أنواع عقد الشغل

أنواع عقد الشغل

صباح كوثو

استاذة باحثة بكلية الحقوق باكادير

مقدمة

عقد الشغل من العقود الزمنية التي يلعب فيها عنصر المدة دورا بارزا، فقد يكون غير محدد المدة أو محدد المدة، وإن كان في إطار هذا العقد الأخير يمكن أن نعتمد مجموعة من العقود كعقد الشغل الموسمي وعقد الشغل العرضي والعقد المؤقت إضافة إلى عقد الشغل تحت الاختبار.

فهذه العقود الأخيرة ورغم تنوعها تعتبر محددة المدة، وهذا الموضوع إن كان حقيقة واقعة، فلأن المشرع لم يضع ضوابط تنظم هذه العقود، وتميزها، مما زاد من صعوبة وضع تعريف لها، حتى يمكن تحديد ماهية كل واحد منها على حدة.

وتزداد الصعوبة أكثر بسبب تراجع عقود الشغل غير محددة المدة لصالح العقود المحددة، وتتجه أكثر نحو العقود المبرمة مع مقاولات التشغيل المؤقت، هذه الأخيرة التي عرفت انتشارا كبيرا في الآونة الأخيرة، بالإضافة إلى أنواع أخرى من أنواع العمل أفرزها الواقع العملي، بحيث قد نجد داخل المؤسسة الواحدة هذه الأنواع كلها من العقود لذلك سيكون من المفيد تناولها في دراسة ولو مختصرة من خلال ما جاء به المشرع وما أفرزه الواقع العملي وما يسير عليه القضاء.

 

 

الفرع الأول: أنواع عقد الشغل من خلال مدونة الشغل

تضمنت مدونة الشغل مجموعة أحكام تتعلق بتحديد مدة الشغل وظروف القيام بالعمل، الأمر الذي طرح مجموعة إشكالات سواء أمام المتدخلين والفاعلين في مجال الشغل أو أمام القضاء. ويمكن تقسيم هذه العقود من حيث مدتها تقسيما ثنائيا، إلى عقود غير محددة المدة وعقود محددة المدة، يدخل في إطارها العقد الموسمي، والشغل المؤقت، بالإضافة إلى عقود أخرى يتم العمل بها.

 الفقرة الأولى: العقود التي نظمها المشرع

أولا : عقد الشغل غير المحدد المدة:

إن الحديث عن عقد الشغل وأيا ما كان نوعه لا يمكن أن يتم دون الرجوع إلى المقتضيات التي نظمت عقد الشغل سواء ما تعلق منها بمدونة الشغل أو القوانين السابقة على صدور المدونة.

باستقرائنا للفصل 723 ق ، نجده يشير إلى أن” إجارة الخدمة أو العمل، عقد يلتزم بمقتضاه أحد طرفيه بأن يقدم للآخر خدماته الشخصية لأجل محدد أو من اجل أداء عمل معين، في نظير أجر يلتزم هذا الأخير بدفعه له”.

وكذلك ما ينص عليه الفصل 727 من ق.ل.ع جاء فيه” لا يسوغ للشخص أن يؤجر خدماته إلا إلى أجل محدد أو لأداء عمل معين أو لتنفيذه وإلا وقع العقد باطلا بطلانا مطلقا”.

إن تفحص النصين أعلاه يدفع إلى الاعتقاد أن المشرع قد جعل عقد الشغل عقدا محدد المدة مند وضع ظ .ل.ع[1].

إلا أن الرجوع إلى الفصل 728 من ق.ل.ع والذي ينص على أنه” يبطل كل اتفاق يلتزم بمقتضاه شخص بتقديم خدماته طوال حياته أو لمدة تبلغ من الطول حدا بحيث يظل ملتزما حتى موته ” يجعلنا نرجح أن التحديد المشار إليه في الفصلين السابقين لا يتعلق بالتحديد الدقيق والمطلق لهذه المدة، لأان الشخص لا يمكنه العمل طوال حياته أو حتى مماته، بل هناك فترة سيتوقف فيها هذا العقد عن السريان، وإنتاج آثاره المتمثلة في أداء الأجير للعمل المطلوب منه، خاصة عند بلوغ الأجير سن التقاعد، وهذا ما يجعل العقد الذي لم يتم تحديده بشكل واضح، أي ربطه بأجل محدد أو إنجاز عمل معين يستمر في الزمن ويعتبر غير محدد المدة، مالم يكن هناك سبب يؤدي إلى إنهائه قبل هذا الأجل.

وإذا كان من غير الممكن القول من خلال ماسبق بوجود تمييز بين العقد المحدد وغير المحدد المدة، فإن المشرع قد نص على هذا التمييز من خلال الفصل الأول من النظام النموذجي المنظم للعلاقات الرابطة بين الأجراء ومشغليهم في المهن التجارية والصناعية والمهن الحرة الصادر في 23 أكتوبر 1984 حين أشار إلى انه : ” يتكون أجراء المقاولة من:

  • أجراء قارين، أجراء مؤقتين، يستخدم الأجراء القارون لمدة غير محددة، يستخدم الأجراء المؤقتون من أجل النيابة عن الأجراء المتغيبين، أو للقيام بعمل موسمي مؤقت أو لمدة محددة.

إن اشتغال أي أجير بالمقاولة دون انقطاع لأكثر من إثني عشر شهرا، يعتبر بصفة تلقائية أجيرا قارا، إلا إذا نص في عقد إجارة الخدمة الكتابي على شرط صريح بخلاف ذلك”.

وبتوالي المراحل، تأتي فترة مدونة الشغل والتي جاءت واضحة في هذا الاتجاه وفي التمييز بين العقدين المحدد المدة، وغير المحدد المدة، حيث نصت المادة 16 على أنه ” يبرم عقد الشغل لمدة غير محددة أو لمدة محددة أو لإنجاز شغل معين.

يمكن إبرام عقد الشغل محدد المدة في الحالات التي لا يمكن أن تكون فيها علاقة الشغل غير محددة المدة”.

وبهذا يكون عقد الشغل غير المحدد المدة هو الأصل، والاستثناء هو إبرام عقود محددة المدة،[2] وبذلك يتم ربط مدة الشغل بطبيعة العمل الذي يتم إنجازه، ليكون عقد الشغل غير المحدد هو الذي يبرم دون تقييده بمدة معينة يتفق عليها الطرفان، ولا يرتبط بإنجاز مشروع معين.

وعلى الرغم من أهمية عقد الشغل غير محدد المدة في استقرار العلاقة الشغلية، فإنه وبالنظر إلى ما أصبحت تمثله هذه العقود من عبء على المقاولات، فقد أضحت هذه الأخيرة وفي إطار بحثها عن مرونة أكبر وحرية أكثر في التشغيل، تتجه نحو إبرام عقود شغل محددة المدة أو مؤقتة تخلصها من تابعات العقود الغير المحددة المدة.

ثانيا : عقد الشغل المحدد المدة وحالات إبرامه:

  • ماهية عقد الشغل المحدد المدة:

يعتبر عقد الشغل المحدد المدة أحد أهم الآليات القانونية التي تؤطر لعلاقة الشغل، واللجوء إلى هذا النوع من العقود ليس خيارا تشريعيا فقط، بل واقع فرضته ظروف التشغيل، فكانت الغاية منه تحقيق المرونة في التشغيل، وتحسين وسائل تدبير الموارد البشرية، كما يخدم مصلحة المقاولة بالدرجة الأولى من اجل مسايرة ركب العولمة والرفع من مستوى التنافسية.

وعقد الشغل المحدد المدة إذا كان يُحقق مزايا معينة على المستويين الاجتماعي والاقتصادي:

فمن الناحية الاقتصادية تفيد هذه العقود في التخفيف على المؤسسات التي تكون في ضيق أو أزمة، فيما تخص بعض الأجراء والذين تحتاج إليهم المؤسسة في فترة محددة،(كالقيام بأعمال الصيانة أو الحراسة خلال ملتقى ثقافي أو فني أو مهرجان ). أو في الحالة الاستعجالية أو الاستثنائية كازدياد نشاط المقاولة في فترة معينة.

أما من الناحية الاجتماعية فهذه العقود تساهم في تشغيل أجراء لا يستطعون أو لا يرغبون في العمل إلا مدة محددة، كطلبة الجامعات وتلامذة المدارس، كذلك ربات البيوت، والمعاقين والمسنين، أو من هم أصبحوا عاطلين عن العمل بحيث يتمكنون ولو بصفة مؤقتة من الحصول على مورد رزق.

إلا أنها، وعلى الرغم من أهميتها كما سبق بيانه، فهي لا تبعت على الارتياح بالنسبة للأجراء فدعم التنافسية والإنتاجية بالنسبة للمقاولة من أجل مواجهة التنافسية الدولية، لايجب أن يكون على حساب الأجراء، بل لابد من إشراكهم في هذه العملية من خلال بث روح الطمأنينة في أنفسهم، لأنه بضمان الاستقرار في العمل نضمن استقرار المقاولة في الإنتاج.

والمشرع إذا كان قد حدد حالات اللجوء إلى العقد المحدد المدة بصفة حصرية، لقطع الطريق أمام المقاولات لاستغلال هذه العقود في علاقتها مع أجرائها، فقد عاد ليفتحه أمامها من خلال ما نص عليه في المادة 17 كما سيأتي بيانه لتكون الغاية هي التوسيع من دائرة العقود المحددة المدة وتقليص رقعة العقود غير المحددة.

  • حالات إبرام عقد الشغل المحددة المدة :
  • تنص المادة 16 في فقرتها الثالثة أنه:

” وتنحصر حالات إبرام عقد الشغل محدد المدة فيما يلي:

  • إحلال أجير محل أجير آخر في حالة توقف عقد شغل هذا الأخير ما لم يكن التوقف ناتجا عن الاضطراب، وحالات توقف عقد شغل الأجير نصت عليها المادة 32 من المدونة[3]، وتختلف مدة التوقف من حالة لأخرى، بحيث قد تطول هذه المدة إلى سنة ونصف، وقد تقصر لتكون فقط بضعة أيام.
  • ازدياد نشاط المقاولة بكيفية مؤقتة.
  • إذا كان الشغل طبيعة موسمية.
  • يمكن إبرام عقد الشغل محدد المدة في بعض القطاعات والحالات الاستثنائية التي تحدد بموجب نص تنظيمي، بعد استشارة المنظمات المهنية للمشغلين، والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا، أو بمقتضى اتفاقية شغل جماعية”.

وإلى جانب الحالات المنصوص عليها في المادة 16 م.ش، فإن هذه الأخيرة قد أحالت على نص تنظيمي تحديد حالات أخرى، وهي التي أنجز بشأنها مشروع مرسوم بتحديد القطاعات التي يمكن فيها إبرام عقود شغل محددة المدة وهي:

  • أوراش البناء والأشغال العامة المحددة المدة.
  • الأنشطة السياحية وخاصة الوحدات الفندقية والمطاعم والترفيه.
  • المقاولات والمؤسسات المختصة في مختلف أنواع التصبير (السمك، الفواكه، الخضر).
  • الأعمال الفلاحية المتعلقة بالحرث والحصاد والجني.
  • الصناعة السينمائية لتصوير الأشرطة.

كما حدد نفس القرار حالات استثنائية لإبرام عقود شغل محددة المدة وهي:

  • التفرغ المنصوص عليه في القانون الداخلي أو الاتفاقية الجماعية
  • استفادة الأجير من التكوين المستمر.
  • المرض الطويل أو المتوسط الأمد أو حادثة شغل.
  • إجازة الأمومة.
  • الإجازة غير المدفوعة الأجر والممنوحة للأجيرة بغرض تربية مولودها[4].

وعلى الرغم من التوضيح الذي جاءت به هذه الحالات لرفع اللبس، فإنها لا تخرج عن الحالات المذكورة في الفقرتين الأولى والثانية من المادة 16 م.ش.

كما نصت المادة 17 من المدونة أنه:” يمكن في القطاعات غير الفلاحية عند فتح مقاولة لأول مرة أو مؤسسة جديدة داخل المقاولة أو إطلاق منتوج جديد لأول مرة، إبرام عقد الشغل محدد المدة، لمدة أقصاها سنة قابلة للتجديد مرة واحدة، ويصبح العقد بعد ذلك في جميع الحالات غير محدد المدة.

غير أن العقد المبرم لمدة أقصاها سنة يصبح في حالة استمرار العمل به إلى مابعد أجله، عقدا غير محدد المدة.

وفي القطاع الفلاحي يمكن إبرام عقد الشغل محدد المدة، لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد، على أن لا تتجاوز مدة العقود المبرمة سنتين ويصبح العقد بعد ذلك غير محدد المدة”.

ويكون العقد محدد المدة، إذا تم إبرامه لمدة من الزمن معينة، كشهرين أو ثلاثة أشهر أو أكثر، أو كانت مرتبطة بإنجاز مشروع معين، بحيث ينتهي العقد بانتهاء هذا المشروع، وعند سكوت العقد عن تحديد مدته، فالأصل أن يعتبر غير محدد المدة[5]، مالم يوجد شرط صريح مخالف ضمن شروط العقد المكتوب، وهذا ما كرسه المجلس الأعلى ( سابقا) ومحكمة النقض حاليا من خلال مجموعة من القرارات الصادرة عنها[6].

إلا أن هذه القاعدة لا يمكن تطبيقها بكيفية مطلقة، بل يجب الأخذ بعين الاعتبار نوع الشغل والأعراف المحلية، كالتعاقد مثلا للعمل في أعمال موسمية بطبيعتها، حيث ينتهي بانتهاء الموسم.

وما يؤكد هذا التوجه أن المشرع المغربي نص على حالات إبرام عقود شغل محددة المدة على سبيل الحصر من خلال المادة 16 في فقرتها الثالثة إلا انه ترك المجال مفتوحا لإحداث حالات أخرى للعقد المحدد المدة في بعض القطاعات وبصفة استثنائية[7]،لذلك سنجد أن أغلب المقاولات تلجأ إلى إبرام عقود محددة مستغلة ما تنص عليه المادة 17 م.ش، بما يخدم مصالحها وخططها[8].

ثالثا : عقد الشغل الموسمي

العمل الموسمي هو العمل الذي ينجز في مواسم دورية منتظمة، دون نظر إلى المدة التي يستغرقها، مالم تصل إلى ستة أشهر من الشغل داخل نفس المقاولة[9].

وعقد الشغل الموسمي هو شكل من أشكال عقد الشغل نص عليه المشرع من خلال المادة 16 من المدونة، ضمن حالات عقد الشغل محددة المدة، يستفيد فيه الأجير من جميع الحقوق والمزايا التي تخولها المقتضيات القانونية، باستثناء تلك المرتبطة بصفة الأجراء القارين كالتعويض عن الفصل، فالأجير الموسمي يعتبر أجيرا مؤقتا لا قارا ولا يكتسب هذه الصفة إلا بقضاء 6 أشهر من العمل المتصل، وهذا حتى ولو كان عدم اشتغال الأجير المدة المطلوبة قانونا لاكتساب صفة الأجير القار لا تعود إليه، وإنما إلى توقف المؤسسة المشغلة لفترات من السنة بسبب طبيعة نشاطها الموسمي.

على أن عدم الدقة في وضع تعريف للموسم، يجعل من الصعب تحديد طبيعة العمل الذي يقوم به الأجير، خاصة وأن العمل قد يستمر لمدة أطول يطرح معها التساؤل حول بقاء الأجير في إطار شغل موسمي أو تحويله إلى شكل آخر من أشكال عقد الشغل، وعلى العموم فإن العقد المبرم لموسم معين يمثل فترة تكرر تبعا لدورية عادية للعمل، ناتجة عن عرف معلوم من طرف المحترفين بالقطاع المعين، وأحيانا عن وقائع طبيعية تظهر صفة الشغل الموسمي، وعليه فإن الشغل يعتبر موسميا رغم انتهاء الموسم، مادام الامتداد لصيقا بالعمل الأصلي، أي ما دام العمل المنجز يقتضي ذلك.

رابعا: عقد التشغيل المؤقت: ( العقود المبرمة مع مقاولات التشغيل المؤقت):

من حسنات المدونة الجديدة للشغل أنها وفي إطار تصنيفها للعقود، نظمت عقد الشغل المؤقت[10]، وحددت الحالات التي يتم فيها إبرامه دون تحديد لمفهومه أو إعطاء تعريف له، على الرغم من الانتشار الكبير الذي أصبح يعرفه هذا العقد، وتهافت المقاولات على التعامل به مع أجرائها.

نظم المشرع مقاولات التشغيل المؤقت من خلال المادة 495 إلى المادة 506 م حيث حددت المادة 495 م.ش المقصود بهذه المقاولات بقولها:” يقصد بمقاولات التشغيل المؤقت كل شخص إعتباري مستقل عن السلطة العمومية يقتصر عمله على ممارسة النشاط المشار إليه في الفقرة ج من المادة 477 اعلاه.

تشمل مقاولات التشغيل المؤقت هؤلاء الأجراء، مع أداء أجورهم والوفاء بكل الالتزامات القانونية الناشئة عن عقد الشغل”.

كما أن الأجير المؤقت هو أجير مرتبط بعقد شغل محدد المدة ذي طبيعة خاصة تتمثل في إبرامه عن طريق وسيط هو مقاولة التشغيل المؤقت، أو هو الشخص الذي لا يتم استخدامه لوقت تام أو في مواقع منتظمة، ويكون تشغيله عبر وكالات تقديم المساعدة المؤقتة أو بشكل مباشر من قبل الأجير[11]، والعقد الرابط بين هذه المقاولة والأجير يكون عقد شغل مكتوب، يتضمن لزوما مجموعة من البيانات : سبب التشغيل المؤقت، مدة المهمة، ومكان تنفيذها، المبلغ المحدد كمقابل لمقاولة التشغيل المؤقت، مبلغ الأجر، مؤهلات الأجير، فترة التجربة، رقم انخراط مقاولة التشغيل، ورقم الأجير في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، كما ينص على إمكانية تشغيل الأجير من قبل المقاولة المشغلة بعد انتهاء هذا العقد.

ويجب عدم الخلط بين مقاولات التشغيل المؤقت، وعقد المقاولة من الباطن والمنظم في القسم الثاني من مدونة الشغل، ويثور الخلط عندما تلجا المقاولة من الباطن إلى إبرام عقود شغل مؤقتة مع أجرائها باعتبارها مقاولات للتشغيل المؤقت وتبرم عقودا مع المقاولات الأصلية على هذا الأساس، كمقاولات النظافة والصيانة والحراسة.

فمقاولة التشغيل المؤقت تقوم على” تشغيل أجراء بهدف وضعهم مؤقتا رهن إشارة شخص ثالث يسمى المستعمل يحدد مهامهم ويراقب تنفيذها” ( المادة 477/ م .ش. فقرة ج).

في حين أن المقاولة من الباطن تلتزم بان تقدم للمقاولة الأصلية شغلا من الأشغال أو أن تنجز لها خدمة من الخدمات” ( م 86/1م .ش).

وعلى الرغم من هذا التحديد، فالخلط يقع بين المقاولتين لأن المقاولات من الباطن لا تحترم الأحكام المتعلقة بها وتستفيد من مقتضيات مقاولات التشغيل المؤقت[12]، ويبقى السبيل لإزالة الخلط هو تفعيل وسائل المراقبة الموكولة لجهاز تفتيش الشغل.

وقد حددت المادة 496 م.ش حالات اللجوء إلى مقاولات التشغيل المؤقت والتي تورد أجراء إلى المستعمل من اجل القيام بأعمال غير دائمة تسمى مهام”، وهذه الحالات يمكن القول أنها نفس الحالات الثلاث الأولى المشار إليها في المادة 16[13] م.ش، المتعلقة بحالات إبرام عقود الشغل المحددة المدة باستثناء تلك المتعلقة بإنجاز أشغال استقر العرف على عدم اللجوء فيها إلى عقد شغل غير محدد المدة بسبب طبيعة الشغل، وقد منعت المادة 497 م.ش اللجوء إلى أجراء مقاولات التشغيل المؤقت من اجل إنجاز أشغال تكتسي خطورة خاصة.

ونتيجة لما سبق وبالنظر إلى الصيغة الحصرية التي جاءت بها المادة 496 م.ش في تحديدها لحالات اللجوء إلى مقاولات التشغيل المؤقت فإن العقد المبرم بصفة مؤقتة في غير الحالات المذكورة يعتبر الأجير المرتبط به أجيرا دائما لدى المقاولة المستعملة.

وعند وجود الأجير رهن إشارة المقاولة المستعملة فإنها تلتزم وفقا لما تنص عليه المادة 504 من المدونة، باتخاذ كل التدابير الوقائية والجنائية الكفيلة بضمان حماية وسلامة الأجراء المؤقتين، وكذا مسؤوليتها على تأمين هؤلاء ضد حوادث الشغل والأمراض المهنية.

و إذا كانت وضعية الأجير المؤقت تختلف عن تلك المتعلقة بالأجير القار، أو المرتبط بعقد محدد المدة، بالنظر إلى طبيعة العلاقة الثلاثية التي يخضع لها الأجير. فالتساؤل يثور عند ارتكاب الأجير لخطأ جسيم، فأي المقاولتين تكون ملزمة باحترام مسطرة الفصل مقاولة التشغيل المؤقت أم المقاولة المستعملة؟.

من خلال المادة 495 م.ش فمقاولة التشغيل المؤقت هي المسئولة عن أداء أجور الأجراء المؤقتين والوفاء بكل الالتزامات القانونية الناشئة عن عقد الشغل، فهل يعود لها أمر الاستماع إلى الأجير ومؤاخذته على خطأ ارتكبه في ظروف عمله لدى المقاولة المستعملة؟

لم يتدخل المشرع لحل مثل هذا الإشكال لذلك يمكن القول أن مسطرة الفصل الواردة بالمادة 61 و62 جاءت مطلقة وعامة، ولا تخص أجراء دون غيرهم[14].

لذلك نعتقد أن الأجير المؤقت يؤدي مهمته في مكان تابع للمقاولة المستعملة وتحت إشرافها وإدارتها، رغم أنه يعتبر تابعا من الناحية القانونية للمقاولة المشغلة، وبالتالي فكل خطأ يقوم به الأجير وإن كان جسيما فإنه يمس المقاولة المستعملة ويكون لها أن تحدد طبيعة هذا الخطأ ومدى اعتباره جسيما من غيره، وفقا لما تنص عليه المادة 39 المتعلقة بالأخطاء الجسيمة، أو بالقياس على الأخطاء الواردة فيها، وعليه فإنه يعود لها أمر فصل الأجير واتباع المسطرة القانونية بهذا الشأن، مع إعلام المقاولة المشغلة وحضور ممثل عنها مسطرة الاستماع، دون ان ننسى وفي ظل الفراغ التشريعي بهذا الخصوص إمكانية إتفاق الأطراف على شرط تحديد المسؤولية بينهما.

خامسا: عقد الشغل تحت الاختبار

  • ماهية عقد الشغل تحت الاختبار:

غالبا ما يخضع المشغلون أجراءهم الجدد لفترة اختبار قبل إبرام عقود نهائية معهم، من خلالها يمكنهم الوقوف على مستوى كفاءتهم وسلوكهم، فيتم بذلك العمل في إطار عقد الشغل تحت الاختبار، والذي يمكن تسميته بعقد الشغل تحت التجربة، ويكون في أصله كمقدمة لعقد نهائي، لأن الطرفان خلال هذه الفترة يخضعان لمقتضيات عقد الشغل من أجر وعمل وتبعية إضافة إلى المقتضيات المنظمة لعقد الشغل.

وعليه فعقد الشغل تحت الاختبار، هو عقد صحيح معلق على شرط فاسخ، أي يقوم على أساس عدم رضا أحد الطرفين عن عمل الآخر. ويكون عقدا غير نهائي، ويمكن خلال هذه الفترة لأي من الطرفين إنهاء عقد الشغل بإرادته المنفردة، دون أجل للإخطار، ودون مطالبته بالتعويض (المادة 13 من المدونة).

وفي حالة نجاح الاختبار، أي انتهاء هذه الفترة برضا المشغل عن الأجير، ورضا هذا الأجير عن ظروف العمل، فإن إرادة الأطراف لا تنصرف إلى إبرام عقد جديد، وإنما إلى استمرار العقد الأصلي الذي يصير نهائيا وباتا، وفي هذا الإطار فإنه يتم احتساب فترة الاختبار ضمن مدة الأقدمية. إذن فهذه الأخيرة تحتسب من تاريخ التحاق الأجير بالمؤسسة أي ابتداء من تاريخ إبرام العقد، لا من نهاية فترة الاختبار.

 

  • أحكام عقد الشغل تحت الاختبار

تترتب على عقد الشغل تحت الاختبار أحكام عقد الشغل، إلا انه يتميز بمميزات خاصة:

  • مدة فترة الاختبار أو التجربة

تختلف مدة الاختبار بالنظر إلى شكل عقد الشغل:

بالنسبة لعقد الشغل غير المحددة المدة تكون مدة الاختبار فيه:

  • ثلاثة أشهر بالنسبة للأطر وأشباههم.
  • شهر ونصف بالنسبة للمستخدمين.
  • خمسة عشر يوما بالنسبة للعمال.

أما إذا كان العقد محدد المدة، فلا يمكن أن تتجاوز مدة الاختبار.

  • يوما واحدا عن كل أسبوع شغل على ألا يتعدى أسبوعين بالنسبة للعقود المبرمة لمدة تقل عن 6 أشهر.
  • شهر واحد بالنسبة للعقود المبرمة لمدة تفوق 6 أشهر:

ويمكن النص في عقد الشغل أو اتفاقية جماعية أو في النظام الداخلي على مدد أقل من تلك المذكورة أعلاه ( المادة 14 من المدونة)

كما يمكن تجديد مدة الاختبار لمرة واحدة فقط ( المادة 14 كذلك)

 

 

  • تحديد الأجر خلال فترة الاختبار

بالرجوع إلى النصوص القانونية نجد أن المشرع المغربي لم يشر إلى الأجر المفروض للأجير، خلال فترة الاختبار، إلا انه بالاعتماد على القواعد العامة المنظمة لعقد الشغل، وعند عدم وجود اتفاق بين الطرفين لتحديد الأجر، نجد انه يكون على المشغل احترام الحد الأدنى المقرر قانونا، أو ذلك المنصوص عليه في الاتفاقية الجماعية عند وجودها، خاصة إذا لم يكن هناك اتفاق بين الطرفين، على أن الملاحظ أن الأجر المحدد باتفاق الإرادتين منذ البداية هو الذي يبقى العمل ساريا به في العقد النهائي، مادام الطرفان لم ينصا على أجر آخر بعد انتهاء الفترة أو لم يتفقا على إمكانية رفعه بعدها.

  • وضعية الأطراف في عقد الشغل تحت الاختبار

يكون لأي من الطرفين في عقد الشغل تحت الاختبار وطبقا لما تنص عليه المادة 13 من المدونة إنهاءه بإرادته المنفردة، دون أية مسؤولية ودون إخطار.

إلا أنه إذا قضى الأجير أسبوعا في الشغل على الأقل، فلا يمكن إنهاء فترة الاختبار، إلا بعد منحه أحد أجلي الإخطار التاليين ما لم يرتكب خطأ جسيما.

  • يومان قبل الإنهاء إذا كان أداء أجره باليوم أو الأسبوع أو 15 يوما.
  • ثمانية أيام إذا كان يتقاضى أجره بالشهر.

وإذا تم فصل الأجير من شغله بعد انصرام مدة الاختبار، دون خطأ جسيم، فله الاستفادة من أجل الإخطار لا تقل مدته عن 8 أيام.

د- انتهاء فترة الاختبار

ينتهي عقد الاختبار بانتهاء مدته، وقد ينتهي قبل مدته بتوجيه إخطار للأجير الذي قضى أسبوعا في الشغل على الأقل وفق ما تنص عليه المادة 13 من المدونة.

أما إذا انتهت مدة الاختبار دون العدول عن العقد، أصبح العقد باتا ونهائيا، لمدة غير محددة مالم يتفق الطرفان على خلافه، ويرتب الأجير في المكان المناسب، والأجر الذي يستحقه، إلى غير ذلك من مستحقات عقد الشغل.

 

 

الفقرة الثانية: الأعمال التي لم ينظمها المشرع:

إلا جانب عقود الشغل التي تولى المشرع تنظيمها بأحكام خاصة فهناك مجموعة من الأعمال أفرزها الواقع ولم يتناولها المشرع بالتنظيم، منها:

أولا: العمل العرضي

استبعدت المدونة مجموعة من أشكال العمل من نطاق التنظيم ومن الخضوع لأحكامها ومن ضمنها العمل العرضي، لذلك يتم الرجوع إلى ما ينص عليه الفصل الثاني من ظهير 27 يويوز 1972، في فقرته الأخيرة :”….. ويعتبر مؤقتين أو عرضيين بالقطاع الخاص الشغالون الذين لا يعملون أكثر من عشرة ساعات في الأسبوع لحساب مشغل واحد أو مجموعة مشغلين”.

كما تولى المجلس الأعلى ( محكمة النقض) تحديد المقصود بالعمل العرضي من خلال القرار عدد 264 حين قال: أنه يفيد اشتغال الأجير لمدة ساعتين أو ساعة لعدة أشخاص في اليوم الواحد”.[15]

وقد تميز المشرع المصري عن المغربي بتنظيمه للعمل العرضي حين نص في المادة 1 من قانون العمل ” العمل الذي لا يدخل بطبيعته بما يزاوله صاحب العمل من نشاط ولا يستغرق إنجازه أكثر من ستة أشهر”.

إذن حتى يتحقق للعمل العرضي هذه الصفة لابد من توفر شرطين:

  • ألا يدخل العمل في النشاط الذي يزاوله صاحب العمل بصفة معتادة
  • لا يجب أن تزيد مدته عن 6 أشهر[16].

وعلى الرغم من النداءات المطالبة بإلغاء هذا النوع من العمل باعتباره عملا مؤقتا بطبيعته[17]، فالمشرع المصري أقر الإبقاء على تعريف العمل العرضي، وذلك لفتح الطريق أمام أصحاب الأعمال لاستخدام عمال عرضيين فيما يتوافر لديهم من أعمال، مما يسمح بتوفير فرص عمل لهؤلاء العمال، خاصة وأن صاحب العمل يستطيع إلغاء هذا العمل في أي وقت دون أية مسؤولية.

والعمل العرضي يمكن أن يمارس في جميع الأنشطة خاصة في بعض الخدمات، كالمتاجر والفنادق والمطاعم خلال فترات معينة كأعياد نهاية الأسبوع المعارض التجارية والفنية[18].

ثانيا: العمل لوقت جزئي

كما هو الحال بالنسبة لبعض أشكال العمل، فالمشرع المغربي لم ينظم العمل لوقت جزئي، رغم أن الواقع أصبح يفرض هذا النوع من العمل والذي بدأ العمل به في فرنسا مند سنوات خلت، وعرف تطورا خلال العشرون سنة الماضية، فكان وسيلة للوقوف في وجه البطالة والحد من تأثيرها[19]، لذلك تدخل المشرع الفرنسي من أجل تنظيمه ووضع قواعد خاصة تنضمه فنص على أن تكون مدته محددة حسب دورية أقل من مدة العمل سواء الشهرية أو السنوية المعمول بها داخل المؤسسة،[20] كما اشترط أن يتم إبرام هذا العقد كتابة،[21] لإثبات حقوق الطرفين منها انه محدد في مدة معينة، وعدم الكتابة يفيد الاستمرارية في تنفيذ العقد، وبالتالي يكون على المشغل إثبات العكس إن هو أراد ذلك[22].

وعقد الشغل لوقت جزئي تكون فيه المدة محددة على أساس دورية معينة أسبوعية أو شهرية[23]، سواء ثم ذلك في إطار عقد محدد المدة أو غير محدد المدة.

وقد كانت المناداة في المغرب لاعتماد أشكال وأنماط جديدة من العمل كالعمل لوقت جزئي أو لوقت موزع le travail a tempe partagée، رغم معارضة النقابات العمالية، لكل توسع في اعتماد التشغيل المؤقت، وتعتبر ذلك مساسا بالاستقرار في العمل.

و الواقع كما يرى البعض أن مدونة الشغل تسمح ضمنيا بالعمل لبعض الوقت، أو العمل لوقت موزع انطلاقا من المادة 6 في تعريفها للأجير باعتباره، ” كل شخص التزم ببذل نشاطه المهني تحت تبعية مشغل واحد أو عدة مشغلين” كما أن تحديد الأجر الأدنى بسعر الساعة كوحدة عمل في القطاعات غير الفلاحية، يدعم ذلك[24]، غير أن المدونة لم تؤكد هذا التصور عند تصنيفها لعقود الشغل وحافظت على التصنيف التقليدي.

 

 

الفرع الثاني: دور القضاء في تحديد ماهية عق الشغل

الفقرة الأولى: التمييز بين العقد غير محدد المدة والمحدد المدة

لم يقتصر أمر اعتبار عقد الشغل الغير المحدد المدة هو الأصل على المشرع المغربي فقط، بل إن العديد من التشريعات تعتبر العقد غير محدد المدة هو الأساس الذي تقوم عليه علاقة الشغل، ويبقى الاستثناء هو اللجوء إلى عقود الشغل محددة المدة[25]، لأن المسالة تتعلق بحماية الأجير الذي يبحث عن الاستقرار في عمله.

وهذا ما سار عليه القضاء في الأحكام الصادرة عنه، ما لم يكن هناك نص مكتوب يتضمن خلاف ذلك، لأنه في هذه الحالة فالقضاء مدعو إلى إعادة تكييف العقد وتصحيح الوضع، وفق ما تضمنه العقد المنظم لهذه العلاقة للاطلاع على نية الأطراف، ووفق ما تنص عليه الأعراف المهنية، وكذلك بالاعتماد على طبيعة العمل الذي يتم إنجازه.

أتبت الواقع في المرحلة الراهنة تراجع العقود الشفوية لصالح العقود المبرمة كتابة، وهذا إن كان ييسر على القضاء مهمة البحث عن إرادة الأطراف وفقا للقواعد العامة، فإنه لا يقضي على النزاعات المتعلقة بتكييف عقد الشغل بصفة نهائية، فالبنود التي يتضمنها العقد لا تتسم دائما بالوضوح والدقة.

و باستقراء مجموعة من القرارات، فإن الإشكال لا يطرح بالنسبة للعقود المبرمة كتابة بقدر ما يتعلق بالعقود الشفوية التي يتوقف تكييفها وتحديد ماهيتها على ما يتبثه الطرفين .

فعقد الشغل وفق ما ينص عليه الفصل 753 ق.ل.ع قد يتحول إلى عقد غير محدد المدة، إذا ما تم تجديده صراحة من قبل الطرفين لمدة تزيد عن سنة أو ضمنيا إذا استمر في إنتاج آثاره بعد انتهاء مدته، ودون أن يبادر احد الطرفين إلى إنهاءه، ولهذا يمكن القول أن عقد الشغل قد ينشأ محددا ثم يتحول إلى عقد غير محدد المدة.

وقد اشترط (المجلس الأعلى سابقا) محكمة النقض وحتى يعتبر العقد محدد المدة، رغم تجاوز مدة السنة أن يتم التنصيص في وثيقة العقد على مدته وعلى تجديده صراحة على عدد مرات تجديده وإلا اعتبر غير محدد المدة.

جاء في قرار للمجلس الأعلى سابقا (محكمة النقض حاليا)، بتاريخ 22/04/2007 ” كل أجير عمل بصفة مستمرة أكثر من إثني عشر شهرا في المحل، يعتبر بمقتضى الحال في جهة المستخدمين الثابتين، إلا إذا نص في عقدة الخدمة كتابة على شرط مخالف، طبقا للفصل الأول من النظام النموذجي الصادر في 23-10-1948 وما دامت ورقة أداء الأجر تتضمن صفة ” أجير مؤقت ،” فإن القرار المطعون فيه لما اعتبره أجيرا قارا بعلة أنه قضى في العمل الفعلي مدة تفوق سنة يكون خارقا للفصل المستدل به”[26].

فالعبرة في معرفة طبيعة عقد الشغل هي العقد الكتابي الرابط بين الطرفين، والذي يعبر بصفة واضحة وصريحة عن نيتهما، وفي حالة عدم وجود هذا العقد يبقى الأصل هو الاستمرارية في علاقة الشغل، جاء في قرار لمحكمة النقض بتاريخ 29/12/2011، “: تنص المادة 17 من مدونة الشغل على أنه يمكن في القطاعات غير الفلاحية إبرام عقد الشغل المحدد المدة لمدة أقصاها سنة قابلة للتجديد مرة واحدة ويصبح العقد بعد ذلك في جميع الحالات غير محدد المدة.

يمكن إثبات مدة العمل بشهادة الشهود، وللمحكمة كامل السلطة في الترجيح بين الحجج، ولا رقابة عليها من قبل محكمة النقض إلا فيما يخص التعليل.

  • يعتبر عدم سلوك المشغل لمسطرة الفصل 62 من مدونة الشغل اعتبار الفصل تعسفيا، ويغني المحكمة من البحث في الخطأ ومدى جسامته”[27]

لكن هل تكفي أن تكون العقد كتابيا لإثبات علاقة الشغل؟

الفقرة الثانية : الطرف الملزم بالإثبات:

لم يشترط المشرع المغربي لإبرام عقد الشغل شكلا معينا، بل جعل إبرامه خاضعا للقواعد العامة المتعلقة بالعقود، والتي تتطلب توافر الرضا بين الطرفين إلى جانب الأهلية والمحل والسبب كما يحددها ق.ل.ع.

وعليه فالكتابة ليست ضرورية لإنشاء عقد الشغل وليست ركنا من أركانه وهذا ما يمكن استنتاجه من خلال الفصل 723 ق.ل.ع” إجارة الخدمة  أو العمل عقد يلتزم بمقتضاه أحد طرفيه بأن يقدم للآخر خدماته الشخصية لأجل محدد، أو من أجل أداء عمل معين، في نظير أجر يلتزم هذا الآخر بدفعه له. وإذا كان العقد ثابتا بالكتابة أعفي من رسوم التمبر والتسجيل ، ما تؤكده المادة 18 من مدونة الشغل:” يمكن إثبات عقد الشغل بجميع وسائل الإثبات.

إذا كان عقد الشغل ثابتا بالكتابة أعفي من رسوم التسجيل.”. وإذا اتفق الأطراف على إبرامه كتابة، فإنه يجب تحريره في نظيرين موقع عليهما من طرف الأجير والمشغل، مصادق على صحة إمضائهما من قبل الجهة المختصة[28]، ويحتفظ الأجير بأحد النظيرين على أن هذه الكتابة إذا كانت تفيد في تصنيف القضاء لعقود الشغل في كثير من الأحيان، من خلال الاحتجاج بها من قبل الأطراف، فإنها في أحيان أخرى قد لا تتضمن مدة العقد أو طبيعة العمل أو تكون غامضة في صياغتها، مما يدعو القضاء إلى البحث عن نية الأطراف أثناء إبرام العقد للتمييز بين العقد المحددة المدة وغير المحدد المدة، وتحقيق التوافق بين ما تنص عليه هذه العقود وما جاءت به المادتين 16 و17 وتقويم كل اعوجاج تم خارج الإطار القانوني.

فلا يمكن إنكار وجود أشغال تنبع من الواقع العملي ومن بعض الممارسات والأشغال والتي لا يمكن أن تكون إلا في إطار محدد.

وعلى القضاء أن يلعب دوره كاملا في تنمية قانون الشغل، وتطويره من خلال تحديد الإطار القانوني الذي يجب أن تصنف فيه هذه العقود، حتى يسترشد المشرع بهذه الاجتهادات ويعتمدها كعقود صحيحة كغيرها من العقود الأخرى.

على أن المشرع إذا كان قد أقر حرية الإثبات بالنسبة لعلاقة الشغل وما يتعلق بها، بجميع الوسائل، فذلك راجع إلى الخصوصية التي يتميز بها عقد الشغل، وتظهر من خلال توزيع عبء الإثبات بين الطرفين خاصة بالنسبة للأجير الطرف الضعيف، فيكون على الأجير الذي يدعي الاستمرارية في عقد الشغل أن يتبث ذلك ما لم تكن هناك حجة كتابية تنص على خلافها أو ترجح بشكل قطعي حجة أحد الطرفين عن الآخر.

كما أن الأجير إذا كان هو الملزم بإثبات علاقة الشغل باعتبار عدم وجودها هو الأصل وذلك بجميع الوسائل حتى انه يمكن الإثبات بشهادة شاهد واحد كما يتم الأخذ بشهادة شهود الإثبات المعتمدين من طرف الأجير دون  شهود المشغل لأن هذا الأخير يعمد إلى إنكار هذه العلاقة للتحلل من الالتزامات الناتجة عن هذه العلاقة.

فإن إثبات واقعة الاستمرارية بالنسبة لعقد الشغل تكون بدورها على عاتق الأجير والمتشبث بعقد شغله غير المحدد المدة لأن ذلك في صالحه.

جاء في قرار لمحكمة النقض بتاريخ 24/05/2012 :” يمكن إثبات علاقة العمل واستمراريتها بشهادة الشهود، ويقع عبء إثباتها على عاتق الأجير

  • يقع على المشغل إثبات الطبيعة المؤقتة لعقد العمل.
  • للمحكمة سلطة تقديرية في ترجيح وسائل إثبات الطرفين وشهادة الشهود ومدى اعتبارها في الإثبات”[29]

وفي حالة العجز عن إثبات صنف هذا العقد واعتباره محدد المدة أو غير محددها، فالأصل انه عقد غير محدد المدة

عقد ش.غ.م هو الأصل جاء في قرار لمحكمة النقض بتاريخ 15/09/2011:

“يمكن للمشغل والأجير إبرام عقد شغل بتوافق بينهما شريطة احترام المقتضيات القانونية والمنصوص عليها في مدونة الشغل.

  • حددت المادتان 16 و17 من مدونة الشغل على سبيل الحصر الحالات التي يتم فيها إبرام عقد الشغل محدد المدة، مما يعتبر معه عقد الشغل غير محدد المدة هو الأصل.
  • يفسخ عقد الشغل محدد المدة تلقائيا بانتهاء مدته، ولا يترتب عن فسخه أي تعويض”[30].

الواضح من القرارات الصادرة عن المجلس سواء المشار إليها أو غيرها أن توجه محكمة النقض هو جعل عبء إثبات صفة عقد الشغل واستمرار العلاقة الشغلية على عاتق الأجير، وهذا الأمر إذا كان مستساغا بالنسبة للعقد المبرم كتابة والواضح الدلالة على كونه محدد المدة بحيث يتم ترجيح الحجة الكتابية التي يتقدم بها أحد الطرفين دون الآخر والذي لا يمكنه دحضها إلا بحجة مماثلة طبقا لما جاء به قرار محكمة النقض بتاريخ 23/01/2008 أنه:

” شهادة العمل التي تحمل عبارة” بطاقة الشغل المستمرة” الصادرة عن المشغلة تعتبر حجة كتابية تغني الأجير عن كل إثبات، ولا يمكن معارضتها بشهادة الشهود ولا يمكن دحضها إلا بحجة مماثلة لها وهي تفيد استمرارية العمل”[31].

فإن الأمر يجب ان يتغير عند عدم وجود حجة كتابية ليكون الأجير غير ملزم بإثبات الاستمرارية، بل يكفيه أن يدفع بوجود عقد غير محدد المدة، باعتباره يتمسك بالأصل وهو وجود عقد شغل غير محدد المدة، ليبقى على المشغل الذي يدعي العكس أن يثبت خلاف ما يدعيه الأجير، وأن العقد الرابط بينهما هو عقد محدد المدة.

وعلى أي، ومواكبة للتطورات التي تعرفها علاقة الشغل والتحولات المتسارعة التي طرأت بخصوص أشكال العمل فقد حان الوقت ليتدخل المشرع من اجل تنظيم هذه الأعمال خاصة بعد مرور 10 سنوات على إصدار مدونة الشغل، بما يحقق التوازن بين مصالح المشغل ومصالح الأجير بما يعزز استقراره في عمله ويدعم ثقته في المقاولة التي توفر له مورد رزقه.

 

[1] – للمزيد من التوضيح حول التمييز بين عقد الشغل المحدد المدة وغير المحدد المدة ومختلف المراحل التي مر منها تنظيم هذين العقدين راجع:

– محمد سعيد بناتي، قانون الشغل في ضوء مدونة الشغل، علاقات الشغل الفردية، الجزء الثاني، المجلة الأولى، مكتبة دار السلام 2007، ص 197 وما بعده.

– محمد سعيد جرندي، الطرد التعسفي للأجير في ظل مدونة الشغل والقضاء المغربي، مطبعة الأمنية، الطبعة الثانية، 2007، ص 60 وما بعدها.

– بشرى العلوي، الفصل التعسفي للأجير على ضوء العمل القضائي ن دار النشر المغربية ن الطبعة الأولى 2007، ص 68

[2] – JEAN- Maurice verdie , droit du travail , dolloz , p 336

– Alain Coeuret

Marie – armelle souriac

[3] – يتوقف عقد الشغل مؤقتا أثناء:

– فترة الخدمة العسكرية الإجبارية : ثم إلغاء التجنيد الإجباري بمقتضى مرسوم رقم 420602 ابتداء من تاريخ 4 غشت 2006.

– تغيب الأجير لمرض، أو إصابة يثبتها طبيب إثباتا قانونيا.

– فترة ما قبل وضع الحامل حملها، وما بعدها، وفق الشروط المنصوص عليها في المادتين 154 و156 أدناه.

– فترة العجز المؤقت الناتج عن حادثة شغل أو مرض مهني.

فترة تغيب الأجير المنصوص عليها في المواد 274 و275 و276 و277.

[4] – مدونة الشغل، إشكالات التطبيق ومواقف الفرقاء الاجتماعيين، جمعية عدالة، ابريل 2011، ص 43 و44.

[5] – قرار صادر عن محكمة النقض عدد 1076 بتاريخ 15/09/2011 ملف اجتماعي، عدد 1084/5/1/2010.

[6] – راجع في هذا الصدد مؤلف الأستاذ محمد جرندي، الطرد التعسفي للأجير في ظل مدونة الشغل والقضاء المغربي،م، س، ص 79 وما بعدها.

[7] – الفقرة الرابعة من المادة 16 من مدونة الشغل.

[8] – إدريس فجر، مدونة الشغل، حصيلة سنتين من التطبيق القضائي الطبعة الأولى 2007، مطبعة النجاح الجديدة، ص 25.

[9] – نص المشرع المصري على أن العمل الموسمي هو الذي يتم في مواسم دورية متعارف عليها، محمد حسين منصور، دار الجامعة الجديدة، 2007، ص 72.

[10] – ألغت المدونة المساومة على أجور الأجراء والتي كانت بمقتضى، ظ 24 يناير 1953 المتعلق بحساب الأجور وأدائها، وبالمقتصديات والمساومة باليد العاملة وعقد المقاولة من الباطن .

[11] – علال المنوار من أجل مدونة منتجة في مجال الشغل بالمغرب، الطبعة الأولى 2013، مطبعة البيضاوي، ص 83.

[12] – بالرجوع إلى التشريع التونسي نجد انه اعتبر عقد المقاولة (عقد الوضع رهن الإشارة الذي تبرمه مقاولات التشغيل المؤقت والمقاولة المستعملة)، عقد مقاولة من الباطن، وفي ظل غياب تعريف تشريعي لعقد المقاولة عرفه البعض من الفقهاء في تونس بأنه” تعاقد تجاري بين مؤسسة مستفيدة أي مؤسسة أصلية مع مؤسسة مناولة أي ثانوية تقوم لفائدتها بتنفيذ عمل أو إنجاز خدمة أو تضع على ذمتها أجراء للقيام بأعمال معينة مقابل مبلغ مالي يحدد مسبقا تدفعه الأولى للثانية، وتعاقد شغلي بين مؤسسة المناولة والأجراء لا يربطهم أي تعاقد شغلي أو غيره مع المؤسسة المستفيدة التي تدخل في باب الغير بالنسبة إليهم” وفي تعريف آخر لمناولة اليد العاملة : تتم بمقتضى عقد توفير يد عاملة تلتزم بموجبه مؤسسة مناولة اليد العاملة أو ما يسمى في بعض التشريعات الأخرى بمؤسسات العمل الوقتي وضع عدد من الأجراء على ذمة المؤسسة المستفيدة التي تكلفهم بإنجاز مهام أو خدمات تشرف على تنفيذها وتراقب وسائل القيام بها ونتائجها”.

– عصام الأحمر، إشكالات في نزاعات الشغل، الحلول القانونية والاجتهادات القضائية، سيفاد للنشر، 2008، ص 108 و118.

[13] أشارة المادة 16 م . ش،إلى حالة أخرى في فقرتها الأخيرة لم تنص عليها المادة 496 م.ش.

.

[14] – مدونة الشغل، إشكالات التطبيق ومواقف الفرقاء الاجتماعيين، جمعية عدالة، ابريل 2011، ص 52.

[15] – قرار عدد 264 صادر عن الغرفة الاجتماعية بتاريخ 9/03/2005 ملف عدد 697/2004، بشرى العلوي الفصل التعسفي للأجير على ضوء العمل القضائي، دار النشر المغربية.

[16] – الحاج الكوري، التشغيل المؤقت، الإطار القانوني وإشكاليات التطبيق، دراسات مهداة للأستاذ محمد جلال السعيد، الجزء الأول، الطبعة الثانية، 2010، ص 248.

[17]

[18] – محمد سعيد بناني، قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل، علاقات الشغل الفردية، الجزء2، المجلد الأول يناير 2007، ص 269.

[19] – Bernard teyssie : droit européen du travail , 4e ed. litec.p . 197.

[20] – A.R.T.L. 3123-1.

[21] – A.R.T.L. 3123-14 . “le contrat de travail du salarie à tempe partiel est un contrat écrit”

[22] – cass.soc.25 feverier 2004 ,n° 01-46.394.bc.v n° 63

[23] – محمد سعيد بناني، م، س، ص 270.

[24] – مدونة الشغل، إشكالات التطبيق وموقف الفرقاء الاجتماعيين، جمعية عدالة ابريل 2001، ص 46.

[25] – le droit du travail an France : principe et approche pratique du droit du travail ; 16e ed 8 , France le feverier ,le FEVBVERE. p 19

– Bernard Teyssie , op , cit , p 197.

[26] – قرار المجلس الأعلى عدد 405 صادر عن الغرفة الاجتماعية عدد 1111/5/2002، قرار المجلس الاعلى الصادر في المادة الاجتماعية، الجزء الأول، مطبعة الأمنية، الرباط، 2007.

[27] – قرار عدد 1997، ملف اجتماعي عدد 1299/5/1/2010. عمر ازوكار، قضاء محكمة النقض في مدونة الشغل الجزء الأول، الطبعة الأولى 1434/2013 مطبعة النجاح الجديدة، ص 103.

[28] – جاء في قرار لمحكمة النقض عدد 523 صادر بتاريخ 21 ماي 2008 ملف عدد 737/5/1/2007 ” إبرام عقد الشغل كتابة غير منتج لأثره القانوني، ما دام لم يتم المصادقة على صحة إمضائه من قبل الجهة المختصة عملا بالمادة 15 من مدونة الشغل” التقرير السنوي للمجلس الأعلى . 2008 . ص 223.

[29] – قرار عدد 977. بتاريخ 24/05/2012 ملف اجتماعي عدد 1491/5/1/2010، عمر ازوكار، م س، ص 67.

[30] – قرار عدد 1076 بتاريخ 15/09/2011 ملف اجتماعي، ع 1084/5/1/2010. ازوكار، م س، ص 93.

[31] – قرار عدد 90 بتاريخ 23 يناير ملف عدد 1070/5/1/2007. التقرير السنوي للمجلس الأعلى . 2008، الطبعة الأولى 2009 مطبعة الأمنية الرباط ن ص 222.

إقرأ أيضاً

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي Constitutional control and …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *