولعل أهم تحدٍّ يطرح لمغرب العهد الجديد نحو التحولات العميقة التي تعرفها شريحة الشباب، فالشباب يشكلون مؤهِّلاً ثمينا بالنسبة إلى البلاد وفرصتها نحو المستقبل. فمن البالغين دون سن الثلاثين من يمثلون %60 من الساكنة، في حين يمثل البالغون ما بين 15 و 34 سنة %40 .وتبقى هذه الشريحة الواسعة من الشباب غير معروفة بما فيه الكفاية من الناحية السوسيولوجية والثَقافيَة. وتبرز الدراسات النادرة التي خصصت للشباب، على وجه الخصوص، عزوفه المقلق عن السياسة، في حين كان شغوفا بها خلال عقدي الستينيات والسبعينيات. وبالمثل، يلاحظ لدى الشباب نوع من الإبتعاد عن المنظومة الأخلاقية للأجيال السابقة.
وعلى الرغم من كثرة النقائص التي تشوب المنظومة التربوية، فإن الشباب المغربي لا يزداد إلا تعلُما وتأهُلاً، وبذلك فإن نسبة البطالة التي تطاله اليوم أصبحت مزعجة ولا تطاق. وبغضِّ النظر عن البطالة، فإن المشكلات التي يعيشها الشباب هي من الكثرة والتعقيد بمكان، بحيث تتجاوز اختصاصات بعض القطاعات الوزارية )الشباب، التربية، الرياضة، الثَقافة(.
تجدر الإشارة إلى أن النقاشات الناشئة في المغرب حول علاقة المجتمع بالدين تكشف عن وجود ثلاث نزعات أساسية: أُولاها -وهي الأكثر غالبية- تولِّي مؤسَسة إمارة المؤمنين )المؤسَسة الملكية( مكانة مركزية في الدولة المغربية، وثانيتها تتمثل في توجُه يروم أسلمة جميع مناحي المجتمع، من خلال المطالبة بقراءة للدين خارج الزمن وبتعالٍ عن التاريخ. أما النزعة الثالثة فتنادي للمجتمع بالدنيوية وحدها الكفيلة، حسب دعاتها، بضمان حرية التأويلات المقرونة بالديمقراطية وحرية التعبير. ويتبين، من خلال معاينة الممارسات الدينية للمغاربة، وكذا تلك المتعلقة بالمؤسَسات )الدولة واللادولة(، أن البلاد تسير نحو إدماج المؤسَسة الدينية في الفضاء العمومي، وذلك بالطبع دون تخلِّيها عن مرجعياتها الدينية.
• تحول نظام القيم
قام المغرب لأول مرة سنة 2004 ببحث وطني حول القيم، أفرزت التحليلات المترتبة عنه أن في مرجعية القيم بالمغرب تحولا، وأنها تمر اليوم بمرحلة إنتقال ، تتميز بما إستأنس به المغاربة من تعايش بين القيم التقليدية، التي تعرف تراجعا لحساب القيم الجديدة التي توجد في طور البروز والترسخ.
قد تأثر بإسهامات خارجية، وبالتفاعلات التي أقامها المجتمع المغربي مع محيطه. إلا أنه، وعلى غرار البنيات الإجتماعية ، فإن الإتصال مع الإستعمار بوجه خاصٍّ هو الذي خلخل الخزان التقليدي للقيم بالمغرب، ووضع على المحكِّ نظام التمثُلات والمرجعيات، بدخول قيم جديدة مرتبطة بالعلاقة مع الزمن والمكان والفرد، وبالعلاقات الإجتماعية بصفة عامَة. وخلال العقدين الأخيرين فرضت العولمة وتطور الإعلام على المجتمع المغربي قيما ومرجعيات جديدة، أكثر كونيَة. ويصل البحث الوطني حول القيم إلى الخلاصات التالية:
لا يزال الزواج محتفظًا بقيمته الكبرى، إلا أن الأسرة محدودة الأفراد تميل تدريجيًّا إلى الهيمنة. كما أن الإختيار الحر للشريك هو المرشَح ليصبح القاعدة السائدة، وأن نسبة %97 تعتبر التكفل بالأشخاص المسنِّين في الأسرة من الواجبات الملقاة على عاتق أبنائهم.
إن العلاقة بالدين تميل نحو التستر والفردانية.
إن الأهتمام بالعمل السياسي يبدو ضعيفًا على عكس الإهتمام بالعمل الجمعوي: مفاهيم اليمين والوسط واليسار غير مفهومة عموما، في حين يعتبر%60 من المستجوبين المسلسل الديموقراطي يتقدم في المغرب، كما أن %64 لهم كامل الثقة في مستقبل بلادهم، كما أن الموقف من إسهام المرأة في السياسة، على العموم، إيجابي.
%77 يتمنون الشغل بقوة، وتعتبر عقلية الريع والإثراء السهل والوسائل غير المشروعة للإغتناء مرفوضة من طرف المستوجبين. أما القيم المرتبطة بالوقت الثالث فهي غير معروفة وأكثر من نصف المستوجبين لا يستفيدون من العطل بإنتظام. كما أن %73 من المستجوبين لا يمارسون رياضة معيَنة.
• التُراث والدينامية الثَقافيَة
يشكِّل تراث البلاد وديناميته الثَقافيَة والفنية إمكانا مهمًّا، وإسهاما أصيلاً وثمينا في الحضارة والثَقافة العالميتين. تمكَن المجتمع المغربي من الحفاظ على العناصر الأساسية للتُراث الوطني، وإتاحة تجديد في الإبداع الثَقافي والفني، بعد فترة خمول أملتها جزئيًّا نزاعات سياسية، وإتسمت بغياب سياسة ثقافيَة حقيقية، ذلك أن أجيال ما بعد الاستقلال وفِّقَت عموما إلى حفظ ومنح الحياة لمختلف تعابير التُراث العتيق للبلاد، في أشكالها الأصلية، ثم في عصرنتها. وهذا التُراث هو الذي يستمرُ اليوم في تمكين المغرب من صورة الأمة المتجدرة في التاريخ، بما يغدقه عليه من الإمكانات السياحية والثَقافيَة.
إلا أنه يتعين ملاحظة أن التُراث الأنثروبولوجي والهندسي للبلاد، قد طالته بعض علامات التأكُل، نظرا إلى عدم كفاية مجهود الصيانة والتقويم التي عانى منها خلال العقود السابقة. ونفس الشيء ينطبق على التُراث الشفاهي وجميع هذه “المعارف الضمنية الْمحلِّيَة”، التي تنقاد غالبا نحو الإقتصاد غير المهيكَل. ويجب أيضا تأكيد مستوى الإنتاج الفني والثَقافي، أن الإقلاع الثَقافي، الذي عرفه المغرب خلال السنوات الأولى للإستقلال، والذي إمتد إلى بداية السبعينيات، عرف جمودا دام أكثر من عقدين. ومنذ بداية التسعينيات، ومع الإنفتاح السياسي وتطوُر الإعلام، برزت ملامح دينامية ثقافيَة وفنية جديدة في مختلف الميادين، على نحو ما يمكن معاينته في مجال الإنتاج الأدبي، وكذا في مجالات الهندسة المعمارية والفنية المعاصرة والسينما والمسرح.
أما على مستوى اللغة الأمازيغية، كأحد مكونات الهوِيَة الوطنية، فقد عانت من التهميش في بعدها الثَقافي والحضاري منذ الإستقلال وإلى نحو 2001 حيث أسس خطاب العرش 30) يوليوز (2001بداية لسياسة جديدة قائمة على الإعتراف والإعتزاز بتعددية مكونات الثَقافة الوطنية، وعلى المكانة الأساسية التي تحتلُها الثَقافة الأمازيغية. ويعتبر تصالح المجتمع مع المكون الأمازيغي عنصرا رئيسيًّا في الإستراتيجية الثَقافيَة واللغوية الجديدة للدولة. وهي أستراتيجية تتأسس على أربعة محاور أساسية: (1)الأمازيغية معطى تاريخي متجذِّر في أعماق تاريخ المغرب وحضارته،(2)الأمازيغية عنصر أساسي في التُراث الوطني المتقاسم بين سائر مكونات المجموعة الوطنية دون أستثناء، (3) النهوض بالثَقافة الأمازيغية مسؤولية وطنية، (4)العناية بالثَقافة الأمازيغية في إطار ترسيخ دولة القانون والمؤسَسات وبناء مشروع المجتمع الديمقراطي والحداثي الذي ينشده المغرب.
ضمن هذا المنظور،أنِيطَت بالمعهد الملكي للثَقافة الأمازيغية المؤسس في سنة 2001، مهمَة النهوض بالثَقافة الأمازيغية بالتعاون مع السلطات الحكومية والمؤسَسات المعنيَة، وذلك من أجل إدماجها في كل من المنظومة التربوية والإعلام والحياة الثَقافيَة والبحث العلمي.

وفي ما يخصُ الإنتاج الأدبي بالمغرب، فقد عرف قطاع النشر في العقدين الأخير ين تطوُرا ملحوظًا حيث تمَ إصدار نحو 12.400كتاب ما بين 1985 و2003، في حين لم يتجاوز 3113 كتابا خلال مرحلة 1955-1984.

• الممارسة الديموقراطية
واجه المغرب بعد الإستقلال تحديين أساسيَين: إستكمال وحدته الترابية، وإرساء دولة القانون والمؤسَسات.
إختارت أغلبية القوى السياسية للبلاد غداة الإستقلال ، أن تمنح الأولوية لبناء الدولة وللتنمية في أغلب المناطق المحررة من المملكة، مع مواصلة الكفاح لتحرير المناطق التي لاتزال سليبة. ومع نهاية هذا الكفاح، إختار بعض قادته التموقع في معارضة النظام، معارضة كانت مطبوعة ببعض أعمال العنف، بشكل متعارض مع مجموع القوى السياسية الإخرى. وسرعان ما تمكن المغرب من إسترجاع كل من طرفاية (1958) وايفني (1969) وفي ما بعد الأقاليم الصحراوية سنة 1979.

عرف المغرب منذ الإستقلال حياة دستورية ونقاشًا متواترا حول الدستور، حيث أُجرِيت مبكرا إستشارات وطنية واسعة ومتكررة بين جميع القوى السياسية، كما أنه في إنتظار إكتمال البنيات التنظيمية للبلاد، تم إعتماد قانون أساسي، يعد مدونة للحريات العامَة والجمعيات والصحافة. ولقد أثارت كيفية إعداد الدستور، في حدِّ ذاتها، في البداية، بعض التوتر السياسي، إذ ساند جناح من المعارضة اليسارية المطالبة بجمعية تأسيسية لوضع القانون الأساسي للبلاد، فيما لم تكُن القوى السياسية الأخرى ترى ضرورة لذلك. ولقد وقع إختيار المغرب على نظام خاص به هو “الملكية الديموقراطية والإجتماعية “، ذات المؤسَسات التمثيلية للشعب، يلعب فيها الملك دورا حاسما على عدة مستويات، منها كونه رئيس الدولة والمسؤول عن الجهاز التنفيذي. وقد كانت أغلبية المعارضة اليسارية ترغب في البداية في إعادة تنظيم السلطة وضمان السيادة الواسعة للمجلس البرلماني، وفي أن يتحمل الوزير الأول المسؤولية شبه التامَة للجهاز التنفيذي. وقد قدم أول دستور مغربي أجوبة سيظل بعضها ثابتا في المراجعات اللاحقة، فيما تمَ تغيير البعض الأخر، مع التذكير بأن هذا الدستور تمَ إعتماده عن طريق الإستفتاء في7 دجنبر 1962، وحظي بدعم بعض القوى السياسية، في حين قاطعته المعارضة اليسارية بشدة. ومن الثوابت الرئيسية التي جاء بها هذا الدستور:
– الملك أمير المؤمنين والممثِّل الأسمى للأُمَة ورمز وحدة البلاد وضامن الحريات والحقوق الأساسية للمواطنين.
– يحتفظ الملك بالسلطات التنفيذية والتنظيمية وبصلاحيات التسمية التي يمكن أن يفوضها.
– الحريات والحقوق الأساسية للمواطن منصوص عليها ومضمونة بالدستور، ولا يمكن ممارستها إلا بمقتضى قوانين.
– إقرار مبادئ فصل السلطات وإستقلال القضاء.
– يملك البرلمان السلطة التشريعية في ميادين يحدِّدها الدستور، وكذا سلطة مراقبة وتأنيب الحكومة.
– دور الأحزاب السياسية معترف به، ويمنع الدستور الحزب الواحد.
– لا يمكن أن تطال أي مراجعة للدستور بالنسبة إلى الدين الاسلامي أو النظام الملكي للحكم.
وقد عرف دستور 1962 عدة تعديلات، آخرها تعديل .1996 أهم هذه التعديلات: إعتماد نظام الغرفتين الدستوريتين، وتصويت مجلس النواب على الحكومة، وإحداث المجلس الدستوري، وتوسيع سلطات الوزير الأول بتخويله صلاحية إقتراح الوزراء على الملك، وتعزيز سلطة مراقبة البرلمان على الحكومة، والإعلان عن تمسك المغرب بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها على الصعيد الدولي.

أما على مستوى التمثيلية الجماعية، فقد قام المغرب منذ سنة 1960 بتنظيم أول إنتخابات في تاريخه بالإقتراع العامِّ المباشر، ليدخل بذلك تجرِبة الديموقراطية الترابية، التي كانت خجولةً في البداية، والتي ما فتئت تعرف تطوُرا مهمًّا في ما بعد، بموجب الميثاق الجماعي لسنة 1976، لتزداد إتساعا وعمقا بفضل الميثاق الجماعي الذي تمَ إعتماده سنة .2002 ولقد أجريت

الإستحقاقات الإنتخابية الجماعية بإنتظام، وتمكنت المجالس المنبثقة عنها من ترصيد تجرِبة مهمَة في ميداني المداولات والتدبير الْمحلِّي.
وعلى الرغم من التجاوزات التي كانت تشوب جلَ الإستحقاقات السابقة فإن المسلسل الديموقراطي إستطاع أن ينتقل إلى مستوى أفضل منذ 2002 وذلك بفضل التوافق الوطني الذي حصل سنة 1998 بين المؤسَسة الملكية والقوى الوطنية الديموقراطية إلى الحكم إلى جانب قوى سياسية أخرى. ويعتبر هذا التوافق شكلا من أشكال الديموقراطية سبق لبعض قوى اليسار المغربي أن نادى بها منذ أواسط السبعينيات من القرن الماضي.
المحور الثالث:المخططات التنموية بالمغرب منذ سنة 1960:
المخطط الخماسي( 1960.1964)
كانت أهم رهانات هذا المخطط تحقيق الإستقلال الإقتصادي من التبعية الخارجية، وتحسين جودة الخدمات الإجتماعية ، وإرساء قواعد للتصنيع الفلاحي. حيث كان الهم الأساسي لواضعي هذا المخطط يتجلى بالأساس في “إعادة هيكلة النظام الإقتصادي المغربي ككل بصورة تجعله يتجه في إتجاه غير إتجاه نظام التعمير الإستعماري حتى يمكن الدخول في مسلسل القضاء على البطالة…” وتوسيع فرص الشغل لتشمل كافة الجماهير العاطلة.إلا أن إقالة الحكومة الوطنية التي كانت آنذاك برئاسة “د.عبد الله إبراهيم” سيؤدي إلى إعادة النظر في إستراتيجية المخطط. وهكذا طرح مشروع تحديثي جديد كبديل للمخطط الخماسي ركز فيه على ضرورة البطالة وإنعاش الشغل كأساس ألي مشروع تنموي، فطرح “برنامج الانعاش الوطني” لمحاربة البطالة في البادية تحت وصاية وزارة الداخلية )سنة 1961) حيث تم الإعتماد فيه على تمويل ثلاثي المصدر، جزء يأتي من إعانة القمح الأمريكي وجزء من ميزانية الدولة وآخر من ميزانية الجماعات المحلية.
المخطط الثلاثي( 1965.1968)
ركز هذا المخطط على “الفلاحة والصادرات والسياحة”، ونادى بتقليص تدخل الدولة في المجالات الإقتصادية الأخرى، وإعطاء القطاع الخاص الدور المهم والمحرك الإقتصادي…، وكان يشجع على إنتهاج سياسة ليبرالية في المجال الإقتصادي “فوجهت الدولة إستثماراتها إلى إنشاء السدود وتوجيه الفلاحة نحو التصدير وإخضاعها لمتطلباته، وتطوير آليات الإستغلال في قطاع الفلاحة بواسطة مزارع مجهزة ومتطورة “وهكذا تطورت الفلاحة المسقية وأمكن ضمان التزويد المنتظم للمدن بالماء الصالح للشرب، غير أنه لم يكن بإمكان المناطق النائية والساكنة المعوزة الإستفادة بشكل تلقائي من إنعكاسات السدود والطرق والشبكة الكهربائية “. أما في مجال السياحة فقد إتجه المخطط إلى إنشاء تجهيزات مهمة من بناء سلسلة من الفنادق وتحسين جودة الخدمات في أكثر المناطق جلبا للسياح…

المخطط الخماسي) 1968.1972)
جاء هذا المخطط كإمتداد للإختيارات والأولويات و الشعارات التي ميزت المخطط السابق، مع إعطاء بعض الأولوية للقطاع الصناعي، بتشجيع الفلاحة التصديرية وتحديث وسائل الإنتاج، وفكانت النتائج الإجتماعية للإستراتيجية التنموية التي نهجتها الدولة جد هشة ومخيبة لكافة تطلعات ومتطلبات المواطنين.
جاء المخطط الخماسي الثالث 1973) ـ1977)

جاء بسياسة جديدة ذات طابع نقدي للأوضاع الإقتصادية والإجتماعية التي أفرزتها مرحلة الستينات، ولذلك أعتبر هذا المخطط بمثابة سياسة تصحيحية لإستراتيجيات الدولة السابقة في معالجة الأوضاع العامة للبلاد، حيث أعطى بعض الأولوية للقطاع الصناعي وقرر بعض الإصلاحات في الميدان المالي والضريبي كما أقر بعض الإصلاحات الإجتماعية “. وعمل على تشجيع عمليات النمو في الأقاليم المهمشة بإنتهاج سياسة اللامركزية، ومغربة الإقتصاد الوطني بالتشجيع على شراء أسهم الأجانب. بيد أن الإضطرابات التي عرفها إنخفاض الطلب على الفوسفاط والزيادة في أسعار البترول وكذا النفقات التي تحملها المغرب إبتداء من 1975 بما عرف بتعمير المناطق الصحراوية المسترجعة. مما أدى إلى إنتكاسة طموحات هذا الأخير حيث غدت المشاريع الإقتصادية والإجتماعية تعاني من جمود جراء مشاريع لم تنفذ أو شرع في تنفيذها وتعذر إتمامها.
المخطط الثلاثي 1978) ـ (1981
الذي حاول أن يلطف من الأزمة الإقتصادية الناتجة عن ارتفاع أسعار البترول” فأفرز مكانة مهمة للقطاع الخاص في عملية التنمية، وعمل على الإعتناء بالمقاولات الصغرى والمتوسطة وأوصى بالتقليل من نفقات الدولة جراء إنعكاس سنوات الجفاف التي عرفها المغرب في تلك الفترة.
مخطط خماسي جديد(1983.1987)
الذي يروم إلى لملمة الأوضاع الإقتصادية والاجتماعية للبلاد، عن طريق دعم المنتوجات الغذائية والصناعية والطاقة، وركز على التقليص من الفوارق الطبقية بإحداث مناصب للشغل …لكن إقرار سياسة “التقويم الهيكلي” في نفس الفترة سوف يؤدي إلى تبطيئ عملية النمو وإلى تدهور التنمية الإجتماعية جراء الحد من الموارد والتقليل من طلب الحبوب وإرتفاع الأسعار الداخلية نتيجة تدهور العملة الوطنية بالنسبة للعملة الأجنبية وإنعكس هذا على الدولة إذ كلفها ذلك جهدا مضاعفا لتحقيق بعض الأهداف الموسمية في المخطط.
برنامج الأولويات الإجتماعية سنة1993
الذي هدف بالأساس إلى تطبيق إستراتيجية للتنمية الإجتماعية ، تشمل العديد من الأقاليم الأكثر تهميشا في المملكة. والتي تتألف من ثلاثة مشاريع أساسية: التعليم الأساسي، الصحة الأساسية والإنعاش الوطني و التنسيق ومتابعة البرامج الإجتماعية. فكانت أهم نتائجه تحسن لا بأس به في مستوى المكوث في المدرسة خاصة بالنسبة للفتاة والرفع من مستوى التمدرس، كما إستفاد الأطفال المتمدرسون من توزيع الكتب والأدوات المدرسية ومن خدمة المطاعم المدرسية. كما كانت نتائجه على مستوى مجال الصحة مشابهة تقريبا للمعادلات الوطنية المتوسطة، في حين كانت نتائجه مهمة على مستوى معالجته لمعضلة الفقر حيث عمل على خلق فرص واسعة للشغل وفك العزلة عن المناطق القروية بمدها بالماء الصالح للشرب، وفي ذات الإطار تم إنجاز مجموعة من المشاريع من طرف “الإنعاش الوطني” والتي مكنت من خلق كتلة أجرية مهمة في الوسط القروي من دعم تدخلات كل من الصحة والتربية.
مخطط التنمية (2000.2004)
والذي هدف إلى تعديل مسار التطور وآليات التنمية الإقتصادية ـ الإجتماعية ووضع المغرب على السكة الصحيحة للتنمية، التي يستطيع من خلالها إستغلال كل مكوناته وطاقته المادية والبشرية إستغلالا عقلانيا. وتتلخص أهم البرامج المقترحة في هذا الإطار في: الإهتمام بالعالم القروي وتقليص الهوة بين البادية والمدينة وتأهيل الإنتاج والبنى التحتية الصناعية، وإجتماعيا هدف إلى تقليص الفوارق الإجتماعية والإهتمام بالفئات المهمشة والفقيرة وكذا الإهتمام بالتعليم ومحو الأمية ومحاربة السكن الغير اللائق…كما هدف إلى وضع آليات تسهر على تخليق الحياة العامة وإصلاح الدولة.
المبادرة الوطنية للتنمية البشرية(2005 إلى حدود الأن)
تعد المبادرة الوطنية للتنمية البشرية مشروع ملكي تنموي بامتياز، حيث تم إعطاء إنطلاقتها رسميا في 18 ماي 2005 ، والذي يهدف إلى تحسين الأوضاع الإقتصادية والاجتماعية للشعب المغربي. وهي تقوم على ثلاث محاور أساسية:
التصدي للعجز الإجتماعي بالأحياء الحضرية الفقيرة والجماعات القروية الأشد خصاصا؛ـ تشجيع الأنشطة المتيحة للدخل القار والمدرة لفرص الشغل؛ العمل على الإستجابة للحاجيات الضرورية للأشخاص في وضعية صعبة
مخطط “المغرب الأخضر:
“يندرج مخطط “المغرب الاخضر”، الذي أطلق في أبريل 2008 ، في إطار مقاربة شمولية ومتعددة القطاعات في المجال الفلاحي تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة وتأخذ بعين الإعتبار الأبعاد الإجتماعية والبيئية في مختلف برامجها. ويرتكز مخطط “المغرب الاخضر” على دعامتين. تهدف الدعامة الأولى إلى تحقيق تنمية فلاحة عصرية ذات قيمة مضافة عالية أو منحى إنتاجي يستجيب لمتطلبات السوق من خلال الإعتماد على الإستثمار الخاص، وذلك عبر تمويل 1000 مشروع في مجال الإنتاج والصناعات الغذائية بغلاف مالي يتراوح ما بين 10 و 15 مليار درهم في السنة. أما الدعامة الثانية فتهم مواكبة تضامنية للفلاحة الصغيرة عبر تحسين مداخيل الفلاحين الأكثر هشاشة لاسيما في المناطق النائية.
خاتمة
وفي الختام يمكن الاتفاق مع الاستنتاج الذي توصل اليه برهان غليون ” بأننا نسير اليوم نحو حقبة التحرر من المفهوم الكلاسيكي الحديث للدولة كمركز أحادي ووحيد للتنظيم والتنسيق الاجتماعي وهي الحقبة التي دامت أكثر من قرنين. وهذا التحرر من المفهوم التقليدي للدولة لا يعني بالضرورة زوال الدولة وإنما زوال شكل من أشكالها. لكن الأهم من ذلك هو معرفة طبيعة الهيئات والتنظيمات والمؤسسات التي ستحل محلها وتشكل جماع نشاط القرن القادم كله وربما القرن الذي يليه. إن العودة الراهنة إلى المجتمع هي موجة عميقة الجذور، لكن طرق هذه العودة وأشكالها والنماذج التي ستنجم عنها، كل ذلك لا يزال في بداياته الأولى ”
قائمة المراجع :
المراجع العربية :
1. ميوسي محمد 3446 ،قراءة في مفهوم التنمية ،مجلة كلية الآداب، الجديدة، العدد2 .مطبعة النجاح الجديدة، ص 656
2. بوصفيحة صباح :3443 محاضرات “الجغرافية الاقتصادية “, كلية الآداب والعلوم الإنسانية .ظهر المهراز فاس
3. نفس المصدر
4. حنون محمد:” دور المواطن في التنمية المحلية” جريدة الميثاق الوطني عدد5958,8/11/1995
5. سيف الدين عبد الفتاح إسماعيل:’ المجتمع المدني و الدولة في الفكر و الممارسة الاجتماعية المعاصرة.” ندوة بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2991ص191
6. الطبعة 2991، ص: 02 السيد الحسيني: “نظريات علم اجتماع التنظيم” ، دار المعرفة الجامعية
7. العالمة ابن منضور: لسان العرب المحيط، دار لسان العرب، بيروت، المجلد الأول، ص: 498
8. خليل الحر: المعجم العربي الحديث) الروس(.
9. إصدار الدار البيضاء، 3002 )بالفرنسية(.La Croisée des Cheminsأمينة التزاني، الثَّقافة والسياسة الثَّقافيَّة بالمغرب

Exit mobile version