Site icon مجلة المنارة

أسس ومرجعيات القضاء الدستوري في حماية الحقوق والحريات الأساسية

 

أسس ومرجعيات القضاء الدستوري في حماية الحقوق والحريات الأساسية.

كريم القرقوري

باحث في القانون الدستوري

 

      يعد القضاء الدستوري من المؤسسات الأساسية في الأنظمة الدستورية المعاصرة، بحيث لا يخلو منها دستور من الدساتير، بفعل وظيفتها الكامنة في حماية الحقوق والحريات الأساسية من تعسف المشرع.

وإن التنصيص على تلك الحقوق والحريات في الوثائق الدستورية، يظل بدون جدوى، في غياب التنصيص على آلية القضاء الدستوري، إذ أنه بالرغم من التسليم بالدور الريادي لكل من القضاء العادي والإداري في حماية هذه الحقوق من تعسف أجهزة السلطة، ظل دور كل منهما قاصرا عن تحقيق حماية شاملة للحقوق والحريات، بل إن الدساتير برمتها، ظلت عرضة للانتهاك، في غياب هذه الآلية التي أعادت الاعتبار لدولة القانون.

ونظرا لأهمية هذه الآلية في التأسيس لدولة القانون، التي تحتل فيها الحقوق والحريات، مكانة الصدارة من حيث ضمانات حمايتها، عملت كافة الدساتير في القانون المقارن على التنصيص صراحة، على تعيين هيئة دستورية مختصة (مجلس أو محكمة) تناط بها صلاحية مراقبة سمو الدستور، مع الحرص بالموازاة مع ذلك، على تضمين الدساتير بمختلف أصناف وفئات الحقوق والحريات، وذلك بإضفاء الحماية الدستورية عليها من جهة، ووضعها تحت حماية القضاء الدستوري من جهة أخرى.

وساهم القضاء الدستوري، في سياق هذه الدينامية التي عرفتها الدساتير، بانتقالها من الانشغال بسؤال المؤسسات، حيث غلبت هاجس التعبير عن الإرادة العامة إلى فكرة تحقيق دولة القانون عبر الإغناء المادي والقانوني للنصوص الدستورية بمرجعية حقوق الإنسان، بموازاة مع فتح آفاق جديدة بمفهوم الاجتهاد في المجال الدستوري.

ولم يشذ المغرب، عن هذا السياق العام لتطور الدستورانية، الذي غير من طبيعة القانون الدستوري، إذ لم يعد فضاء لتأطير إشكالات الدولة والسلطة فحسب، بل وأيضا، وسيلة أساسية لتحديد علاقات الدولة والمجتمع القائمة على ضمان وحماية الحقوق والحريات، إذ عرفت الدساتير المغربية في هذا الصدد تطورا متدرجا في هذا الاتجاه، بدأ من التأصيل للحقوق والحريات في أول دستور يدشن به المغرب “عهدالدستورانية” سنة 1962، مرورا بدستوري 1992 و 1996، الذي كرس الانفتاح على المرجعية الدولية للحقوق والحريات، ووصولا إلى دستور فاتح يوليوز 2011، الذي عمل على إدراج مختلف أجيال الحقوق والحريات في صلب مقتضياته.

      وكما يحظى موضوع الحقوق والحريات بمكانة خاصة في الدول والأنظمة المعاصرة، إذ غدا مبشرا مهما، لقياس مدى ديمقراطية الأنظمة السياسية، حيث لم تعد الديمقراطية تعني كما كانت في مفهومها التقليدي القائم على فصل السلطات، بل أصبحت تشمل إلى جانب ذلك، كل ما يتعلق بالحقوق والحريات[1].

ومن هنا، حرصت الأنظمة والدول على التنصيص على تلك الحقوق والحريات في صلب الوثائق الدستورية، لإحاطتها بأقصى حماية ممكنة، نظريا على الأقل، وذلك تجسيدا لهذه الأهمية والمكانة التي أضحى يتمتع بها موضوع الحقوق والحريات لإرساء دولة القانون[2].

ونظرا لهذه الأهمية التي تتمتع بها الحقوق والحريات[3]، في إطار  الدستورانية الحديثة[4] ، يرى بعض الفقه أن التمكين للديمقراطية، يفرض أن ينصب اهتمام النص الدستوري، على حماية حقوق المحكومين، أكثر من وضعية وصلاحيات الحكام.

وضمن هذا السياق المتنامي، لأهمية الحقوق والحريات، نشأ توجه عام، لتأمين حماية دستورية أكبر لتلك الحقوق والحريات، ما أدى إلى تغير نوعي في مفهوم الدستور، بحيث أضحى “ميثاقا اجتهاديا للحقوق والحريات”[5]، إذ لايمكن الحديث، في هذا الصدد، عن دستور بدون حقوق وحريات “لوجود علاقة جدلية متينة بينهما”[6].

وبذلك، فقد اجتاحت “الدستورانية الجديدة” مختلف الأنظمة الدستورية وجعلت من حقوق الإنسان الموضوع الأسمى في دساتير الدول، وربطت هذه الحقوق بضمانات حمائية خاصة[7]، وأضحت طبيعة الدساتير المعاصرة لا ترتبط فقط بقواعد سير المؤسسات وإجراءات التشريع، بل باعتبارها ميثاقا لحقوق الأفراد وحرياتهم[8].

ويرجع هذا التركيز على الحقوق والحريات في  مفهوم الدستورانية، إلى أهميتها ومركزيتها في بناء دولة القانون، التي تمثل فيها الحقوق والحريات، رأس الحربة، لذا تحرص الدساتير على تضمينها في صلب أحكامها، وهو ما دفع أغلب الدساتير العالمية إلى تحديد الحقوق والحريات الأساسية والتنصيص عليها، كأحد الضمانات الأساسية لتفادي انتهاكها، إلا أن هذه الضمانات الدستورية وحدها أصبحت غير كافية، مما استدعى ضمان الضمانة الدستورية، وذلك عن طريق إحداث جهاز خاص، يتصدى لأي انتهاك لها، ممثلا في القضاء الدستوري.

وسنرصد في هذا الموضوع إدراج الحقوق والحريات في الدساتير، كأساس لحمايتها (المطلب الأول)، قبل أن نعمل على تبيان مرتكزات القاضي الدستوري لحماية هذه الحقوق والحريات (المطلب  الثاني).

  المطلب الأول: تضمين الحقوق والحريات في الدساتير أساس لحمايتها.

       تجسيدا للأهمية التي بات يحظى بها موضوع الحقوق والحريات في  الأنظمة الحديثة، أصبحت الوثائق الدستورية، تخصص حيزا مهما من أحكامها للقواعد المنظمة لها، يضفي عليها هذا التضمين، نفس القوة القانونية التي تتمتع بها النصوص الدستورية الأخرى، ويشكل بالتالي – أي هذا التنصيص- قيدا على السلطة التنفيذية حتى لا تلجأ إلى تنظيمها عن طريق مراسيم تنظيمية، كما تشكل في نفس الوقت قيدا على السلطة التشريعية، حتى لا تعمد إلى تقنين الحقوق والحريات بما يلائم توجهات سياسية معينة[9].

إن تضمين الحقوق والحريات في الوثائق الدستورية إذن، هو أساس لحمايتها، غير أن هذا التضمين لا يتخذ شكلا واحدا، بل أشكالا وصيغا مختلفة تبعا لاختلاف التجارب الدستورية.

وعليه سنبين في هذا الفرع، أشكال وصيغ تضمين الحقوق والحريات الأساسية في الدساتير (الفقرة الأولى)، فيما سنتحدث لاحقا عن التطور الدستوري للحقوق والحريات الأساسية في الدساتير المغربية (الفقرة الثانية).

     الفقرة الأولى: أشكال وصيغ تضمين الحقوق والحريات الأساسية في الدساتير.

          تحتل الحقوق والحريات أهمية مركزية في الأنظمة الدستورية المعاصرة، حيث جعلت منها الدستورانية الحديثة محور النظام الدستوري، واعتبرتها بمثابة “صنف قانوني متميز خارج النظام القانوني”[10]، وأضحى البعد المعياري لهذه الحقوق لا يتعلق بالقانون الداخلي، بل أخذ بعدا اتفاقيا دوليا”[11].

            إذا كانت معظم الدساتير، إن لم نقل كلها، تتناول بالتنظيم موضوع الحقوق والحريات، فإن ذلك لا يتخذ شكلا واحدا، بل يتخذ أشكالا وصيغا مختلفة، حيث اتجه بعضها إلى النص على حقوق وحريات مطلقة، لا تقبل التقييد أو التنظيم التشريعي، مثال دستور الولايات المتحدة الأمريكية، فيما سمحت دساتير أخرى للمشرع العادي بالتدخل لتنظيم ما تقره من قواعد خاصة للحقوق والحريات، وذلك وفق قيود دستورية محددة، وإن كانت فئة من هذه الدساتير لم ترصد مثل هذه الحدود، بل تركت للمشرع هامشا كبيرا للحرية في هذا المجال، حيث يقترن الحق في النص الدستوري بعبارات تعرف بالنصوص المقيدة، من قبيل (وفقا للقانون)، (طبقا للحالات  والإجراءات التي ينص عليها القانون)…إلخ[12].

ولايقتصر هذا الاختلاف في تنظيم الحقوق والحريات داخل الدساتير، في تخويلها أو عدم تخويلها صلاحية المشرع العادي في التدخل، وإنما يكمن هذا الاختلاف أيضا في الكيفية التي يتم بها تضمين تلك الحقوق والحريات في صلب الوثائق الدستورية.(النوذج الفرنسي، النموذج الأمريكي، النموذج الألماني).

 البند الأول: الكتلة الدستورية أو النموذج الفرنسي لحماية الحقوق والحريات.

          يطرح السياق الفرنسي، نموذجا خاصا في تعيين الحقوق والحريات الأساسية، المشمولة بالحماية الدستورية والقضائية، حيث جر تنظيم تلك الحقوق والحريات في إطار ما اتفق على تسميته بالكتلة الدستورية[13]،  وقد عرفها القاموس الدستوري[14] على أنها “مجموعة المبادئ والقواعد ذات القيمة الدستورية التي من الواجب أن تحترم، وتفرض أحكامها على السلطة التشريعية أو التنفيذية، أو بصورة أشمل على كل السلطات في الدولة”[15].

وتتشكل الكتلة الدستورية من عدة وثائق مرجعية متعددة، تشمل إلى جانب أحكام دستور الجمهورية الخامسة لسنة 1958 المعمول به حاليا، إعلان حقوق الإنسان والمواطن لسنة 1789، وديباجة دستور 1946، التي أكدت على الحقوق المكرسة بموجب الإعلان المذكور، كما أكدت على المبادئ الأساسية المعترف بها بواسطة قوانين الجمهورية، ثم الميثاق البيئي لسنة 2004.

وكما هو واضح فإن هذه الحقوق والحريات قيمتها المعيارية، من مصادر متنوعة، ولا تأخذ طابعا لائحيا صريحا في الدستور، حيث يرتبط وجودها بوثائق ونصوص قانونية مختلفة.

وبالرغم من أن هذه الحقوق والحريات متضمنة في وثائق متعددة، فإن لها نفس القيمة الدستورية التي يتمتع بها الدستور بالمعنى الحصري، والذي لا يتضمن إلا بشكل قليل أحكاما تتعلق بهذه الحقوق.

من أجل ذلك، رأى المجلس الدستوري الفرنسي، أنه من المشروع أن يشكل انطلاقا من الدستور، ما اتفق على تسميته بالكتلة الدستورية، خصها بنظام إجرائي خاص لحمايتها من الانتهاكات المحتملة، من جانب السلطتين التشريعية والتنفيذية، بصورة أشمل من كل السلطات في الدولة. 

     البند الثاني: نموذج اللائحة المفتوحة للحقوق والحريات الأساسية.

بالإضافة إلى النموذج الفرنسي لتضمين الحقوق والحريات في الوثيقة الدستورية، فإن ثمة تمظهرات أخرى لهذا التضمين في الدساتير المقارنة، ومن بينها نموذج اللائحة المفتوحة كنمط دستوري في العديد من الدساتير المعاصرة[16]، من بينها دستوري الولايات المتحدة الأمريكية لسنة 1787[17]، ودستور ألمانيا الفيدرالية لسنة 1947، ودستور المملكة الإسبانية لسنة 1979، ودستور البرتغال لسنة إذ تنبني هذه الدسترة على أساس وجود حقوق دستورية منصوص عليها، مع ترك اللائحة الحقوقية مفتوحة على قواعد قانونية أخرى، انطلاقا من تحديد دستوري خاص، حيث يصبح الدستور، في هذه الحالة، “منفتحا على الإنتاج المستمر للحقوق والحريات”[18].

فبالرغم من أن الدستور الأمريكي الذي تم اعتماده سنة 1787، لا يتضمن عددا كبيرا من الحقوق، فإن التعديلات العشرة الأولى المدخلة عليه، بمقتضى ما يعرف بوثيقة الحقوق، قدمت حماية أساسية لمختلف معايير الحقوق والحريات، وفي هذا السياق نص التعديل التاسع ضمن التعديلات العشرة المعروفة بوثيقة الحقوق، على “أن تعداد الدستور  لحقوق معينة، لا يجوز أن يفسر على أنه إنكار لحقوق أخرى يتمتع بها الشعب، وانتقاصا منها”.

إن هذا التعديل، وغن بدا قليلا في ألفاظه، لكنه واسع في أبعاده، إذ يشكل “لوحده”، أساس الاعتراف الدستوري الأمريكي، بحماية الحقوق والحريات، بمختلف فئاتها، حتى تلك التي لم تنص عليها وثيقة الحقوق، ناهيك على أن الإقرار بالحقوق والحريات في السياق الأمريكي، لا يتوقف على نص دستوري بالمعنى الحرفي، ولا على وثيقة الحقوق ودساتير الولايات فقط، بقدر ما يرتبط أيضا باجتهادات القضاء الأمريكي، على نحو ما يبرز في اجتهادات المحكمة العليا، التي كرست مجموعة من الحقوق الغير منصوص عليها صراحة في النص الدستوري.

وفي هذا السياق أيضا اعتمد الدستور البرتغالي، هندسة مفتوحة للحقوق والحريات، إذ بالرغم من أنه قد تضمن قائمة للحقوق والحريات الأساسية، فقد أضاف إليها، مادة تسمح بالاعتراف بالحقوق والحريات غير المنصوص عليها بشكل صريح في صلب الدستور، ونقصد هنا تحديدا المادة 16 التي تنص على أنه “لا تستبعد الحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور، الحقوق الأخرى التي يمكن أن يقرها القانون، والقواعد ذات الصلة بالقانون الدولي”.

ويستفاد من أحكام هذه المادة، أن المشرع الدستوري البرتغالي، قد أقر ما يمكن تسميته بمبدأ اللائحة المفتوحة، وهي القاعدة التي تضفي على الحقوق والحريات المنصوص عليها، نفس الحماية التي تتمتع بها الحقوق والحريات المتضمنة في الدستور.

ويبدو هذا التنظيم المعياري للحقوق والحريات الأساسية، أكثر انفتاحا، خصوصا أن حقوق الإنسان والحريات الأساسية، هي معايير قابلة للتطور، مما يمكن من توفير حماية مستقبلية للحقوق والحريات، دونما الحاجة إلى مراجعة الدستور، بهدف الاعتراف بهذه المعايير[19].

  البند الثالث: نموذج اللائحة المغلقة للحقوق والحريات الأساسية.

        في مقابل النموذج الفرنسي، الأمريكي والبرتغالي، الذي اعتمد نموذج القائمة المفتوحة لتنظيم الحقوق والحريات، قصد إضفاء الطابع الدستوري عليها، بالرغم من عدم التنصيص على بعضها بشكل صريح في صلب الدستور، وتوزعها على أكثر من وثيقة ونص ذي طبيعة دستورية، اعتمدت تجارب دستورية أخرى نموذج الهندسة اللائحية للحقوق والحريات الأساسية، من خلال جرد مفصل لأنواعها داخل المتن الدستوري، وذلك على شكل قائمة مغلقة للحقوق والحريات.

وسار على هذا النهج، كل من الدستور الألماني ل23 مايو 1949، الذي تضمن لائحة خاصة بالحقوق والحريات الأساسية[20]، حيث أورد قائمة حصرية لهذه الحقوق والحريات الأساسية، لاعتبارها نظاما حقوقيا متكاملا ينتج آثارا قانونية متعددة ، كما كرس الدستور الإسباني ل27 دجنبر 1978، نفس التضمين اللائحي للحقوق والحريات الأساسية، وذلك بجرد مفصل لفئاتها، مستلهما في ذلك، التجارب الدستورية لما بعد سنة 1945، حيث أفرد في هذا السياق بعض الحقوق الأساسية بمكانة خاصة.

وتشكل كرامة الإنسان وحقوقه الثابتة، وحرية تكوين الشخصية، واحترام القانون وحقوق الآخرين، أساس التنظيم السياسي والسلم الاجتماعي، كما بوأها مكانة قانونية “فوق وطنية”، عندما نص على إلزامية تأويلها وفق الاتفاقيات والمعاهدات الدولية[21].

والملاحظ أن هذه الطبيعة المعتمدة في إدراج الحقوق والحريات الأساسية، وإن كانت معتمدة في معظم الدساتير، فإنها لا تتم دائما بنفس الكيفية، حيث يمكن التمييز داخلها، بين صيغتين أساسيتين على الأقل:

الأولى: يتم فيها التنصيص على بعض المبادئ العامة المتعلقة بالحقوق والحريات دون تفصيلها، على أن يتولى باب خاص في الدستور التدقيق فيها (الدستور الإسباني).

أما الثانية: فيتم فيها التنصيص مباشرة على الحقوق والحريات، في باب أو قسم خاص من الدستور، دون الاهتمام بها في ديباجته، إما في شكل إعلان خاص بها، أو قائمة بعددها، مثال القانون الأساسي الألماني والبرتغالي، فضلا عن دساتير هولندا، السويد، النرويج، الدنمارك…، التي لا تتوفر أصلا على ديباجة أو مقدمة.

ورغم أن تنظيم الحقوق والحريات الأساسية، سواء تم في الديباجة أو في باب خاص، أو فيهما معا، لا ينتقص من القيمة القانونية التي تتمتع بها، خاصة بعد أن أصبح النقاش حول الديباجة متجاوزا[22]، مع إقدام الدساتير نفسها على التأكيد على أن الديباجة جزء لا يتجزأ من الدستور، كما هو الشأن بالنسبة للدستور المغربي  لسنة 2011، والدستور التونسي لسنة 2014.

 الفقرة الثانية: التطور الدستوري للحقوق والحريات الأساسية في الدساتير المغربية.

       عرف إقرار الحقوق والحريات في الدساتير المغربية، تطورا متدرجا، عبر مختلف الوثائق الدستورية، التي عرفتها المملكة منذ نيلها استقلالها السياسي، والتي جاءت استجابة لسياقات سياسية واجتماعية داخلية وخارجية، اتسمت بتنامي المطالب بضرورة تعزيز متطلبات إرساء دولة القانون.

وإذا كانت الوثائق الدستورية الأول (1962، 1970، 1972)[23]، قد أرست ما يمكن نعته ب”بداية التأسيس الدستوري للحقوق والحريات”، من خلال دسترة معايير حقوق الإنسان، كما أقرتها المصادر الدولية لحقوق الإنسان[24]، فإن دستوري (1992، 1996)[25]،  شكل تحولا مهما نحو الانفتاح السياسي والحقوقي، وتعزيز الممارسة الديمقراطية والحقوقية، خاصة فيما يتعلق بجانب الحقوق والحريات ، حيث تم في هذا السياق الإقرار بتلك الحقوق والحريات كما هي متعارف عليها عالميا[26]، فضلا عن الارتقاء بآلية القضاء الدستوري من مجرد غرفة بالمجلس الأعلى للقضاء، إلى مستوى مجلس دستوري مستقل عن التنظيم القضائي، قبل أن يتوج هذا المسار من التطور الحقوقي بدستور فاتح يوليوز 2011، الذي عزز منظومة حقوق الإنسان، عبر توسيع مجال الحريات الفردية والجماعية وضمان ممارستها، والارتقاء بالقضاء الدستوري إلى درجة محكمة باختصاصات كاملة.

  البند الأول: الهندسة الدستورية للحقوق والحريات في دساتير ما قبل دستور 2011.

           لقد سعى المغرب كما ذكرنا آنفا، إلى التأطير الدستوري للحقوق والحريات، وذلك منذ أول وثيقة دستورية مكتوبة، تدستر نظام الحكم والعلاقات السياسية بالمغرب[27]، بعد تحرره من نظام الحماية الفرنسية[28]، فقد تعرضت هذه الوثيقة “أي دستور 1962”[29]، في ديباجتها إلى التزام المملكة المغربية، بما تقتضيه مواثيق المنظمات الدولية، التي أصبحت عضوا عاملا نشيطا بها، من مبادئ وحقوق، حيث أولت هذه المعايير، مكانة متميزة في النظام القانوني الوطني، حيث تم في هذا السياق إقرار عدد من المبادئ الأساسية ذات العلاقة بموضوع الحقوق والحريات، من قبيل مبدأ السيادة “الذي تمارسه الأمة بشكل مباشر، من خلال الاستفتاء، وبشكل غير مباشر من خلال المؤسسات الدستورية”[30].

كما تم إقرار مبدأ “سمو إرادة الأمة”، باعتبارها مصدر القانون[31]  ، وكذا مبدا المساواة بين الرجل والمرأة، للتمتع بالحقوق السياسية[32]، حيث يحق للمرأة وللرجل التمتع على حد سواء بالحق في الانتخاب، عند بلوغهما سن الرشد، كما اعترف الدستور المشار إليه، بالحق في تأسيس الأحزاب السياسية والجمعيات، والانخراط في المنظمات النقابية والسياسية[33]، بالإضافة إلى تكريس الحق في حرية التجول والرأي والتعبير بجميع أشكاله، وحرية الاجتماع..إلخ[34].

وفي نفس السياق، نص الدستور إياه، على عدد من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، من قبيل الحق في التربية والشغل[35]، والحق في الإضراب الذي تم ربطه بقانون يبين الشروط والإجراءات اللازمة لممارسته[36]، والحق في الملكية الذي أجاز المشرع الدستوري إمكانية تقييده[37]، ونص بموازاة مع ذلك، على آلية للقضاء الدستوري تحت مسمى الغرفة الدستورية لدى المجلس الأعلى للقضاء.

بيد أنه يمكن القول، أن تأطير دستور 1962 للحقوق والحريات، شكل ثابتا “بنيويا”[38]، في الوثائق الدستورية التي تلته، خاصة الوثائق الثلاث الأول، إذ بالرغم من التعديلات التي جاء بها دستورا (1992-1996)[39]، حيث نص الأول عن التزام المغرب بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، والثاني جعل من حرية المبادرة الفردية ضمن الحقوق المعترف بها دستوريا[40]،  كما تم الارتقاء بآلية القضاء الدستوري من درجة غرفة دستورية لدى المجلس الأعلى، إلى مستوى مجلس دستوري، مع تخويله صلاحية مراقبة دستورية القوانين العادية.

فإن هذه التعديلات، أبقت الهندسة الدستورية للحقوق والحريات،خاصة في الدساتير السابقة عن دستور2011 [41]، متخلفة عن ركب التطور الذي طال موضوع الحقوق والحريات  في الدساتير المقارنة[42].

لكن التطور الأهم في نظرنا الذي لحق التأطير الدستوري لتلك الحقوق والحريات، هو ذاك الذي جاء به دستور فاتح يوليوز لسنة 2011، حيث أولاها اهتماما غير مسبوق في الوثائق الدستورية السابقة، ما حدى ببعض الباحثين إلى اعتباره “أي دستور 2011″، دستورا “لصك الحقوق”.

وعلى امتداد هذه الفترة غير القصيرة، ظل المشرع المغربي واعيا بالأهمية الحيوية لجهاز العدالة الدستورية في بناء دولة معاصرة وديمقراطية[43]، لتخطو العدالة الدستورية بالمغرب خطوة هامة بالانتقال من مؤسسة ضعيفة الاستقلال والاختصاصات والإمكانيات، قليلة الانفتاح على المجتمع، إلى مؤسسة قائمة بذاتها تتوفر على ضمانات أكبر للاستقلال[44]، مقارنة مع الغرفة الدستورية، إلى أن تتوج مسار الحقوق والحريات بدستور 2011 الذي شكل “ثورة حقوقية بالمغرب”.

 

البند الثاني: دستور 2011 وإعلان الانتماء لدساتير الجيل الجديد.

 

يشكل دستور 2011 حلقة مهمة ضمن مسلسل الانتقال الديمقراطي بالمغرب، لما أحدثه من تحول لجهة الحقوق والحريات، التي أضحت في ظل هذا الدستور،  فكرة مهيكلة لكل الوثيقة الدستورية، التي ربطت في تصديرها بين حقوق الإنسان والبناء الديمقراطي[45]، بل جعلت من الاختيار الديمقراطي، ثابتا من ثوابت النظام الدستوري للمملكة[46]، وجددت التزام المغرب بمبادئ الحقوق والحريات، كما هي مكرسة في  المواثيق والصكوك الدولية[47].

كما نص التصدير/الديباجة، على عدد من المبادئ والقواعد المهيكلة للبناء  الديمقراطي وترسيخ دولة  القانون والحريات،  الآيلة لدعم التنوع المجتمعي وتحقيق المناصفة، ودعم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وضمان المحاكمة العادلة، إلى جانب ترسيخ عدد من الحقوق والحريات الأساسية، كحرية الفكر والرأي والحريات الفردية والجماعية، هذا فضلا على دسترة توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة[48].

وفي هذا السياق، وسع دستور 2011 من  دائرة الحقوق والحريات، حيث نص على فئات واسعة منها،  وخصها بهندسة جديدة[49] تعكس محوريتها في البناء الدستوري العام، وتشمل : الحق في الحياة، الحق في الأمن الشخصي، الحق في السلامة الجسدية أو المعنوية، الحق في حماية الحياة الخاصة، قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة، الحق في الضمان الاجتماعي، الحق في السكن اللائق، الحق في تقديم العرائض   ، إضافة إلى حقوق أخرى سنعرض لها بتفصيل فيما بعد[50].

وفي هذا الجانب تظهر بقوة أهمية المحكمة الدستورية، لأن المشرع أحال تنظيم ممارسة أغلب الحريات والحقوق على مجال القانون، وجراء ذلك يمكن أن تصبح مبادئ الحقوق المحددة في الدستور بلا طائل، وبالتالي فمن المفترض ، إذا كانت ثمة إرادة سياسية لدى الفاعلين الحكوميين، أن يمنح دورا للمواطنين في مراقبة السياسة التشريعية[51]، خصوصا في مجال الحقوق والحريات، وعليه فمن المفترض أن يصدر القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية قبل صدور أي نص تشريعي تأسيسي تنظيمي أو عادي.

وحري بالذكر أن مجموعة من الحقوق المصرح بها، ومجموعة من البنود التي جاءت في هذا المضمار، ستبقى مجرد عبارات بدون مضمون وبدون جدوى ولا قيمة[52]، إذا لم تحدد السياسة التشريعية والمحكمة الدستورية كيفية ضمان تلك الحقوق المصرح بها. فثمة خطر بأن تفقد عدد من الحقوق اتساقها إما من خلال القوانين العادية أو القوانين التنظيمية، وذلك لأن للمشرع الحق في معظم الحالات في الحد من ممارسة الحقوق، ويعتبر تدخل المشرع حتى في الدول الديمقراطية أمرا شائع الحدوث.

وعلى غرار بلدان أخرى متأثرة بالتقاليد القضائية الفرنسية (الجزائر وتونس وأفريقيا الفرانكفونية)، يفترض في القوانين التنظيمية أن تكمل الدستور، ويتم إقرار هذه القوانين التنظيمية أن تكمل الدستور، حيث يتم إقرار هذه القوانين وفق إجراء يميزها عن القوانين العادية.

يتبين من خلال ما تقدم أن هذا الدستور، يتضمن مجموعة من المبادئ والقيم والأحكام، كما يتضمن مجموعة من الحقوق والحريات الفردية والجماعية، السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية، ويمكن لهذه المعطيات الجديدة أن تساهم في التأسيس لزمن الانتقال السياسي باتجاه الديمقراطية، غير أن ذلك يبقى مشروطا بأمرين متلازمين، الأول يتعلق بحدود تأسيس هذه الوثيقة لزمن الانتقال من شخصنة السلطة إلى مأسستها، أي زمن فصل السلطة عن الأشخاص، والثاني يتعلق بالفصل بين السلطات المؤسساتية التقليدية، التشريعية والتنفيذية والقضائية، وخصوصا استقلالية هذه الأخيرة عن السلطتين الأولى والثانية، وكذلك إمكانيات لجوء المواطنين أفراد وتنظيمات إلى مرفق القضاء ورفع دعاوى الشطط ضد السلطات العامة، سياسية كانت أم إدارية.

  البند الثالث: تبني المشرع الدستوري المغربي لنموذج اللائحة المدعمة لحماية الحقوق والحريات الأساسية.

    إن استقصاء التجارب الدستورية المقارنة في مجال الهندسة الدستورية للحقوق والحريات، يبين أن المشرع الدستوري المغربي، قد استلهم على الأقل من الناحية الشكلية، الاتجاه العام الذي سارت عليه معظم الدساتير الحديثة، وذلك من خلال إقرار جملة من الحقوق والحريات الأساسية، بوضعها ضمن قائمة مدعمة، على نحو ما يبرز ذلك في الباب الثاني من دستور فاتح يوليوز 2011، هذا الباب الذي يتبدى كوعاء للحقوق والحريات الأساسية، والتص في نفس الوقت على عدد من الآليات المؤسساتية والخاصة، التي يتحدد دورها في تأمين حماية أكبر للحقوق والحريات، المنصوص عليها في أحكام الدستور[53]، خاصة فيما يتعلق بالحماية القضائية، وتحديدا حماية القضاء الدستوري.

وخلافا للتجارب الدستورية التي لم تكتف بتضمين الحقوق والحريات في صلب الوثيقة الدستورية، بل وسعت ذلك إلى وثائق ونصوص وإعلانات للحقوق، أضفت عليها الطبيعة الدستورية، حتى وإن لم تكن جزء من الدستور بمعناه الحصري، اختار المغرب تخصيص باب محدد من الدستور، لتأطير الحقوق والحريات الأساسية، ضمن قائمة حصرية لها، على نحو ما اوضحناه سابقا، الأمر الذي أحدث نقلة نوعية في مجال دسترة الحقوق والحريات الأساسية، عبر لائحة مكتملة ومفصلة لها، تضمنت عددا من الحقوق والحريات[54].

وإلى جانب هذه اللائحة المكتملة والمفصلة من الحقوق والحريات، التي نص عليها دستور 2011، والتي جعلها مشمولة بإمكانية إستعمال مقتضى الدفع بعدم دستورية القوانين، المنصوص عليها في الفصل 130 من دستور 2011، في مواجهة الانتهاكات المفترضة لها، فقد تناول الدستور المشار إليه، بعض الجوانب من الحقوق والحريات الفردية والجماعية، ضمن فصول أخرى، وبذلك أتاح إمكانية التوسع خارج القائمة المتضمنة في الباب الثاني من الدستور.

ولما كان التنصيص على الحقوق والحريات[55] في متن الوثائق الدستورية، يضفي عليها الحماية القانونية، فإن ذلك لا يكفي لوحده لصونها من إمكانية الافتئات عليها، من لدن مختلف السلطات في الدولة، وخاصة السلطة التشريعية، لذا حرصت الدساتير الديمقراطية على ملازمة التنصيص على هذه الحقوق والحريات، بوضع آلية قضائية إجرائية “القضاء الدستوري”، لحماية هذه المعايير من محاولة الاستهداف.

وهذا، ما حرص عليه المشرع الدستوري المغربي في دستور 2011، حيث ارتقى بآلية القضاء الدستوري، وتم ربطها  بأهم آلية إجرائية لحماية الحقوق والحريات الدستورية، التي تفتح المجال أمام الأفراد للولوج إلى القضاء الدستوري، دفاعا عن حقوقهم وحرياتهم، ونعني هنا نموذج “المحكمة الدستورية”.

      فإذا كانت مختلف التجارب الدستورية التي عرفها المغرب قبل دستور2011[56] ، قد اقترنت بتضمين دستوري ثابت حافظت فيه بنية هذه الحقوق والحريات على استقرارها النصي، من خلال إدراجها ضمن الأحكام العامة في الدستور، مع بعض التعديلات التي مست شكلها[57]وجوهرها[58]، وسايرت من خلال ذلك، نموذج الدسترة الفرنسي[59]،  فإن دستور 2011 سيحدث  نقلة بنيوية نوعية في مجال دسترة الحقوق والحريات عبر “لائحة مكتملة ومفصلة للحقوق الأساسية”، حيث أحدث بابا خاصا ب”الحريات والحقوق الأساسية”[60]، تضمن مجموعة الحقوق[61] والحريات[62] الجديدة، بأنواعها المتعددة: المدنية، السياسية، الاجتماعية، الثقافية والبيئية[63]، وجعل منها ثابتا دستوريا لا يمكن أن تشمله مراجعة الدستور[64].

كما تضمن كل فصل من الفصول الثمانية عشر[65]  من هذا الباب، حقا أو اثنين من الحقوق والحريات، على الأقل، وفي حالات أخرى عشرة حقوق[66]. وكما ارتبط مجال الحقوق والحريات بفصول أخرى من هذا الدستور كما هو الشأن بالنسبة لحقوق المتقاضين[67].

وكما اتجه الدستور المغربي لسنة 2011، نحو التنصيص على ميثاق “للحريات والحقوق الأساسية”[68]، يشمل مختلف المجالات الحقوقية، الخاصة منها والعامة. وكما تم بالموازاة مع ذلك، الانتقال من المجلس الدستوري إلى نموذج خاص، اتسم في التجارب المقارنة بدوره الحقوقي الفعال، من خلال تسمية خاصة هي “المحكمة الدستورية”، وتم ربط هذا النموذج القضائي  بأهم آلية إجرائية لحماية الحقوق والحريات الدستورية، التي تفتح المجال أمام الأفراد للولوج إلى القضاء الدستوري دفاعا عن حقوقهم وحرياتهم.

          و عرفت اللائحة الدستورية “المدعمة”[69] حضورا خاصا في العديد من التجارب الدستورية، حيث تعد بمثابة الوجه البارز لدسترة الحقوق والحريات، ويتأتى من خلال تضمينها في أبواب خاصة تندرج في صلب الدستور من خلال صيغ متعددة، فقد تقترن تسميتها ب“الحقوق الأساسية”أو “الحقوق والواجبات الأساسية”[70]  أو”حقوق المواطنين وواجباتهم”[71].

ويتم التنصيص الدستوري اللائحي بشموليته حيث يحدد بشكل تفصيلي، مجموعة من الحقوق والحريات المتنوعة في المقتضيات الأولى من الدستور أو مباشرة بعد مبادئه العامة، أو حتى في الفصول الأخيرة منه، كما هو الشأن بالنسبة للدستور الإيرلندي[72]، إذ يقترن “بتحديد مباشر للحقوق والحريات”[73]. كما يتفرد بخصوصية إجرائية، حيث تخضع مسطرة تعديل هذه الحقوق والحريات لإجراءات دستورية معقدة، كما تتجه بعض الدساتير إلى منع تعديل هذه الحقوق[74].

وبذلك، فهذا التعدد في أنماط دسترة الحقوق والحريات في التجارب الدستورية المقارنة، يرتبط أساسا بالتقاليد القانونية للدولة. حيث تعكس وضعية هذه الحريات في الدستور تاريخها، وتعد بمثابة “مرآة مخلصة”[75] لتطورها الدستوري. إذ ستعمل، في هذا السياق، العديد من الدساتير العربية[76] ومنها المغرب، على استلهام نماذج التنميط الحقوقي في دساتيرها.

 المطلب الثاني: مرتكزات القاضي الدستوري في حماية الحقوق والحريات الأساسية.

يستمد القضاء الدستوري شرعيته من نبل المهمة التي ينهض بها، وهي حماية سمو القواعد المعيارية، حيث يسهر على ضمان سمو أحكام الدستور، ويمثل بذلك الضمانة القضائية الأساسية والأكثر فعالية لحماية تلك الأحكام، وذلك، بالنظر إلى الاختصاصات الدستورية المسندة إليه، لحماية التوازن المؤسساتي في الدولة، وصيانة حقوق الأفراد وحرياتهم.

ويرجع التأصيل الفقهي لمبدأ القضاء الدستوري، إلى محددين أساسيين، يرتبط الأول بالعمل الاجتهادي للمحكمة الفيدرالية العليا في أمريكا، من خلال سابقة “ماربوري ضد ماديسون”، وذلك برغم عدم وجود مقتضى في الدستوري الأمريكي[77]، ينص على الرقابة الدستورية، فيما يرتبط المحدد الثاني بالإسهامات النظرية للفقيه النمساوي “هانس كلسن”.

وسنحاول في هذا الفرع، أن نسلط الضوء على الاختصاص الأصلي للقضاء الدستوري في ضمان سمو الدستور (الفقرة الأولى)، فيما سنعمل بعده على إبراز إشكالية السمو في النسق الدستوري والقانوني المغربي (الفقرة الثانية).

 

        الفقرة الأولى: اختصاص القضاء الدستوري في ضمان سمو الدستور.

لئن كان مبدأ سمو الدستور هو الأساس المنشئ لنظام القضاء الدستوري[78]، فإن حماية هذا السمو منوطة بالقضاء الدستوري، حيث يضطلع بوظيفة حامي الدستور، بضمان سمو قواعده المعيارية، إزاء مختلف فئات القانون.

وفي سبيل تحقيق هذه الغاية المنوطة بالقضاء الدستوري، عهدت الدساتير المقارنة له، باختصاصات واسعة لمراقبة دستورية القوانين بمختلف أصنافها.

  البند الأول: القضاء الدستوري كنتيجة لسمو الدستور

يعتبر مبدأ سمو الدستور من الخصائص الأساسية التي تقوم عليها الأنظمة الدستورية المعاصرة، ومن المقومات الجوهرية لبناء دولة القانون، إذ يرتكز نظام العدالة الدستورية في مختلف التجارب المقارنة على مبدإ أساسي يرتبط بسمو القواعد الدستورية، حيث يشكل هذا المبدأ المنطلق التأسيسي لأجهزة القضاء الدستوري وبناء هياكلها، والمرجع التأصيلي لتحديد اختصاصاتها.

ويعد مبدا الرقابة على دستورية القوانين[79]، من أهم النتائج المترتبة عن السمو الشكلي للدستور، لأنه يوفر ضمانة أكيدة لاحترام أحكام الدستور من محاولات انتهاك أحكامه، خاصة من جانب السلطة التشريعية، وفي غياب هذا المبدأ يغدو الدستور محض قاعدة سياسية معرضة للخرق، وهذا ما كرسته المحكمة الفدرالية العليا في الولايات المتحدة الأمريكية، بإقرار حقها وحق جميع محاكم الولايات الأمريكية ، في مراقبة دستورية القوانين، وذلك حتى في غياب نص صريح في الدستور الاتحادي، يخول للمحاكم الأمريكية هذا الحق، وذلك من منطلق أن سلطة القضاء في الامتناع عن تطبيق المخالف للدستور، لا تتطلب حسب رأي الفقيه الأمريكي (جون بروييس)، نصا وضعيا مكتوبا، وإنما تنبع من المبادئ العامة للقانون، طالما يوجد دستور جامد، ومحاكم مستقلة مكلفة بأن تقول كلمة القانون[80] .

ويقوم مبدأ سمو الدستور على أساس مبدأ تدرج القواعد القانونية التي تأخذ أشكالا متعددة[81]، فهناك تدرج منظم وتدرج عفوي[82]، تدرج شكلي وموضوعي، تدرج منطقي ومعياري[83]، ويعود أصل هذا التنوع في العلاقات القانونية إلى طبيعة النظام القانوني نفسه، فهو نظام “لايقوم على قواعد قانونية متساوية من حيث مكانتها، بل يعتبر بمثابة بناء يتكون من عدة طوابق، وفق تراتبية خاصة، و والتي تتشكل من قواعد قانونية من طوابق متعددة”[84]. ويؤدي هذا البناء في مجمله، إلى القاعدة القانونية التي تتربع في قمة هرمه “القانون الأساسي”[85]، حيث تخضع له جميع القواعد القانونية الأخرى، الموجودة في هذا النظام القانوني[86].

البند الثاني: القضاء الدستوري كضمانة لحماية الحقوق والحريات.

      يشكل القضاء الدستوري إحدى أهم ركائز بناء دولة القانون، وضمانة أساسية لحماية الحقوق والحريات، حيث يضطلع بدور مهم في تأمين الحماية اللازمة لحقوق الأفراد وحرياتهم، سواء على مستوى حماية وضمان ممارستها، أو على مستوى تطوير معنى ونطاق هذه الحقوق والحريات، حتى إن تعزيز القضاء الدستوري لحقوق الإنسان ودعمه جعلت منه أحد الظواهر الملحوظة في القانون الدستوري المعاصر، فيما اعتبر بعض الفقه، أن القضاء الدستوري  حول الوثيقة الدستورية إلى وثيقة مفتوحة في وجه الخلق والانفتاح المستمر على الحقوق والحريات[87].

يتحقق للدستور السمو على غيره من القواعد القانونية، بالنظر إلى موضوع النصوص الدستورية ومضمونها، فالقواعد الدستورية تمثل الدعائم التي يرتكز عليها أساس بنيان الدولة، ونظام الحكم فيها، وعن طريقها تتحدد الأيديولوجية السياسية ، الاقتصادية، الإجتماعية والعقائدية في الدولة، ومن ثم فإن جميع القواعد القانونية يجب أن تنسجم مع الدستور وأن تتوافق معه ولا تخالفه، فالقواعد الدستورية هي التي تحدد السلطات العامة في الدولة، والعلاقة بينها وبين إختصاص كل سلطة،  وتحديد علاقة الأفراد بالسلطة، وما ينشأ عن ذلك من حقوق وواجبات، ومثل هذه القواعد يجب أن تكون لها الصدارة والعلو على بقية القواعد الأخرى، ويجب على القواعد الأخرى احترامها والإلتزام بها.

وهذه السيادة الموضوعية لقواعد الدستور على ما عداها من القواعد القانونية لها وجهان:

 الوجه الأول: أن الدستور هو الذي يحدد فكرة أوفلسفة القانون الرسمية، التي يقوم عليها النظام السياسي للدولة، فقواعد الدستور هي التي تحدد الاتجاهات السياسية، الاجتماعية،  الاقتصادية و العامة، التي يجب أن تعيش في ظل جميع أوجه النشاط الفردي والحكومي على السواء[88].

الوجه الثاني: الدستور هو الذي يحدد ويعين الهيئات والأشخاص الذين يكون لهم الحق في ممارسة السلطة في الدولة، وهو في هذا الصدد لا يحدد أشخاصا بذاتهم بل بشروط معينة،وأوصاف تنطبق عليهم، وهم في ذلك لا يمارسون حقا ذاتيا، بل اختصاصا وظيفيا محددا، مع ما يترتب على ذلك من نتائج نعرض لها كالتالي:

1 – تأكيد وتدعيم مبدأ المشروعية واتساع نطاقه الذي بمقتضاه يخضع كل من الحاكم والمحكوم عليه لحكم القانون، ومن ثم يجب على السلطات أوالهيئات الحاكمة أن تلتزم عند مباشرتها لاختصاصاتها ليس فقط باحترام القواعد القانونية الصادرة عن السلطة التشريعية، وإنما أيضا باحترام القواعد الدستورية التي أوجدتها وبينت اختصاصاتها، وإلا فقدت صفتها الشرعية في الوجود، وتجردت أعمالها بالتالي من كل قيمة قانونية[89].

2 – يترتب على أن الدستور هو القانون الأساسي للدولة ومصدر جميع السلطات الحاكمة فيها، وأن هذه السلطات لا تباشر حقا ذاتيا في الحكم، وإنما تمارس وظيفة دستورية حددتها لها السلطة التأسيسية وبينت شروطها وحدودها ومداها.

ولذا فإن سمو الدستور يمنع من إمكان التفويض في الاختصاص، فلا يجوز لإحدى الهيئات الحاكمة، أن تفوض هيئة أخرى في ممارسة كل أو بعض اختصاصاتها المحددة في الدستور، فالحكام لا يباشرون حقا ذاتيا في السلطة وإنما هم مجرد مكلفين بممارسة وظائف دستورية معينة، فلا لهم أن يفوضوا غيرهم فيه، دون إذن صريح من الدستور[90].

غير أنه يجب التنبيه إلى أن هاتين النتيجتين المترتبتين على مبدأ السمو الموضوعي للدستور، ليس لهما آثار عملية ما لم يتم تنظيم الرقابة على دستورية القوانين، من أجل إبطال كل ما يصدر من قوانين مخالفة لأحكام الدستور.

ولا يمكن تنظيم هذه الرقابة ما لم يتحقق للدستور السمو من الناحية الشكلية، بمعنى أن السمو الموضوعي، ليس له في الواقع إلا مظهر سياسي محض، يتمثل فيما تؤدي إليه مخالفة نصوص الدستور من رد فعل سياسي أو اجتماعي، لكن هذا السمو الموضوعي لايكون له أثر قانوني ما لم يصاحبه تقرير السموالشكلي للدستور.

وبالنظر للأهمية التي تكتسيها الموضوعات التي يتضمنها الدستور، والمتصلة بنظام الحكم في الدولة، وبحقوق الأفراد وحريات المواطنين، يصبح لزاما على جميع السلطات في الدولة أن تعمل في إطار مقتضيات الدستور، وتتقيد بأحكامه، وألا تخرج عن نطاقه[91].

وبالرغم من أهمية سمو الدستور من الناحية الموضوعية، فإن نصوصه، تظل بدون حماية قانونية ملزمة ومقيدة للسلطات العامة، طالما أنه يمكن –في ظل الدساتير المرنة- تعديلها بنفس إجراءات تعديل القوانين العادية، مما قد يعرض الحقوق والحريات المضمنة في ثناه للانتهاك، ولعل هذا ما جعل بعض الفقه يضفي على هذا السمو قيمة سياسية بحتة، يتوقف أمر حماية نصوصه على وعي المحكومين إزاء انتهاك مقتضياته[92]، ومن هنا تبرز أهداف المفاضلة التي يقيمها الفقه الدستوري بين السمو الموضوعي والسمو الشكلي، فإذا كان الأول لا يضمن حماية قانونية وملزمة لنصوص الدستور، فإن السمو الشكلي –الذي لا يمكن تصوره إلا في إطار الدساتير الجامدة – يقف حاجزا بوجه السلطة التشريعية إذا ما سولت لها نفسها سن قواعد تخرج عن إطاره.

البند الثالث: أولوية المعيار الشكلي في ضمان سموالدستور.

يميز الفقه الدستوري في دراسته للدساتير بين السمو الموضوعي والسمو الشكلي[93]، فلئن كان الأول يتحقق وجوده في ظل جميع أنماط الدساتير، سواء كانت دساتير مكتوبة أم عرفية ، مرنة أم جامدة، محددا في مضمون وهدف القاعدة الدستورية، التي تتربع على هرم القواعد المعيارية في النظام القانوني للدولة، بحيث تشكل العمود الفقري لأي نشاط في الدولة والمصدر الأساس لمشروعية السلطات العامة.

ويستمد الدستور سموه الموضوعي من طبيعة الموضوع، والتي تتميز بأهميتها لجهة بناء الدولة، وتأسيس النظام القانوني فيها، إذ يختص الدستور، بتحديد شكل نظام الحكم في الدولة، وإنشاء السلطات العامة، وتعيين المبادئ التي تحكم تشكيلها واختصاصاتها، وعلاقاتها فيما بينها، فضلا عن احتواء الدستور على حقوق وحريات الأفراد والضمانات التي تكفلها[94].

وبخلاف السمو الموضوعي، فإن السمو الشكلي، يراد به عند إطلاقه، تحديد مرتبة القاعدة القانونية وقوتها، ليس على أساس موضوعها ومادتها كما في المعيار الموضوعي، بل تبعا للسلطة أو الجهة التي تصدرها، والاجراءات المتبعة في  إصدارها وتعديلها.

وفي الغالب، تضع السلطة التأسيسية الأصلية التي تضع الدستور الجامد، شروطا وإجراءات لتعديل نصوصه، تختلف عن تلك المتبعة في وضع وتعديل التشريع العادي، ومن هنا يكتسب السمو الشكلي للدستور، الطابع القانوني الملزم، كما يسري على جميع القواعد التي يتضمنها الدستور، وذلك بغض النظر عن مضمون وهدف هذه القواعد، لذا فإن السمو الشكلي يتحقق فقط في إطار الدستور الجامد[95].

ويترتب عن السمو الشكلي[96] جملة من النتائج الأولية[97]، منها على سبيل المثال:

    أولا: ثبات القوانين الدستورية بالنسبة للقوانين العادية:

ومؤداها أن تعديل أحكام القواعد الدستورية واستبدالها بنصوص أخرى، يتطلب شروطا وإجراءات خاصة، محددة في الوثيقة الدستورية، وذلك بخلاف القوانين العادية التي يسهل تعديلها في جميع الأحوال، أو إستبدال نصوصها بنصوص أخرى.

غير أن ثبات هذه القواعد، ليس بمطلق، حتى لا تتخلف هذه القواعد عن مواكبة المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ذلك أن الثبات المطلق للدستور، يتعارض مع مبدأ سيادة الأمة وحقها الدائم في تعديل نصوص وأحكام هذا الدستور، باعتبارها مصدر السلطات وصاحبة السيادة في المجتمع.

ثانيا: القانون الدستوري لا يلغى ولا يعدل إلا بقانون دستوري آخر:

        وهذا مقتضى منطقي وبديهي، نظرا لسمو وعلو الدستور على بقية القواعد القانونية السائدة في المجتمع، فالقانون الدستوري لا يعدل ولا يلغى إلا بقانون دستوري آخر، معادل ومساو له في الطبيعة والمرتبة، وهو ما يفيد أن القانون العادي لا يستطيع أن يعدل القانون الدستوري، لأنه أقل مرتبة من القانون الأساسي.

 ثالثا: ضرورة انسجام القوانين العادية مع أحكام الدستور:

ويفيد هذا المقتضى، اندراج جميع القوانين في نطاق أحكام التشريع الدستوري، ولا يجوز إصدار تشريعات تخالف هذه الأحكام، حتى لا يترتب عن هذا الوضع، المساس بحقوق الأفراد وواجباتهم، والحيلولة دون خروج السلطة التشريعية، عن دائرة اختصاصها  المحددة بمقتضى الوثيقة الدستورية.

وفي كل الأحوال، سواء تعلق الأمر بالسمو الموضوعي أو الشكلي، فإن الاختلاف بينهما لا يظهر جليا، إلا عندما يرتب المشرع جزاءا قانونيا، على خروج المشرع العادي على أحكام الدستور، وهو ما يتحقق عبر آلية الرقابة على دستورية القوانين، فهذه الأخيرة هي ما يحفظ للدستور سموه، وهي لا تتحقق إلا في إطار الدستور الجامد.

  الفقرة الثانية: إشكالية السمو في النسق الدستوري والقانوني المغربي

لئن كان سمو الدستور من المبادئ التأسيسية المسلم بها في الفقه الدستوري المعاصر، فإن تنزيله  في بعض الدول، قد طرح إشكالات فقهية وقانونية، ليس من باب التشكيك في أساسيته، ولكن في إطار البحث عن العوامل المؤثرة في سموه، حيث حضر هذا النقاش -في بلادنا- في سياق دستوري سياسي[98]، ارتبط فيه هذا المبدأ بخصوصية النظام السياسي المغربي[99]، وطبيعته الدستورية الخاصة[100].

 

البند الأول: مظاهر السمو في النسق الدستوري المغربي.

         يرى بعض الفقه المغربي[101]، أن سمو الدستور في السياق المغربي، يثير جملة من الإشكاليات المرتبطة بالدستور، إذ ينتصب هذا السمو،  مقابل سمو المؤسسة الملكية، التي يناط بها سلطة “تطبيق كل القواعد العليا”[102]، وهو ما يطرح صعوبة في الموازنة بين علو الدستور وسمو مهام الملك واختصاصاته، بالنظر إلى الطبيعة التقليدانية للنظام الدستوري المغربي[103].

غير أن جانبا آخر من الفقه، يرى أن هذا الرأي، وإن كان يقوم على أسس واقعية، فإن ربط علو الدستور بسمو مؤسسة، تم تكريسه في صلب وثيقة دستورية، سواء من حيث التنصيص على اختصاصات الملك الدستوري وقدسيته، وعلاقته بالحكومة والبرلمان،أو من خلال دسترة حكم أمير المؤمنين في قلب الهندسة الدستورية[104]، يقلل من القيمة الموضوعية لهذا الرأي، ذلك أن الدستور هو الذي يسمو بمكانة الملك به، حيث تقترن به اختصاصاته ويتمتع بكامل سموه[105].

كما يرتبط أصل سمو الدستور ببعد معياري، يقوم على أساس تسلسلي بين “درجات” القواعد القانونية، وليس في إطار تدرج مؤسساتي، حيث تندرج اختصاصات مؤسسات الدولة في صلب هذا السمو. فعلوه لا يأخذ بعدا تنافسيا لا من جهة تراتبية القواعد القانونية، ولا من جهة المؤسسات الدستورية، بل يتسم بخصوصية تأصيلية، تتأسس على قوامها، مكانة هذه المؤسسات، وتتقوى من خلاله ممارستها.

ففي غياب سمو القاعدة الدستورية، تضعف المكانة الدستورية لمؤسسات الدولة، حيث سيتدعم هذا الطرح دستوريا[106] واجتهاديا [107]ومن خلال بعض الخطب الملكية التأسيسة[108].

البند الثاني: النظام الدستوري والقانوني المغربي وتكريس المؤسسة الملكية

      شكل موضوع الإصلاحات الدستورية والسياسية، جوهر القضايا والموضوعات المطروحة على الساحة السياسية المغربية منذ السنوات الأولى للاستقلال، حيث ساهم في بروز جدل سياسي بين خيارين: الأول تتزعمه المؤسسة الملكية، ويؤكد على ضرورة وجود ملكية حاكمة بالمغرب، تستلهم أسس حكمها من الدين والخصوصية التاريخية، والثاني تقوده أحزاب الكتلة الديمقراطية[109] التي تطالب بضرورة إقامة ملكية دستورية تكون فيها السلط مستقلة عن بعضها البعض بشكل ديمقراطي، يضمن التوازن المؤسساتي ويؤهل المغرب لولوج مرحلة الانتقال الديمقراطي.

        إذا كان يقصد بسمو الدستور أن النظام القانوني للدولة بأكمله يكون محكوما بالقواعد الدستورية ، وكل سلطة لا يمكن أن تمارس إلا السلطة التي خولها إياها الدستور وبالحدود التي رسمها[110]، فإن  التقليد السياسي في النظام المغربي، كرس استئثار الملك بوضع الدستور عن طريق لجان ملكية يعينها بنفسه، حيث أن تعديل ومراجعة الدستور بنص دستوري، يبقى حكرا على الملك، فالفصل 49 من دستور 2011، منح المجلس الوزاري الذي يترأسه الملك، حق التداول في مشاريع مراجعة الدستور، كما منح الفصل 44 منه، مجلس الوصاية حق ممارسة اختصاصات العرش وحقوقه الدستورية، باستثناء منها ما يتعلق بمراجعة الدستور، فهي من اختصاص وريث العرش، بعد بلوغه سن الرشد.

وإذا رجعنا إلى النص الدستوري، فإن الساهر على احترام الدستور، وصيانة الخيار الديمقراطي، هو الملك، الذي يعتبر الممثل الأسمى للدولة والحكم الأسمى بين المؤسسات، وهذا ما يدعوا إلى التساؤل عن المخاطب أو المعني باحترام الدستور، هل المؤسسة الملكية وهي التي تسمو فوق كل الفاعلين، وهي التي خول إليها السهر على احترام الدستور من طرف باقي الفاعلين[111].

وفي هذا السياق  تعددت القراءات بشأن سمو المؤسسة الملكية، فثمة من اعتبر الفصل 19 في التجارب الدستورية السابقة[112]، مرجعا قانونيا معززا لسمو المؤسسة الملكية، على باقي المؤسسات الدستوري ، ومنه، فإن سمو المؤسسة الملكية، تجعل منها فاعلا رئيسيا ومحوريا في النظام السياسي  المغربي[113]، وهذا يذكرنا بآراء سابقة دافعت عن سمو المؤسسة الملكية وأكدت أحقيتها في وضع الدستور[114]، وهو ما حدا ببعض الفاعلين السياسيين والأكاديميين، إلى تأكيد سمو المؤسسة الملكية، وأحقيتها في وضع الدستور.

و ذهب الأستاذ ميشيل كيبال إلى التأكيد على أن “السمو الدستوري، ميال إلى الاختلاط مع سمو السلطة الملكية”، لكنه بمقابل  ذلك فهو فوق السلطات الأخرى، لأن الملك مسؤول عن المؤسسات، وفي هذا السياق فإن حجية قرارات القضاء الدستوري اتجاه الملك، لا يمكنها أن تتحقق، إلا إذا كان الملك سلطة إدارية أو قضائية، على نفس نسق السلطات الدستورية الأخرى،  وهذا ما يفيد أن القضاء الدستوري كما قال الملك الراحل الحسن الثاني في إحدى خطاباته: “يوضع فوق باقي السلطات أو يرتفع للسلطة الممتازة”، منافس للملك، لكن الحقيقة هي أن سلطته تحت المؤسسة الملكية، وفوق السلطات الأخرى[115].

وضمن هذا السياق، يمكن اعتبار القضاء الدستوري “نفوذا ملكيا”، عن طريق  نوابه المباشرين، وهم القضاة الدستوريون، الذين يتم تعيينهم بظهير شريف، كما يؤدون اليمين بين يدي جلالته، مباشرة بعد تعيينهم وقبل مباشرة مهامهم، زد على ذلك، فإن الأحكام تصدر باسم جلالة الملك وتنفذ بأمره[116].

وبالرغم من محاولة دستور 2011، تفكيك الفصل 19 السالف الذكر، وتوزيع مضمونه على فصلين أساسيين، هما الفصل 41[117] والفصل 42[118]، فإن السؤال يظل مطروحا، حول جدوى هذا التفكيك، خاصة على المستوى السياسي، وهل سيسير في اتجاه التخفيف من الحضور الديني للمؤسسة الملكية في السياسة[119]؟

إن تحقيق التحول الديمقراطي المنشود، لا يتوقف عند إدخال بعض الإصلاحات على النص الدستوري، بل لابد من استكمال بناء الصرح الدستوري، وتحقيق توازن مرن بين السلطات (المؤسسة للملكية، السلطة التنفيذية، السلطة التشريعية…). وعلى مستوى الوثيقة الدستورية نفسها.

  البند الثالث: صعوبة الموازنة بين سمو الدستور وسمو مهام الملك واختصاصاته

      ظل الملك في ظل الدساتير السابقة يتمتع بوضع السمو على الدستور، سواء تعلق الأمر بوصفه أميرا للمؤمنين، أو استنادا لما خوله الدستور من مهام سيادية ضمانية تحكيمية تمارس خارج كل تحديد دستوري، مما يجعلها هي الأخرى تكرس سموا على الدستور.

فالملك يسمو على الدستور حتى وإن ” تم تفكيك  الارتباط بين حقلي إمارة المؤمنين والملك الدستوري، طالما أن هذا الأخير يتمتع بممارسة مهام سيادية ضمانية تحكيمية، خارج ما حدد له دستوريا بنص صريح، حتى ولم تستند هذه الممارسة لحقل إمارة المؤمنين،  وبلغة اخرى فإن الملك رئيس الدولة يسمو على الدستور، سواء عضد أو لم يعضد من طرف الملك أمير المؤمنين”[120].

وكما تجسدت استمرارية سمو المؤسسة الملكية اتجاه باقي السلط، من خلال سلط الملك كرئيس للدولة، وعلاقاته بباقي السلط، وتراكم العديد من الرئاسيات لديه، فلأول مرة في التجربة الدستورية المغربية، ينص الدستور صراحة على صفة الملك كرئيس  للدولة[121]، قبل ذلك كان على الباحثين التمييز بين صلاحيات وسلط الملك كأمير للمؤمنين وبين صلاحياته وسلطه “كملك دستوري”[122].

وتقدم الهندسة الدستورية فصلا بين مكانة الملك كرئيس للدولة بصلاحيات ومهام سيادية وضمانية وتحكيمية، في مقابل مكانته كأمير للمؤمنين بصلاحياته الدينية الحصرية، وقد اعتبر الخطاب الملكي ل17 يونيو 2011 هذاالتقسيم، من معالم فصل السلط وتوضيح صلاحياتها[123].

وبالعودة إلى الفصل 42 من دستور المملكة، تتبين لنا مجموعة من الصفات كامتداد عضوي لصفة الملك الأصلية كرئيس للدولة[124]، حيث نجد: الممثل الأسمى للدولة[125]،  بين المؤسسات، رمز وحدة الأمة، ضامن دوام الدولة واستمرارها، الحكم الأسمى بين المؤسسات، ضامن استقلال البلاد، وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة[126] .

هذا الوضع المؤسسي هو الذي يسمح للملك بصلاحيات السهر على احترام الدستور وحسن سير المؤسسات الدستورية[127]، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة[128].

وإذا كانت صفة الممثل الأسمى للدولة قد عوضت صفة الممثل الأسمى للأمة، التي أدخلت على الفصل 19 انطلاقا من دستور 1970، فإن صفة الحكم الأسمى بين مؤسسات الدولة، شأنها في ذلك شأن صلاحية السهر على احترام الدستور وصيانة الاختيار الديمقراطي، تعتبر من الصلاحيات الجديدة[129] التي جاء بها دستور 2011.

فبصفته الدستورية كرئيس دولة، فإن اختصاصات الملك[130]، تشمل عددا هاما من الميادين[131].

إن هذه الاختصاصات تجعل من الملك كرئيس للدولة[132]، يتدخل في مجالات متعددة[133]، تضم كل السلط: الشتريعية، التنفيذية والقضائية[134]، وفي نفس الوقت تؤشر إلى نوع من إعادة الانتشار لصلاحيات المؤسسة الملكية[135]، حول مهام ذات طبيعة استراتيجية، توجيهية، ضمانية وتحكيمية[136].

 

 أحمد بوز: القانون الدستوري لحقوق الإنسان، دراسة في الحمايية الدستورية للحقوق والحريات في المغرب، والتجارب المقارنة، ط1، 2020، ص: 3.[1]

 – وإذا كان الدور الحقوقي للقاضي الدستوري ينطلق من مرجعية دستورية خالصة تتأسس على نوعية اختصاصاته، فإن هذا الدستور لا [2]

يسند “الاختصاص” الحقوقي إلى جهاز العدالة الدستورية بشكل صريح ومباشر، وتقف هنا مؤسسة القضاء الدستوري كأحد المؤسسات الجوهرية والضرورية لضمان حماية الحقوق والحريات الأساسية في معظم البلدان الديمقراطية، إلى درجة أدت بالعديد من الفقهاء إلى اعتبار القضاء الدستوري قد خلق من أجل حماية هذه الحقوق والحريات، والحديث عن هذه الحماية التي يمارسها القضاء الدستوري، لا يمكن الفصل فيما بينها وبين الأسس والمبادئ التي تعطي له شرعية القيام بها. ولأجله فإن الضمانات الدستورية للحقوق والحريات، تشكل ركيزة أساسية للقضاء من أجل ممارسة دوره الحمائي لها، وهي تشكل بذلك مرجعية لتقرير شرعية النظام القانوني، فبدون اعتراف دستوري بهذه الحقوق، لا يمكن للقضاء الدستوري أن ينطلق من تلقاء نفسه في تكريس هذه الحماية. للمزيد يرجى مراجعة:

– Daniel LOCHAK, le conseil constitutionnel Gardien des libertés, revue pouvoirs n° 13, 1993

 – يحتل موضوع  الحقوق والحريات الأساسية، مكانة مهمة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، و مؤشرا مهما  لقياس مدى ديمقراطية أي [3]

دولة، بشكل أصبح معه احترام ممارسة هذه الحقوق وكفالتها من بين التحديات الأساسية لبناء دولة الحق والقانون، وهو ما دفع أغلب الدساتير العالمية إلى تحديد الحقوق والحريات الأساسية والتنصيص عليها، كأحد الضمانات الأساسية لتفادي انتهاكها، إلا أن هذه الضمانات الدستورية وحدها أصبحت غير كافية، مما استدعى ضمان الضمانة الدستورية، وذلك عن طريق إحداث جهاز خاص، يتصدى لأي انتهاك لها، ممثلا في القضاء الدستوري. ويعد القضاء الدستوري من أهم الضمانات القضائية الكفيلة بحماية الحقوق والحريات الأساسية، حيث يعمل على توظيف الاختصاصات الدستورية المسندة إليه في ممارسة بعض الوظائف الحقوقية من خلال إنتاجاته الاجتهادية. للمزيد انظر:

– Louis FAVOREAU, « propos d’un néo constitutionaliste », in : « le constitutionalisme aujourd’hui », Economica, Paris, 1984, P. 23.

 يرتبط المعنى الاصطلاحي للدستورانية، بشكل أساس بالحقوق والحريات الأساسية وبعلوية الدستور في النظام القانوني، حيث أضحت بمثابة الحارس الفعلي لاحترام سمو [4]

الدستور وحماية هذه الحقوق والحريات الأساسية. وقد أخذت الدستورانية معاني متعددة، فسياسيا تعني أن القانون الأساسي للدولة ما هو إلا نتاج لعقد اجتماعي بين مختلف مكونات المجتمع. كما أصبحت بمثابة حركة دستورية ظهرت مع بداية القرن العشرين وعرفت نهضة بعد الحرب العالمية الثانية، وبدأت تعنى بتطوير النظريات الدستورية، واتجهت صوب التركيز على مجال الحقوق والحريات وضمانات حمايتها.

[5] DOMINIQU rousseau, la justice Constitutionnelle En Europe, Collection  Clefs, Edition PUF, 1990, p : 17.

[6] Philippe ARDANT, les constitutions et les libertés, revue POUVOIR, n° 84, seuil, Paris, 1988, P.23.

[7] Louis FAVOREAU, « propos d’un néo constitutionaliste », in : « le constitutionalisme aujourd’hui », Economica, Paris, 1984, P. 23.

[8] Hans KELSEN, la garantie juridictionnelle de la constitution : la justice constitutionnelle, op. cit, p. 226.

 أحمد بوز: مرجع سابق، ص: 12.[9]

[10] Etienne PICARD, l’émergence des droits fondamentaux  en France, op.cit.p9.

[11] Jacques ROBERT, le juge constitutionnel, juge des libertés, op. cit. , pp.116-117.

 نفسه.[12]

، لكن إطلاقها بصورة فاعلة يعود الفضل فيه  ترجع أبوة عبارة الكتلة الدستورية التي صيغت على نسق الكتلة الشرعية للقانون الإداري إلى الفقيه الفرنسي “كلود إيميري”[13]

للعلامة “لويس فافورو”.

– انظر: أمين عاطف صليبا، مرجع سابق، ص: 241

استعمل الفقه عبارة “كتلة الدستورية”، التي تعد ابتكارا فقهيا محضا، وأول من أطلق عليها هذا الاصطلاح، هو الفقيه الفرنسي كلود إيميري، ومن بعده العميد لويس[14]

فافورو الذي يعود إليه الفضل في إطلاقها بصورة فعالة من حيث تبيان مفهومها وما تضمنه من مكونات ، ، وكان أغلب الكتاب يرجعون هذا المفهوم إلى اكتشاف “لويس فافورو”، من خلال تقديمه لمقالات “أيزنمان”، لكن في الحقيقة فقد كان “إيميري كلاود”، هو من استعمله لأول مرة عام 1970، عندما أكد بأن المجلس الدستوري أقام كتلة دستورية، فعليه أثناء تعليقه على قرار المجلس الدستوري الصادر في 1969 بشأن نظام الجمعية الوطنية، لكن تعليقه هذا، جاء في سياق مناقشة القيمة القانونية لديباجة دستور 1958، التي اعتبرها “ريموند جانو” لا تحتوي على أي قيمة دستورية، بعلة أن القول بذلك يؤدي إلى السير في طريق حكومة القضاة، بخلاف ” كلاود إيميري” الذي ذهب إلى القول بأنه من المنطقي أن تعد مقدمة الدستور من القواعد الأساسية المشكلة لما يسمى ب”الكتلة الدستورية”.

إلا أن أغلب الفقهاء، يعتبرون بأن العميد “فافورو”، هو من استعمل عبارة الكتلة الدستورية بشكل جيد، بعدما صممها انطلاقا من مفهوم “كتلة المشروعية”، التي استلهمت إلى حد كبير فكر “شارل إيزنمان”، بالرغم من توظيفها بشكل قبلي .

وهكذا تبنى العميد مفهوم الكتلة الدستورية المجازي بعدما أصدر المجلس الدستوري الفرنسي ثلاثة قرارات أكدت بأن المبادئ والقواعد الدستورية لا توجد فقط في مواد الدستور، وهو الأمر الذي أدى به إلى أن يطور هذا المفهوم ليتحول إلى نظرية لها أبعاد وآثار في مجال القانون الدستوري، كما أن أغلب الفقه لم يساير القول الذي اختزل الكتلة الدستورية في النصوص التي تشكل مضمون الدستور والمتسمة بالعمومية والاقتضاب، والتي تبقى عاجزة عن تأمين الحماية اللازمة للحريات والحقوق، لأجل ذلك دأب الفقه وعلى رأسهم جورج فيديل  نحو القول بوجود مفهومين لكتلة الدستورية: مفهوم ضيق يقصر كتلة الدستورية على نصوص الدستور، ومفهوم واسع يشمل إلى جانب نصوص الدستور مجموعة من القواعد والمبادئ، التي تعد مرجعا للقاضي الدستوري وتشكل بموجبها هرما دستوريا، مكونا من مجموعة من القواعد ذات الطبيعة الدستورية.

يرجى مراجعة:

– George Vedel, la place de la déclaration de 1789 dans le bloc de constitutionnalité,  in la déclaration des droits de l’homme et du citoyen et la jurisprudence, colloque des 25 et 26 mai 1989  au conseil constitutionnel, paris, PUF, 1989, p 49.

– Jean-Michel Blanquer, bloc de constitutionnalité ou ordre constitutionnel ? in mélanges Jacque Robert : libertés, Paris, Montchrestien, 1998, P228.

– J.Clavière-Schiele, les techniques juridictionnelles du conseil constitutionnel, Mémoire de DES de droit public, Université de paris, 1960, notamment p.81.

[15] Olivier DUHAMEL et Yves  MENY : dictionnaire 1ere édition. P.u.f, paris 1992, p : 87.

[16] Louis FAVOREA , et autres, droit des libertés fondamentales, op. cit, p.120.

 نصت المادة 16 من دستور البرتغال لسنة 1976 والمعدل سنة 2005 على ما يلي: “لا تستبعد الحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور الحقوق الأخرى التي  [17]

يمكن أن يقرها القانون أو القواعد ذات الصلة في القانون الدولي”، مشروع الدساتير المقارنة، موقع سابق، تاريخ الولوج: 20 أبريل 2017، الساعة العاشرة ليلا وعشرين دقيقة.

[18] Dominique ROUSSEAU, « Constitution », in : « Dictionnaire Constitutionnel », sous la direction de : Olivier DUHAMEL et Yves MENY, OP. cit.p.120.

 خلف ظل هشام: الحماية الدستورية للحقوق والحريات، ص: 77.[19]

 احمد النويري، القضاء الدستوري ودوره في حماية الحقوق والحريات، أطروحة لنيل الدكتوراه، كلية الحقوق محمد الأول بوجدة، 2017/2018، ص: 114.[20]

 محمد النويري، دور القانون الدستوري في حمايةالحقوق والحريات الأساسية، دراسة تحليلية مقارنة، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه، جامعة محمد الأول، وجدة، [21]

 أحمد البوز، مرجع سابق، ص: 14-15.[22]

 ظهائر الدساتير التالية: [23]

ظهير شريف بإصدار الأمر بتنفيذ نص دستور في 4 نونبر 1962، ج.ر، عدد: 2616، صادر في 19 دجنبر 1962، ص: 2993.[23]

– ظهير شريف  رقم 1.70.1777 بإصدار الأمر بتنفيذ الدستور الصادر في 31 يوليوز 1970، ج.ر، عدد: 3013، صادر في 1 غشت 1970، ص: 1931.

– ظهير شريف رقم 1.72.061 بتنفيذ الدستور الصادر في 10 مارس 1972، ج.ر، عدد: 3098، صادر في 15 مارس 1972، ص: 627.

– ظهير شريف رقم 1.92.155 بتنفيذ نص مراجعة الدستور الصادر في 9 أكتوبر 1992، الجريدة الرسمية عدد: 41172، صادر في 14 أكتوبر 1992، ص: 1248.

– ظهير شريف 1.96,157 بتنفيذ نص الدستور المراجع الصادر في 7 أكتوبر 1996، جريدة رسمية عدد: 4420، صادر في 10-10-1996، ص: 2248.

 الإعلان العالمي، العهدين المدنيين حقوق المدنية والسياسية، [24]

  شكلت معه بداية التسعينيات منعطفا حاسما للانفراج الحقوقي بالبلاد، حيث سيحمل دستورا 1992 و 1996 مجموعة من المستجدات، جاء على رأسها إدماج قواعد.[25]

ذات أصل اتفاقي في الدستور ، والانتقال من الخصوصية إلى الكونية، لتأتي بعده الوثيقة الدستورية لسنة 2011، والتي أحدثت ثورة حقوقية جديدة بالمغرب، وبعدما صاغت ميثاقا جديدا للحقوق والحريات الأساسية، تعهد من خلالها المغرب بالالتزام بالمواثيق الدولية والتشبت بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا

 نص دستور   ديباجة 1992[26]

 في سياق التحولات الكبرى التي عرفتها حقوق الإنسان في العالم، بادر المغرب منذ أول مشروع للدستور، عرفته البلاد سنة 1908، إلى تحديث[27]

نظامه السياسي، وتزويده بالآليات والضوابط الدستورية، الكفيلة بعقلنة ممارسة السلطة وحماية الحقوق والحريات، باعتبارها المقوم الأساسي لدولة الحق والقانون، إلا أن تعرض المغرب للحماية الفرنسية بدد آمال هذه التجربة الناشئة التي أطلقتها نخبة من المفكرين المغاربة، ليتوقف العمل الدستوري بالمغرب إلى حين استقلاله، حيث بادر إلى دسترة نظامه السياسي سنة 1962[27]، الذي تم التنصيص فيه والاعتراف بعدد من الحقوق والحريات، التي أخذت طابعا تشريعيا وقانونيا، مع التنصيص على مبدأ الرقابة على دستورية القوانين، وإسناد هذه المهمة إلى غرفة دستورية ضمن المجلس الأعلى للقضاء الذي يعتبر هيئة قضائية ذات ولاية عامة.

 تمت من الباحثين من يرجع بهذا السعي والاهتمام بالحقوق والحريات إلى ما قبل الحماية الفرنسية، وتحديدا إلى المشاريع الدستورية، بداية القرن العشرين، التي تناولت [28]

بعض الجوانب المتعلقة بالحقوق والحريات، وخاصة مشروع دستور 1908، الذي تضمن بابا خاصا “الحقوق والواجبات العامة لأبناء الإيالة الشريفة”، بيد أن إجهاض هذه المشاريع وخاصة مشروع الدستور المذكور، بسبب ظروف داخلية، إضافة إلى فرض الحماية، مما جعل هذه المشاريع تبقى معلقة إلى حين نيل المغرب لاستقلاله.

للمزيد: انظر أحمد بوز، مرجع سابق، ص: 115.

 قد تميزت مرحلة نهاية الستينات والسبعينات بأجواء التوتر الاجتماعي والسياسي “أحداث 23 مارس 1965 – أحداث مارس 1973 …”، مما انعكس[29]

على المستوى الحقوقي سواء من خلال مختلف التعديلات التي طالت بعض القوانين كقانون المسطرة الجنائية وظهائر الحريات العامة ، أو من خلال بداية البروز الواضح لبعض الملفات الحساسة ، كالاعتقال السياسي والاختفاء القسري. فعرفت هذه الفترة تراجعا ملحوظا في مجال حقوق الإنسان ، عكس الانطلاقة المشجعة التي أبان عنها النظام في بداية الاستقلال.

فعلى المستوى القانوني ، إذا استثنينا المراجعتين الدستوريتين لسنوات 1970 ، والتي عرفت تراجعا كبيرا ، و 1972 التي تعتبر وسطا بين دستور 1962 و 1970 ، إذ صادق المغرب على العهدين الدوليين المتعلقين بالحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسنة 1966 في مايو 1979.

 دخل المغرب مرحلة جديدة بإقراره لأول دستور بالبلاد سنة 1962، ضمنه أصنافا من الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية ، كما أقر[30]

مبدأ فصل السلط والملكية الدستورية وغيرها من الركائز التي تدعم بناء دولة القانون ، وإن كان لم يأت بجديد في هذا المجال ، بل كرس ما جاء في ظهير الحريات العامة ، مما فسح المجال لمطالبات جديدة لإقرار دولة ديمقراطية اجتماعية.

 انظر الفصل  4 من دستور المملكة المغربية لسنة 1962.[31]

 انظر الفصل 8 من دستور المملكة المغربية لسنة 1962.[32]

 انظر الفصل 9 من دستور المملكة المغربية لسنة 1962.[33]

 عرف المغرب في الفترة التي سبقت ميلاد أول دستور مكتوب بالبلاد، إخراج مجموعة من النصوص المؤطرة للحقوق والحريات، فبمجرد حصوله       [34]

على الاستقلال، اعتبر المغرب إقرار الحقوق والحريات من أهم دعائم إرساء دولة الحق والقانون ، وشهدت السنوات الأولى من الاستقلال “1956 – 1961 ” الإقرار العمومي لمجموعة من الحقوق وذلك في أجواء يطبعها التوافق بين القوى السياسية الموجودة آنذاك “القصر والحركة الوطنية “، لإقامة دولة وطنية يشكل الإطار القانوني للحريات العامة، أهم عنصر بالنسبة لها.

 انظر الفصل 13 من دستور المملكة المغربية لسنة 1962.[35]

 انظر الفصل 14، نفسه.[36]

 انظر الفصل 15، نفسه.[37]

 إن قراءة نقدية لهندسة الحقوق والحريات في الدساتير المغربية، تبين أن دستور 1962، قد أصل لحقوق الإنسان في الباب الأول، المتعلق بالأحكام العامة والمبادئ [38]

الأساسية، وهو ما سارت عليه الدساتير السابقة، باستثناء دستور 2011، وهو ما يبرز ضعف الاهتمام بالحقوق والحريات لدى الفاعلين الرسميين.

   أمام التحولات الكبرى التي عرفها العالم مع بداية التسعينيات، و الدينامية السياسية التي عرفها المغرب، كان لزاما على المشرع الدستوري [39]

مواءمة تشريعاته مع نظيرتها في الأنظمة الدستورية المقارنة، التي أعلت من شأن الحقوق والحريات، وتعزيز أطر وهياكل ومؤسسات

دولة الحق والقانون، وترسيخ مبادئ حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها كونيا، مع ما يقتضيه ذلك من تعزيز لآلية القضاء الدستوري كمرتكز أساس لدولة القانون، وهو ما استجاب له المشرع الدستوري المغربي، من خلال الإصلاح الدستوري ل1992[39] و 1996، حيث أحدث هذا الإصلاح نقلة نوعية في مجال الحقوق والحريات، خاصة بعد الارتقاء بالغرفة الدستورية إلى مجلس دستوري “مستقل”، أنيطت به على الخصوص حماية الحقوق والحريات من خلال تفعيل آلية الرقابة على دستورية القوانين، بما فيها القوانين العادية، مع توسيع عدد الجهات التي لها الحق في مراجعة القضاء الدستوري، ما جعل الفاعلين السياسيين في الدولة يضعون رهانات مهمة على المجلس الدستوري، بهدف تكريس سمو الدستور وضبط التوازن المؤسساتي في الدولة وحماية الحقوق والحريات.

 انظر الفصل 15 من دستور المملكة المغربية لسنة 1996.[40]

 سعيد خضري، “روح الدستور، الإصلاح: السلطة والشرعية بالمغرب”، منشورات دفاتر سياسية/ سلسلة نقد السياسة، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى 2012[41]

ص: 50.

 

 تعتبر مصادقة المغرب على بعض المواثيق الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان كانت ضعيفة خلال هذه الفترة ، كما أنه على مستوى الممارسة تميزت        [42]

هذه المرحلة بانتهاكات سافرة لحقوق الإنسان بسبب تنامي الاحتجاجات الشعبية التي ووجهت بمحاكمات غير عادلة وعقوبات قاسية وصلت حد الحكم بالإعدام ، بالإضافة إلى الاغتيالات والاختطافات

على أن السنوات الأخيرة من فترة السبعينات ستشهد نوعا من أجواء الانفراج داخل الحقل السياسي عملت في خضمه السلطات على إعادة المسألة الحقوقية إلى واجهة الاهتمام العمومي ، خصوصا مع التحولات الدولية في سنوات الثمانينات التي ستشهد صعودا قويا وملفتا للمسألة الحقوقية بمختلف أبعادها عكست لحظة نضج واضحة على مستوى انتظام مختلف الفاعلين حول خطاب استكمال دولة الحق والقانون توجت بالاستجابة لمطالب الأحزاب والمنظمات الحقوقية بدسترة حقوق الإنسان.

إصلاحات قال عنها الفقيه جورج فيدال أنها وضعت المغرب على السكة الصحيح وأن ” المغرب يتجه في حركية مستمرة نحو نظام قانوني عصري من حيث الجوهر والمجسد في دولة القانون”، أما الفقيه الدستوري ميشيل روسي فيرى في إصلاحات دستور 1992 “…حققت نقلة نوعية في النظام السياسي المغربي، في اتجاه دولة القانون”، فيما اعتبرها الأستاذ عبدالهادي بوطالب  أن هذه المراجعة الدستورية “أدخلت عدة تعديلات جذرية، خصوصا ما يتعلق بجانب الاتفاقيات والمعاهدات الدولية”.

وقد كرست ديباجة الوثيقة الدستورية لسنة 1992 ، اعتراف المغرب بحقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها عالميا، وهو ما تم تكريسه في الدستور المعدل لسنة 1996. فإذا كانت دساتير “1962، 1970،1972″، لم ترقى بالإطار القانوني للحريات إلى المستوى المطلوب [42]، فإن دستور 1992،سيعزز الحريات الأساسية، بالتنصيص  في ديباجته، على تشبث المغرب بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا. وهو ما رأى فيه فقهاء، اعترافا بالاتفاقيات والمعاهدات المتعلقة بحقوق الإنسان والتي صادق عليها المغرب، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من القانون الوضعي المغربي، وهو ما سيؤكده دستور المملكة المغربية لسنة 2011، عندما نص في ديباجته على أن التصدير يشكل جزءا لا يتجزأ من هذا الدستور.

للمزيد انظر:

–  صالح أزحاف: “الحريات الأساسية، نحو تأسيس دستوري لمجتمع التعايش”، الطبعة الأولى، 2018، ص: 112-113.

 

 

[43] Mohammed ACHARGUI, Le conseil constitutionnel du royaume du Maroc, NCCC, n° 30, DALLOZ, Paris, 2011, p 213.

 عبدالعزيز النويضي، المحكمة الدستورية ومسألة الدفع بدستورية القوانين، م.س، ص 40.[44]

 المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان “دليل حول الضمانات الدستورية والآليات المؤسساتية لحماية حقوق الإنسان والنهوض بها”، ص 8.[45]

 الفصل   من دستور المملكة المغربية لسنة 2011.[46]

 ومما جاء في تصدير دستور 2011 : “…إن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل إقامة مؤسسات [47]

دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين الحقوق وواجبات المواطنة…، وإدراكا منها لضرورة إدراج عملها في إطار المنظمات الدولية، فإن المملكة المغربية، العضو العامل النشيط  في هذه المنظمات، تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها، من مبادئ وحقوق وواجبات، وتؤكد تشبتها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا…”. انظر ديباجة دستور 2011 كاملة.

 رضوان زهرو، “من يحكم المغرب…؟ الدستور وحقيقة التغيير، مجلة مسالك ، عدد مزدوج 19-20/2012 ، ص 101-102.[48]

 أولى دستور 2011 اهتماما خاصا للحقوق والحريات، حيث أفرد لها الباب الثاني من الدستور، ووسع وعائها بإدراج مختلف أجيال هذه الحقوق، في إطار هندسة[49]

دستورية لها، غير مسبوقة  في الدساتير التي سبقته، مسايرا في  ذلك، نهج الدساتير الديمقراطية المقارنة، انظر الصفحة 14 من الدراسة.

 مصطفى جاري، فؤاد إدريسي آيت الوالي، عبدالعزيز الراضي، دستور 2011 أمام اختبارتطبيق القوانين وأداء السياسات العمومية، كلية الحقوق القاضي عياض مراكش[50]

2014، ص 160-161.

 رضوان زهرو، “من يحكم المغرب…؟ الدستور وحقيقة التغيير، مجلة مسالك ، عدد  مزدوج 19-20/2012 ، ص 100.[51]

 – فالدستور يضمن مثلا حريات الاجتماع والتظاهر السلمي، حق التجمع وحق الانتماء النقابي والسياسي، ولكن القانون يحدد شروط ممارسة هذه [52]

الحريات (الفصل 29). والقانون سينظم جمعيات المجتمع المدني، يضبط حرية التأسيس. والقانون التنظيمي بشأن الأحزاب السياسية يضبط بصرامة الانتماء لهذه الأخيرة. ومن الواضح أن الدستور يضمن حق الإضراب ولكن القانون التنظيمي يحدد شروط وكيفيات ممارسته (الفصل 29 الفقرة 2).      وكما يضمن الدستور حق الملكية، لكن بالمقابل يمكن الحد من نطاقه وممارسته بموجب القانون، إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد (الفصل 35). وتضمن الدولة أيضا حرية المبادرة والمقاولة والمنافسة الرحة (الفصل 35 الفقرة 3)، ولا يجوز انتهاك حرمة المنزل، لكن التفتيش ممكن وفق شروط وإجراءات يحددها القانون (الفصل 24). وحق الحصول على المعلومة مضمون ومصون ولكن القانون قد يقيده، بهدف حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني، وحماية أن الدولة الداخلي والخارجي والحياة الخاصة للأفراد، وللوقاية من المس بالحريات والحقوق الأساسية، وحماية مصادر المعلومات والمجالات التي يحددها القانون بدقة (الفصل 27).  وكما أن الحال لايختلف بالنسبة لحرية الصحافة، فهي مضمونة لكن القانون يحدد قواعد تنظيم وسائل الإعلام العمومية ومراقبته (الفصل 28). أيضا للمواطنين والمواطنات، ضمن شروط وكيفيات يحددها قانون تنظيمي، الحق في تقديم التماسات في مجال التشريع (الفصل 14)، وللمواطنات والمواطنين الحق في تقديم عرائض إلى السلطات العمومية، ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسة هذا الحق (الفصل 15). ويتمتع المغاربة المقيمون في الخارج بحقوق المواطنة كاملة، ويحدد القانون المعايير الخاصة بالأهلية للانتخاب وحالات التعارض (الفصل 17). للمزيد يرجى مراجعة.

– مصطفى جاري، فؤاد إدريسي آيت الوالي، عبدالعزيز الراضي، دستور 2011 أمام اختبارتطبيق القوانين وأداء السياسات العمومية، كلية الحقوق القاضي عياض مراكش 2014، مرجع سابق ص 163.

 أحمد بوز: مرجع سابق، ص: 117.[53]

 احمد النويري، مرجع سابق،  ص: 14[54]

 استعمل الدستور اصطلاح “الحريات والحقوق الأساسية، حيث قام بتسبيق الحريات على الحقوق، بخلاف الدساتير المقارنة، ومنها الدستور الإسباني في بابه الأول، [55]

والدستور الألماني الذي استخدم  مصطلح “الحقوق الأساسية”، وأيضا الكتابات الأكاديمية المتخصصة في هذا المجال التي تستعمل مصطلح “الحقوق والحريات الأساسية”، فهل يعبر هذا التتسبيق عن نية مقصودة من المشرع الدستوري إلى منح أولوية خاصة للحريات على حساب الحقوق؟ أم أن هذا التسبيق ينم عن أهداف لغوية ونصية من خلال جعل مصطلح “الحقوق ” ملتصقا بمصطلح “الأساسية” بدل “الحريات”؟، وبالرجوع إلى فصول الدستور، وخصوصا في بابه الثاني، يتضح أن مجال التنصيص على “الحقوق” يغلب على دسترة “الحريات”، حيث وردت الحقوق الأساسية في أكثر من 12 حالة، في حين تم التنصيص على الحريات الأساسية في 6 حالات، وهو ما يعني أن إرادة المشرع لم تكن تهدف إلى منح أولوية خاصة لمجال الحقوق على الحريات.

وأمام ذلك، فقد تطرح  مجموعة من الاحتمالات العلمية بشأن هذا التنصيص في ظل غياب الأعمال التحضيرية للدستور، حيث يمكن أن يفهم من مصطلح “الحريات والحقوق الأساسية”، أن المشرع لدستوري أراد أن يربط لغويا مصطلح الحقوق ب”الأساسية”من خلال التسبيق النصي للحريات على الحقوق.

 ظهير شريف بإصدار الأمر بتنفيذ نص دستور في 4 نونبر 1962، ج.ر، عدد: 2616، صادر في 19 دجنبر 1962، ص: 2993.[56]

– ظهير شريف  رقم 1.70.1777 بإصدار الأمر بتنفيذ الدستور الصادر في 31 يوليوز 1970، ج.ر، عدد: 3013، صادر في 1 غشت 1970، ص: 1931.

– ظهير شريف رقم 1.72.061 بتنفيذ الدستور الصادر في 10 مارس 1972، ج.ر، عدد: 3098، صادر في 15 مارس 1972، ص: 627.

– ظهير شريف رقم 1.92.155 بتنفيذ نص مراجعة الدستور الصادر في 9 أكتوبر 1992، الجريدة الرسمية عدد: 41172، صادر في 14 أكتوبر 1992، ص: 1248.

– ظهير شريف 1.96,157 بتنفيذ نص الدستور المراجع الصادر في 7 أكتوبر 1996، جريدة رسمية عدد: 4420، صادر في 10-10-1996، ص: 2248.

 أحدث الدستور التأسيسي لسنة 1962 ضمن الباب الأول، المعنون بالأحكام العامة، عناوين فرعية خصصت لمجال الحقوق والحريات، حيث ارتبط العنوان الأول [57]

ب”حقوق المواطن السياسية”، وارتبطت أحكامه من الفصل 8 إلى الفصل 12. أما العنوان الثاني فقد سمي ب”حقوق المواطن الاقتصادية والاجتماعية”، وحددت له 6 فصول من الفصل 13 إلى الفصل 18، وقد حافظ دستور 1970 على نفس التنصيص الدستوري. اما دستور 1972 فقد حذف العناوين الدستورية السابقة “حقوق المواطن السياسية” و”حقوق المواطن الاقتصادية”، وأدرج الحقوق والحريات مباشرة في الباب الأول ضمن الأحكام العامة، وبالتحديد في المبادئ الأ|ساسية للدستور، واحتفظ بنفس الفصول، كما حافظ الدستور المراجع لسنة 1992 على نفس البنية الشكلية وأضاف بعض المقتضيات العامة في ديباجة الدستور. وساير أيضا الدستور المراجع لسنة 1996 نفس البنية الدستورية العامة.

 وبالتحديد تلك المتعلقة بالدستور المراجع لسنة 1992، حيث أضافت ديباجته مايلي: “…وتؤكد تشبتها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا”،[58]

والدستور المراجع لسنة 1996 الذي أضاف في الفصل الخامس عشر منه “حرية المبادرة الخاصة”.

 لم يتضمن الدستور الفرنسي لسنة 1958 أي باب مخصص للحقوق والحريات ضمن بنيته، حيث ارتبط مجال الحقوق والحريات ببعض مقتضياته كالمادة 3 منه[59]

التي نصت على الحق في التصويت، والحق في تأسيس الأحزاب السياسية ك (المادة 3) منه، التي نصت على الحق في التصويت، والحق في تأسيس الأحزاب السسياسية (المادة 4)، وغير

ذلك من بعض الحقوق الأخرى، إلا أن خصوصية النظام الفرنسي للحقوق والحريات هو إحالة ديباجة الدستور إلى إعلان حقوق الإنسان والمواطن لسنة 1789، وديباجة دستور 1946.

 وهو الباب الثاني من الدستور الذي تضمن 22 فصلا، وذلك من الفصل 19 إلى حدود الفصل 40 منه ، ج.ر، مرجع سابق، ص: 3605.[60]

 ونعرض لها  كالتالي: الحق في الحياة (الفصل20)، الحق في السلامة الشخصية (الفصل21) والجسدية والمعنوية(الفصل 22)، حماية الحياة الخاصة (الفصل 24)، الحق في [61]

الحصول على المعلومة  (الفصل 27)، وغير ذلك من الحقوق الأساسية.

 ونجملها في : حرية الفكر والرأي والتعبير (الفصل 25)، حرية الصحافة (الفصل 28)، حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي (الفصل 29).[62]

[63] Omar BENDOUREAU, les droits de l’homme dans la constitution marocaine de 2011 : débats autour de certains droits et libertés, la revue des droits de l’homme, n°6, 2014, www.revdh.revue.org, consulté le 21-04-2017  à 23h.

 نص الفصل 175 على التالي: “لايمكن أن تتناول المراجعة الأحكام  المتعلقة بالدين الإسلامي، والنظام الملكي للدولة، وبالاختيار الديمقراطي للأمة، وبالمكتسبات في [64]

مجال الحريات والحقوق الأساسية، المنصوص عليها في هذا الدستور”، جريدة رسمية عدد 5964 مكرر، م.س، ص: 3627.

 يجب التنبيه هنا إلى أن الباب الثاني  تضمن 22 فصلا، حيث خصصت الأربعة فصول الأخيرة منه (من الفصل 37 إلى الفصل 40)، لواجبات والتزامات المواطنين اتجاه[65]

الدولة في إطار التلازم التام بين الحقوق والواجبات.

 كما هو الشأن بالنسبة للفصل 31 من الدستور الذي نص على عشرة حقوق اجتماعية، مرجع سابق، ص: 3606.[66]

 تضمن الباب السابع المتعلق بالسلطة القضائية جزء مخصص ل”حقوق المتقاضين وقواعد سير العدالة”، والذي احتوى على 12 فصلا شمل مجموعة من الحقوق الأساسية[67]

المتعلقة بقواعد سير المحاكمة العادلة، مرجع سابق، ص: 3619.

 استعمل الدستور اصطلاح “الحريات والحقوق الأساسية، حيث قام بتسبيق الحريات على الحقوق، بخلاف الدساتير المقارنة، ومنها الدستور الإسباني في بابه الأول، [68]

والدستور الألماني الذي استخدم  مصطلح “الحقوق الأساسية”، وأيضا الكتابات الأكاديمية المتخصصة في هذا المجال التي تستعمل مصطلح “الحقوق والحريات الأساسية”، فهل يعبر هذا التتسبيق عن نية مقصودة من المشرع الدستوري إلى منح أولوية خاصة للحريات على حساب الحقوق؟ أم أن هذا التسبيق ينم عن أهداف لغوية ونصية من خلال جعل مصطلح “الحقوق ” ملتصقا بمصطلح “الأساسية” بدل “الحريات”؟، وبالرجوع إلى فصول الدستور، وخصوصا في بابه الثاني، يتضح أن مجال التنصيص على “الحقوق” يغلب على دسترة “الحريات”، حيث وردت الحقوق الأساسية في أكثر من 12 حالة، في حين تم التنصيص على الحريات الأساسية في 6 حالات، وهو ما يعني أن إرادة المشرع لم تكن تهدف إلى منح أولوية خاصة لمجال الحقوق على الحريات.

وأمام ذلك، فقد تطرح  مجموعة من الاحتمالات العلمية بشأن هذا التنصيص في ظل غياب الأعمال التحضيرية للدستور، حيث يمكن أن يفهم من مصطلح “الحريات والحقوق الأساسية”، أن المشرع لدستوري أراد أن يربط لغويا مصطلح الحقوق ب”الأساسية”من خلال التسبيق النصي للحريات على الحقوق.

[69] Louis FAVOREAU et Autres, droit des libertés fondamentales, op. cit, p.120.

 الباب الأول من الدستور الإسباني لسنة 1978، يراجع: مشروع الدساتير المقارنة، مرجع سابق، ص: 6 وما بعدها.[70]

 الجزء الأول من الدستور الإيطالي لسنة 1947 ، المرجع نفسه، ص: 4 وما بعدها.[71]

 نص الدستور الإيرلندي ل29 دجنبر 1939 على الحقوق الأساسية في المواد الأخيرة منه، على خلاف التجارب الدستورية المقارنة التي تدرج الحقوق والحريات إما في [72]

مقدمات الدستور أو في مواده الأولى، بالنظر لأهميتها ومكانتها الخاصة، حيث يتكون هذا الدستور من خمسين مادة، وجاءت الحقوق والحريات في الباب الرابع عشر المعنون بالحقوق الأساسية، انطلاقا من المادة 40 وإلى حدود المادة 44 منه. وقد تضمن هذا الدستور مجموعة من الحقوق الفردية والعائلية، وأخرى تتعلق بالحق في التعليم والملكية الخاصة، والحريات الدينية، وبعض المبادئ التوجيهية للأمن الاجتماعي.

 

 أحمد فتحي سرور، الحماية الدستورية للحقوق والحريات، دار الشروق، الطبعة الأولى، القاهرة، 1999، ص: 45.[73]

 [74] Louis FAVOREAU et Autres, droit des libertés fondamentales, op. cit, p.120.

[75] Philippe ARDANT, les constitutions et les libertés, revue POUVOIR, n° 84, seuil, Paris, 1988, P.61.

 حول دسترة الحقوق والحريات في دساتير بعض الدول العربية، أنظر: رفعت صبري سلمان البياتي، حقوق الإنسان في دساتير العالم العربي: دراسة تحليلية مقارنة، دار[76]

الفارابي، الطبعة الأولى، بيروت، 2013، ص: 119 وما بعدها.

 لم يشر الدستور الأمريكي لسنة 1787 والمؤسس للحكمة العليا، إلى أي مسطرة لمراقبة دستورية القوانين، فظهور اختصاص الرقابة كان نتيجة الطريقة التي أول بها [77]

القاضي الأمريكي دوره الدستوري، خصوصا في قضية ماربوري ضد ماديسون، حيث أكد القاضي ماريشال في حيثيات حكم هذه القضية، على مايلي : “مادام الدستور هو القانون الأسمى للبلد، فإنه لا يكون للتفرقة بين القانون الأسمى والقوانين العادية أية قيمة، إلا إذا تقيدت السلطة التشريعية في نشاطها، بحدود ذلك الدستور، فيما يصدر عنها من قوانين، فإذا خالفت القوانين الصادرة عنها نصوص الدستور، غدت باطلة وغير دستورية، فالدستور إما أن يكون أعلى لا يقبل التعديل بالوسائل العادية، التي تعدل بها التشريعات العادية، وإما أن يوضع على ذات المستوى من التشريعات العادية.

انظر محمد أتركين، الدستور والدستورانية، من دساتير فصل السلط إلى دساتير صك الحقوق، مطبعة النجاح الجديدة، الدارالبيضاء، ط1، 2005، ص: 94-95.

–  يعد مبدأ سمو الدستور أحد أهم ركائز نظام الرقابة على دستورية القوانين في علاقته بباقي القواعد القانونية الأخرى، إذ يشكل هذا المبدأ الأساس[78]

المرجعي للعدالة الدستورية  ومن خلاله يعمل القاضي الدستوري على ضمان احترام الدستور، من خلال رقابته على دستورية القوانين العادية والقوانين التنظيمية التي تسمح له بتطوير وظيفته الحقوقية. للمزيد يرجى مراجعة:

Louis FAVOREAU et Autres, droit constitutionnel, DALLOZ , 19 eme éd, paris, 2017, p, 94.

 

– تعتبر آلية الرقابة على الدستورية، بأنواعها المختلفة، من أنجع الوسائل التي ابتكرها العلم الدستوري لحماية سيادة القوانين وحماية الحقوق [79]

والحريات الأساسية للمواطنين، حيث تتيح له إمكانية التدخل المباشر في ممارسة دور حقوقي فعال، من خلال رقابته على مضمون القواعد القانونية ومطابقتها مع مقتضيات الدستور. فبما أن الدستور هو الحامي والضامن الأول للحقوق والحريات الأساسية، وبما أن الرقابة على الدستورية هي العين الساهرة والحصن المنيع الذي يحمي ويحافظ على الدستور من أي مخالفة له، فإن الرقابة تعتبر الميكانيزم والآلية الفضلى لحماية المواطنين والحفاظ على حقوقهم وحرياتهم، بل والعمل على تطويرها واتساع نطاقها من خلال حمايتها لها. للمزيد يرجى مراجعة:

– د.نبيلة عبدالحليم كامل – الرقابة القضائية على دستورية القوانين – القضاء الدستوري – دار النهضة العربية – 2002 – ص 26.

 – مذكور عند مصطفى المريني: القضاء الدستوري بالمغرب: دراسة تحليلية في نشأته وتطوره، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه، كلية العلوم القانونية الحسن الأول بسطات،[80]

ص:

[81] Dominique ROUSSEA, droit du contentieux constitutionnel, MONTCHRESTIEN, paris, 1990, p. 17.

 أشار الفقيه لويس فافورو إلى هذين النوعين من تدرج القواعد القانونية، حيث أكد على أن أي نظام قانوني كيفما كانت طبيعته يحتاج إلى تدرجية بين قواعده، وصنفها إلى[82]

تدرج عفوي، وتدرج منظم، فالصنف الأول يرتبط بالقواعد القانونية الدنيا، أما التدرج المنظم فيتعلق بالقواعد القانونية العليا، التي تقوم بتحديد شروط إنتاج تلك القواعد الدنيا وإجراءات تصحيحها وترتيبها.

للمزيد:

Louis FAVOREAU et Autres, droit constitutionnel, DALLOZ , 19 eme éd, paris, 2017, p, 74.

 هي  تصنيفات وضعت من طرف الفقه الفرنسي، فالتدرج الشكلي أو البنيوي يقوم على بناء علاقة تدرجية تربط بين مختلف مصادر القانون، وأساس هذه العلاقة هي أن [83]

القواعد القانونية العليا تسهر على تحديد شروط إنتاجها. أما التدرج الموضوعي أو المادي، فهو بخلاف الأول، ينبني  على أساس محتوى وموضوع القاعدة القانونية، ويقيم تمييزا بين القواعد القانونية المحددة، والقواعد المحددة. ويعود أصل التمييز بينهما إلى محتوى كل قاعدة، فالصنف الأول يوجد في مرتبة أعلى من الصنف الثاني، حيث يقوم بتحديد شروط تفعيله. أما التدرج المنطقي أو اللغوي، فهو يتأسس على نوعية اللغة القانونية، فالقاعدة القانونية الأعلى هي التي تقوم بتوجيه القاعدة الدنيا، وهذه الأخيرة تجعل من القاعدة العليا مرجعا قانونيا أصليا بالنسبة إليها. أما التدرج المعياري، فهو يجعل من القيمة المعنوية للقاعدة القانونية منطلقا لسموها، ويأخذ حمولة معيارية للقاعدة القانونية، سواء كان سياسيا، أو إيديولوجيا، أو فلسفيا، وبناء على طبيعة مضمونها المعياري، تحمل مرتبة أعلى

للمزيد:

Véronique CHAMPEIL-DESPLATS, hiérarchie des normes, principê justificatif de la suprématie de la constitution, in « traité international de droit constitutionnel : théorie de la constitution, t : 1, DALLOZ, 2012, p 737 et suiv.

 أصل الفقيه النمساوي هانس كلسن (1881-1973)، لنظرية تدرج القواعد القانونية انطلاقا من نظريته الفلسفية للقانون، حيث ستأتي فكرة التدرج في كتابة حول “النظرية[84]

الخالصة للقانون”، وسيبني نظريته الخالصة على أساس “منهجية خاصة ومغايرة لمعرفة القانون”. وبناء على هذا التوجه النظري والفقهي، سيؤسس لقاعدة من التدرج، حيث سيتشكل البناء القانوني من طوابق مختلفة، تبتدئ من الأعلى إلى الأدنى، ويتربع الدستور في قمة هذا التدرج: أنظر:

Hans KELESEN, qu’est ce que la théorie pure de droit ? Droit et société, LGDJ,n° 22, paris, 1922, p, 299.

[85] Hans KELESEN, Théorie pure de droit, op. cit, p 299.

[86] Hans KELESEN, Théorie général du droit et de l’état, traduit par béatrice LAROCHE, LGDJ, paris, 1997, p. 178.

[87] Dominique ROUSSEA, droit du contentieux constitutionnel, MONTCHRESTIEN, paris, 1990, p. 19.

[88] Burdeau (G) : Droit constitutionnel et institutions pomitiques, 5éme Ed, L.G.D.J, 1970, P 64

[89] رمضان محمد بطيخ – المرجع السابق – ص 329

[90] د.نبيلة عبدالحليم كامل – الرقابة القضائية على دستورية القوانين – القضاء الدستوري – دار النهضة العربية – 2002 – ص 19

[91][91] أشرف فايز اللمساوي، المبادئ الدستورية في التشريعات الوطنية، والمركز القومي للإصدارات القانونية، 2010، الطبعة الأولى، ص: 13

 إبراهيم شيحا، النظم السياسية والقانون الدستوري، الدار الجامعية، 1997 بيروت، الطبعة الرابعة، ص: 521 وما بعدها.[92]

 د. يحيى الجمل – رقابة دستورية القوانين- دراسة مقارنة- دار النهضة العربية- 2007 – ص 29 وما بعدها.[93]

 – أشرف فايز اللمساوي: المبادئ الدستورية في التشريعات الوطنية، المركز القومي للإصدارات القانونية، الطبعة الأولى 2010، ص: 13.[94]

 عبدالغاني بسيوني عبدالله: النظم السياسية والقانون الدستوري، مذكور عند: المصطفى المريني، مرجع سابق، ص: 123.[95]

 يعرف السمو الشكلي بوصفه “مجموعة القواعد القانونية التي تتضمنها الوثيقة الدستورية، والخاضعة لمسطرة خاصة، من حيث صياغتها، ومراجعتها، وإلغائها، ومراقبة [96]

احترام دستورية قوانينها…”، امحمد مالكي، الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، ط1، 2001، ص: 35.

 حول هذه النتائج أنظر :[97]

– د. محمد كامل ليلة –القانون الدستوري- المرجع السابق-ص 111 وما بعدها

– د. عثمان خليل عثمان –المبادئ الدستورية العامة- دار الفكر العربي-1956 م- ص 36 وما بعدها.

– د.السيد صبري –المرجع السابق- ص 19.

  حضور النقاش الفقهي حول مبدإ سمو الدستور في النظام الدستوري/القانوني المغربي، لا يرتبط بمناقشة الأسس الفقهية والنظرية لهذا المبدأ كما أصل له في الفقه [98]

المقارن،  بل  يتعلق أساسا بالبعد العلائقي لهذا السمو، في بيئة دستورية-سياسية، تعرف سمو المؤسسة الملكية  لارتباطات تاريخية وسياسية متأصلة.

 محمد المعتصم، “النظام السياسي الدستوري المغربي”، مؤسسة إيزيس للنشر، الدرالبيضاء، 1992.[99]

 حول الطبيعة الدستورية الخاصة لبعض مقتضيات الدستور، وخصوصا الفصل 19 من الدساتير المتعاقبة في المغرب، أنظر:[100]

Abdellatif MENNOUNI, « le recours a l’article 19, uje nouvelle lecture de la constitution », Revue juridique politique etéconomique du maroc, n° 15, 1984, pp. 25-42.

 محمد معتصم، “التطور التقليداني للقانون الدستوري المغربي”، م,س، ص: 26-27.[101]

 طرح تبناه الباحث الفرنسي ميشيل كيبال الذي أكد على أن مبدأ سمو الدستور يجد مبرره خارج القواعد الدستورية المكتوبة، بالنظر لارتباطها بأسس شرعية ذات أبعاد [102]

تاريخية ودينية، انظر:

Michel GUIBAL, la suprématie constitutionnelle au maroc revue juridique et politique indépendante et coopération, juillet-septembre , 1978, p. 899.

 محمد معتصم، “التطور التقليداني للقانون الدستوري المغربي”، م,س، ص: 24-25.[103]

 محمد معتصم، النظام السياسي الدستوري المغربي،م.س، ص: 76-77.[104]

[105] Mustapha SEHIMI, la notion de constitution au maroc, thése d’état en droit pulic, faculté de droit, Université Mohamed 5, Rabat, 1984, p. 57.

  نصت الفقرة الثالثة من الفصل 6 من دستور 2011، على أنه “تعتبر دستورية القواعد القانونية وتراتبيتها، ووجوب نشرها، مبادئ “، ج.ر عدد : 5964 مكرر، ص:[106]

76-77.

 

أكد المجلس الدستوري في قراره 937.2014 على أن “إحالة القوانين لا ترمي إلى تحقيق مصلحة خاصة بالجهة المحيلة للقانون، بل تروم ضمان احترام مبدأ سمو [107]

الدستور الذي يعد، بموجب فصله السادس، من المبادئ الملزمة” قرار صادر في 29 مايو 2014، ج.ر، عدد: 6262، بتاريخ 5 يونيو 2014، ص: 4810.

 تم إدراج مبدأ سمو الدستور ضمن المرتكزات السبع التي قدمت في الخطاب الملكي ل9 مارس 2011.[108]

 تشكلت الكتلة الديمقراطية بتاريخ 26 ماي 1992، من الأحزاب التي كانت سابقا تلقب بأحزاب الحركة الوطنية ممثلة في حزب الاستقلال، وحزب الاتحاد الاشتراكي [109]

للقوات الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية، إلى جانب منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، التي ولدت على أنقاض حركة 23 مارس السرية.

 مصطفى جاري، فؤاد إدريسي آيت والي، عبدالعزيز الراضي، “الدستور الجديد 2011: وثيقة جوهرية للانتقال الديمقراطي في المغرب؟، منشورات كلية العلوم القانونية[110]

والاقتصادية والاجتماعية القاضي عياض بمراكش، العدد 40-2013، ص 36[110]

  مصطفى جاري، فؤاد إدريسي آيت والي، عبدالعزيز الراضي، “الدستور الجديد 2011: وثيقة جوهرية للانتقال الديمقراطي في المغرب؟، منشورات كلية العلوم القانونية[111]

والاقتصادية والاجتماعية القاضي عياض بمراكش، العدد 40-2013، ص 37-38.

 زبيري رحال، دستور 2011 بين الثابت والمتغير ضمن دستور 2011 النص والسايق، مرجع سابق، ص 191.[112]

.عبدالغني اعبيزة، مراقبة العمل الحكومي بالمغرب، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، دار النشر المغربية، ط1، 2006، ص35.[113]

 كان لتصورات رضا اكديرة بشأن سمو المؤسسة الملكية، تأثير على باقي قادة أحزاب اليمين- لمزيد من التفاصيل انظر: بوبكر شقير، المفكر السياسي المغربي، ص[114]

157.

 يحيى الداعلي، القضاء الدستوري ودوره في بناء القانون بالمغرب”، المرجع السابق، ص 80.[115]

 عبدالكريم أقرقاب: “الدستور والقضاء الدستوري في المغرب إشكالية الرقابة والتأويل”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعةالقاضي عياض[116]

مراكش، السنة الجامعية 2001، ص 69.

 ينص الفصل 41 من دستور 2011، على أن “…الملك أمير المؤمنين، وحامي الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية. يراس الملك، أمير المؤمنين، [117]

المجلس العلمي الأعلى، الذي يتولى دراسة القضايا التي يعرضها عليه. ويعتبر المجلس الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوي، التي تعتمد رسميا، في شأن المسائل المحالة إليه، استنادا إلى مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف، ومقاصده السمحاء. تحدد اختصاصات المجلس وتأليفه، وكيفيات سيره، بظهير. يمارس الملك الصلاحيات الدينية المتعلقة بإمارة المؤمنين، والمخولة له حصريا، بمقتضى هذا الفصل، بواسطة ظهائر”.

 وينص الفصل 42 على أن: “الملك رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساته، يسهر على [118]

احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة. الملك هو ضامن استقلال البلاد، وحوزة المملكة، في دائرة حدودها الحقة. يمارس الملك هذه المهام بمقتضى ظهائر من خلال السلطات المخولة له صراحة بنص الدستور. توقع الظهائر  بالعطف من قبل رئيس الحكومة، ما عدا تلك المنصوص عليها في الفصول 41 و44، (الفقرة الثانية)، و47 (الفقرتان الأولى والسادسة)، و51و 57 و 59 و 130 (الفقرتان الأولى والرابعة)، و 174.

 محمد الغالي، جدلية الثابت والمتحول في دستور 2011 في ضوء قراءة السياق والركائز والأهداف، مرجع سابق، ص 58.[119]

 عبدالاله أمين ، “الثابت والمتغير في النظام السياسي المغربي على ضوء دستور 2011″، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 121، مارس-أبريل، 2015[120]

ص 58_59.

 سبق أن طالبت بعض الأحزاب السياسية المغربية بالتنصيص على اعتبار “الملك كرئيس للدولة وممثلها الأسمى”، انظر مذكرة حزب العدالة والتنمية المرفوعة للجنة  [121]

الاستشارية لمراجعة الدستور، نفس المطلب نجده في بعض الكتابات الأكاديمية، انظر مثلا: عبدالعزيز النويضي: الإصلاح الدستوري في المملكة المغربية”، ط 1، 2005، ص 64.

 التعبير الذي استعمله الأستاذ محمد معتصم في مختلف كتاباته.[122]

 حسن طارق ، “الدستور والديمقراطية، قراءة في التوثرات المهيكلة لوثيقة 2011″،  2013 ، ص 24-25.[123]

 محمد الرضواني: “التنمية السياسية في المغرب: تشكل السلطة التنفيذية وممارستها من سنة 1956 إلى سنة 2000” – 2011، ص 172.[124]

 نجيب حجيوي “سمو المؤسسة الملكية بالمغرب-دراسة قانونية-” أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في الحقوق- أكدال الرباط، 2000/2001، ص 172.[125]

 خطاب تقديم دستور 2011، بتاريخ 17 يونيو، أضاف صفة جديدة غير موجودة في النص الدستوري، إنها صفة “الموجه الأمين”، انظر:[126]

– محمد الساسي: “الملك يقدم الدستور: قراءة في العلاقة بين نص الخطاب الملكي ل17 يونيو 2011، ونص الدستور الجديد” في “الدستور الجديد ووهم التغيير” مؤلف

جماعي، دفاتر وجهة نظر عدد 24 ، تنسيق عمر بندورو، ص 36.

 نجيب حجيوي “سمو المؤسسة الملكية بالمغرب-دراسة قانونية-” أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في الحقوق- أكدال الرباط، 2000/2001، ص 172.[127]

 حسن طارق ، “الدستور والديمقراطية، قراءة في التوثرات المهيكلة لوثيقة 2011″،  2013 ، ص26.[128]

 محمد مدني: “الدستور الجديد تركيز السلطة وضعف الضمانات” في الدستور الجديد ووهم التغيير”، مؤلف جماعي، دفاتر وجهة نظر، عدد 24، تنسيق عمر بندورو، [129]

ص 104.

 يمكن الإشارة إلى بعضها على الشكل التالي:  [130]

– تعيين رئيس الحكومة (الفصل 47 فقرة أولى)، تعيين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها (الفصل 47 فقرة ثانية)،  رئاسة المجلس الوزاري (الفصل 48)، إصدار الأمر بتنفيذ القانون (الفصل 50)،  حق حل مجلسي البرلمان أو أحدهما بظهير (الفصل 51) ، مخاطبة الأمة والبرلمان (الفصل 52)، القيادة العليا للقوات المسلحة الملكية وحق التعيين في الوظائف العسكرية (الفصل 53)،  رئاسة المجلس الأعلى للأمن (الفصل 54)، اعتماد السفراء لدى الدول الأجنبية والمنظمات الدولية، ولديه يعتمد السفراء وممثلوا المنظمات الدولية (الفصل 55)، رئاسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية (الفصل 56)، الموافقة ظهير على تعيين القضاة من قبل المجلس الأعلى للسلطة القضائية (الفصل 57)، ممارسة حق العفو (الفصل 58)،  إعلان حالة الاستثناء (الفصل 59)، الضامن لاستقلال السلطة القضائية (الفصل 107)،  تعيين ستة أعضاء داخل المحكمة الدستورية، بالإضافة إلى تعيين رئيسها من بين الأعضاء الذين تتألف منهم (الفصل 130).

  محمد مدني: “الدستور الجديد تركيز السلطة وضعف الضمانات” في الدستور الجديد ووهم التغيير”، مؤلف جماعي، دفاتر وجهة نظر، عدد 24، تنسيق عمر بندورو [131]

مرجع سابق ص 104.

 مصطفى قلوش: “النظام الدستوري 1 – المؤسسة الملكية”، طبعة 1996-1997، ص 44.[132]

 عشوري محمد فؤاد: “مفهوم الملكية البرلمانية في النظام السياسي المغربي، من خلال دستور 2011″، في “دستور 2011 بامغرب: مقاربات متعددة”، مجلة الحقوق، [133]

سلسلة الأعداد الخاصة، العدد 5، ماي 2012، ص 104.

– وبالإضافة إلى تعيين الملك لرئيس الحكومة، وتعيينه لأعضائها، باقتراح من رئيسها، يمكن للملك بمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة أن يعفي[134]

عضوا أو أكثر من أعضائها من مهامهم. كما يترتب عن استقالة رئيس الحكومة إعفاء الحكومة بكاملها من لدن الملك.

وتشكل رئاسة الملك للمجلس الوزاري بصلاحياته المهمة، إحدى أبرز أوجه علاقة الملك بالسلطة التنفيذية. للملك كذلك بناء على الفصل 92، الحق في الاطلاع على خلاصات مداولات مجلس الحكومة.

وفي علاقته بالسلطة التشريعية، يمكن للملك أن يطلب من مجلسي البرلمان أن يقرأ قراءة جديدة كل مشروع أو مقترح قانون، ووفق الفصل95 من دستور 2011، تطلب هذه القراءة الجديدة بخطاب، ولا يمكن أن ترفض هذه القراءة الجديدة.

كما يمكنه مخاطبة البرلمان، حيث يتلى خطابه أمام كل من المجلسين، ولا يمكن أن يكون مضمونه موضوع أي نقاش داخلهما (الفصل 52).

للملك كذلك حق حل مجلسي البرلمان أو أحدهما، ضمن شروط تتعلق باستشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، ثم توجيه خطاب إلى الأمة (الفصل 96)، على أن يتم انتخاب البرلمان الجديد في ظرف شهرين على الأكثر، بعد تاريخ الحل (الفصل 97)، وإذا وقع حل أحد المجلسين، فلا يمكن حل المجلس الذي يليه إلا بعد مضي سنة على انتخابه، ما عدا في حالة تعذر توفر أغلبية حكومية، داخل مجلس النواب الجديد (الفصل 98).

وبخصوص علاقة الملك بالسلطة القضائية، فيعتبر الدستور المغربي أن الملك الضامن لاستقلالية السلطة القضائية (الفصل 107)، وإليه تعود رئاسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية (الفصل 56)، كمايوافق بظهير على تعيين القضاة من قبل المجلس المذكور(الفصل 57)، كما تصدر الأحكام القضائية وتنفذ باسم الملك (الفصل 124)، ويمارس الملك كذلك حق العفو (الفصل 58).

 مصطفى جاري، فؤاد إدريسي آيت والي، عبدالعزيز الراضي، “الدستور الجديد 2011: وثيقة جوهرية للانتقال الديمقراطي في المغرب؟، منشورات كلية العلوم[135]

القانونية والاقتصادية والاجتماعية القاضي عياض بمراكش، العدد 40-2013، ص 38-39.

 نذير مومني: ” مشروع الدستور كان صدى لمقترحات الأحزاب السياسية”، حوار مع جريدة الخبر، الإثنين 20 يونيو 2011، ص 3.[136]

Exit mobile version