أنماط المسؤولية الجنائية البيئية بين الثابت والمتغير

أنماط المسؤولية الجنائية البيئية بين الثابت والمتغير

                                             ياسين الكعيوش

                                               دكتور في الحقوق

                                               كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية

                                              جامعة سيدي محمد بن عبد الله-فاس

    تقديم:

      تعد مسألة حماية البيئة من أعقد قضايا العصر التي تستحوذ على اهتمام المتخصصين في شتى المجالات ومختلف المجتمعات الإنسانية مهما تباينت نظمها القانونية والاجتماعية، فبعدما كان الاهتمام بقضايا البيئة بمثابة نوع من الرفاهية التي لا قبل لدول العالم الثالث به؛ أضحى وسيلة يلهث الجميع ورائها في محاولة لإنقاذ كوكب الأرض الذي نعيش عليه من الدمار والخراب الذي أصبح في تزايد مستمر بفعل الطفرة النوعية التي حدثت في استغلال الموارد الطبيعية وإنتاج الطاقة، كما انعكس التقدم الصناعي الهائل الذي شهده العالم على البيئة وعناصرها، إذ زادت نسبة التلوث والتدهور البيئي وأصبحت البيئة غير قادرة على تجديد عناصرها الطبيعية واختلال توازن عناصرها، وبات مستقبل الحياة على الأرض مهددا بأخطار جسيمة نتيجة لتصرفات الإنسان واعتداءاته المتزايدة على البيئة[1].

     ومن هنا وجد الإنسان نفسه أمام واقعا مؤلما، فقد فسدت التربة بالمبيدات، وتلوث الهواء بالدخان والإشعاعات، وتعكرت البحار ببقع الزيوت النفطية، وتسممت الأنهار بفعل النفايات وبدأت الغابات تحتضر، والسلالات تنقرض والطقس يضطرب والموازين الطبيعية تختل، وظهرت أمراض جديدة لا براء منها، وفيروسات فتاكة لا ترى بالعين المجردة ولا يجدي معها علاج، وأصبحت الحروب دمارا شاملا[2].

     لذا أصبح هذا الموضوع يفرض نفسه على الساحة الوطنية والدولية مع بروز الإحساس
بخطورة ظاهرة التلوث البيئي وفداحة الآثار المترتبة عليها، حيث لفتت انتباه المفكرين والعلماء وحتى عامة الناس على المستوى المحلي، ومن ثم أصبحت الدول تسعى جاهدة للمحافظة على البيئة كقيمة اجتماعية تستحق الحماية نظرا لأهميتها على الفرد والمجتمع .

   كما شهد النصف الثاني من القرن العشرين اهتماما متزايدا بحماية ورفع الوعي البيئي لدى الأفراد للحفاظ على البيئة، وذلك بانعقاد المؤتمرات والاتفاقيات الدولية والإقليمية الداعية للحفاظ على بيئة نقية صالحة للاستعمال البشري، على أسس علمية ومنهجية صحيحة؛ حيث زاد الاهتمام العالمي بالبيئة بعد وقوع عدد من الكوارث البيئية الناجمة عن تعدي الإنسان على البيئة والوسط الطبيعي الذي يعيش فيه مع غيره من الكائنات الحية الأخرى، وبصفة خاصة بعد غرق ناقلة البترول الليبيرية ” توري كانيونTorry-Canyon  ” أمام شواطئ المملكة المتحدة في ماي 1967[3]،. ومن ثم تنبهت الأمم المتحدة للخطر البيئي المهدد للبشرية، فوجهت الجمعية العامة الدعوة إلى عقد مؤتمر عالمي حول البيئة، وذلك للبحث عن حلول ناجعة لمشاكل التلوث العديدة وغيرها من الأضرار التي تهدد المجالات البيئية، وبعد اجتماعات تمهيدية مكثفة تم عقد مؤتمر البيئة الإنسانية بستوكهولم بالسويد سنة 1972، وتبنى هذا المؤتمر شعار “أرض واحدة فقط”[4]، الذي تمخض عنه إقرار مجموعة من المبادئ والتوصيات[5]، التي تعد وبلا جدال بمثابة الركيزة الأساسية لكافة البحوث العلمية والقانونية في المجال البيئي.

      كما شكل مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية المعروف باسم ” قمة الأرض” المنعقد في ريو دي جانيرو بالبرازيل خلال شهر يونيو 1992، محطة هامة لإقرار حق الدول في استثمار مواردها الطبيعية شريطة ألا تسبب ضررا للبيئة؛ كما تناول مؤتمر الأمم المتحدة التاسع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين 1995، حماية البيئة وبحث إمكانيات وصعوبات إعمال العدالة الجنائية لتكثيف التعاون الدولي لمكافحة الآثار الضارة الناجمة عن الجرائم التي ترتكب ضد البيئة، وقد دعا المؤتمر إلى ضرورة التنسيق على كافة الأصعدة الوطنية والدولية، في إتباع أساليب مبتكرة لمعالجة ما يتطلبه القانون الجنائي من شروط بشأن إدخال الجريمة البيئية لنطاق التجريم وأدلة إثباتها، خصوصا عندما تكون آثار الجريمة البيئة واسعة الانتشار[6].

      وغيرها من المؤتمرات التي حظيت فيها البيئة وقضايا الجرائم البيئية بالاهتمام والعناية، خصوصا قمة المناخ أواخر سنة 2015 بباريس[7]، ومؤتمر الأطراف حول التغيرات المناخية الذي عقد أيام 7 إلى 18 نونبر 2016 بمراكش[8] قصد توقيع اتفاق ملزم بين الدول لمواجهة التهديدات الخطيرة التي أصبحت تشهدها دول المعمور، والوصول إلى الحلول الناجعة لمعالجة هذا النوع من الجرائم المستحدثة. 

      كل هذه المؤتمرات حتمت على الدول ومن بينها المغرب، إصدار تشريعات بيئية وملاءمتها مع المرجعية الدولية، من أجل تأمين المجال البيئي ضد الأضرار والأفعال غير المشروعة، الناتجة عن سوء استعمال الموارد الطبيعية[9].

      وترتب عن هذا التطور الهائل في مجال الاهتمام بقضايا البيئة ومشاكلها المختلفة ظهور بوادر الحماية انعكست على جميع الدول، حيث بدأت كل الدول بما فيها المغرب؛ تصدر تشريعات خاصة بمكافحة التلوث وحماية البيئة وعناصرها المختلفة من كافة أفعال المساس بها، لذلك شهدت السنوات الأخيرة اهتماما بالغا بموضوع الأضرار البيئية كواحدة من أبرز الجرائم التي تقترف في حق المجتمع، الأمر الذي دعا معظم الدول إلى إعطاء الأولوية لموضوع حماية البيئة وادارجه ضمن أجندتها الوطنية، وسعت الدول إلى تكريس هذه الحماية من خلال سن عدة تشريعات وقوانين تعنى بالبيئة وعناصرها المختلفة.

      بيد أن الحماية الجنائية للبيئة لم تأتي إلا في مرحلة متأخرة بعدما عجزت القواعد القانونية المدنية والإدارية على توفير الحماية اللازمة للبيئة من أفعال التلوث وكافة أشكال الاعتداء الأخرى، إذ لوحظ غياب فعالية النصوص القانونية المدنية والإدارية والدولية في ردع مرتكبي أفعال التلويث البيئي[10]. حيث تتنوع الأفعال التي تشكل اعتداءا على البيئة بقدر تنوع وتعدد العناصر البيئية المختلفة (ماء،هواء، نبات، حيوان، تربة،…)، والتي تصلح كقيم اجتماعية محل التجريم؛ فكل عنصر من هذه العناصر يتعرض لاعتداء بصورة مختلفة عن غيره من العناصر، سواء كان هذا الاعتداء في شكل نشاط إيجابي أو سلبي، عمدي أو غير عمدي، سلوك مجرم في حد ذاته أم لا بد من تحقق نتيجة مادية، وبالتالي تحدد كل جريمة من الجرائم المنصوص عليها صورة النشاط المادي المتطلب حتى يقع تحت طائلة التجريم والعقاب[11]، ونتيجة لتعدد صور الاعتداء على البيئة فقد أصدر المشرع
المغربي العديد من القوانين سعيا منه لحماية البيئة بمختلف عناصرها، إذ صدرت عدة قوانين
لحماية البيئة الأرضية والمائية والهوائية وحماية التنوع البيولوجي وغيرها من العناصر الأخرى[12].   

      مما لاشك فيه أن حق الفرد في الحرية أساس مشروع شريطة أن لا يمس حقه هذا حرية وحقوق الآخرين، وهكذا فحق الإنسان في العيش ضمن بيئة سليمة حق مكفول دستوريا[13]، فإن هذا الحق مقيد بضرورة مراعاة حقوق الآخرين، وكذا مراعاة البيئة كقيمة اجتماعية وإنسانية وأخلاقية، وكل تصرف مشين تجاه عناصرها يجب أن يشكل مصدرا للمسؤولية بصورة عامة، يؤاخذ فيها الشخص على تصرفاته، وترتدي هذه المؤاخذة طابعا عقابيا قد يكون جنائيا وقد يكون مدنيا.

     وباعتبار القانون الجنائي البيئي يشكل جزءا لا يتجزأ من القانون الجنائي العام بعناصره الثلاثية، الجريمةالعقوبةالمسؤولية-، تبقى هذه الأخيرة من أهم الإشكالات التي تطرح بحدة في مجال البيئة، حيث إن القاضي الجنائي في المادة البيئية يجد صعوبة أحيانا في تحديد الشخص المسؤول المباشر عن ارتكاب الفعل الإجرامي، لكون الأشخاص المعنوية قد طغت بشكل واضح على الساحة التنموية، مما جعل كذلك مهمة البحث عن الشخص الطبيعي المسؤول في ظلها تزيد من حدة هذه الصعوبة.

   وإذا كان المقصود بالمسؤولية عن الجرائم البيئية تحمل الجزاءات المقررة قانونا لكل من يمس بسلامة عناصر البيئة، فإن كل شخص طبيعي أو معنوي ساهم في الإضرار بهذه العناصر يعد مرتكبا لجرم المساس البيئي[14]. ولذلك تقوم المسؤولية الجنائية في القانون على الالتزام بتحمل الفاعل للجزاءات التي تفرضها القواعد القانونية بسبب مخالفة أحكامها، وهذه الجزاءات لا تطال كمبدأ عام إلا الإنسان المرتكب للفعل، تكريسا لأحد المبادئ المؤطرة للقانون الجنائي الكلاسيكي، ألا وهو “مبدأ شخصية العقوبة الجنائية”، لكن وأمام التطورات والتغيرات التي عرفتها المجتمعات الحديثة، واستيعابها لمعظم الأنشطة في المجتمع، وزيادة مساحة الخطر الذي يهدد الأفراد جراء هذا النشاط، الأمر الذي أدى في النهاية إلى حماية المتضررين، من خلال إقرار مسؤولية الشخص المعنوي دون خطأ ينسب إليه تفاديا لإعسار ممثله القانوني وعدم قدرته على تعويض المتضررين، تماشيا مع الخصوصية التي تطبع الجرائم البيئية، وإن كان شمول الأشخاص المعنوية للعقوبة طرح نقاشا فقهيا وإشكالات عملية، تضاف للمسؤولية الجنائية للشخص الطبيعي عن الجرائم البيئية.

       انطلاقا من هذه التوطئة، يمكن التساؤل حول مدى تطابق أسس المسؤولية الجنائية البيئية مع القواعد العامة المنظمة للمسؤولية الجنائية ؟ 

       وتبعا لذلك سنقوم بتسليط الضوء على تنوع المسؤولية الجنائية البيئية، من خلال التطرق للمسؤولية الجنائية البيئية للشخص الطبيعي (المبحث الأول)، قبل الحديث عن مساءلة الشخص المعنوي عن الجريمة البيئية (المبحث الثاني).

المبحث الأول: المسؤولية الجنائية البيئية للشخص الطبيعي

       بتطور النظام القانوني وبروز معطيات جديدة في ميدان المسؤولية الجنائية، ومن أجل ضمان حماية فعالة للمصالح الجوهرية المشروعة ضد بعض صور الإجرام الخطير لاسيما ما تعلق منه ذلك المرتكب في إطار المشاريع الاقتصادية الكبرى، حاولت التشريعات المعاصرة هجر شخصية العقوبة بعقاب أشخاص لم يقترفوا الركن المادي للجريمة، والذين لا يمكن أن توجه إليهم تهمة الاشتراك بمعناه القانوني، ومن هذا المنطلق برزت فكرة المسؤولية الجنائية عن فعل الغير.

     فالصورة التقليدية للمسؤولية الجزائية تتمثل في مسؤولية الشخص الطبيعي عن خطئه الشخصي، أما مسؤولية الشخص عن فعل غيره، فأساسها المسؤولية عن الجرائم المرتكبة من طرف غيره. فهاتان الصورتان من المسؤولية الجنائية تجدان تطبيقا واسعا لهما في القوانين البيئية، رغبة من المشرع توفير حماية فعالة للبيئة. وفي ظل خصوصية هذه المسؤولية سيتم  تناول مسؤولية الشخص الطبيعي عن فعله الشخصي في (المطلب الأول)، على أن يتم الحديث عن شروط المسؤولية الجنائية عن فعل الغير في (المطلب الثاني).

المطلب الأول: إسناد المسؤولية الجنائية البيئية

      تقتضي المسؤولية الجنائية تحمل الشخص تبعات أفعاله التي يعتبرها القانون الجنائي جريمة تستوجب توقيع العقاب، ومن المسلم به أن المسؤولية الجنائية للشخص الطبيعي لا تثير أية إشكالية لأنها الصورة التقليدية للمسؤولية الجنائية، لكن واقع الحال يجعل هذا القول غير ذي جدوى أمام ما يعترض جرائم تلوث البيئة من صعوبات خاصة على مستوى تحديد الفعل الشخصي، وما يرافقه من صعوبة في تحديد المسؤولية عن الجريمة البيئية[15].

    فقد يشترك عدد من الأشخاص في ارتكاب الجريمة البيئية سواء وجد بينهم اتفاق أو تفاهم (رابطة معنوية) أم لم يوجد، فتتحدد مسؤولية كل منهم على أساس ما اقترفه من أفعال ما دامت النتيجة الإجرامية المحظورة قانونا قائمة، فإن تعذر معرفة نصيب كل منهم في إحداثها اعتبر الجميع مسؤولين عنها؛ وعلى هذا الأساس جرم القضاء الفرنسي، فعل أربعة مصانع قامت بإلقاء مواد ضارة في مجرى أحد الأنهار وذلك بصرف النظر عما إذا كان التلوث قد تم بفعل أحد هذه المصانع من عدمه[16].

     لهذا يلاحظ على المشرع الجنائي البيئي، نادرا ما يقرر في النصوص الخاصة بجرائم البيئة شخصية الفاعل[17] فمعظم النصوص تجرم بألفاظ عامة بالقول ” كل من…” أو ” من تسبب في…”، وبذلك يترك للقاضي مسؤولية تحديد من هو فاعل الجريمة الذي يقصده القانون[18]. إلا أن هذا لا يمنع من القول إن هناك بعض النصوص التي تجرم الأفعال الضارة بالبيئة، والتي يحدد فيها صفة الفاعل، ولكن هذه المقتضيات محدودة والغرض منها تحديد مسؤولية كل من يرتكب الفعل أو يساهم فيه وذلك بتجريم نشاطه.

     ومن هنا نهج المشرع البيئي مساءلة الشخص الطبيعي عن جريمة البيئة معتمدا في ذلك على ثلاثة وسائل وهي الإسناد القانوني(الفقرة الأولى)، والإسناد المادي (الفقرة الثانية) ثم الإسناد الاتفاقي (الفقرة الثالثة).

       الفقرة الأولى: الإسناد القانوني

       يقصد بالإسناد القانوني تلك الطريقة التي يتولى فيها المشرع البيئي تحديد بشكل دقيق ومباشر صفة الفاعل أو تعيين شخص أو عدة أشخاص كفاعلين للجريمة؛ وذلك بغض النظر عن الصلة المادية بين شخصية الفاعل وبين الفعل الضار بالبيئة، أي بصرف النظر عن كون هذا الشخص هو مرتكب الأفعال المادية المكونة للجريمة أم لا. كما هو الحال مثلا  في المادة 61 من قانون رقم  27.13 المتعلق بالمقالع[19] والتي تنص على”” يعاقب بغرامة من خمسة آلاف درهم (5.000) إلى عشرين ألف (20.000) درهم: كل مفوت ومفوت له لاستغلال مقلع لا يصرحان إلى الإدارة بتفويت هذا الاستغلال وفقا لمقتضيات المادة 33 أعلاه؛ …””  كما نجد أيضا المادة 11 من القانون رقم 11.03 المتعلق بحماية واستصلاح البيئة[20] تحمل مسؤولية ” كل شخص يملك أو يشغل منشأة مصنفة أن يتخذ كل التدابير اللازمة للوقاية ولمحاربة تلوث البيئة وتدهور الوسط الطبيعي، وذلك طبقا للمقتضيات التشريعية والتنظيمية…”

     نفس التوجه نجده في التشريعات المقارنة كالقانون الفرنسي رقم 599 الصادر في 7 يونيو 1976 بشأن التلوث الناتج عن عمليات الدفن والإغراق تنفيذا لاتفاقية أوسلو لعام 1972 الخاصة بمنع التلوث البحري الناجم عن إلقاء النفايات من السفن والطائرات، إذ يعاقب مالك السفينة أو المشغل لها باعتباره شريكا في جريمة الإغراق التي ترتكب بدون أمر منه.

    لذلك تقوم مسؤولية الشخص في ظل الإسناد القانوني، حسب الصفة التي حددها المشرع ولو لم يكن هذا المسؤول قد ارتكب بنفسه الفعل الضار بالبيئة.

      الفقرة الثانية: الإسناد المادي

      تتحقق المسؤولية الجنائية وفق الإسناد المادي، عندما ينسب لشخص ما الفعل المادي سواء كان إيجابيا أو سلبيا المكون للجريمة البيئية، إذ يعتبر مسؤولا عن الجريمة البيئية كل شخص طبيعي يرتكب النشاط المادي المكون للجريمة بنفسه أو مع غيره، أو الشخص الذي يمتنع عن اتخاذ التدابير والإجراءات التي تقضي بها القوانين البيئية، حيث تستعمل نصوص التجريم في هذا الإطار عبارات فضفاضة وعامة من قبيل “كل شخص”، “من تسبب” أي الفاعل المادي للجريمة البيئية[21].

     علاوة على ذلك، يقوم الإسناد المادي على إدراك الرابطة المادية بين السلوك المجرم ومرتكبه، وعليه فالشخص يعد مرتكبا للجريمة البيئية إذا كان هو المنفذ الأساسي للعناصر المادية كما حددها القانون أما جريمة الامتناع فيعتبر فاعلا للجريمة كل من يقع على عاتقه الالتزام بالعمل، وإن كان المشرع البيئي يميل دائما إلى توسيع  مفهوم النشاط المادي  ليشمل عدد المسؤولين حتى يضمن حماية أكبر للبيئة كما هو الحال في المادة 41 من القانون رقم 09-13 المتعلق بالطاقات المتجددة[22] ” يعاقب بالحبس من 3 أشهر إلى سنة وبغرامة من 100.000 إلى مليون درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل شخص يقوم بإنجاز منشأة لإنتاج الطاقة الكهربائية انطلاقا من مصادر الطاقات المتجددة أو يستغلها أو يقوم بتوسيع قدرتها دون الحصول على الترخيص المنصوص عليه في المادة 3″.

  ومن هنا نستنتج أن المشرع لا يحدد الشخص المسؤول بصفته، وإنما  يضع عبارات عامة تستوعب كل الأشخاص الممكن مساءلتهم عن الضرر البيئي.

         الفقرة الثالثة: الإسناد الاتفاقي

     يقوم الإسناد الاتفاقي على أساس اختيار صاحب العمل أو المؤسسة للشخص المسؤول- من بين العاملين لديه – عن كل المخالفات التي ترتكب في حق البيئة، ومن ثم إضفاء المسؤولية الجنائية عليه، لكونه صاحب القرار المفوض له المهام الذي ألحق ضرر بالبيئة[23]. فهذا الأسلوب يزيل الغموض عن الاختصاصات لكل شخص طبيعي يمثل الشخص المعنوي بسبب صعوبة تحديد الشخص المسؤول جنائيا عن الجريمة البيئية التي ترتكب في إطار الشخص المعنوي، وهذا المعيار من شأنه تحقيق ردعا فعالا للجرائم التي تمس البيئة،  كما جاء في المادة 35 من قانون رقم 30.05 المتعلق بنقل البضائع الخطرة عبر الطرق[24] “” يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبغرامة من 2.000 إلى 8.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط:

  • مرسل البضائع الخطرة الذي لا يسلم الناقل التصريح بالإرسال المنصوص عليه في المادة 20 من هذا القانون؛
  • ناقل البضائع الخطرة الذي لا يسلم سائق المركبة المخصصة لنقل هذه البضائع نسخة من بطاقة السلامة أو التصريح بالإرسال أوهما معا كما هو منصوص عليهما على التوالي في المادتين 19 و20 من هذا القانون؛
  • المرسل إليه الذي يؤجل دون سبب قبول البضاعة الخطرة أو يرفض توقيع إشهاد بتسلمها خلافا لأحكام المادة 32 أعلاه؛ …””.

    كما حرص التشريع البلجيكي على اعتماد هذا الأسلوب بإلزام صاحب العمل بتعيين أحد العاملين لديه ليتولى تنفيذ الالتزامات والتدابير المنصوص عليها في القوانين واللوائح ومن تم يضحى مسؤولا جنائيا عن مخالفة هذه النصوص، حيث تنص المادة 20 من القانون البلجيكي الصادر في 22 يوليوز 1974 بشأن النفايات السامة على أن أعمال التخلص من النفايات السامة تكون تحت سلطة شخص مسؤول يعينه صاحب العمل[25].   

     إن هذا الأسلوب في تحديد المسؤولية يتوخى منه المشرع  الحد من الصعوبات التي تعتري القضاء في تحديد الشخص المسؤول عن بعض الجرائم التي يتدخل فيها مجموعة من الأشخاص، خصوصا تحديد الشخص الطبيعي المسؤول داخل الشركة الملوثة الذي يعد من الأمور التي تثير إشكالا، إما على مستوى الفقه أو على مستوى القضاء، ومرد هذا الإشكال وجود اختلاف في مركز اتخاذ القرار داخل المنشأة من جهة، وتعدد المسؤولين من جهة أخرى، خاصة إذا تعلق الأمر بمنشأة ضخمة تقوم المسؤولية في إطارها، على التضامن بين المسؤولين أو الفاعلين سواء الأصليين أو المشاركين[26].

      هذا ما جعل توجهات السياسة الجنائية المعاصرة تميل إلى إقرار المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي تطبيقا لمبدأ عدم الإفلات من العقاب، لكن جانبا من الفقه[27] يتحفظ على أسلوب الإسناد الاتفاقي كوسيلة لتعيين الشخص الطبيعي المسؤول عن الجريمة البيئية، استنادا إلى الحجج الآتية:

  • لا يمكن تعميم هذه المقولة على جميع الأشخاص المعنوية، ذلك أن تعيين الأشخاص المسؤولين قد يؤدي إلى إدانة هؤلاء على جرائم معينة، مقابل إفلات المسؤولين الحقيقيين عن تلك الجرائم.
  • –          إن الفائدة العملية لهذا الأسلوب ليست بالقدر الكافي، حيث أن تعيين الشخص المسؤول مسبقا لا يقيد القاضي عند بحثه عن المسؤول الحقيقي عن الجريمة، كما أنه يحول دون أن يكون عقبة أمام إدانة الجاني.

المطلب الثاني: شروط المسؤولية الجنائية عن فعل الغير

     إذا كان المبدأ الثابت في القوانين الجنائية عامة تقضي بشخصية العقوبة، ومن ثمة شخصية المسؤولية، إذ لا يسأل الشخص إلا عن فعله الشخصي، فإنه واستثناء من ذلك، توجد بعض الحالات التي يرتب فيها القانون على شخص مسؤولية عمل قام به غيره؛ وهو ما يسمى بالمسؤولية الجنائية عن فعل الغير، لذلك تنازع الفقه الجنائي في تأصيل هذه المسؤولة، فرأي أول أقامها على أساس نظرية المشاركة في الجريمة[28]، فيما أسسها رأي ثاني على نظرية الفاعل المعنوي[29]، بينما ذهب رأي ثالث إلى نظرية افتراض الخطأ[30]؛ وعلة إقرار هذه المسؤولية في مجال الجرائم البيئية، هي توجه السياسة الجنائية الحديثة إلى حث صاحب المنشأة أو القائم عليها على حسن الرقابة والإشراف على تابعيه أثناء مباشرة كل منهم لمهام العمل المكلف به، والعمل على متابعة تنفيذ أحكام التشريع البيئي لحماية البيئة من التلوث والمحافظة على طبيعتها، حيث أضحت هذه المسؤولية تمثل أكثر أنواع المسؤولية تمردا على القواعد التقليدية؛ وفي هذا الإطار تنص المادة 41 من ظهير 23 نونبر 1973 المتعلق “بالصيد البحري[31]” يعتبر الأشخاص الآتي ذكرهم مسؤولين عن أداء الغرامات المقررة والعقوبات المدنية المحكوم بها، مجهز بواخر الصيد أو مستأجروها أو المؤمنون عليها من أجل الأفعال التي يرتكبها قواد هذه البواخر ورجال طاقمها، وكذا الأشخاص الذين يشغلون مؤسسات الصيد ومستودعات الرخويات أو القنافذ أو القشريات من أجل الأفعال التي يرتكبها أعوانهم ومستخدموهم”. ومؤدى ذلك تتحقق المسؤولية عن أعمال التابع كلما توفرت ثلاثة شروط : (أولها) وقوع جريمة من التابع، (وثانيها) أن تكون علاقة سببية بين هذه الجريمة ومسؤولية المتبوع، (وثالثها) عدم وجود تفويض من رب العمل يجعل الفعل الذي أقدم عليه تابعه خارج عن نطاق رقابته واختصاصه.

      الفقرة الأولى: وقوع الجريمة البيئية من التابع

      لقيام المسؤولية الجنائية البيئية حيال رب العمل، صاحب المنشأة، يجب أن يأتي التابع سلوك يخضع للوم القانون الجنائي، سواء في صورته العمدية أو غير العمدية؛ ففي نطاق الجرائم العمدية يسأل المتبوع عن جرائم تابعه متى كان القانون يتطلب لقيامها توافر القصد الجنائي لدى مرتكبها حتى ولو انتفى المخاطب بالقاعدة القانونية، وهي ما يطلق عليها الجرائم التنظيمية، ومن ثم فإذا توافر القصد الجنائي لدى الغير لا يحول دون مساءلة المتبوع جنائيا، متى قام في حقه الإخلال بواجب حسن تنفيذ القانون وإعمال الرقابة والإشراف على تابعيه، أما إذا كان المشرع يوجب توافر القصد الجنائي لدى المخاطب بالقاعدة القانونية، فالمتبوع في هذه الحالة لا يسأل عن جريمة تابعه العمدية ما لم يتوافر لديه القصد الجنائي اللازم لقيام هذه الجريمة[32].

     فإذا ما حصلت مخالفة أو إهمال للالتزامات البيئية الملقاة على عاتق المنشأة الصناعية من التابع، كتسريب بعض المواد الملوثة في إحدى المجاري المائية أو سمح بانبعاث مواد غازية سامة في الهواء دون احترام الضوابط المحددة في هذا الإطار، أقيمت مسؤولية الرئيس عن المخالفة أو الإهمال، وليس ضروريا أن يسأل جنائيا التابع عن هذه المخالفة، لأن احترام هذه الضوابط يعد من الواجبات الملقاة على عاتق رئيس المؤسسة الممثل لها، الذي يتعين عليه السهر على تأمين قيام التابع بعمله تحت رقابته وإدارته، وبالتالي تحت مسؤوليته الشخصية[33].

     هذا هو التوجه الذي سارت عليه محكمة النقض الفرنسية في إحدى قراراتها[34] المؤسسة لمسؤولية رب العمل عن أعمال التابع حيث جاء فيه “” … إذا كان مبدئيا أن لا أحد يعاقب إلا بناء على فعله الشخصي، فإن مع ذلك يمكن للمسؤولية الجنائية أن تنشأ عن فعل الغير في حالات استثنائية التي تفرض فيها بعض النصوص القانونية على رئيس المقاولة واجب ممارسة إشراف مباشر على أفعال المساعدين أو التابعين له خصوصا في الصناعات التي تخضع لأنظمة تملي مراعاة مصلحة أو متطلبات الصحة أو الأمن العام، فالمسؤولية الجنائية تقع أساسا على عاتق رؤساء المقاولات الذين يفرض عليهم شخصيا شروط وطرق استغلال صناعاتهم [35].

       الفقرة الثانية: السببية بين الجريمة ومسؤولية المتبوع

       يلزم لقيام مسؤولية المتبوع الجنائية عن فعل تابعه أن يصدر عن الأول خطأ شخصي، ويتمثل هذا الخطأ في امتناعه عن تنفيذ الالتزامات التي تفرضها عليه أحكام القانون، مما مفاده أن المتبوع قد فرض عليه التزام قانوني معين بأداء عمل محدد، ويتقاعس عن أدائه ويترتب على ذلك وقوع النتيجة المؤثمة قانونا، ومن بين هذه الالتزامات حسن اختيار تابعيه بدقة وإسناد العمل إلى الشخص المؤهل له وتزويد تابعيه بالآلات والوسائل اللازمة لحمايتهم وحماية البيئة من التلوث وبحسن سير العمل، وأن يكون من شأن امتناعه عن تنفيذ التزاماته الملقاة على عاتقه تحقق النتيجة الإجرامية بفعل أحد تابعيه[36]. وأكثر من هذا، ذهبت محكمة النقض إلى القول بأنه ” إذا كان الأصل أن العقوبة لا توقع على شخص إلا بناء على فعله الشخصي، فإن المسؤولية الجنائية يمكن أن تتولى مع ذلك عن فعل الغير في الحالات الاستثنائية التي تفترض فيها بعض النصوص القانونية واجب القيام بعمل مباشر بالرقابة على أفعال أحد المساعدين أو التابعين خاصة في الصناعات الخاضعة للوائح الصادرة من أجل سلامة الصحة والأمن العام، فالمسؤولية الجنائية هنا تقع أساسا على رؤساء المنشآت الذين تفرض عليهم شخصيا شروط وطرق حسن استغلال صناعتهم[37].

      وترتيبا على ما تقدم، تنتفي مسؤولية المتبوع الجنائية تجاه فعل تابعه، إذا ما قامت عوامل شاذة من شأنها قطع رابطة السببية بين التزامه بواجب تنفيذ القانون ووقوع خطأ المتبوع الذي يشكل جريمة يعاقب عليها القانون، وعليه قضت محكمة النقض الفرنسية بمساءلة رئيس المقاولة جنائيا عن أفعال الغير التابعين له، باعتبار أن القوانين والقرارات الخاصة بالمنشأة المصنفة التي يتولى رئاستها تفرض عليه التزامات تقضي مباشرة سلطة ورقابة صارمة على أفعال تابعيه، ومساعديه، خصوصا فيما يتعلق بأنظمة حماية الصحة والسلامة والآمن، ولذلك يسأل في مثل هذه الأحول عن أفعال هؤلاء المخالفين للقوانين[38]؛ بيد أن التمسك بالمبادئ التقليدية للقانون الجنائي قد لا يسعف في زجر مرتكبي الجرائم البيئية، إذا علمنا أن هذه الأخيرة أصبحت تتخذ أبعادا خطيرة وطنيا ودوليا[39].

      الفقرة الثالثة: عدم وجود تفويض من رب العمل

      يجب لقيام المسؤولية حيال رب العمل أو صاحب المنشأة على الجريمة التي يرتكبها تابعه ألا يكون قد فوض غيره للقيام بواجب الرقابة والإشراف على تابعيه نيابة عنه، لأن مسؤولية رب العمل أو صاحب المنشأة ترجع إلى خطئه الشخصي الناتج عن امتناعه عن أداء واجب الإشراف والرقابة المفروضة عليه قبل تابعه، طبقا لأحكام القانون الجاري به العمل[40].

     لذلك فإن الأخذ بنظام المسؤولية الجنائية عن فعل الغير يدفع أصحاب المنشآت الاقتصادية والتجارية وغيرها إلى حسن الرقابة والإشراف على تابعيهم، ومحاولة توجههم للالتزام بأحكام القانون ومتابعتهم بصفة دائمة ومستمرة؛ ومن ناحية أخرى صعوبة إقامة المسؤولية الجنائية بشكل واضح ومحدد تجاه الجريمة البيئية التي وقعت من المنشأة حيال شخص بعينه، وذلك لتشابك الاختصاصات المسندة إلى العاملين بها وتعددها، الأمر الذي يؤدي إلى شيوع الاتهام وتعثر الوصول إلى الجاني الحقيقي، مما يتعارض واعتبارات العدالة.

     ولعل توجه القضاء الفرنسي الذي أحدث تحولا كبيرا في قواعد المسؤولية الجنائية الشخصية، فإنه علاوة على ذلك ساهم في تكريس قاعدتين أساسيتين:

      القاعدة الأولى تؤكد أن رئيس المقاولة هو الذي يتولى بشكل شخصي ومباشر فرض شروط العمل داخل المقاولة، كما يتولى رسم وتحديد خطة العمل المراد إنجازها، وتبعا لذلك فإنه يتحمل المسؤولية الجنائية في حالة ارتكاب جريمة ضد البيئة من طرف أحد تابعيه بسبب الإخلال بشروط العمل داخل هذه المقاولة؛ أما القاعدة الثانية فمؤداها ما يتمتع به رئيس المقاولة من سلطة تنظيمية، تفرض عليه القيام بالإشراف الدقيق والمباشر على كافة تابعيه من أجل تجنب جل الجرائم التي يمكن أن ترتكب داخل المقاولة تحت طائلة متابعته جنائيا[41].

     وخلاصة القول، لا يمكن إنكار أن الإسناد الاتفاقي أو ما يعرف بــ “الإنابة في الاختصاص” قد أوجد تناسقا في توزيع الأعمال والمسؤوليات داخل المنشأة، فالمبدأ المسلم به اليوم أن رئيس المنشأة لا يعتبر المسؤول الوحيد عن فعل غيره بخصوص الجرائم المرتكبة داخل منشأته، إذ يستطيع إنابة بعض تابعيه المؤهلين في القيام بمهام الإشراف على مراعاة تطبيق القوانين واللوائح، بحيث يترتب على هذه الإنابة أثر معف من العقاب.

       المبحث الثاني: مساءلة الشخص المعنوي عن الجريمة البيئية

      إن ظهور أنواع جديدة من الجرائم دفعت المشرع إلى نهج سياسة جنائية جديدة، تتلاءم مع طبيعة هذه الجرائم، ولعل الجديد في هذه السياسة الجنائية البيئية هو الاعتراف للمؤسسة (مصنع – سفينة- معمل …) بالشخصية المعنوية[42]، وبالتالي تحميلها نتائج تصرفاتها الخارجة عن القانون الجنائي البيئي الذي وسع من مفهوم المسؤولية الجنائية، لتطال بشكل أكبر الشخص المعنوي الذي أصبح أكثر من أي وقت مضى المسؤول الأول على ارتكاب الجرائم البيئية[43]، الأمر الذي أسال مداد في الأوساط الفقهية والقضائية بين معارض ومؤيد (المطلب الأول)، إلى أن أدى هذا النقاش إلى تحديد شروطا لمساءلة الشخص المعنوي جنائيا (المطلب الثاني)، مع إمكانية نفيها عنه (المطلب الثالث).

المطلب الأول: إمكانية مساءلة الشخص المعنوي عن الجريمة البيئية

        تعتبر المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي من المواضيع التي أثارت نقاشا فقهيا لمدة طويلة بعدما أصبح الاعتراف بوجود الشخص المعنوي أمرا واقعا ومسلما به في مختلف القوانين الوضعية، لكن الفقه الجنائي التقليدي كان يعارض فكرة تحمل الشخص المعنوي المسؤولية الجنائية، حيث يرى أنه ليس آهلا لتحملها، ويبني موقفه هذا على مجموعة من الاعتبارات (الفقرة الأولى)، وفي المقابل ظهر اتجاه حديث ينادي بضرورة تقرير مسؤولية الشخص المعنوي الجنائية لأنه يتمتع بشخصية قانونية تجعله آهلا لتحمل الالتزامات وأداء الواجبات واكتساب الحقوق، ويستند بدوره على مجموعة من الحجج (الفقرة الثانية)، وإن كان الأمر قد حسم على مستوى التشريع والقضاء (الفقرة الثالثة).

      الفقرة الأولى: الاتجاه الرافض لمساءلة الشخص المعنوي جنائيا

       يعارض هذا الاتجاه فكرة تحمل الشخص المعنوي المسؤولية الجنائية بشكل قطعي، لأنه في الواقع لا يملك الإرادة التي تمنح له الأهلية اللازمة لاكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات القانونية[44]، حيث يؤكد أن الشخص المعنوي أو الاعتباري افتراض قانوني ومجازي، اقتضته الضرورة لتحقيق مصالحه، ولا وجود له في الواقع، وليس له إرادة حقيقية يمكن مساءلته عنها، وإنما يستمد إرادته من الشخص الطبيعي الذي يمثله، فهو شخص غير مادي وصوري من صنع القانون، ومن ثم لا يسأل جنائيا لعدم قدرته على ارتكاب الجريمة بركنيها[45]، أي أن المشرع الجنائي لا يوجه خطابه إلا للشخص الطبيعي الذي يعد وحده صاحب إرادة قادرة على التمييز والإدراك، أما الشخص المعنوي فهو يفتقر للإرادة بمعناها الذي يقصده القانون الجنائي في مجال المسؤولية[46]، وما دام الأمر كذلك فإنه لا يتوفر على الإرادة الشخصية التي يتوفر عليها الأشخاص الذاتيين وحدهم، والتي بدونها لا يمكن تصور المسؤولية الجنائية.

     فضلا عن ذلك فلا يمكن مساءلة إلا الشخص الطبيعي جنائيا، على اعتبار أن الشخص المعنوي ما وجد إلا لتحقيق غرض مشروع، وحتى وإن خالف القانون فإن المسؤول هو ممثلوه – الشخص الطبيعي- خصوصا وأن أهم العقوبات الجنائية السالبة للحرية يستحيل تطبيقها أبدا في حق الشخص الاعتباري[47].

    غير أن هذه الانتقادات لمبدأ مسؤولية الشخص المعنوي جنائيا لم تصمد أما اتساع نشاطات الأشخاص المعنوية وتزايد أعدادها في العصر الحديث تحت شعار التنمية في شتى المجالات، والتي اقتضت ضرورة التفكير في إمكانية مساءلتها جنائيا عن الجرائم التي يرتكبها ممثلوها أو مديروها أو وكلاؤها لحسابها أو باسمها، كما سنرى مع الاتجاه المؤيد.

      الفقرة الثانية: الاتجاه القائل بمساءلة الشخص المعنوي جنائيا

      فرض التطور الحاصل في النشاط الاقتصادي الذي يقوم به الشخص المعنوي ضرورة إعادة النظر في موقف الاتجاه المعارض لمسؤولية الشخص المعنوي الجنائية، والاعتبارات التي يستند إليها؛ ونتيجة لذلك ظهر اتجاه حديث يدعو إلى مساءلة هذا الأخير جنائيا عن الأفعال الإجرامية التي يقوم بها، كما أوصت المؤتمرات الدولية الخاصة بالبيئة[48] بضرورة الأخذ بالمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي، إذ أن جرائم تلويث البيئة ترتكب عادة بواسطة الشخص المعنوي أكثر من الأفراد.

     وقد استند الفقه المؤيد لإقرار مسؤولية الشخص المعنوي جنائيا إلى مبررات كثيرة، ففي الرد على السند المتعلق بافتقاد الشخص المعنوي للإرادة، يذهب أنصار هذا الموقف إلى التسليم بتمتع الشخص المعنوي بإرادة مستقلة، وهي ترجمة لإرادات الأعضاء المكونين له، فهذه الإرادة الجماعية ليست بإرادة خيالية ومجازية بل حقيقة مجسدة في كل مرحلة من مراحل حياة الشخص المعنوي، بحيث يعبر عنها بالاجتماعات والمداولات التي تتم بين الأعضاء المكونين له[49].

     أما بخصوص حجة الإخلال بمبدأ شخصية العقوبة، فهي حجة تنبني على الخلط بين العقوبة والنتيجة غير المباشرة لها، فتوقع العقوبة على الشخص المعنوي، إنما يرد به تحقيق غاية هي حماية المجتمع، فامتداد آثارها إلى الأشخاص المكونين له لا يعني معاقبتهم على الجريمة التي لم يأتونها، وإنما هذا الامتداد بمثابة حافز لهؤلاء من أجل الزيادة في المراقبة واتخاذ كافة الوسائل للحيلولة دون ارتكاب الشخص المعنوي للأفعال الإجرامية[50]، وامتداد آثار العقوبة للأشخاص الذاتيين، يصدق أيضا على امتداد آثار العقوبة على الشخص الطبيعي بصلة غير مباشرة على أسرته بحيث يحرمون من مورد رزقهم في حالة ما إذا كان هو المنفق عليهم[51].

    وتأسيسا على الرأي السالف الذكر، فإن إقرار المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي في مجال الاعتداء على البيئة ضرورة ملحة فرضتها ظروف اقتصادية واقعية يعيشها العالم، تشكل خطورة بالغة على وجود الكائنات الحية بالمقارنة مع الجرائم البيئية المرتكبة بواسطة الأشخاص الطبيعية.

     الفقرة الثالثة: موقف المشرع من المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي

     تكتسي المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي في المجال البيئي أهمية خاصة، نظرا لكون العديد من جرائم تلويث البيئة تتم عن طريق هؤلاء الأشخاص حين ممارسة أنشطتها الاقتصادية، مما يطرح تعقيدا وتشابكا على نحو يصعب معه تحديد مرتكبي النشاط الإجرامي البيئي والجهة المختصة في ذلك[52].

     ولقد أقرت أغلب التشريعات الجنائية الحديثة بمبدأ المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي[53]نتيجة ما يمثله هذا الأخير من عدوان على عناصر البيئة، لهذا أخذ المشرع الأمريكي بالمسؤولية الصارمة للشخص المعنوي ضمن القوانين الخاصة بحماية الهواء والمياه وتداول المواد الخطيرة على صحة الإنسان، وذلك بعد “”قضية فورد”” التي قضى فيها القضاء الأمريكي بمسؤولية الشركة عن جريمة قتل الخطأ بعدما ثبت تقصيرها في تحذير المستهلكين بنتائج التجارب الأولية التي أدت إلى تسرب الوقود ووفاة ثلاثة أشخاص[54].

    بيد أن المشرع الإماراتي كان أكثر تشددا ووضوحا في تحميل مسؤولية المنشآت الصناعية، حيث وضع القيود والضوابط على كافة المنشآت بعدم ارتكاب أي فعل من شأنه إحداث ضرر بالبيئة المائية سواء كان الفعل تصريفا أو إلقاء، إذ نصت المادة 35 من قانون 1999 المتعلق بحماية البيئة وتنميتها ” يحظر على جميع المنشآت بما في ذلك المجال العام أو التجارية أو الصناعية تصريف أو إلقاء أي مواد نفايات أو سوائل غير معالجة من شأنها إحداث تلوث في البيئة المائية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة”[55].

    كما أخذ المشرع الفرنسي بمبدأ المسؤولية الجنائية حيال الأشخاص المعنويين، ضمن القانون الجنائي لسنة 1994 الذي نصت مادته 121.2 على أن ” الأشخاص المعنوية باستثناء الدولة، تسأل جنائيا وفقا للقواعد المنصوص عليه في المواد 121.4 إلى 121.7 وفي الحالات المنصوص عليها في القانون أو النظام عن الجرائم المرتكبة لحسابها، وعن طريق أعضائها أو ممثلها”[56].

      وعلى هذا النهج سار المشرع المغربي بموجب الفصل 127 منه[57]، وإن كان هذا الفصل جاء على إطلاقه وحصر فقط العقوبات التي يمكن الحكم بها، لم يحدد أو يحصر الحالات الموجبة للمساءلة الجنائية بالنسبة للشخص المعنوي، وهو ما انعكس على مسألة تطبيق القضاء لهذا الفصل، حيث نجد القضاء المغربي تعامل مع إحدى القضايا البيئية – قضية معمل الفلين بسلا[58] – بنوع من المرونة، علما بأن هذه الشركة خلفت أضرارا صحية جسيمة وأمراضا في شريحة واسعة من السكان المجاورين للمنشأة[59].

      والملاحظ من حيثيات القرار، أن الأفعال الواردة فيه هي أفعال جنائية، إذ كان على النيابة العامة تحريك متابعة جنائية في حق الشركة مع تنصيب الأطراف المتضررة كمطالبين بالحق المدني، بدل الاقتصار على معالجة القضية في إطار قواعد المسؤولية المدنية[60] دون مساءلة جنائية، مما يوضح ضعف تشبع القضاة بثقافة حماية البيئة ضمن هذا الحكم.

     علاوة على ذلك، تناول المشرع الجنائي المغربي المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي بنوع من الغموض، ضمن الفصل 127 من ق ج، وإن كان بعض الفقه[61] يؤكد أن المشرع  قد وضع قاعدة عامة لمساءلة الشخص المعنوي جنائيا بنص صريح لا مجال للمناقشة فيه، ذلك أن الفصل 127 ق ج، ومن خلال وروده في الكتاب الثاني الخاص بالمجرم قد نظر صراحة إلى هذه الأشخاص على مساواة واحدة مع الأشخاص الذاتيين في موضوع الجرائم المرتكبة. في حين كان على المشرع أن يكون أكثر حزما مع المؤسسات الملوثة للبيئة، ما دامت هذه الأخيرة دائما لها رغبة جامحة في تحقيق المزيد من الربح والإنتاج ولو على حساب المجال البيئي، في ظل وعيها التام بصعوبة إثبات أفعالها وتأخر ظهور النتائج الضارة منها.

     وبالرجوع إلى القانون الجنائي البيئي، نلاحظ أن المشرع يوظف في كثير من نصوصه عبارات ” كل من…” أو” كل شخص…”، يمكن اعتبارها من ناحية الصياغة القانونية أنها لا تقصي الأشخاص المعنوية من المساءلة الجنائية غير أن ما يعاب عليها أنها جاءت خالية من الحصر والتحديد، وكمثال على ذلك ما نجده في قانون رقم 13.03 المتعلق بمكافحة تلوث الهواء[62] ينص في المادة 16[63]منه على مسؤولية كل شخص عن حدوث تلوث، أي أنه لم يحدد بدقة الشخص المسؤول جنائيا، مما يفهم أن المشرع الجنائي البيئي يقر بالمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية، ولكن بطريقة غير دقيقة، وإن كانت المادة 2 من نفس القانون تنص ” يهدف هذا القانون إلى الوقاية والحد من انبعاثات الملوثات الجوية التي يمكن أن تلحق أضرارا بصحة الإنسان والحيوان والتربة والثروات الثقافية والبيئية بشكل عام ويطبق على كل شخص طبيعي أو معنوي خاضع للقانون العام أو الخاص، يمكن أن يحوز أو يستعمل أو يشغل عقارات أو منشآت منجمية أو صناعية أو تجارية أو فلاحية أو منشآت متعلقة بالصناعة التقليدية أو عربات أو أجهزة ذات محرك أو آليات لاحتراق الوقود أو لإحراق النفايات أو للتسخين أو للتبريد…”.

     كما نجد أيضا ميزة أخرى نفهم منها على أن المشرع الجنائي البيئي يقر بالمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية، بحيث يعتمد في كثير من نصوصه بالنص على عقوبة الغرامة- التي تتناسب والشخص المعنوي- إلى جانب العقوبات السالبة للحرية مع ترك المجال للحكم بإحدى هاتين العقوبتين[64]، بالإضافة إلى قانون م ج الذي ينص في مادته الثالثة على أن” تمارس الدعوى العمومية ضد الفاعل الأصلي للجريمة والمساهمين والمشاركين في ارتكابها سواء كانوا أشخاصا ذاتيين أم معنويين”.

     كل هذا يجعلنا نقول بأن المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي عن الجرائم البيئية واردة ضمن القانون الجنائي البيئي، وتزكيها القرارات القضائية الصادرة في هذا الشأن، لكن يجب أن يعدل المشرع من صيغه الفضفاضة التي لا تخدم مصلحة حماية البيئة بقدر ما تضرها، خصوصا بعد تبنيه لمختلف الاتفاقيات الدولية الرامية إلى تحقيق الأمن البيئي.

المطلب الثاني: شروط مساءلة الشخص المعنوي عن الجريمة البيئية

      إن المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي في الجرائم البيئية ليست مطلقة، وإنما هناك شروط حددتها معظم التشريعات، أولهما أن تكون هذه الجريمة قد ارتكبت من طرف شخص طبيعي يعبر عن إرادة الشخص المعنوي (الفقرة الأولى)، وثانيهما ارتكاب الجريمة لفائدة أو لصالح الشخص المعنوي (الفقرة الثانية).

      الفقرة الأولى: ارتكاب الجريمة من شخص طبيعي يعبر عن إرادة الشخص المعنوي

       لا يكفي أن يكون التصرف المكون للجريمة صادرا ممن يمثل الشخص المعنوي قانونيا بل يلزم فضلا عن ذلك، أن يكون التصرف الصادر عن هذا الممثل في حدود السلطة الممنوحة له طبقا للنظام الأساسي[65]، ومفاد ذلك أن الشخص المعنوي بحكم طبيعته لا يمكن أن يرتكب الجريمة بنفسه، وإنما يتصرف عن طريق شخص طبيعي يعبر عن إرادته، وإسناد الفعل الجرمي للشخص المعنوي وفق هذا المبدأ يقتضي معرفة الشخص الطبيعي الذي ارتكب الجريمة، ما إذا كان يملك التصرف باسم الشخص المعنوي، وبالتالي تعتبر الأفعال الصادرة عنه بمثابة أفعال الشخص المعنوي ذاته أم لا؟.

    بالرجوع إلى القانون 13.03 المتعلق بمكافحة تلوث الهواء نجد المادة 16 منه، تعاقب  كل شخص مسؤول عن حدوث تلوث وأهمل متعمدا إبلاغ السلطات المعنية بانبعاث طارئ وخطير لمواد ملوثة…” فإذا افترضنا أن الشخص المسؤول عن حدوث التلوث وفقا لهذه المادة، شخص معنوي فإن منطق الأمور يقول بأن مهمة إبلاغ السلطات المعنية تكون على الشخص الطبيعي الذي يعبر عن إرادة الشخص المعنوي، فالمسؤولية هنا تقع على الشخص المعنوي.

    وقد اختلفت التشريعات المقارنة في تحديد الأشخاص الطبيعيين الذين يسأل الشخص المعنوي عن سلوكهم الإجرامي، حيث نص القانون الجنائي الفرنسي في المادة 121 فقرة 2، على أنه يكون الشخص المعنوي مسؤولا جنائيا عندما ينص القانون أو التنظيم على ذلك، عند ارتكاب جرائم لحسابه من طرف أجهزته وممثليه[66]، مما يعني أن القانون الفرنسي حصر الأشخاص الطبيعيين الذين يسأل عن أعمالهم الشخص المعنوي، في أعضاء الشخص المعنوي وممثليه. في حين ذهبت بعض التشريعات الأخرى ومنها القانون اللبناني والهولندي إلى توسيع نطاق الأشخاص الطبيعيين، الذين يسأل الشخص المعنوي جنائيا عن أنشطتهم، بحيث لا تقتصر على الأعضاء والممثلين، بل تمتد لتشمل الموظفين والعمال التابعين له[67]؛ وهذا من شأنه أن يوفر حماية جنائية أكبر للمجال البيئي من الأخطار التي يتعرض لها من الشخص المعنوي بالأساس كمصدر أول للإضرار بالبيئة.

    تجدر الإشارة في الأخير، أن قيام المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية لا تخلو من صعوبات، تتمثل في صعوبة مطاردة الأشخاص المعنوية بسبب حجم الشركات وتعقيد التنظيمات الخاصة بهذه الشركات. غير أننا نرى والحالة هذه أن إقرار مسؤولية الشخص الطبيعي إلى جانب الشخص المعنوي، أي الجمع بين المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي والمسؤولية الجنائية للشخص الطبيعي، فيه فعالية أكثر وتجسيدا كبيرا لروح القانون الجنائي البيئي الذي يرمي إلى إضفاء الحماية الجنائية على المجال البيئي.

      الفقرة الثانية: ارتكاب الجريمة البيئية لحساب الشخص المعنوي

       من المعلوم أن الشخص المعنوي لا يسأل عن الجريمة البيئية، إلا إذا ارتكبت باسمه ولحسابه، لأن اشتراط ارتكاب الجريمة لحساب الشخص المعنوي يحمل بين طياته أن يكون ذلك لفائدة هذا الأخير ولمصلحته، وتستوي هذه الفائدة سواء كانت مادية أو معنوية، لذلك لا تثار المسؤولية إذا ارتكب الشخص الطبيعي الجريمة لحسابه[68].

     معنى ذلك، يشترط أن يكون الفاعل الذي ارتكب الجريمة، قد انصرفت نيته إلى التصرف باسم الشخص المعنوي، لا بصفته الشخصية، والمقصود أن الجريمة ارتكبت بهدف تحقيق مصلحة له، كتحقيق ربح، أو تجنب إلحاق ضرر به، سواء أكانت هذه المصلحة مادية أو معنوية، مباشرة أو غير مباشرة، وهناك من يضيف أن الجريمة ترتكب لحساب الشخص المعنوي، عندما تنفذ من طرف شخص طبيعي لضمان سير أعمال الشخص المعنوي وتحقيق أغراضه[69].

    فالسلوك المادي الذي يقوم به الشخص الطبيعي، كعضو أو ممثل للشخص المعنوي، يعد عنصرا من عناصر الجريمة البيئية المسندة للشخص المعنوي، وفي حالة قيام الشخص المعنوي (مجلس الإدارة) بتوكيل شخص طبيعي للقيام بعمل ما وارتكب الوكيل جريمة تلويث البيئة لحساب الشخص المعنوي، فإن هذا الأخير يسأل عن هذه الجريمة، لأن الوكيل يعد بمثابة الممثل القانوني للشخص المعنوي[70].

    وبالرجوع إلى القانون الجنائي البيئي، يتبين أن المشرع المغربي غير واضح في كثير من نصوصه[71]، بشأن قيام المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي في حالة ارتكاب الجريمة من طرف شخص طبيعي تابع لهذا الشخص الاعتباري ولحسابه؛ حيث تنص المادة 17 من القانون المتعلق بمكافحة تلوث الهواء ” يعاقب بغرامة من مائة 100 إلى عشرة الاف 10.000 درهم كل من عرقل القيام بالمراقبة أو ممارسة مهام الأشخاص المشار إليهم في المادة التاسعة من هذا القانون.” فبديهي أن عرقلة مهام الأشخاص المشار إليه وفق المادة التاسعة[72] تكون من طرف شخص طبيعي، فهل يسأل هو بصفته الشخصية عن هذا الفعل حتى وإن كان فعله هذا لحساب ولمصلحة الشخص المعنوي ؟ أم أن الأمر في  هذه الحالة يقتضي مساءلة الشخص المعنوي ؟.

     إن المشرع وفقا المادة 17 السالفة الذكر، لم يحدد من المسؤول جنائيا في هذه الحالة، حيث يمكن القول إنه سوى بين الشخص الطبيعي مرتكب الفعل الإجرامي لحساب الشخص المعنوي وبين هذا الأخير في إقرار المسؤولية الجنائية، بيد أن الفقرة الثانية من هذه المادة تنص في حالة العود على إمكانية الحكم بعقوبة حبسية من يوم إلى شهر، وهذا المقتضى لا يمكن تطبيقه على الشخص المعنوي، ما يفهم على أنه يخص الشخص الطبيعي المرتكب للفعل المخالف لمقتضيات هذه المادة.

المطلب الثالث: مدى إمكانية نفي المسؤولية الجنائية البيئية

      إذا كان المشرع قد توخى من وراء تجريم بعض الأفعال في القانون الجنائي بصورة عامة، حماية مصالح محل اعتبار بنظر المجتمع، فإن التسليم بهذا المبدأ على إطلاقه قد لا يحقق الغاية المرجوة منه، إما لأن الفعل لم يعد ينطوي على عدوان يصيب المصلحة المحمية قانونا، أو أن العقاب عليه يهدر مصالح أولى بالرعاية والاعتبار، ومن هنا برزت أهمية أسباب الإباحة[73] وموانع المسؤولية كحالات مفضية إلى سقوط المسؤولية والآثار المترتبة عليها والتي أصبحت فيما بعد محل اعتراف التشريعات العقابية عموما.

      ولأجل الإحاطة بأهم الحالات التي يمكن أن يستند إليها المتهم لنفي المسؤولية الجنائية البيئية، فيتعين البحث عن خصوصيتها ضمن القواعد العامة، من خلال الدفع بالترخيص البيئي (الفقرة الأولى)، ثم الركون إلى حالة الضرورة (الفقرة الثانية)، كأهم الأسباب التي يمكن للمتهم الدفع بها غالبا لنفي المسؤولية عنه أو التخفيف منها بالإضافة إلى أمر السلطة والقوة القاهرة كمبادئ عامة.

      الفقرة الأولى: الترخيص البيئي وأثره على المسؤولية

       قد لا يكتفي المشرع لتقرير المسؤولية الجنائية عن الجرائم البيئية بمجرد توافر ركنيها، وإنما اشتراط فوق ذلك انتفاء الإذن أو الترخيص الذي يسمح بممارسة النشاط الضار، بمعنى أخر إذا تم الفعل استنادا لإذن أو ترخيص صادر من جهة مختصة تسمح به، أصبح عندئذ مشروعا ويخرج بالتالي من دائرة الأفعال المحظورة[74].

       وهذا يعني بأن الترخيص ما هو إلا وسيلة من وسائل تدخل الدولة في تقييد النشاط الفردي من أجل الوقاية مما قد ينجم عنه من أضرار محققة أو أخطار محتملة تصيب المجتمع، على الرغم من المزايا التي ترافق اشتراط الحصول على التراخيص البيئية من حيث إمكانية الجهة المانحة لها من مباشرة نوع من الرقابة الأولية على جدوى المشاريع المضرة أو المقلقة أو المزعجة أو الملوثة للبيئة، فتمتنع من إعطاء الترخيص متى كانت الآثار التي تلحق بالبيئة تزيد عما هو مسموح به بموجب المعايير والمحددات النوعية المنصوص عليها قانونا، إلا أنه مع ذلك لم يسلم من الانتقادات لكونه يغل يد السلطات من متابعة المتهم[75].

    والواقع أنه بصرف النظر عن الغاية التي أرادها المشرع من توقف التجريم والمسؤولية على انتفاء الإذن أو الترخيص، فإن مشكلة التكييف القانوني له لا تزال محل خلاف، فمن يعتبر الترخيص سببا للإباحة ينطلق من كون أسباب التبرير هي ظروف أو حالات مادية أو واقعية تكتنف إتيان السلوك المشتمل على عناصر الجريمة فتجعله في وصف الفعل المباح، ومن ثم فإن لزوم انتفاء الترخيص يعني قيام الركن الشرعي للجريمة بكونه بمثابة ركن خاص في الجريمة البيئية، جرى تحديده بواسطة النموذج التجريمي الذي يصفه النص القانوني[76]؛ في المقابل هناك من اعتبر الترخيص بمثابة مانع للمسؤولية الجنائية، لكون وجود الإذن شرط لازم لعدم تحقق العقاب على الرغم من اعتبار الجريمة قائمة بمجرد توفر عناصرها الأساسية[77].

     بالرجوع إلى القانون الجنائي البيئي نلاحظ أن المشرع أوجب الحصول على التراخيص كسبب لنفي المسؤولية الجنائية، حيث نصت المادة 57 من قانون المقالع ” يعاقب بغرامة من ثلاثمائة ألف (300.000) درهم إلى خمسمائة ألف (500.000) درهم كل من يستغل مقلعا عند انتهاء مدة صلاحية وصل التصريح بالاستغلال لأي سبب من الأسباب دون الحصول على وصل جديد للتصريح بالاستغلال، تكون هذه العقوبة مقرونة بالإغلاق الفوري للمقلع. كما أكدت أيضا المادة 11 من القانون رقم 11.03 المتعلق بحماية واستصلاح البيئة على أنه ” يخضع تخصيص أو تهيئة الأراضي لأغراض فلاحية أو صناعية أو منجمية أو سياحية أو تجارية أو تعميرية، وكذا أشغال التنقيب عن الآثار أو استغلال مواد جوف الأرض والتي من  شأنها أن تهدد البيئة إلى رخصة مسبقة حسب الحالات ووفق تحددها النصوص  التشريعية والتنظيمية…”[78].

     هذا ما يؤكده التوجه القضائي لمحكمة النقض إذ جاء في أحد قراراتها[79] ” وحيث إن المحكمة لما ناقشت مضمون المحضر المؤسسة عليه المتابعة وما أدلى به المتهم من ترخيص قانوني بمنحه بقعة أرضية مستخرجة من الملك الغابوي وتصميم البناء المرخص به فخلصت إلى كون المتهم بالقطعة الأرضية المتنازع بشأنها مبررا، وأن جنحة البناء داخل الملك الغابوي غير متوفرة نظرا لامتلاكه ترخيص تكون المحكمة قد طبقت القانون تطبيقا سليما”.

    واضح من هذا، أن المشرع يعلق قيام الجريمة البيئية على انتفاء الحصول على ترخيص كقطع أشجار أو التسبب بالإزعاج أو حفر أو استغلال المقالع أو دفن الفضلات  أو تصريف المياه الملوثة أو ممارسة الصيد[80]، ولذلك فإن الطبيعة القانونية للإذن أو الترخيص باعتقادي تتأسس على فكرة مفادها أن التصرف في حدود الترخيص المسموح به يؤثر على إمكانية مساءلة الفاعل عما قام به من نشاط، والواقع أن الحصول على الترخيص أو الإذن من الجهات المختصة لا يمنع من تحقق المسؤولية المدنية للفاعل والتزامه بالتعويض عما يحدث من أضرار للآخرين، على أنه يتعين لكي ينتج مثل هذا الترخيص أثره باعتباره سببا خاصا لامتناع المسؤولية الجنائية، أن يكون قد صدر عن جهة مختصة بإصداره وفق الشكل الذي تطلبه القانون، والقول بخلاف ذلك يعني تحقق المسؤولية ومعاقبة الفاعل.

     لكن يجب أن لا يعتد بالترخيص الإداري بشكل مطلق كسبب لتبرير السلوك الذي يعتبر جريمة بيئية في الأحوال العادية، لأن طريقة الحصول على الترخيص قد تكون غير مشروعة، وبالتالي يبقى الشخص دون مسؤولية.

       الفقرة الثانية: حالة الضرورة وآثراها على المسؤولية

       بالرجوع إلى الفصل 124 ق ج م، نجد أن حالة الضرورة تضمنتها الفقرة الثانية حينما قضت بأنه ” لا جناية ولا جنحة ولا مخالفة … إذا اضطر الفاعل ماديا إلى ارتكاب الجريمة أو كان في حالة استحال عليه معها استحالة مادية اجتنابها وذلك بسبب خارجي لم يستطيع مقاومته…”[81]، فحالة الضرورة التي تهمنا هنا هي الحالة التي يجد الإنسان نفسه أو غيره مهددا بخطر جسيم وحال يضيق عليه نطاق اختياره فلا يستطيع تلافيه ولا تجنبه إلا بارتكاب جريمة في حق البيئة وهي ما يمكن تسميتها بالجريمة البيئية الضرورية التي قد تمس حقوق الدولة ومؤسساتها وحتى الغير[82].

     إن خير مثال على الجريمة البيئية الضرورية اشتعال نار بقنينة غاز داخل منزل فيضطر الشخص إلى التخلص منها لحماية أفراد أسرته وإنقاذ متاعه، وذلك برميها خارج المنزل فتشتعل النار في الغابة المجاورة كملك خاص للدولة، في هذه الحالة وهي كثير ما تقع، يكون الشخص مضطرا لارتكاب جريمة البيئية الضرورية[83] مما يمكن القول معه أن إرادته وقعت تحت تأثير قوة من شأنها أن تعدمها أو تقيدها لدرجة كبيرة بسبب إكراه مادي أو معنوي أو بسبب ضرورة دفعته إلى ارتكابها.

     لذا يمكن القول إن أسباب منع المسؤولية الجنائية ذات طبيعة شخصية يقتصر أثرها على من توفر لديه هذا المانع ولا يمتد إلى سواه ممن ساهم معه في ارتكاب الجريمة، ويعني توافر أي منهما منع المسؤولية الجنائية وسقوط العقوبة المقررة قانونا، من غير أن يؤثر ذلك على المسؤولية المدنية، حيث تبقى قائمة على الرغم من عدم قيام المسؤولية الجنائية[84].

     مما يترتب على ذلك أن كافة أسباب امتناع المسؤولية تسري أيضا على الجرائم المرتكبة ضد سلامة عناصر البيئة، فعلى الرغم من أن القانون الجنائي البيئي تضمن عقوبات الأنشطة الملوثة بالنسبة للبيئة إلا أنه لم يتضمن إضافة أي سبب خاص من أسباب امتناع المسؤولية الجنائية عنها؛ ومن ثم فلا مناص من الرجوع إلى القواعد العامة المقررة بمقتضى القانون الجنائي السالفة الذكر.

    وعليه، تمنع مسؤولية المتهم عن إكراه مادي أو كان مرتكبها فاقدا للإدراك أو الإرادة أو كان في حالة ضرورة أو قوة قاهرة استحال معه أن يتفادى الضرر البيئي، وهذا ما عبرت عنه بعض التشريعات المقارنة التي تضمنت قوانينها البيئية نصوصا مانعة من تحقق المسؤولية الجنائية، ومنها على سبيل المثال، القانون الفرنسي رقم 28-1181 الصادر 30 شتنبر 1968 بشأن منع تلويث مياه البحر والجرف القاري بالهيدروكربون، ضمن المادة 28[85]. كما تنص المادة 5 من قانون البيئة الفرنسي لسنة 1977 بشأن التلويث البحري “بأن الجريمة لا تعتبر قائمة إذا كان التصريف ناشئ عن عطب أو تسريب غير متوقع ومن المستحيل دفعه”[86].

     كما سار المشرع الصيني على نفس المنوال، حيث قررت المادة 43 من قانون البيئة الصيني على أنه “يحق لأي شخص أن يرتكب تحت ظروف قاهرة أو رغبة ملحة في حماية نفسه والآخرين من خطر وشيك أو يتخذ إجراءات ضرورية ربما تسبب أضرار بالبيئة، يمكن أن يتمتع بإعفاء من العقوبة”[87].

     ويبدو أن الاعتراف بحالة الضرورة وتنظيم أحكامها وشروطها على الرغم مما تثيره من اختلافات بشأن طبيعتها القانونية، قصد به عدم إثقال كاهل الشخص بتحمل تبعة أمور لا دخل لإرادته فيها ولم تقع بخطأ من جانبه[88].

     يلاحظ أن أغلب التشريعات تميل إلى التنصيص على حالة الضرورة بخصوص الانتهاكات البيئة البحرية بدل من عناصر البيئة الأخرى، وذلك راجع إلى وعي المشرع بخطورة التلوث المياه البحرية من جهة، ومن جهة أخرى فالبيئة البحرية تكون فيها السفن وناقلات المواد التجارية عرضة لقوة قاهرة في أي وقت وبالتالي حاول المشرع التلطيف من المسؤولية في هذه إحالات بشكل خاص وترك حالات أخرى للقواعد العامة للقانون الجنائي. إذ جاء مشروع مدونة الصيد البحري المغربي بصور عديدة لحالات الضرورة التي تعفي من المسؤولية حينما لا يكون التلوث قد حدث بمعرفة الربان أو المسؤول عن السفينة بهدف تعطيلها (المادة 288)[89].

     إن عبء إثبات حالة الضرورة تقع على عاتق المتابع الذي يدعي أنه ارتكب الجريمة تحت تأثيرها ومحكمة الموضوع هي التي يرجع إليها أمر التثبت من مدى قيامها بشروطها كاملة أو انتفائها تبعا، لكن ملزمة مع ذلك بإبراز الوقائع التي استخلصت على أساسها وجود “حالة الضرورة” لكي يتسنى لمحكمة النقض مراقبة مدى كفايتها[90].

     وإذا كان قيام حالة الضرورة بجميع شروطها تنفي المسؤولية الجنائية في حق الفاعل، يبقى السؤال مطروحا، حول مدى تحمله للمسؤولية التقصيرية أم أنها بدورها تنتفي كما هو الحال في الدفاع الشرعي؟.

     لم يتطرق المشرع المغربي لهذه المسألة، ولكن كما هو معروف ضمن قواعد المسؤولية المدنية فإن المسؤولية عن العمل الشخصي هو إتيان الشخص للفعل عن حرية واختيار ومن غير أن يسمح به القانون كما ينص الفصل 77 ق ل ع م، وفي حالة  الضرورة فإن الشخص لا تكون له حرية الاختيار وبالتالي ينتفي الخطأ الشخصي مما يعني معه انتفاء المسؤولية التقصيرية.

   خاتمة:

    من المسلم به أن المسؤولية المترتبة على الأضرار البيئية تعد أكثر أنواع المسؤولية تمردا على
الخضوع للقواعد التقليدية، بعدما أصبحت أسس هذه الأخيرة غير ملائمة بالنظر إلى خصوصية المسؤولية عن الأضرار البيئية، التي تتسم أحكامها بالدقة والتعقيد وأحيانا الغموض، مما دعا إلى المناداة بضرورة تطوير قواعد المسؤولية الجنائية، نظرا لعدم استقرار الفقه الجنائي على تعريف محدد للتلوث البيئي إذ يكتفي بما يستمده من تعريفات في مجال العلوم الطبيعية، كما قد يترتب على ارتكاب جريمة تلويث البيئة كم ضخم من الأضرار والأخطار التي قد يتعذر تقديرها وتحديدها، وقد تكون ناجمة عن سلسلة من الأفعال يمكن أن تنسب للعديد من الأشخاص، بل قد تكون ناتجة عن مزاولة أنشطة عابرة للحدود الدولية، الأمر الذي يزيد من صعوبة البحث عن المتسبب الذي يتحمل المسؤولية عن ارتكاب الجريمة البيئية.

    ولاشك أن القاعدة التي تقوم عليها التشريعات الجنائية الحديثة مفادها لا يسأل جنائيا غير الإنسان، لكن إسباغ نوع من المساءلة للأشخاص المعنوية جنائيا مسألة ضرورية في مجال التلوث البيئي، حيث يتم ارتكاب الكثير من جرائم تلويث البيئة في إطار الأنشطة التي تمارسها، ومن ثم يتحتم تقرير مسؤوليتها إلى جانب مسؤولية من يمثلها وذلك من منطلق معاملة قانونية خاصة.

    لكن وبالرغم من الكم التشريعي الهائل الخاص بحماية البيئة، فإن الأهداف المسطرة من طرف المشرع المغربي تجاه عناصر البيئة يشوبها نقص من حيث الآليات المعتمدة لتحقيق هذه الغاية، في ظل حماية جنائية تتسم بالضعف بسبب عدم التطبيق السليم والصارم لهذه النصوص وعدم توافر الإمكانيات اللازمة، وبالدرجة الثانية إلى غياب الوعي البيئي للأفراد في حد ذاتهم، وعدم الحرص على تطبيق القوانين الرامية لحماية البيئة الذي يؤدي لا محالة لتشجيع على الاعتداء على البيئة، وخير مثال على ذلك آفة التدخين في الأماكن العمومية ورمي النفايات بشتى أنواعها بشكل عشوائي، هي أفعال لا تلقى أي استهجان اجتماعي بل أضحىت سلوكات مألوفة لدى المواطن وهذا أمر يضعف من فعالية تطبيق القوانين الرامية لحماية البيئة.


[1] أعطى المشرع المغربي “للبيئة” تعريفا واسعا، قائلا في المادة 3 من القانون المتعلق بحماية واستصلاح البيئة 11.03 ” هي مجموعة العناصر الطبيعية والثقافية التي تمكن من تواجد الكائنات الحية والأنشطة الإنسانية وتساعد على تطورها…إلخ”.

[2] دقت منظمة الصحة العالمية ناقوس الخطر، في تقريرها الصادر 6 مارس 2018  لما تشهده البيئة العالمية من ملوثات خطيرة تتسبب سنويا في وفاة 1.7 مليون طفل نتيجة النفايات الإلكترونية الناشئة عن إعادة تدويرها –  تناول المواد الكيميائية الضارة عن طريق الغذاء والماء والهواء والمنتجات المحيطة بهم –  وتردي الخدمات الصحية وارتفاع الإصابة بالمواد الكيميائية كالزئبق والرصاص والفلورايد الناتجة عن بقايا الحروب التي يشهدها العالم…، كما دعت منظمة الصحة العالمية حكومات الدول إلى تحسين جودة المياه الصالحة للشرب والصرف الصحي والخدامات الصحية والحد من تلوث الهواء ودحر تأثير تغير المناخ والتي تؤثر جميعها على صحة الأطفال للوقاية من المخاطر البيئية، قصد بلوغ أهداف التنمية المستدامة التي سطرتها المنظمة وأهمها وضع نهاية لوفيات المواليد والأطفال حديثي الولادة والأطفال دون سن الخامسة بحلول عام 2030. أنظر تقرير منظمة الصحة العالمية 6 مارس 2017 بموقع :www. Who.int.ig/. تاريخ الاطلاع : 12/09/ 2019. التاسعة صباحا.

[3]  تعد ناقلة البترول “توري كانيون Torry- Canyon ” التي كانت تحمل العلم الليبيري من أضخم ناقلات البترول في العالم، حيث كانت تحمل 880 ألف برميل من البترول الخام الكويتي، وقد تحطمت في 17 مارس 1967 في بحر الشمال أمام الشواطئ الإنجليزية، وتسرب منها 60 ألف طن من البترول، حيث نتج عنه هلاك الآلاف من الطيور البحرية، وموت كميات هائلة من الأسماك، وقدرت آنذاك تكاليف نظافة الشواطئ بحوالي  8 ملايين دولار. أنظر:  36474htm www.eufje.org/uploads.com. تاريخ الإطلاع: 6 شتنبر 2019. التاسعة صباحا.

[4] Voir : Eric Naim-Gesbert, « Pour une théorie générale du droit de l’environnement » R.J.E, vol 39, 2014, p 5 et 6.

[5]  تمخض عن مؤتمر ستوكهولم بالسويد، 109 توصية و26 مبدأ لدعم حماية البيئة، ومن بين أبرز هذه المبادئ نذكر المبدأ 24 الذي جاء فيه:

Le principe 24 du déclaration de la conférence des  Nation Unies sur l’environnement proclame que : « les questions internationales se rapportant à la protection et à l’amélioration de l’environnement devraient être abordées dans un esprit de coopération par tous les pays, grands ou petits sur un pied d’égalité, une coopération par voie d’accords multilatéraux ou bilatéraux ou par d’autres moyens appropriés et indispensable pour limiter efficacement prévenir réduire et éliminer les atteintes à l’environnement résultant d’activités exercées dans tous les domaines, et ce dans les respect de la souveraineté et des intérêts de tous les Etats ».

[6] أنظر: الفصل السادس من المؤتمر التاسع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين، المنعقد ما بين 29 أبريل و8 ماي، القاهرة ، مصر سنة 1995.

[7] مؤتمر باريس بشأن تغير المناخ أو اتفاق باريس ( Accord de Paris) “كوب 21” هو أول اتفاق عالمي بشأن المناخ، جاء عقب المفاوضات التي عقدت أثناء مؤتمر الأمم المتحدة 21 للتغير المناخي في باريس مابين 30 نونبر 12 دجنبر 2015 من أجل الوصول إلى اتفاق دائم ومتوازن وملزم قانونيا. صادقت عليه 195 دولة.

[8] مؤتمر مراكش بشأن الاحتباس الحراري أو كوب 22 هو مؤتمر واجتماع قمة جرى عقده في مراكش خلال الفترة ما بين 7 و18 نونبر 2016، ويعد هذا المؤتمر النسخة 22 من مؤتمر الأطراف (cop22) حسب اتفاقية الأمم المتحدة المبدئية بشأن التغير المناخي، وشاركت فيه 196 دولة، ويأتي “كوب 22” كتكملة “كوب 21”  التي أحرزت تقدما مهما، وتندرج هذه الدورة في إطار الجهود المبذولة لبلورة مختلف المحاور المنصوص عليها في اتفاق باريس، والتي وقعت عليه كل الوفود البالغ عددهم 195 والمتعلق بخفض احتواء الاحترار العالمي لأقل من درجتين.

[9] إن تطور الترسانة القانونية البيئية ببلادنا تأثرت بالأحداث والتطورات التاريخية التي شهدها المغرب، فبعد أن كانت البيئة وباقي المجالات الأخرى ينحصر تنظيمها وتأطيرها من طرف الشريعة الإسلامية المتمثلة في القران الكريم والسنة النبوية والإجماع، أضحى مصدرها الرسمي لاسيما بعد 1965 يتمثل أولا في التشريع ثم العرف والقواعد الدينية والاجتهاد القضائي والفقه.

[10] Dominique Guihal, droit répressif de L’environnement, 3eme Edition, économica,
Paris France, 2008, p 203.

[11] الجريمة البيئية باعتبارها سلوك ايجابي أو سلبي سواء كان عمدي أو غير عمدي، يصدر عن شخص طبيعي أو معنوي يضر أو يحاول الإضرار بأحد عناصر البيئة، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. أنظر:

Jacques-Henri Robert et Martine Rémond-Gouilloud, « Droit Pénal de l’environnement », Masson, Paris, 1983 p 30.

([12]) يتوفر المغرب على ترسانة قانونية بيئية ضخمة تشمل مختلف عناصر البيئة، وتغطي مجموعة من المجالات، (مياه وغابات ونباتات وتطهير ومكافحة التلوث وحماية الثروة الحيوانية…إلخ )، منها ما صدر قديما وحديثا، وأهم هذه النصوص القانونية على سبيل المثال وليس الحصر: ظهير 1914 المتعلق بالمؤسسات المزعجة والمضرة بالصحة – ظهير 10 أكتوبر 1917 المتعلق بحفظ الغابات واستغلالها- ظهير 28 نونبر 1973 المتعلق بالصيد البحري …إلخ، كما تم تدعيم الترسانة البيئية بصدور قوانين حديثة  لحماية البيئة من قبيل قانون 36.15 المتعلق بالماء، قانون 11.03 المتعلق بحماية واستصلاح البيئة-  وقانون  12.03 بدراسة التأثير على البيئة- وقانون 13.03 المتعلق بمحاربة تلوث الهواء وقانون 28.00 المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها- قانون 99.12 بمثابة ميثاق البيئة والتنمية المستدامة – قانون رقم 81.12 المتعلق بالساحل، قانون 09.13 المتعلق بالطاقات المتجددة قــانون رقـم 77.15 يقضي بمنع صنع الأكياس من مادة البلاستيك  واستيرادها وتصديرها وتسويقها واستعمالها… إلخ.

[13] ما يحسب للدستور المغربي لسنة 2011 أنه اعتبر الحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة حقا من الحقوق الأساسية لجميع المواطنين على قدم المساواة، وذلك في الفصل 31 من الدستور الباب المتعلق بالحريات والحقوق الأساسية، كما عمل المشرع على إحداث المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، يدلي برأيه في التوجهات العامة للاقتصاد الوطني والتنمية المستدامة، في الباب الحادي عشر (الفصول 151-152-153).

[14] بخدة مهدي، المسؤولية الجنائية البيئية، مجلة البحوث العلمية في التشريعات البيئية، ع التجريبي، كلية الحقوق، جامعة ابن خلدون، تيارت،2011 ص 34.

[15] David Deharbe,« le droit de l’environnement industriel 10 ans de jurisprudence »Ed, Litec 2002 p 291.

[16] Jean Lamarque,« Droit de la protection de la nature et de l’environnement »L.G.D.J, Paris,1973, p 479.

[17] باستثناء ظهير 10 أكتوبر 1917 المتعلق بحفظ الغابات واستغلالها، الذي يعد أهم القوانين تعبيرا عن إسناد المسؤولية الجنائية للأفراد الذاتيين، كما هو منصوص عليه مثلا ضمن الفصل 34 والدي جاء فيه ” كل من حرث أو زرع أو غرس أرضا من أراضي الغابة يحكم عليه بذعيرة تتراوح من 2000 إلى 12000 فرانك عن كل هكتار محروث أو مزروع أو مغروس ….”.

[18] فرقان معمر، المسؤولية الجزائية عن الجريمة البيئية، مجلة الدراسات القانونية المقارنة، ع 1، كلية الحقوق، جامعة حسيبة بن بوعلي، الشلف، 2015 ص 165 .

[19] ظ ش رقم 1.15.66 صادر في 21 من شعبان 1436 (9 يونيو 2015)  الصادر بتنفيذ القانون رقم 27.13 المتعلق بالمقالع، ج ر ع 6374 بتاريخ 15 رمضان 1436 ( 2 يوليو 2015)، ص 6082.

[20] ظ ش رقم 1.03.59 صادر في 10 ربيع الأول 1424 الموافق 12 ماي 2003، الصادر بتنفيذ القانون رقم 11.03 المتعلق بحماية واستصلاح البيئية، ج رع 5118 بتاريخ 18 ربيع الأخر 1424 الموافق 19 يونيو 2003، ص 1900.

[21] Roselyne Nèrac Croisier, « Sauvegarde de l’environnement et droit Pénal »Coll: Sc.Crim, Ed L’harmattan, 2007, p 86-85 .

[22] ظ ش رقم 1.10.16 صادر في 26 من صقر 1431 الموافق 11 فبراير 2010، الصادر بتنفيذ، القانون رقم 13.09 المتعلق بالطاقات المتجددة. ج ر ع 5822 بتاريخ 18 مارس 2010 ص 1118.

[23] Jean Marie Prinet et Hublot, « Les crimes contre l’environnement, » Rev.Dr.Pén.Crim, Avril-Juin 1993, p 268.

[24] ظ ش رقم 1.11.37 صادر في 29 من جمادى الثانية 1432 (2 يونيو 2011) بتنفيذ القانون رقم 30.05 المتعلق بنقل البضائع الخطرة عبر الطرق، ج ر ع 5956 الصادرة في 27 رجب 1432 (30 يونيو 2011)، ص 3072.

[25] كريم بنموسى، أحكام المسؤولية في الجرائم البيئية، الأمن البيئي من خلال اجتهادات محكمة النقض، دفاتر محكمة النقض ع 28 سنة 2017، ص 251.

[26] إلهام العلمي، الحماية الجنائية للبيئة من خلال قانون المنشآت المصنفة، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية عين الشق، جامعة الحسن الثاني، الدار البيضاء، السنة الجامعية 2002/2003 ، ص 168.

[27] Bouloc Bernard, « la responsabilité pénale des entreprises en droit français », Rev, int, dr, comp, V 46,  N° 2, Avril – Juin 1994 ; p 671.

[28] جعل هذا الرأي المسؤول عن فعل الغير بمثابة شريك في الجريمة التي يرتكبها غيره سواء بالتحريض أو الاتفاق أو المساعدة السلبية، وسند دلك أن القاسم المشترط بين المسؤولية الجنائية عن فعل الغير والإشراك يكمن في الطابع المعنوي، فالمسؤول عن فعل الغير يتصف سلوكه بالصبغة المعنوية، لأنه لا يأتي الفعل الإجرامي بنفسه ولا يتدخل في ارتكابه إذا كان يتكون من جملة أفعال وإنما يحجم عن الوفاء بالتزامه القانوني فيقع الأمر المنهي عنه في العالم الخارجي…إلخ. راجع في ذلك  : محمود عثمان الهشري، المسؤولية الجنائية عن فعل الغير، رسالة دكتوراه في الحقوق، جامعة القاهرة، سنة 1969 ص 19.

[29] يرى هذا الرأي أن فاعل الجريمة لا يقتصر على مرتكب الفعل المادي وإنما يشمل حتى من يدفع غيره إلى ارتكابه جريمة مستغلا في فيه عدم أهليته الجنائية أو حسن نيته تحقيقا لمصلحته أو من يرتكب الفعل الإجرامي بناء على أوامره، ويطلق عليه الفاعل المعنوي، ومن ثم فإن صاحب المعمل أو المنشأة الذي  يأمر أحد تابعيه أو الخاضعين لإشرافه ورقابته بخرق أحكام القانون أو يتركهم بإهماله يقترفان جريمة من الجرائم لحسابه، أو من أجل تحقيق مصلحة خاصة به يعد فاعلها المعنوي…إلخ. راجع في ذلك : حسام محمد سامي جابر، الجريمة البيئية، مطبعة دار شتات للنشر والبرمجيات، مصر، سنة 2011، ص 178.

[30] بيد أن هذا الرأي اعتناق المسؤولية الجنائية عن فعل الغير ليس على أساس افتراض لمسؤولية الجنائية في الشخص، وإنما أسسها على افتراض الخطأ في حقهla faute présumée ، والذي يتمثل في الإهمال المتبوع على واجب الإشراف والرقابة على أفعال تابعيه، وذلك يعد بمثابة جريمة مستقلة عن جريمة التابع… راجع في ذلك: أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات القسم العام، دار النهضة العربية، سنة 1981، ص 581.

[31] الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.73.255 بتاريخ 27 شوال 1393 (23 نونبر 1973) المتعلق بتنظيم الصيد البحري، ج ر ع 28 نونبر 1974. ص 2789.

[32] حسام محمد سامي جابر، مرجع سابق، ص 167.

[33] تنص المادة الثالثة من قانون الوقاية من الإشعاعات المؤينة العراقي رقم 99 لسنة 1980 على أنه ” يكون مالك المصدر دون غيره مسؤولا عن تعويض جميع الأضرار المتحققة عن مصادر الإشعاع وتعتبر مسؤولية المالك مفترضة بحكم القانون وغير قابلة لإثبات العكس”.

[34] قرار محكمة النقض  الفرنسية ع 11 الصادر24/ فبراير 1965 أشار إليه : عادل الشاوي، مسؤولية رئيس المقاولة عن جريمة تلويث البيئية المرتكبة من طرف تابعيه، دراسة في ضوء العمل القضائي، مجلة القضاء التجاري، ع 3 شتاء/ ربيع 2014 ص 116.

[35] وقد جاءت حيثيات القرار في لغته الأصلية كما يلي :

 * si en principe nul n’est passible de peines qu’a raison de son fait personnel la responsabilité pénal peut cependant naitre du fait du d’autrui dans les cas exceptionnels ou certaines obligations légales imposent le devoir d’exercer une action directe sur les faits d’un auxiliaire ou d’un subordonné , notamment dans les industries soumises a des règlements édictés dans un intérêt de salubrité ou de sûreté publique la responsabilité pénale remonte essentiellement aux chefs d’entreprise, a qui sont personnellement imposes les conditions et le mode d’exploitation de leur industrie*.

[36] حسام محمد سامي جابر، مرجع سابق، ص 168.

[37] هند والي علمي، الحماية القانونية للبيئة بالمغرب وعلاقتها بالتنمية المستدامة، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مكناس، جامعة مولاي إسماعيل، السنة الجامعية 2015/2016، ص 292.

[38] إلهام العلمي، مرجع سابق، ص 170.

[39] David Deharbe, « le droit de l’environnement industriel 10 ans de jurisprudence », Edition, litec, 2002. p293.

[40] حسام محمد سامي جابر، مرجع سابق، ص 168.

[41] Patrick Mistretta, « la responsabilité pénale du délinquant écologique », Thèse pour obtenir le doctorat en droit, Université Jean Moulin, Lyon, France, 1997-1998 p13 .

[42] يقصد بالشخص المعنوي مجموعة من الأشخاص أو الأموال يعترف لها القانون بالشخصية القانونية المستقلة، فتكون قابلة لاكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات القانونية الناتجة عن تصرفاته. أنظر: شريف سيد كامل، المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية “دراسة مقارنة”، ط الأولى، دار النهضة العربية، القاهرة، سنة 1997، ص 3.

[43]  طرحت فكرة المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي ضمن المؤتمر الدولي الثاني لقانون العقوبات في بوخاريست، لأول مرة في أكتوبر سنة 1929 حيث أشار هذا المؤتمر إلى التزايد المستمر في عدد وأهمية الأشخاص المعنوية وما تمثله من قوة اجتماعية ضخمة في العصر الحديث، وأن أنشطتها التي أصبحت تخالف أحكام قانون العقوبات يمكن أن تحدث بالمجتمع أضرارا بالغة الخطورة، وخلص إلى توصية بأن يتضمن قانون العقوبات الداخلي التدابير الفعالة للدفاع الاجتماعي ضد الأشخاص المعنوية بالنسبة للجرائم التي ترتكب لمصلحتها أو بوسائلها وبالتالي تتحمل مسؤوليتها، وأن تطبيق هذه التدابير يجب أن لا يحول دون معاقبة الأشخاص الطبيعيين الذين يتولون إدارة الشخص المعنوي، كما ناقشه أيضا المؤتمر الدولي السابع لقانون العقوبات الذي عقد في أثينا سنة 1957 بصدد بحثه” الاتجاهات الحديثة في تعريف الفاعل والشريك في الجريمة” وأوصى بأنه” لا يسأل الشخص المعنوي عن الجريمة إلا في الأحوال التي يحددها القانون، وعندئذ يكون الجزاء الطبيعي هو الغرامة، وهو جزاء مستقل عن التدابير الأخرى كالحل والوقف وتعيين حارس، على أن يظل ممثل الشخص المعنوي مسؤولا شخصيا عن الجريمة التي ارتكبها. أنظر: شريف سيد كامل، المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية “دراسة مقارنة”، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية، القاهرة، سنة 1997، ص 8-9.

[44] محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات، “القسم العام”، دار النهضة العربية، القاهرة، سنة 1989، ص 514.

[45] عادل ماهر سيد أحمد الألفي، الحماية الجنائية للبيئة، ” دراسة مقارنة”، رسالة للحصول على درجة الدكتوراه في الحقوق، قسم القانون الجنائي، كلية الحقوق، جامعة المنصورة، مصر، السنة الجامعية 2008/2009، ص 325.

[46] إبراهيم علي صالح، المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية، دار المعارف، القاهرة، سنة 1980، ص 105.

[47] شريف سيد كامل، مرجع سابق،  ص 15.

[48] كمؤتمر هامبورج الذي انعقد في شتنبر 1979 بشأن ” الحماية الجنائية للوسط الطبيعي”، والذي خرج بمجموعة من التوصيات، حيث تضمنت التوصية السادسة ما يلي ” … وحيث أن الاعتداءات الخطيرة على الوسط الطبيعي غاليا ما تكون صادرة عن الشخص المعنوي والمشروعات الخاصة أو العامة أو الدولة يصير من الضروري تقبل المسؤولية الجنائية لهؤلاء وأن يفرض عليهم احترام الوسط الطبيعي تحت تهديد الجزاءات المدنية أو الإدارية…”

     – مؤتمر الجمعية الدولية للقانون الجنائي المنعقد في مدينة ريو دي جانيرو بالبرازيل في شتنبر 1994 بشأن موضوع ” الجرائم ضد البيئة”، حيث أكدت التوصية الثالثة على ضرورة المساءلة الجنائية للأشخاص المعنوية وتوقيع العقوبات المناسبة لها، شأنها شأن الأشخاص الطبيعية، بل وضرورة ملاحقة الأشخاص المعنوية جنائيا.

[49] محمود مصطفى، الجرائم الاقتصادية في القانون المقارن، ج الأول، (بدون دار النشر)،  ط 1963، ص 119.

[50] محمد ملياني، القانون الجنائي العام، مطبعة الجسور، وجدة، سنة 2008، ص 205.

[51] يوسف وهابي، المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية والحاجة إلى التقنين”، مجلة القضاء والقانون، ع 150، سنة 2013  ص 109.

[52] رضا عبد الحليم عبد المجيد، المسؤولية القانونية عن النفايات الطبية ” دراسة مقارنة بالقانون الفرنسي” دار النهضة العربية، القاهرة، سنة 1999، ص 211.

[53] مما لاشك أن تحديد المسؤولية الجنائية للشخص الطبيعي في المشروعات الكبيرة كما هو الشأن بالنسبة لشركات المساهمة، التي تعد مصدر تلوث حقيقي للبيئة أمر صعب للغاية، خصوصا في ظل وجود عدة متداخلين في تسيير الشركة، إذن فمن يتحمل المسؤولية هل العامل أم أعضاء مجلس الإدارة أم الرئيس ؟ هذه الإشكالات هي التي  دفعت إلى إقرار بمسؤولية الشخص المعنوي وإن كان مجرد افتراض ولا يتوفر على إرادة حقيقية.

[54] حسام محمد سامي جابر، مرجع سابق، ص 176.

[55] المشرع الهولندي بدوره أقر هذه المسؤولية ضمن قانون الجرائم الاقتصادية الصادر سنة 1951 إذ جاء في مادته 15 على أن ” الجرائم يمكن أن ترتكب سواء من الأشخاص الطبيعيين أو الأشخاص المعنوية.”

[56]  Article 121-2 du code pénal Français énonce que : «  les Personnes morales à l’exclusion de l’état sont responsables pénalement, selon les distinctions des articles 121-4 à 121-7 et dans les cas prévus par la loi où le règlement des infractions commises pour leur compte, par leur organes on représentants ».

[57] ينص الفصل 127 من ق ج م أنه ” لا يحكم على الأشخاص المعنوية إلا بالعقوبات المالية والعقوبات الإضافية الواردة في الأرقام 5 و6 و7 من الفصل 36 ويجوز أيضا أن يحكم عليها بالتدابير الوقاية العينية الواردة في الفصل 62″.

[58] حكم رقم 27 صادر عن المحكمة الابتدائية بسلا، ملف جنحي ع  96/2001/16 الصادر بتاريخ 21/01/2002 (حكم غير منشور).

[59] حيث جاء في حيثيات هذا الحكم ما يلي: “…وحيث إنه لا ضرر ولا ضرار، وأن الضرر يزال، وانطلاقا من الحالة التي وصلت إليها صحة المدعين الثابتة بمقتضى الشواهد الطبية المستدل بها وفق المقال، ونفس الشيء يقال بالنسبة للبيئة المحيطة بهم والتي حالها كما أشير إليها بالخبرة المرفقة بها يتعين القول بوجود الضرر المشار إليه بالحيثيات أعلاه، وعلاقة السببية بينه وبين الأمراض الأنفة الذكر، الشيء الذي يستدعي الاستجابة لطلب المدعين وفق المسطرة المنطوقة …”.

[60] ينص الفصل 91 من ق ل ع على أنه ” للجيران الحق في إقامة دعوى على أصحاب المحلات المضرة بالصحة أو المقلقة للراحة، إما إزالة هذه المحلات وإما إجراء ما يلزم فيها من التغيير لرفع الأضرار التي يتظلمون منها، ولا يحول الترخيص الصادرة عن السلطات المختصة دون مباشرة الدعوى.”

[61] أحمد الخمليشي، شرح القانون الجنائي ” القسم العام”، الطبعة الثالثة، دار المعرفة للنشر والتوزيع، الرباط، سنة 1989، ص 252.

[62] ظ ش رقم 1.03.61 صادر في 10 ربيع الأول 1424 (12 ماي 2003)، الصادر بتنفيذ القانون رقم 13.03 المتعلق بمكافحة تلوث الهواء، ج رع 5118 بتاريخ 18 ربيع الآخر 1424 (19 يونيو 2003)، ص 1912.

[63]  تنص المادة  16 على” يعاقب بغرامة من ألف 1000 إلى عشرين ألف 20.000 درهم كل شخص مسؤول عن حدوث تلوث وأهمل متعمدا إبلاغ السلطات المعنية بانبعاث طارئ وخطير لمواد ملوثة”.

[64]  كما هو الحال بالنسبة للمادة 70، 71، 72، 73، 74، 76 من قانون 28.00 المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها.

[65] محمد حسن الكندري، المسؤولية الجنائية عن التلوث البيئي، ط الأولى، دار النهضة العربية، القاهرة، سنة 2006 ص 129.

[66] Bouloc Bernard, « la responsabilité pénale des entreprises en droit français », op, cit, p 672.

[67]  Philippe Malingrey, introduction au droit de l’environnement, 4eme éditions, TEC -DOC,France,2008, p148

[68] نادية المشيشي، المسؤولية الجنائية عن الجرائم البيئية في القانون المغربي، م م إ م ت، عدد 119، نونبر – دجنبر 2014، ص 203.

[69]  شريف سيد كامل، مرجع سابق، ص 130.

[70] محمد حسن الكندري، مرجع سابق، ص 174.

[71] كما هو الحال ضمن المادة 79 من قانون رقم 28.00 المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها.

[72] وهم حسب المادة 9 من قانون 13.03 المتعلق بمكافحة تلوث الهواء ” يكلف بمعاينة مخالفات أحكام هذا القانون والنصوص الصادرة بتطبيقه، علاوة على ضباط الشرطة القضائية، الموظفون والأعوان المأمورون المنتدبون لهذا الغرض من لدن الإدارة المختصة وكذا المحلفون وفقا للتشريع الخاص باليمين المفروض أداؤها على المأمورين محرري المحاضر”.

[73] تقوم أسباب الإباحة أساسا على إزالة الصفة غير المشروعة عن الفعل المرتكب، بما يؤدي إلى عدم تحقق مسؤولية الفاعل أو من يشاركه في ارتكابه من الناحية الجنائية والمدنية، بمعنى أخر أن أسباب الإباحة ذات طبيعة موضوعية ينصرف أثرها إلى الفعل أو الامتناع، فتنزع عنه الوصف الجرمي وتعطل بذلك نصوص التجريم. أنظر: محمود نجيب حسني، أسباب الإباحة في التشريعات العربية، معهد الدراسات العربية، جامعة الدول العربية، 1962 ص 5.

[74] نوار دهام مطر الزبيدي، الحماية الجنائية للبيئة، الطبعة الأولى، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت لبنان، سنة 2014، ص 471.

[75] للإشارة فان موضوع التراخيص البيئية طرح نقاشا حادا بين أعضاء الكونغرس الأمريكي وفقهاء القانون، فمنهم من رأى أن الترخيص يعد تنازلا من الحكومة عن مسؤوليتها في التطبيق الحازم لنصوص قانون البيئة ضد المخالف، فإصدار التراخيص بتصريف أو إلقاء النفايات في المياه سوف تمنح الملوث حصانة ضد الملاحقة الجزائية، وستكون هذه التراخيص بمثابة إجازات للتلوث. ويشير البروفسور “وليام روجرز” أستاذ قانون البيئة بجامعة واشنطن، إلى أن نظام التراخيص يقيد سلطة الحكومة من اللجوء إلى القضاء ويعيق توجيه الاتهام ويؤدي إلى إلغاء المحتوى الجنائي لقانون البيئة. أنظر .

William Rodgers, “Handbook on Environmental law”, 2ad Edition, Published by West Publishing Company, USA 1994 p 689.

[76] نوار دهام مطر الزبيدي، مرجع سابق، ص 474. أنظر أيضا : رؤوف عبيد، مبادئ القسم العام في التشريع العقابي، ط الرابعة، دار الفكر العربي للطباعة، سنة 1989 ص 332.

[77] رمسيس بهنام، النظرية العامة للقانون الجنائي، مرجع سابق، ص 451.

[78] تنص المادة 29 من القانون البيئي المصري رقم 4 لسنة 1994 على أنه ” يحظر تداول المواد والنفايات الخطرة بغير ترخيص من الجهة الإدارية المختصة…”.

[79] قرار محكمة النقض ع 850 الصادر بتاريخ 20 يونيو 2013 في الملف الجنحي ع 04- 6/ 8/ 2013 المنشور بمجلة محكمة النقض ملفات عقارية ع 4 سنة 2014 ص 296.

[80] جاء في قرار لمحكمة النقض”… إن المحكمة مصدرة القرار المطعون فه لما قضت ببراءة المطلوبين في النقض من جنحة سرقة الكثبان الرملية من أماكنها الطبيعية والمشاركة في ذلك، اعتمدت في ذلك على كون ما أخذه السائق يعتبر مجرد أتربة لا يشملها نص الفصل 517 ق ج م، والحال أن المادة المضبوطة على متن الشاحنة تعتبر من الأتربة الصفراء من نوع توفنة المستخرجة من مقلع غير مرخص، وطالما أن استغلالها يخضع لترخيص خاص كما هو واضح من المحضر المنجز من طرف الفرقة الإقليمية للمقالع إلا ويعتبر ذلك مخالفة لنص الفصل 517 ق ج م، الأمر الذي يجعل القرار المطعون فيه لما قضى ببراءة المطلوبين في النقض للعلة المذكورة به، مشوبا بعيب نقصان التعليل الموازي لانعدامه وهو ما يعرضه للنقض والإبطال.” قرار محكمة النقض ع 9.937 المؤرخ في: 2014/10/09، ملف جنائي ع 2013/9/6/18262. (غير منشور).

[81] نظمت المادة 25 من القانون الجنائي الكويتي شروط حالة الضرورة تنظيما محكما حيث نصت ” لا يسأل جنائيا من ارتكب فعلا دفعته إلى ارتكابه ضرورة وقاية نفسه أو غيره، من خطر جسيم حال يصيب النفس أو المال، إذا لم يكن لإرادته دخل في حلوله ولا في  استطاعته دفعه بطريقة أخرى ، بشرط أن يكون الفعل الذي ارتكبه متناسبا مع جسامة الخطر الذي توقاه”.

[82] نادية المشيشي، مرجع سابق، ص 208.

[83] يشترط لقيام حالة الضرورة توافر عدة شروط نجملها باختصار استنادا لما يفهم من الفصل 124 ق ج م – توافر خطر جسيم يهدد النفس أول المال – أن يكون الخطر حقيقيا وليس وهميا أو محتملا – ألا يكون لإرادة الفاعل دخل في حدوث الخطر – يجب ألا يكون ما وقع التضحية به أكثر مما وقع الاحتفاظ به.

[84] نوار دهام مطر الزبيدي، مرجع سابق، ص 468.

[85] تنص الفقرة الثانية من هذه المادة على :” إن جنحة التلوث لن تتم : – إدا كان الانسكاب قد تم لأجل الضمان الأمني للمؤسسة أو لأجل تفادي أضرار جسيمة أو لأجل حماية وإنقاذ الحياة البشرية في البحر – إذا كان الانسكاب قد تم بعد أخد كافة الاحتياطات لمنعه أو وقفه أو تعطيله ولم يكن بالأمان استحالة تجنبه.”

[86] Mireille Delmas Marty, « La protection pénal de l’environnement en France », rev.int.dr. pén. N° 4. 1978 p 4.

[87]  كما نص المشرع اليمني صراحة على حالة الضرورة كسبب لمنع المسؤولية الجنائية ضد مقترفي جرائم تلويث البيئية البحرية بالقول” تنتفي المسؤولية الجنائية عن الشخص أو المرفق أو السفينة أو الطائرة عن تصريف أية مادة ملوثة إدا ثبت أن تصريفها قد نتج من أجل إنقاذ الأرواح أو ضمان سلامة أية سفينة أو طائرة أو الحيلولة دون وقوع ضرر خطير لأي موقع بري وتظل مسؤوليته قائمة فيما يتعلق بالتعويض عن التكاليف والأضرار المتخلفة من جراء هدا التصرف” المادة 33 من القانون اليمني رقم 11 لسنة 1993 بشأن حماية البيئية البحرية من التلوث.

[88] المشرع المغربي لم يدرج الغلط في القانون أو الواقع ضمن حالات الإعفاء من المسؤولية الجنائية. وإن كان افتراض العلم بالقانون البيئي في ظل تضخم الترسانة البيئية على نحو جعل من الصعب على المواطن والأجنبي أن يلم بأحكامها المتعددة، بل حتى القضاة أنفسهم أصبحوا في حاجة دائمة للعلم بالنصوص الجنائية الجديدة.

[89] نفس المنحى يأخذ به المشرع المصري ضمن المادة 54 من القانون رقم 4 لسنة 1994 التي تنص ” لا تسري العقوبات المنصوص عليها في هذا القانون على حالات التلويث الناجمة عن : التفريغ الناتج عن عطب في السفينة وأحد أجهزتها، ويشترط في جميع الأحوال أن يكون ربان السفينة أو المسؤول عنها قد اتخذ قبل وقوع العطب جميع الاحتياطات الكافية لمنع أو تقليل آثار التلوث…”.

[90] عبد الواحد العلمي، شرح القانون الجنائي المغربي، “القسم العام”، الطبعة السادسة، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، سنة 2015، ص 137.

إقرأ أيضاً

التأطير الدستوري لمقتضيات  الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011

التأطير الدستوري لمقتضيات  الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011 الوعبان لرباس  باحث في سلك الدكتوراه …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *