أهمية الإقتطاعات الضريبية في عملية إعادة التوزيعتمويل قطاع التعليم والصحة نموذجا

أهمية الإقتطاعات الضريبية في عملية إعادة التوزيع تمويل قطاع التعليم والصحة نموذجا

أحمد إفقيرن، باحث في القانون العام والعلوم السياسية.

تشكل الضريبة المصدر الرئيسي للموارد المالية للخزينة العامة للدولة، وتعتمد عليها الدولة بشكل كبير في تغطية النفقات العمومية، وكذا تلبية الحاجيات الضرورية للمواطنين. وتمثل القطاعات الإجتماعية من القطاعات المستفيدة من التمويل العمومي والتي تشكل وسيلة لإعادة التوزيع.

ويستمد النقاش العمومي حول الضريبة، أهمية بالغة من الدور المحوري الذي تلعبه الضريبة في توفير الإمكانيات الضرورية لتنفيذ السياسات العمومية، وترجمة الإختيارات العمومية، وتنزيل البرامج الهادفة إلى تحقيق التنمية الإقتصادية والإجتماعية.

يشكل إعطاء الأولوية للسياسات الإجتماعية من التوجهات الكبرى في قوانين المالية السنوية، ويعد قطاع التعليم والصحة من القطاعات المستفيدة من التمويل العمومي، نظرا لدورهما في تنمية قدرات الأفراد، وتحقيق المساواة وتكافؤ الفرص، كما يشكلان أولوية ودعامة أساسية لتحقيق التنمية داخل أي المجتمع.

ونظرا لأهمية قطاع التعليم والصحة إلى جانب قطاعات إجتماعية أخرى، فسنحاول دراسة وتحليل أهمية الإمكانيات المالية المرصودة لهادين القطاعين الحيويين، من خلال الوقوف على تطور وأهمية النفقات العمومية المرصودة لهما، وكذا وضعيتهما من خلال التقارير الوطنية والدولية.

المطلب الأول: تطور النفقات العمومية المرصودة لتمويل قطاع التعليم والصحة

يساهم ضمان الخدمات المتعلقة بالقطاع الإجتماعي من طرف الدولة في تحقيق العدالة الإجتماعية، عن طريق توفير “الخيرات الأولية”[1] لجميع أفراد المجتمع حسب تعبير “جون راولز”، وكذا “لتنمية قدرات الأفراد”[2] حسب تعبير “امارتيا صن”، وتغطية نفقات هذا القطاع يفرض تدخل الدولة باستغلال الأداة الضريبية التي تعتبر أهم وسيلة يمكن إستثمارها لتوفير الإمكانيات الضرورية اللازمة.

ويعتبر توفير الخدمات التعليمية والصحية الجيدة لأفراد المجتمع، آلية من بين الآليات الأخرى التي يمكن للسلطات العمومية إستثمارها لتحقيق عدالة إعادة التوزيع، وكذا تقليص الفوارق الإجتماعية. ويمثل التعليم والصحة نموذجين لقطاعين اجتماعيين أساسيين لتقوية قدرات الافراد، ومنحهم القدرات اللازمة التي ستمكنهم من حرية الإختيار، وتساعدتهم على الإندماج الإجتماعي، وعلى تحسين مستوى عيشهم.

الفقرة الأولى: تمويل القطاع التعليمي بالمغرب كآلية لإعادة التوزيع

يعتبر التعليم بالمغرب مجانيا، وتتحمل الميزانية العامة للدولة نفقات هذا القطاع، هذا بالرغم من وجود ملامح لتوجهات نحو إلغاء هذه المجانية أو التقليص منها. فإلى جانب التعليم العمومي، هناك التعليم الخصوصيالذي أصبحت الدولة تشجعه بطريقة غير مباشرة[3]، ورسمت عنه صورة التعليم ذو جودة عالية مقارنة مع التعليم العمومي.

والمبيان التالي يبين تطور حجم النفقات العمومية على القطاع التعليمي، وتشمل النفقات العمومية، نفقات الموظفين، والمعدات والنفقات الأخرى، ثم نفقات الإستثمار.

حجم النفقات العمومية على القطاع التعليمي[4] بالمغرب ب (المليون درهم)

المصدر: مبيان تركيبي من خلال قوانين المالية للسنوات المبينة في الجدول.

من خلال المبيان يتضح أن النفقات العمومية على قطاع التعليم تعتبر جد مهمة، حيث وصلت 2001 إلى 23775 مليون درهم، وهي في إرتفاع مستمر إلى حدود 2010، ووصلت إلى 49419 مليون درهم، لتنخفض سنة 2011 لتصل إلى 48025 مليون درهم. وفي سنة 2012 سارت في إرتفاع مستمر لتصل سنة 2016 إلى 53132 مليون درهم، ثم سنة 2019 إلى 62032 مليون درهم أي ما يقارب 13.98 في المائة من مجموع نفقات الميزانية العامة للدولة.

إن الأرقام التي تعبر عن أهمية النفقات العمومية في تمويل القطاع التعليمي، لا يمكن ان يحجب علينا حقيقة وضعية التعليم بالمغرب، سواء على مستوى قدرتها على منح القدرات اللازمة للأفراد للإندماج داخل المجتمع، وكذا على مستوى مساهمتها في تغير وضعية الأفراد وعدم إعادة الإنتاج الإجتماعي.

إن إصلاح التعليم يعتبر الدعامة الأساسية من أجل تحقيق التنمية الإقتصادي والإجتماعية للمواطنين، ذلك لأن النظام التربوي يساهم في تماسك النسيج الإجتماعي، ويضمن تكافؤ الفرص. كما يشكل النظام التعليمي القالب الرئيسي للإندماج بالنسبة للفئات المحرومة بحيث يتيح لها فرصة الإرتقاء والمساهمة في خلق ثقافتنا[5].

إن النظام التعليمي عماد أساسي لبناء الإنسان، وأداة لتغيير الوضعية الإقتصادية والإجتماعية للأفراد[6]. ولا يمكن لأي دولة أن تحقق أي تطور إقتصادي وإجتماعي أو ثقافي دون تعليم ذي جودة وقدرة على تكوين الأفراد، وإعطائهم القدرات اللازمة التي تفتح لهم أفاق الإندماج داخل المجتمع، وكذا الإستجابة لحاجيات سوق الشغل.

الفقرة الثانية: تمويل القطاع الصحي بالمغرب ألية لإعادة التوزيع

يفرض تحقيق الإنصاف في المجال الصحي توفير الخدمات الصحية الملائمة لكافة المواطنين بغض النظر عن مستوياتهم المعيشية وطبقاتهم الإجتماعية، فالصحة بمعناها الواسع هي التعافي من كل الأمراض والعاهات والأوبئة، ولا يمكن حصرها فقط في الخلو فقط من المرض، بل يلزم مراعاة مقومات السلامة النفسية والجسدية والعقلية وضمان الوقاية الدائمة والشاملة من كل ما يؤذي الفرد والمجتمع.

إن القرارات التي تتخذ في مجال السياسة العامة للدولة خصوصا المجال المالي، والإقتصادي، ثم الإجتماعي، تؤثر بشكل كبير على الصحة العمومية، وبالتالي لا بد أن تأخذ بعين الإعتبار التأثيرات الصحية لكل الإجراءات والبرامج التي تسعى الدولة إلى القيام بها[7].

ويعتبر القطاع الصحي قطاعا مهما وأساسيا بالنسبة للفرد والمجتمع على السواء، الشيء الذي يفرض على السلطات العمومية تقديم الخدمات الصحية الأساسية لجميع أفراد المجتمع. وتؤكد المواثيق الدولية على أن الخدمات الصحية حق للجميع، حيث تنص المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن “لكل فرد الحق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاه له ولأسرته… وعلى الدولة إتخاذ تدابير لضمان تمتع جميع المواطنين بمستوى معيشي مناسب، فيما يخص المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية والخدمات الأساسية الضرورية”.

كما أن التشريعات الوطنية من خلال الدساتير تنص على ضرورة حماية الأفراد داخل إقليم الدولة من كل ما يؤثر في عيشهم الكريم، وضمان كل الخدمات التي ستساعدهم على تحقيق حد أقصى من الكرامة وجودة الحياة، وهذا ما نص عليه الفصل 31 من الدستور المغربي لسنة 2011، ” تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في:

– العلاج والعناية الصحية؛

– الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة؛

– الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة؛”

فنظرا لأهمية القطاع الصحي في خلق مجتمع يضم أفراد يتمتعون بصحة جيدة، فإن جل الدول تخصص نفقات لهذا القطاع من خلال قوانينها المالية السنوية، هذه الأخيرة تعبر بمثابة مرآة للسياسة العمومية للدولة في جميع القطاعات.

تشكل نفقات القطاع الصحي جزءا من نفقات الميزانية العامة للدولة، والمبيان التالي يبين تطور وحجم هذه النفقات.

تطور النفقات العمومية على القطاع الصحي بالمغرب ب (المليون درهم)

المصدر: مبيان تركيبي من خلال قوانين المالية للسنوات المبينة في المبيان.

يتضح من خلال المبيان أن المبلغ المرصود لقطاع الصحة سنة 2001 هو 4953 مليون درهم، وإنخفض هذا المبلغ سنة 2004 إلى 4495 مليون درهم، ووصل المبلغ سنة 2012 إلى 12909 مليون درهم، وفي سنة 2016 إلى 14280 مليون درهم. ووصل حجم الإنفاق العمومي سنة 2019 إلى 16331 مليون درهم، أي ما يمثل نسبة 3.68 في المائة من مجموع نفقات الميزانية العامة للدولة.

والملاحظ من خلال المبالغ المرصودة للقطاع الصحي أنها جد ضعيفة، مقارنة بالكثافة السكانية للمغرب، والتي بلغت حسب الإحصاء العام للسكن والسكنى لسنة 2014 إلى 33848242 مليون نسمة[8]، كما أن ضعفها يظهر كذلك على مستوى الخدمات المقدمة للمواطنات والمواطنين في المرافق العمومية الصحية.

ورغم دخول نظام المساعدة الطبية “رامد”[9]، كنظام يسعى إلى تيسير ولوج المواطنين إلى الخدمات الصحية في المستشفيات العمومية، فإن الأرقام والتقارير تشير إلى محدودية الخدمات الصحية المقدمة، وضعف استفادة المواطنين من الحق الدستوري في الصحة.

المطلب الثاني: وضعية التعليم والصحة بالمغرب من خلال التقارير الوطنية والدولية

رغم الموارد المالية التي تخصصها الحكومة للنهوض بالقطاع التعليمي وكذا القطاع الصحي، بإعتبارهما قطاعين حيويين، يساهمان بشكل كبير في تحسين وتقوية قدرات الأفراد، فإن التقارير الوطنية والدولية، توضح حجم الإختلالات التي ما زالت تواجه القطاع التعليمي، وكذا القطاع الصحي.

وتستدعي وضعية التعليم[10] والصحة بالمغرب، التساؤل عن سبب الأزمة والمشاكل التي ما زال يتخبط فيها. هل يتعلق الأمر بمسألة الإرادة السياسية؟ أم بمسألة التمويل؟ أم بمسألة التدبير؟ أم هما معا؟ فرغم الإجراءات والمبادرات التي تم إتخاذها لتصحيح الإختلالات التي تعتري المنظومة التعلمية -من قبيل الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وكذا المخطط الاستعجالي الذي رصد له غلاف مالي مهم- والمنظومة الصحية، فما زالت تتخبط في مجموعة من الإختلالات، المتمثلة في الجودة، وكذا تحقيق العدالة المجالية.

الفقرة الأولى: وضعية التعليم من خلال التقارير الوطنية والدولية

رصد تقرير الخمسينية وضعية التعليم منذ الإستقلال إلى حدود نهاية السبعينيات حيث يؤكد بأن المنظومة التربوية في هذه الفترة “تمكنت من الاضطلاع بمهامها إلى حد كبير، حيث نجحت، بالرغم من العجز المهول، المسجل في البداية، ومن النمو الديموغرافي المطرد، في الرفع من فرص تمدرس الأطفال المغاربة، وتزويد الإدارة الوطنية بالأطر الضرورية، لتعويض الخلف، وتحقيق التنمية، هذا علاوة على أن التعليم فتح قناة حقيقية للحركية الإجتماعية والانفتاح على العالم، وولوج الحداثة، وتقوية الرابط الاجتماعي”[11].

إلا أنه مع بداية الثمانينيات، ظهرت بوادر الأزمة المالية التي فرضت على المغرب الرضوخ لإملاءات صندوق النقد الدولي، وفرض برنامج التقويم الهيكلي الذي فرض سياسة التقشف، وتمت التضحية بالرأسمال البشري في مقابل الرأسمال الإقتصادي، وفي هذه المرحلة “بدأت المنظومة التربوية، في التراجع، لتدخل بعد ذلك، في أزمة طويلة، من بين مؤشراتها: الهدر المدرسي، وعودة المنقطعين عن الدراسة إلى الأمية، وضعف قيم المواطنة، ومحدودية الفكر النقدي، وبطالة حاملي الشهادات، وضعف التكوينات الأساسية”[12].

وبداية من سنة 2000 بدأ التفكير في إصلاح المنظومة التعليمية وتجاوز الإختلالات، وتم وضع الميثاق الوطني للتربية والتكوين، الذي تلاه المخطط الاستعجالي الذي رصدت له أموال مهمة للنهوض بالأوضاع التعليمية، لكنه وفي سنة 2019 ما زلنا نتحدث عن إشكالية التعليم على مستوى توفير الأطر ذات الكفاءة، والمناهج الدراسية وكذا البنية التحتية، بالإضافة إلى عدم القدرة على الإستجابة لحاجيات سوق الشغل.

وتشكل النفقات العمومية المخصصة للقطاع التعليمي نسبة مهمة مقارنة مع القطاعات الإجتماعية الأخرى، والجدول التالي يوضح نسبة النفقات العمومية المرصودة للقطاع التعليمي مقارنة بمجموع حجم النفقات العمومية  للدولة.

نسبة النفقات العمومية على القطاع التعليمي مقارنة بمجموع النفقات العمومية للدولة
النسبةحجم النفقات العمومية على قطاع التعليم ب (مليون درهم)نفقات الميزانية العامة ب (مليون درهم)السنة
14,42%237751649222001
15,68%259941657792002
17,04%278101631672003
16,92%284341680322004
16,65%310771866252005
16,07%317361974632006
15,04%342692279162007
14,56%366012513092008
14,85%460243098302009
17,84%494192770052010
16,39%480252930332011
14,78%512373467692012
14,52%520373582022013
14,95%549073672012014
14,44%553433831182015
13,66%531323889162016
13,66%544073982772017
12,86%523954073682018
13,98%620324434442019
المصدر: جدول تركيبي من خلال قوانين المالية السنوية

وتعتبر إشكالية التمويل من الإشكاليات التي تؤرق بال الحكومات المتعاقبة، وهذا الأمر هو الذي أثاره التقرير التحليلي للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، حيث خصص الفصل الأول لموضوع التمويل[13]، وأشار إلى “أن الدولة ما تزال هي الممول الرئيسي للتعليم المدرسي والتعليم العالي والتكوين المهني، والحال أن الميثاق كان قد أوصى بإلزامية أداء تكاليف الدراسة بعد تطبيق الإصلاح على أساس مراعاة درجة يسر الأسر ومبدأ إعفاء الفئات ذات الدخل المحدود، كما نص على شراكة بين الدولة والجماعات المحلية من أجل المساهمة في تمويل منظومة التربية والتكوين”[14].

انطلاقا من الرؤية الإستراتيجية للإصلاح 2015-2025، التي وضعها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، التي تحمل عنوان “من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والإرتقاء”، يتضح أن التعليم يجب أن يكون منصفا بتغطيته لكل التراب الوطني، ويكون تعليما ذا جودة يكسب المتعلمين مهارات تمكنهم من الإرتقاء وتحسين مستوى عيشهم. كما أكد على ضرورة “إقرار رسوم التسجيل في التعليم العالي، ولاحقا، في التعليم الثانوي التأهيلي، مع تطبيق مبدأ الإعفاء الآلي على الأسر المعوزة، وذلك في إطار تفعيل التضامن الإجتماعي”[15].

إن التمويل لا يشكل فقط مشكلة المنظومة التعليمية بالمغرب، بل هناك إشكالية الحكامة، وإشكالية التخليق. فالتقرير الذي قدمته ترانسبرانسي المغرب حول “الشفافية في تدبير وحكامة السلك الإبتدائي في المغرب”، أكد في خلاصاته، أن قطاع التربية والتعليم ما زال يواجه صعوبات وإنحرافات على مستوى الحكامة والتدبير. كما كشف عن غموض في مساطر التمويل، والمعايير المعتمدة، وميكانيزمات التحويلات المالية[16].

وصدر في يناير 2014 عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة اليونسكو التقرير العالمي الجديد حول تحقيق الجودة في التعليم في العالم، وقد وضع هذا التقرير المغرب ضمن 21 أسوأ دولة في مجال التعليم، إلى جانب موريتانيا وباكستان وعدد من البلدان الإفريقية الفقيرة جدا، وكشف التقرير على أن أكثر من نصف عدد التلاميذ المغاربة، لا يتعلمون ما يلزمهم من المهارات الأساسية في القراءة والرياضيات[17].

الفقرة الثانية: وضعية قطاع الصحة من خلال التقارير الوطنية والدولية

رسم تقرير تقدم به وزير الصحة المغربي، الحسين الوردي أمام البرلمان صورة قاتمة عن أوضاع قطاع الصحة في البلاد، حيث كشف عن وجود مركز صحي لكل 42 ألف مواطن، وأقل من سرير واحد لألف مغربي، وطبيب لكل 1630 نسمة، فضلاً عن أرقام صادمة تتعلق بمجال السياسة الصحية في البلاد.

ويبرر ضعف الوضعية الصحية بالمغرب، محدودية الإمكانيات المالية المرصودة من طرف الدولة لهذا القطاع الحيوي، وهذا ما تطرقنا اليه في الفقرة السابقة. والغلاف المالي المرصود لهذا القطاع لا يتجاوز نسبة 3.78 % من مجموع نفقات الميزانية العامة الدولة.

والجدول التالي يوضح حجم النفقات العمومية المرصودة للقطاع الصحي نسبة بمجموع النفقات العمومية للميزانية العامة للدولة.

نسبة النفقات العمومية على القطاع الصحي مقارنة بمجموع النفقات العمومية للدولة
النسبة  بالمائةحجم النفقات العمومية على قطاع الصحة ب (مليون درهم)نفقات الميزانية العامة ب (مليون درهم)السنة
3,00%49531649222001
3,13%51821657792002
3,18%51891631672003
2,68%44951680322004
3,33%62171866252005
3,08%60811974632006
3,24%73742279162007
3,24%81392513092008
3,16%97923098302009
3,78%104642770052010
3,72%108952930332011
3,72%129093467692012
3,45%123723582022013
3,52%129183672012014
3,42%130963831182015
3,67%142803889162016
3,54%141143982772017
3,63%147904073682018
3,68%163314434442019
المصدر: جدول تركيبي من خلال قوانين المالية السنوية

يتضح من خلال الجدول مدى ضعف التمويل المخصص للقطاع الصحي، حيث لم تتعدى نسبة 3.78 في المائة سنة 2010، ووصلت سنة 2011 نسبة 3.72 في المائة سنة 2012، وفي سنة 2015 إلى 3.42 في المائة، وفي سنة 2016 إلى نسبة 3.36 في المائة. وفي سنة 2019 وصل إلى نسبة 3.68 في المائة من مجموع نفقات الميزانية العامة للدولة.

ولتفعيل مبدأ المساواة والتضامن، وتكريس الحق في الصحة، وتعزيز التضامن الإجتماعي والتكافل الإنساني، ومكافحة كل أشكال الإقصاء والتهميش في ولوج الخدمات الصحية العلاجية، فقد إلتزمت الحكومة منذ سنة 2005 بتنفيذ مقتضيات نظام المساعدة الطبية لذوي الدخل المحدود[18].

ولقد أشار تقرير الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة حول “السياسات الحكومية لقطاع الرعاية الصحية بالمغرب”، “تنامي الإهمال وتراجع الخدمات الصحية، وارتفاع تكلفة العلاج والدواء، وتعثر نظام المساعدة الطبية لذوي الدخل المحدود، وتراجع الخدمات الصحية الوقائية والرعاية الصحية الأولية والتربية الصحية، مؤكدا أن المواطن المغربي ينفق من جيبه اليوم ما يقارب 70 في المائة من النفقات الصحية في الصيدليات لشراء الأدوية، وفي غالب الأحيان دون وصفات طبية، بسبب ضعف القدرة الشرائية، هذا بالرغم مما لهذه الممارسات من انعكاسات سلبية على صحة المواطن”[19].

وأكدت الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة كذلك أن “أكثر من 95 في المائة من المرضى الذين يتوفرون على تأمين صحي، يتوجهون للعيادات والمصحات الخاصة، رغم إرتفاع أسعارها، الشيء الذي حول المستشفيات العمومية إلى ملجأ وملاذ للفقراء ودوي الدخل المحدود، الذين لا يتوفرون على تأمين صحي عن المرض، والذين لا يملكون تكاليف العلاج بالمصحات الخاصة”.

وأشار “المرصد الوطني للتنمية البشرية”، في تقريره “دراسة حول الفوارق في الإستفاذة من الرعاية الطبية –دراسة الحالات-” إلى أن العديد من المراكز الصحية تعاني من نقص مزمن في الموارد البشرية، وهي وضعية تزداد خطورتها في عزوف بعض الموظفين عن الإستقرار في القرى البعيدة جدا عن المراكز الحضرية للمنطقة”[20].

كما أن هناك فرق كبير في الحصول على الخدمات الصحية بين المجال الحضري والمجال القروي، رغم أن الإستراتيجية التي وضعتها وزارة الصحة لضمان العدالة في العرض الصحي بين الجهات وما بين الوسط القروي والوسط الحضري، وتيسير الولوج للعلاجات بالنسبة للفئات الأكثر هشاشة، وخصوصا بالنسبة لسكان العالم القروي.

وأشار تقرير المجلس الأعلى للحسابات أنه “بالرغم من المجهودات التي بدلتها الوزارة من حيث توسيع البنية التحتية، فقد رصد المجلس ما يقارب 151 مؤسسة علاجات صحية أساسية غير مشغلة في المجالين الحضري والقروي”[21]، كما لاحظ إختلالات في مجال إنجاز المشاريع المتعلقة بالصحة، حيث لوحظ فرق بين التكاليف المتوقعة والتكاليف المحققة، وهذا ما يتضح من خلال الجدول التالي:

مقارنة حول حجم التكاليف المتوقعة والتكاليف المحققة
المشروعالتكلفة المتوقعة للمشروع (مليون درهم)النفقات الملتزم بها إلى حدود مارس 2014 (2)الفرق 1-2 =3معدل التجاوزاتملاحظات المجلس
المركز الاستشفائي الاقليمي بالجديدة115309218518,44194.218.518,44169 %مشروع تم إنجازه
المركز الاستشفائي الإقليمي بخنفرة107188.749.564,1081.749.564,0776 %مشروع في طور الإنجاز
المركز الاستشفائي الجامعي بفاس446586.749.564,10140.682.564,6432 %مشروع تم إنجازه
المركز الاستشفائي الجامعي بمراكش433627.119.928,8194.119.928,845 %مشروع لم تنته الأشغال به
المصدر: تقرير المجلس الاعلى للحسابات[22]

وتشير أيضا التقارير الدولية إلى الأزمة التي يعرفها القطاع الصحي في بلدنا، حيث كشف تقرير دولي “لسايبر ماتريكس”، حول الخدمات الصحية، عن غياب المستشفيات المغربية عن قائمة أفضل المستشفيات في العالم العربي، على وجه الخصوص سنة 2015، هذا فيما تصدرت مستشفيات بلدان الخليج قائمة أفضل المؤسسات الاستشفائية العربية[23].

وأعطت منظمة الصحة العالمية مجموعة من الإحصائيات حول الوضع الصحي لمجموعة من الدول ومن بينها المغرب، وهذه بعض هذه الإحصائيات:

– نسبة التغطية بخدمات الرعاية الصحية في فترة الحمل، تتمثل في 68 في المائة.

– معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة، تتمثل في 36 من أصل 1000 مولود جديد.

– نسبة وفيات الأمومة، تتمثل في 240 لكل 100000 مولود حي.

– نسبة الولادات بإشراف موظفين صحيين، تتمثل في نسبة 63 في المائة[24].

رغم أهمية النفقات العمومية المرصودة لتمويل القطاع التعليمي والصحي بالمغرب، فما زالت هناك مجموعة من الإختلالات والمشاكل يتخبط فيها هادين القطاعين. على مستوى جودة الخدمات المقدمة، وكذا على مستوى تحقيق العدالة المجالية نتيجة الفوارق في الإستفادة من الخدمات التعليمية والصحية. الشيء الذي يؤذي إلى حرمان أفراد المجتمع الخدمات الضرورية لتحقيق الإنصاف وتكافئ الفرص.


[1] جون راولز، نظرية في العدالة، ترجمة ليلي الطويل، منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب، وزارة الثقافة- دمشق، ص 129، 2011

[2] أمارتيا صن، التنمية حرية، ترجمة شوقي جمال، عالم المعرفة، سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والأداب- الكويت، عدد 303، 2004، ص 92.

[3] “Au Maroc, L’augmentation récente et rapide des frais dans les écoles privées soutenues par des fonde de l’Etat et des exonérations fiscales s’est accompagnée d’une plus grande disparité des résultats scolaires “In: Oxfam, « à égalité! », octobre 2014, p. 106.

[4] أقـصد بالقطاع التعليمي هنا القطاع الذي تشرف عليه وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، ووزارة التعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي.

[5] BENALI Driss, “La situation économique au Maroc: état des lieux et perspectives d’avenir, L’avenir se discute: débats sur les scénarios du Maroc à l’horizon 2025”, rapport de synthèse sous la direction de D’Saloua Zerhouni, fondation Friedrich Ebert Stiftung Maroc, Imprime Elite, 2001, P. 45.

[6] BOUDON Raymond, L’inégalité des chances : La mobilité sociale dans les sociétés industrielles, Armand Colin, Paris, P. 12.

[7] لطفي علي، المسألة الصحية بالمغرب ورهانات العدالة الإجتماعية، المجلة المغربية للعلوم السياسية، مطبعة النجاح الجديدة-الدار البيضاء، عدد مزدوج 2-3، سنة 2008، ص 155.

[8] مرسوم رقم 2.15.234 صادر في 28 من جمادى الأول 1436 (19 مارس 2015) بالمصادقة على الأرقام المحدد بها عدد السكان بالمملكة، الجريدة الرسمية عدد 6354، الصفحة 4026.

[9] بدأت المرحلة التجريبية لنظام المساعدة الطبية “راميد” من جهة تادلة أزيلال يوم 6 نونبر 2008، ويوم 13 مارس 2012 جرى تعميمه على كافة جهات المملكة، وكان الهدف الأساسي منه هو توفير الخدمات والرعاية الصحية للفئات الهشة والمعوزة وذات الدخل المحدود.

[10] خطاب جلالة الملك محمد السادس في ذكرى 20 غشت 2013 بمناسبة الذكرى الستين لثورة الملك والشعب: “إن قطاع التعليم يواجه عدة صعوبات ومشاكل، خاصة بسبب اعتماد بعض البرامج والمناهج التعليمية، التي لا تتلاءم مع متطلبات سوق الشغل، فضلا عن الاختلالات الناجمة عن تغيير لغة التدريس في المواد العلمية، من العربية في المستوى الابتدائي والثانوي، إلى بعض اللغات الأجنبية، في التخصصات التقنية والتعليم العالي. وهو ما يقتضي تأهيل المتعلم أو الطالب، على المستوى اللغوي، لتسهيل متابعته للتكوين الذي يتلقاه”.

[11]خمسين سنة من التنمية البشرية آفاق سنة 2025، “المستقبل يشيد والأفضل ممكن” ملخص تركيبي للتقرير العام، ص15.

[12]خمسين سنة من التنمية البشرية آفاق سنة 2025، مرجع سابق، ص 14.

[13] المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، المملكة المغربية، التقرير التحليلي: تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين 2000-2013، دجنبر 2014، ص 16-25.

[14] نفس المرجع، ص 16.

[15] المملكة المغربية، المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، “من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والإرتقاء”، رؤية إستراتيجية للإصلاح 2015-2030، ص 49.

[16] طارق حسن، الحالة الإجتماعية 2009/2010: “تقرير حول السياسات العمومية الإجتماعية بالمغرب”، منشورات المجلة المغربية للسياسات العمومية، سلسلة تقارير، طوب بريس، الرباط، العدد 2، 2010، ص 71- 72.

[17] تقرير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة – اليونسكو- يناير 2014. الرابط:

http://unesdoc.unesco.org/images/0022/002256/225654a.pdf (consulté le 25/04/2019)

[18] طارق حسن، الحالة الإجتماعية 2009/2010،  مرجع سابق، ص78- 79.

[19] جريدة النهار المغربية (10- 04- 2013)، “خدعة إصلاح القطاع الصحي بالمغرب”. الرابط:

 https://www.maghress.com/annahar/4210 (consulté le 07/11/2019).

[20] المرصد الوطني للتنمية البشرية، “دراسة حول الفوارق في الإستفاذة من الرعاية الطبية –دراسة الحالات-“، 2013، ص 3. الرابط:

http://www.ondh.ma/sites/default/files/documents/mlkhs_ldrs_0.pdf (07/12/2019).

[21] تقرير حول أنشطة المجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2013، الجزء الأول، ص 15.

[22] نفس المرجع، ص 17.

[23] تقرير دولي “لسايبر ماتريكس”، حول الخدمات الصحية، الرابط:

http://www.raialyoum.com

[24] منظمة الصحة لعالمية، الإحصاءات الصحية العالمية لسنة 2010، الصفحات 23- 24- 26- 27- 30. الرابط:

http://www.who.int/gho/publications/world_health_statistics/AR_WHS10_Full.pdf?ua=1

إقرأ أيضاً

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي Constitutional control and …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *